islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
15457

17-الإسراء

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } تَنْزِيهًا لِلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ وَتَبْرِئَة لَهُ مِمَّا يَقُول فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ مِنْ خَلْقه شَرِيكًا , وَأَنَّ لَهُ صَاحِبَة وَوَلَدًا , وَعُلُوًّا لَهُ وَتَعْظِيمًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ , وَنَسَبُوهُ مِنْ جَهَالَاتهمْ وَخَطَأ أَقْوَالهمْ . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ قَوْله { سُبْحَان } اِسْم وُضِعَ مَوْضِع الْمَصْدَر , فَنُصِبَ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : نُصِبَ لِأَنَّهُ غَيْر مَوْصُوف , وَلِلْعَرَبِ فِي التَّسْبِيح أَمَاكِن تَسْتَعْمِلهُ فِيهَا . فَمِنْهَا الصَّلَاة , كَانَ كَثِير مِنْ أَهْل التَّأْوِيل يَتَأَوَّلُونَ قَوْل اللَّه : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ } : [37 143 ]فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُصَلِّينَ . وَمِنْهَا الِاسْتِثْنَاء , كَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } : [68 28 ]لَوْلَا تَسْتَثْنُونَ , وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لُغَة لِبَعْضِ أَهْل الْيَمَن , وَيُسْتَشْهَد لِصِحَّةِ تَأْوِيله ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ } [68 17 : 18 ]قَالَ : { قَالَ أَوْسَطهمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ } [68 28 ]فَذَكَّرَهُمْ تَرْكهمْ الِاسْتِثْنَاء . وَمِنْهَا النُّور , وَكَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل فِي الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَوْلَا ذَلِكَ لَأَحْرَقَتْ سَبَحَات وَجْهه مَا أَدْرَكَتْ مِنْ شَيْء | أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : سَبَحَات وَجْهه : نُور وَجْهه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16613 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن مَوْهِب , عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَة , (عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّسْبِيح أَنْ يَقُول الْإِنْسَان : سُبْحَان اللَّه , قَالَ : | إِنْزَاهُ اللَّه عَنْ السُّوء . )16614 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : (سُبْحَان اللَّه : قَالَ : إِنْكَاف لِلَّهِ . )وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَار فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا قَبْل . وَالْإِسْرَاء وَالسُّرَى : سَيْر اللَّيْل . فَمَنْ قَالَ : أَسْرَى , قَالَ : يُسْرِي إِسْرَاء ; وَمَنْ قَالَ : سَرَى , قَالَ : يَسْرِي سُرًى , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَلَيْلَة ذَات دُجًى سَرَيْت .......... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ <br>وَيُرْوَى : ذَات نَدًى سَرَيْت .|لَيْلًا|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَيْلًا } مِنْ اللَّيْل . وَكَذَلِكَ كَانَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان يَقْرَؤُهَا . 16615 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : (سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن عَيَّاش وَرَجُل يُحَدِّث عِنْده بِحَدِيثٍ حِين أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : لَا تَجِيء بِمِثْلِ عَاصِم وَلَا زِرّ , قَالَ : قَرَأَ حُذَيْفَة : | سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى | وَكَذَا قَرَأَ عَبْد اللَّه .)|مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى|وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي مِنْ الْحَرَم , وَقَالَ : الْحَرَم كُلّه مَسْجِد . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَقَالَ : وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ نَائِمًا فِي بَيْت أُمّ هَانِئ اِبْنَة أَبِي طَالِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي صَالِح بْن بَاذَام (عَنْ أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب , فِي مَسْرَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول : مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِم عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَة , فَصَلَّى الْعِشَاء الْآخِرَة , ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا , فَلَمَّا كَانَ قُبَيْل الْفَجْر , أَهَبَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح وَصَلَّيْنَا مَعَهُ قَالَ : | يَا أُمّ هَانِئ لَقَدْ صَلَّيْت مَعَكُمْ الْعِشَاء الْآخِرَة كَمَا رَأَيْت لِهَذَا الْوَادِي , ثُمَّ جِئْت بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّيْت فِيهِ , ثُمَّ صَلَّيْت صَلَاة الْغَدَاة مَعَكُمْ الْآن كَمَا تَرَيْنَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد , وَفِيهِ كَانَ حِين أُسْرِيَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16617 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , وَهُوَ رَجُل مِنْ قَوْمه قَالَ : (قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | بَيْنَا أَنَا عِنْد الْبَيْت بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان , إِذْ سَمِعْت قَائِلًا يَقُول , أَحَد الثَّلَاثَة , فَأَتَيْت بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهَا مِنْ مَاء زَمْزَم , فَشَرَحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا | قَالَ قَتَادَة : قُلْت : مَا يَعْنِي بِهِ ؟ قَالَ : إِلَى أَسْفَل بَطْنه ; قَالَ : | فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي فَغَسَلَ بِمَاءِ زَمْزَم ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانه , ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَة , ثُمَّ أَتَيْت بِدَابَّةٍ أَبْيَض | , وَفِي رِوَايَة أُخْرَى : | بِدَابَّةٍ بَيْضَاء يُقَال لَهُ الْبُرَاق , فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل , يَقَع خَطْوه مُنْتَهَى طَرَفه , فَحَمَلْت عَلَيْهِ , ثُمَّ اِنْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّيْت فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا , ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا | . ... فَذَكَرَ الْحَدِيث . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك , يَعْنِي اِبْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة رَجُل مِنْ قَوْمه , قَالَ : قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 16618 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : ثني عَمْرو بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | بَيْنَا أَنَا نَائِم فِي الْحِجْر جَاءَنِي جِبْرِيل فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا , فَعُدْت لِمَضْجَعِي , فَجَاءَنِي الثَّانِيَة فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا , فَعُدْت لِمَضْجَعِي , فَجَاءَنِي الثَّالِثَة فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ , فَجَلَسْت , فَأَخَذَ بِعَضُدِي فَقُمْت مَعَهُ , فَخَرَجَ بِي إِلَى بَاب الْمَسْجِد , فَإِذَا دَابَّة بَيْضَاء بَيْن الْحِمَار وَالْبَغْل , لَهُ فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِز بِهِمَا رِجْلَيْهِ , يَضَع يَده فِي مُنْتَهَى طَرَفه , فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مَعِي , لَا يَفُوتنِي وَلَا أَفُوتهُ . )16619 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ سُلَيْمَان بْن بِلَال , عَنْ شَرِيك بْن أَبِي نِمْر , قَالَ : (سَمِعْت أَنَسًا يُحَدِّثنَا عَنْ لَيْلَة الْمَسْرَى بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَة نَفَر قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام , فَقَالَ أَوَّلهمْ : أَيّهمْ هُوَ ؟ قَالَا أَوْسَطهمْ : هُوَ خَيْرهمْ , فَقَالَ أَحَدهمْ : خُذُوا خَيْرهمْ , فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة , فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبه - وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَام عَيْنَاهُ , وَلَا يَنَام قَلْبه . وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تَنَام أَعْيُنهمْ , وَلَا تَنَام قُلُوبهمْ - فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى اِحْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْد بِئْر زَمْزَم , فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَشَقَّ مَا بَيْن نَحْره إِلَى لَبَّته , حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْره وَجَوْفه , فَغَسَلَهُ مِنْ مَاء زَمْزَم حَتَّى أَنْقَى جَوْفه , ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهِ تَوْر مَحْشُوّ إِيمَانًا وَحِكْمَة , فَحَشَا بِهِ جَوْفه وَصَدْره وَلَغَادِيده , ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ رَكِبَ الْبُرَاق , فَسَارَ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّى فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا , ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَنَادَاهُ أَهْل السَّمَاء : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا جَبْرَائِيل , قِيلَ : مَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَيَسْتَبْشِر بِهِ أَهْل السَّمَاء , لَا يَعْلَم أَهْل السَّمَاء بِمَا يُرِيد اللَّه بِأَهْلِ الْأَرْض حَتَّى يُعَلِّمهُمْ , فَوَجَدَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدَم , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : هَذَا أَبُوك , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَرَدَّ عَلَيْهِ , فَقَالَ : مَرْحَبًا بِك وَأَهْلًا يَا بُنَيّ , فَنِعْمَ الِابْن أَنْتَ , ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ , فَقِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَفُتِحَ لَهُمَا ; فَلَمَّا صَعِدَ فِيهَا فَإِذَا هُوَ بِنَهَرَيْنِ يَجْرِيَانِ , فَقَالَ : مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جَبْرَائِيل ؟ قَالَ : هَذَا النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قِيلَ : أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ , قِيلَ : مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا , فَفُتِحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ عَلَيْهِ قِبَاب وَقُصُور مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت , وَغَيْر ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , فَذَهَبَ يَشُمّ تُرَابه , فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر , فَقَالَ : يَا جَبْرَائِيل مَا هَذَا الْمَهْر ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك فِي الْآخِرَة ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَة , فَقَالُوا بِهِ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْخَامِسَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ; ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّابِعَة , فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ , وَكُلّ سَمَاء فِيهَا أَنْبِيَاء قَدْ سَمَّاهُمْ أَنَس , فَوَعَيْت مِنْهُمْ إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة , وَهَارُون فِي الرَّابِعَة , وَآخَر فِي الْخَامِسَة لَمْ أَحْفَظ اِسْمه , وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة , وَمُوسَى فِي السَّابِعَة بِتَفْضِيلِ كَلَامه اللَّه , فَقَالَ مُوسَى : رَبّ لَمْ أَظُنّ أَنْ يُرْفَع عَلَيَّ أَحَد ! ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْق ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَدَنَا بَاب الْجَبَّار رَبّ الْعِزَّة , فَتَدَلَّى فَكَانَ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى , فَأَوْحَى إِلَى عَبْده مَا شَاءَ , وَأَوْحَى اللَّه فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاة عَلَى أُمَّته كُلّ يَوْم وَلَيْلَة , ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد مَاذَا عَهِدَ إِلَيْك رَبّك ؟ قَالَ : | عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة عَلَى أُمَّتِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة | ; قَالَ : إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ , فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك وَعَنْهُمْ , فَالْتَفَتَ إِلَى جَبْرَائِيل كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرهُ فِي ذَلِكَ , فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ , فَعَادَ بِهِ جَبْرَائِيل حَتَّى أَتَى الْجَبَّار عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مَكَانه , فَقَالَ : | رَبّ خَفِّفْ عَنَّا , فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيع هَذَا | , فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْر صَلَوَات ; ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَاحْتَبَسَهُ , فَلَمْ يَزُلْ يُرَدِّدهُ مُوسَى إِلَى رَبّه حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْس صَلَوَات , ثُمَّ اِحْتَبَسَهُ عِنْد الْخَمْس , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد قَدْ وَاَللَّه رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْس , فَضَعُفُوا وَتَرَكُوهُ , فَأُمَّتك أَضْعَف أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا , فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك رَبّك , كُلّ ذَلِكَ يَلْتَفِت إِلَى جَبْرَائِيل لِيُشِيرَ عَلَيْهِ , وَلَا يَكْرَه ذَلِكَ جَبْرَائِيل , فَرَفَعَهُ عِنْد الْخَمْس , فَقَالَ : | يَا رَبّ إِنَّ أُمَّتِي ضِعَاف أَجْسَادهمْ وَقُلُوبهمْ وَأَسْمَاعهمْ وَأَبْصَارهمْ , فَخَفِّفْ عَنَّا | , قَالَ الْجَبَّار جَلَّ جَلَاله : يَا مُحَمَّد , قَالَ : | لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك | , فَقَالَ : إِنِّي لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ كَمَا كَتَبْت عَلَيْك فِي أُمّ الْكِتَاب , وَلَك بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا , وَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمّ الْكِتَاب , وَهِيَ خَمْس عَلَيْك ; فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى , فَقَالَ : كَيْف فَعَلْت ؟ فَقَالَ : | خَفَّفَ عَنِّي , أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا | , قَالَ : قَدْ وَاَللَّه رَاوَدَنِي بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَتَرَكُوهُ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك أَيْضًا , قَالَ : | يَا مُوسَى قَدْ وَاَللَّه اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِف إِلَيْهِ | , قَالَ : فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّه , فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَالْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ الَّذِي يَتَعَارَفهُ النَّاس بَيْنهمْ إِذَا ذَكَرُوهُ , وَقَوْله : { إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى } يَعْنِي : مَسْجِد بَيْت الْمَقْدِس , وَقِيلَ لَهُ : الْأَقْصَى , لِأَنَّهُ أَبْعَد الْمَسَاجِد الَّتِي تُزَار , وَيَنْبَغِي فِي زِيَارَته الْفَضْل بَعْد الْمَسْجِد الْحَرَام . فَتَأْوِيل الْكَلَام تَنْزِيهًا لِلَّهِ , وَتَبْرِئَة لَهُ مَا نَحَلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْإِشْرَاك وَالْأَنْدَاد وَالصَّاحِبَة , وَمَا يَجِلّ عَنْهُ جَلَّ جَلَاله , الَّذِي سَارَ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ بَيْته الْحَرَام إِلَى بَيْته الْأَقْصَى . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة إِسْرَاء اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْرَى اللَّه بِجَسَدِهِ , فَسَارَ بِهِ لَيْلًا عَلَى الْبُرَاق مِنْ بَيْته الْحَرَام إِلَى بَيْته الْأَقْصَى حَتَّى أَتَاهُ , فَأَرَاهُ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيه مِنْ عَجَائِب أَمْره وَعِبَره وَعَظِيم سُلْطَانه , فَجَمَعْت لَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاء , فَصَلَّى بِهِمْ هُنَالِكَ , وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء حَتَّى صَعِدَ بِهِ فَوْق السَّمَاوَات السَّبْع , وَأَوْحَى إِلَيْهِ هُنَالِكَ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام مِنْ لَيْلَته , فَصَلَّى بِهِ صَلَاة الصُّبْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَذَكَرَ بَعْض الرِّوَايَات الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِهِ : 16620 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : (أَخْبَرَنِي اِبْن الْمُسَيَّب وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْرِيَ بِهِ عَلَى الْبُرَاق , وَهِيَ دَابَّة إِبْرَاهِيم الَّتِي كَانَ يَزُور عَلَيْهَا الْبَيْت الْحَرَام , يَقَع حَافِرهَا مَوْضِع طَرَفهَا , قَالَ : فَمَرَّتْ بِعِيرٍ مِنْ عِيرَات قُرَيْش بِوَادٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْدِيَة , فَنَفَرَتْ الْعِير , وَفِيهَا بَعِير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ : سَوْدَاء , وَزَرْقَاء , حَتَّى أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيلِيَاء فَأُتِيَ بِقَدَحَيْنِ : قَدَح خَمْر , وَقَدَح لَبَن , فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَح اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : هُدِيت إِلَى الْفِطْرَة , لَوْ أَخَذْت قَدَح الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك . قَالَ اِبْن شِهَاب : فَأَخْبَرَنِي اِبْن الْمُسَيَّب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ هُنَاكَ إِبْرَاهِيم وَعِيسَى , فَنَعَتَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | فَأَمَّا مُوسَى فَضَرْب رَجِل الرَّأْس كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَة , وَأَمَّا عِيسَى فَرَجِل أَحْمَر كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاس , فَأَشْبَه مَنْ رَأَيْت بِهِ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ ; وَأَمَّا إِبْرَاهِيم فَأَنَا أَشْبَه وَلَده بِهِ | ; فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَدَّثَ قُرَيْشًا أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ . قَالَ عَبْد اللَّه : فَارْتَدَّ نَاس كَثِير بَعْد مَا أَسْلَمُوا , قَالَ أَبُو سَلَمَة : فَأَتَى أَبُو بَكْر الصِّدِّيق , فَقِيلَ لَهُ : هَلْ لَك فِي صَاحِبك , يَزْعُم أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ رَجَعَ فِي لَيْلَة وَاحِدَة , قَالَ أَبُو بَكْر : أَوَقَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : فَأَشْهَد إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ , قَالُوا : أَفَتَشْهَد أَنَّهُ جَاءَ الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ؟ قَالَ : إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء . قَالَ أَبُو سَلَمَة : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش قُمْت فَمَثَّلَ اللَّه لِي بَيْت الْمَقْدِس , فَطَفِقْت أُخْبِرهُمْ عَنْ آيَاته وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ . )16621 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هَاشِم بْن عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (لَمَّا جَاءَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبُرَاقِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَأَنَّهَا ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا , فَقَالَ لَهَا جَبْرَائِيل : مَهْ يَا بُرَاق , فَوَاَللَّهِ إِنْ رَكِبَك مِثْله ; فَسَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ نَاءٍ عَنْ الطَّرِيق : أَيْ عَلَى جَنْب الطَّرِيق . )قَالَ أَوْ جَعْفَر : يَنْبَغِي أَنْ يُقَال : نَائِيَة , وَلَكِنْ أَسْقَطَ مِنْهَا التَّأْنِيث . فَقَالَ : | مَا هَذِهِ يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : سِرْ يَا مُحَمَّد , فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير , فَإِذَا شَيْء يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنْ الطَّرِيق يَقُول : هَلُمَّ يَا مُحَمَّد , قَالَ جَبْرَائِيل : سِرْ يَا مُحَمَّد , فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير ; قَالَ : ثُمَّ لَقِيَهُ خَلْق مِنْ الْخَلَائِق , فَقَالَ أَحَدهمْ : السَّلَام عَلَيْك يَا أَوَّل , وَالسَّلَام عَلَيْك يَا آخِر , وَالسَّلَام عَلَيْك يَا حَاشِر , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : اُرْدُدْ السَّلَام يَا مُحَمَّد , قَالَ : فَرَدَّ السَّلَام ; ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِي , فَقَالَ لَهُ مِثْل مَقَالَة الْأَوَّلِينَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاء وَاللَّبَن وَالْخَمْر , فَتَنَاوَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : أَصَبْت يَا مُحَمَّد الْفِطْرَة , وَلَوْ شَرِبْت الْمَاء لَغَرِقْت وَغَرِقَتْ أُمَّتك , وَلَوْ شَرِبْت الْخَمْر لَغَوَيْت وَغَوَتْ أُمَّتك . ثُمَّ بَعَثَ لَهُ آدَم فَمَنْ دُونه مِنْ الْأَنْبِيَاء , فَأَمَّهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة , ثُمَّ قَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : أَمَّا الْعَجُوز الَّتِي رَأَيْت عَلَى جَانِب الطَّرِيق , فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْر تِلْكَ الْعَجُوز , وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ , فَذَاكَ عَدُوّ اللَّه إِبْلِيس , أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ ; وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْك , فَذَاكَ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى . 16622 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - (فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله , لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } قَالَ . جَاءَ جَبْرَائِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مِيكَائِيل , فَقَالَ جَبْرَائِيل لِمِيكَائِيل : اِئْتِنِي بِطَسْتٍ مِنْ مَاء زَمْزَم كَيْمَا أُطَهِّر قَلْبه , وَأَشْرَح لَهُ صَدْره , قَالَ : فَشَقَّ عَنْ بَطْنه , فَغَسَلَهُ ثَلَاث مَرَّات , وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ مِيكَائِيل بِثَلَاثِ طَسَّات مِنْ مَاء زَمْزَم , فَشَرَحَ صَدْره , وَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلّ , وَمَلَأَهُ حِلْمًا وَعِلْمًا وَإِيمَانًا وَيَقِينًا وَإِسْلَامًا , وَخَتَمَ بَيْن كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّة , ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ كُلّ خُطْوَة مِنْهُ مُنْهَى طَرَفه وَأَقْصَى بَصَره . قَالَ : فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَتَى عَلَى قَوْم يَزْرَعُونَ فِي يَوْم وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْم , كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا جَبْرَائِيل مَا هَذَا ؟ | قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه , تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَة بِسَبْعِ مِائَة ضِعْف , وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُرْضَخ رُءُوسهمْ بِالصَّخْرِ , كُلَّمَا رَضَخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ , لَا يُفَتَّر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَقَالَ : | مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَل رُءُوسهمْ عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم عَلَى أَقْبَالهمْ رِقَاع , وَعَلَى أَدْبَارهمْ رِقَاع , يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَح الْإِبِل وَالْغَنَم , وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيع وَالزَّقُّوم وَرَضَف جَهَنَّم وَحِجَارَتهَا , قَالَ : | مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَات أَمْوَالهمْ , وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه شَيْئًا , وَمَا اللَّه بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم بَيْن أَيْدِيهمْ لَحْم نَضِيج فِي قُدُور , وَلَحْم آخَر نِيء قَذِر خَبِيث , فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ النِّيء , وَيَدَعُونَ النَّضِيج الطَّيِّب , فَقَالَ : | مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك , تَكُون عِنْده الْمَرْأَة الْحَلَال الطَّيِّب , فَيَأْتِي اِمْرَأَة خَبِيثَة فَيَبِيت عِنْدهَا حَتَّى يُصْبِح , وَالْمَرْأَة تَقُوم مِنْ عِنْد زَوْجهَا حَلَالًا طَيِّبًا , فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا , فَتَبِيت مَعَهُ حَتَّى تُصْبِح . قَالَ : ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَة فِي الطَّرِيق لَا يَمُرّ بِهَا ثَوْب إِلَّا شَقَّتْهُ , وَلَا شَيْء إِلَّا خَرَقَتْهُ , قَالَ : | مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَذَا مَثَل أَقْوَام مِنْ أُمَّتك يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيق فَيَقْطَعُونَهُ . ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ } [7 86 ]الْآيَة . ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُل قَدْ جَمَعَ حُزْمَة حَطَب عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حَمْلهَا , وَهُوَ يَزِيد عَلَيْهَا , فَقَالَ : | مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك تَكُون عِنْده أَمَانَات النَّاس لَا يَقْدِر عَلَى أَدَائِهَا , وَهُوَ يَزِيد عَلَيْهَا , وَيُرِيد أَنْ يَحْمِلهَا , فَلَا يَسْتَطِيع ذَلِكَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُقْرَض أَلْسِنَتهمْ وَشِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ حَدِيد , كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفَتَّر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , قَالَ : | مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيل ؟ | فَقَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاء أُمَّتك خُطَبَاء الْفِتْنَة يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ; ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْر صَغِير يَخْرُج مِنْهُ ثَوْر عَظِيم , فَجَعَلَ الثَّوْر يُرِيد أَنْ يَرْجِع مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيع , فَقَالَ : | مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَذَا الرَّجُل يَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَة , ثُمَّ يَنْدَم عَلَيْهَا , فَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَرُدّهَا ; ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ , فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَة بَارِدَة , وَفِيهِ رِيح الْمِسْك , وَسَمِعَ صَوْتًا , فَقَالَ : | يَا جَبْرَائِيل مَا هَذِهِ الرِّيح الطَّيِّبَة الْبَارِدَة وَهَذِهِ الرَّائِحَة الَّتِي كَرِيحِ الْمِسْك , وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ | قَالَ : هَذَا صَوْت الْجَنَّة تَقُول : يَا رَبّ آتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَدْ كَثُرَتْ غُرَفِي وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي وَسُنْدُسِي وَعَبْقَرِيّ , وَلُؤْلُئِي وَمَرْجَانِي , وَفِضَّتِي وَذَهَبِي , وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي , وَفَوَاكِهِي وَنَخْلِي وَرُمَّانِي , وَلِبَنِي وَخَمْرِي , فَآتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَالَ : لَك كُلّ مُسْلِم وَمُسْلِمَة , وَمُؤْمِن وَمُؤْمِنَة , وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي , وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِك بِي , وَلَمْ يَتَّخِذ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا , وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِن , وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته , وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْته , وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلِيّ كَفَيْته , إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِف الْمِيعَاد , وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , وَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ , قَالَتْ : قَدْ رَضِيت ; ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا , وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَة , فَقَالَ : وَمَا هَذِهِ الرِّيح يَا جَبْرَائِيل وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ | قَالَ : هَذَا صَوْت جَهَنَّم , تَقُول : يَا رَبّ آتِنِي مَا وَعَدْتنِي , فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي , وَسَعِيرِي وَجَحِيمِي , وَضَرِيعِي وَغَسَّاقِي , وَعَذَابِي وَعِقَابِي , وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي وَاشْتَدَّ حَرِّي , فَآتِنِي مَا وَعَدْتنِي , قَالَ : لَك كُلّ مُشْرِك وَمُشْرِكَة , وَكَافِر وَكَافِرَة , وَكُلّ خَبِيث وَخَبِيثَة , وَكُلّ جَبَّار لَا يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب , قَالَتْ : قَدْ رَضِيت ; قَالَ : ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْت الْمَقْدِس , فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسه إِلَى صَخْرَة , ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَة ; فَلَمَّا قُضِيَتْ الصَّلَاة . قَالُوا : يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , فَقَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; قَالَ : ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء فَأَثْنَوْا عَلَى رَبّهمْ , فَقَالَ إِبْرَاهِيم : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي اِتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا , وَجَعَلَنِي أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ يُؤْتَمّ بِي , وَأَنْقَذَنِي مِنْ النَّار , وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا ; ثُمَّ إِنَّ مُوسَى أَثْنَى عَلَى رَبّه فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا , وَجَعَلَ هَلَاك آل فِرْعَوْن وَنَجَاة بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى يَدَيَّ , وَجَعَلَ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا يُهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ; ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا وَعَلَّمَنِي الزَّبُور , وَأَلَانَ لِي الْحَدِيد , وَسَخَّرَ لِي الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر , وَأَعْطَانِي الْحِكْمَة وَفَصْل الْخِطَاب ; ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِي الرِّيَاح , وَسَخَّرَ لِي الشَّيَاطِين , يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْت مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل وَجِفَان كَالْجَوَابِ , وَقُدُور رَاسِيَات , وَعَلَّمَنِي مَنْطِق الطَّيْر , وَآتَانِي مِنْ كُلّ شَيْء فَضْلًا , وَسَخَّرَ لِي جُنُود الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالطَّيْر , وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي , وَجَعَلَ مُلْكِي مُلْكًا طَيِّبًا لَيْسَ عَلَيَّ فِيهِ حِسَاب ; ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَته وَجَعَلَ مَثَلِي مَثَل آدَم خَلْقه مِنْ تُرَاب , ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُون , وَعَلَّمَنِي الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَجَعَلَنِي أَخْلُق مِنْ الطِّين هَيْئَة الطَّيْر , فَأَنْفُخ فِيهِ , فَيَكُون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه , وَجَعَلَنِي أُبْرِئ الْأَكَمَة وَالْأَبْرَص , وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه , وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي , وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيل ; قَالَ : ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى رَبّه , فَقَالَ : | كُلّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبّه , وَأَنَا مُثْنٍ عَلَى رَبِّي | , فَقَالَ : | الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ , وَكَافَّة لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَان فِيهِ تِبْيَان كُلّ شَيْء , وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَجَعَلَ أُمَّتِي وَسَطًا , وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمْ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ الْآخِرُونَ , وَشَرَحَ لِي صَدْرِي , وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي , وَجَعَلَنِي فَاتِحًا خَاتَمًا | قَالَ إِبْرَاهِيم : بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّد - قَالَ : أَبُو جَعْفَر : وَهُوَ الرَّازِيّ : خَاتَم النُّبُوَّة , وَفَاتِح بِالشَّفَاعَةِ يَوْم الْقِيَامَة - ثُمَّ أَتَى إِلَيْهِ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَة مُغَطَّاة أَفْوَاههَا , فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاء , فَقِيلَ : اِشْرَبْ , فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا ; ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ لَبَن , فَقِيلَ لَهُ : اِشْرَبْ , فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَ ; ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ خَمْر , فَقِيلَ لَهُ : اِشْرَبْ , فَقَالَ : | لَا أُرِيدهُ قَدْ رُوِيت | فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتك , وَلَوْ شَرِبْت مِنْهَا لَمْ يَتْبَعك مِنْ أُمَّتك إِلَّا الْقَلِيل , ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ فَقَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ , قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ تَامّ الْخَلْق لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء , كَمَا يَنْقُص مِنْ خَلْق النَّاس , عَلَى يَمِينه بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح طَيِّبَة , وَعَنْ شِمَاله بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح خَبِيثَة , إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ , وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَكَى وَحَزِنَ , فَقُلْت : | يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا الشَّيْخ التَّامّ الْخَلْق الَّذِي لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء , وَمَا هَذَانِ الْبَابَانِ ؟ | قَالَ : هَذَا أَبُوك آدَم , وَهَذَا الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه بَاب الْجَنَّة , إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلهُ مِنْ ذُرِّيَّته ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ , وَالْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَاب جَهَنَّم , إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلهُ مِنْ ذُرِّيَّته بَكَى وَحَزِنَ ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قِيلَ : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ , فَقَالَ : | يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَانِ الشَّبَّانِ ؟ | قَالَ : هَذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا اِبْنَا الْخَالَة , قَالَ : فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة , فَاسْتَفْتَحَ , فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فَضَلَ عَلَى النَّاس كُلّهمْ فِي الْحُسْن , كَمَا فَضَلَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب , قَالَ : | مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل الَّذِي فَضَلَ عَلَى النَّاس فِي الْحُسْن ؟ | قَالَ : هَذَا أَخُوك يُوسُف ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; قَالَ : فَدَخَلَ , فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ , قَالَ : | مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل ؟ | قَالَ : هَذَا إِدْرِيس رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا . ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس وَحَوْله قَوْم يَقُصّ عَلَيْهِمْ , قَالَ : | مَنْ هَذَا يَا جَبْرَائِيل وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَوْله ؟ | قَالَ : هَذَا هَارُون الْمُحَبَّب فِي قَوْمه , وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيل ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقِيلَ لَهُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ; فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس , فَجَاوَزَهُ , فَبَكَى الرَّجُل , فَقَالَ : | يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا ؟ | قَالَ : مُوسَى , قَالَ : | فَمَا بَاله يَبْكِي ؟ | قَالَ : تَزْعُم بَنُو إِسْرَائِيل أَنِّي أَكْرَم بَنَى آدَم عَلَى اللَّه , وَهَذَا رَجُل مِنْ بَنِي آدَم قَدْ خَلَفَنِي فِي دُنْيَا , وَأَنَا فِي أُخْرَى , فَلَوْ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ لَمْ أُبَالِ , وَلَكِنَّ مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته ; ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيل , فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشْمَط جَالِس عِنْد بَاب الْجَنَّة عَلَى كُرْسِيّ , وَعِنْده قَوْم جُلُوس بِيض الْوُجُوه , أَمْثَال الْقَرَاطِيس , وَقَوْم فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَدَخَلُوا نَهَرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء , ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر , فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء , ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر فَاغْتَسَلُوا فِيهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ , أَلْوَانهمْ شَيْء , فَصَارَتْ مِثْل أَلْوَان أَصْحَابهمْ , فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابهمْ , فَقَالَ : | يَا جَبْرَائِيل مَنْ هَذَا الْأَشْمَط , ثُمَّ مَنْ هَؤُلَاءِ الْبِيض وُجُوههمْ , وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , وَمَا هَذِهِ الْأَنْهَار الَّتِي دَخَلُوا , فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ أَلْوَانهمْ ؟ | قَالَ : هَذَا أَبُوك إِبْرَاهِيم أَوَّل مَنْ شَمِطَ عَلَى الْأَرْض , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْبِيض الْوُجُوه : فَقَوْم لَمْ يَلْبَسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ , وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ . فِي أَلْوَانهمْ شَيْء , فَقَوْم خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا , فَتَابُوا , فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَأَمَّا الْأَنْهَار : فَأَوَّلهَا رَحْمَة اللَّه , وَثَانِيهَا : نِعْمَة اللَّه , وَالثَّالِث : سَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا ; قَالَ : ثُمَّ اِنْتَهَى إِلَى السِّدْرَة , فَقِيلَ لَهُ : هَذِهِ السِّدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلّ أَحَد خَلَا مِنْ أُمَّتك عَلَى سُنَّتك , فَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه , وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ , وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى , وَهِيَ شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعهَا , وَالْوَرَقَة مِنْهَا مُغَطِّيَة لِلْأُمَّةِ كُلّهَا , قَالَ : فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق عَزَّ وَجَلَّ , وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَة , قَالَ : فَكَلَّمَهُ عِنْد ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ : سَلْ , فَقَالَ : | اِتَّخَذْت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا , وَأَعْطَيْته مُلْكًا عَظِيمًا , وَكَلَّمْت مُوسَى تَكْلِيمًا , وَأَعْطَيْت دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا , وَأَلَنْت لَهُ الْحَدِيد , وَسَخَّرْت لَهُ الْجِبَال , وَأَعْطَيْت سُلَيْمَان مُلْكًا عَظِيمًا , وَسَخَّرْت لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين , وَسَخَّرْت لَهُ الرِّيَاح , وَأَعْطَيْته مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , وَعَلَّمْت عِيسَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَجَعَلْته يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه , وَأَعَذْته وَأُمّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيل | . فَقَالَ لَهُ رَبّه : قَدْ اِتَّخَذْتُك حَبِيبًا وَخَلِيلًا , وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة : حَبِيب اللَّه ; وَأَرْسَلْتُك إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَشَرَحْت لَك صَدْرك , وَوَضَعْت عَنْك وِزْرك , وَرَفَعْت لَك ذِكْرك , فَلَا أُذْكَر إِلَّا ذُكِرْت مَعِي , وَجَعَلْت أُمَّتك أُمَّة وَسَطًا , وَجَعَلْت أُمَّتك هُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , وَجَعَلْت أُمَّتك لَا تَجُوز لَهُمْ خُطْبَة , حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي , وَجَعَلْت مِنْ أُمَّتك أَقْوَامًا قُلُوبهمْ أَنَاجِيلهمْ , وَجَعَلْتُك أَوَّل النَّبِيِّينَ خَلْقًا , وَآخِرهمْ بَعْثًا , وَأَوَّلهمْ يُقْضَى لَهُ , وَأَعْطَيْتُك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي , لَمْ يُعْطَهَا نَبِيّ قَبْلك , وَأَعْطَيْتُك الْكَوْثَر , وَأَعْطَيْتُك ثَمَانِيَة أَسْهُم الْإِسْلَام وَالْهِجْرَة , وَالْجِهَاد , وَالصَّدَقَة , وَالصَّلَاة , وَصَوْم رَمَضَان , وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَجَعَلْتُك فَاتِحًا وَخَاتَمًا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ : أَعْطَانِي فَوَاتِح الْكَلِم وَخَوَاتِيمه , وَجَوَامِع الْحَدِيث , وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَن

وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَآتَى مُوسَى الْكِتَاب , وَرَدَّ الْكَلَام إِلَى { وَآتَيْنَا } وَقَدْ اِبْتَدَأَ بِقَوْلِهِ أَسْرَى لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْل الْعَرَب فِي نَظَائِر ذَلِكَ مِنْ اِبْتِدَاء الْخَبَر بِالْخَبَرِ عَنْ الْغَائِب , ثُمَّ الرُّجُوع إِلَى الْخِطَاب وَأَشْبَاهه . وَعَنَى بِالْكِتَابِ الَّذِي أُوتِيَ مُوسَى : التَّوْرَاة .|وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ| { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل } يَقُول : وَجَعَلْنَا الْكِتَاب الَّذِي هُوَ التَّوْرَاة بَيَانًا لِلْحَقِّ , وَدَلِيلًا لَهُمْ عَلَى مَحَجَّة الصَّوَاب فِيمَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ , وَأَمَرَهُمْ بِهِ , وَنَهَاهُمْ عَنْهُ .|أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا|وَقَوْله : { أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { أَلَّا تَتَّخِذُوا } بِالتَّاءِ بِمَعْنَى : وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب بِأَنْ لَا تَتَّخِذُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيل { مِنْ دُونِي وَكِيلًا } . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة : | أَلَّا يَتَّخِذُوا | بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل , بِمَعْنَى : وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل , أَلَّا يَتَّخِذ بَنُو إِسْرَائِيل , مِنْ دُونِي وَكِيلًا , وَهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , مُتَّفِقَتَانِ غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب , غَيْر أَنِّي أُؤْثِر الْقِرَاءَة بِالتَّاءِ , لِأَنَّهَا أَشْهَر فِي الْقِرَاءَة وَأَشَدّ اِسْتِفَاضَة فِيهِمْ مِنْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل أَلَّا تَتَّخِذُوا حَفِيظًا لَكُمْ سِوَايَ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْوَكِيل فِيمَا مَضَى . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الشَّرِيك . 16632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا } قَالَ : شَرِيكًا . )وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا جَعَلَ إِقَامَة مَنْ أَقَامَ شَيْئًا سِوَى اللَّه مَقَامه شَرِيكًا مِنْهُ لَهُ , وَوَكِيلًا لِلَّذِي أَقَامَهُ مَقَام اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16633 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل } جَعَلَهُ اللَّه لَهُمْ هُدًى , يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , وَجَعَلَهُ رَحْمَة لَهُمْ .)

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى , وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح . وَعَنَى بِالذُّرِّيَّةِ : جَمِيع مَنْ اِحْتَجَّ عَلَيْهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذَا الْقُرْآن مِنْ أَجْنَاس الْأُمَم , عَرَبهمْ وَعَجَمهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ عَلَى الْأَرْض مِنْ بَنِي آدَم , فَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلَهُ اللَّه مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16634 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح } وَالنَّاس كُلّهمْ ذُرِّيَّة مَنْ أَنْجَى اللَّه فِي تِلْكَ السَّفِينَة ; وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَا نَجَا فِيهَا يَوْمئِذٍ غَيْر نُوح وَثَلَاثَة بَنِينَ لَهُ , وَامْرَأَته وَثَلَاث نِسْوَة , وَهُمْ : سَام , وَحَام , وَيَافِث ; فَأَمَّا سَام : فَأَبُو الْعَرَب ; وَأَمَّا حَام : فَأَبُو الْحَبَش ; وَأَمَّا يَافِث : فَأَبُو الرُّوم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح } قَالَ : بَنُوهُ ثَلَاثَة وَنِسَاؤُهُمْ , وَنُوح وَامْرَأَته . )16635 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : (قَالَ مُجَاهِد : بَنُوهُ وَنِسَاؤُهُمْ وَنُوح , وَلَمْ تَكُنْ اِمْرَأَته . )وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .|إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا|وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : | إِنَّهُ | إِنَّ نُوحًا , وَالْهَاء مِنْ ذِكْر نُوح , كَانَ عَبْدًا شَكُورًا لِلَّهِ عَلَى نِعَمه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي سَمَّاهُ اللَّه مِنْ أَجْله شَكُورًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَمَّاهُ اللَّه بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمَد اللَّه عَلَى طَعَامه إِذَا طَعِمَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16636 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : (كَانَ نُوح إِذَا لَبِسَ , ثَوْبًا أَوْ أَكَلَ طَعَامًا حَمِدَ اللَّه , فَسُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا . )16637 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سِنَان , عَنْ سَعِيد بْن مَسْعُود بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سِنَان , عَنْ سَعِيد بْن مَسْعُود قَالَ : (مَا لَبِسَ نُوح جَدِيدًا قَطُّ , وَلَا أَكَلَ طَعَامًا قَطُّ إِلَّا حَمِدَ اللَّه فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { عَبْدًا شَكُورًا } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثني سُفْيَان الثَّوْرِيّ , قَالَ : ثني أَيُّوب , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَ نُوح عَبْدًا شَكُورًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا حَمِدَ اللَّه , وَإِذَا أَكَلَ طَعَامًا حَمِدَ اللَّه . )16638 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } قَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُجَدِّد ثَوْبًا قَطُّ إِلَّا حَمِدَ اللَّه , وَلَمْ يَبْلَ ثَوْبًا قَطُّ إِلَّا حَمِدَ اللَّه , وَإِذَا شَرِبَ شَرْبَة إِلَّا حَمِدَ اللَّه , قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانِيهَا عَلَى شَهْوَة وَلَذَّة وَصِحَّة , وَلَيْسَ فِي تَفْسِيرهَا , وَإِذَا شَرِبَ شَرْبَة قَالَ هَذَا , وَلَكِنْ بَلَغَنِي ذَا . )16639 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو فَضَالَة , عَنْ النَّضْر بْن شُفَيّ , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْم , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَ نُوح عَبْدًا شَكُورًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ الطَّعَام قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي , وَلَوْ شَاءَ أَجَاعَنِي ; وَإِذَا شَرِبَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانِي , وَلَوْ شَاءَ أَظْمَأَنِي ; وَإِذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي , وَلَوْ شَاءَ أَعْرَانِي ; وَإِذَا لَبِسَ نَعْلًا قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي حَذَانِي , وَلَوْ شَاءَ أَحْفَانِي ; وَإِذَا قَضَى حَاجَة قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ , وَلَوْ شَاءَ حَبَسَهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا . 16640 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر أَنَّ اِبْن أَبِي مَرْيَم حَدَّثَهُ , قَالَ : (إِنَّمَا سَمَّى اللَّه نُوحًا عَبْدًا شَكُورًا , أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ الْبِرَاز مِنْهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَوَّغَنِيكَ طَيِّبًا , وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاك , وَأَبْقَى مَنْفَعَتك . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 16641 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (قَالَ اللَّه لِنُوحٍ { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَجِدْ ثَوْبًا قَطُّ إِلَّا حَمِدَ اللَّه , وَكَانَ يَأْمُر إِذَا اِسْتَجَدَّ الرَّجُل ثَوْبًا أَنْ يَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أَتَجَمَّل بِهِ , وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } قَالَ : كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ , وَإِذَا أَخْلَقَهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ .)

وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } </subtitle>وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَعْنَى الْقَضَاء : الْفَرَاغ مِنْ الشَّيْء , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي كُلّ مَفْرُوغ مِنْهُ , فَتَأْوِيل الْكَلَام فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَفَرَغَ رَبّك إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابه عَلَى مُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بِإِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ , وَإِخْبَاره لَهُمْ { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ } يَقُول : لَتَعْصُنَّ اللَّه يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل وَلَتُخَالِفُنَّ أَمْره فِي بِلَاده مَرَّتَيْنِ { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } يَقُول : وَلَتَسْتَكْبِرُنَّ عَلَى اللَّه بِاجْتِرَائِكُمْ عَلَيْهِ اِسْتِكْبَارًا شَدِيدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16642 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : أَعْلَمْنَاهُمْ . )16643 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل } يَقُول : أَعْلَمْنَاهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَضَيْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي أُمّ الْكِتَاب , وَسَابِق عِلْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16644 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : هُوَ قَضَاء مَضَى عَلَيْهِمْ . )16645 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل } قَضَاء قَضَاهُ عَلَى الْقَوْم كَمَا تَسْمَعُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَخْبَرَنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16646 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب } قَالَ : أَخْبَرَنَا بَنِي إِسْرَائِيل . )وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال تَعُود مَعَانِيهَا إِلَى مَا قُلْت فِي مَعْنَى قَوْله : { وَقَضَيْنَا } وَإِنْ كَانَ الَّذِي اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ أَشْبَهَ بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى قِرَاءَة قَوْله { لَتُفْسِدُنَّ } بِالتَّاءِ دُون الْيَاء , وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَضَيْنَا عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَاب , لَكَانَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ أَوْلَى مِنْهَا بِالتَّاءِ , وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ لَمَّا كَانَ أَعْلَمْنَاهُمْ وَأَخْبَرَنَاهُمْ , وَقُلْنَا لَهُمْ , كَانَتْ التَّاء أَشْبَهَ وَأَوْلَى لِلْمُخَاطَبَةِ . وَكَانَ فَسَاد بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض الْمَرَّة الْأُولَى مَا : 16647 - حَدَّثَنِي بِهِ هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِح , وَعَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه (أَنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ } فَكَانَ أَوَّل الْفَسَادَيْنِ : قَتْل زَكَرِيَّا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَلِك النَّبَط , وَكَانَ يُدْعَى صحابين فَبَعَثَ الْجُنُود , وَكَانَ أَسَاوِرَته مِنْ أَهْل فَارِس , فَهُمْ أُولُو بَأْس شَدِيد , فَتَحَصَّنَتْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَخَرَجَ فِيهِمْ بُخْتُنَصَّرَ يَتِيمًا مِسْكِينًا , إِنَّمَا خَرَجَ يَسْتَطْعِم , وَتَلَطَّفَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَة فَأَتَى مَجَالِسهمْ , فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ : لَوْ يَعْلَم عَدُوّنَا مَا قُذِفَ فِي قُلُوبنَا مِنْ الرُّعْب بِذُنُوبِنَا مَا أَرَادُوا قِتَالنَا , فَخَرَجَ بُخْتُنَصَّرَ حِين سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَاشْتَدَّ الْقِيَام عَلَى الْجَيْش , فَرَجَعُوا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد , فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل تَجَهَّزُوا , فَغَزَوْا النَّبَط , فَأَصَابُوا مِنْهُمْ وَاسْتَنْقَذُوا مَا فِي أَيْدِيهمْ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ , وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَر نَفِيرًا } يَقُول : عَدَدًا . )16648 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (كَانَ إِفْسَادهمْ الَّذِي يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ : قَتْل زَكَرِيَّا وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , سَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَابُور ذَا الْأَكْتَاف مَلِكًا مِنْ مُلُوك فَارِس , مَنْ قَتَلَ زَكَرِيَّا , وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ مَنْ قَتَلَ يَحْيَى . )16649 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن سَعِيد الثَّوْرِيّ , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَة بْن الْيَمَان يَقُول : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا اِعْتَدَوْا وَعَلَوْا , وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاء , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَلِك فَارِس بُخْتَنَصَّرَ وَكَانَ اللَّه مَلَّكَهُ سَبْع مِائَة سَنَة , فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلَ بَيْت الْمَقْدِس فَحَاصَرَهَا وَفَتَحَهَا , وَقَتَلَ عَلَى دَم زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا , ثُمَّ سَبَى أَهْلهَا وَبَنِي الْأَنْبِيَاء , وَسَلَبَ حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلْفًا وَمِائَة أَلْف عَجَلَة مِنْ حُلِيّ حَتَّى أَوْرَدَهُ بَابِل | قَالَ حُذَيْفَة : فَقُتِلَ : يَا رَسُول اللَّه لَقَدْ كَانَ بَيْت الْمَقْدِس عَظِيمًا عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : | أَجَلْ بَنَاهُ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ مِنْ ذَهَب وَدُرّ وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد , وَكَانَ بَلَاطًا بَلَاطَة مِنْ ذَهَب وَبَلَاطَة مِنْ فِضَّة , وَعُمُده ذَهَبًا , أَعْطَاهُ اللَّه ذَلِكَ , وَسَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِين يَأْتُونَهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فِي طَرْفَة عَيْن , فَسَارَ بُخْتُنَصَّرَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء حَتَّى نَزَلَ بِهَا بَابِل , فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيل فِي يَدَيْهِ مِائَة سَنَة تُعَذِّبهُمْ الْمَجُوس وَأَبْنَاء الْمَجُوس , فِيهِمْ الْأَنْبِيَاء وَأَبْنَاء الْأَنْبِيَاء ; ثُمَّ إِنَّ اللَّه رَحِمَهُمْ , فَأَوْحَى إِلَى مَلِك مِنْ مُلُوك فَارِس يُقَال لَهُ كُورَس , وَكَانَ مُؤْمِنًا , أَنْ سِرْ إِلَى بَقَايَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى تَسْتَنْقِذهُمْ , فَسَارَ كُورَس بِبَنِي إِسْرَائِيل وَحُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى رَدَّهُ إِلَيْهِ , فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيل مُطِيعِينَ لِلَّهِ مِائَة سَنَة , ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا فِي الْمَوَاضِع , فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ اِبْطِيَانْحُوس , فَغَزَا بِأَبْنَاءِ مِنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصَّرَ , فَغَزَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أَتَاهُمْ بَيْت الْمَقْدِس , فَسَبَى أَهْلهَا , وَأَحْرَقَ بَيْت الْمَقْدِس , وَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِي إِسْرَائِيل إِنْ عُدْتُمْ فِي الْمَعَاصِي عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالسِّبَاءِ , فَعَادُوا فِي الْمَعَاصِي , فَسَيَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ السِّبَاء الثَّالِث مَلِك رُومِيَّة , يُقَال لَهُ قَاقِس بْن إِسْبَايُوس , فَغَزَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , فَسَبَاهُمْ وَسَبَى حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَأَحْرَقَ بَيْت الْمَقْدِس بِالنِّيرَانِ | فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | هَذَا مِنْ صَنْعَة حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَيَرُدّهُ الْمَهْدِيّ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ أَلْف سَفِينَة وَسَبْع مِائَة سَفِينَة , يُرْسَى بِهَا عَلَى يَافَا حَتَّى تُنْقَل إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَبِهَا يَجْمَع اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ . )16650 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى فِي خَبَره عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَفِي أَحْدَاثهمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ بَعْده , فَقَالَ : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ , وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } . ... إِلَى قَوْله : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم الْكَافِرِينَ حَصِيرًا } فَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَفِيهِمْ الْأَحْدَاث وَالذُّنُوب , وَكَانَ اللَّه فِي ذَلِكَ مُتَجَاوِزًا عَنْهُمْ , مُتَعَطِّفًا عَلَيْهِمْ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ , فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ بِهِمْ فِي ذُنُوبهمْ مَا كَانَ قَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْخَبَر عَلَى لِسَان مُوسَى مِمَّا أَنْزَلَ بِهِمْ فِي ذُنُوبهمْ . فَكَانَ أَوَّل مَا أَنْزَلَ بِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْوَقَائِع , أَنَّ مَلِكًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى صِدِّيقَة , وَكَانَ اللَّه إِذَا مَلَّكَ الْمَلِك عَلَيْهِمْ , بَعَثَ نَبِيًّا يُسَدِّدهُ وَيُرْشِدهُ , وَيَكُون فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَيُحْدِث إِلَيْهِ فِي أَمْرهمْ , لَا يُنْزِل عَلَيْهِمْ الْكُتُب , إِنَّمَا يُؤْمَرُونَ بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاة وَالْأَحْكَام الَّتِي فِيهَا , وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَة , وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى مَا تَرَكُوا مِنْ الطَّاعَة ; فَلَمَّا مَلَكَ ذَلِكَ الْمَلِك , بَعَثَ اللَّه مَعَهُ شعياء بْن أمصيا , وَذَلِكَ قَبْل مَبْعَث زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وشعياء الَّذِي بَشَّرَ بِعِيسَى وَمُحَمَّد , فَمَلَكَ ذَلِكَ الْمَلِك بَنِي إِسْرَائِيل وَبَيْت الْمَقْدِس زَمَانًا ; فَلَمَّا اِنْقَضَى مُلْكه عَظُمَتْ فِيهِمْ الْأَحْدَاث , وشعياء مَعَهُ , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ سنحاريب مَلِك بَابِل , وَمَعَهُ سِتّ مِائَة أَلْف رَايَة , فَأَقْبَلَ سَائِرًا حَتَّى نَزَلَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس , وَالْمَلِك مَرِيض فِي سَاقه قُرْحَة , فَجَاءَ النَّبِيّ شعياء , فَقَالَ لَهُ : يَا مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل إِنَّ سنحاريق مَلِك بَابِل , قَدْ نَزَلَ بِك هُوَ وَجُنُوده سِتّ مِائَة أَلْف رَايَة , وَقَدْ هَابَهُمْ النَّاس وَفَرَّقُوا مِنْهُمْ , فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِك , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه هَلْ أَتَاك وَحْي مِنْ اللَّه فِيمَا حَدَثَ , فَتُخْبِرنَا بِهِ كَيْف يَفْعَل اللَّه بِنَا وبسنحاريب وَجُنُوده ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام : لَمْ يَأْتِنِي وَحْي أَحْدَثَ إِلَيَّ فِي شَأْنك . فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ , أَوْحَى اللَّه إِلَى شعياء النَّبِيّ : أَنْ اِئْتِ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل , فَمُرْهُ أَنْ يُوصِي وَصِيَّته , وَيَسْتَخْلِف عَلَى مُلْكه مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْل بَيْته . فَأَتَى النَّبِيّ شعياء مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل صِدِّيقَة , فَقَالَ لَهُ : إِنَّ رَبّك قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ آمُرك أَنْ تُوصِي وَصِيَّتك , وَتَسْتَخْلِف مَنْ شِئْت عَلَى مُلْكك مِنْ أَهْل بَيْتك , فَإِنَّك مَيِّت ; فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ شعياء لِصِدِّيقَة , أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَة , فَصَلَّى وَسَبَّحَ وَدَعَا وَبَكَى , فَقَالَ وَهُوَ يَبْكِي وَيَتَضَرَّع إِلَى اللَّه بِقَلْبٍ مُخْلِص وَتَوَكُّل وَصَبْر وَصِدْق وَظَنّ صَادِق . اللَّهُمَّ رَبّ الْأَرْبَاب , وَإِلَه الْآلِهَة , قُدُّوس الْمُتَقَدِّسِينَ , يَا رَحْمَن يَا رَحِيم , الْمُتَرَحِّم الرَّءُوف الَّذِي لَا تَأْخُذهُ سَنَة وَلَا نَوْم , اُذْكُرْنِي بِعَمَلِي وَفِعْلِي وَحُسْن قَضَائِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَذَلِكَ كُلّه كَانَ مِنْك , فَأَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنْ نَفْسِي ; سِرِّي وَعَلَانِيَتِي لَك ; وَإِنَّ الرَّحْمَن اِسْتَجَابَ لَهُ , وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى شعياء أَنْ يُخْبِر صِدِّيقَة الْمَلِك أَنَّ رَبّه قَدْ اِسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ وَرَحِمَهُ , وَقَدْ رَأَى بُكَاءَهُ , وَقَدْ أَخَّرَ أَجَله خَمْس عَشْرَة سَنَة , وَأَنْجَاهُ مِنْ عَدُوّهُ سنحاريب مَلِك بَابِل وَجُنُوده , فَأَتَى شعياء النَّبِيّ إِلَى ذَلِكَ الْمَلِك فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ , فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ ذَهَبَ عَنْهُ الْوَجَع , وَانْقَطَعَ عَنْهُ الشَّرّ وَالْحُزْن , وَخَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ : يَا إِلَهِي وَإِلَه آبَائِي , لَك سَجَدْت وَسَبَّحْت وَكَرَّمْت وَعَظَّمْت , أَنْتَ الَّذِي تُعْطِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء , وَتَنْزِعهُ مِمَّنْ تَشَاء , وَتُعِزّ مَنْ تَشَاء , وَتُذِلّ مَنْ تَشَاء , عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة , أَنْتَ الْأَوَّل وَالْآخِر , وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن , وَأَنْتَ تَرْحَم وَتَسْتَجِيب دَعْوَة الْمُضْطَرِّينَ , أَنْتَ الَّذِي أَجَبْت دَعْوَتِي وَرَحِمْت تَضَرُّعِي ; فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسه , أَوْحَى اللَّه إِلَى شعياء أَنْ قُلْ لِلْمَلِكِ صِدِّيقَة فَيَأْمُر عَبْدًا مِنْ عَبِيده بِالتِّينَةِ , فَيَأْتِيه بِمَاءِ التِّين فَيَجْعَلهُ عَلَى قُرْحَته فَيُشْفَى , وَيُصْبِح وَقَدْ بَرَأَ , فَفَعَلَ ذَلِكَ فَشُفِيَ . وَقَالَ الْمَلِك لشعياء النَّبِيّ : سَلْ رَبّك أَنْ يَجْعَل لَنَا عِلْمًا بِمَا هُوَ صَانِع بِعَدُوِّنَا هَذَا . قَالَ : فَقَالَ اللَّه لشعياء النَّبِيّ : قُلْ لَهُ : إِنِّي قَدْ كَفَيْتُك عَدُوّك , وَأَنْجَيْتُك مِنْهُ , وَإِنَّهُمْ سَيُصْبِحُونَ مَوْتَى كُلّهمْ إِلَّا سنحاريب وَخَمْسَة مِنْ كُتَّابه ; فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَهُمْ صَارِخ يُنَبِّئهُمْ , فَصَرَخَ عَلَى بَاب الْمَدِينَة : يَا مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل , إِنَّ اللَّه قَدْ كَفَاك عَدُوّك فَاخْرُجْ , فَإِنَّ سنحاريب وَمَنْ مَعَهُ قَدْ هَلَكُوا ; فَلَمَّا خَرَجَ الْمَلِك اِلْتَمَسَ سنحاريب , فَلَمْ يُوجَد فِي الْمَوْتَى , فَبَعَثَ الْمَلِك فِي طَلَبه , فَأَدْرَكَهُ الطَّلَب فِي مَغَارَة وَخَمْسَة مِنْ كُتَّابه , أَحَدهمْ بُخْتُنَصَّرَ , فَجَعَلُوهُمْ فِي الْجَوَامِع , ثُمَّ أَتَوْا بِهِمْ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل ; فَلَمَّا رَآهُمْ خَرَّ سَاجِدًا مِنْ حِين طَلَعَتْ الشَّمْس حَتَّى كَانَتْ الْعَصْر , ثُمَّ قَالَ لسنحاريب : كَيْف تَرَى فِعْل رَبّنَا بِكُمْ ؟ أَلَمْ يَقْتُلكُمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّته , وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ ؟ فَقَالَ سنحاريب لَهُ : قَدْ أَتَانِي خَبَر رَبّكُمْ , وَنَصْره إِيَّاكُمْ , وَرَحْمَته الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا قِيلَ أَنْ اُخْرُجْ مِنْ بِلَادِي , فَلَمْ أُطِعْ مُرْشِدًا , وَلَمْ يَلْقَنِي فِي الشِّقْوَة إِلَّا قِلَّة عَقْلِي , وَلَوْ سَمِعْت أَوْ عَقَلْت مَا غَزْوَتكُمْ , وَلَكِنَّ الشِّقْوَة غَلَبَتْ عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ مَعِي , فَقَالَ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعِزَّة الَّذِي كَفَانَاكُمْ بِمَا شَاءَ , إِنَّ رَبّنَا لَمْ يُبْقِك وَمَنْ مَعَك لِكَرَامَةٍ بِك عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَبْقَاك وَمَنْ مَعَك لِمَا هُوَ شَرّ لَك , لِتَزْدَادُوا شِقْوَة فِي الدُّنْيَا , وَعَذَابًا فِي الْآخِرَة , وَلِتُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ بِمَا لَقِيتُمْ مِنْ فِعْل رَبّنَا , وَلِتُنْذِر مَنْ بَعْدكُمْ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَبْقَاكُمْ , فَلَدَمك وَدَم مَنْ مَعَك أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ دَم قُرَاد لَوْ قَتَلْته . ثُمَّ إِنَّ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل أَمَرَ أَمِير حَرَسه , فَقَذَفَ فِي رِقَابهمْ الْجَوَامِع , وَطَافَ بِهِمْ سَبْعِينَ يَوْمًا حَوْل بَيْت الْمَقْدِس إيليا , وَكَانَ يَرْزُقهُمْ فِي كُلّ يَوْم خُبْزَتَيْنِ مِنْ شَعِير لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ , فَقَالَ سنحاريب لِمَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيل : الْقَتْل خَيْر مَا يُفْعَل بِنَا , فَافْعَلْ مَا أُمِرْت ; فَنَقَلَ بِهِمْ الْمَلِك إِلَى سِجْن الْقَتْل , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى شعياء النَّبِيّ أَنْ قُلْ لِمَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيل يُرْسِل سنحاريب وَمَنْ مَعَهُ لِيُنْذِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ , وَلِيُكْرِمهُمْ وَيَحْمِلهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا بِلَادهمْ ; فَبَلَّغَ النَّبِيّ شعياء الْمَلِك ذَلِكَ , فَفَعَلَ , فَخَرَجَ سنحاريب وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى قَدِمُوا بَابِل ; فَلَمَّا قَدِمُوا جَمَعَ النَّاس فَأَخْبَرَهُمْ كَيْف فَعَلَ اللَّه بِجُنُودِهِ , فَقَالَ لَهُ كُهَّانه وَسَحَرَته : يَا مَلِك بَابِل قَدْ كُنَّا نَقُصّ عَلَيْك خَبَر رَبّهمْ وَخَبَر نَبِيّهمْ , وَوَحْي اللَّه إِلَى نَبِيّهمْ , فَلَمْ تُطِعْنَا , وَهِيَ أُمَّة لَا يَسْتَطِيعهَا أَحَد مَعَ رَبّهمْ , فَكَانَ أَمْر سنحاريب مِمَّا خُوِّفُوا , ثُمَّ كَفَاهُمْ اللَّه تَذْكِرَة وَعِبْرَة , ثُمَّ لَبِثَ سنحاريب بَعْد ذَلِكَ سَبْع سِنِينَ , ثُمَّ مَاتَ . )16651 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا مَاتَ سنحاريب اِسْتَخْلَفَ بُخْتَنَصَّرَ اِبْن اِبْنه عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَدّه يَعْمَل بِعَمَلِهِ , وَيَقْضِي بِقَضَائِهِ , فَلَبِثَ سَبْع عَشْرَة سَنَة . ثُمَّ قَبَضَ اللَّه مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل صِدِّيقَة ; فَمَرَجَ أَمْر بَنِي إِسْرَائِيل وَتَنَافَسُوا الْمُلْك , حَتَّى قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَيْهِ , وَنَبِيّهمْ شعياء مَعَهُمْ لَا يُذْعِنُونَ إِلَيْهِ , وَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ ; فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ , قَالَ اللَّه فِيمَا بَلَغَنَا لشعياء : قُمْ فِي قَوْمك أَوْحِ عَلَى لِسَانك ; فَلَمَّا قَامَ النَّبِيّ أَنْطَقَ اللَّه لِسَانه بِالْوَحْيِ فَقَالَ : يَا سَمَاء اِسْتَمِعِي , وَيَا أَرْض أَنْصِتِي , فَإِنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يَقُصّ شَأْن بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ رَبَّاهُمْ بِنِعْمَتِهِ , وَاصْطَفَاهُمْ لِنَفْسِهِ , وَخَصَّهُمْ بِكَرَامَتِهِ , وَفَضَّلَهُمْ عَلَى عِبَاده , وَفَضَّلَهُمْ بِالْكَرَامَةِ , وَهُمْ كَالْغَنَمِ الضَّائِعَة الَّتِي لَا رَاعِي لَهَا , فَآوَى شَارِدَتهَا , وَجَمَعَ ضَالَّتهَا , وَجَبَرَ كَسِيرهَا , وَدَاوَى مَرِيضهَا , وَأَسْمَنَ مَهْزُولهَا , وَحَفِظَ سَمِينهَا ; فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بَطِرَتْ , فَتَنَاطَحَتْ كِبَاشهَا فَقَتَلَ بَعْضهَا بَعْضًا , حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا عَظْم صَحِيح يُجْبَر إِلَيْهِ آخِر كَسِير , فَوَيْل لِهَذِهِ الْأُمَّة الْخَاطِئَة , وَوَيْل لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم الْخَاطِئِينَ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ جَاءَهُمْ الْحِين . إِنَّ الْبَعِير رُبَّمَا يَذْكُر وَطَنه فَيَنْتَابهُ , وَإِنَّ الْحِمَار رُبَّمَا يَذْكُر الْآرِيَّ الَّذِي شَبِعَ عَلَيْهِ فَيُرَاجِعهُ , وَإِنَّ الثَّوْر رُبَّمَا يَذْكُر الْمَرَج الَّذِي سَمِنَ فِيهِ فَيَنْتَابهُ , وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا يَدْرُونَ مِنْ حَيْثُ جَاءَهُمْ الْحِين , وَهُمْ أُولُو الْأَلْبَاب وَالْعُقُول , لَيْسُوا بِبَقَرٍ وَلَا حَمِير ; وَإِنِّي ضَارِب لَهُمْ مَثَلًا فَلْيَسْمَعُوهُ : قُلْ لَهُمْ : كَيْف تَرَوْنَ فِي أَرْض كَانَتْ خَوَاء زَمَانًا , خَرِبَة مَوَاتًا لَا عُمْرَان فِيهَا , وَكَانَ لَهَا رَبّ حَكِيم قَوِيّ , فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا بِالْعِمَارَةِ , وَكَرِهَ أَنْ تُخَرَّب أَرْضه وَهُوَ قَوِيّ , أَوْ يُقَال ضَيَّعَ وَهُوَ حَكِيم , فَأَحَاطَ عَلَيْهَا جِدَارًا , وَشَيَّدَ فِيهَا قَصْرًا , وَأَنْبَطَ فِيهَا نَهَرًا , وَصَفَّ فِيهَا غِرَاسًا مِنْ الزَّيْتُون وَالرُّمَّان وَالنَّخِيل وَالْأَعْنَاب , وَأَلْوَان الثِّمَار كُلّهَا , وَوَلَّى ذَلِكَ وَاسْتَحْفَظَهُ فِيمَا ذَا رَأْي وَهِمَّة , حَفِيظًا قَوِيًّا أَمِينًا , وَتَأَنَّى طَلْعهَا وَانْتَظَرَهَا , فَلَمَّا أَطْلَعَتْ جَاءَ طَلْعهَا خَرُّوبًا , قَالُوا : بِئْسَ الْأَرْض هَذِهِ , نَرَى أَنْ يُهْدَم جُدْرَانهَا وَقَصْرهَا , وَيُدْفَن نَهَرهَا , وَيَقْبِض قِيَمهَا , وَيُحْرَق غِرَاسهَا حَتَّى تَصِير كَمَا كَانَتْ أَوَّل مَرَّة , خَرِبَة مَوَاتًا لَا عُمْرَان فِيهَا . قَالَ اللَّه لَهُمْ : فَإِنَّ الْجِدَار ذِمَّتِي , وَإِنَّ الْقَصْر شَرِيعَتِي , وَإِنَّ النَّهَر كِتَابِي , وَإِنَّ الْقَيِّم نَبِيِّي , وَإِنَّ الْغِرَاس هَمّ , وَإِنَّ الْخَرُّوب الَّذِي أَطْلَعَ الْغِرَاس أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة , وَإِنِّي قَدْ قَضَيْت عَلَيْهِمْ قَضَاءَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَإِنَّهُ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ بِذَبْحِ الْبَقَر وَالْغَنَم , وَلَيْسَ يَنَالنِي اللَّحْم وَلَا آكُلهُ , وَيَدَّعُونَ أَنْ يَتَقَرَّبُوا بِالتَّقْوَى وَالْكَفّ عَنْ ذَبْح الْأَنْفُس الَّتِي حَرَّمْتهَا , فَأَيْدِيهمْ مَخْضُوبَة مِنْهَا , وَثِيَابهمْ مُتَزَمِّلَة بِدِمَائِهَا , يُشَيِّدُونَ لِي الْبُيُوت مَسَاجِد , وَيُطَهِّرُونَ أَجْوَافهَا , وَيُنَجِّسُونَ قُلُوبهمْ وَأَجْسَامهمْ وَيُدَنِّسُونَهَا , وَيُزَوِّقُونَ لِي الْبُيُوت وَالْمَسَاجِد وَيُزَيِّنُونَهَا , وَيُخَرِّبُونَ عُقُولهمْ وَأَحْلَامهمْ وَيُفْسِدُونَهَا , فَأَيّ حَاجَة لِي إِلَى تَشْيِيد الْبُيُوت وَلَسْت أَسْكُنهَا , وَأَيّ حَاجَة إِلَى تَزْوِيق الْمَسَاجِد وَلَسْت أَدْخُلهَا , إِنَّمَا أَمَرْت بِرَفْعِهَا لِأُذْكَر فِيهَا وَأُسَبَّح فِيهَا , وَلِتَكُونَ مَعْلَمًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي فِيهَا , يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ اللَّه يَقْدِر عَلَى أَنْ يَجْمَع أُلْفَتنَا لَجَمَعَهَا , وَلَوْ كَانَ اللَّه يَقْدِر عَلَى أَنْ يُفَقِّه قُلُوبنَا لَأَفْقَهَهَا , فَاعْمِدْ إِلَى عُودَيْنِ يَابِسَيْنِ , ثُمَّ اِئْتِ بِهِمَا نَادِيهِمَا فِي أَجْمَع مَا يَكُونُونَ , فَقُلْ لِلْعُودَيْنِ : إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمَا أَنْ تَكُونَا عُودًا وَاحِدًا ; فَلَمَّا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ , اِخْتَلَطَا فَصَارَا وَاحِدًا , فَقَالَ اللَّه : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي قَدَرْت عَلَى أُلْفَة الْعِيدَانِ الْيَابِسَة وَعَلَى أَنْ أُؤَلِّف بَيْنهَا , فَكَيْف لَا أَقْدِر عَلَى أَنْ أَجْمَع أُلْفَتهمْ إِنْ شِئْت , أَمْ كَيْف لَا أَقْدِر عَلَى أَنْ أُفَقِّه قُلُوبهمْ , وَأَنَا الَّذِي صَوَّرْتهَا ; يَقُولُونَ : صُمْنَا فَلَمْ يُرْفَع صِيَامنَا , وَصَلَّيْنَا فَلَمْ تُنَوَّر صَلَاتنَا , وَتَصَدَّقْنَا فَلَمْ تُزَكَّ صَدَقَاتنَا , وَدَعَوْنَا بِمِثْلِ حَنِين الْحَمَام , وَبَكَيْنَا بِمِثْلِ عُوَاء الذِّئْب , فِي كُلّ ذَلِكَ لَا نَسْمَع , وَلَا يُسْتَجَاب لَنَا ; قَالَ اللَّه : فَسَلْهُمْ مَا الَّذِي يَمْنَعنِي أَنْ أَسْتَجِيب لَهُمْ , أَلَسْت أَسْمَع السَّامِعِينَ , وَأُبْصِر النَّاظِرِينَ , وَأَقْرَب الْمُجِيبِينَ , وَأَرْحَم الرَّاحِمِينَ ؟ أَلِأَنَّ ذَات يَدِي قَلَّتْ ! كَيْف وَيَدَايَ مَبْسُوطَتَانِ بِالْخَيْرِ , أُنْفِق كَيْف أَشَاء , وَمَفَاتِيح الْخَزَائِن عِنْدِي لَا يَفْتَحهَا وَلَا يُغْلِقهَا غَيْرِي ! أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء , إِنَّمَا يَتَرَاحَم الْمُتَرَاحِمُونَ بِفَضْلِهَا ; أَوْ لِأَنَّ الْبُخْل يَعْتَرِينِي ! أَوَلَسْت أَكْرَم الْأَكْرَمِينَ وَالْفَتَّاح بِالْخَيْرَاتِ , أَجْوَد مَنْ أَعْطَى , وَأَكْرَم مَنْ سُئِلَ ! لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نَوَّرَتْ فِي قُلُوبهمْ فَنَبَذُوهَا , وَاشْتَرَوْا بِهَا الدُّنْيَا , إِذَنْ لَأَبْصَرُوا مِنْ حَيْثُ أَتَوْا , وَإِذَنْ لَأَيْقَنُوا أَنَّ أَنْفُسهمْ هِيَ أَعْدَى الْعُدَاة لَهُمْ , فَكَيْف أَرْفَع صِيَامهمْ وَهُمْ يَلْبَسُونَهُ بِقَوْلِ الزُّور , وَيَتَقَوَّوْنَ عَلَيْهِ بِطُعْمَةِ الْحَرَام ؟ ! وَكَيْف أُنَوِّر صَلَاتهمْ , وَقُلُوبهمْ صَاغِيَة إِلَى مَنْ يُحَارِبنِي وَيُحَادّنِي , وَيَنْتَهِك مَحَارِمِي ؟ ! أَمْ كَيْف تَزْكُو عِنْدِي صَدَقَاتهمْ وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ بِأَمْوَالِ غَيْرهمْ ؟ ! وَإِنَّمَا أُؤَجِّر عَلَيْهَا أَهْلهَا الْمَغْصُوبِينَ ; أَمْ كَيْف أَسْتَجِيب لَهُمْ دُعَاءَهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْل بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالْفِعْل مِنْ ذَلِكَ بَعِيد ؟ ! وَإِنَّمَا أَسْتَجِيب لِلدَّاعِي اللَّيِّن , وَإِنَّمَا أَسْمَع مِنْ قَوْل الْمُسْتَضْعَف الْمِسْكِين , وَإِنَّ مِنْ عَلَامَة رِضَايَ رِضَا الْمَسَاكِين ; فَلَوْ رَحِمُوا الْمَسَاكِين , وَقَرَّبُوا الضُّعَفَاء , وَأَنْصَفُوا الْمَظْلُوم , وَنَصَرُوا الْمَغْصُوب , وَعَدَلُوا لِلْغَائِبِ , وَأَدَّوْا إِلَى الْأَرْمَلَة وَالْيَتِيم وَالْمِسْكِين , وَكُلّ ذِي حَقّ حَقّه , ثُمَّ لَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُكَلِّم الْبَشَر إِذَنْ لَكَلَّمْتهمْ , وَإِذَنْ لَكُنْت نُور أَبْصَارهمْ , وَسَمْع آذَانهمْ , وَمَعْقُول قُلُوبهمْ , وَإِذَنْ لَدَعَّمْت أَرْكَانهمْ , فَكُنْت قُوَّة أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَإِذَنْ لَثَبَّتّ أَلْسِنَتهمْ وَعُقُولهمْ . يَقُولُونَ لَمَّا سَمِعُوا كَلَامِي , وَبَلَغَتْهُمْ رِسَالَاتِي بِأَنَّهَا أَقَاوِيل مَنْقُولَة , وَأَحَادِيث مُتَوَارِثَة , وَتَآلِيف مِمَّا تُؤَلِّف السَّحَرَة وَالْكَهَنَة , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَوْ شَاءُوا أَنْ يَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْله فَعَلُوا , وَأَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْغَيْب بِمَا تُوحِي إِلَيْهِمْ الشَّيَاطِين طَلَعُوا , وَكُلّهمْ يَسْتَخْفِي بِاَلَّذِي يَقُول وَيُسِرّ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَأَعْلَم مَا يُبْدُونَ وَمَا يَكْتُمُونَ ; وَإِنِّي قَدْ قَضَيْت يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَضَاء أُثْبِتهُ عَلَى نَفْسِي , وَجَعَلْت دُونه أَجَلًا مُؤَجَّلًا , لَا بُدّ أَنَّهُ وَاقِع , فَإِنْ صَدَقُوا بِمَا يَنْتَحِلُونَ مِنْ عِلْم الْغَيْب , فَلْيُخْبِرُوك مَتَى أُنَفِّذهُ , أَوْ فِي أَيّ زَمَان يَكُون , وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَشَاءُونَ , فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِ الْقُدْرَة الَّتِي بِهَا أَمْضَيْت , فَإِنِّي مُظْهِره عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ , وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مَا يَشَاءُونَ فَلْيُؤَلِّفُوا مِثْل الْحِكْمَة الَّتِي أُدَبِّر بِهَا أَمْر ذَلِكَ الْقَضَاء إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ , فَإِنِّي قَدْ قَضَيْت يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنْ أَجْعَل النُّبُوَّة فِي الْأُجَرَاء , وَأَنْ أُحَوِّل الْمُلْك فِي الرِّعَاء , وَالْعِزّ فِي الْأَذِلَّاء , وَالْقُوَّة فِي الضُّعَفَاء , وَالْغِنَى فِي الْفُقَرَاء , وَالثَّرْوَة فِي الْأَقِلَّاء , وَالْمَدَائِن فِي الْفَلَوَات , وَالْآجَام فِي الْمَفَاوِز , وَالْبَرْدِيّ فِي الْغِيطَان , وَالْعِلْم فِي الْجَهَلَة , وَالْحُكْم فِي الْأُمِّيِّينَ , فَسَلْهُمْ مَتَى هَذَا , وَمَنْ الْقَائِم بِهَذَا , وَعَلَى يَد مَنْ أَسُنّهُ , وَمَنْ أَعْوَان هَذِهِ الْأَمْر وَأَنْصَاره إِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ; فَإِنِّي بَاعِث لِذَلِكَ نَبِيًّا أُمِّيًّا , لَيْسَ أَعْمَى مِنْ عُمْيَان , وَلَا ضَالًّا مِنْ ضَالِّينَ , وَلَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ , وَلَا صَخَّاب فِي الْأَسْوَاق , وَلَا مُتَزَيِّن بِالْفُحْشِ , وَلَا قَوَّال لِلْخَنَا , أُسَدِّدهُ لِكُلِّ جَمِيل , أَهَب لَهُ كُلّ خُلُق كَرِيم , أَجْعَل السَّكِينَة لِبَاسه , وَالْبِرّ شِعَاره , وَالتَّقْوَى ضَمِيره , وَالْحِكْمَة مَعْقُوله , وَالصِّدْق وَالْوَفَاء طَبِيعَته , وَالْعَفْو وَالْعُرْف خَلْقه ; وَالْعَدْل وَالْمَعْرُوف سِيرَته , وَالْحَقّ شَرِيعَته , وَالْهُدَى إِمَامه , وَالْإِسْلَام مِلَّته , وَأَحْمَد اِسْمه , أُهْدِي بِهِ بَعْد الضَّلَالَة , وَأَعْلَم بِهِ بَعْد الْجَهَالَة , وَأَرْفَع بِهِ بَعْد الْخَمَالَة , وَأَشْهَر بِهِ بَعْد النَّكِرَة , وَأُكْثِر بِهِ بَعْد الْقِلَّة , وَأُغْنِي بِهِ بَعْد الْعَيْلَة , وَأَجْمَع بِهِ بَعْد الْفُرْقَة , وَأُؤَلِّف بِهِ قُلُوبًا مُخْتَلِفَة , وَأَهْوَاء مُشَتَّتَة , وَأَمَّا مُتَفَرِّقَة , وَأَجْعَل أُمَّته خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , تَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر , تَوْحِيدًا لِي , وَإِيمَانًا وَإِخْلَاصًا بِي , يُصَلُّونَ لِي قِيَامًا وَقُعُودًا , وَرُكُوعًا وَسُجُودًا , يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِي صُفُوفًا وَزُحُوفًا , وَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء رِضْوَانِي , أُلْهِمهُمْ التَّكْبِير وَالتَّوْحِيد , وَالتَّسْبِيح وَالْحَمْد وَالْمِدْحَة , وَالتَّمْجِيد لِي فِي مَسَاجِدهمْ وَمَجَالِسهمْ وَمَضَاجِعهمْ وَمُتَقَلَّبهمْ وَمَثْوَاهُمْ , يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ , وَيُقَدِّسُونَ عَلَى رُءُوس الْأَسْوَاق , وَيُطَهِّرُونَ لِي الْوُجُوه وَالْأَطْرَاف , وَيَعْقِدُونَ الثِّيَاب فِي الْأَنْصَاف , قُرْبَانهمْ دِمَاؤُهُمْ , وَأَنَاجِيلهمْ صُدُورهمْ , رُهْبَان بِاللَّيْلِ , لُيُوث بِالنَّهَارِ , ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاء , وَأَنَا ذُو الْفَضْل الْعَظِيم . فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيّهمْ شعياء إِلَيْهِمْ مِنْ مَقَالَته , عَدَوْا عَلَيْهِ فِيمَا بَلَغَنِي لِيَقْتُلُوهُ , فَهَرَبَ مِنْهُمْ , فَلَقِيَتْهُ شَجَرَة , فَانْفَلَقَتْ فَدَخَلَ فِيهَا , وَأَدْرَكَهُ الشَّيْطَان فَأَخَذَ بِهُدْبَةٍ مِنْ ثَوْبه فَأَرَاهُمْ إِيَّاهَا , فَوَضَعُوا الْمِنْشَار فِي وَسَطهَا فَنَشَرُوهَا حَتَّى قَطَعُوهَا , وَقَطَعُوهُ فِي وَسَطهَا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَعَلَى الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ رِوَايَة السُّدِّيّ , وَقَوْل اِبْن زَيْد , كَانَ إِفْسَاد بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض الْمَرَّة الْأُولَى قَتْلهمْ زَكَرِيَّا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعَ مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده , إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَنْ أَحَلَّ عَلَى يَده بِهِمْ نِقْمَته مِنْ مَعَاصِي اللَّه , وَعُتُوّهُمْ عَلَى رَبّهمْ . وَأَمَّا عَلَى قَوْل اِبْن إِسْحَاق الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ , فَكَانَ إِفْسَادهمْ الْمَرَّة الْأُولَى مَا وَصَفَ مِنْ قَتْلهمْ شعياء بْن أمصيا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَخْبَرَهُ . أَنَّ زَكَرِيَّا مَاتَ مَوْتًا وَلَمْ يُقْتَل , وَأَنَّ الْمَقْتُول إِنَّمَا هُوَ شعياء , وَإِنَّ بُخْتَنَصَّرَ هُوَ الَّذِي سُلِّطَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْمَرَّة الْأُولَى بَعْد قَتْلهمْ شعياء . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْن حُمَيْد , عَنْ سَلَمَة عَنْهُ . وَأَمَّا إِفْسَادهمْ فِي الْأَرْض الْمَرَّة الْآخِرَة , فَلَا اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ كَانَ قَتْلهمْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا . وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِي سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ مُنْتَقِمًا بِهِ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ , وَأَنَا ذَاكِر اِخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل مَنْ قَالَ : يَعْنِي بِهِ : اِسْتِكْبَارهمْ عَلَى اللَّه بِالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِ , وَخِلَافهمْ أَمْره . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 16652 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } قَالَ : وَلَتَعْلُنَّ النَّاس عُلُوًّا كَبِيرًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا

وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا } يَعْنِي : فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَى الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسِدُونَ بِهِمَا فِي الْأَرْض كَمَا : 16653 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا } قَالَ : إِذَا جَاءَ وَعْد أُولَى تَيْنِك الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قُضِيَتَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ } )|بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا|وَقَوْله : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } وَجَّهْنَا إِلَيْكُمْ , وَأَرْسَلْنَا عَلَيْكُمْ { عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد } يَقُول : ذَوِي بَطْش فِي الْحُرُوب شَدِيد . وَقَوْله : { فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } يَقُول : فَتَرَدَّدُوا بَيْن الدُّور وَالْمَسَاكِن , وَذَهَبُوا وَجَاءُوا . يُقَال فِيهِ : جَاسَ الْقَوْم بَيْن الدِّيَار وَجَاسُوا بِمَعْنًى وَاحِد , وَجُسْت أَنَا أَجُوس جَوْسًا وَجَوَسَانًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس : 16654 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار } قَالَ : مَشَوْا . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى جَاسُوا : قَتَلُوا , وَيُسْتَشْهَد لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ حَسَّان : <br>وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّد .......... فَجَاسَ بِهِ الْأَعْدَاء عُرْض الْعَسَاكِر <br>وَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , فَقَتَلُوهُمْ ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ , فَيَصِحّ التَّأْوِيلَانِ جَمِيعًا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } وَكَانَ جَوْس الْقَوْم الَّذِينَ نَبْعَث عَلَيْهِمْ خِلَال دِيَارهمْ وَعْدًا مِنْ اللَّه لَهُمْ مَفْعُولًا ذَلِكَ لَا مَحَالَة , لِأَنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { أُولِي بَأْس شَدِيد } فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلهمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى فِي بَنِي إِسْرَائِيل حِين بَعَثُوا عَلَيْهِمْ , وَمِنْ الَّذِينَ بُعِثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة , وَمَا كَانَ مِنْ صُنْعهمْ بِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الَّذِي بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى جَالُوت , وَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَزِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16655 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } قَالَ : بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ جَالُوت , فَجَاسَ خِلَال دِيَارهمْ , وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاج وَالذُّلّ , فَسَأَلُوا اللَّه أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه , فَبَعَثَ اللَّه طَالُوت , فَقَاتَلُوا جَالُوت , فَنَصَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل , وَقُتِلَ جَالُوت بِيَدَيْ دَاوُدَ , وَرَجَعَ اللَّه إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل مَلِكهمْ . )16656 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد , فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } قَضَاء قَضَى اللَّه عَلَى الْقَوْم كَمَا تَسْمَعُونَ , فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْأُولَى جَالُوت الْجَزَرِيّ , فَسَبَى وَقَتَلَ , وَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار كَمَا قَالَ اللَّه , ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْم عَلَى دَخَن فِيهِمْ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (أَمَّا الْمَرَّة الْأُولَى فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ جَالُوت , حَتَّى بَعَثَ طَالُوت وَمَعَهُ دَاوُدُ , فَقَتَلَهُ دَاوُدُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى سنحاريب , وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَنَذْكُر مَا حَضَرَنَا ذِكْره مَنْ لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل . 16657 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر , يَقُول فِي قَوْله : ( { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : بَعَثَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى سنحاريب مِنْ أَهْل أَثُور ونيتوى ; فَسَأَلْت سَعِيدًا عَنْهَا , فَزَعَمَ أَنَّهَا الْمَوْصِل . )16658 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثَنَى يَعْلَى بْن مُسْلِم بْن سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : (كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَقْرَأ , حَتَّى إِذَا بَلَغَ { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد } بَكَى وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ , وَطَبَّقَ الْمُصْحَف , فَقَالَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه مِنْ الزَّمَان , ثُمَّ قَالَ : أَيْ رَبّ أَرِنِي هَذَا الرَّجُل الَّذِي جَعَلْت هَلَاك بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى يَدَيْهِ , فَأُرِيَ فِي الْمَنَام مِسْكِينًا بِبَابِل , يُقَال لَهُ بُخْتُنَصَّرَ , فَانْطَلَقَ بِمَالٍ وَأَعْبُد لَهُ , وَكَانَ رَجُلًا مُوسِرًا , فَقِيلَ لَهُ أَيْنَ تُرِيد ؟ قَالَ : أُرِيد التِّجَارَة , حَتَّى نَزَلَ دَارًا بِبَابِل , فَاسْتَكْرَاهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَد غَيْره , فَحَمَلَ يَدْعُو الْمَسَاكِين وَيُلَطِّف بِهِمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَد , فَقَالَ : هَلْ بَقِيَ مِسْكِين غَيْركُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , مِسْكِين بِفَجِّ آل فُلَان مَرِيض يُقَال لَهُ بُخْتُنَصَّرَ , فَقَالَ لِغِلْمَتِهِ : اِنْطَلِقُوا , حَتَّى أَتَاهُ , فَقَالَ : مَا اِسْمك ؟ قَالَ : بُخْتُنَصَّرَ , فَقَالَ لِغِلْمَتِهِ : اِحْتَمِلُوهُ , فَنَقَلَهُ إِلَيْهِ وَمَرَّضَهُ حَتَّى بَرَأَ , فَكَسَاهُ وَأَعْطَاهُ نَفَقَة , ثُمَّ آذَن الْإِسْرَائِيلِيّ بِالرَّحِيلِ , فَبَكَى بُخْتُنَصَّرَ , فَقَالَ الْإِسْرَائِيلِيّ : مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ : أَبْكِي أَنَّك فَعَلْت بِي مَا فَعَلْت , وَلَا أَجِد شَيْئًا أَجْزِيك , قَالَ : بَلَى شَيْئًا يَسِيرًا , إِنْ مَلَكْت أَطَعْتنِي ; فَجَعَلَ الْآخَر يَتَّبِعهُ وَيَقُول : تَسْتَهْزِئ بِي ؟ ! وَلَا يَمْنَعهُ أَنْ يُعْطِيه مَا سَأَلَهُ , إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِ , فَبَكَى الْإِسْرَائِيلِيّ وَقَالَ : وَلَقَدْ عَلِمْت مَا يَمْنَعك أَنْ تُعْطِينِي مَا سَأَلْتُك , إِلَّا أَنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يُنَفِّذ مَا قَدْ قَضَاهُ وَكَتَبَ فِي كِتَابه وَضَرَبَ الدَّهْر مَنْ ضَرَبَهُ ; فَقَالَ يَوْمًا صيحون , وَهُوَ مَلِك فَارِس بِبَابِل : لَوْ أَنَّا بَعَثْنَا طَلِيعَة إِلَى الشَّام ! قَالُوا : وَمَا ضَرَّك لَوْ فَعَلْت ؟ قَالَ : فَمَنْ تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : فُلَان , فَبَعَثَ رَجُلًا وَأَعْطَاهُ مِائَة أَلْف , وَخَرَجَ بُخْتُنَصَّرَ فِي مَطْبَخه , لَمْ يَخْرُج إِلَّا لِيَأْكُل فِي مَطْبَخه ; فَلَمَّا قَدِمَ الشَّام وَرَأَى صَاحِب الطَّلِيعَة أَكْثَر أَرْض اللَّه فَرَسًا وَرَجُلًا جَلْدًا , فَكَسَرَ ذَلِكَ فِي ذَرْعه , فَلَمْ يَسْأَل , قَالَ : فَجَعَلَ بُخْتُنَصَّرَ يَجْلِس مَجَالِس أَهْل الشَّام فَيَقُول : مَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تَغْزُوا بَابِل , فَلَوْ غَزَوْتُمُوهَا مَا دُون بَيْت مَالهَا شَيْء , قَالُوا : لَا نُحْسِن الْقِتَال , قَالَ : فَلَوْ أَنَّكُمْ غَزَوْتُمْ , قَالُوا : إِنَّا لَا نُحْسِن الْقِتَال وَلَا نُقَاتِل ! حَتَّى أَنْفُذ مَجَالِس أَهْل الشَّام , ثُمَّ رَجَعُوا فَأَخْبَرَ الطَّلِيعَة مَلِكهمْ بِمَا رَأَى , وَجَعَلَ بُخْتُنَصَّرَ يَقُول لِفَوَارِس الْمَلِك : لَوْ دَعَانِي الْمَلِك لَأَخْبَرْته غَيْر مَا أَخْبَرَهُ فُلَان ; فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَدَعَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر وَقَالَ : إِنَّ فُلَانًا لَمَّا رَأَى أَكْثَر أَرْض اللَّه فَرَسًا وَرَجُلًا جَلْدًا , كَبُرَ ذَلِكَ فِي رَوْعه وَلَمْ يَسْأَلهُمْ عَنْ شَيْء , وَإِنِّي لَمْ أَدْعُ مَجْلِسًا بِالشَّامِ إِلَّا جَالَسْت أَهْله , فَقُلْت لَهُمْ كَذَا وَكَذَا , وَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا , الَّذِي ذَكَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ , قَالَ الطَّلِيعَة لِبُخْتَنَصَّرَ : إِنَّك فَضَحْتنِي لَك مِائَة أَلْف وَتَنْزِع عَمَّا قُلْت , قَالَ : لَوْ أَعْطَيْتنِي بَيْت مَال بَابِل مَا نَزَعْت , ضَرَبَ الدَّهْر مَنْ ضَرَبَهُ ; فَقَالَ الْمَلِك : لَوْ بَعَثْنَا جَرِيدَة خَيْل إِلَى الشَّام , فَإِنْ وَجَدُوا مَسَاغًا سَاغُوا , وَإِلَّا اِنْثَنَوْا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ , قَالُوا : مَا ضَرَّك لَوْ فَعَلْت ؟ قَالَ : فَمَنْ تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : فُلَان , قَالَ : بَلْ الرَّجُل الَّذِي أَخْبَرَنِي مَا أَخْبَرَنِي , فَدَعَا بُخْتَنَصَّرَ وَأَرْسَلَهُ , وَانْتَخَبَ مَعَهُ أَرْبَعَة آلَاف مِنْ فُرْسَانهمْ , فَانْطَلَقُوا فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار , فَسَبَوْا مَا شَاءَ اللَّه وَلَمْ يُخَرِّبُوا وَلَمْ يَقْتُلُوا . وَمَاتَ صيحون الْمَلِك قَالُوا : اِسْتَخْلَفُوا رَجُلًا , قَالُوا : عَلَى رِسْلكُمْ حَتَّى تَأْتِي أَصْحَابكُمْ فَإِنَّهُمْ فُرْسَانكُمْ , لَنْ يَنْقُضُوا عَلَيْكُمْ شَيْئًا , أُمْهِلُوا ; فَأُمْهِلُوا حَتَّى جَاءَ بُخْتُنَصَّرَ بِالسَّبْيِ وَمَا مَعَهُ , فَقَسَمَهُ فِي النَّاس , فَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَحَقَّ بِالْمُلْكِ مِنْ هَذَا , فَمَلَّكُوهُ . )16659 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بْن بِلَال , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيَّب يَقُول : (ظَهَرَ بُخْتُنَصَّرَ عَلَى الشَّام , فَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس وَقَتَلَهُمْ , ثُمَّ أَتَى دِمَشْق , فَوَجَدَ بِهَا دَمًا يَغْلِي عَلَى كُبَا : أَيْ كُنَاسَة , فَسَأَلَهُمْ مَا هَذَا الدَّم ؟ قَالُوا : أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذَا وَكُلَّمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْكُبَا ظَهَرَ , قَالَ : فَقَتَلَ عَلَى ذَلِكَ الدَّم سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرهمْ , فَسَكَنَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْمًا مِنْ أَهْل فَارِس , قَالُوا : وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى قِتَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16660 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار } قَالَ : مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ فَارِس يَتَجَسَّسُونَ أَخْبَارهمْ , وَيَسْمَعُونَ حَدِيثهمْ , مَعَهُمْ بُخْتُنَصَّرَ , فَوَعَى أَحَادِيثهمْ مِنْ بَيْن أَصْحَابه , ثُمَّ رَجَعَتْ فَارِس وَلَمْ يَكُنْ قِتَال , وَنُصِرَتْ عَلَيْهِمْ بَنُو إِسْرَائِيل , فَهَذَا وَعْد الْأُولَى . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد } جُنْد جَاءَهُمْ مِنْ فَارِس يَتَجَسَّسُونَ أَخْبَارهمْ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد } قَالَ : ذَلِكَ أَيْ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ فَارِس , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ أَدَلَّنَاكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يَبْعَثهُمْ عَلَيْهِمْ , وَكَانَتْ تِلْكَ الْإِدَالَة وَالْكَرَّة لَهُمْ عَلَيْهِمْ , فِيمَا ذَكَرَ السُّدِّيّ فِي خَبَره أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل غَزَوْهُمْ , وَأَصَابُوا مِنْهُمْ , وَاسْتَنْقَذُوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْهُمْ . وَفِي قَوْل آخَرِينَ : إِطْلَاق الْمَلِك الَّذِي غَزَاهُمْ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَسْرَاهُمْ , وَرَدَّ مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ أَمْوَالهمْ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْر قِتَال . وَفِي قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ عَطِيَّة عَنْهُ هِيَ إِدَالَة اللَّه إِيَّاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ جَالُوت حَتَّى قَتَلُوهُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا مَضَى { وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } يَقُول : وَزِدْنَا فِيمَا أَعْطَيْنَاكُمْ مِنْ الْأَمْوَال وَالْبَنِينَ .|وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا|وَقَوْله : { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَر نَفِيرًا } يَقُول : وَصَيَّرْنَاكُمْ أَكْثَر عَدَد نَافِر مِنْهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16661 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَر نَفِيرًا } : أَيْ عَدَدًا , وَذَلِكَ فِي زَمَن دَاوُدَ . )16662 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَر نَفِيرًا } يَقُول : عَدَدًا . )16663 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَا : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ } لِبَنِي إِسْرَائِيل , بَعْد أَنْ كَانَتْ الْهَزِيمَة , وَانْصَرَفَ الْآخَرُونَ عَنْهُمْ { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَر نَفِيرًا } قَالَ : جَعَلْنَاكُمْ بَعْد هَذَا أَكْثَر عَدَدًا . )16664 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ } ثُمَّ رَدَدْت الْكَرَّة لِبَنِي إِسْرَائِيل . )16665 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ سُفْيَان , فِي قَوْله : ( { وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } قَالَ : أَرْبَعَة آلَاف .)

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِبَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا قَضَى إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ } يَا بَنِي إِسْرَائِيل , فَأَطَعْتُمْ اللَّه وَأَصْلَحْتُمْ أَمْركُمْ , وَلَزِمْتُمْ أَمْره وَنَهْيه { أَحْسَنْتُمْ } وَفَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ { لِأَنْفُسِكُمْ } لِأَنَّكُمْ إِنَّمَا تُنْفَعُونَ بِفَعْلَتِكُمْ مَا تَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ أَنْفُسكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّه يَدْفَع عَنْكُمْ مَنْ بَغَاكُمْ سُوءًا , وَيَنْمِي لَكُمْ أَمْوَالكُمْ , وَيَزِيدكُمْ إِلَى قُوَّتكُمْ قُوَّة . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُثِيبكُمْ بِهِ جِنَانه { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } يَقُول : وَإِنْ عَصَيْتُمْ اللَّه وَرَكِبْتُمْ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ حِينَئِذٍ , فَإِلَى أَنْفُسكُمْ تُسِيئُونَ , لِأَنَّكُمْ تُسْخِطُونَ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسكُمْ رَبّكُمْ , فَيُسَلِّط عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا عَدُوّكُمْ , وَيُمَكِّن مِنْكُمْ مَنْ بَغَاكُمْ سُوءًا , وَيُخْلِدكُمْ فِي الْآخِرَة فِي الْعَذَاب الْمُهِين . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَالْمَعْنَى : فَإِلَيْهَا كَمَا قَالَ { بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا } وَالْمَعْنَى : أَوْحَى إِلَيْهَا .|فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ|وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة } يَقُول : فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْمَرَّة الْآخِرَة مِنْ مَرَّتَيْ إِفْسَادكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض { لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ } يَقُول : لِيَسُوءَ مَجِيء ذَلِكَ الْوَعْد لِلْمَرَّةِ الْآخِرَة وُجُوهكُمْ فَيُقَبِّحهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة { لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ } بِمَعْنَى : لِيَسُوءَ الْعِبَاد أُولُو الْبَأْس الشَّدِيد الَّذِينَ يَبْعَثهُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ وُجُوهكُمْ , وَاسْتَشْهَدَ قَارِئُو ذَلِكَ لِصِحَّةِ قِرَاءَتهمْ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد } وَقَالُوا : ذَلِكَ خَبَر عَنْ الْجَمِيع فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون قَوْله { لِيَسُوءُوا } . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | لِيَسُوءَ وُجُوهكُمْ | عَلَى التَّوْحِيد وَبِالْيَاءِ . وَقَدْ يَحْتَمِل ذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل ; أَحَدهمَا مَا قَدْ ذَكَرْت , وَالْآخَر مِنْهُمَا : لِيَسُوءَ اللَّه وُجُوهكُمْ . فَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى لِيَسُوءَ مَجِيء الْوَعْد وُجُوهكُمْ , جَعَلَ جَوَاب قَوْله | فَإِذَا | مَحْذُوفًا , وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ بِمَا ظَهَرَ عَنْهُ , وَذَلِكَ الْمَحْذُوف | جَاءَ | , فَيَكُون الْكَلَام تَأْوِيله : فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة لِيَسُوءَ وُجُوهكُمْ جَاءَ . وَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيله إِلَى : لِيَسُوءَ اللَّه وُجُوهكُمْ , كَانَ أَيْضًا فِي الْكَلَام مَحْذُوف , قَدْ اُسْتُغْنِيَ هُنَا عَنْهُ بِمَا قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ , غَيْر أَنَّ ذَلِكَ الْمَحْذُوف سِوَى | جَاءَ | , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة بَعَثْنَاهُمْ لِيَسُوءَ اللَّه وُجُوهكُمْ , فَيَكُون الْمُضْمَر بَعَثْنَاهُمْ , وَذَلِكَ جَوَاب | إِذَا | حِينَئِذٍ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ الْكُوفِيِّينَ : | لِيَسُوءَ وُجُوهكُمْ | عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِسْمه عَنْ نَفْسه . وَكَانَ مَجِيء وَعْد الْمَرَّة الْآخِرَة عِنْد قَتْلهمْ يَحْيَى . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِذَلِكَ , وَالْخَبَر عَمَّا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه حِينَئِذٍ كَمَا : 16666 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , (عَنْ السُّدِّيّ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرْنَا إِسْنَاده قِيلَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَأَى فِي النَّوْم أَنَّ خَرَاب بَيْت الْمَقْدِس وَهَلَاك بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى يَدَيْ غُلَام يَتِيم اِبْن أَرْمَلَة مِنْ أَهْل بَابِل , يُدْعَى بُخْتُنَصَّرَ , وَكَانُوا يَصْدُقُونَ فَتَصْدُق رُؤْيَاهُمْ , فَأَقْبَلَ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى أُمّه وَهُوَ يَحْتَطِب , فَلَمَّا جَاءَ وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة مِنْ حَطَب أَلْقَاهَا , ثُمَّ قَعَدَ فِي جَانِب الْبَيْت فَضَمَّهُ , ثُمَّ أَعْطَاهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم , فَقَالَ : اِشْتَرِ لَنَا بِهَا طَعَامًا وَشَرَابًا , فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ لَحْمًا وَبِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَبِدِرْهَمٍ خَمْرًا , فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ , حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث فَعَلَ ذَلِكَ , ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنِّي أُحِبّ أَنْ تَكْتُب لِي أَمَانًا إِنْ أَنْتَ مَلَكْت يَوْمًا مِنْ الدَّهْر , فَقَالَ : أَتَسْخَرُ بِي ؟ فَقَالَ : إِنِّي لَا أَسْخَر بِك , وَلَكِنْ مَا عَلَيْك أَنْ تَتَّخِذ بِهَا عِنْدِي يَدًا , فَكَلَّمَتْهُ أُمّه , فَقَالَتْ : وَمَا عَلَيْك إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصك شَيْئًا , فَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا , فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت إِنْ جِئْت وَالنَّاس حَوْلك قَدْ حَالُوا بَيْنِي وَبَيْنك , فَاجْعَلْ لِي آيَة تَعْرِفنِي بِهَا قَالَ : نَرْفَع صَحِيفَتك عَلَى قَصَبَة أَعْرِفك بِهَا , فَكَسَاهُ وَأَعْطَاهُ . ثُمَّ إِنَّ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ يُكَرِّم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , وَيُدْنِي مَجْلِسه , وَيَسْتَشِيرهُ فِي أَمْره , وَلَا يَقْطَع أَمْرًا دُونه , وَأَنَّهُ هَوَى أَنْ يَتَزَوَّج اِبْنَة اِمْرَأَة لَهُ , فَسَأَلَ يَحْيَى عَنْ ذَلِكَ , فَنَهَاهُ عَنْ نِكَاحهَا وَقَالَ : لَسْت أَرْضَاهَا لَك , فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمّهَا فَحَقَدَتْ عَلَى يَحْيَى حِين نَهَاهُ أَنْ يَتَزَوَّج اِبْنَتهَا , فَعَمَدَتْ أُمّ الْجَارِيَة حِين جَلَسَ الْمَلِك عَلَى شَرَابه , فَأَلْبَسَتْهَا ثِيَابًا رِقَاقًا حُمْرًا , وَطَيَّبَتْهَا وَأَلْبَسَتْهَا مِنْ الْحُلِيّ , وَقِيلَ : إِنَّهَا أَلْبَسَتْهَا فَوْق ذَلِكَ كِسَاء أَسْوَد , وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الْمَلِك , وَأَمَرَتْهَا أَنْ تَسْقِيه , وَأَنْ تَعْرِض لَهُ نَفْسهَا , فَإِنْ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسهَا أَبَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْطِيهَا مَا سَأَلَتْهُ , فَإِذَا أَعْطَاهَا ذَلِكَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَأْتِي بِرَأْسِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي طَسْت , فَفَعَلَتْ , فَجَعَلَتْ تَسْقِيه وَتَعْرِض لَهُ نَفْسهَا ; فَلَمَّا أَخَذَ فِيهِ الشَّرَاب أَرَادَهَا عَلَى نَفْسهَا , فَقَالَتْ : لَا أَفْعَل حَتَّى تُعْطِينِي مَا أَسْأَلك , فَقَالَ : مَا الَّذِي تَسْأَلِينِي ؟ قَالَتْ : أَسْأَلك أَنْ تَبْعَث إِلَى يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , فَأُوتِيَ بِرَأْسِهِ فِي هَذَا الطَّسْت , فَقَالَ : وَيْحك سَلِينِي غَيْر هَذَا , فَقَالَتْ لَهُ : مَا أُرِيد أَنْ أَسْأَلك إِلَّا هَذَا . قَالَ : فَلَمَّا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ بَعَثَ إِلَيْهِ , فَأَتَى بِرَأْسِهِ , وَالرَّأْس يَتَكَلَّم حَتَّى وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول : لَا يَحِلّ لَك ذَلِكَ ; فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمه يَغْلِي , فَأَمَرَ بِتُرَابٍ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ , فَرَقَى الدَّم فَوْق التُّرَاب يَغْلِي , فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ التُّرَاب أَيْضًا , فَارْتَفَعَ الدَّم فَوْقه ; فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى بَلَغَ سُور الْمَدِينَة وَهُوَ يَغْلِي وَبَلَغَ صحابين , فَثَارَ فِي النَّاس , وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَث عَلَيْهِمْ جَيْشًا , وَيُؤَمِّر عَلَيْهِمْ رَجُلًا , فَأَتَاهُ بُخْتُنَصَّرَ وَكَلَّمَهُ وَقَالَ : إِنَّ الَّذِي كُنْت أَرْسَلْته تِلْكَ الْمَرَّة ضَعِيف , وَإِنِّي قَدْ دَخَلْت الْمَدِينَة وَسَمِعْت كَلَام أَهْلهَا , فَابْعَثْنِي , فَبَعَثَهُ , فَسَارَ بُخْتُنَصَّرَ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا ذَلِكَ الْمَكَان تَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي مَدَائِنهمْ , فَلَمْ يُطِقْهُمْ , فَلَمَّا اِشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْمَقَام وَجَاعَ أَصْحَابه , أَرَادُوا الرُّجُوع , فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمْ عَجُوز مِنْ عَجَائِز بَنِي إِسْرَائِيل فَقَالَتْ : أَيْنَ أَمِير الْجُنْد ؟ فَأُتِيَ بِهَا إِلَيْهِ , فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تُرِيد أَنْ تَرْجِع بِجُنْدِك قَبْل أَنْ تُفْتَح هَذِهِ الْمَدِينَة , قَالَ : نَعَمْ , قَدْ طَالَ مَقَامِي , وَجَاعَ أَصْحَابِي , فَلَسْت أَسْتَطِيع الْمَقَام فَوْق الَّذِي كَانَ مِنِّي , فَقَالَتْ : أَرَأَيْتُك إِنْ فَتَحْت لَك الْمَدِينَة أَتُعْطِينِي مَا سَأَلْتُك , وَتَقْتُل مَنْ أَمَرْتُك بِقَتْلِهِ , وَتَكُفّ إِذَا أَمَرْتُك أَنْ تَكُفّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَتْ : إِذَا أَصْبَحْت فَاقْسِمْ جُنْدك أَرْبَعَة أَرْبَاع , ثُمَّ أَقِمْ عَلَى كُلّ زَاوِيَة رُبْعًا , ثُمَّ اِرْفَعُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى السَّمَاء فَنَادَوْا : إِنَّا نَسْتَفْتِحك يَا اللَّه بِدَمِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , فَإِنَّهَا سَوْفَ تُسَاقَط ; فَفَعَلُوا , فَتَسَاقَطَتْ الْمَدِينَة , وَدَخَلُوا مِنْ جَوَانِبهَا , فَقَالَتْ لَهُ : اُقْتُلْ عَلَى هَذَا الدَّم حَتَّى يَسْكُن , وَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى دَم يَحْيَى وَهُوَ عَلَى تُرَاب كَثِير , فَقَتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى سَكَنَ سَبْعِينَ أَلْفًا وَامْرَأَة ; فَلَمَّا سَكَنَ الدَّم قَالَتْ لَهُ : كُفَّ يَدك , فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا قُتِلَ نَبِيّ لَمْ يَرْضَ , حَتَّى يُقْتَل مَنْ قَتَلَهُ , وَمَنْ رَضِيَ قَتْله , وَأَتَاهُ صَاحِب الصَّحِيفَة بِصَحِيفَتِهِ , فَكَفَّ عَنْهُ وَعَنْ أَهْل بَيْته , وَخَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس , وَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُطْرَح فِيهِ الْجِيَف , وَقَالَ : مَنْ طَرَحَ فِيهِ جِيفَة فَلَهُ جِزْيَته تِلْكَ السَّنَة , وَأَعَانَهُ عَلَى خَرَابه الرُّوم مِنْ أَجْل أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل قَتَلُوا يَحْيَى , فَلَمَّا خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ ذَهَبَ مَعَهُ بِوُجُوهِ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَشْرَافهمْ , وَذَهَبَ بِدَانْيَال وعليا وعزاريا وميشائيل , هَؤُلَاءِ كُلّهمْ مِنْ أَوْلَاد الْأَنْبِيَاء وَذَهَبَ مَعَهُ بِرَأْسِ جَالُوت ; فَلَمَّا قَدِمَ أَرْض بَابِل وَجَدَ صحابين قَدْ مَاتَ , فَمَلَكَ مَكَانه , وَكَانَ أَكْرَم النَّاس عَلَيْهِ دَانْيَال وَأَصْحَابه , فَحَسَدَهُمْ الْمَجُوس عَلَى ذَلِكَ , فَوَشَوْا بِهِمْ إِلَيْهِ وَقَالُوا : إِنَّ دَانْيَال وَأَصْحَابه لَا يَعْبُدُونَ إِلَهك , وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبِيحَتك , فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ , فَقَالُوا : أَجَلْ إِنَّ لَنَا رَبًّا نَعْبُدهُ , وَلَسْنَا نَأْكُل مِنْ ذَبِيحَتكُمْ , فَأَمَرَ بِخَدٍّ فَخُدَّ لَهُمْ , فَأُلْقُوا فِيهِ وَهُمْ سِتَّة , وَأُلْقِيَ مَعَهُمْ سَبْعًا ضَارِيًا لِيَأْكُلهُمْ , فَقَالَ : اِنْطَلَقُوا فَلِنَأْكُل وَلِنَشْرَب , فَذَهَبُوا فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا , ثُمَّ رَاحُوا فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا وَالسَّبْع مُفْتَرِش ذِرَاعَيْهِ بَيْنهمْ , وَلَمْ يَخْدِش مِنْهُمْ أَحَدًا , وَلَمْ يَنْكَأهُ شَيْئًا , وَوَجَدُوا مَعَهُمْ رَجُلًا , فَعَدُوّهُمْ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَة , فَقَالُوا : مَا بَال هَذَا السَّابِع إِنَّمَا كَانُوا سِتَّة ؟ ! فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ السَّابِع , وَكَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة , فَلَطَمَهُ لَطْمَة فَصَارَ فِي الْوَحْش , فَكَانَ فِيهِمْ سَبْع سِنِينَ , لَا يَرَاهُ وَحْشِيّ إِلَّا أَتَاهُ حَتَّى يَنْكِحهُ , يَقْتَصّ مِنْهُ مَا كَانَ يَصْنَع بِالرِّجَالِ ; ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ وَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ مُلْكه , فَكَانُوا أَكْرَم خَلْق اللَّه عَلَيْهِ . ثُمَّ إِنَّ الْمَجُوس وَشَوْا بِهِ ثَانِيَة , فَأَلْقَوْا أَسَدًا فِي بِئْر قَدْ ضَرِيَ , فَكَانُوا يُلْقُونَ إِلَيْهِ الصَّخْرَة فَيَأْخُذهَا , فَأَلْقَوْا إِلَيْهِ دَانْيَال , فَقَامَ الْأَسَد فِي جَانِب , وَقَامَ دَانْيَال فِي جَانِب لَا يَمَسّهُ , فَأَخْرَجُوهُ , وَقَدْ كَانَ قَبْل ذَلِكَ خَدَّ لَهُمْ خَدًّا , فَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا , حَتَّى إِذَا أَجَّجَهَا قَذَفَهُمْ فِيهَا , فَأَطْفَأَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهَا شَيْء . ثُمَّ إِنَّ بُخْتَنَصَّرَ رَأَى بَعْد ذَلِكَ فِي مَنَامه صَنَمًا رَأْسه مِنْ ذَهَب , وَعُنُقه مِنْ شَبَه , وَصَدْره مِنْ حَدِيد , وَبَطْنه أَخْلَاط ذَهَب وَفِضَّة وَقَوَارِير , وَرِجْلَاهُ مِنْ فَخَّار ; فَبَيْنَا هُوَ قَائِم يَنْظُر , إِذْ جَاءَتْ صَخْرَة مِنْ السَّمَاء مِنْ قِبَل الْقِبْلَة , فَكَسَرَتْ الصَّنَم فَجَعَلَتْهُ هُشَيْمًا , فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا وَأُنْسِيهَا , فَدَعَا السَّحَرَة وَالْكَهَنَة , فَسَأَلَهُمْ , فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَمَّا رَأَيْت ! فَقَالُوا لَهُ : لَا , بَلْ أَنْتَ أَخْبِرْنَا مَا رَأَيْت فَنَعْبُرهُ لَك . قَالَ : لَا أَدْرِي , قَالُوا لَهُ : فَهَؤُلَاءِ الْفِتْيَة الَّذِينَ تُكْرِمهُمْ , فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ , فَإِنْ هُمْ لَمْ يُخْبِرُوك بِمَا رَأَيْت فَمَا تَصْنَع بِهِمْ ؟ قَالَ : أَقْتُلهُمْ ! فَأَرْسَلَ إِلَى دَانْيَال وَأَصْحَابه , فَدَعَاهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ : أَخْبِرُونِي مَاذَا رَأَيْت ؟ فَقَالَ لَهُ دَانْيَال : بَلْ أَنْتَ أَخْبِرْنَا مَا رَأَيْت فَنَعْبُرهُ لَك ! قَالَ : لَا أَدْرِي قَدْ نَسِيتهَا ! فَقَالَ لَهُ دَانْيَال : كَيْف نَعْلَم رُؤْيَا لَمْ تُخْبِرنَا بِهَا ؟ فَأَمَرَ الْبَوَّاب أَنْ يَقْتُلهُمْ , فَقَالَ دَانْيَال لِلْبَوَّابِ : إِنَّ الْمَلِك إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِنَا مِنْ أَجْل رُؤْيَاهُ , فَأَخِّرْنَا ثَلَاثَة أَيَّام , فَإِنْ نَحْنُ أَخْبَرَنَا الْمُلْك بِرُؤْيَاهُ وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقنَا ; فَأَجَّلَهُمْ فَدَعَوْا اللَّه ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أَبْصَرَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ رُؤْيَا بُخْتَنَصَّرَ عَلَى حِدَة , فَأَتَوْا الْبَوَّاب فَأَخْبَرُوهُ , فَدَخَلَ عَلَى الْمَلِك فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ : أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ ; وَكَانَ بُخْتُنَصَّرَ لَا يَعْرِف مِنْ رُؤْيَاهُ شَيْئًا , إِلَّا شَيْئًا يَذْكُرُونَهُ , فَقَالُوا لَهُ : أَنْتَ رَأَيْت كَذَا وَكَذَا , فَقَصُّوهَا عَلَيْهِ , فَقَالَ : صَدَقْتُمْ ! قَالُوا : نَحْنُ نَعْبُرهَا لَك . أَمَّا الصَّنَم الَّذِي رَأَيْت رَأْسه مِنْ ذَهَب , فَإِنَّهُ مُلْك حَسَن مِثْل الذَّهَب , وَكَانَ قَدْ مَلَكَ الْأَرْض كُلّهَا ; وَأَمَّا الْعُنُق مِنْ الشَّبَه , فَهُوَ مُلْك اِبْنك بَعْد , يَمْلِك فَيَكُون مُلْكه حَسَنًا , وَلَا يَكُون مِثْل الذَّهَب ; وَأَمَّا صَدْره الَّذِي مِنْ حَدِيد فَهُوَ مُلْك أَهْل فَارِس , يَمْلِكُونَ بَعْدك اِبْنك , فَيَكُون مُلْكهمْ شَدِيدًا مِثْل الْحَدِيد ; وَأَمَّا بَطْنه الْأَخْلَاط , فَإِنَّهُ يَذْهَب مُلْك أَهْل فَارِس , وَيَتَنَازَع النَّاس الْمُلْك فِي كُلّ قَرْيَة , حَتَّى يَكُون الْمَلِك يُمْلَك الْيَوْم وَالْيَوْمَيْنِ , وَالشَّهْر وَالشَّهْرَيْنِ , ثُمَّ يُقْتَل , فَلَا يَكُون لِلنَّاسِ قِوَام عَلَى ذَلِكَ , كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّنَمِ قِوَام عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ فَخَّار ; فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى نَبِيًّا مِنْ أَرْض الْعَرَب , فَأَظْهَرَهُ عَلَى بَقِيَّة مُلْك أَهْل فَارِس , وَبَقِيَّة مُلْك اِبْنك وَمُلْكك , فَدَمَّرَهُ وَأَهْلَكَهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْء , كَمَا جَاءَتْ الصَّخْرَة فَهَدَمَتْ الصَّنَم ; فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ فَأَحَبَّهُمْ . ثُمَّ إِنَّ الْمَجُوس وَشَوْا بِدَانْيَال , فَقَالُوا : إِنَّ دَانْيَال إِذَا شَرِبَ الْخَمْر لَمْ يَمْلِك نَفْسه أَنْ يَبُول , وَكَانَ ذَلِكَ فِيهِمْ عَارًا , فَجَعَلَ لَهُمْ بُخْتُنَصَّرَ طَعَامًا , فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا , وَقَالَ لِلْبَوَّابِ : اُنْظُرْ أَوَّل مَنْ يَخْرُج عَلَيْك يَبُول , فَاضْرِبْهُ بالطبرزين , وَإِنْ قَالَ : أَنَا بُخْتُنَصَّرَ , فَقُلْ : كَذَبْت , بُخْتُنَصَّرَ أَمَرَنِي . فَحَبَسَ اللَّه عَنْ دَانْيَال الْبَوْل , وَكَانَ أَوَّل مَنْ قَامَ مِنْ الْقَوْم يُرِيد الْبَوْل بُخْتُنَصَّرَ , فَقَامَ مُدِلًّا , وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا , يَسْحَب ثِيَابه ; فَلَمَّا رَآهُ الْبَوَّاب شَدَّ عَلَيْهِ , فَقَالَ : أَنَا بُخْتُنَصَّرَ , فَقَالَ : كَذَبْت , بُخْتُنَصَّرَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْتُل أَوَّل مَنْ يَخْرُج , فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ . )16667 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى سنحاريب . قَالَ : فَرَدَّ اللَّه لَهُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ ; قَالَ : ثُمَّ عَصَوْا رَبّهمْ وَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ , فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ , فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَة , وَسَبَى الذُّرِّيَّة , وَأَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ الْأَمْوَال , وَدَخَلُوا بَيْت الْمَقْدِس , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } دَخَلُوهُ فَتَبَرُّوهُ وَخَرَّبُوهُ وَأَلْقَوْا فِيهِ مَا اِسْتَطَاعُوا مِنْ الْعَذِرَة وَالْحَيْض وَالْجِيَف وَالْقَذَر , فَقَالَ اللَّه { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } [17 8 ]فَرَحِمَهُمْ فَرَدَّ إِلَيْهِمْ مَلِكهمْ وَخَلَّصَ مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ذُرِّيَّة بَنِي إِسْرَائِيل , وَقَالَ لَهُمْ : إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا . فَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى , وَلَا أَعْلَم ذَلِكَ , إِلَّا مِنْ هَذَا الْحَدِيث , وَلَمْ يَعِدْهُمْ الرَّجْعَة إِلَى مَلِكهمْ . )16668 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ } قَالَ : بَعَثَ اللَّه مُلْك فَارِس بِبَابِل جَيْشًا , وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ , فَأَتَوْا بَنِي إِسْرَائِيل , فَدَمَّرُوهُمْ , فَكَانَتْ هَذِهِ الْآخِرَة وَوَعْدهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم . قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 16669 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (لَمَّا ضَرَبَ بُخْتُنَصَّرَ الْمَلِك بِجِرَانِهِ , قَالَ : ثَلَاثَة فَمَنْ اِسْتَأْخَرَ مِنْكُمْ بَعْدهَا فَلْيَمْشِ إِلَى خَشَبَته , فَغَزَا الشَّام , فَذَلِكَ حِين قَتَلَ وَأَخْرَجَ بَيْت الْمَقْدِس , وَنَزَعَ حِلْيَته , فَجَعَلَهَا آنِيَة لِيَشْرَب فِيهَا الْخُمُور , وَخُوَانًا يَأْكُل عَلَيْهِ الْخَنَازِير , وَحَمَلَ التَّوْرَاة مَعَهُ , ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي النَّار , وَقَدِمَ فِيمَا قَدِمَ بِهِ مِائَة وَصِيف مِنْهُمْ دَانْيَال وعزريا وحنانيا ومشائيل , فَقَالَ لِإِنْسَانٍ : أَصْلِحْ لِي أَجْسَام هَؤُلَاءِ لَعَلِّي أَخْتَار مِنْهُمْ أَرْبَعَة يَخْدُمُونَنِي , فَقَالَ دَانْيَال لِأَصْحَابِهِ : إِنَّمَا نُصِرُوا عَلَيْكُمْ بِمَا غَيَّرْتُمْ مِنْ دِين آبَائِكُمْ , لَا تَأْكُلُوا لَحْم الْخِنْزِير , وَلَا تَشْرَبُوا الْخَمْر , فَقَالُوا لِلَّذِي يُصْلِح أَجْسَامهمْ : هَلْ لَك أَنْ تُطْعِمنَا طَعَامًا , هُوَ أَهْوَن عَلَيْك فِي الْمُؤْنَة مَا تُطْعِم أَصْحَابنَا , فَإِنْ لَمْ نَسْمَن قَبْلهمْ رَأَيْت رَأْيك , قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : خُبْز الشَّعِير وَالْكُرَّاث , فَفَعَلَ فَسَمِنُوا قَبْل أَصْحَابهمْ , فَأَخَذَهُمْ بُخْتُنَصَّرَ يَخْدُمُونَهُ ; فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ رَأَى بُخْتُنَصَّرَ رُؤْيَا , فَجَلَسَ فَنَسِيَهَا ; فَعَادَ فَرَقَدَ فَرَآهَا , فَقَامَ فَنَسِيَهَا , ثُمَّ عَادَ فَرَقَدَ فَرَآهَا , فَخَرَجَ إِلَى الْحُجْرَة , فَنَسِيَهَا ; فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا الْعُلَمَاء وَالْكُهَّان , فَقَالَ : أَخْبِرُونِي بِمَا رَأَيْت الْبَارِحَة , وَأَوِّلُوا لِي رُؤْيَايَ , وَإِلَّا فَلْيَمْشِ كُلّ رَجُل مِنْكُمْ إِلَى خَشَبَته , مَوْعِدكُمْ ثَالِثَة . فَقَالُوا : هَذَا لَوْ أَخْبَرَنَا بِرُؤْيَاهُ ; وَذَكَرَ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظهُ , قَالَ : وَجَعَلَ دَانْيَال كُلَّمَا مَرَّ بِهِ أَحَد مِنْ قَرَابَته يَقُول : لَوْ دَعَانِي الْمَلِك لَأَخْبَرْته بِرُؤْيَاهُ , وَلَأَوَّلْتهَا لَهُ , قَالَ : فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : مَا أَحْمَق هَذَا الْغُلَام الْإِسْرَائِيلِيّ إِلَى أَنْ مَرَّ بِهِ كَهْل , فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ , فَدَعَاهُ فَقَالَ : مَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ : رَأَيْت تِمْثَالًا , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَرَأْسه مِنْ ذَهَب , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَعُنُقه مِنْ فِضَّة , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَصَدْره مِنْ حَدِيد , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَبَطْنه مِنْ صُفْر , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَرِجْلَاهُ مِنْ آنُك , قَالَ : إِيه , قَالَ : وَقَدَمَاهُ مِنْ فَخَّار , قَالَ : هَذَا الَّذِي رَأَيْت ؟ قَالَ : إِيه , قَالَ : فَجَاءَتْ حَصَاهُ فَوَقَعَتْ فِي رَأْسه , ثُمَّ فِي عُنُقه , ثُمَّ فِي صَدْره , ثُمَّ فِي بَطْنه , ثُمَّ فِي رِجْلَيْهِ , ثُمَّ فِي قَدَمَيْهِ , قَالَ : فَأَهْلَكْته . قَالَ : فَمَا هَذَا ؟ قَالَ : أَمَّا الذَّهَب فَإِنَّهُ مُلْكك , وَأَمَّا الْفِضَّة فَمُلْك اِبْنك مِنْ بَعْدك , ثُمَّ مُلْك اِبْن اِبْنك , قَالَ : وَأَمَّا الْفَخَّار فَمُلْك النِّسَاء , فَكَسَاهُ جُبَّة تَرِثُونَ , وَسَوَّرَهُ وَطَافَ بِهِ فِي الْقَرْيَة , وَأَجَازَ خَاتَمه ; فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ فَارِس , قَالُوا : مَا الْأَمْر إِلَّا أَمْر هَذَا الْإِسْرَائِيلِيّ , فَقَالُوا : اِئْتُوهُ مِنْ نَحْو الْفِتْيَة الثَّلَاثَة , وَلَا تَذْكُرُوا لَهُ دَانْيَال , فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقكُمْ عَلَيْهِ , فَأَتَوْهُ , فَقَالُوا : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَة الثَّلَاثَة لَيْسُوا عَلَى دِينك , وَآيَة ذَلِكَ أَنَّك إِنْ قَرَّبْت إِلَيْهِمْ لَحْم الْخِنْزِير وَالْخَمْر لَمْ يَأْكُلُوا وَلَمْ يَشْرَبُوا ; فَأَمَرَ بِحَطَبٍ كَثِير فَوُضِعَ , ثُمَّ أَرْقَاهُمْ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَوْقَدَ فِيهِ نَارًا , ثُمَّ خَرَجَ مِنْ آخِر اللَّيْل يَبُول , فَإِذَا هُمْ يَتَحَدَّثُونَ , وَإِذَا مَعَهُمْ رَابِع يَرُوح عَلَيْهِمْ يُصَلِّي , قَالَ : مَنْ هَذَا يَا دَانْيَال ؟ قَالَ : هَذَا جِبْرِيل , إِنَّك ظَلَمْتهمْ , قَالَ : ظَلَمْتهمْ ! مُرْ بِهِمْ يَنْزِلُوا ; فَأَمَرَ بِهِمْ فَنَزَلُوا , قَالَ : وَمَسَخَ اللَّه تَعَالَى بُخْتَنَصَّرَ مِنْ الدَّوَابّ كُلّهَا , فَجَعَلَ مِنْ كُلّ صِنْف مِنْ الدَّوَابّ رَأْسه رَأْس سَبْع مِنْ السِّبَاع الْأَسَد , وَمِنْ الطَّيْر النَّسْر , وَمُلْك اِبْنه فَرَأَى كَفًّا خَرَجَتْ بَيْن لَوْحَيْنِ , ثُمَّ كَتَبْت سَطْرَيْنِ , فَدَعَا الْكُهَّان وَالْعُلَمَاء فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِلْمًا , فَقَالَتْ لَهُ أُمّه : إِنَّك لَوْ أَعَدْت إِلَى دَانْيَال مَنْزِلَته الَّتِي كَانَتْ لَهُ مِنْ أَبِيك أُخْبِرك , وَكَانَ قَدْ جَفَاهُ , فَدَعَاهُ , فَقَالَ : إِنِّي مُعِيد إِلَيْك مَنْزِلَتك مِنْ أَبِي , فَأَخْبَرَنِي مَا هَذَانِ السَّطْرَانِ ؟ قَالَ : إِمَّا أَنْ تُعِيد إِلَيَّ مَنْزِلَتِي مِنْ أَبِيك , فَلَا حَاجَة لِي بِهَا , وَأَمَّا هَذَانِ السَّطْرَانِ فَإِنَّك تُقْتَل اللَّيْلَة , فَأَخْرِجْ مَنْ فِي الْقَصْر أَجْمَعِينَ , وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ , فَأُقْفِلَتْ الْأَبْوَاب عَلَيْهِ , وَادْخُلْ مَعَهُ آمَنَ أَهْل الْقَرْيَة فِي نَفْسه مَعَهُ سَيْف , فَقَالَ : مَنْ جَاءَك مِنْ خَلْق اللَّه فَاقْتُلْهُ , وَإِنْ قَالَ أَنَا فُلَان ; وَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِ الْبَطْن , فَجَعَلَ يَمْشِي حَتَّى كَانَ شَطْر اللَّيْل , فَرَقَدَ وَرَقَدَ صَاحِبه ; ثُمَّ نَبَّهَهُ الْبَطْن , فَذَهَبَ يَمْشِي وَالْآخَر نَائِم , فَرَجَعَ فَاسْتَيْقَظَ بِهِ , فَقَالَ لَهُ : أَنَا فُلَان , فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ . )16670 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة } آخِر الْعُقُوبَتَيْنِ { لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة } كَمَا دَخَلَهُ عَدُوّهُمْ قَبْل ذَلِكَ { وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ الْمَجُوسِيّ الْبَابِلِيّ , أَبْغَض خَلْق اللَّه إِلَيْهِ , فَسَبَى وَقَتَلَ وَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس , وَسَامَهُمْ سُوء الْعَذَاب . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة } مِنْ الْمَرَّتَيْنِ { لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ } قَالَ : لِيُقَبِّحُوا وُجُوهكُمْ { وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } قَالَ : يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا تَدْمِيرًا , قَالَ : هُوَ بُخْتُنَصَّرَ , بَعَثَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة . )16671 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (فَلَمَّا أَفْسَدُوا بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ , فَخَرَّبَ الْمَسَاجِد وَتَبَّرَ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا . )16672 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (فِيمَا بَلَغَنِي , اِسْتَخْلَفَ اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بَعْد ذَلِكَ , يَعْنِي بَعْد قَتْلهمْ شعياء رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَال لَهُ : ناشة بْن آموص , فَبَعَثَ اللَّه الْخَضِر نَبِيًّا , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَدْ بَلَغَنِي يَقُول : | إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِر خَضِرًا , لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَة بَيْضَاء , فَقَامَ عَنْهَا وَهِيَ تَهْتَزّ خَضْرَاء | قَالَ : وَاسْم الْخَضِر فِيمَا كَانَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَزْعُم عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل : أرميا بْن حلفيا , وَكَانَ مِنْ سِبْط هَارُون بْن عِمْرَان . )16673 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , وَمُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن زَنْجُوَيْهِ , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه . وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , وَاللَّفْظ لِحَدِيثِ اِبْن حُمَيْد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لإرميا حِين بَعَثَهُ نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل : يَا إرميا مِنْ قَبْل أَنْ أَخْلُقك اِخْتَرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُصَوِّرك فِي بَطْن أُمّك قَدَّسْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُخْرِجك مِنْ بَطْن أُمّك طَهَّرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ السَّعْي نَبَّأْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ الْأَشُدّ اِخْتَرْتُك , وَلِأَمْرٍ عَظِيم اِخْتَبَأْتُكَ ; فَبَعَثَ اللَّه إرميا إِلَى ذَلِكَ الْمَلِك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُسَدِّدهُ وَيُرْشِدهُ , وَيَأْتِيه بِالْخَبَرِ مِنْ اللَّه فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه ; قَالَ : ثُمَّ عَظُمَتْ الْأَحْدَاث فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَكِبُوا الْمَعَاصِي , وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم , وَنَسُوا مَا كَانَ اللَّه تَعَالَى صَنَعَ بِهِمْ , وَمَا نَجَّاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ سنحاريب وَجُنُوده . فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى إرمياء : أَنْ اِئْتِ قَوْمك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَاقْصُصُوا عَلَيْهِمْ مَا أَمَرَك بِهِ , وَذَكِّرْهُمْ نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ , وَعَرِّفْهُمْ أَحْدَاثهمْ , فَقَالَ إرمياء : إِنِّي ضَعِيف إِنْ لَمْ تُقَوِّنِي , وَعَاجِز إِنْ لَمْ تُبَلِّغنِي , وَمُخْطِئ إِنْ لَمْ تُسَدِّدنِي , وَمَخْذُول إِنْ لَمْ تَنْصُرنِي , وَذَلِيل إِنْ لَمْ تُعِزّنِي . قَالَ : اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَوَلَمْ تَعْلَم أَنَّ الْأُمُور كُلّهَا تَصْدُر عَنْ مَشِيئَتِي , وَإِنَّ الْقُلُوب كُلّهَا وَالْأَلْسِنَة بِيَدِي , أُقَلِّبهَا كَيْف شِئْت , فَتُطِيعنِي , وَإِنِّي أَنَا اللَّه الَّذِي لَا شَيْء مِثْلِي , قَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ بِكَلِمَتِي , وَأَنَا كَلَّمْت الْبِحَار , فَفَهِمَتْ قَوْلِي , وَأَمَرْتهَا فَعَقَلَتْ أَمْرِي , وَحَدَّدْت عَلَيْهَا بِالْبَطْحَاءِ فَلَا تَعَدَّى حَدِّي , تَأْتِي بِأَمْوَاجٍ كَالْجِبَالِ , حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حَدِّي أَلْبَسْتهَا مَذَلَّة طَاعَتِي خَوْفًا وَاعْتِرَافًا لِأَمْرِي إِنِّي مَعَك , وَلَنْ يَصِل إِلَيْك شَيْء مَعِي , وَإِنْ بَعَثْتُك إِلَى خَلْق عَظِيم مِنْ خَلْقِي , لِتُبَلِّغهُمْ رِسَالَاتِي , وَلِتَسْتَحِقّ بِذَلِكَ مِثْل أَجْر مَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ لَا يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ أُجُورهمْ شَيْئًا , وَإِنْ تُقَصِّر عَنْهَا فَلَك مِثْل وِزْر مَنْ تَرَكَّبَ فِي عَمَاهُ لَا يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْئًا ; اِنْطَلِقْ إِلَى قَوْمك فَقُلْ : إِنَّ اللَّه ذَكَرَ لَكُمْ صَلَاح آبَائِكُمْ , فَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَسْتَتِيبكُمْ يَا مَعْشَر الْأَبْنَاء , وَسَلْهُمْ كَيْف وَجَدَ آبَاؤُهُمْ مَغَبَّة طَاعَتِي , وَكَيْف وَجَدُوا هُمْ مَغَبَّة مَعْصِيَتِي , وَهَلْ عَلِمُوا أَنَّ أَحَدًا قَبْلهمْ أَطَاعَنِي فَشَقِيَ بِطَاعَتِي , أَوْ عَصَانِي فَسَعِدَ بِمَعْصِيَتِي , فَإِنَّ الدَّوَابّ مَا تَذْكُر أَوْطَانهَا الصَّالِحَة , فَتَنْتَابهَا , وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم قَدْ رَتَعُوا فِي مُرُوج الْهَلَكَة . أَمَّا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ فَاِتَّخَذُوا عِبَادِي خَوَلًا لِيَعْبُدُوهُمْ دُونِي وَتَحَكَّمُوا فِيهِمْ بِغَيْرِ كِتَابِي حَتَّى أَجْهَلُوهُمْ أَمْرِي , وَأَنْسَوْهُمْ ذِكْرِي , وَغَرُّوهُمْ مِنِّي . أَمَّا أُمَرَاؤُهُمْ وَقَادَّاتهمْ فَبَطِرُوا نِعْمَتِي , وَأَمِنُوا مَكْرِي , وَنَبَذُوا كِتَابِي , وَنَسُوا عَهْدِي , وَغَيَّرُوا سُنَّتِي , فَادَّانَ لَهُمْ عِبَادِي بِالطَّاعَةِ الَّتِي لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِي , فَهُمْ يُطِيعُوهُمْ فِي مَعْصِيَتِي , وَيُتَابِعُونَهُمْ عَلَى الْبِدَع الَّتِي يَبْتَدِعُونَ فِي دِينِي جَرَاءَة عَلَيَّ وَغُرَّة وَفِرْيَة عَلَيَّ وَعَلَى رُسُلِي , فَسُبْحَان جَلَالِي وَعُلُوّ مَكَانِي , وَعِظَم شَأْنِي , فَهَلْ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُطَاع فِي مَعْصِيَتِي , وَهَلْ يَنْبَغِي فِي أَنْ أَخْلُق عِبَادًا اِجْعَلْهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِي . وَأَمَّا قُرَّاؤُهُمْ وَفُقَهَاؤُهُمْ فَيَتَعَبَّدُونَ فِي الْمَسَاجِد , وَيَتَزَيَّنُونَ بِعِمَارَتِهَا لِغَيْرِي , لِطَلَبِ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , وَيَتَفَقَّهُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الْعِلْم , وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الْعَمَل . وَأَمَّا أَوْلَاد الْأَنْبِيَاء , فَمُكْثِرُونَ مَقْهُورُونَ مُغَيِّرُونَ , يَخُوضُونَ مَعَ الْخَائِضِينَ , وَيَتَمَنَّوْنَ عَلَى مِثْل نُصْرَة آبَائِهِمْ وَالْكَرَامَة الَّتِي أَكْرَمْتهمْ بِهَا , وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا أَحَد أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنِّي بِغَيْرِ صِدْق وَلَا تَفَكُّر وَلَا تَدَبُّر , وَلَا يَذْكُرُونَ كَيْف كَانَ صَبْر آبَائِهِمْ لِي , وَكَيْف كَانَ جِدّهمْ فِي أَمْرِي حِين غَيَّرَ الْمُغَيِّرُونَ , وَكَيْف بَذَلُوا أَنْفُسهمْ وَدِمَاءَهُمْ , فَصَبَرُوا وَصَدَقُوا حَتَّى عَزَّ أَمْرِي , وَطَهُرَ دِينِي , فَتَأَنَّيْت بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم لَعَلَّهُمْ يَسْتَجِيبُونَ , فَأَطْوَلْت لَهُمْ , وَصَفَحْت عَنْهُمْ , لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ , فَأَكْثَرْت وَمَدَدْت لَهُمْ فِي الْعُمْر لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ , فَأَعْذَرْت فِي كُلّ ذَلِكَ , أُمْطِر عَلَيْهِمْ السَّمَاء , وَأُنْبِت لَهُمْ الْأَرْض , وَأُلْبِسهُمْ الْعَافِيَة وَأُظْهِرهُمْ عَلَى الْعَدُوّ فَلَا يَزْدَادُونَ إِلَّا طُغْيَانًا وَبُعْدًا مِنِّي , فَحَتَّى مَتَى هَذَا ؟ أَبِي يَتَمَرَّسُونَ أَمْ إِيَّايَ يُخَادِعُونَ ؟ وَإِنِّي أَحْلِف بِعِزَّتِي لَأُقَيِّضَن لَهُمْ فِتْنَة يَتَحَيَّر فِيهَا الْحَلِيم , وَيَضِلّ فِيهَا رَأْي ذِي الرَّأْي , وَحِكْمَة الْحَكِيم , ثُمَّ لَأُسَلِّطَن عَلَيْهِمْ جَبَّارًا قَاسِيًا عَاتِيًا , أَلْبِسْهُ الْهَيْبَة , وَأَنْتَزِع مِنْ صَدْره الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة وَالْبَيَان , يَتْبَعهُ عَدَد وَسَوَاد مِثْل سَوَاد اللَّيْل الْمُظْلِم , لَهُ عَسَاكِر مِثْل قِطَع السَّحَاب , وَمَرَاكِب أَمْثَال الْعَجَاج , كَأَنَّ خَفِيق رَايَاته طَيَرَان النُّسُور , وَأَنَّ حَمَلَة فُرْسَانه كَوَبَرِ الْعُقْبَانِ . ثُمَّ أَوْحَى اللَّه إِلَى إرميا : إِنِّي مُهْلِك بَنَى إِسْرَائِيل بِيَافِث , وَيَافِث أَهْل بَابِل , وَهُمْ مِنْ وَلَد يَافِث بْن نُوح . ثُمَّ لَمَّا سَمِعَ إرميا وَحْي رَبّه صَاحَ وَبَكَى وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه وَقَالَ : مَلْعُون يَوْم وُلِدْت فِيهِ , وَيَوْم لَقِيت التَّوْرَاة , وَمِنْ شَرّ أَيَّامِي يَوْم وُلِدْت فِيهِ , فَمَا أَبْقَيْت آخِر الْأَنْبِيَاء إِلَّا لِمَا هُوَ أَشَرّ عَلَيَّ ! لَوْ أَرَادَ بِي خَيْرًا مَا جَعَلَنِي آخِر الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَمِنْ أَجْلِي تُصِيبهُمْ الشِّقْوَة وَالْهَلَاك ; فَلَمَّا سَمِعَ اللَّه تَضَرُّع الْخَضِر وَبُكَاءَهُ , وَكَيْف يَقُول , نَادَاهُ : يَا إرميا أَشُقّ ذَلِكَ عَلَيْك فِيمَا أَوْحَيْت لَك ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبّ ! أَهْلِكْنِي قَبْل أَنْ أَرَى فِي بَنِي إِسْرَائِيل مَا لَا أُسَرّ بِهِ ! فَقَالَ اللَّه : وَعِزَّتِي الْعَزِيزَة لَا أُهْلِك بَيْت الْمَقْدِس وَبَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى يَكُون الْأَمْر مِنْ قِبَلك فِي ذَلِكَ ; فَفَرِحَ عِنْد ذَلِكَ إرميا لَمَّا قَالَ لَهُ رَبّه , وَطَابَتْ نَفْسه , وَقَالَ : لَا , وَاَلَّذِي بَعَثَ مُوسَى وَأَنْبِيَاءَهُ بِالْحَقِّ لَا آمُر رَبِّي بِهَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيل أَبَدًا ! ثُمَّ أَتَى مُلْك بَنِي إِسْرَائِيل فَأَخْبَرَهُ مَأْ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ فَاسْتَبْشَرَ وَفَرِحَ وَقَالَ : إِنْ يُعَذِّبنَا رَبّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَة قَدَّمْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا , وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبِقُدْرَتِهِ . مِمَّ إِنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْد هَذَا الْوَحْي ثَلَاث سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا مَعْصِيَة وَتَمَادِيًا فِي الشَّرّ , وَذَلِكَ حِين اِقْتَرَبَ هَلَاكهمْ ; فَقَلَّ الْوَحْي حِين لَمْ يَكُونُوا يَتَذَكَّرُونَ الْآخِرَة , وَأَمْسَكَ عَنْهُمْ حِين أَلْهَتْهُمْ الدُّنْيَا وَشَأْنهَا , فَقَالَ لَهُمْ مَلِكهمْ : يَا بَنِي إِسْرَائِيل , اِنْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَمَسّكُمْ بَأْس اللَّه , وَقَبْل أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ قَوْم لَا رَحْمَة لَهُمْ بِكُمْ , وَإِنَّ رَبّكُمْ قَرِيب التَّوْبَة , مَبْسُوط الْيَدَيْنِ بِالْخَيْرِ , رَحِيم بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ . فَأَبَوْا عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعُوا عَنْ شَيْء مَا هُمْ عَلَيْهِ ; وَإِنَّ اللَّه قَدْ أَبْقَى فِي قَلْب بُخْتَنَصَّرَ بْن نَجُور زَاذَان بْن سنحاريب بْن دارياس بْن نُمْرُود بْن فالخ بْن عَابِر بْن نُمْرُود صَاحِب إِبْرَاهِيم الَّذِي حَاجَّهُ فِي رَبّه , أَنْ يَسِير إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ يَفْعَل فِيهِ مَا كَانَ جَدّه سنحاريب أَرَادَ أَنْ يَفْعَل , فَخَرَجَ فِي سِتّ مِائَة أَلْف رَايَة يُرِيد أَهْل بَيْت الْمَقْدِس ; فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل الْخَبَر أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ قَدْ أَقْبَلَ هُوَ وَجُنُوده يُرِيدكُمْ , فَأَرْسَلَ الْمَلِك إِلَى إرميا , فَجَاءَهُ فَقَالَ : يَا إرميا أَيْنَ مَا زَعَمْت لَنَا أَنَّ رَبّك أَوْحَى إِلَيْك أَنْ لَا يُهْلِك أَهْل بَيْت الْمَقْدِس , حَتَّى يَكُون مِنْك الْأَمْر فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ إرميا لِلْمَلِكِ : إِنَّ رَبِّي لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَأَنَا بِهِ وَاثِق . فَلَمَّا اِقْتَرَبَ الْأَجَل وَدَنَا اِنْقِطَاع مُلْكهمْ وَعَزَمَ اللَّه عَلَى هَلَاكهمْ , بَعَثَ اللَّه مَلِكًا مِنْ عِنْده , فَقَالَ لَهُ : اِذْهَبْ إِلَى إرميا فَاسْتَفْتِهِ , وَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي يَسْتَفْتِي فِيهِ ; فَأَقْبَلَ الْمَلِك إِلَى إرمياء , وَكَانَ قَدْ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَسْتَفْتِيك فِي بَعْض أَمْرِي ; فَأَذِنَ لَهُ , فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه أَتَيْتُك أَسْتَفْتِيك فِي أَهْل رَحِمِي , وَصَلْت أَرْحَامهمْ بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , لَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلَّا حَسَنًا , وَلَمْ آلُهُمْ كَرَامَة , فَلَا تَزِيدهُمْ كَرَامَتِي إِيَّاهُمْ إِلَّا إِسْخَاطًا لِي , فَأَفْتِنِي فِيهِمْ يَا نَبِيّ اللَّه ! فَقَالَ لَهُ : أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنك وَبَيْن اللَّه , وَصِلْ مَا أَمَرَك اللَّه أَنْ تَصِل , وَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ وَانْصَرِفْ عَنْهُ . فَمَكَثَ أَيَّامًا , ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَة ذَلِكَ الَّذِي جَاءَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا الرَّجُل الَّذِي آتَيْتُك أَسْتَفْتِيك فِي شَأْن أَهْلِي , فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه : أَوَمَا ظَهَرَتْ لَك أَخْلَاقهمْ بَعْد , وَلَمْ تَرَ مِنْهُمْ الَّذِي تُحِبّ ؟ فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَعْلَم كَرَامَة يَأْتِيهَا أَحَد مِنْ النَّاس لِأَهْلِ رَحِمه إِلَّا قَدْ أَتَيْتهَا إِلَيْهِمْ وَأَفْضَل مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ النَّبِيّ : اِرْجِعْ إِلَى أَهْلك فَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ , أَسْأَل اللَّه الَّذِي يُصْلِح عِبَاده الصَّالِحِينَ أَنْ يُصْلِح ذَات بَيْنكُمْ , وَأَنْ يَجْمَعكُمْ عَلَى مَرْضَاته , وَيُجَنِّبكُمْ سَخَطه ; فَقَالَ الْمَلِك مَنْ عِنْده , فَلَبِثَ أَيَّامًا وَقَدْ نَزَلَ بُخْتُنَصَّرَ وَجُنُوده حَوْل بَيْت الْمَقْدِس , وَمَعَهُ خَلَائِق مِنْ قَوْمه كَأَمْثَالِ الْجَرَاد , فَفَزِعَ مِنْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل فَزَعًا شَدِيدًا , وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل , فَدَعَا إرميا , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه أَيْنَ مَا وَعَدَك اللَّه ؟ فَقَالَ : إِنِّي بِرَبِّي وَاثِق . ثُمَّ إِنَّ الْمَلِك أَقْبَلَ إِلَى إرميا وَهُوَ قَاعِد عَلَى جِدَار بَيْت الْمَقْدِس يَضْحَك وَيَسْتَبْشِر بِنَصْرِ رَبّه الَّذِي وَعَدَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي كُنْت آتَيْتُك فِي شَأْن أَهْلِي مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ : أَوَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه , كُلّ شَيْء كَانَ يُصِيبنِي مِنْهُمْ قَبْل الْيَوْم كُنْت أَصْبِر عَلَيْهِ , وَأَعْلَم أَنَّ مَأْرَبهمْ فِي ذَلِكَ سَخَطِي ; فَلَمَّا أَتَيْتهمْ الْيَوْم رَأَيْتهمْ فِي عَمَل لَا يُرْضِي اللَّه وَلَا يُحِبّهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه : عَلَى أَيّ عَمَل رَأَيْتهمْ ؟ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه رَأَيْتهمْ عَلَى عَمَل عَظِيم مِنْ سَخَط اللَّه , فَلَوْ كَانُوا عَلَى مِثْل مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل الْيَوْم لَمْ يَشْتَدّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي , وَصَبَرْت لَهُمْ وَرَجَوْتهمْ , وَلَكِنْ غَضِبْت الْيَوْم لِلَّهِ وَلَك , فَأَتَيْتُك لِأُخْبِرك خَبَرهمْ , وَإِنِّي أَسْأَلك بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إِلَّا مَا دَعَوْت عَلَيْهِمْ رَبّك أَنْ يُهْلِكهُمْ ; فَقَالَ إرميا : يَا مَالِك السَّمَاوَات وَالْأَرْض , إِنْ كَانُوا عَلَى حَقّ وَصَوَاب فَأَبْقِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا عَلَى سَخَطك وَعَمَل لَا تَرْضَاهُ فَأَهْلِكْهُمْ . فَمَا خَرَجَتْ الْكَلِمَة مِنْ فِي إرميا حَتَّى أَرْسَلَ اللَّه صَاعِقَة مِنْ السَّمَاء فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَالْتَهَبَ مَكَان الْقُرْبَانِ , وَخَسَفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَاب مِنْ أَبْوَابهَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إرميا صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه وَقَالَ : يَا مَلِك السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِيَدِك مَلَكُوت كُلّ شَيْء وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ ! أَيْنَ مِيعَادك الَّذِي وَعَدْتنِي ؟ فَنُودِيَ إرميا : إِنَّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ الَّذِي أَصَابَهُمْ إِلَّا بِفُتْيَاك الَّتِي أَفْتَيْت بِهَا رَسُولنَا ; فَاسْتَيْقَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا فُتْيَاهُ الَّتِي أَفْتَى بِهَا ثَلَاث مَرَّات , وَأَنَّهُ رَسُول رَبّه . ثُمَّ إِنَّ إرميا طَارَ حَتَّى خَالَطَ الْوَحْش , وَدَخَلَ بُخْتُنَصَّرَ وَجُنُوده بَيْت الْمَقْدِس , فَوَطِئَ الشَّام , وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أَفْنَاهُمْ , وَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس , أَمَرَ جُنُوده أَنْ يَمْلَأ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ تُرْسه تُرَابًا ثُمَّ يَقْذِفهُ فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَقَذَفُوا فِيهِ التُّرَاب حَتَّى مَلَئُوهُ , ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى أَرْض بَابِل , وَاحْتَمَلَ مَعَهُ سَبَايَا بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مِنْ كَانَ فِي بَيْت الْمَقْدِس كُلّهمْ , فَاجْتَمَعَ عِنْده كُلّ صَغِير وَكَبِير مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْف صَبِيّ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ غَنَائِم جُنْده , وَأَرَادَ أَنْ يَقْسِمهَا فِيهِمْ , قَالَتْ لَهُ الْمُلُوك الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ : أَيّهَا الْمَلِك لَك غَنَائِمنَا كُلّهَا , وَاقْسِمْ بَيْننَا هَؤُلَاءِ الصِّبْيَان الَّذِينَ اِخْتَرْتهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَفَعَلَ , وَأَصَابَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ أَرْبَعَة أَغْلِمَة , وَكَانَ مِنْ أُولَئِكَ الْغِلْمَان دَانْيَال وحنانيا وعزاريا وميشائيل وَسَبْعَة آلَاف مِنْ أَهْل بَيْت دَاوُدَ , وَأَحَد عَشَرَ أَلْفًا مِنْ

عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَعَلَّ رَبّكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَرْحَمكُمْ بَعْد اِنْتِقَامه مِنْكُمْ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْعَثهُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيَسُوءَ مَبْعَثه عَلَيْكُمْ وُجُوهكُمْ , وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة , فَيَسْتَنْقِذكُمْ مِنْ أَيْدِيهمْ , وَيَنْتَشِلكُمْ مِنْ الذُّلّ الَّذِي يَحِلّهُ بِكُمْ , وَيَرْفَعكُمْ مِنْ الْخُمُولَة الَّتِي تَصِيرُونَ إِلَيْهَا , فَيَعِزّكُمْ بَعْد ذَلِكَ . | وَعَسَى | مِنْ اللَّه : وَاجِب . وَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ , فَكَثَّرَ عَدَدهمْ بَعْد ذَلِكَ , وَرَفَعَ خَسَاسَتهمْ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْمُلُوك وَالْأَنْبِيَاء , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : وَإِنْ عُدْتُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل لِمَعْصِيَتِي وَخِلَاف أَمْرِي , وَقَتْل رُسُلِي , عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالْقَتْلِ وَالسِّبَاء , وَإِحْلَال الذُّلّ وَالصِّغَار بِكُمْ , فَعَادُوا , فَعَادَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِعِقَابِهِ وَإِحْلَال سَخَطه بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16682 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , عَنْ عُمَر بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : عَادُوا فَعَادَ , ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ , ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ . قَالَ : فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ ثَلَاثَة مُلُوك مِنْ مُلُوك فَارِس : سندبادان وشهربادان وَآخَر . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْد الْأُولَى وَالْآخِرَة : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : فَعَادُوا فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ . )16683 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ ( { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ } فَعَادَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : عَادَ الْقَوْم بِشَرِّ مَا يَحْضُرهُمْ , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَث مِنْ نِقْمَته وَعُقُوبَته . ثُمَّ كَانَ خِتَام ذَلِكَ أَنْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَة أُخْرَى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لِيَبْعَثَن عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } . ... [7 167 ]الْآيَة , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب . )16684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ ( { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } فَعَادُوا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ . )16685 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , (فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ } قَالَ بَعْد هَذَا { وَإِنْ عُدْتُمْ } لِمَا صَنَعْتُمْ لِمِثْلِ هَذَا مِنْ قَتْل يَحْيَى وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء { عُدْنَا } إِلَيْكُمْ بِمِثْلِ هَذَا .)|وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا|وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ سِجْنًا يُسْجَنُونَ فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16686 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي عِمْرَان ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } قَالَ : سِجْنًا . )16687 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } يَقُول : جَعَلَ اللَّه مَأْوَاهُمْ فِيهَا . )16688 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } قَالَ : مُحْبَسًا حَصُورًا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } يَقُول : سِجْنًا . )16689 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { حَصِيرًا } قَالَ : يُحْصَرُونَ فِيهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } قَالَ : يُحْصَرُونَ فِيهَا . )16690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } سِجْنًا يُسْجَنُونَ فِيهَا حُصِرُوا فِيهَا . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } يَقُول : سِجْنًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ فِرَاشًا وَمِهَادًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : (قَالَ الْحَسَن : الْحَصِير : فِرَاش وَمِهَاد . )وَذَهَبَ الْحَسَن بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى أَنَّ الْحَصِير فِي هَذَا الْمَوْضِع عُنِيَ بِهِ الْحَصِير الَّذِي يُبْسَط وَيُفْتَرَش , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تُسَمِّي الْبِسَاط الصَّغِير حَصِيرًا , فَوَجَّهَ الْحَسَن مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ بِهِ بِسَاطًا وَمِهَادًا , كَمَا قَالَ : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } [7 41 ]وَهُوَ وَجْه حَسَن وَتَأْوِيل صَحِيح . وَأَمَّا الْآخَرُونَ , فَوَجَّهُوهُ إِلَى أَنَّهُ فَعِيل . مِنْ الْحَصْر الَّذِي هُوَ الْحَبْس . وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي سُورَة الْبَقَرَة , وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَب الْمُلْك حَصِيرًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَحْصُور : أَيْ مَحْجُوب عَنْ النَّاس , كَمَا قَالَ لَبِيد : <br>وَمَقَامَة غُلْب الرِّقَاب كَأَنَّهُمْ .......... جِنّ لَدَى بَاب الْحَصِير قِيَام <br>يَعْنِي بِالْحَصِيرِ : الْمُلْك , وَيُقَال لِلْبَخِيلِ : حَصُور وَحَصِر : لِمَنْعِهِ مَا لَدَيْهِ مِنْ الْمَال عَنْ أَهْل الْحَاجَة , وَحَبْسه إِيَّاهُ عَنْ النَّفَقَة , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : <br>وَشَارِب مُرْبِح بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي .......... لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ <br>وَيُرْوَى : بِسَآَّرِ . وَمِنْهُ الْحَصْر فِي الْمَنْطِق لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَاحْتِبَاسه إِذَا أَرَادَهُ . وَمِنْهُ أَيْضًا الْحَصُور عَنْ النِّسَاء لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَامْتِنَاعه مِنْ الْجِمَاع , وَكَذَلِكَ الْحَصْر فِي الْغَائِط : اِحْتِبَاسه عَنْ الْخُرُوج , وَأَصْل ذَلِكَ كُلّه وَاحِد وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظه . فَأَمَّا الْحَصِيرَانِ : فَالْجَنْبَانِ , كَمَا قَالَ الطِّرِمَّاح : <br>قَلِيلًا تَتَلَّى حَاجَة ثُمَّ عُولِيَتْ .......... عَلَى كُلّ مَفْرُوش الْحَصِيرَيْنِ بَادِن <br>يَعْنِي بِالْحَصِيرَيْنِ : الْجَنْبَيْنِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : مَعْنَى ذَلِكَ : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } فِرَاشًا وَمِهَادًا لَا يُزَايِلهُ ; مِنْ الْحَصِير الَّذِي بِمَعْنَى الْبِسَاط , لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَامِعًا مَعْنَى الْحَبْس وَالِامْتِهَاد , مَعَ أَنَّ الْحَصِير بِمَعْنَى الْبِسَاط فِي كَلَام الْعَرَب أَشْهَر مِنْهُ بِمَعْنَى الْحَبْس , وَأَنَّهَا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَصِف شَيْئًا بِمَعْنَى حَبْس شَيْء , فَإِنَّمَا تَقُول : هُوَ لَهُ حَاصِر أَوْ مُحْصِر ; فَأَمَّا الْحَصِير فَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهمْ , إِلَّا إِذَا وَصَفْته بِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ , فَيَكُون فِي لَفْظ فَعِيل , وَمَعْنَاهُ مَفْعُول بِهِ ; أَلَا تَرَى بَيْت لَبِيد : لَدَى بَاب الْحَصِير ؟ فَقَالَ : لَدَى بَاب الْحَصِير , لِأَنَّهُ أَرَادَ : لَدَى بَاب الْمَحْصُور , فَصَرَفَ مَفْعُولًا إِلَى فَعِيل . فَأَمَّا فَعِيلَ فِي الْحَصْر بِمَعْنَى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ الْحَاصِر . فَذَلِكَ مَا لَا نَجِدهُ فِي كَلَام الْعَرَب , فَلِذَلِكَ قُلْت : قَوْل الْحَسَن أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ ذَلِكَ جَائِز , وَلَا أَعْلَم لِمَا قَالَ وَجْهًا يَصِحّ إِلَّا بَعِيدًا وَهُوَ أَنْ يُقَال : جَاءَ حَصِير بِمَعْنَى حَاصِر , كَمَا قِيلَ : عَلِيم بِمَعْنَى عَالِم , وَشَهِيد بِمَعْنَى شَاهِد , وَلَمْ يُسْمَع ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَاصِر كَمَا سَمِعْنَا فِي عَالِم وَشَاهِد .

إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْشِد وَيُسَدِّد مَنْ اِهْتَدَى بِهِ { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم } يَقُول : لِلسَّبِيلِ الَّتِي هِيَ أَقْوَم مِنْ غَيْرهَا مِنْ السُّبُل , وَذَلِكَ دِين اللَّه الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَهُوَ الْإِسْلَام . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَهَذَا الْقُرْآن يَهْدِي عِبَاد اللَّه الْمُهْتَدِينَ بِهِ إِلَى قَصْد السَّبِيل الَّتِي ضَلَّ عَنْهَا سَائِر أَهْل الْمِلَل الْمُكَذِّبِينَ بِهِ , كَمَا : 16692 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم } قَالَ : لِلَّتِي هِيَ أَصْوَب : هُوَ الصَّوَاب وَهُوَ الْحَقّ ; قَالَ : وَالْمُخَالِف هُوَ الْبَاطِل . )وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فِيهَا كُتُب قَيِّمَة } [98 3 ]قَالَ : فِيهَا الْحَقّ لَيْسَ فِيهَا عِوَج . وَقَرَأَ { وَلَمْ نَجْعَل لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا } [18 1 : 2 ]يَقُول : قَيِّمًا مُسْتَقِيمًا .|وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا|وَقَوْله : { وَيُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَيُبَشِّر أَيْضًا مَعَ هِدَايَته مَنْ اِهْتَدَى بِهِ لِلسَّبِيلِ الْأَقْصَد الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَيَعْمَلُونَ فِي دُنْيَاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ { لَهُمْ أَجْرًا } مِنْ اللَّه عَلَى إِيمَانهمْ وَعَمَلهمْ الصَّالِحَات { كَبِير } يَعْنِي ثَوَابًا عَظِيمًا , وَجَزَاء جَزِيلًا , وَذَلِكَ هُوَ الْجَنَّة الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه تَعَالَى لِمَنْ رَضِيَ عَمَله , كَمَا : 16693 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } قَالَ : الْجَنَّة , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن أَجْر كَبِير , أَجْر كَرِيم , وَرِزْق كَرِيم فَهُوَ الْجَنَّة )وَأَنَّ فِي قَوْله : { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا 3كَبِيرًا } نُصِبَ بِوُقُوعِ الْبِشَارَة عَلَيْهَا وَأَنَّ الثَّانِيَة مَعْطُوفَة عَلَيْهَا .

وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

وَقَوْله : { وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْمَعَادِ إِلَى اللَّه , وَلَا يُقِرُّونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب فِي الدُّنْيَا , فَهُمْ لِذَلِكَ لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ رُكُوب مَعَاصِي اللَّه { أَعْتَدْنَا لَهُمْ } يَقُول : أَعْدَدْنَا لَهُمْ , لِقُدُومِهِمْ عَلَى رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة { عَذَابًا أَلِيمًا } يَعْنِي مُوجِعًا , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم .

وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُذَكِّرًا عِبَاده أَيَادِيه عِنْدهمْ , وَيَدْعُو الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه وَوَلَده وَمَاله بِالشَّرِّ , فَيَقُول : اللَّهُمَّ أَهْلِكْهُ وَالْعَنْهُ عِنْد ضَجِره وَغَضَبه , كَدُعَائِهِ بِالْخَيْرِ : يَقُول : كَدُعَائِهِ رَبّه بِأَنْ يَهَب لَهُ الْعَافِيَة , وَيَرْزُقهُ السَّلَامَة فِي نَفْسه وَمَاله وَوَلَده , يَقُول : فَلَوْ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي دُعَائِهِ عَلَى نَفْسه وَمَاله وَوَلَده بِالشَّرِّ كَمَا يُسْتَجَاب لَهُ فِي الْخَيْر هَلَكَ , وَلَكِنَّ اللَّه بِفَضْلِهِ لَا يَسْتَجِيب لَهُ فِي ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16694 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَيِيّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } يَعْنِي قَوْل الْإِنْسَان : اللَّهُمَّ اِلْعَنْهُ وَاغْضَبْ عَلَيْهِ , فَلَوْ يُعَجِّل لَهُ ذَلِكَ كَمَا يُعَجِّل لَهُ الْخَيْر , لَهَلَكَ , قَالَ : وَيُقَال : هُوَ { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضُّرّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } [10 12 ]أَنْ يَكْشِف مَا بِهِ مِنْ ضُرّ , يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَوْ أَنَّهُ ذَكَرَنِي وَأَطَاعَنِي , وَاتَّبَعَ أَمْرِي عِنْد الْخَيْر , كَمَا يَدْعُونِي عِنْد الْبَلَاء , كَانَ خَيْرًا لَهُ . )16695 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } يَدْعُو عَلَى مَاله , فَيَلْعَن مَاله وَوَلَده , وَلَوْ اِسْتَجَابَ اللَّه لَهُ لَأَهْلَكَهُ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ } قَالَ : يَدْعُو عَلَى نَفْسه بِمَا لَوْ اُسْتُجِيبَ لَهُ هَلَكَ , وَعَلَى خَادِمه , أَوْ عَلَى مَاله . )16696 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } قَالَ : ذَلِكَ دُعَاء الْإِنْسَان بِالشَّرِّ عَلَى وَلَده وَعَلَى اِمْرَأَته , فَيُعَجِّل : فَيَدْعُو عَلَيْهِ , وَلَا يُحِبّ أَنْ يُصِيبهُ . )وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } فَقَالَ مُجَاهِد وَمَنْ ذَكَرْت قَوْله : مَعْنَاهُ : وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا , بِالدُّعَاءِ عَلَى مَا يَكْرَه , أَنْ يُسْتَجَاب لَهُ فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ آدَم أَنَّهُ عَجِلَ حِين نُفِخَ فِيهِ الرُّوح قَبْل أَنْ تَجْرِي فِي جَمِيع جَسَده , فَرَامَ النُّهُوض , فَوُصِفَ وَلَده بِالِاسْتِعْجَالِ , لِمَا كَانَ مِنْ اِسْتِعْجَال أَبِيهِمْ آدَم الْقِيَام , قَبْل أَنْ يَتِمّ خَلْقه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّ سَلْمَان الْفَارِسِيّ , قَالَ : (أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ آدَم رَأْسه , فَجَعَلَ يَنْظُر وَهُوَ يُخْلَق , قَالَ : وَبَقِيَتْ رِجْلَاهُ ; فَلَمَّا كَانَ بَعْد الْعَصْر قَالَ : يَا رَبّ عَجِّلْ قَبْل اللَّيْل , فَذَلِكَ قَوْله : { وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } )16698 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا نَفَخَ اللَّه فِي آدَم مِنْ رُوحه أَتَتْ النَّفْخَة مِنْ قِبَل رَأْسه , فَجَعَلَ لَا يَجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جَسَده , إِلَّا صَارَ لَحْمًا وَدَمًا ; فَلَمَّا اِنْتَهَتْ النَّفْخَة إِلَى سُرَّته , نَظَرَ إِلَى جَسَده , فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ جَسَده فَذَهَبَ لِيَنْهَض فَلَمْ يَقْدِر , فَهُوَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا } قَالَ : ضَجِرًا لَا صَبْر لَهُ عَلَى سَرَّاء , وَلَا ضَرَّاء .)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ نِعْمَته عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , مُخَالَفَته بَيْن عَلَامَة اللَّيْل وَعَلَامَة النَّهَار , بِإِظْلَامِهِ عَلَامَة اللَّيْل , وَإِضَاءَته عَلَامَة النَّهَار , لِتَسْكُنُوا فِي هَذَا , وَتَتَصَرَّفُوا فِي اِبْتِغَاء رِزْق اللَّه الَّذِي قَدَّرَهُ لَكُمْ بِفَضْلِهِ فِي هَذَا , وَلِتَعْلَمُوا بِاخْتِلَافِهِمَا عَدَد السِّنِينَ وَانْقِضَاءَهَا , وَابْتِدَاء دُخُولهَا , وَحِسَاب سَاعَات النَّهَار وَاللَّيْل وَأَوْقَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16699 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : (قَالَ اِبْن الْكَوَّاء لِعَلِيٍّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا هَذِهِ اللَّطْخَة الَّتِي فِي الْقَمَر ؟ فَقَالَ : وَيْحك أَمَّا تَقْرَأ الْقُرْآن { فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل } , فَهَذِهِ مَحْوه . )16700 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا طَلْق , عَنْ زَائِدَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ عَلِيّ بْن رَبِيعَة , قَالَ : (سَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا فَقَالَ : مَا هَذَا السَّوَاد فِي الْقَمَر ؟ فَقَالَ عَلِيّ : { فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة } هُوَ الْمَحْو . )16701 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , (عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : كُنْت عِنْد عَلِيّ , فَسَأَلَهُ اِبْن الْكَوَّاء عَنْ السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر ؟ فَقَالَ : ذَاكَ آيَة اللَّيْل مُحِيَتْ . )16702 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ رَفِيع بْن أَبِي كَثِير قَالَ : (قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ : سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ , فَقَامَ اِبْن الْكَوَّاء فَقَالَ : مَا السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر , فَقَالَ : قَاتَلَك اللَّه , هَلَّا سَأَلْت عَنْ أَمْر دِينك وَآخِرَتك ؟ قَالَ : ذَلِكَ مَحْو اللَّيْل . )16703 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبَانَ الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن عُفَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ حُيَيّ بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحَبْلِيّ , (عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ : مَا السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة } )16704 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل } قَالَ : هُوَ السَّوَاد بِاللَّيْلِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (كَانَ الْقَمَر يُضِيء كَمَا تُضِيء الشَّمْس , وَالْقَمَر آيَة اللَّيْل , وَالشَّمْس آيَة النَّهَار , فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل : السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر . )16705 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ذَكَرَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ } قَالَ : الشَّمْس آيَة النَّهَار , وَالْقَمَر آيَة اللَّيْل { فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل } قَالَ : السَّوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر , وَكَذَلِكَ خَلَقَهُ اللَّه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ } قَالَ : لَيْلًا وَنَهَارًا , كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّه . )16706 - قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : ( { فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة } قَالَ : ظُلْمَة اللَّيْل وَسُدْفَة النَّهَار . )16707 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (قَوْله : { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة } : أَيْ مُنِيرَة , وَخَلْق الشَّمْس أَنْوَر مِنْ الْقَمَر وَأَعْظَم . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ } قَالَ : لَيْلًا وَنَهَارًا , كَذَلِكَ جَعَلَهُمَا اللَّه . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى قَوْله : { وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة مَعْنَاهَا : مُضِيئَة , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَالنَّهَار مُبْصِرًا } [10 67 ]مَعْنَاهُ : مُضِيئًا , كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ قِيلَ مُبْصِرًا , لِإِضَاءَتِهِ لِلنَّاسِ الْبَصَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مِنْ أَبْصَرَ النَّهَار : إِذَا صَارَ النَّاس يُبْصِرُونَ فِيهِ فَهُوَ مُبْصِر , كَقَوْلِهِمْ : رَجُل مُجْبِن : إِذَا كَانَ أَهْله وَأَصْحَابه جُبَنَاء , وَرَجُل مُضْعِف : إِذَا كَانَتْ رُوَاته ضُعَفَاء , فَكَذَلِكَ النَّهَار مُبْصِرًا : إِذَا كَانَ أَهْله بُصَرَاء . 16708 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ سَبْحًا طَوِيلًا .)|وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا| { وَكُلّ شَيْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } يَقُول : وَكُلّ شَيْء بَيَّنَّاهُ بَيَانًا شَافِيًا لَكُمْ أَيّهَا النَّاس لِتَشْكُرُوا اللَّه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمه , وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان . 16709 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكُلّ شَيْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } : أَيْ بَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا .)

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ مَا قُضِيَ لَهُ أَنَّهُ عَامِله , وَهُوَ صَائِر إِلَيْهِ مِنْ شَقَاء أَوْ سَعَادَة بِعَمَلِهِ فِي عُنُقه لَا يُفَارِقهُ . وَإِنَّمَا قَوْله { أَلْزَمْنَاهُ طَائِره } مَثَل لِمَا كَانَتْ الْعَرَب تَتَفَاءَل بِهِ أَوْ تَتَشَاءَم مِنْ سَوَانِح الطَّيْر وَبَوَارِحهَا , فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ كُلّ إِنْسَان مِنْهُمْ قَدْ أَلْزَمهُ رَبّه طَائِره فِي عُنُقه نَحِسًا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَلْزَمهُ مِنْ الطَّائِر , وَشَقَاء يُورِدهُ سَعِيرًا , أَوْ كَانَ سَعْدًا يُورِدهُ جَنَّات عَدْن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16710 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه (أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَة وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه . )16711 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنَى أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : الطَّائِر : عَمَله , قَالَ : وَالطَّائِر فِي أَشْيَاء كَثِيرَة , فَمِنْهُ التَّشَاؤُم الَّذِي يَتَشَاءَم بِهِ النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : عَمَله وَمَا قُدِّرَ عَلَيْهِ , فَهُوَ مُلَازِمه أَيْنَمَا كَانَ , فَزَائِل مَعَهُ أَيْنَمَا زَالَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ : طَائِره : عَمَله . )16712 - قَالَ : اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (عَمَله وَمَا كَتَبَ اللَّه لَهُ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (طَائِره : عَمَله . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان ; وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو جَمِيعًا عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : عَمَله . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16713 - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ الْحَسَن بْن عَمْرو الْفُقَيْمِيّ , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إِلَّا وَفِي عُنُقه وَرَقَة مَكْتُوب فِيهَا شَقِيّ أَوْ سَعِيد . قَالَ : وَسَمِعْته يَقُول : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب , قَالَ : هُوَ مَا سَبَقَ . )16714 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } : إِي وَاَللَّه بِسَعَادَتِهِ وَشَقَائِهِ بِعَمَلِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : (طَائِره : عَمَله . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قَالَ : أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , وَلَمْ يَقُلْ : أَلْزَمْنَاهُ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْضَاء الْجَسَد ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْعُنُق هُوَ مَوْضِع السِّمَات , وَمَوْضِع الْقَلَائِد وَالْأَطْوِقَةِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُزَيِّن أَوْ يَشِين , فَجَرَى كَلَام الْعَرَب بِنِسْبَةِ الْأَشْيَاء اللَّازِمَة بَنِي آدَم وَغَيْرهمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَعْنَاقهمْ وَكَثُرَ اِسْتِعْمَالهمْ ذَلِكَ حَتَّى أَضَافُوا الْأَشْيَاء اللَّازِمَة سَائِر الْأَبْدَان إِلَى الْأَعْنَاق , كَمَا أَضَافُوا جِنَايَات أَعْضَاء الْأَبْدَان إِلَى الْيَد , فَقَالُوا : ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَرَّ عَلَيْهِ لِسَانه أَوْ فَرْجه , فَكَذَلِكَ قَوْله { أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } |وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا|وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَمَكَّة , وَهُوَ نَافِع وَابْن كَثِير وَعَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق { وَنُخْرِج } بِالنُّونِ { لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ يَلْقَاهُ وَتَخْفِيف الْقَاف مِنْهُ , بِمَعْنَى : وَنُخْرِج لَهُ نَحْنُ يَوْم الْقِيَامَة رَدًّا عَلَى قَوْله { أَلْزَمْنَاهُ } وَنَحْنُ نُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَاب عَمَله مَنْشُورًا . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الشَّام يُوَافِق هَؤُلَاءِ عَلَى قِرَاءَة قَوْله { وَنُخْرِج } وَيُخَالِفهُمْ فِي قَوْله { يَلْقَاهُ } فَيَقْرَؤُهُ : | يُلَقَّاهُ | بِضَمِّ الْيَاء وَتَشْدِيد الْقَاف , بِمَعْنَى : وَنُخْرِج لَهُ نَحْنُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يُلَقَّاهُ , ثُمَّ يَرُدّهُ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , فَيَقُول : يَلْقَى الْإِنْسَان ذَلِكَ الْكِتَاب مَنْشُورًا . وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد مَا : 16715 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ جَرِير بْن حَازِم عَنْ حُمَيْد , (عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَهَا , | وَيَخْرُج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا | )قَالَ : يَزِيد : يَعْنِي يَخْرُج الطَّائِر كِتَابًا , هَكَذَا أَحْسَبهُ قَرَأَهَا بِفَتْحِ الْيَاء , وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَابْن مُحَيْصِن ; وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة وَجْه تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى : وَيَخْرُج لَهُ الطَّائِر الَّذِي أَلْزَمْنَاهُ عُنُق الْإِنْسَان يَوْم الْقِيَامَة , فَيَصِير كِتَابًا يَقْرَؤُهُ مَنْشُورًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة : | وَيُخْرَج لَهُ | بِضَمِّ الْيَاء عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَام إِلَى وَيَخْرُج لَهُ الطَّائِر يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا , يُرِيد : وَيَخْرُج اللَّه ذَلِكَ الطَّائِر قَدْ صَيَّرَهُ كِتَابًا , إِلَّا أَنَّهُ نَحَّاهُ نَحْو مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { وَنُخْرِج } بِالنُّونِ وَضَمّهَا { لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } بِفَتْحِ الْيَاء وَتَخْفِيف الْقَاف , لِأَنَّ الْخَبَر جَرَى قَبْل ذَلِكَ عَنْ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ الَّذِي أَلْزَم خَلْقه مَا أَلْزَم مِنْ ذَلِكَ ; فَالصَّوَاب أَنْ يَكُون الَّذِي يَلِيه خَبَرًا عَنْهُ , أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخْرِجهُ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة , أَنْ يَكُون بِالنُّونِ كَمَا كَانَ الْخَبَر الَّذِي قَبْله بِالنُّونِ . وَأَمَّا قَوْله : { يَلْقَاهُ } فَإِنَّ فِي إِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيب مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ , وَشُذُوذ مَا خَالَفَهُ الْحُجَّة الْكَافِيَة لَنَا عَلَى تَقَارُب مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ : أَعْنِي ضَمَّ الْيَاء وَفَتْحهَا فِي ذَلِكَ , وَتَشْدِيد الْقَاف وَتَخْفِيفهَا فِيهِ ; فَإِذَا كَانَ الصَّوَاب فِي الْقِرَاءَة هُوَ مَا اِخْتَرْنَا بِاَلَّذِي عَلَيْهِ دَلَلْنَا , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَكُلّ إِنْسَان مِنْكُمْ يَا مَعْشَر بَنِي آدَم , أَلْزَمْنَاهُ نَحْسه وَسَعْده , وَشَقَاءَهُ وَسَعَادَته , بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمنَا أَنَّهُ صَائِر إِلَيْهِ , وَعَامِل مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ فِي عُنُقه , فَلَا يُجَاوِز فِي شَيْء أَعْمَاله مَا قَضَيْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ عَامِله , وَمَا كَتَبْنَا لَهُ أَنَّهُ صَائِر إِلَيْهِ , وَنَحْنُ نُخْرِج لَهُ إِذَا وَافَانَا كِتَابًا يُصَادِفهُ مَنْشُورًا بِأَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا , وَبِطَائِرِهِ الَّذِي كَتَبْنَا لَهُ , وَأَلْزَمْنَاهُ إِيَّاهُ فِي عُنُقه , قَدْ أَحْصَى عَلَيْهِ رَبّه فِيهِ كُلّ مَا سَلَفَ فِي الدُّنْيَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16716 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } قَالَ : هُوَ عَمَله الَّذِي عَمِلَ أُحْصِيَ عَلَيْهِ , فَأُخْرِجَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة مَا كُتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَل يَلْقَاهُ مَنْشُورًا . )16717 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } : أَيْ عَمَله . )16718 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : عَمَله { نُخْرِج لَهُ } قَالَ : نُخْرِج ذَلِكَ الْعَمَل { كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } قَالَ مَعْمَر : وَتَلَا الْحَسَن : { عَنْ الْيَمِين وَعَنْ الشِّمَال قَعِيد } [50 17 ]يَا اِبْن آدَم بَسَطْت لَك صَحِيفَتك , وَوُكِّلَ بِك مَلَكَانِ كَرِيمَانِ , أَحَدهمَا عَنْ يَمِينك , وَالْآخَر عَنْ يَسَارك . فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينك فَيَحْفَظ حَسَنَاتك . وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالك فَيَحْفَظ سَيِّئَاتك , فَاعْمَلْ مَا شِئْت , أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ , حَتَّى إِذَا مُتّ طُوِيَتْ صَحِيفَتك , فَجُعِلَتْ فِي عُنُقك مَعَك فِي قَبْرك , حَتَّى تَخْرُج يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا { اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا } قَدْ عَدَلَ وَاَللَّه عَلَيْك مَنْ جَعَلَك حَسِيب نَفْسك . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : (طَائِره : عَمَله , وَنُخْرِج لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَل كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا . )وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَتَأَوَّل قَوْله { وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } : أَيْ حَظّه , مِنْ قَوْلهمْ : طَارَ سَهْم فُلَان بِكَذَا : إِذَا خَرَجَ سَهْمه عَلَى نَصِيب مِنْ الْأَنْصِبَاء ; وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْه , فَإِنَّ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَتَجَاوَز فِي تَأْوِيل الْقُرْآن مَا قَالُوهُ إِلَى غَيْره , عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِل , إِنْ كَانَ عَنَى بِقَوْلِهِ حَظّه مِنْ الْعَمَل وَالشَّقَاء وَالسَّعَادَة , فَلَمْ يَبْعُد مَعْنَى قَوْله مِنْ مَعْنَى قَوْلهمْ .

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } فَيُقَال لَهُ : { اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا } فَتَرَك ذِكْر قَوْله : فَنَقُول لَهُ , اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { اِقْرَأْ كِتَابك } : اِقْرَأْ كِتَاب عَمَلك الَّذِي عَمِلْته فِي الدُّنْيَا , الَّذِي كَانَ كَاتِبَانَا يَكْتُبَانِهِ , وَنُحْصِيه عَلَيْك { كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا } يَقُول : حَسْبك الْيَوْم نَفْسك عَلَيْك حَاسِبًا يَحْسِب عَلَيْك أَعْمَالك , فَيُحْصِيهَا عَلَيْك , لَا نَبْتَغِي عَلَيْك شَاهِدًا غَيْرهَا , وَلَا نَطْلُب عَلَيْك مُحْصِيًا سِوَاهَا . 16719 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا } سَيَقْرَأُ يَوْمئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا .)

مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ اِهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ اِسْتَقَامَ عَلَى طَرِيق الْحَقّ فَاتَّبَعَهُ , وَذَلِكَ دِين اللَّه الَّذِي اِبْتَعَثَ بِهِ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } يَقُول : فَلَيْسَ يَنْفَع بِلُزُومِهِ الِاسْتِقَامَة , وَإِيمَانه بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَيْر نَفْسه { وَمَنْ ضَلَّ } يَقُول : وَمَنْ جَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , فَأَخَذَ عَلَى غَيْر هُدَى , وَكَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْحَقّ , فَلَيْسَ يَضُرّ بِضَلَالِهِ وَجَوْره عَنْ الْهُدَى غَيْر نَفْسه , لِأَنَّهُ يُوجِب لَهَا بِذَلِكَ غَضَب اللَّه وَأَلِيم عَذَابه . . وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ { فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا } فَإِنَّمَا يَكْسِب إِثْم ضَلَاله عَلَيْهَا لَا عَلَى غَيْرهَا .|وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى|وَقَوْله : { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَحْمِل حَامِلَة حِمْل أُخْرَى غَيْرهَا مِنْ الْآثَام . وَقَالَ : { وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } لِأَنَّ مَعْنَاهَا : وَلَا تَزِر نَفْس وَازِرَة وِزْر نَفْس أُخْرَى . يُقَال مِنْهُ : وَزَرْت كَذَا أَزِرهُ وِزْرًا , وَالْوِزْر : هُوَ الْإِثْم , يُجْمَع أَوْزَارًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَة الْقَوْم } [20 87 ]وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تَأْثَم آثِمَة إِثْم أُخْرَى , وَلَكِنْ عَلَى كُلّ نَفْس إِثْمهَا دُون إِثْم غَيْرهَا مِنْ الْأَنْفُس , كَمَا : 16720 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } : وَاَللَّه مَا يَحْمِل اللَّه عَلَى عَبْد ذَنْب غَيْره , وَلَا يُؤَاخِذ إِلَّا بِعَمَلِهِ .)|وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا|وَقَوْله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي قَوْم إِلَّا بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ بِالرُّسُلِ , وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَقْطَع عُذْرهمْ . كَمَا : 16721 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ يُعَذِّب أَحَدًا حَتَّى يَسْبِق إِلَيْهِ مِنْ اللَّه خَبَرًا , أَوْ يَأْتِيه مِنْ اللَّه بَيِّنَة , وَلَيْسَ مُعَذِّبًا أَحَدًا إِلَّا بِذَنْبِهِ . )16722 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , جَمَعَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَسَم الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْفَتْرَة وَالْمَعْتُوه وَالْأَصَمّ وَالْأَبْكَم , وَالشُّيُوخ الَّذِينَ جَاءَ الْإِسْلَام وَقَدْ خَرِفُوا , ثُمَّ أَرْسَلَ رَسُولًا , أَنْ اُدْخُلُوا النَّار , فَيَقُولُونَ : كَيْف وَلَمْ يَأْتِنَا رَسُول , وَاَيْم اللَّه لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا , ثُمَّ يُرْسِل إِلَيْهِمْ , فَيُطِيعهُ مَنْ كَانَ يُرِيد أَنْ يُطِيعهُ قَبْل ; قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ 3 { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ هَمَّام , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه .

وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } </subtitle>اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق { أَمَرْنَا } بِقَصْرِ الْأَلِف وَغَيْر مَدّهَا وَتَخْفِيف الْمِيم وَفَتْحهَا . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيله : أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ , فَفَسَقُوا فِيهَا بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه , وَخِلَافهمْ أَمْره , كَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَثِير مِمَّنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16723 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس ( { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : بِطَاعَةِ اللَّه , فَعَصَوْا . )16724 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَلَمَة أَوْ غَيْره , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (أَمَرْنَا بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا . )وَقَدْ يَحْتَمِل أَيْضًا إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء فَفَسَقُوا فِيهَا , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ أَمِير غَيْر مَأْمُور . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : قَدْ يَتَوَجَّه مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا , وَيُحْتَجّ لِتَصْحِيحِهِ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | خَيْر الْمَال مُهْرَة مَأْمُورَة أَوْ سِكَّة مَأْبُورَة | وَيَقُول : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : مَأْمُورَة : كَثِيرَة النَّسْل . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ الْكُوفِيِّينَ يُنْكِر ذَلِكَ مِنْ قِيله , وَلَا يُجِيزنَا أَمْرنَا , بِمَعْنَى أَكْثَرْنَا إِلَّا بِمَدِّ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا . وَيَقُول فِي قَوْله | مُهْرَة مَأْمُورَة | : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الِاتِّبَاع لِمَجِيءِ مَأْبُورَة بَعْدهَا , كَمَا قِيلَ : | اِرْجِعْنَ مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات | فَهَمَزَ مَأْزُورَات لِهَمْزِ مَأْجُورَات , وَهِيَ مِنْ وَزَرَتْ إِتْبَاعًا لِبَعْضِ الْكَلَام بَعْضًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عُثْمَان | أَمَّرْنَا | بِتَشْدِيدِ الْمِيم , بِمَعْنَى الْإِمَارَة . 16725 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا هُشَيْم عَنْ عَوْف , (عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنَّهُ قَرَأَ | أَمَّرْنَا | مُشَدَّدَة مِنْ الْإِمَارَة . )وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل , جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16726 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا | يَقُول : سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْتهمْ بِالْعَذَابِ , وَهُوَ قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا } )[6 123 ]16727 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : سَمِعْت الْكِسَائِيّ يُحَدِّث عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , (عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : | أَمَّرْنَا | وَقَالَ : سَلَّطْنَا . )16728 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ أَبِي حَفْص , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : ( أَمَّرْنَا | مُثَقَّلَة : جَعَلْنَا عَلَيْهَا مُتْرَفِيهَا : مُسْتَكْبِرِيهَا . )16729 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , (عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : | أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا | قَالَ : بَعَثْنَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ | آمَرْنَا | بِمَدِّ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا , بِمَعْنَى : أَكْثَرْنَا فَسَقَتهَا . وَقَدْ وُجِّهَ تَأْوِيل هَذَا الْحَرْف إِلَى هَذَا التَّأْوِيل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ حَدَّثُونَا لَمْ يُمَيِّزُوا لَنَا اِخْتِلَاف الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ , وَكَيْف قَرَأَ ذَلِكَ الْمُتَأَوِّلُونَ , إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 16730 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا | يَقُول : أَكْثَرْنَا عَدَدهمْ . )16731 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : ( آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا | قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . )16732 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . )16733 - حَدَّثَنِي عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عَبْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } يَقُول : أَكْثَرنَا مُتْرَفِيهَا : أَيْ كُبَرَاءَهَا . )16734 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَا : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا , فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل | يَقُول : أَكْثَرنَا مُتْرَفِيهَا : أَيْ جَبَابِرَتهَا , فَفَسَقُوا فِيهَا وَعَمِلُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّه { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } . وَكَانَ يَقُول : إِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ صَلَاحًا , بَعَثَ عَلَيْهِمْ مُصْلِحًا . وَإِذَا أَرَادَ بِهِمْ فَسَادًا بَعَثَ عَلَيْهِمْ مُفْسِدًا , وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكهَا أَكْثَرَ مُتْرَفِيهَا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { آمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قَالَ : أَكْثَرْنَاهُمْ . )16735 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى زَيْنَب وَهُوَ يَقُول : | لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذَا | وَحَلَّقَ بَيْن إِبْهَامه وَاَلَّتِي تَلِيهَا , قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه أَنْهَلْك وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : | نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث . )16736 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِك قَرْيَة أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا } قَالَ : ذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ أَمَرْنَا : أَكْثَرْنَا . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول لِلشَّيْءِ الْكَثِير أَمِرَ لِكَثْرَتِهِ . فَأَمَّا إِذَا وُصِفَ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ كَثُرُوا , فَإِنَّهُ يُقَال : أَمِرَ بَنُو فُلَان , وَأَمِرَ الْقَوْم يَأْمُرُونَ أَمْرًا , وَذَلِكَ إِذَا كَثُرُوا وَعَظُمَ أَمْرهمْ , كَمَا قَالَ لَبِيد . <br>إِنْ يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وَإِنْ أَمَرُوا .......... يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْقُلِّ وَالنَّفَد <br>وَالْأَمْر الْمَصْدَر , وَالِاسْم الْإِمْر , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } [18 71 ]قَالَ : عَظِيمًا , وَحُكِيَ فِي مِثْل شَرّ إِمْر : أَيْ كَثِير . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } بِقَصْرِ الْأَلِف مِنْ أَمَرْنَا وَتَخْفِيف الْمِيم مِنْهَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيبهَا دُون غَيْرهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ بِالْقِرَاءَةِ , فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِهِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَمَرْنَا أَهْلهَا بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا وَفَسَقُوا فِيهَا , فَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل : لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَى أَمَرْنَا : الْأَمْر , الَّذِي هُوَ خِلَاف النَّهْي دُون غَيْره , وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْأَشْهَر الْأَعْرَف مِنْ مَعَانِيه , أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيل مِنْ غَيْره .|فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا|وَمَعْنَى قَوْله : { فَفَسَقُوا فِيهَا } : فَخَالَفُوا أَمْر اللَّه فِيهَا , وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَته { فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل } يَقُول : فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه وَفُسُوقهمْ فِيهَا , وَعِيد لِلَّهِ الَّذِي أَوْعَدَ مَنْ كَفَرَ بِهِ , وَخَالَفَ رُسُله , مِنْ الْهَلَاك بَعْد الْإِعْذَار وَالْإِنْذَار بِالرُّسُلِ وَالْحُجَج { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } يَقُول : فَخَرَّبْنَاهَا عِنْد ذَلِكَ تَخْرِيبًا , وَأَهْلَكْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ أَهْلهَا إِهْلَاكًا , كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَق : <br>وَكَانَ لَهُمْ كَبَكْرِ ثَمُود لَمَّا .......... رَغَا ظُهْرًا فَدَمَّرَهُمْ دَمَارَا<br>

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُون مِنْ بَعْد نُوح } </subtitle>وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبِي رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , وَتَهْدِيدهمْ لَهُمْ بِالْعِقَابِ , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ , أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ تَكْذِيبهمْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ سَخَطه , وَمُنَزِّل بِهِمْ مِنْ عِقَابه مَا أَنْزَلَ بِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ سَلَكُوا فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب رُسُله سَبِيلهمْ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : وَقَدْ أَهْلَكْنَا أَيّهَا الْقَوْم مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ بَعْد نُوح إِلَى زَمَانكُمْ قُرُونًا كَثِيرَة كَانُوا مِنْ جُحُود آيَات اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , وَتَكْذِيب رُسُله , عَلَى مِثْل الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ , وَلَسْتُمْ بِأَكْرَم عَلَى اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ , لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَة بَيْن أَحَد وَبَيْن اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَيُعَذِّب قَوْمًا بِمَا لَا يُعَذِّب بِهِ آخَرِينَ , أَوْ يَعْفُو عَنْ ذُنُوب نَاس فَيُعَاقِب عَلَيْهَا آخَرِينَ ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَنِيبُوا إِلَى طَاعَة اللَّه رَبّكُمْ , فَقَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا يُنَبِّهكُمْ عَلَى حُجَجنَا عَلَيْكُمْ , وَيُوقِظكُمْ مِنْ غَفْلَتكُمْ , وَلَمْ نَكُنْ لِنُعَذِّب قَوْمًا حَتَّى نَبْعَث إِلَيْهِمْ رَسُولًا مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى حُجَج اللَّه , وَأَنْتُمْ عَلَى فُسُوقكُمْ مُقِيمُونَ , وَكَفَى بِرَبِّك يَا مُحَمَّد بِذُنُوبِ عِبَاده خَبِيرًا ; يَقُول : وَحَسْبك يَا مُحَمَّد بِاَللَّهِ خَابِرًا بِذُنُوبِ خَلْقه عَالِمًا , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَفْعَال مُشْرِكِي قَوْمك هَؤُلَاءِ , وَلَا أَفْعَال غَيْرهمْ مِنْ خَلْقه , هُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَالِم خَابِر بَصِير , يَقُول : يُبْصِر ذَلِكَ كُلّه فَلَا يَغِيب عَنْهُ مِنْهُ شَيْء , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء , وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر . وَقَدْ اِخْتَلَفَ فِي مَبْلَغ مُدَّة الْقَرْن : 16737 - فَحَدَّثْنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : (الْقَرْن : عِشْرُونَ وَمِائَة سَنَة , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّل قَرْن كَانَ , وَآخِرهمْ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مِائَة سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16738 - حَدَّثَنَا حَسَّان بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحِمْصِيّ أَبُو الصَّلْت الطَّائِيّ , قَالَ : ثنا سَلَامَة بْن حَوَّاس , عَنْ مُحَمَّد بْن الْقَاسِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر الْمَازِنِيّ , قَالَ : (وَضَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده عَلَى رَأْسه وَقَالَ : | سَيَعِيشُ هَذَا الْغُلَام قَرْنًا | قُلْت : كَمْ الْقَرْن ؟ قَالَ : | مِائَة سَنَة . )16739 - حَدَّثَنَا حَسَّان بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا سَلَامَة بْن حَوَّاس , عَنْ مُحَمَّد بْن الْقَاسِم , قَالَ : (مَا زِلْنَا نَعُدّ لَهُ حَتَّى تَمَّتْ مِائَة سَنَة ثُمَّ مَاتَ . )قَالَ أَبُو الصَّلْت : أَخْبَرَنِي سَلَامَة أَنَّ مُحَمَّد بْن الْقَاسِم هَذَا كَانَ خَتْن عَبْد اللَّه بْن بُسْر . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 16740 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن شَاكِر , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الْقَرْن أَرْبَعُونَ سَنَة | .)|وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا|وَقَوْله : { وَكَفَى بِرَبِّك } أُدْخِلَتْ الْبَاء فِي قَوْله : { بِرَبِّك } وَهُوَ فِي مَحَلّ رَفْع , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَكَفَّاك رَبّك , وَحَسْبك رَبّك بِذُنُوبِ عِبَاده خَبِيرًا , دَلَالَة عَلَى الْمَدْح ; وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ كَلَام كَانَ بِمَعْنَى الْمَدْح أَوْ الذَّمّ , تُدْخِل فِي الِاسْم الْبَاء وَالِاسْم الْمُدْخَلَة عَلَيْهِ الْبَاء فِي مَوْضِع رَفْع لِتَدُلّ بِدُخُولِهَا عَلَى الْمَدْح أَوْ الذَّمّ كَقَوْلِهِمْ : أَكْرِمْ بِهِ رَجُلًا , وَنَاهِيك بِهِ رَجُلًا , وَجَادَ بِثَوْبِك ثَوْبًا , وَطَابَ بِطَعَامِكُمْ طَعَامًا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام , وَلَوْ أَسْقَطْت الْبَاء مِمَّا دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاء رَفَعْت , لِأَنَّهَا فِي مَحَلّ رَفْع , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَيُخْبِرنِي عَنْ غَائِب الْمَرْء هَدْيه .......... كَفَى الْهَدْي عَمَّا غَيَّبَ الْمَرْء مُخْبِرَا <br>فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام مَدْح أَوْ ذَمّ فَلَا يُدْخِلُونَ فِي الِاسْم الْبَاء ; لَا يَجُوز أَنْ يُقَال : قَامَ بِأَخِيك , وَأَنْتَ تُرِيد : قَامَ أَخُوك , إِلَّا أَنْ تُرِيد : قَامَ رَجُل آخَر بِهِ , وَذَلِكَ مَعْنَى غَيْر الْمَعْنَى الْأَوَّل .

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نُرِيد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ كَانَ طَلَبه الدُّنْيَا الْعَاجِلَة وَلَهَا يَعْمَل وَيَسْعَى , وَإِيَّاهَا يَبْتَغِي , لَا يُوقِن بِمَعَادٍ , وَلَا يَرْجُو ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا مِنْ رَبّه عَلَى عَمَله { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نُرِيد } يَقُول : يُعَجِّل اللَّه لَهُ فِي الدُّنْيَا مَا يَشَاء مِنْ بَسْط الدُّنْيَا عَلَيْهِ , أَوْ تَقْتِيرهَا لِمَنْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ بِهِ , أَوْ إِهْلَاكه بِمَا يَشَاء مِنْ عُقُوبَاته .|ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا| { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّم يَصْلَاهَا } يَقُول : ثُمَّ أَصْلَيْنَاهُ عِنْد مَقْدَمه عَلَيْنَا فِي الْآخِرَة جَهَنَّم , { مَذْمُومًا } عَلَى قِلَّة شُكْره إِيَّانَا , وَسُوء صَنِيعه فِيمَا سَلَفَ مِنْ أَيَادِينَا عِنْده فِي الدُّنْيَا { مَدْحُورًا } يَقُول : مُبْعَدًا : مُقْصًى فِي النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16741 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نُرِيد } يَقُول : مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمّه وَسَدَمه وَطُلْبَته وَنِيَّته , عَجَّلَ اللَّه لَهُ فِيهَا مَا يَشَاء , ثُمَّ اِضْطَرَّهُ إِلَى جَهَنَّم . قَالَ : { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّم يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا } مَذْمُومًا فِي نِعْمَة اللَّه مَدْحُورًا فِي نِقْمَة اللَّه . )16742 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي أَبُو طَيْبَة شَيْخ مِنْ أَهْل الْمِصِّيصَة , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِسْحَاق الْفَزَارِيّ يَقُول : ( { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نُرِيد } قَالَ : لِمَنْ نُرِيد هَلَكَته . )16743 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { مَذْمُومًا } يَقُول : مَلُومًا . )16744 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نُرِيد } قَالَ : الْعَاجِلَة : الدُّنْيَا .)

وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيهمْ مَشْكُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَإِيَّاهَا طَلَبَ , وَلَهَا عَمِلَ عَمَلهَا , الَّذِي هُوَ طَاعَة اللَّه وَمَا يُرْضِيه عَنْهُ . وَأَضَافَ السَّعْي إِلَى الْهَاء وَالْأَلِف , وَهِيَ كِنَايَة عَنْ الْآخِرَة , فَقَالَ : وَسَعَى لِلْآخِرَةِ سَعْي الْآخِرَة , وَمَعْنَاهُ : وَعَمِلَ لَهَا عَمَلهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَى ذَلِكَ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : وَسَعَى لَهَا سَعْيه لَهَا وَهُوَ مُؤْمِن , يَقُول : هُوَ مُؤْمِن مُصَدِّق بِثَوَابِ اللَّه , وَعَظِيم جَزَائِهِ عَلَى سَعْيه لَهَا , غَيْر مُكَذِّب بِهِ تَكْذِيب مَنْ أَرَادَ الْعَاجِلَة , يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُولَئِكَ } يَعْنِي : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ { كَانَ سَعْيهمْ } يَعْنِي عَمَلهمْ بِطَاعَةِ اللَّه { مَشْكُورًا } وَشَكَرَ اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى سَعْيهمْ ذَلِكَ حُسْن جَزَائِهِ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , وَتَجَاوُزه لَهُمْ عَنْ سَيِّئِهَا بِرَحْمَتِهِ . كَمَا : 16745 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيهمْ مَحْظُورًا } شَكَرَ اللَّه لَهُمْ حَسَنَاتهمْ , وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتهمْ .)

كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَمُدّ رَبّك يَا مُحَمَّد كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ مُرِيدِي الْعَاجِلَة , وَمُرِيدِي الْآخِرَة , السَّاعِي لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ عَطَائِهِ , فَيَرْزُقهُمَا جَمِيعًا مِنْ رِزْقه إِلَى بُلُوغهمَا الْأَمَد , وَاسْتِيفَائِهِمَا الْأَجَل مَا كُتِبَ لَهُمَا , ثُمَّ تَخْتَلِف بِهِمَا الْأَحْوَال بَعْد الْمَمَات , وَتَفْتَرِق بِهِمَا بَعْد الْوُرُود الْمَصَادِر , فَفَرِيق مُرِيدِي الْعَاجِلَة إِلَى جَهَنَّم مَصْدَرهمْ , وَفَرِيق مُرِيدِي الْآخِرَة إِلَى الْجَنَّة مَا بِهِمْ { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } يَقُول : وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك الَّذِي يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه فِي الدُّنْيَا مَمْنُوعًا عَمَّنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ لَا يَقْدِر أَحَد مِنْ خَلْقه مَنْعه مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ آتَاهُ اللَّه إِيَّاهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16746 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { كُلًّا نَمُدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } : أَيْ مَنْقُوصًا , وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَ الدُّنْيَا بَيْن الْبَرّ وَالْفَاجِر , وَالْآخِرَة خُصُوصًا عِنْد رَبّك لِلْمُتَّقِينَ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } قَالَ : مَنْقُوصًا . )16747 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمَخْرَمِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سَهْل بْن أَبِي الصَّلْت السَّرَّاج , قَالَ : (سَمِعْت الْحَسَن يَقُول { كُلًّا نَمُدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك } قَالَ : كُلًّا مُعْطَى مِنْ الدُّنْيَا الْبَرّ وَالْفَاجِر . )16748 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ اِبْن عَبَّاس { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء } . ... الْآيَة { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة } . ... ثُمَّ قَالَ { كُلًّا نَمُدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك } قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَيَرْزُق مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا , وَيَرْزُق مَنْ أَرَادَ الْآخِرَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } قَالَ : مَمْنُوعًا . )16749 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { كُلًّا نَمُدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ } أَهْل الدُّنْيَا وَأَهْل الْآخِرَة { مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } قَالَ : مَمْنُوعًا . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { كُلًّا نَمُدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ } أَهْل الدُّنْيَا وَأَهْل الْآخِرَة { مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } مِنْ بَرّ وَلَا فَاجِر , قَالَ : وَالْمَحْظُور : الْمَمْنُوع , وَقَرَأَ { اُنْظُرْ كَيْف فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَلَلْآخِرَة أَكْبَر دَرَجَات وَأَكْبَر تَفْضِيلًا } )

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اُنْظُرْ كَيْف فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَلَلْآخِرَة أَكْبَر دَرَجَات وَأَكْبَر تَفْضِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك إِلَى هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمْ أَحَدهمَا الدَّار الْعَاجِلَة , وَإِيَّاهَا يَطْلُب , وَلَهَا يَعْمَل ; وَالْآخَر الَّذِي يُرِيد الدَّار الْآخِرَة , وَلَهَا يَسْعَى مُوقِنًا بِثَوَابِ اللَّه عَلَى سَعْيه , كَيْف فَضَّلْنَا أَحَد الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَر , بِأَنْ بَصَّرْنَا هَذَا رُشْده , وَهَدَيْنَاهُ لِلسَّبِيلِ الَّتِي هِيَ أَقْوَم , وَيَسَّرْنَاهُ لِلَّذِي هُوَ أَهْدَى وَأَرْشَد , وَخَذَلْنَا هَذَا الْآخَر , فَأَضْلَلْنَاهُ عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَأَغْشَيْنَا بَصَره عَنْ سَبِيل الرُّشْد { وَلَلْآخِرَة أَكْبَر دَرَجَات } يَقُول : وَفَرِيق مُرِيد الْآخِرَة أَكْبَر فِي الدَّار الْآخِرَة دَرَجَات بَعْضهمْ عَلَى بَعْض لِتَفَاوُتِ مَنَازِلهمْ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الْجَنَّة وَأَكْبَر تَفْضِيلًا بِتَفْضِيلِ اللَّه بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْ هَؤُلَاءِ الْفَرِيق الْآخَرِينَ فِي الدُّنْيَا فِيمَا بَسَطْنَا لَهُمْ فِيهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16750 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { اُنْظُرْ كَيْف فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض } : أَيْ فِي الدُّنْيَا { وَلَلْآخِرَة أَكْبَر دَرَجَات وَأَكْبَر تَفْضِيلًا } وَإِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّة مَنَازِل , وَإِنَّ لَهُمْ فَضَائِل بِأَعْمَالِهِمْ . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | إِنَّ بَيْن أَعْلَى أَهْل الْجَنَّة وَأَسْفَلهمْ دَرَجَة كَالنَّجْمِ يُرَى فِي مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا | .)

لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَجْعَل مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر فَتَقْعُد مَذْمُومًا مَخْذُولًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَجْعَل يَا مُحَمَّد مَعَ اللَّه شَرِيكًا فِي أُلُوهَته وَعِبَادَته , وَلَكِنْ أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَة , وَأَفْرِدْ لَهُ الْأُلُوهَة , فَإِنَّهُ لَا إِلَه غَيْره , فَإِنَّك إِنْ تَجْعَل مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , وَتَعْبُد مَعَهُ سِوَاهُ , تَقْعُد مَذْمُومًا ; يَقُول : تَصِير مَلُومًا عَلَى مَا ضَيَّعْت مِنْ شُكْر اللَّه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْك مِنْ نِعَمه , وَتَصْيِيرك الشُّكْر لِغَيْرِ مَنْ أَوْلَاك الْمَعْرُوف , وَفِي إِشْرَاكك فِي الْحَمْد مَنْ لَمْ يُشْرِكهُ فِي النِّعْمَة عَلَيْك غَيْره , مَخْذُولًا قَدْ أَسْلَمَك رَبّك لِمَنْ بَغَاك سُوءًا , وَإِذَا أَسْلَمَك رَبّك الَّذِي هُوَ نَاصِر أَوْلِيَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَك مِنْ دُونه وَلِيّ يَنْصُرك وَيَدْفَع عَنْك . كَمَا : 16751 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { لَا تَجْعَل مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر فَتَقْعُد مَذْمُومًا مَخْذُولًا } يَقُول : مَذْمُومًا فِي نِعْمَة اللَّه . )وَهَذَا الْكَلَام وَإِنْ كَانَ خَرَجَ عَلَى وَجْه الْخِطَاب النَّبِيّ لِلَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ مَعْنِيّ بِهِ جَمِيع مَنْ لَزِمَهُ التَّكْلِيف مِنْ عِبَاد اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .

وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره حَكَمَ رَبّك يَا مُحَمَّد بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَد غَيْره . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { وَقَضَى رَبّك } وَإِنْ كَانَ مَعْنَى جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا . ذَكَرَ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ : 16752 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } يَقُول : أَمَرَ . )16753 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن سَلَّام , قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى الْحَسَن , فَقَالَ : إِنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا , فَقَالَ : إِنْ عَصَيْت رَبّك , وَبَانَتْ مِنْك اِمْرَأَتك , فَقَالَ الرَّجُل : قَضَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيَّ , قَالَ الْحَسَن , وَكَانَ فَصِيحًا : مَا قَضَى اللَّه : أَيْ مَا أَمَرَ اللَّه , وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } فَقَالَ النَّاس : تَكَلَّمَ الْحَسَن فِي الْقَدَر . )16754 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } : أَيْ أَمَرَ رَبّك فِي أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ , فَهَذَا قَضَاء اللَّه الْعَاجِل , وَكَانَ يُقَال فِي بَعْض الْحِكْمَة : مَنْ أَرْضَى وَالِدَيْهِ : أَرْضَى خَالِقه , وَمَنْ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ , فَقَدْ أَسْخَطَ رَبّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ , وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : | وَصَّى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . )16755 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا نُصَيْر بْن أَبِي الْأَشْعَث , قَالَ : ثني اِبْن حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَعْطَانِي اِبْن عَبَّاس مُصْحَفًا , فَقَالَ : هَذَا عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ أَبُو كُرَيْب : قَالَ يَحْيَى : رَأَيْت الْمُصْحَف عِنْد نُصَيْر فِيهِ : | وَوَصَّى رَبّك | يَعْنِي : وَقَضَى رَبّك . )16756 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : وَأَوْصَى رَبّك . )16757 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } قَالَ : أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . )16758 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْكُوفِيّ , (عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , أَنَّهُ قَرَأَهَا : | وَوَصَّى رَبّك | وَقَالَ : إِنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْوَاو بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا .)|وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا|وَقَوْله : { وَبِالْوَالِدِينَ إِحْسَانًا } يَقُول : وَأَمَرَكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمَا وَتَبَرُّوهُمَا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَأَمَرَكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ ; فَلَمَّا حُذِفَتْ | أَنْ | تَعَلَّقَ الْقَضَاء بِالْإِحْسَانِ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : آمُرك بِهِ خَيْرًا , وَأُوصِيك بِهِ خَيْرًا , بِمَعْنَى : آمُرك أَنْ تَفْعَل بِهِ خَيْرًا , ثُمَّ تَحْذِف | أَنْ | فَيَتَعَلَّق الْأَمْر وَالْوَصِيَّة بِالْخَيْرِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>عَجِبْت مِنْ دَهْمَاء إِذْ تَشْكُونَا .......... وَمِنْ أَبِي دَهْمَاء إِذْ يُوصِينَا <br><br>خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافُونَا <br>وَعَمِلَ يُوصِينَا فِي الْخَيْر .|إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا|وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { إِمَّا يَبْلُغَن } عَلَى التَّوْحِيد عَلَى تَوْجِيه ذَلِكَ إِلَى أَحَدهمَا لِأَنَّ أَحَدهمَا وَاحِد , فَوَحَّدُوا { يَبْلُغَن } لِتَوْحِيدِهِ , وَجَعَلُوا قَوْله { أَوْ كِلَاهُمَا } مَعْطُوفًا عَلَى الْأَحَد . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ | إِمَّا يَبْلُغَانِّ | عَلَى التَّثْنِيَة وَكَسْر النُّون وَتَشْدِيدهَا , وَقَالُوا : قَدْ ذُكِرَ الْوَالِدَانِ قَبْل , وَقَوْله : | يَبْلُغَانِّ | خَبَر عَنْهُمَا بَعْد مَا قَدَّمَ أَسْمَاءَهُمَا . قَالُوا : وَالْفِعْل إِذَا جَاءَ بَعْد الِاسْم كَانَ الْكَلَام أَنْ يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ اِثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَة . قَالُوا : وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ اِثْنَيْنِ فِي الْفِعْل الْمُسْتَقْبَل الْأَلِف وَالنُّون . قَالُوا : وَقَوْله { أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } كَلَام مُسْتَأْنَف , كَمَا قِيلَ : { فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } [5 71 ]وَكَقَوْلِهِ { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } [21 3 ]ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ { الَّذِينَ ظَلَمُوا } [21 3 ]وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ { إِمَّا يَبْلُغَن } عَلَى التَّوْحِيد عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ أَحَدهمَا , لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ الْأَمْر بِالْإِحْسَانِ فِي الْوَالِدَيْنِ , قَدْ تَنَاهَى عِنْد قَوْله { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ثُمَّ اِبْتَدَأَ قَوْله { إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } |فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ|وَقَوْله : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ } يَقُول : فَلَا تُؤَفِّف مِنْ شَيْء تَرَاهُ مِنْ أَحَدهمَا أَوْ مِنْهُمَا مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاس , وَلَكِنْ اِصْبِرْ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمَا , وَاحْتَسِبْ فِي الْأَجْر صَبْرك عَلَيْهِ مِنْهُمَا , كَمَا صَبَرَا عَلَيْك فِي صِغَرك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16759 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرهُمَا } قَالَ : إِنْ بَلَغَا عِنْدك مِنْ الْكِبَر مَا يَبُولَانِ وَيَخْرَآنِ , فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ تُقَذِّرهُمَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدك الْكِبَر فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ حِين تَرَى الْأَذَى , وَتُمِيط عَنْهُمَا الْخَلَاء وَالْبَوْل , كَمَا كَانَا يُمِيطَانِهِ عَنْك صَغِيرًا , وَلَا تُؤْذِهِمَا . )وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى | أُفّ | , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كُلّ مَا غَلُظَ مِنْ الْكَلَام وَقَبُحَ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْأُفّ : وَسَخ الْأَظْفَار وَالتَّفّ كُلّ مَا رَفَعْت بِيَدِك مِنْ الْأَرْض مِنْ شَيْء حَقِير . وَلِلْعَرَبِ فِي | أُفّ | لُغَات سِتّ : رَفْعهَا بِالتَّنْوِينِ وَغَيْر التَّنْوِين وَخَفْضهَا كَذَلِكَ وَنَصْبهَا ; فَمَنْ خَفَضَ ذَلِكَ بِالتَّنْوِينِ , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة . شَبَّهَهَا بِالْأَصْوَاتِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا , كَقَوْلِهِمْ فِي حِكَايَة الصَّوْت غَاق غَاق , فَخَفَضُوا الْقَاف وَنَوَّنُوهَا , وَكَانَ حُكْمهَا السُّكُون , فَإِنَّهُ لَا شَيْء يُعْرِبهَا مِنْ أَجْل مَجِيئِهَا بَعْد حَرْف سَاكِن وَهُوَ الْأَلِف , فَكَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْن سَاكِنَيْنِ , فَحَرَّكُوا إِلَى أَقْرَب الْحَرَكَات مِنْ السُّكُون , وَذَلِكَ الْكَسْر , لِأَنَّ الْمَجْزُوم إِذَا حُرِّكَ , فَإِنَّمَا يُحَرَّك إِلَى الْكَسْر . وَأَمَّا الَّذِينَ خَفَضُوا بِغَيْرِ تَنْوِين , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا يُدْخِلُونَ التَّنْوِين فِيمَا جَاءَ مِنْ الْأَصْوَات نَاقِصًا , كَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْل : مَهْ وَصَهْ وَبَخْ , فَيُتَمَّم بِالتَّنْوِينِ لِنُقْصَانِهِ عَنْ أَبْنِيَة الْأَسْمَاء . قَالُوا : وَأُفّ تَامّ لَا حَاجَة بِمَا إِلَى تَتِمَّته بِغَيْرِهِ , لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف . قَالُوا : وَإِنَّمَا كَسَرْنَا الْفَاء الثَّانِيَة لِئَلَّا نَجْمَع بَيْن سَاكِنَيْنِ . وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ وَنَوَّنَ , فَإِنَّهُ قَالَ : هُوَ اِسْم كَسَائِرِ الْأَسْمَاء الَّتِي تُعْرَب وَلَيْسَ بِصَوْتٍ , وَعَدَلَ بِهِ عَنْ الْأَصْوَات . وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَنْوِين , فَإِنَّهُ قَالَ : لَيْسَ هُوَ بِاسْمٍ مُتَمَكِّن فَيُعْرَب بِإِعْرَابِ الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة , وَقَالُوا : نَضُمّهُ كَمَا نَضُمّ قَوْله { لِلَّهِ الْأَمْر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد } , [30 4 ]وَكَمَا نَضُمّ الِاسْم فِي النِّدَاء الْمُفْرَد , فَنَقُول : يَا زَيْد . وَمَنْ نَصَبَهُ بِغَيْرِ تَنْوِين , وَهُوَ قِرَاءَة بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَأَهْل الشَّام فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِقَوْلِهِمْ : مَدَّ يَا هَذَا وَرَدَّ . وَمَنْ نَصَبَ بِالتَّنْوِينِ , فَإِنَّهُ أَعْمَلَ الْفِعْل فِيهِ , وَجَعَلَهُ اِسْمًا صَحِيحًا , فَيَقُول : مَا قُلْت لَهُ : أُفًّا وَلَا تَفًّا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : قُرِئَتْ : أُفّ , وَأُفًّا لُغَة جَعَلُوهَا مِثْل نَعْتهَا . وَقَرَأَ بَعْضهمْ | أُفّ | , وَذَلِكَ أَنَّ بَعْض الْعَرَب يَقُول : | أُفّ لَك | عَلَى الْحِكَايَة : أَيْ لَا تَقُلْ لَهُمَا هَذَا الْقَوْل . قَالَ : وَالرَّفْع قَبِيح , لِأَنَّهُ لَمْ يَجِيء بَعْده بِلَامٍ , وَاَلَّذِينَ قَالُوا : | أُفّ | فَكَسَرُوا كَثِير , وَهُوَ أَجْوَد . وَكَسَرَ بَعْضهمْ وَنَوَّنَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : | أَفِي | , كَأَنَّهُ أَضَافَ هَذَا الْقَوْل إِلَى نَفْسه , فَقَالَ : أَفِي هَذَا لَكُمَا , وَالْمَكْسُور مِنْ هَذَا مُنَوَّن وَغَيْر مُنَوَّن عَلَى أَنَّهُ اِسْم غَيْر مُتَمَكِّن , نَحْو أَمْس وَمَا أَشْبَهَهُ , وَالْمَفْتُوح بِغَيْرِ تَنْوِين كَذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : كُلّ هَذِهِ الْحَرَكَات السِّتّ تَدْخُل فِي | أُفّ | حِكَايَة تُشَبَّه بِالِاسْمِ مَرَّة وَبِالصَّوْتِ أُخْرَى . قَالَ : وَأَكْثَر مَا تُكْسَر الْأَصْوَات بِالتَّنْوِينِ إِذَا كَانَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْل صَهْ وَمَهْ وَبَخْ . وَإِذَا كَانَتْ عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف شُبِّهَتْ بِالْأَدَوَاتِ | أَفَّ | مِثْل : لَيْتَ وَمَدَّ , وَأُفّ مِثْل مُدَّ يُشَبَّه بِالْأَدَوَاتِ . وَإِذَا قَالَ أَفَّ مِثْل صَهَّ . وَقَالُوا سَمِعْت مِضِّ يَا هَذَا وَمِضُّ . وَحُكِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت | مَا عَلَّمَك أَهْلك إِلَّا مِضِّ وَمِضُّ | , وَهَذَا كَأُفِّ وَأُفّ . وَمَنْ قَالَ : | أُفًّا | جَعَلَهُ مِثْل سُحْقًا وَبُعْدًا . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ عِنْدِي فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : | فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ | بِكَسْرِ الْفَاء بِغَيْرِ تَنْوِين لِعِلَّتَيْنِ ; إِحْدَاهُمَا : أَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَات فِيهَا وَأَفْصَحهَا عِنْد الْعَرَب ; وَالثَّانِيَة : أَنَّ حَظّ كُلّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعْرَب مِنْ الْكَلَام السُّكُون ; فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَكَانَتْ الْفَاء فِي أُفّ حَظّهَا الْوُقُوف , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ فِيهِ , وَكَانَ حُكْم السَّاكِن إِذَا حُرِّكَ أَنْ يُحَرَّك إِلَى الْكَسْر حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْر , كَمَا قِيلَ : مُدِّ وَشُدِّ وَرُدِّ الْبَاب .|وَلَا تَنْهَرْهُمَا|وَقَوْله : { وَلَا تَنْهَرهُمَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَزْجُرهُمَا . كَمَا : 16760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا وَاصِل الرُّقَاشِيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرهُمَا } قَالَ : لَا تَنْفُض يَدك عَلَى وَالِدَيْك . )يُقَال مِنْهُ : نَهَرَهُ يَنْهَرهُ نَهَرًا , وَانْتَهَرَهُ يَنْتَهِرهُ اِنْتِهَارًا .|وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا جَمِيلًا حَسَنًا . كَمَا : 16761 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } قَالَ : أَحْسَن مَا تَجِد مِنْ الْقَوْل . )16762 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخْتَار , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب ( { قَوْلًا كَرِيمًا } قَالَا : لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء يُرِيدَانِهِ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْحَدِيث خَطَأ , أَعْنِي حَدِيث هِشَام بْن عُرْوَة , إِنَّمَا هُوَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , لَيْسَ فِيهِ عُمَر , حَدَّثَ عَنْ اِبْن عُلَيَّة وَغَيْره , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخْتَار . 16763 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } : أَيْ قَوْلًا لَيِّنًا سَهْلًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 16764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني حَرْمَلَة بْن عِمْرَان , عَنْ أَبِي الْهَدَّاج التَّجِيبِيّ , قَالَ : (قُلْت لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيَّب : كُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآن مِنْ بِرّ الْوَالِدَيْنِ , فَقَدْ عَرَفْته , إِلَّا قَوْله { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } مَا هَذَا الْقَوْل الْكَرِيم ؟ فَقَالَ اِبْن الْمُسَيَّب : قَوْل الْعَبْد الْمُذْنِب لِلسَّيِّدِ الْفَظّ .)

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُنْ لَهُمَا ذَلِيلًا رَحْمَة مِنْك بِهِمَا تُطِيعهُمَا فِيمَا أَمَرَاك بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ مَعْصِيَة , وَلَا تُخَالِفهُمَا فِيمَا أَحَبَّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16765 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله ( { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } قَالَ : لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء يُحِبَّانِهِ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , قَالَ : سَمِعْت هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله ( { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } قَالَ : هُوَ أَنْ تَلِينَ لَهُمَا حَتَّى لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء أَحَبَّاهُ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا الثَّوْرِيّ , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله ( { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } قَالَ : لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء أَحَبَّاهُ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخْتَار , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله ( { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } قَالَ : هُوَ أَنْ لَا تَمْتَنِع مِنْ شَيْء يُرِيدَانِهِ . )16766 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُقْرِئ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَرْمَلَة بْن عِمْرَان , عَنْ أَبِي الْهَدَّاج , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيَّب : (مَا قَوْله { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْل الْعَبْد الْمُذْنِب لِلسَّيِّدِ الْفَظّ الْغَلِيظ . )وَالذُّلّ بِضَمِّ الذَّال وَالذِّلَّة مَصْدَرَانِ مِنْ الذَّلِيل , وَذَلِكَ أَنْ يَتَذَلَّل , وَلَيْسَ بِذَلِيلٍ فِي الْخِلْقَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ ذَلَلْت لَك أَذِلّ ذِلَّة وَذُلًّا , وَذَلِكَ نَظِير الْقُلّ وَالْقُلَّة , إِذَا أَسْقَطْت الْهَاء ضُمَّتْ الذَّال مِنْ الذُّلّ , وَالْقَاف مِنْ الْقُلّ , وَإِذَا أُثْبِتَتْ الْهَاء كُسِرَتْ الذَّال مِنْ الذِّلَّة , وَالْقَاف مِنْ الْقِلَّة , لِمَا قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَمَا كُنْت قُلًّا قَبْل ذَلِكَ أَزْيَبَا <br>يُرِيد : الْقِلَّة . وَأَمَّا الذِّلّ بِكَسْرِ الذَّال وَإِسْقَاط الْهَاء فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ الذَّلُول مِنْ قَوْلهمْ : دَابَّة ذَلُول : بَيِّنَة الذُّلّ , وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ لَيِّنَة غَيْر صَعْبَة . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض ذَلُولًا } [67 15 ]يَجْمَع ذَلِكَ ذُلُلًا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاسْلُكِي سُبُل رَبّك ذُلُلًا } [16 69 ]وَكَانَ مُجَاهِد يَتَأَوَّل ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَوَعَّر عَلَيْهَا مَكَان سَلَكَتْهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ } بِضَمِّ الذَّال عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر مِنْ الذَّلِيل . وَقَرَأَ ذَلِكَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ : | جَنَاح الذِّلّ | بِكَسْرِ الذَّال . 16767 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا بَهْز بْن أَسَد , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة | قَالَ : كُنْ لَهُمَا ذَلِيلًا , وَلَا تَكُنْ لَهُمَا ذَلُولًا . )16768 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن شَفِيق , قَالَ : (سَمِعْت عَاصِمًا الْجَحْدَرِيّ يَقْرَأ : | وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة | قَالَ : كُنْ لَهُمَا ذَلِيلًا , وَلَا تَكُنْ لَهُمَا ذَلُولًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عُمَر بْن شَقِيق , عَنْ عَاصِم , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ عَاصِم كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُون قِرَاءَته بِضَمِّ الذَّال لَا بِكَسْرِهَا . * - حَدَّثَنَا نَصْر وَابْن بَشَّار ; وَحَدَّثَتْ عَنْ الْفَرَّاء , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ قَرَأَ : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جُنَاح الذُّلّ | . قَالَ الْفَرَّاء : وَأَخْبَرَنِي الْحَكِيم بْن ظَهِير , عَنْ عَاصِم بْن أَبَى النَّجُود , أَنَّهُ قَرَأَهَا الذُّلّ أَيْضًا , فَسَأَلْت أَبَا بَكْر فَقَالَ : الذُّلّ قَرَأَهَا عَاصِم .)|وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } فَإِنَّهُ يَقُول : اُدْعُ اللَّه لِوَالِدَيْك بِالرَّحْمَةِ , وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا , وَتَعَطَّفْ عَلَيْهِمَا بِمَغْفِرَتِك وَرَحْمَتك , كَمَا تَعَطَّفَا عَلَيَّ فِي صِغَرِي , فَرَحِمَانِي وَرَبَّيَانِي صَغِيرًا , حَتَّى اِسْتَقْلَلْت بِنَفْسِي , وَاسْتَغْنَيْت عَنْهُمَا . كَمَا : 16769 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ مِنْ الرَّحْمَة وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } هَكَذَا عَلِمْتُمْ , وَبِهَذَا أُمِرْتُمْ , خُذُوا تَعْلِيم اللَّه وَأَدَبه . )ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَات يَوْم وَهُوَ مَادّ يَدَيْهِ رَافِع صَوْته يَقُول : | مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدهمَا ثُمَّ دَخَلَ النَّار بَعْد ذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّه وَأَسْحَقَهُ | . وَلَكِنْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ , وَكَانَ فِيهِ أَدْنَى تُقًى , فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْلَغه جَسِيم الْخَيْر . وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : إِنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16770 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْد هَذَا : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } )16771 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , (قَالَ فِي سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل { إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا } . ... إِلَى قَوْله { وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } فَنَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } [9 113 ]. .. الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس ( { وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا } . ... الْآيَة , قَالَ : نَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } . . . الْآيَة . )وَقَدْ تَحْتَمِل هَذِهِ الْآيَة أَنْ تَكُون وَإِنْ كَانَ ظَاهِرهَا عَامًّا فِي كُلّ الْآبَاء بِغَيْرِ مَعْنَى النَّسْخ , بِأَنْ يَكُون تَأْوِيلهَا عَلَى الْخُصُوص , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا إِذَا كَانَا مُؤْمِنِينَ , كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا , فَتَكُون مُرَادًا بِهَا الْخُصُوص عَلَى مَا قُلْنَا غَيْر مَنْسُوخ مِنْهَا شَيْء . وَعَنَى بِقَوْلِ رَبَّيَانِي : نَمَّيَانِي .

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { رَبّكُمْ أَعْلَم بِمَا فِي نُفُوسكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره { رَبّكُمْ } أَيّهَا النَّاس { أَعْلَم } مِنْكُمْ { بِمَا فِي نُفُوسكُمْ } مِنْ تَعْظِيمكُمْ أَمْر آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتكُمْ وَتَكَرُّمَتهمْ , وَالْبِرّ بِهِمْ , وَمَا فِيهَا مِنْ اِعْتِقَاد الِاسْتِخْفَاف بِحُقُوقِهِمْ , وَالْعُقُوق لَهُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ ضَمَائِر صُدُوركُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى حُسْن ذَلِكَ وَسَيِّئِهِ , فَاحْذَرُوا أَنْ تَضْمُرُوا لَهُمْ سُوءًا , وَتَعْقِدُوا لَهُمْ عُقُوقًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16772 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي وَعَمِّي عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { رَبّكُمْ أَعْلَم بِمَا فِي نُفُوسكُمْ } قَالَ : الْبَادِرَة تَكُون مِنْ الرَّجُل إِلَى أَبَوَيْهِ لَا يُرِيد بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْر , فَقَالَ : { رَبّكُمْ أَعْلَم بِمَا فِي نُفُوسكُمْ } )* - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ .|إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ|وَقَوْله { إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ } يَقُول : إِنْ أَنْتُمْ أَصْلَحْتُمْ نِيَّاتكُمْ فِيهِمْ , وَأَطَعْتُمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الْبِرّ بِهِمْ , وَالْقِيَام بِحُقُوقِهِمْ عَلَيْكُمْ , بَعْد هَفْوَة كَانَتْ مِنْكُمْ , أَوْ زَلَّة فِي وَاجِب لَهُمْ عَلَيْكُمْ مَعَ الْقِيَام بِمَا أَلْزَمَكُمْ فِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضه .|فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا|فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ بَعْد الزَّلَّة , وَالتَّائِبِينَ بَعْد الْهَفْوَة غَفُورًا لَهُمْ . كَمَا : 16773 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , فِي قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : هُوَ الرَّجُل تَكُون مِنْهُ الْبَادِرَة إِلَى أَبَوَيْهِ وَفِي نِيَّته وَقَلْبه أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذ بِهِ . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل , فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْمُسَبِّحُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16774 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة ; وَحَدَّثَنِي اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الْمُسَبِّحِينَ . )16775 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَبُو خَيْمَة زُهَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : (الْأَوَّاب : الْمُسَبِّح . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الْمُطِيعُونَ الْمُحْسِنُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16776 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } يَقُول : لِلْمُطِيعِينَ الْمُحْسِنِينَ . )16777 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : هُمْ الْمُطِيعُونَ , وَأَهْل الصَّلَاة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : لِلْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16778 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ أَبِي صَخْر حُمَيْد بْن زِيَاد , عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر يَرْفَعهُ ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الصَّلَاة بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الضُّحَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16779 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا رَبَاح أَبُو سُلَيْمَان الرَّقَّاء , قَالَ : (سَمِعْت عَوْنًا الْعُقَيْلِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الَّذِينَ يُصَلُّونَ صَلَاة الضُّحَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الرَّاجِع مِنْ ذَنْبه , التَّائِب مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16780 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الَّذِي يُصِيب الذَّنْب ثُمَّ يَتُوب ثُمَّ يُصِيب الذَّنْب ثُمَّ يَتُوب . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , قَالَ : (هُوَ الَّذِي يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب , ثُمَّ يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب فِي هَذَا الْآيَة { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } )* - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , (أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب يَسْأَل عَنْ هَذِهِ الْآيَة { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : هُوَ الَّذِي يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب , ثُمَّ يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني جَرِير بْن حَازِم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني مَالِك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : هُوَ الْعَبْد يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب , ثُمَّ يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيَّب يَقُول : فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ وَمَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن الْمُسَيَّب , قَالَ : (الْأَوَّاب : الَّذِي يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب , ثُمَّ يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب , ثُمَّ يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب . )16781 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الرَّاجِعِينَ إِلَى الْخَيْر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَهِشَام , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِنَحْوِهِ . 16782 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان ; وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , جَمِيعًا عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الَّذِي يَذْكُر ذُنُوبه فِي الْخَلَاء , فَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْهَا . )16783 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْأَوَّاب : الَّذِي يَذْكُر ذُنُوبه فِي الْخَلَاء فَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْهَا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة ( { أَنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الَّذِي يَذْكُر ذَنْبه ثُمَّ يَتُوب . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَا : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ ( { لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الْأَوَّابُونَ : الرَّاجِعُونَ التَّائِبُونَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب : (الرَّجُل يُذْنِب ثُمَّ يَتُوب ثَلَاثًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : الَّذِي يَتَذَكَّر ذُنُوبه , فَيَسْتَغْفِر اللَّه لَهَا . )16784 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن شُرَيْح , عَنْ عُقْبَة بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } يُذْنِب الْعَبْد ثُمَّ يَتُوب , فَيَتُوب اللَّه عَلَيْهِ ; ثُمَّ يُذْنِب فَيَتُوب , فَيَتُوب اللَّه عَلَيْهِ ; ثُمَّ يُذْنِب الثَّالِثَة , فَإِنْ تَابَ , تَابَ اللَّه عَلَيْهِ تَوْبَة لَا تُمْحَى . )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , غَيْر الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد , وَهُوَ مَا : 16785 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , فِي قَوْله ( { فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } قَالَ : كُنَّا نَعُدّ الْأَوَّاب : الْحَفِيظ , أَنْ يَقُول : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا أَصَبْت فِي مَجْلِسِي هَذَا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْأَوَّاب : هُوَ التَّائِب مِنْ الذَّنْب , الرَّاجِع مِنْ مَعْصِيَة اللَّه إِلَى طَاعَته , وَمِمَّا يَكْرَههُ إِلَى مَا يَرْضَاهُ , لِأَنَّ الْأَوَّاب إِنَّمَا هُوَ فَعَّال , مِنْ قَوْل الْقَائِل : آبَ فُلَان مِنْ كَذَا إِمَّا مِنْ سَفَره إِلَى مَنْزِله , أَوْ مِنْ حَال إِلَى حَال , كَمَا قَالَ عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : <br>وَكُلّ ذِي غَيْبَة يَئُوب .......... وَغَائِب الْمَوْت لَا يَئُوب <br>فَهُوَ يَئُوب أَوْبًا , وَهُوَ رَجُل آئِب مِنْ سَفَره , وَأَوَّاب مِنْ ذُنُوبه .

وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ : قَرَابَة الْمَيِّت مِنْ قِبَل أَبِيهِ وَأُمّه , أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده بِصِلَتِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16786 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا حَبِيب الْمُعَلِّم , قَالَ : (سَأَلَ رَجُل الْحَسَن , قَالَ : أَعْطِي قَرَابَتِي زَكَاة مَالِي , فَقَالَ : إِنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاة , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه } . )16787 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله ( { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه } قَالَ : صِلَته الَّتِي تُرِيد أَنْ تَصِلهُ بِهَا مَا كُنْت تُرِيد أَنْ تَفْعَلهُ إِلَيْهِ . )16788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل } قَالَ : هُوَ أَنْ تَصِل ذَا الْقُرْبَة وَالْمِسْكِين وَتُحْسِن إِلَى اِبْن السَّبِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16789 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَانَ , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن يَحْيَى الْمُزَنِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي الدَّيْلَم , قَالَ : (قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الشَّام : أَقَرَأْت الْقُرْآن ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَفَمَا قَرَأْت فِي بَنِي إِسْرَائِيل { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه } قَالَ : وَإِنَّكُمْ لِلْقَرَابَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُؤْتَى حَقّه ؟ قَالَ : نَعَمْ . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهَا بِمَعْنَى وَصِيَّة اللَّه عِبَاده بِصِلَةِ قَرَابَات أَنْفُسهمْ وَأَرْحَامهمْ مِنْ قِبَل , آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَقَّبَ ذَلِكَ عَقِيب حَضّه عِبَاده عَلَى بِرّ الْآبَاء وَالْأُمَّهَات , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون ذَلِكَ حَضًّا عَلَى صِلَة أَنْسَابهمْ دُون أَنْسَاب غَيْرهمْ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَأَعْطِ يَا مُحَمَّد ذَا قَرَابَتك حَقّه مِنْ صِلَتك إِيَّاهُ , وَبِرّك بِهِ , وَالْعَطْف عَلَيْهِ . وَخَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَج الْخِطَاب لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُرَاد بِحُكْمِهِ جَمِيع مَنْ لَزِمَتْهُ فَرَائِض اللَّه , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ اِبْتِدَاؤُهُ الْوَصِيَّة بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا } فَوَجَّهَ الْخَطَّاب بِقَوْلِهِ { وَقَضَى رَبّك } إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } فَرَجَعَ بِالْخِطَابِ بِهِ إِلَى الْجَمِيع , ثُمَّ صَرَفَ الْخِطَاب بِقَوْلِهِ { إِمَّا يَبْلُغَن عِنْدك } إِلَى إِفْرَاده بِهِ . وَالْمَعْنِيّ بِكُلِّ ذَلِكَ جَمِيع مَنْ لَزِمَتْهُ فَرَائِض اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَفْرَدَ بِالْخِطَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده , أَوْ عَمَّ بِهِ هُوَ وَجَمِيع أُمَّته .|وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ|وَقَوْله : { وَالْمِسْكِين } وَهُوَ الذِّلَّة مِنْ أَهْل الْحَاجَة . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْمِسْكِين بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله { وَابْن السَّبِيل } يَعْنِي : الْمُسَافِر الْمُنْقَطِع بِهِ , يَقُول تَعَالَى : وَصِلْ قَرَابَتك , فَأَعْطِهِ حَقّه مِنْ صِلَتك إِيَّاهُ , وَالْمِسْكِين ذَا الْحَاجَة , وَالْمُجْتَاز بِك الْمُنْقَطِع بِهِ , فَأَعْنِهِ , وَقَوِّهِ عَلَى قَطْع سَفَره . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا عَنَى بِالْأَمْرِ بِإِتْيَانِ اِبْن السَّبِيل حَقّه أَنْ يُضَاف ثَلَاثَة أَيَّام . وَالْقَوْل الْأَوَّل عِنْدِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَخْصُصْ مِنْ حُقُوقه شَيْئًا دُون شَيْء فِي كِتَابه , وَلَا عَلَى لِسَان رَسُوله , فَذَلِكَ عَامّ فِي كُلّ حَقّ لَهُ أَنْ يُعْطَاهُ مِنْ ضِيَافَة أَوْ حُمُولَة أَوْ مَعُونَة عَلَى سَفَره .|وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا|وَقَوْله { وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } يَقُول : وَلَا تُفَرِّق يَا مُحَمَّد مَا أَعْطَاك اللَّه مِنْ مَال فِي مَعْصِيَته تَفْرِيقًا . وَأَصْل التَّبْذِير : التَّفْرِيق فِي السَّرَف ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>أُنَاس أَجَارُونَا فَكَانَ جِوَارهمْ .......... أَعَاصِير مِنْ فِسْق الْعِرَاق الْمُبَذَّر <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16790 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فِي قَوْله ( { وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } قَالَ : التَّبْذِير فِي غَيْر الْحَقّ , وَهُوَ الْإِسْرَاف . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , قَالَ : سُئِلَ عَبْد اللَّه عَنْ الْمُبَذِّر فَقَالَ : (الْإِنْفَاق فِي غَيْر حَقّ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار يُحَدِّث عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , ضَرِير الْبَصَر , (أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } قَالَ : إِنْفَاق الْمَال فِي غَيْر حَقّه . )* - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْحَكَم , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ , كَانَ ضَرِير الْبَصَر , (سَأَلَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : مَا التَّبْذِير ؟ فَقَالَ : إِنْفَاق الْمَال فِي غَيْر حَقّه . )* - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , وَكَانَتْ بِهِ زَمَانَة , وَكَانَ عَبْد اللَّه يَعْرِف لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , مَا التَّبْذِير ؟ فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْحَوْئَب , عَنْ عَمَّار بْن زُرَيْق , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ حَارِثَة بْن مُضْرِب , عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّث أَنَّ التَّبْذِير : النَّفَقَة فِي غَيْر حَقّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : (كُنْت أَمْشِي مَعَ أَبِي إِسْحَاق فِي طَرِيق الْكُوفَة , فَأَتَى عَلَى دَار تُبْنَى بِجِصٍّ وَآجُرّ , فَقَالَ : هَذَا التَّبْذِير فِي قَوْل عَبْد اللَّه : إِنْفَاق الْمَال فِي غَيْر حَقّه . )16791 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } قَالَ : الْمُبَذِّر : الْمُنْفِق فِي غَيْر حَقّه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْمُبَذِّر : الْمُنْفِق فِي غَيْر حَقّه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَا تُنْفِق فِي الْبَاطِل , فَإِنَّ الْمُبَذِّر : هُوَ الْمُسْرِف فِي غَيْر حَقّ . )قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ مُجَاهِد : لَوْ أَنْفَقَ إِنْسَان مَاله كُلّه فِي الْحَقّ مَا كَانَ تَبْذِيرًا , وَلَوْ أَنْفَقَ مُدًّا فِي بَاطِل كَانَ تَبْذِيرًا . 16792 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } قَالَ : التَّبْذِير : النَّفَقَة فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَفِي غَيْر الْحَقّ وَفِي الْفَسَاد . )16793 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله ( { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل } قَالَ : بَدَأَ بِالْوَالِدَيْنِ قَبْل هَذَا , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَحَقّهمَا , ذَكَرَ هَؤُلَاءِ وَقَالَ { لَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا } : لَا تُعْطِ فِي مَعَاصِي اللَّه .)

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا

وَأَمَّا قَوْله { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ الْمُفَرِّقِينَ أَمْوَالهمْ فِي مَعَاصِي اللَّه الْمُنْفِقِيهَا فِي غَيْر طَاعَته أَوْلِيَاء الشَّيَاطِين ; وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب لِكُلِّ مُلَازِم سُنَّة قَوْم وَتَابِع أَثَرهمْ : هُوَ أَخُوهُمْ . { وَكَانَ الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا } يَقُول : وَكَانَ الشَّيْطَان لِنِعْمَةِ رَبّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ جُحُودًا لَا يَشْكُرهُ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يَكْفُرهَا بِتَرْكِ طَاعَة اللَّه , وَرُكُوبه مَعْصِيَته , فَكَذَلِكَ إِخْوَانه مِنْ بَنِي آدَم الْمُبَذِّرُونَ أَمْوَالهمْ فِي مَعَاصِي اللَّه , لَا يَشْكُرُونَ اللَّه عَلَى نِعَمه عَلَيْهِمْ , وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ أَمْره وَيَعْصُونَهُ , وَيَسْتَنُّونَ فِيمَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهِ مِنْ الْأَمْوَال الَّتِي خَوَّلَهُمُوهَا وَجَلَّ عَزَّ سُنَّته مِنْ تَرْك الشُّكْر عَلَيْهَا , وَتَلَقِّيهَا بِالْكُفْرَانِ . كَاَلَّذِي : 16794 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ } : إِنَّ الْمُنْفِقِينَ فِي مَعَاصِي اللَّه { كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَانَ الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا } . )

وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ تُعْرِض يَا مُحَمَّد عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك أَنْ تُؤْتِيهِمْ حُقُوقهمْ إِذَا وَجَدْت إِلَيْهَا السَّبِيل بِوَجْهِك عِنْد مَسْأَلَتهمْ إِيَّاكَ , مَا لَا تَجِد إِلَيْهِ سَبِيلًا , حَيَاء مِنْهُمْ وَرَحْمَة لَهُمْ { اِنْتِقَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك } يَقُول : اِنْتِظَار رِزْق تَنْتَظِرهُ مِنْ عِنْد رَبّك , وَتَرْجُو تَيْسِير اللَّه إِيَّاهُ لَك , فَلَا تُؤَيِّسهُمْ , وَلَكِنَّ قُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا . يَقُول : وَلَكِنْ عِدْهُمْ وَعْدًا جَمِيلًا , بِأَنْ تَقُول : سَيَرْزُقُ اللَّه فَأُعْطِيكُمْ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل اللَّيِّن غَيْر الْغَلِيظ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَمَّا السَّائِل فَلَا تَنْهَر } . [93 10 ]وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم ( { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } قَالَ : اِنْتِظَار الرِّزْق { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } قَالَ : لَيِّنًا تَعِدهُمْ . )16796 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك } قَالَ : رِزْق { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَة رَبّك نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنهمْ مَعِيشَتهمْ } . )[43 32 ]16797 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله ( { وَأَمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } قَالَ : اِنْتِظَار رِزْق مِنْ اللَّه يَأْتِيك . )16798 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله ( { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } قَالَ : إِنْ سَأَلُوك فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدك مَا تُعْطِيهِمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة , قَالَ : رِزْق تَنْتَظِرهُ تَرْجُوهُ { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } قَالَ : عِدْهُمْ عِدَة حَسَنَة : إِذَا كَانَ ذَلِكَ , إِذَا جَاءَنَا ذَلِكَ فَعَلْنَا , أَعْطَيْنَاكُمْ , فَهُوَ الْقَوْل الْمَيْسُور . )قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : إِنْ سَأَلُوك فَلَمْ يَكُنْ عِنْدك مَا تُعْطِيهِمْ , فَأَعْرَضْت عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة , قَالَ : رِزْق تَنْتَظِرهُ { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } . 16799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( { اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك } قَالَ : اِنْتِظَار رِزْق اللَّه . )16800 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ عُبَيْدَة فِي قَوْله ( { اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } قَالَ : اِبْتِغَاء الرِّزْق . )16801 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد ( { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } قَالَ : أَيْ رِزْق تَنْتَظِرهُ { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } أَيْ مَعْرُوفًا . )16802 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } قَالَ : عِدْهُمْ خَيْرًا . وَقَالَ الْحَسَن : قُلْ لَهُمْ قَوْلًا لَيِّنًا وَسَهْلًا . )16803 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ } يَقُول : لَا نَجِد شَيْئًا تُعْطِيهِمْ { اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك } يَقُول : اِنْتِظَار الرِّزْق مِنْ رَبّك , نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسَاكِين . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثني عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْل اللَّه ( { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } قَالَ : الرِّفْق . )وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 16804 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ } عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْصَيْنَاك بِهِمْ { اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } إِذَا خَشِيت أَنْ أَعْطَيْتهمْ , أَنْ يَتَقَوَّوْا بِهَا عَلَى مَعَاصِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَيْهَا , فَرَأَيْت أَنْ تَمْنَعهُمْ خَيْرًا , فَإِذَا سَأَلُوك { فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } قَوْلًا جَمِيلًا : رَزَقَك اللَّه , بَارَكَ اللَّه فِيك . )وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ اِبْن زَيْد مَعَ خِلَافه أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , بَعِيد الْمَعْنَى , مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِرهَا , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِمَّا تُعْرِضَن عَنْهُمْ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا } فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُول إِذَا كَانَ إِعْرَاضه عَنْ الْقَوْم الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اِنْتِظَار رَحْمَة مِنْهُ يَرْجُوهَا مِنْ رَبّه { قَوْلًا مَيْسُورًا } وَذَلِكَ الْإِعْرَاض اِبْتِغَاء الرَّحْمَة , لَنْ يَخْلُو مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون إِعْرَاضًا مِنْهُ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ اللَّه يَرْجُوهَا لِنَفْسِهِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام كَمَا قُلْنَاهُ , وَقَالَ أَهْل التَّأْوِيل الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ , وَخِلَاف قَوْله ; أَوْ يَكُون إِعْرَاضًا مِنْهُ اِبْتِغَاء رَحْمَة مِنْ اللَّه يَرْجُوهَا لِلسَّائِلِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَعْمِهِ أَنْ يَمْنَعهُمْ مَا سَأَلُوهُ خَشْيَة عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُنْفِقُوهُ فِي مَعَاصِي اللَّه , فَمَعْلُوم أَنَّ سَخَط اللَّه عَلَى مَنْ كَانَ غَيْر مَأْمُون مِنْهُ صَرْف مَا أُعْطِيَ مِنْ نَفَقَة لِيَتَقَوَّى بِهَا عَلَى طَاعَة اللَّه فِي مَعَاصِيه , أَخْوَف مِنْ رَجَاء رَحْمَته لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ رَحْمَة اللَّه إِنَّمَا تُرْجَى لِأَهْلِ طَاعَته , لَا لِأَهْلِ مَعَاصِيه , إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ تَوْجِيه ذَلِكَ إِلَى أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَنْعِهِمْ مَا سَأَلُوهُ , لِيُنِيبُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّه , وَيَتُوبُوا بِمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ مَا سَأَلُوهُ , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا يَحْتَمِلهُ تَأْوِيل الْآيَة , وَإِنْ كَانَ لِقَوْلِ أَهْل التَّأْوِيل مُخَالِفًا .

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا } . </subtitle>وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُمْتَنِعِ مِنْ الْإِنْفَاق فِي الْحُقُوق الَّتِي أَوْجَبَهَا فِي أَمْوَال ذَوِي الْأَمْوَال , فَجَعَلَهُ كَالْمَشْدُودَةِ يَده إِلَى عُنُقه , الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى الْأَخْذ بِهَا وَالْإِعْطَاء . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تُمْسِك يَا مُحَمَّد يَدك بُخْلًا عَنْ النَّفَقَة فِي حُقُوق اللَّه , فَلَا تُنْفِق فِيهَا شَيْئًا إِمْسَاك الْمَغْلُولَة يَده إِلَى عُنُقه , الَّذِي لَا يَسْتَطِيع بَسْطهَا { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } يَقُول : وَلَا تَبْسُطهَا بِالْعَطِيَّةِ كُلّ الْبَسْط , فَتَبْقَى لَا شَيْء عِنْدك , وَلَا تَجِد إِذَا سُئِلْت شَيْئًا تُعْطِيه سَائِلك { فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا } يَقُول : فَتَقْعُد يَلُومك سَائِلُوك إِذَا لَمْ تُعْطِهِمْ حِين سَأَلُوك , وَتَلُومك نَفْسك عَلَى الْإِسْرَاع فِي مَالِك وَذَهَابه , { مَحْسُورًا } يَقُول : مَعِيبًا , قَدْ اِنْقَطَعَ بِك , لَا شَيْء عِنْدك تُنْفِقهُ . وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ لِلدَّابَّةِ الَّتِي قَدْ سِيرَ عَلَيْهَا حَتَّى اِنْقَطَعَ سَيْرهَا , وَكَلَّتْ وَرَزَحَتْ مِنْ السَّيْر , بِأَنَّهُ حَسِير . يُقَال مِنْهُ : حَسِرَتْ الدَّابَّة فَأَنَا أَحْسَرهَا , وَأَحْسَرهَا حَسْرًا , وَذَلِكَ إِذَا أَنْضَيْته بِالسَّيْرِ ; وَحَسِرْته بِالْمَسْأَلَةِ إِذَا سَأَلْته فَأَلْحَفْت ; وَحَسَرَ الْبَصَر فَهُوَ يَحْسِر , وَذَلِكَ إِذَا بَلَغَ أَقْصَى الْمَنْظَر فَكَلَّ . وَمِنْهُ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا وَهُوَ حَسِير } [67 4 ]وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلّ شَيْء كَلَّ وَأَزْحَف حَتَّى يَضْنَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } قَالَ : لَا تَجْعَلهَا مَغْلُولَة عَنْ النَّفَقَة { وَلَا تَبْسُطهَا } : تُبَذِّر بِسَرَفٍ . )16806 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن بَهْز , قَالَ : ثنا حَوْشَب , قَالَ : (كَانَ الْحَسَن إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَة { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا } يَقُول : لَا تُطَفِّف بِرِزْقِي عَنْ غَيْر رِضَايَ , وَلَا تَضَعهُ فِي سَخَطِي فَأَسْلُبك مَا فِي يَدَيْك , فَتَكُون حَسِيرًا لَيْسَ فِي يَدَيْك مِنْهُ شَيْء . )16807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا } يَقُول هَذَا فِي النَّفَقَة , يَقُول { لَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } يَقُول : لَا تَبْسُطهَا بِالْخَيْرِ { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } يَعْنِي التَّبْذِير { فَتَقْعُد مَلُومًا } يَقُول : يَلُوم نَفْسه عَلَى مَا فَاتَ مِنْ مَاله { مَحْسُورًا } يَعْنِي : ذَهَبَ مَاله كُلّه فَهُوَ مَحْسُور . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } يَعْنِي بِذَلِكَ الْبُخْل . )16808 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } أَيْ لَا تُمْسِكهَا عَنْ طَاعَة اللَّه , وَلَا عَنْ حَقّه { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } يَقُول : لَا تُنْفِقهَا فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَلَا فِيمَا يَصْلُح لَك , وَلَا يَنْبَغِي لَك , وَهُوَ الْإِسْرَاف . قَوْله { فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا } قَالَ : مَلُومًا فِي عِبَاد اللَّه , مَحْسُورًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ دَهْره وَفَرَّطَ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } قَالَ : فِي النَّفَقَة , يَقُول : لَا تُمْسِك عَنْ النَّفَقَة { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } يَقُول : لَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا { فَتَقْعُد مَلُومًا } فِي عِبَاد اللَّه { مَحْسُورًا } يَقُول : نَادِمًا عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْك . )16809 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (لَا تُمْسِك عَنْ النَّفَقَة فِيمَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ الْحَقّ { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } فِيمَا نَهَيْتُك { فَنَقْعُد مَلُومًا } قَالَ : مُذْنِبًا { مَحْسُورًا } قَالَ : مُنْقَطِعًا بِك . )16810 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } قَالَ : مَغْلُولَة لَا تَبْسُطهَا بِخَيْرٍ وَلَا بِعَطِيَّةٍ { وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } فِي الْحَقّ وَالْبَاطِل , فَيَنْفَد مَا مَعَك , وَمَا فِي يَدَيْك , فَيَأْتِيك مَنْ يُرِيد أَنْ تُعْطِيه فَيَحْسَر بِك , فَيَلُومك حِين أَعْطَيْت هَؤُلَاءِ , وَلَمْ تُعْطِهِمْ .)

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { إِنَّ رَبّك يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد يَبْسُط رِزْقه لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , فَيُوَسِّع عَلَيْهِ , وَيَقْدِر عَلَى مَنْ يَشَاء , يَقُول : وَيُقَتِّر عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ , فَيُضَيِّق عَلَيْهِ { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا } : يَقُول : إِنَّ رَبّك ذُو خِبْرَة بِعِبَادِهِ , وَمِنْ الَّذِي تُصْلِحهُ السَّعَة فِي الرِّزْق وَتُفْسِدهُ ; وَمَنْ الَّذِي يُصْلِحهُ الْإِقْتَار وَالضِّيق وَيُهْلِكهُ . { بَصِيرًا } : يَقُول : هُوَ ذُو بَصَر بِتَدْبِيرِهِمْ وَسِيَاسَتهمْ , يَقُول : فَانْتَهِ يَا مُحَمَّد إِلَى أَمْرنَا فِيمَا أَمَرْنَاك وَنَهَيْنَاك مِنْ بَسْط يَدك فِيمَا تَبْسُطهَا فِيهِ , وَفِيمَنْ تَبْسُطهَا لَهُ , وَمِنْ كَفّهَا عَمَّنْ تَكُفّهَا عَنْهُ , وَتَكُفّهَا فِيهِ , فَنَحْنُ أَعْلَم بِمَصَالِح الْعِبَاد مِنْك , وَمِنْ جَمِيع الْخَلْق وَأَبْصَر بِتَدْبِيرِهِمْ , كَاَلَّذِي : 16811 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , (ثُمَّ أَخْبَرَنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَيْف يَصْنَع , فَقَالَ : { إِنَّ رَبّك يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر } قَالَ : يَقْدِر : يَقِلّ , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن يَقْدِر كَذَلِكَ ; ثُمَّ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ لَا يَرْزَؤُهُ وَلَا يَعُودهُ أَنْ لَوْ بَسَطَ عَلَيْهِمْ , وَلَكِنْ نَظَرًا لَهُمْ مِنْهُ , فَقَالَ : { وَلَوْ بَسَطَ اللَّه الرِّزْق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْض وَلَكِنْ يُنَزِّل بِقَدَرٍ مَا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِير بَصِير } [42 27 ]قَالَ : وَالْعَرَب إِذَا كَانَ الْخِصْب وَبُسِطَ عَلَيْهِمْ أَشِرُوا , وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَجَاءَ الْفَسَاد , فَإِذَا كَانَ السَّنَة شُغِلُوا عَنْ ذَلِكَ .)

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَضَى رَبّك } يَا مُحَمَّد { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } , { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } فَمَوْضِع تَقْتُلُوا نُصِبَ عَطْفًا عَلَى أَلَّا تَعْبُدُوا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { خَشْيَة إِمْلَاق } خَوْف إِقْتَار وَفَقْر . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِيهِ . إِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ لِلْعَرَبِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْإِنَاث مِنْ أَوْلَادهمْ خَوْف الْعَيْلَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ , كَمَا : 16812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } : أَيْ خَشْيَة الْفَاقَة , وَقَدْ كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقْتُلُونَ أَوْلَادهمْ خَشْيَة الْفَاقَة , فَوَعَظَهُمْ اللَّه فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رِزْقهمْ وَرِزْق أَوْلَادهمْ عَلَى اللَّه , فَقَالَ : { نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خَطَأ كَبِيرًا } . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { خَشْيَة إِمْلَاق } قَالَ : كَانُوا يَقْتُلُونَ الْبَنَات . )16813 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ مُجَاهِد { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } قَالَ : الْفَاقَة وَالْفَقْر . )16814 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { خَشْيَة إِمْلَاق } يَقُول : الْفَقْر .)|إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته ; فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق { إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } بِكَسْرِ الْخَاء مِنْ الْخَطَإِ وَسُكُون الطَّاء . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون اِسْمًا مِنْ قَوْل الْقَائِل : خَطِئْت فَأَنَا أَخْطَأُ , بِمَعْنَى : أَذْنَبْت وَأَثِمْت . وَيُحْكَى عَنْ الْعَرَب : خَطِئْت : إِذَا أَذْنَبْت عَمْدًا , وَأَخْطَأْت : إِذَا وَقَعَ مِنْك الذَّنْب خَطَأ عَلَى غَيْر عَمْد مِنْك لَهُ . وَالثَّانِي . أَنْ يَكُون بِمَعْنَى خَطَأ بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء , ثُمَّ كُسِرَتْ الْخَاء وَسُكِّنَتْ الطَّاء , كَمَا قِيلَ : قِتْب وَقَتَب وَحَذَر وَحِذْر , وَنَجِس وَنَجَس . وَالْخِطْء بِالْكَسْرِ اِسْم , وَالْخَطَأ بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : خَطِئَ الرَّجُل ; وَقَدْ يَكُون اِسْمًا مِنْ قَوْلهمْ : أَخْطَأَ . فَأَمَّا الْمَصْدَر مِنْهُ فَالْإِخْطَاء . وَقَدْ قِيلَ : خَطِئَ , بِمَعْنَى أَخْطَأَ , كَمَا قَالَ : الشَّاعِر : <br>يَا لَهْف هِنْد إِذْ خَطِئْنَ كَاهِلًا <br>بِمَعْنَى : أَخْطَأْنَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خَطَأ | بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء مَقْصُورًا عَلَى تَوْجِيهه إِلَى أَنَّهُ اِسْم مِنْ قَوْلهمْ : أَخْطَأَ فُلَان خَطَأ . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة : | إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خَطَاء | بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء , وَمَدّ الْخَطَاء بِنَحْوِ مَعْنَى مَنْ قَرَأَهُ خَطَأ بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء , غَيْر أَنَّهُ يُخَالِفهُ فِي مَدّ الْحَرْف . وَكَانَ عَامَّة أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ مِنْهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْخِطْء وَالْخَطَأ بِمَعْنًى وَاحِد , إِلَّا أَنَّ بَعْضهمْ زَعَمَ أَنَّ الْخِطْء بِكَسْرِ الْخَاء وَسُكُون الطَّاء فِي الْقِرَاءَة أَكْثَر , وَأَنَّ الْخَطَأ بِفَتْحِ الْخَاء وَالطَّاء فِي كَلَام النَّاس أَفْشَى , وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَع الْخِطْء بِكَسْرِ الْخَاء وَسُكُون الطَّاء , فِي شَيْء مِنْ كَلَامهمْ وَأَشْعَارهمْ , إِلَّا فِي بَيْت أَنْشَدَهُ لِبَعْضِ الشُّعَرَاء : <br>الْخِطْء فَاحِشَة وَالْبِرّ نَافِلَة .......... كَعَجْوَةٍ غُرِسَتْ فِي الْأَرْض تُؤْتَبَر <br>وَقَدْ ذَكَرْت الْفَرْق بَيْن الْخِطْء بِكَسْرِ الْخَاء وَسُكُون الطَّاء وَفَتْحهمَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق , وَعَامَّة أَهْل الْحِجَاز , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَشُذُوذ مَا عَدَاهَا . وَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ إِثْمًا وَخَطِيئَة , لَا خَطَأ مِنْ الْفِعْل , لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَقْتُلُونَهُمْ عَمْدًا لَا خَطَأ , وَعَلَى عَمْدهمْ ذَلِكَ عَاتَبَهُمْ رَبّهمْ , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَا : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { خِطْئًا كَبِيرًا } قَالَ : أَيْ خَطِيئَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { إِنَّ قَتْلهمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } قَالَ : خَطِيئَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خِطْئًا : أَيْ خَطِيئَة .)

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة وَسَاءَ سَبِيلًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَضَى أَيْضًا أَنْ { لَا تَقْرَبُوا } أَيّهَا النَّاس { الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة } يَقُول : إِنَّ الزِّنَا كَانَ فَاحِشَة { وَسَاءَ سَبِيلًا } يَقُول : وَسَاءَ طَرِيق الزِّنَا طَرِيقًا , لِأَنَّ طَرِيق أَهْل مَعْصِيَة اللَّه , وَالْمُخَالِفِينَ أَمْره , فَأَسْوِئْ بِهِ طَرِيقًا يُورِد صَاحِبه نَار جَهَنَّم .

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَضَى أَيْضًا أَنْ { لَا تَقْتُلُوا } أَيّهَا النَّاس { النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه } قَتْلهَا { إِلَّا بِالْحَقِّ } وَحَقّهَا أَنْ لَا تُقْتَل إِلَّا بِكُفْرٍ بَعْد إِسْلَام , أَوْ زِنًا بَعْد إِحْصَان , أَوْ قَوْد نَفْس , وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَة لَمْ يَتَقَدَّم كُفْرهَا إِسْلَام , فَأَنْ لَا يَكُون تَقَدَّمَ قَتْلهَا لَهَا عَهْد وَأَمَان , كَمَا : 16816 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ } وَإِنَّا وَاَللَّه مَا نَعْلَم بِحِلِّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث , إِلَّا رَجُلًا قَتَلَ مُتَعَمِّدًا , فَعَلَيْهِ الْقَوَد , أَوْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه فَعَلَيْهِ الرَّجْم ; أَوْ كَفَرَ بَعْد إِسْلَامه فَعَلَيْهِ الْقَتْل . )16817 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة أَوْ غَيْره , قَالَ : (قِيلَ لِأَبِي بَكْر : أَتَقْتُلُ مَنْ يَرَى أَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاة , قَالَ : لَوْ مَنَعُونِي شَيْئًا مِمَّا أَقَرُّوا بِهِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتهمْ . فَقِيلَ لِأَبِي بَكْر : أَلَيْسَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا , وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه | فَقَالَ أَبُو بَكْر : هَذَا مِنْ حَقّهَا . )16818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن سَهْل , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن هَاشِم , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَيَّان , عَنْ حُمَيْد الطَّوِيل , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه | قِيلَ : وَمَا حَقّهَا ؟ قَالَ : | زِنًا بَعْد إِحْصَان , و كُفْر بَعْد إِيمَان , وَقَتْل نَفْس فَيُقْتَل بِهَا | .)|وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا|وَقَوْله : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا } يَقُول : وَمَنْ قُتِلَ بِغَيْرِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا قُتِلَ بِهَا كَانَ قَتْلًا بِحَقٍّ { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } يَقُول : فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّ الْمَقْتُول ظُلْمًا سُلْطَانًا عَلَى قَاتِل وَلِيّه , فَإِنْ شَاءَ اِسْتَقَادَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ بِوَلِيِّهِ , وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ , وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السُّلْطَان الَّذِي جَعَلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ , نَحْو الَّذِي قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ ثَنْي أَبِي , عَنْ أَيِيّه , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } قَالَ : بَيِّنَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهَا يَطْلُبهَا وَلِيّ الْمَقْتُول , الْعَقْل , أَوْ الْقَوَد , وَذَلِكَ السُّلْطَان . )16820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : ( { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } قَالَ : إِنْ شَاءَ عَفَا , وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ السُّلْطَان : هُوَ الْقَتْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16821 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وَهُوَ الْقَوَد الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : أَنَّ السُّلْطَان الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيل الْقَتْل إِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة , وَإِنْ شَاءَ الْعَفْو , لِصِحَّةِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْم فَتْح مَكَّة : | أَلَا وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْن أَنْ يَقْتُل أَوْ يَأْخُذ الدِّيَة | وَقَدْ بَيَّنْت الْحُكْم فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا : كِتَاب الْجُرْح .|فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ|وَقَوْله : { فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | فَلَا تُسْرِف | بِمَعْنَى الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُرَاد بِهِ هُوَ وَالْأَئِمَّة مِنْ بَعْده , يَقُول : فَلَا تَقْتُل بِالْمَقْتُولِ ظُلْمًا غَيْر قَاتِله , وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا قَتَلَ رَجُل رَجُلًا عَمَدَ وَلِيّ الْقَتِيل إِلَى الشَّرِيف مِنْ قَبِيلَة الْقَاتِل , فَقَتَلَهُ بِوَلِيِّهِ , وَتَرْك الْقَاتِل , فَنَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ عِبَاده , وَقَالَ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : قَتْل غَيْر الْقَاتِل بِالْمَقْتُولِ مَعْصِيَة وَسَرَف , فَلَا تَقْتُل بِهِ غَيْر قَاتِله , وَإِنْ قَتَلْت الْقَاتِل بِالْمَقْتُولِ فَلَا تُمَثِّل بِهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { فَلَا يُسْرِف } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى فَلَا يُسْرِف وَلِيّ الْمَقْتُول , فَيَقْتُل غَيْر قَاتِل وَلِيّه . وَقَدْ قِيلَ : عَنَى بِهِ : فَلَا يُسْرِف الْقَاتِل الْأَوَّل لَا وَلِيّ الْمَقْتُول . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ خِطَاب اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْي فِي أَحْكَام الدِّين , قَضَاء مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيع عِبَاده , وَكَذَلِكَ أَمْره وَنَهْيه بَعْضهمْ , أَمْر مِنْهُ وَنَهْي جَمِيعهمْ , إِلَّا فِيمَا دَلَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوص بِهِ بَعْض دُون بَعْض , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابنَا [ كِتَاب الْبَيَان , عَنْ أُصُول الْأَحْكَام ] فَمَعْلُوم أَنَّ خِطَابه تَعَالَى بِقَوْلِهِ | فَلَا تُسْرِف فِي الْقَتْل | نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ مُوَجَّهًا إِلَيْهِ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ جَمِيع عِبَاده , فَكَذَلِكَ نَهْيه وَلِيّ الْمَقْتُول أَوْ الْقَاتِل عَنْ الْإِسْرَاف فِي الْقَتْل , وَالتَّعَدِّي فِيهِ نَهْي لِجَمِيعِهِمْ , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب صَوَاب الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيلهمْ ذَلِكَ نَحْو اِخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي قِرَاءَتهمْ إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 16822 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ طَلْق بْن حَبِيب , فِي قَوْله : ( فَلَا تُسْرِف فِي الْقَتْل | قَالَ لَا تَقْتُل غَيْر قَاتِله , وَلَا تُمَثِّل بِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير . عَنْ مَنْصُور , عَنْ طَلْق بْن حَبِيب , بِنَحْوِهِ . 16823 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { فَلَا تُسْرِف فِي الْقَوْل } قَالَ : لَا تَقْتُل اِثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ . )16824 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَلَا تُسْرِف فِي الْقَوْل إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } كَانَ هَذَا بِمَكَّة , وَنَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا , وَهُوَ أَوَّل شَيْء نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن فِي شَأْن الْقَتْل , كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَغْتَالُونَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : مَنْ قَتَلَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَلَا يَحْمِلَنكُمْ قَتْله إِيَّاكُمْ عَنْ أَنْ تَقْتُلُوا لَهُ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ أَحَدًا مِنْ عَشِيرَته , وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ , فَلَا تَقْتُلُوا إِلَّا قَاتِلكُمْ ; وَهَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل بَرَاءَة , وَقَبْل أَنْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَلَا تُسْرِف فِي الْقَتْل } يَقُول : لَا تَقْتُل غَيْر قَاتِلك , وَهِيَ الْيَوْم عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْ الْمُسْلِمِينَ , لَا يَحِلّ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا إِلَّا قَاتِلهمْ . )ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ وَلِيّ الْمَقْتُول : 16825 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يُقْتَل فَيَقُول وَلِيّه : لَا أَرْضَى حَتَّى أَقْتُل بِهِ فُلَانًا وَفُلَانًا مِنْ أَشْرَاف قَبِيلَته . )16826 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَلَا تُسْرِف فِي الْقَتْل } قَالَ : لَا تَقْتُل غَيْر قَاتِلك , وَلَا تُمَثِّل بِهِ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل } قَالَ : لَا يَقْتُل غَيْر قَاتِله ; مَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ; وَمَنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ قُتِلَ بِخَشَبَةٍ ; وَمَنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ قُتِلَ بِحَجَرٍ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : | إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاس عَلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثَلَاثَة : رَجُل قَتَلَ غَيْر قَاتِله , أَوْ قَتَلَ بِدَخَنٍ فِي الْجَاهِلِيَّة , أَوْ قَتَلَ فِي حَرَم اللَّه . )16827 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : سَمِعْته , يَعْنِي اِبْن زَيْد , يَقُول فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ( { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } قَالَ : إِنَّ الْعَرَب كَانَتْ إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ قَتِيل , لَمْ يَرْضَوْا أَنْ يَقْتُلُوا قَاتِل صَاحِبهمْ , حَتَّى يَقْتُلُوا أَشْرَفَ مِنْ الَّذِي قَتَلَهُ , فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } يَنْصُرهُ وَيَنْتَصِف مِنْ حَقّه { فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل } يَقْتُل بَرِيئًا . )ذِكْر مَنْ قَالَ عُنِيَ بِهِ الْقَاتِل : 16828 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير عَنْ مُجَاهِد ( { فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل } قَالَ : لَا يُسْرِف الْقَاتِل فِي الْقَتْل . )وَقَدْ ذَكَرْنَا الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , وَإِذَا كَانَ كِلَا وَجْهَيْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا صَوَابًا , فَكَذَلِكَ جَمِيع أَوْجُه تَأْوِيله الَّتِي ذَكَرْنَاهَا غَيْر خَارِج وَجْه مِنْهَا مِنْ الصَّوَاب , لِاحْتِمَالِ الْكَلَام ذَلِكَ ; وَإِنَّ فِي نَهْي اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْض خَلْقه عَنْ الْإِسْرَاف فِي الْقَتْل , نَهَى مِنْهُ جَمِيعهمْ عَنْهُ .|إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ عُنِيَ بِالْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْله { إِنَّهُ } وَعَلَى مَا هِيَ عَائِدَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَائِدَة عَلَى وَلِيّ الْمَقْتُول , وَهُوَ الْمَعْنِيّ بِهَا , وَهُوَ الْمَنْصُور عَلَى الْقَاتِل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16829 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } قَالَ : هُوَ دَفْع الْإِمَام إِلَيْهِ , يَعْنِي إِلَى الْوَلِيّ , فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ عَفَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمَقْتُول , فَعَلَى هَذَا الْقَوْل هِيَ عَائِدَة عَلَى | مَنْ | فِي قَوْله : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16830 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد ( { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } إِنَّ الْمَقْتُول كَانَ مَنْصُورًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهَا دَم الْمَقْتُول , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ دَم الْقَتِيل كَانَ مَنْصُورًا عَلَى الْقَاتِل . وَأَشْبَهَ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي . قَوْل مَنْ قَالَ عُنِيَ بِهَا الْوَلِيّ , وَعَلَيْهِ عَادَتْ , لِأَنَّهُ هُوَ الْمَظْلُوم , وَوَلِيّه الْمَقْتُول , وَهِيَ إِلَى ذِكْره أَقْرَب مِنْ ذِكْر الْمَقْتُول , وَهُوَ الْمَنْصُور أَيْضًا , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَضَى فِي كِتَابه الْمُنَزَّل , أَنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَاتِل وَلِيّه , وَحَكَّمَهُ فِيهِ , بِأَنْ جَعَلَ إِلَيْهِ قَتْله إِنْ شَاءَ , وَاسْتِبْقَاءَهُ عَلَى الدِّيَة إِنْ أَحَبَّ , وَالْعَفْو عَنْهُ إِنْ رَأَى , وَكَفَى بِذَلِكَ نُصْرَة لَهُ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَلِذَلِكَ قُلْنَا : هُوَ الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا }

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن حَتَّى يَبْلُغ أَشُدّهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَضَى أَيْضًا أَنْ لَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم بِأَكْلٍ , إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا , وَلَكِنْ اِقْرَبُوهُ بِالْفَعْلَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَن , وَالْخَلَّة الَّتِي هِيَ أَجْمَل , وَذَلِكَ أَنْ تَتَصَرَّفُوا فِيهِ لَهُ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاح وَالْحَيْطَة . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 16831 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن } لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , اِشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانُوا لَا يُخَالِطُونَهُمْ فِي طَعَام أَوْ أَكْل وَلَا غَيْره , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانكُمْ وَاَللَّه يَعْلَم الْمُفْسِد مِنْ الْمُصْلِح } فَكَانَتْ هَذِهِ لَهُمْ فِيهَا رُخْصَة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن } قَالَ : كَانُوا لَا يُخَالِطُونَهُمْ فِي مَال وَلَا مَأْكَل وَلَا مَرْكَب , حَتَّى نَزَلَتْ { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانكُمْ } )وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ مَا : 16832 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن } قَالَ : الْأَكْل بِالْمَعْرُوفِ , أَنْ تَأْكُل مَعَهُ إِذَا اِحْتَجْت إِلَيْهِ , كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ . )وَقَوْله : { حَتَّى يَبْلُغ أَشُدّهُ } يَقُول : حَتَّى يَبْلُغ وَقْت اِشْتِدَاده فِي الْعَقْل , وَتَدْبِير مَاله , وَصَلَاح حَاله فِي دِينه .|وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا| { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } يَقُول : وَأَوْفُوا بِالْعَقْدِ الَّذِي تُعَاقِدُونَ النَّاس فِي الصُّلْح بَيْن أَهْل الْحَرْب وَالْإِسْلَام , وَفِيمَا بَيْنكُمْ أَيْضًا , وَالْبُيُوع وَالْأَشْرِبَة وَالْإِجَارَات , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعُقُود . { إِنَّ الْعَهْد كَانَ مَسْئُولًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَائِل نَاقِض الْعَهْد عَنْ نَقْضِهِ إِيَّاهُ , يَقُول : فَلَا تَنْقُصُوا الْعُهُود الْجَائِزَة بَيْنكُمْ , وَبَيْن مَنْ عَاهَدْتُمُوهُ أَيّهَا النَّاس فَتَخْفِرُوهُ , وَتَغْدِرُوا بِمَنْ أَعْطَيْتُمُوهُ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ الْعَهْد كَانَ مَطْلُوبًا ; يُقَال فِي الْكَلَام : لَيُسْأَلُنَّ فُلَان عَهْد فُلَان .

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَأَوْفُوا الْكَيْل إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { و } قَضَى أَنْ { أَوْفُوا الْكَيْل } لِلنَّاسِ { إِذَا كِلْتُمْ } لَهُمْ حُقُوقهمْ قَبْلكُمْ , وَلَا تَبْخَسُوهُمْ { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم } يَقُول : وَقَضَى أَنْ زِنُوا أَيْضًا إِذَا وَزَنْتُمْ لَهُمْ بِالْمِيزَانِ الْمُسْتَقِيم , وَهُوَ الْعَدْل الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ , وَلَا دَغَل , وَلَا خَدِيعَة . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْقِسْطَاس , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْقَبَّان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16833 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن ذَكْوَان , عَنْ الْحَسَن : ( { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْقَبَّان . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْعَدْل بِالرُّومِيَّةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16834 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : (الْقِسْطَاس : الْعَدْل بِالرُّومِيَّةِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمِيزَان صَغُرَ أَوْ كَبُرَ ; وَفِيهِ لُغَتَانِ : الْقِسْطَاس بِكَسْرِ الْقَاف , وَالْقُسْطَاس بِضَمِّهَا , مِثْل الْقِرْطَاس وَالْقُرْطَاس ; وَبِالْكَسْرِ يَقْرَأ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة , وَبِالضَّمِّ يَقْرَأ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَقَدْ قَرَأَ بِهِ أَيْضًا بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار .|ذَلِكَ خَيْرٌ|وَقَوْله : { ذَلِكَ خَيْر } يَقُول : إِيفَاؤُكُمْ أَيّهَا النَّاس مَنْ تَكِيلُونَ لَهُ الْكَيْل , وَوَزْنكُمْ بِالْعَدْلِ لِمَنْ تُوفُونَ لَهُ { خَيْر لَكُمْ } مِنْ بَخْسكُمْ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ , وَظُلْمِكُمُوهُمْ فِيهِ .|وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا|وَقَوْله : { وَأَحْسَن تَأْوِيلًا } يَقُول : وَأَحْسَن مَرْدُودًا عَلَيْكُمْ وَأَوْلَى إِلَيْهِ فِيهِ فِعْلكُمْ ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرْضَى بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَيُحْسِن لَكُمْ عَلَيْهِ الْجَزَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16835 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَوْفُوا الْكَيْل إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم ذَلِكَ خَيْر وَأَحْسَن تَأْوِيلًا } أَيْ خَيْر ثَوَابًا وَعَاقِبَة . وَأَخْبَرَنَا أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول : يَا مَعْشَر الْمَوَالِي , إِنَّكُمْ وَلِيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاس قَبْلكُمْ : هَذَا الْمِكْيَال , وَهَذَا الْمِيزَان . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : | لَا يَقْدِر رَجُل عَلَى حَرَام ثُمَّ يَدَعهُ , لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَة اللَّه , إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّه فِي عَاجِل الدُّنْيَا قَبْل الْآخِرَة مَا هُوَ خَيْر لَهُ مِنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَحْسَن تَأْوِيلًا } قَالَ : عَاقِبَة وَثَوَابًا .)

وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم } فَقَالَ بَعْضهمْ . مَعْنَاهُ : وَلَا تَقُلْ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16836 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم } يَقُول : لَا تَقُلْ . )16837 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } لَا تَقُلْ رَأَيْت وَلَمْ تَرَ , وَسَمِعْت وَلَمْ تَسْمَع , فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَائِلك عَنْ ذَلِكَ كُلّه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم } قَالَ : لَا تَقُلْ رَأَيْت وَلَمْ تَرَ , وَسَمِعْت وَلَمْ تَسْمَع , وَعَلِمْت وَلَمْ تَعْلَم . )16838 - حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبَى عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة قَالَ : (شَهَادَة الزُّور . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَلَا تَرْمِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16839 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم } يَقُول : لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم . )16840 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَا تَقْفُ } وَلَا تَرْمِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْقَوْل بِمَا لَا يَعْلَمهُ الْقَائِل يَدْخُل فِيهِ شَهَادَة الزُّور , وَرَمْي النَّاس بِالْبَاطِلِ , وَادِّعَاء سَمَاع مَا لَمْ يَسْمَعهُ , وَرُؤْيَة مَا لَمْ يَرَهُ . وَأَصْل الْقَفْو : الْعَضْه وَالْبُهُت . (وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | نَحْنُ بَنُو النَّضْر بْن كِنَانَة لَا نَقْفُو أُمّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا | )وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَنْشُد فِي ذَلِكَ بَيْتًا : <br>وَمِثْل الدُّمَى شُمّ الْعَرَانِين سَاكِن .......... بِهِنَّ الْحَيَاء لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا <br>يَعْنِي بِالتَّقَافِي : التَّقَاذُف . وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَى قَوْله { لَا تَقْفُ } لَا تَتَّبِع مَا لَا تَعْلَم , وَلَا يَعْنِيك . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْكُوفَة , يَزْعُم أَنَّ أَصْله الْقِيَافَة , وَهِيَ اِتِّبَاع الْأَثَر ; وَإِذْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوا وَجَبَ أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة : | وَلَا تَقْفُ | بِضَمِّ الْقَاف وَسُكُون الْفَاء , مِثْل : وَلَا تَقُلْ . قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول : قَفَوْت أَثَره , وَقُفْت أَثَره , فَتُقَدِّم أَحْيَانًا الْوَاو عَلَى الْفَاء وَتُؤَخِّرهَا أَحْيَانًا بَعْدهَا , كَمَا قِيلَ : قَاعَ الْجَمَل النَّاقَة : إِذَا رَكِبَهَا وَقَعَا وَعَاثَ وَعَثَى ; وَأَنْشَدَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب . <br>وَلَوْ أَنِّي رَمَيْتُك مِنْ قَرِيب .......... لَعَاقَك مِنْ دُعَاء الذِّئْب عَاقِ <br>يَعْنِي عَائِق , وَنَظَائِر هَذَا كَثِيرَة فِي كَلَام الْعَرَب . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَقُلْ لِلنَّاسِ وَفِيهِمْ مَا لَا عِلْم لَك بِهِ , فَتَرْمِيهِمْ بِالْبَاطِلِ , وَتَشْهَد عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ الْحَقّ , فَذَلِكَ هُوَ الْقَفْو . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِيهِ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِب مِنْ اِسْتِعْمَال الْعَرَب الْقَفْو فِيهِ .|إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا|وَأَمَّا قَوْله { إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّه سَائِل هَذِهِ الْأَعْضَاء عَمَّا قَالَ صَاحِبهَا , مِنْ أَنَّهُ سَمِعَ أَوْ أَبْصَرَ أَوْ عَلِمَ , تَشْهَد عَلَيْهِ جَوَارِحه عِنْد ذَلِكَ بِالْحَقِّ , وَقَالَ | أُولَئِكَ | , وَلَمْ يَقُلْ | تِلْكَ | , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>ذُمَّ الْمَنَازِل بَعْد مَنْزِلَة اللِّوَى .......... وَالْعَيْش بَعْد أُولَئِكَ الْأَيَّام <br>وَإِنَّمَا قِيلَ : أُولَئِكَ , لِأَنَّ أُولَئِكَ وَهَؤُلَاءِ لِلْجَمْعِ الْقَلِيل الَّذِي يَقَع لِلتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيث , وَهَذِهِ وَتِلْكَ لِلْجَمْعِ الْكَثِير ; فَالتَّذْكِير لِلْقَلِيلِ مِنْ بَاب إِنْ كَانَ التَّذْكِير فِي الْأَسْمَاء قَبْل التَّأْنِيث . لَك التَّذْكِير لِلْجَمْعِ الْأَوَّل , وَالتَّأْنِيث لِلْجَمْعِ الثَّانِي , وَهُوَ الْجَمْع الْكَثِير , لِأَنَّ الْعَرَب تَجْعَل الْجَمْع عَلَى مِثَال الْأَسْمَاء .

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّك لَنْ تَخْرِق الْأَرْض وَلَنْ تَبْلُغ الْجِبَال طُولًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مُخْتَالًا مُسْتَكْبِرًا { إِنَّك لَنْ تَخْرِق الْأَرْض } يَقُول : إِنَّك لَنْ تَقْطَع الْأَرْض بِاخْتِيَالِك , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : <br>وَقَاتِم الْأَعْمَاق خَاوِي الْمُخْتَرَق <br>يَعْنِي بِالْمُخْتَرَقِ : الْمُقَطَّع { وَلَنْ تَبْلُغ الْجِبَال طُولًا } بِفَخْرِك وَكِبْرك , وَإِنَّمَا هَذَا نَهْي مِنْ اللَّه عِبَاده عَنْ الْكِبْر وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء , وَتَقَدَّمَ مِنْهُ إِلَيْهِمْ فِيهِ مُعَرِّفهمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ بِكِبْرِهِمْ وَفَخَارهمْ شَيْئًا يَقْصُر عَنْهُ غَيْرهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16841 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّك لَنْ تَخْرِق الْأَرْض وَلَنْ تَبْلُغ الْجِبَال طُولًا } يَعْنِي بِكِبْرِك وَمَرَحك . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } قَالَ : لَا تَمْشِ فِي الْأَرْض فَخْرًا وَكِبْرًا , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغ بِك الْجِبَال , وَلَا تَخْرِق الْأَرْض بِكِبْرِك وَفَخْرك . )16842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض } قَالَ : لَا تَفْخَر . )وَقِيلَ : لَا تَمْشِ مَرَحًا , وَلَمْ يَقُلْ مَرَحًا , لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْكَلَامِ : لَا تَكُنْ مَرِحًا , فَيَجْعَلهُ مِنْ نَعْت الْمَاشِي , وَإِنَّمَا أُرِيدَ لَا تَمْرَح فِي الْأَرْض مَرَحًا , فَفُسِّرَ الْمَعْنَى الْمُرَاد مِنْ قَوْله : وَلَا تَمْشِ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>يُعْجِبهُ السَّخُون وَالْعَصِيد .......... وَالتَّمْر حُبًّا مَا لَهُ مَزِيد <br>فَقَالَ : حُبًّا , لِأَنَّ فِي قَوْله : يُعْجِبهُ , مَعْنَى يُحِبّ , فَأَخْرَجَ قَوْله : حُبًّا , مِنْ مَعْنَاهُ دُون لَفْظه .

كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا

وَقَوْله : { كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْد رَبّك مَكْرُوهًا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِيهِ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْد رَبّك مَكْرُوهًا } عَلَى الْإِضَافَة بِمَعْنَى : كُلّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي عَدَدْنَا مِنْ مُبْتَدَإِ قَوْلنَا { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } . ... إِلَى قَوْلنَا { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } { كَانَ سَيِّئُهُ } يَقُول : سَيِّئ مَا عَدَدْنَا عَلَيْك عِنْد رَبّك مَكْرُوهًا . وَقَالَ قَارِئُو هَذِهِ الْقِرَاءَة : إِنَّمَا قِيلَ { كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ } بِالْإِضَافَةِ , لِأَنَّ فِيمَا عَدَدْنَا مِنْ قَوْله { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } أُمُورًا , هِيَ أَمْر بِالْجَمِيلِ , كَقَوْلِهِ { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } وَقَوْله { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , قَالُوا : فَلَيْسَ كُلّ مَا فِيهِ نَهْيًا عَنْ سَيِّئَة , بَلْ فِيهِ نَهْي عَنْ سَيِّئَة , وَأَمْر بِحَسَنَاتٍ , فَلِذَلِكَ قَرَأْنَا { سَيِّئُهُ } وَقَرَأَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : | كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَة | وَقَالُوا : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ : كُلّ مَا عَدَدْنَا مِنْ قَوْلنَا { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق } وَلَمْ يَدْخُل فِيهِ مَا قَبْل ذَلِكَ . قَالُوا : وَكُلّ مَا عَدَدْنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِع إِلَى هَذَا الْمَوْضِع سَيِّئَة لَا حَسَنَة فِيهِ , فَالصَّوَاب قِرَاءَته بِالتَّنْوِينِ . وَمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مِنْ نِيَّته أَنْ يَكُون الْمَكْرُوه مُقَدَّمًا عَلَى السَّيِّئَة , وَأَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : كُلّ ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا سَيِّئَة ; لِأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ قَوْله : مَكْرُوهًا نَعُدّ السَّيِّئَة مِنْ نَعْت السَّيِّئَة , لَزِمَهُ أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة : كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَة عِنْد رَبّك مَكْرُوهَة , وَذَلِكَ خِلَاف مَا فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ } عَلَى إِضَافَة السَّيِّئ إِلَى الْهَاء , بِمَعْنَى : كُلّ ذَلِكَ الَّذِي عَدَدْنَا مِنْ { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . ... كَانَ سَيِّئُهُ } لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أُمُورًا مَنْهِيًّا عَنْهَا , وَأُمُورًا مَأْمُورًا بِهَا , وَابْتِدَاء الْوَصِيَّة وَالْعَهْد مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِع دُون قَوْله { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ } إِنَّمَا هُوَ عَطْف عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله { وَقَضَى رَبّك إِلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقِرَاءَته بِإِضَافَةِ السَّيِّئ إِلَى الْهَاء أَوْلَى وَأَحَقّ مِنْ قِرَاءَته سَيِّئَة بِالتَّنْوِينِ , بِمَعْنَى السَّيِّئَة الْوَاحِدَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : كُلّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا لَك مِنْ الْأُمُور الَّتِي عَدَدْنَاهَا عَلَيْك كَانَ سَيِّئَة مَكْرُوهًا عِنْد رَبّك يَا مُحَمَّد , يَكْرَههُ وَيَنْهَى عَنْهُ وَلَا يَرْضَاهُ , فَاتَّقِ مُوَاقَعَته وَالْعَمَل بِهِ . | ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْك رَبّك مِنْ الْحِكْمَة |

ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْك رَبّك مِنْ الْحِكْمَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي بَيَّنَّا لَك يَا مُحَمَّد مِنْ الْأَخْلَاق الْجَمِيلَة الَّتِي أَمَرْنَاك بِجَمِيلِهَا , وَنَهَيْنَاك عَنْ قَبِيحهَا { مِمَّا أَوْحَى إِلَيْك رَبّك مِنْ الْحِكْمَة } يَقُول : مِنْ الْحِكْمَة الَّتِي أَوْحَيْنَاهَا إِلَيْك فِي كِتَابنَا هَذَا , كَمَا : 16843 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { ذَلِكَ مَا أَوْحَى إِلَيْك رَبّك مِنْ الْحِكْمَة } قَالَ : الْقُرْآن . )وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْحِكْمَة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا|يَقُول : وَلَا تَجْعَل مَعَ اللَّه شَرِيكًا فِي عِبَادَتك , فَتُلْقَى فِي جَهَنَّم مَلُومًا تَلُومك نَفْسك وَعَارِفُوك مِنْ النَّاس { مَدْحُورًا } يَقُول : مُبْعَدًا مَقْصِيًّا فِي النَّار , وَلَكِنْ أَخْلِصْ الْعِبَادَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار , فَتَنْجُو مِنْ عَذَابه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله { مَلُومًا مَدْحُورًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16844 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { مَلُومًا مَدْحُورًا } يَقُول : مَطْرُودًا . )16845 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { مَلُومًا مَدْحُورًا } قَالَ : مَلُومًا فِي عِبَادَة اللَّه , مَدْحُورًا فِي النَّار .)

أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ قَالُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه { أَفَأَصْفَاكُمْ } أَيّهَا النَّاس { رَبّكُمْ بِالْبَنِينَ } يَقُول : أَفَخَصَّكُمْ رَبّكُمْ بِالذُّكُورِ مِنْ الْأَوْلَاد { وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا } وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوُنَّهُنَّ لِأَنْفُسِكُمْ , بَلْ تَئِدُونَهُنَّ , وَتَقْتُلُونَهُنَّ , فَجَعَلْتُمْ لِلَّهِ مَا لَا تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا مِنْ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه مَا ذَكَرْنَا : إِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس لَتَقُولُونَ بِقِيلِكُمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , قَوْلًا عَظِيمًا , وَتَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه فِرْيَة مِنْكُمْ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 16846 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه .)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْل تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدهُمْ إِلَّا نُفُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه { فِي هَذَا الْقُرْآن } الْعِبَر وَالْآيَات وَالْحِجَج , وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِيهِ الْأَمْثَال , وَحَذَّرْنَاهُمْ فِيهِ وَأَنْذَرْنَاهُمْ { لِيَذَّكَّرُوا } يَقُول : لِيَتَذَكَّرُوا تِلْكَ الْحُجَج عَلَيْهِمْ , فَيَعْقِلُوا خَطَأ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ , وَيَعْتَبِرُوا بِالْعِبَرِ , فَيَتَّعِظُوا بِهَا , وَيُنِيبُوا مِنْ جَهَالَتهمْ , فَمَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا , وَلَا يَتَذَكَّرُونَ بِمَا يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآيَات وَالنُّذُر , وَمَا يَزِيدهُمْ تَذْكِيرنَا إِيَّاهُمْ { إِلَّا نُفُورًا } يَقُول : إِلَّا ذَهَابًا عَنْ الْحَقّ , وَبُعْدًا مِنْهُ وَهَرَبًا . وَالنُّفُور فِي هَذَا الْمَوْضِع مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : نَفَرَ فُلَان مِنْ هَذَا الْأَمْر يَنْفِر مِنْهُ نَفْرًا وَنُفُورًا .

قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر : لَوْ كَانَ الْأَمْر كَمَا تَقُولُونَ : مِنْ أَنَّ مَعَهُ آلِهَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ , إِذَنْ لَابْتَغَتْ تِلْكَ الْآلِهَة الْقُرْبَة مِنْ اللَّه ذِي الْعَرْش الْعَظِيم , وَالْتَمَسْت الزِّلْفَة إِلَيْهِ , وَالْمَرْتَبَة مِنْهُ . كَمَا : 16847 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا } يَقُول : لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَة إِذَنْ لَعَرَفُوا فَضْله وَمَرْتَبَته وَمَنْزِلَته عَلَيْهِمْ , فَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبهُمْ إِلَيْهِ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا } قَالَ : لَابْتَغَوْا الْقُرْب إِلَيْهِ , مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ .)

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } </subtitle>وَهَذَا تَنْزِيه مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَفْسه عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ , الْجَاعِلُونَ مَعَهُ آلِهَة غَيْره , الْمُضِيفُونَ إِلَيْهِ الْبَنَات , فَقَالَ : تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَعُلُوًّا لَهُ عَمَّا تَقُولُونَ أَيّهَا الْقَوْم , مِنْ الْفِرْيَة وَالْكَذِب , فَإِنَّ مَا تُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور لَيْسَ مِنْ صِفَته , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ صِفَة . كَمَا : 16848 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } يُسَبِّح نَفْسه إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَان . )وَقَالَ تَعَالَى : { عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا } وَلَمْ يَقُلْ : تَعَالِيًا , كَمَا قَالَ : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا } [73 8 ]كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَنْتَ الْفِدَاء لِكَعْبَةٍ هَدَّمْتهَا .......... وَنَقَرْتهَا بِيَدَيْك كُلّ مَنَقَّر <br><br>مُنِعَ الْحَمَام مَقِيله مِنْ سَقْفهَا .......... وَمِنْ الْحَطِيم فَطَارَ كُلّ مُطَيِّر<br>

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

وَقَوْله : { تُسَبِّح لَهُ السَّمَاوَات السَّبْع وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ } يَقُول : تَنَزَّهَ اللَّه أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ عَمَّا وَصَفْتُمُوهُ بِهِ إِعْظَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا , السَّمَاوَات السَّبْع وَالْأَرْض , وَمَنْ فِيهِنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ , وَأَنْتُمْ مَعَ إِنْعَامه عَلَيْكُمْ , وَجَمِيل أَيَادِيه عِنْدكُمْ , تَفْتَرُونَ عَلَيْهِ بِمَا تَفْتَرُونَ .|وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ|وَقَوْله : { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا مِنْ شَيْء مِنْ خَلْقه إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ , كَمَا : 16849 - حَدَّثَنِي بِهِ نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَعْلَى , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا أُخْبِركُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوح اِبْنه ؟ إِنَّ نُوحًا قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيّ آمُرك أَنْ تَقُول سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاة الْخَلْق , وَتَسْبِيح الْخَلْق , وَبِهَا تُرْزَق الْخَلْق , قَالَ اللَّه { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } . )16850 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : (لَا يَعِيبَن أَحَدكُمْ دَابَّته وَلَا ثَوْبه , فَإِنَّ كُلّ شَيْء يُسَبِّح بِحَمْدِهِ . )16851 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة ( { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } قَالَ : الشَّجَرَة تُسَبِّح , وَالْأُسْطُوَانَة تُسَبِّح . )16852 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح وَزَيْد بْن حُبَاب , قَالَا : ثنا جَرِير أَبُو الْخَطَّاب , قَالَ : (كُنَّا مَعَ يَزِيد الرُّقَاشِيّ وَمَعَهُ الْحَسَن فِي طَعَام , فَقَدِمُوا الْخُوَان , فَقَالَ يَزِيد الرُّقَاشِيّ : يَا أَبَا سَعِيد يُسَبِّح هَذَا الْخُوَان : فَقَالَ : كَانَ يُسَبِّح مَرَّة . )16853 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , وَيُونُس , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } قَالَا : كُلّ شَيْء فِيهِ الرُّوح . )16854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْكَبِير بْن عَبْد الْمَجِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (الطَّعَام يُسَبِّح . )16855 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } قَالَ : كُلّ شَيْء فِيهِ الرُّوح يُسَبِّح , مِنْ شَجَر أَوْ شَيْء فِيهِ الرُّوح . )16856 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , (أَنَّ الرَّجُل إِذَا قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَهِيَ كَلِمَة الْإِخْلَاص الَّتِي لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ أَحَد عَمَلًا حَتَّى يَقُولهَا , فَإِذَا قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ , فَهِيَ كَلِمَة الشُّكْر الَّتِي لَمْ يَشْكُر اللَّه عَبْد قَطُّ حَتَّى يَقُولهَا : فَإِذَا قَالَ اللَّه أَكْبَر , فَهِيَ تَمْلَأ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , فَإِذَا قَالَ سُبْحَان اللَّه , فَهِيَ صَلَاة الْخَلَائِق الَّتِي لَمْ يَدْعُ اللَّه أَحَد مِنْ خَلْقه إِلَّا نَوَّرَهُ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيح , فَإِذَا قَالَ لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ , قَالَ : أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ .)|وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا|وَقَوْله : { وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيح مَا عَدَا تَسْبِيح مَنْ كَانَ يُسَبِّح بِمِثْلِ أَلْسِنَتكُمْ { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه كَانَ حَلِيمًا لَا يَعْجَل عَلَى خَلْقه , الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَمْره , وَيَكْفُرُونَ بِهِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ جَلَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد بِالْعُقُوبَةِ . { غَفُورًا } يَقُول : سَاتِرًا ذُنُوبهمْ , إِذَا هُمْ تَابُوا مِنْهَا بِالْعَفْوِ مِنْهُ لَهُمْ , كَمَا : 16857 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا } عَنْ خَلْقه , فَلَا يَعْجَل كَعَجَلَةِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض { غَفُورًا } إِذَا تَابُوا .)

وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنك وَبَيْن الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قَرَأْت يَا مُحَمَّد الْقُرْآن عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ , وَلَا يُقِرُّونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب , جَعَلْنَا بَيْنك وَبَيْنهمْ حِجَابًا , يَحْجُب قُلُوبهمْ عَنْ أَنْ يَفْهَمُوا مَا تُقِرُّوهُ عَلَيْهِمْ , فَيَنْتَفِعُوا بِهِ , عُقُوبَة مِنَّا لَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ . وَالْحِجَاب هَهُنَا : هُوَ السَّاتِر , كَمَا : 16858 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنك وَبَيْن الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } الْحِجَاب الْمَسْتُور أَكِنَّة عَلَى قُلُوبهمْ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَأَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ , أَطَاعُوا الشَّيْطَان فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { حِجَابًا مَسْتُورًا } قَالَ : هِيَ الْأَكِنَّة . )16859 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنك وَبَيْن الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } قَالَ : قَالَ أُبَيّ : لَا يَفْقَهُونَهُ , وَقَرَأَ { قُلُوبهمْ فِي أَكِنَّة وَفِي آذَانهمْ وَقْر } لَا يَخْلُص ذَلِكَ إِلَيْهِمْ . )وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى قَوْله { حِجَابًا مَسْتُورًا } حِجَابًا سَاتِرًا , وَلَكِنَّهُ أُخْرِجَ وَهُوَ فَاعِل فِي لَفْظ الْمَفْعُول , كَمَا يُقَال : إِنَّك مَشْئُوم عَلَيْنَا وَمَيْمُون , وَإِنَّمَا هُوَ شَائِم وَيَامِن , لِأَنَّهُ مِنْ شَأْمهمْ وَيُمْنهمْ . قَالَ : وَالْحِجَاب هَهُنَا : هُوَ السَّاتِر . وَقَالَ : مَسْتُورًا . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : حِجَابًا مَسْتُورًا عَنْ الْعِبَاد فَلَا يَرَوْنَهُ . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَظْهَر بِمَعْنَى الْكَلَام أَنْ يَكُون الْمَسْتُور هُوَ الْحِجَاب , فَيَكُون مَعْنَاهُ : أَنَّ لِلَّهِ سِتْرًا عَنْ أَبْصَار النَّاس فَلَا تُدْرِكهُ أَبْصَارهمْ , وَإِنْ كَانَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّل وَجْه مَفْهُوم .

وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْت رَبّك فِي الْقُرْآن وَحْده وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عِنْد قِرَاءَتك عَلَيْهِمْ الْقُرْآن أَكِنَّة ; وَهِيَ جَمْع كِنَان , وَذَلِكَ مَا يَتَغَشَّاهَا مِنْ خِذْلَان اللَّه إِيَّاهُمْ عَنْ فَهْم مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ { وَفِي آذَانهنَّ وَقْرًا } يَقُول : وَجَعَلْنَا فِي آذَانهمْ وَقْرًا عَنْ سَمَاعه , وَصَمَمًا . وَالْوَقْر بِالْفَتْحِ فِي الْأُذُن : الثِّقَل . وَالْوِقْر بِالْكَسْرِ : الْحِمْل . وَقَوْله : { وَإِذَا ذَكَرْت رَبّك فِي الْقُرْآن وَحْده } يَقُول : وَإِذَا قُلْت : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فِي الْقُرْآن وَأَنْتَ تَتْلُوهُ { وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا } يَقُول : اِنْفَضُّوا , فَذَهَبُوا عَنْك نُفُورًا مِنْ قَوْلك اِسْتِكْبَارًا لَهُ وَاسْتِعْظَامًا مِنْ أَنْ يُوَحِّد اللَّه تَعَالَى . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16860 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا ذَكَرْت رَبّك فِي الْقُرْآن وَحْده وَلَّوْا } وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , أَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ , فَصَافَّهَا إِبْلِيس وَجُنُوده , فَأَبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُمْضِيهَا وَيَنْصُرهَا وَيَفْلُجهَا وَيُظْهِرهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا , إِنَّهَا كَلِمَة مَنْ خَاصَمَ بِهَا فَلَجَ , وَمَنْ قَاتَلَ بِهَا نُصِرَ , إِنَّمَا يَعْرِفهَا أَهْل هَذِهِ الْجَزِيرَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , الَّتِي يَقْطَعهَا الرَّاكِب فِي لَيَالٍ قَلَائِل وَيَسِير الدَّهْر فِي فِئَام مِنْ النَّاس لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا . )16861 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا ذَكَرْت رَبّك فِي الْقُرْآن وَحْده وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا } قَالَ : بُغْضًا لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ , كَمَا كَانَ قَوْم نُوح يَجْعَلُونَ أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا يَأْمُرهُمْ بِهِ مِنْ الِاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة , وَيَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ , قَالَ : يَلْتَفُّونَ بِثِيَابِهِمْ , وَيَجْعَلُونَ أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا وَلَا يُنْظَر إِلَيْهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ { وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا } الشَّيَاطِين , وَإِنَّهَا تَهْرُب مِنْ قِرَاءَة الْقُرْآن , وَذِكْر اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16862 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الذَّارِع , قَالَ : ثنا رَوْح بْن الْمُسَيَّب أَبُو رَجَاء الْكَلْبِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا ذَكَرْت رَبّك فِي الْقُرْآن وَحْده وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارهمْ نُفُورًا } هُمْ الشَّيَاطِين . )وَالْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَشْبَهَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْله { وَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنك وَبَيْن الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } فَأَنْ يَكُون ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى إِذْ كَانَ بِخَبَرِهِمْ مُتَّصِلًا مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَمَّنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذِكْر . وَأَمَّا النُّفُور , فَإِنَّهَا جَمْع نَافِر , كَمَا الْقُعُود جَمْع قَاعِد , وَالْجُلُوس جَمْع جَالِس ; وَجَائِز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا أُخْرِجَ مِنْ غَيْر لَفْظه , إِذْ كَانَ قَوْله { وَلَّوْا } بِمَعْنَى : نَفَرُوا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : نَفَرُوا نُفُورًا , كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : <br>وَرُضْت فَذَلَّتْ صَعْبَة أَيّ إِذْلَال <br>إِذَا كَانَ رُضْت بِمَعْنَى : أَذْلَلْت , فَأَخْرَجَ الْإِذْلَال مِنْ مَعْنَاهُ , لَا مِنْ لَفْظه .

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُول الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : نَحْنُ أَعْلَم يَا مُحَمَّد بِمَا يَسْتَمِع بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك , إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك وَأَنْتَ تَقْرَأ كِتَاب اللَّه { وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : النَّجْوَى : فِعْلهمْ , فَجَعَلَهُمْ هُمْ النَّجْوَى , كَمَا يَقُول : هُمْ قَوْم رِضَا , وَإِنَّمَا رِضَا : فِعْلهمْ . وَقَوْله { إِذْ يَقُول الظَّالِمُونَ إِذْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } يَقُول : حِين يَقُول الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مَا تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا . وَعَنَى فِيمَا ذُكِرَ بِالنَّجْوَى : الَّذِينَ تَشَاوَرُوا فِي أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار النَّدْوَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك } قَالَ : هِيَ مِثْل قِيل الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَمَنْ مَعَهُ فِي دَار النَّدْوَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 16864 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . قَوْله : ( { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُول الظَّالِمُونَ } . ... الْآيَة , وَنَجْوَاهُمْ أَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَجْنُون . وَأَنَّهُ سَاحِر , وَقَالُوا : { أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } )[16 24 ]وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَذْهَب بِقَوْلِهِ { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } إِلَى مَعْنَى : مَا تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ سَحْر : أَيْ لَهُ رَثَّة , وَالْعَرَب تُسَمِّي الرِّئَة سَحْرًا , وَالْمُسَحَّر مِنْ قَوْلهمْ لِلرَّجُلِ إِذَا جَبُنَ : قَدْ اِنْتَفَخَ سَحْره , وَكَذَلِكَ يُقَال لِكُلِّ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ آدَمِيّ وَغَيْره : مَسْحُور وَمُسَحَّر , كَمَا قَالَ لَبِيد : <br>فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا .......... عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر <br>وَقَالَ آخَرُونَ : <br>وَنُسْحَر بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ <br>أَيْ نُغَذَّى بِهِمَا . فَكَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْده كَانَ : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ رِئَة , يَأْكُل الطَّعَام , وَيَشْرَب الشَّرَاب , لَا مَلَكًا لَا حَاجَة بِهِ إِلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب , وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب .

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْف ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك فَاعْتَبِرْ كَيْف مَثَّلُوا لَك الْأَمْثَال , وَشَبَّهُوا لَك الْأَشْبَاه , بِقَوْلِهِمْ : هُوَ مَسْحُور , وَهُوَ شَاعِر , وَهُوَ مَجْنُون { فَضَلُّوا } يَقُول : فَجَارُوا عَنْ قَصْد السَّبِيل بِقِيلِهِمْ مَا قَالُوا { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } يَقُول : فَلَا يَهْتَدُونَ لِطَرِيقِ الْحَقّ لِضَلَالِهِمْ عَنْهُ وَبُعْدهمْ مِنْهُ , وَأَنَّ اللَّه قَدْ خَذَلَهُمْ عَنْ إِصَابَته , فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْمَخْرَج مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ كُفْرهمْ بِتَوَفُّقِهِمْ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , كَمَا : 16865 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } قَالَ : مَخْرَجًا , الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَصْحَابه أَيْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { اُنْظُرْ كَيْف ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } مَخْرَجًا ; الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَأَصْحَابه .)

وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , وَقَالُوا بِعَنَتِهِمْ : { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا } لَمْ نَتَحَطَّم وَلَمْ نَتَكَسَّر بَعْد مَمَاتنَا وَبَلَانَا { وَرُفَاتًا } يَعْنِي تُرَابًا فِي قُبُورنَا , كَمَا : 16866 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , (يَقُول اللَّه : { رُفَاتًا } قَالَ : تُرَابًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16867 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا } يَقُول : غُبَارًا , و لَا وَاحِد لِلرُّفَاتِ , وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدُّقَاق وَالْحُطَام , يُقَال مِنْهُ : رُفِتَ يُرْفَت رَفْتًا فَهُوَ مَرْفُوت : إِذَا صُيِّرَ كَالْحُطَامِ وَالرُّضَاض .)|أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا|وَقَوْله : { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } قَالُوا , إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِلْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت : إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بَعْد مَصِيرنَا فِي الْقُبُور عِظَامًا غَيْر مُنْحَطِمَة , وَرُفَاتًا مُنْحَطِمَة , وَقَدْ بَلِينَا فَصِرْنَا فِيهَا تُرَابًا , خَلْقًا مُنْشَأ كَمَا كُنَّا قَبْل الْمَمَات جَدِيدًا , نُعَاد كَمَا بُدِئْنَا ؟ ! فَأَجَابَهُمْ جَلَّ جَلَاله يُعَرِّفهُمْ قُدْرَته عَلَى بَعْثه إِيَّاهُمْ بَعْد مَمَاتهمْ , وَإِنْشَائِهِ لَهُمْ كَمَا كَانُوا قَبْل بِلَاهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا , عَلَى أَيّ حَال كَانُوا مِنْ الْأَحْوَال , عِظَامًا أَوْ رُفَاتًا , أَوْ حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُم عِنْدهمْ أَنْ يُحْدِث مِثْله خَلْقًا أَمْثَالهمْ أَحْيَاء , قُلْ يَا مُحَمَّد : كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا , أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ .

قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات مِنْ قَوْمك الْقَائِلِينَ { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } : كُونُوا إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ إِنْشَاء اللَّه إِيَّاكُمْ , وَإِعَادَته أَجْسَامكُمْ , خَلْقًا جَدِيدًا بَعْد بِلَاكُمْ فِي التُّرَاب , وَمَصِيركُمْ رُفَاتًا , وَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَته حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا .

أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا

أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَإِنِّي أُحْيِيكُمْ وَأَبْعَثكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْد مَصِيركُمْ كَذَلِكَ كَمَا بَدَأْتُكُمْ أَوَّل مَرَّة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ الْمَوْت , وَأُرِيدَ بِهِ : أَوْ كُونُوا الْمَوْت , فَإِنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمُوهُ أَمَتُّكُمْ ثُمَّ بَعَثْتُكُمْ بَعْد ذَلِكَ يَوْم الْبَعْث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16868 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } قَالَ : الْمَوْت , قَالَ : لَوْ كُنْتُمْ مَوْتَى لَأَحْيَيْتُكُمْ . )16869 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } يَعْنِي الْمَوْت . يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ الْمَوْت أَحْيَيْتُكُمْ . )16870 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مَالِك الْجَنْبِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } قَالَ : الْمَوْت . )16871 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } قَالَ : الْمَوْت . )16872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } كُونُوا الْمَوْت إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ , فَإِنَّ الْمَوْت سَيَمُوتُ ; قَالَ : وَلَيْسَ شَيْء أَكْبَر فِي نَفْس اِبْن آدَم مِنْ الْمَوْت . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (بَلَغَنِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : هُوَ الْمَوْت . )16873 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( يُجَاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح حَتَّى يُجْعَل بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , فَيُنَادِي مُنَادٍ يُسْمِع أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار , فَيَقُول : هَذَا الْمَوْت قَدْ جِئْنَا بِهِ وَنَحْنُ مُهْلِكُوهُ , فَأَيْقِنُوا يَا أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار أَنَّ الْمَوْت قَدْ هَلَكَ . )16874 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُورهمْ } يَعْنِي الْمَوْت , يَقُول : لَوْ كُنْتُمْ الْمَوْت لَأَمَتُّكُمْ . )وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص يَقُول : إِنَّ اللَّه يَجِيء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة , وَقَدْ صَارَ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار إِلَى مَنَازِلهمْ , كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح , فَيَقِف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , فَيُنَادِي أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار هَذَا الْمَوْت , وَنَحْنُ ذَابِحُوهُ , فَأَيْقِنُوا بِالْخُلُودِ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16875 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُورهمْ } قَالَ : السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُرِيدَ بِذَلِكَ : كُونُوا مَا شِئْتُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16876 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } قَالَ : مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا , فَسَيُعِيدُكُمْ اللَّه كَمَا كُنْتُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16877 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قُلْ كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُورهمْ } قَالَ : مِنْ خَلْق اللَّه , فَإِنَّ اللَّه يُمِيتكُمْ ثُمَّ يَبْعَثكُمْ يَوْم الْقِيَامَة خَلْقًا جَدِيدًا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ } , وَجَائِز أَنْ يَكُون عَنَى بِهِ الْمَوْت , لِأَنَّهُ عَظِيم فِي صُدُور بَنِي آدَم ; وَجَائِز أَنْ يَكُون أَرَادَ بِهِ السَّمَاء وَالْأَرْض ; وَجَائِز أَنْ يَكُون أَرَادَ بِهِ غَيْر ذَلِكَ , وَلَا بَيَان فِي ذَلِكَ أَبْيَن مِمَّا بَيْن جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَهُوَ كُلّ مَا كَبُرَ فِي صُدُور بَنِي آدَم مِنْ خَلْقه , لِأَنَّهُ لَمْ يَخْصُصْ مِنْهُ شَيْئًا دُون شَيْء .|فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدنَا } فَإِنَّهُ يَقُول : فَسَيَقُولُ لَك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ { مَنْ يُعِيدنَا } خَلْقًا جَدِيدًا , إِنْ كُنَّا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُورنَا , فَقُلْ لَهُمْ : يُعِيدكُمْ { الَّذِي فَطَرَكُنَّ أَوَّل مَرَّة } يَقُول : يُعِيدكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْل أَنْ تَصِيرُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا إِنْسًا أَحْيَاء , الَّذِي خَلَقَكُمْ إِنْسًا مِنْ غَيْر شَيْء أَوَّل مَرَّة , كَمَا : 16878 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّل مَرَّة } أَيْ خَلَقَكُمْ { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهنَّ } يَقُول : فَإِنَّك إِذَا قُلْت لَهُمْ ذَلِكَ , فَسَيَهُزُّونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ بِرَفْعٍ وَخَفْض )وَكَذَلِكَ النَّغْض فِي كَلَام الْعَرَب , إِنَّمَا هُوَ حَرَكَة بِارْتِفَاعٍ ثُمَّ اِنْخِفَاض , أَوْ اِنْخِفَاض ثُمَّ اِرْتِفَاع , وَلِذُلِّك سُمِّيَ الظَّلِيم نَغْضًا , لِأَنَّهُ إِذَا عَجَّلَ الْمَشْي اِرْتَفَعَ وَانْخَفَضَ , وَحَرَّكَ رَأْسه , كَمَا قَالَ الشَّاعِر . <br>أَسُكّ نَغْضًا لَا يَنِي مُسْتَهْدِجًا <br>وَيُقَال : نَغَضَتْ سِنّه : إِذَا تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>وَنَغَضَتْ مِنْ هَرَم أَسْنَانهَا <br>وَقَوْل الْآخَر : <br>لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِي الرَّأْسَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16879 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ } أَيْ يُحَرِّكُونَ رُءُوسهمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ } قَالَ : يُحَرِّكُونَ رُءُوسهمْ . )16880 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ } يَقُول : سَيُحَرِّكُونَهَا إِلَيْك اِسْتِهْزَاء . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ } قَالَ : يُحَرِّكُونَ رُءُوسهمْ يَسْتَهْزِئُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْك رُءُوسهمْ } يَقُول : يَهْزَءُونَ .)|وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا|وَقَوْله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَقُولُونَ مَتَى الْبَعْث , وَفِي أَيّ حَال وَوَقْت يُعِيدنَا خَلْقًا جَدِيدًا , كَمَا كُنَّا أَوَّل مَرَّة ؟ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد إِذْ قَالُوا لَك : مَتَى هُوَ , مَتَى هَذَا الْبَعْث الَّذِي تَعِدنَا ؟ : عَسَى أَنْ يَكُون قَرِيبًا ! وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : هُوَ قَرِيب , لِأَنَّ عَسَى مِنْ اللَّه وَاجِب , وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ , وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى | )لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَرِيب مُجِيب .

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ عَسَى أَنْ يَكُون بَعْثكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ قَرِيبًا , ذَلِكَ يَوْم يَدْعُوكُمْ رَبّكُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ قُبُوركُمْ إِلَى مَوْقِف الْقِيَامَة , فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : فَتَسْتَجِيبُونَ بِأَمْرِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16881 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنْي عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } يَقُول : بِأَمْرِهِ . )16882 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } قَالَ : بِأَمْرِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَتَسْتَجِيبُونَ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16883 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَوْم يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } : أَيْ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَته . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ : فَتَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ مِنْ قُبُوركُمْ بِقُدْرَتِهِ , وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ . وَلِلَّهِ الْحَمْد فِي كُلّ حَال , كَمَا يَقُول الْقَائِل : فَعَلْت ذَلِكَ الْفِعْل بِحَمْدِ اللَّه , يَعْنِي : لِلَّهِ الْحَمْد عَنْ كُلّ مَا فَعَلْته , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّه لَا ثَوْب فَاجِر .......... لَبِسْت وَلَا مِنْ غُدْرَة أَتَقَنَّع <br>بِمَعْنَى : فَإِنِّي وَالْحَمْد لِلَّهِ لَا ثَوْب فَاجِر لَبِسْت .|وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا|وَقَوْله : { وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : وَتَحْسَبُونَ عِنْد مُوَافَاتكُمْ الْقِيَامَة مِنْ هَوْل مَا تُعَايِنُونَ فِيهَا مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض إِلَّا قَلِيلًا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16884 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا } : أَيْ فِي الدُّنْيَا , تَحَاقَرَتْ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسهمْ وَقُلْت , حِين عَايَنُوا يَوْم الْقِيَامَة .)

وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا

وَقَوْله : { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد لِعِبَادِي يَقُلْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ أَحْسَن مِنْ الْمُجَاوَرَة وَالْمُخَاطَبَة . كَمَا : 16885 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : ثنا النَّضْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة ( { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن } قَالَ : الَّتِي هِيَ أَحْسَن , لَا يَقُول لَهُ مِثْل قَوْله يَقُول لَهُ : يَرْحَمك اللَّه يَغْفِر اللَّه لَك .)|إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا|وَقَوْله : { إِنَّ الشَّيْطَان يَنْزَع بَيْنهمْ } يَقُول : إِنَّ الشَّيْطَان يَسُوء مُحَاوَرَة بَعْضهمْ بَعْضًا يَنْزَغ بَيْنهمْ , يَقُول : يُفْسِد بَيْنهمْ , يُهَيِّج بَيْنهمْ الشَّرّ { إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } يَقُول : إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِآدَم وَذُرِّيَّته عَدُوًّا , قَدْ أَبَانَ لَهُمْ عَدَاوَته بِمَا أَظْهَر لِآدَم مِنْ الْحَسَد , وَغُرُوره إِيَّاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة .

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّكُمْ أَعْلَم بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش الَّذِينَ قَالُوا { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } : { رَبّكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { أَعْلَم بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمكُمْ } فَيَتُوب عَلَيْكُمْ بِرَحْمَتِهِ , حَتَّى تُنِيبُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخَر { وَإِنْ يَشَأْ يُعَذِّبكُمْ } بِأَنْ يَخْذُلكُمْ عَنْ الْإِيمَان , فَتَمُوتُوا عَلَى شِرْككُمْ , فَيُعَذِّبكُمْ يَوْم الْقِيَامَة بِكُفْرِكُمْ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16886 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن جُرَيْج قَوْله : ( { رَبّكُمْ أَعْلَم بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمكُمْ } قَالَ : فَتُؤْمِنُوا { أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبكُمْ } فَتَمُوتُوا عَلَى الشِّرْك كَمَا أَنْتُمْ .)|وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا|وَقَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِ لِتَدْعُوَهُ إِلَى طَاعَتنَا رَبًّا وَلَا رَقِيبًا , إِنَّمَا أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ لِتُبَلِّغهُمْ رِسَالَاتنَا , وَبِأَيْدِينَا صَرْفهمْ وَتَدْبِيرهمْ , فَإِنْ شِئْنَا رَحِمْنَاهُمْ , وَإِنْ شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ .

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَبّك أَعْلَم بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَرَبّك يَا مُحَمَّد أَعْلَم بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا يُصْلِحهُمْ فَإِنَّهُ هُوَ خَالِقهمْ وَرَازِقهمْ وَمُدَبِّرهمْ , وَهُوَ أَعْلَم بِمَنْ هُوَ أَهْل لِلتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَة , وَمَنْ هُوَ أَهْل لِلْعَذَابِ , أُهْدِي لِلْحَقِّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الرَّحْمَة وَالسَّعَادَة , وَأُضِلّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الشَّقَاء وَالْخِذْلَان , يَقُول : فَلَا يَكْبُرَن ذَلِكَ عَلَيْك , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي بِهِمْ لِتَفْضِيلِي بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض , بِإِرْسَالِ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْخَلْق , وَبَعْضهمْ إِلَى الْجَمِيع , وَرَفْعِي بَعْضهمْ عَلَى بَعْض دَرَجَات . كَمَا : 16887 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَرَبّك أَعْلَم بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض } اِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا , وَكَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا , وَجَعَلَ اللَّه عِيسَى كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب , ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون , وَهُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , مِنْ كَلِمَة اللَّه وَرُوحه , وَآتَى سُلَيْمَان مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , وَآتَى دَاوُدَ زَبُورًا , كُنَّا نُحَدِّث دُعَاء عَلَّمَهُ دَاوُد , تَحْمِيد وَتَمْجِيد , لَيْسَ فِيهِ حَلَال وَلَا حَرَام , وَلَا فَرَائِض وَلَا حُدُود , وَغَفَرَ لِمُحَمَّدٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ . )16888 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض } قَالَ : كَلَّمَ اللَّه مُوسَى , وَأَرْسَلَ مُحَمَّدًا إِلَى النَّاس كَافَّة .)

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونه فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْف الضُّرّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ خَلْقه : اُدْعُوا أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَرْبَاب وَآلِهَة مِنْ دُونه عِنْد ضُرّ يَنْزِل بِكُمْ , فَانْظُرُوا هَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْع ذَلِكَ عَنْكُمْ , أَوْ تَحْوِيله عَنْكُمْ إِلَى غَيْركُمْ , فَتَدْعُوهُمْ آلِهَة , فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ , وَلَا يَمْلِكُونَهُ , وَإِنَّمَا يَمْلِكهُ وَيَقْدِر عَلَيْهِ خَالِقكُمْ وَخَالِقهمْ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لَهُمْ هَذَا الْقَوْل , كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة وَعُزَيْرًا وَالْمَسِيح , وَبَعْضهمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16889 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قُلْ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونه فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْف الضُّرّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } قَالَ : كَانَ أَهْل الشِّرْك يَقُولُونَ : نَعْبُد الْمَلَائِكَة وَعُزَيْرًا , وَهُمْ الَّذِينَ يَدْعُونَ , يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح وَعُزَيْرًا .)

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة أَيّهمْ أَقْرَب وَيَرْجُونَ رَحْمَته وَيَخَافُونَ عَذَابه إِنَّ عَذَاب رَبّك كَانَ مَحْذُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَرْبَابًا { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } يَقُول : يَبْتَغِي الْمَدْعُوُّونَ أَرْبَابًا إِلَى رَبّهمْ الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة , لِأَنَّهُمْ أَهْل إِيمَان بِهِ , وَالْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه { أَيّهمْ أَقْرَب } أَيّهمْ بِصَالِحِ عَمَله وَاجْتِهَاده فِي عِبَادَته أَقْرَب عِنْده زُلْفَة { وَيَرْجُونَ } بِأَفْعَالِهِمْ تِلْكَ { رَحْمَته وَيَخَافُونَ } بِخِلَافِهِمْ أَمْره { عَذَابه إِنَّ عَذَاب رَبّك } يَا مُحَمَّد { كَانَ مَحْذُورًا } مُتَّقًى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمَدْعُوِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ نَفَر مِنْ الْجِنّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16890 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْإِنْس يَعْبُدُونَ قَوْمًا مِنْ الْجِنّ , فَأَسْلَمَ الْجِنّ وَبَقِيَ الْإِنْس عَلَى كُفْرهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } يَعْنِي الْجِنّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي مَعْمَر , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة أَيّهمْ أَقْرَب } قَالَ : قَبِيل مِنْ الْجِنّ كَانُوا يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا . )* - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , عَنْ قَتَادَة , عَنْ مَعْبَد بْن عَبْد اللَّه الزَّمَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , (عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : نَزَلَتْ فِي نَفَر مِنْ الْعَرَب كَانُو يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ , وَالْإِنْس الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ , فَأُنْزِلَتْ { الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة أَيّهمْ أَقْرَب } )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , عَنْ حَدِيث عَمّه عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي نَفَر مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالنَّفَر مِنْ الْعَرَب لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ . )16891 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَوْم عَبَدُوا الْجِنّ , فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنّ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي مَعْمَر , عَنْ عَبْد اللَّه ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : كَانَ نَفَر مِنْ الْإِنْس يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , فَأَسْلَمَ النَّفَر مِنْ الْجِنّ , وَاسْتَمْسَكَ الْإِنْس بِعِبَادَتِهِمْ , فَقَالَ { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي مَعْمَر , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه : كَانَ نَاس يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنِّيُّونَ , وَثَبَتَتْ الْإِنْس عَلَى عِبَادَتهمْ , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } )16892 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة أَيّهمْ أَقْرَب } قَالَ كَانَ أُنَاس مِنْ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ ; فَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمُوا جَمِيعًا , فَكَانُوا يَبْتَغُونَ أَيّهمْ أَقْرَب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ الْمَلَائِكَة . 16893 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن السَّكَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَوَّام , قَالَ : أَخْبَرَنَا قَتَادَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد الزَّمَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (كَانَ قَبَائِل مِنْ الْعَرَب يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , وَيَقُولُونَ : هُمْ بَنَات اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } مَعْشَر الْعَرَب { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } )16894 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : الَّذِينَ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَة تَبْتَغِي إِلَى رَبّهَا الْوَسِيلَة { أَيّهمْ أَقْرَب وَيَرْجُونَ رَحْمَته } حَتَّى بَلَغَ { إِنَّ عَذَاب رَبّك كَانَ مَحْذُورًا } قَالَ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ عُزَيْر وَعِيسَى , وَأُمّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16895 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن السَّكَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : عِيسَى وَأُمّه وَعُزَيْر . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَأُمّه وَعُزَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } )16896 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16897 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي قَوْله : ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } قَالَ : هُوَ عُزَيْر وَالْمَسِيح وَالشَّمْس وَالْقَمَر . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود الَّذِي رُوِّينَاهُ , عَنْ أَبِي مَعْمَر عَنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ الْمُشْرِكُونَ آلِهَة أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَمَعْلُوم أَنَّ عُزَيْرًا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيَبْتَغِي إِلَى رَبّه الْوَسِيلَة وَأَنَّ عِيسَى قَدْ كَانَ رُفِعَ , وَإِنَّمَا يَبْتَغِي إِلَى رَبّه الْوَسِيلَة مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَيَتَقَرَّب إِلَيْهِ بِالصَّالِحِ مِنْ الْأَعْمَال . فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى الْعَمَل , فَبِمَ يَبْتَغِي إِلَى رَبّه الْوَسِيلَة . فَإِذْ كَانَ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْل , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْل مَنْ قَالَ مَا اِخْتَرْنَا فِيهِ مِنْ التَّأْوِيل , أَوْ قَوْل مَنْ قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة , وَهُمَا قَوْلَانِ يَحْتَمِلهُمَا ظَاهِر التَّنْزِيل . وَأَمَّا الْوَسِيلَة , فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16898 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (الْوَسِيلَة : الْقُرْبَة . )16899 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : (الْوَسِيلَة , قَالَ : الْقُرْبَة وَالزُّلْفَى .)

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ قَرْيَة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا مِنْ قَرْيَة مِنْ الْقُرَى إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُو أَهْلهَا بِالْفِنَاءِ , فَمُبِيدُوهُمْ اِسْتِئْصَالًا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة , أَوْ مُعَذِّبُوهَا , إِمَّا بِبَلَاءِ مَنْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْعَذَاب عَذَابًا شَدِيدًا . كَمَا : 16900 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَإِنْ مِنْ قَرْيَة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة } فَمُبِيدُوهَا { أَوْ مُعَذِّبُوهَا } بِالْقَتْلِ وَالْبَلَاء , قَالَ : كُلّ قَرْيَة فِي الْأَرْض سَيُصِيبُهَا بَعْض هَذَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (سَيُصِيبُهَا هَذَا أَوْ بَعْضه . )16901 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْ قَرْيَة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة أَوْ مُعَذِّبُوهَا } قَضَاء مِنْ اللَّه كَمَا تَسْمَعُونَ لَيْسَ مِنْهُ بُدّ , إِمَّا أَنْ يُهْلِكهَا بِمَوْتٍ وَإِمَّا أَنْ يُهْلِكهَا بِعَذَابٍ مُسْتَأْصِل إِذَا تَرَكُوا أَمْره , وَكَذَّبُوا رُسُله . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَإِنْ مِنْ قَرْيَة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا } قَالَ : مُبِيدُوهَا . )16902 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنْي الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي أَهْل قَرْيَة أَذِنَ اللَّه فِي هَلَاكهَا .)|كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا|وَقَوْله : { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا } يَعْنِي فِي الْكِتَاب الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كُلّ مَا هُوَ كَائِن , وَذَلِكَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . كَمَا : 16903 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب مَسْطُورًا } قَالَ : فِي أُمّ الْكِتَاب , وَقَرَأَ { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } [8 68 ]وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { مَسْطُورًا } مَكْتُوبًا مُبَيَّنًا . )وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَاج : <br>وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَا الْجَلَال قَدْ قَدَرْ .......... فِي الْكُتُب الْأُولَى الَّتِي كَانَ سَطَرْ <br><br>أَمْرك هَذَا فَاحْتَفِظْ فِيهِ النَّهَرْ<br>

وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا مَنَعَنَا يَا مُحَمَّد أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ الَّتِي سَأَلَهَا قَوْمك , إِلَّا أَنْ كَانَ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة , سَأَلُوا ذَلِكَ مِثْل سُؤَالهمْ ; فَلَمَّا آتَاهُمْ مَأْ سَأَلُوا مِنْهُ كَذَّبُوا رُسُلهمْ , فَلَمْ يُصَدِّقُوا مَعَ مَجِيء الْآيَات , فَعُوجِلُوا فَلَمْ نُرْسِل إِلَى قَوْمك بِالْآيَاتِ , لِأَنَّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِهَا إِلَيْهَا , فَكَذَّبُوا بِهَا , سَلَكْنَا فِي تَعْجِيل الْعَذَاب لَهُمْ مَسْلَك الْأُمَم قَبْلهَا . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16904 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (سَأَلَ أَهْل مَكَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا , وَأَنْ يُنَحِّي عَنْهُمْ الْجِبَال , فَيَزْرَعُوا , فَقِيلَ لَهُ : إِنْ شِئْت أَنْ نَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّنَا نَجَتْنِي مِنْهُمْ , وَإِنْ شِئْت أَنْ نُؤْتِيهِمْ الَّذِي سَأَلُوا , فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلهمْ , قَالَ : | بَلْ تَسْتَأْتِي بِهِمْ | , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة مُبْصِرَة } )16905 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن وَهْب , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا مَسْعُود بْن عَبَّاد , عَنْ مَالِك بْن دِينَار , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ( { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } قَالَ : رَحْمَة لَكُمْ أَيَّتهَا الْأُمَّة , إِنَّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِالْآيَاتِ فَكَذَّبْتُمْ بِهَا , أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلكُمْ . )16906 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد إِنَّك تَزْعُم أَنَّهُ كَانَ قَبْلك أَنْبِيَاء , فَمِنْهُمْ مَنْ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيح , وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى , فَإِنْ سَرَّك أَنْ نُؤْمِن بِك وَنُصَدِّقك , فَادْعُ رَبّك أَنْ يَكُون لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنِّي قَدْ سَمِعْت الَّذِي قَالُوا , فَإِنْ شِئْت أَنْ نَفْعَل الَّذِي قَالُوا , فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَاب , فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْد نُزُول الْآيَة مُنَاظَرَة , وَإِنْ شِئْت أَنْ تَسْتَأْنِي قَوْمك اِسْتَأْنَيْت بِهَا , قَالَ : | يَا رَبّ أَسْتَأْنِي . )16907 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } قَالَ : قَالَ أَهْل مَكَّة لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ مَا تَقُول حَقًّا , وَيَسُرّك أَنْ نُؤْمِن , فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا , فَأَتَاهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : إِنْ شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك , وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنَاظَرُوا , وَإِنْ شِئْت اِسْتَأْنَيْت بِقَوْمِك , قَالَ : | بَلْ أَسْتَأْنِي بِقَوْمِي | فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة مُبْصِرَة فَظَلَمُوا بِهَا } وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } )[21 6 ]16908 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , (أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يُحَوِّل الصَّفَا ذَهَبًا , قَالَ اللَّه : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : لَمْ يَأْتِ قَرْيَة بِآيَةٍ فَيُكَذِّبُوا بِهَا إِلَّا عُذِّبُوا , فَلَوْ جَعَلْت لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا عُذِّبُوا . )و | أَنْ | الْأُولَى الَّتِي مَعَ مَنَعَنَا , فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ مَنَعَنَا عَلَيْهَا , وَأَنْ الثَّانِيَة رَفْع , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا مَنَعَنَا إِرْسَال الْآيَات إِلَّا تَكْذِيب الْأَوَّلِينَ مِنْ الْأُمَم , فَالْفِعْل لِأَنْ الثَّانِيَة .|وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة مُبْصِرَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَدْ سَأَلَ الْآيَات يَا مُحَمَّد مِنْ قَبْل قَوْمك ثَمُود , فَآتَيْنَاهَا مَا سَأَلْت , وَحَمَلْنَا تِلْكَ الْآيَة نَاقَة مُبْصِرَة . جَعَلَ الْإِبْصَار لِلنَّاقَةِ , كَمَا تَقُول لِلشَّجَّةِ : مُوضِحَة , وَهَذِهِ حُجَّة مُبَيِّنَة . وَإِنَّمَا عَنَى بِالْمُبْصِرَةِ : الْمُضِيئَة الْبَيِّنَة الَّتِي مَنْ يَرَاهَا كَانُوا أَهْل بَصَر بِهَا , أَنَّهَا لِلَّهِ حُجَّة , كَمَا قِيلَ : { وَالنَّهَار مُبْصِرًا } [10 67 ]كَمَا : 16909 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة مُبْصِرَة } : أَيْ بَيِّنَة . )16910 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ ذِكْره ( { النَّاقَة مُبْصِرَة } قَالَ : آيَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|فَظَلَمُوا بِهَا|وَقَوْله : { فَظَلَمُوا بِهَا } يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : فَكَانَ بِهَا ظُلْمهمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهَا وَعَقَرُوهَا , فَكَانَ ظُلْمهمْ بِعَقْرِهَا وَقَتْلهَا . وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَكَفَرُوا بِهَا , وَلَا وَجْه لِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَقُول قَائِله أَرَادَ : فَكَفَرُوا بِاَللَّهِ بِقَتْلِهَا , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا .|وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَمَا نُرْسِل بِالْعِبَرِ وَالذِّكْر إِلَّا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ , كَمَا : 16911 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } وَإِنَّ اللَّه يُخَوِّف النَّاس بِمَا شَاءَ مِنْ آيَة لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ , أَوْ يَذَّكَّرُونَ , أَوْ يَرْجِعُونَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَة رَجَفَتْ عَلَى عَهْد اِبْن مَسْعُود , فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ رَبّكُمْ يَسْتَعْتِبكُمْ فَأَعْتِبُوهُ . )16912 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن ( { وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } قَالَ : الْمَوْت الذَّرِيع .)

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ } </subtitle>وَهَذَا حَضّ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى تَبْلِيغ رِسَالَته , وَإِعْلَام مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إِلَيْهِ الْقَوْل بِأَنَّهُ سَيَمْنَعُهُ مِنْ كُلّ مَنْ بَغَاهُ سُوءًا وَهَلَاكًا , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ قُدْرَة , فَهُمْ فِي قَبْضَته لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوج مِنْ مَشِيئَته , وَنَحْنُ مَانِعُوك مِنْهُمْ , فَلَا تَتَهَيَّب مِنْهُمْ أَحَدًا , وَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاك بِهِ مِنْ تَبْلِيغ رِسَالَتنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : أَحَاطَ بِالنَّاسِ , عَصَمَك مِنْ النَّاس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ الْحَسَن ( { وَإِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ } قَالَ : يَقُول : أَحَطْت لَك بِالْعَرَبِ أَنْ لَا يَقْتُلُوك , فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَل . )16914 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَحَاطَ بِالنَّاسِ } قَالَ : فَهُمْ فِي قَبْضَته . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَوْله ( { أَحَاطَ بِالنَّاسِ } قَالَ : مَنَعَك مِنْ النَّاس . قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة , مِثْله . )16916 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَإِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ } قَالَ : مَنَعَك مِنْ النَّاس . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِذْ قُلْنَا لَك إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ } أَيْ مَنَعَك مِنْ النَّاس حَتَّى تُبَلِّغ رِسَالَة رَبّك .)|وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ|وَقَوْله : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ رُؤْيَا عَيْن , وَهِيَ مَا رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16917 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : هِيَ رُؤْيَا عَيْن أُرِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ , وَلَيْسَتْ بِرُؤْيَا مَنَام . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , (عَنْ اِبْن عَبَّاس , سُئِلَ عَنْ قَوْله { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : هِيَ رُؤْيَا عَيْن رَآهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . 16918 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ فُرَات الْقَزَّاز , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَرَأَى مَا رَأَى فَكَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حِين أَخْبَرَهُمْ . )16919 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , قَوْله ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : أُسْرِيَ بِهِ عِشَاء إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَصَلَّى فِيهِ , وَأَرَاهُ اللَّه مَا أَرَاهُ مِنْ الْآيَات , ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّة , فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّد مَا شَأْنك , أَمْسَيْت فِيهِ , ثُمَّ أَصْبَحْت فِينَا تُخْبِرنَا أَنَّك أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس , فَعَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى اِرْتَدَّ بَعْضهمْ عَنْ الْإِسْلَام . )16920 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : قَالَ كُفَّار أَهْل مَكَّة : أَلَيْسَ مِنْ كَذِب اِبْن أَبِي كَبْشَة أَنَّهُ يَزْعُم أَنَّهُ سَارَ مَسِيرَة شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَة . )16921 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : مَسِيره إِلَى بَيْت الْمَقْدِس . )16922 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق فِي قَوْله ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : حِين أُسْرِيَ بِهِ . )16923 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ . )16924 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتَنًا لِلنَّاسِ } قَالَ : الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك فِي بَيْت الْمَقْدِس حِين أُسْرِيَ بِهِ , فَكَانَتْ تِلْكَ فِتْنَة الْكَافِر . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } يَقُول : اللَّه أَرَاهُ مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر فِي مَسِيره إِلَى بَيْت الْمَقْدِس . )ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا اِرْتَدُّوا بَعْد إِسْلَامهمْ حِين حَدَّثَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسِيرِهِ , أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَكَذَّبُوا لَهُ , وَعَجِبُوا مِنْهُ , وَقَالُوا : تُحَدِّثنَا أَنَّك سِرْت مَسِيرَة شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : هُوَ مَا أُرِيَ فِي بَيْت الْمَقْدِس لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ . )16925 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك } قَالَ : أَرَاهُ اللَّه مِنْ الْآيَات فِي طَرِيق بَيْت الْمَقْدِس حِين أُسْرِيَ بِهِ , نَزَلَتْ فَرِيضَة الصَّلَاة لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ قَبْل أَنْ يُهَاجِر بِسَنَةٍ وَتِسْع سِنِينَ مِنْ الْعَشْر الَّتِي مَكَثَهَا بِمَكَّة , ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَته , فَقَالَتْ قُرَيْش : تَعَشَّى فِينَا وَأَصْبَحَ فِينَا , ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ جَاءَ الشَّام فِي لَيْلَة ثُمَّ رَجَعَ , وَاَيْم اللَّه إِنَّ الْحَدَأَة لَتَجِيئهَا شَهْرَيْنِ : شَهْرًا مُقْبِلَة , وَشَهْرًا مُدْبِرَة . )16926 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله 32 { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : هَذَا حِين أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , اُفْتُتِنَ فِيهَا نَاس , فَقَالُوا : يَذْهَب إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَيَرْجِع فِي لَيْلَة ! وَقَالَ : | لَمَّا أَتَانِي جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبُرَاقِ لِيَحْمِلنِي عَلَيْهَا صِرْت بِأُذُنَيْهَا , وَانْقَبَضَ بَعْضهَا إِلَى بَعْض , فَنَظَرَ إِلَيْهَا جَبْرَائِيل , فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مِنْ عِنْده مَا رَكِبَك أَحَد مِنْ وَلَد آدَم خَيْر مِنْهُ | , قَالَ : | فَصَرَّتْ بِأُذُنَيْهَا وَارْفَضَّتْ عَرَقًا حَتَّى سَالَ مَا تَحْتهَا , وَكَانَ مُنْتَهَى خَطْوهَا عِنْد مُنْتَهَى طَرَفهَا | فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِذَلِكَ , قَالُوا : مَا كَانَ مُحَمَّد لِيَنْتَهِيَ حَتَّى يَأْتِي بِكِذْبَةٍ تَخْرُج مِنْ أَقْطَارهَا , فَأَتَوْا أَبَا بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالُوا : هَذَا صَاحِبك يَقُول كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ : وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , فَقَالَ : إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ , فَقَالُوا : تُصَدِّقهُ إِنْ قَالَ ذَهَبَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَرَجَعَ فِي لَيْلَة ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْر : إِي , نَزَعَ اللَّه عُقُولكُمْ , أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء , وَالسَّمَاء أَبْعَد مِنْ بَيْت الْمَقْدِس , وَلَا أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ بَيْت الْمَقْدِس ؟ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا قَدْ جِئْنَا بَيْت الْمَقْدِس فَصِفْهُ لَنَا , فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ , رَفَعَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَثَّلَهُ بَيْن عَيْنَيْهِ , فَجَعَلَ يَقُول : | هُوَ كَذَا , وَفِيهِ كَذَا | , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَأَبِيكُمْ إِنْ أَخْطَأَ مِنْهُ حَرْفًا , فَقَالُوا : هَذَا رَجُل سَاحِر . (16927 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } يَعْنِي لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَته , فَكَانَتْ فِتْنَة لَهُمْ . )16928 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله ( { الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك } قَالَ : حِين أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى أَنَّهُ يَدْخُل مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16929 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يُقَال : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه , وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ , فَعَجَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْر إِلَى مَكَّة قَبْل الْأَجَل , فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ , فَقَالَتْ أُنَاس : قَدْ رَدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُهَا , فَكَانَتْ رَجْعَته فِتْنَتهمْ . (وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ : هِيَ رُؤْيَا مَنَام : إِنَّمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي مَنَامه قَوْمًا يَعْلُونَ مِنْبَره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16930 - حُدِّثْت عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زُبَالَة , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُهَيْمِن بْن عَبَّاس بْن سَهْل بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ جَدِّي , قَالَ : )رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي فُلَان يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَره نَزْو الْقِرَدَة , فَسَاءَهُ ذَلِكَ , فَمَا اِسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ . قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } . ... الْآيَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ رُؤْيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر فِي طَرِيقه إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَبَيْت الْمَقْدِس لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض ذَلِكَ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ , وَإِيَّاهُ عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمَا جَعَلْنَا رُؤْيَاك الَّتِي أَرَيْنَاك لَيْلَة أُسْرِينَا بِك مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ : يَقُول : إِلَّا بَلَاء لِلنَّاسِ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , لَمَّا أُخْبِرُوا بِالرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا , عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة الَّذِينَ اِزْدَادُوا بِسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَادِيًا فِي غَيّهمْ , وَكُفْرًا إِلَى كُفْرهمْ , كَمَا : 16931 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } )|وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16932 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )16933 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم . قَالَ أَبُو جَهْل : أَيُخَوِّفُنِي اِبْن أَبِي كَبْشَة بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم , ثُمَّ دَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْد , فَجَعَلَ يَقُول : زَقِّمْنِي , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { طَلْعهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين } [37 65 ]وَأَنْزَلَ { وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } )16934 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , مِثْله . 16935 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } فَإِنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْكُلُونَ التَّمْر وَالزُّبْد , وَيَقُولُونَ : تَزَقَّمُوا هَذَا الزَّقُّوم . قَالَ أَبُو رَجَاء : فَحَدَّثَنِي عَبْد الْقُدُّوس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : فَوَصَفَهَا اللَّه لَهُمْ فِي الصَّافَّات . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ أَبُو جَهْل وَكُفَّار أَهْل مَكَّة : أَلَيْسَ مِنْ كَذِب اِبْن أَبِي كَبْشَة أَنَّهُ يُوعِدكُمْ بِنَارِ تَحْتَرِق فِيهَا الْحِجَارَة , وَيَزْعُم أَنَّهُ يَنْبُت فِيهَا شَجَرَة ؟ ! { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم . )16936 - حَدَّثَنِي عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ فِي قَوْله ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم . )16937 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ بَدْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (شَجَرَة الزَّقُّوم . )16938 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ فُرَات الْقَزَّار , قَالَ : (سُئِلَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة , قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك الْعَزْرَمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة } قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )16939 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . 16940 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَبِي الْمُحَجَّل , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , (أَنَّهُ كَانَ يَحْلِف مَا يَسْتَثْنِي , أَنَّ الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة : شَجَرَة الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ فُرَات الْقَزَّاز , قَالَ : (سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن , قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (هِيَ الزَّقُّوم . )16941 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } وَهِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم , خَوَّفَ اللَّه بِهَا عِبَاده , فَافْتُتِنُوا بِذَلِكَ , حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ أَبُو جَهْل بْن هِشَام زَعَمَ صَاحِبكُمْ هَذَا أَنَّ فِي النَّار شَجَرَة , وَالنَّار تَأْكُل الشَّجَر , وَإِنَّا وَاَللَّه مَا نَعْلَم الزَّقُّوم إِلَّا التَّمْر وَالزُّبْد , فَتَزَقَّمُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِين عَجِبُوا أَنْ يَكُون فِي النَّار شَجَرَة : { إِنَّهَا شَجَرَة تَخْرُج فِي أَصْل الْجَحِيم طَلْعهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين } , [37 64 : 65 ]إِنِّي خَلَقْتهَا مِنْ النَّار , وَعَذَّبْت بِهَا مَنْ شِئْت مِنْ عِبَادِي . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : الزَّقُّوم ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : يُخْبِرنَا هَذَا أَنَّ فِي النَّار شَجَرَة , وَالنَّار تَأْكُل الشَّجَر حَتَّى لَا تَدَع مِنْهُ شَيْئًا , وَذَلِكَ فِتْنَة . )16942 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } قَالَ : شَجَرَة الزَّقُّوم . )16943 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } الزَّقُّوم الَّتِي سَأَلُوا اللَّه أَنْ يَمْلَأ بُيُوتهمْ مِنْهَا . وَقَالَ : هِيَ الصَّرَفَان بِالزُّبْدِ تَتَزَقَّمهُ , وَالصَّرَفَان : صِنْف مِنْ التَّمْر . قَالَ : وَقَالَ أَبُو جَهْل : هِيَ الصَّرَفَان بِالزُّبْدِ , وَافْتُتِنُوا بِهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْكَشُوث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16944 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي فُدَيْك , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ مَوْلَى بَنِي هَاشِم حَدَّثَهُ , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , أَرْسَلَهُ إِلَى اِبْن عَبَّاس , يَسْأَلهُ عَنْ الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن ؟ قَالَ : (هِيَ هَذِهِ الشَّجَرَة الَّتِي تَلْوِي عَلَى الشَّجَرَة , وَتَجْعَل فِي الْمَاء , يَعْنِي الْكَشُوثِيّ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهَا شَجَرَة الزَّقُّوم , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ . وَنُصِبَتْ الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة عَطْفًا بِهَا عَلَى الرُّؤْيَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك , وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ , فَكَانَتْ فِتْنَتهمْ فِي الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْت مِنْ اِرْتِدَاد مَنْ اِرْتَدَّ , وَتَمَادَى أَهْل الشِّرْك فِي شِرْكهمْ , حِين أَخْبَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَرَاهُ اللَّه فِي مَسِيره إِلَى بَيْت الْمَقْدِس لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ . وَكَانَتْ فِتَنهمْ فِي الشَّجَرَة الْمَلْعُونَة مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل أَبِي جَهْل وَالْمُشْرِكِينَ مَعَهُ : يُخْبِرنَا مُحَمَّد أَنَّ فِي النَّار شَجَرَة نَابِتَة , وَالنَّار تَأْكُل الشَّجَر فَكَيْف تَنْبُت فِيهَا ؟|وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا|وَقَوْله : { وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدهُنَّ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } يَقُول : وَنُخَوِّف هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا نَتَوَعَّدهُمْ مِنْ الْعُقُوبَات وَالنَّكَال , فَمَا يَزِيدهُمْ تَخْوِيفنَا إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا , يَقُول : إِلَّا تَمَادِيًا وَغَيًّا كَبِيرًا فِي كُفْرهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا خُوِّفُوا بِالنَّارِ الَّتِي طَعَامهمْ فِيهَا الزَّقُّوم دَعَوْا بِالتَّمْرِ وَالزُّبْد , وَقَالُوا : تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَنَذْكُر بَعْض مَنْ بَقِيَ . 16945 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ قَالَ اِبْن جُرَيْج ( { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة } قَالَ : طَلْعهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين , وَالشَّيَاطِين مَلْعُونُونَ . قَالَ { وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن } لَمَّا ذَكَرَهَا زَادَهُمْ اِفْتِتَانًا وَطُغْيَانًا , قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , { وَنُخَوِّفهُمْ فَمَا يَزِيدهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا } )

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس قَالَ أَأَسْجَد لِمَنْ خَلَقْت طِينًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد تَمَادِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيّهمْ وَارْتِدَادهمْ عَتَوْا عَلَى رَبّهمْ بِتَخْوِيفِهِ إِيَّاهُمْ تَحْقِيقهمْ قَوْل عَدُوّهُمْ وَعَدُوّ وَالِدهمْ , حِين أَمَرَهُ رَبّه بِالسُّجُودِ لَهُ فَعَصَاهُ وَأَبَى السُّجُود لَهُ , حَسَدًا وَاسْتِكْبَارًا { لَئِنْ أَخَّرْتنِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } وَكَيْف صَدَقُوا ظَنَّهُ فِيهِمْ , وَخَالَفُوا أَمْر رَبّهمْ وَطَاعَته , وَاتَّبَعُوا أَمْر عَدُوّهُمْ وَعَدُوّ وَالِدهمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ } : وَاذْكُرْ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ { اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس } فَإِنَّهُ اِسْتَكْبَرَ وَقَالَ { أَأَسْجَد لِمَنْ خَلَقْت طِينًا } يَقُول : لِمَنْ خَلَقْته مِنْ طِين ; فَلَمَّا حُذِفَتْ | مَنْ | تَعَلَّقَ بِهِ قَوْله { خَلَقْت } فَنُصِبَ , يَفْتَخِر عَلَيْهِ الْجَاهِل بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَار , وَخُلِقَ آدَم مِنْ طِين . كَمَا : 16946 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (بَعَثَ رَبّ الْعِزَّة تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِبْلِيس , فَأَخَذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض , مِنْ عَذْبهَا وَمِلْحهَا , فَخُلِقَ مِنْهُ آدَم , فَكُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ عَذْبهَا فَهُوَ صَائِر إِلَى السَّعَادَة وَإِنْ كَانَ اِبْن كَافِرَيْنِ , وَكُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِنْ مِلْحهَا فَهُوَ صَائِر إِلَى الشَّقَاوَة وَإِنْ كَانَ اِبْن نَبِيَّيْنِ ; وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيس { أَأَسْجَد لِمَنْ خَلَقْت طِينًا } : أَيْ هَذِهِ الطِّينَة أَنَا جِئْت بِهَا , وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ آدَم . لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض .)

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا

وَقَوْله : { أَرَأَيْتَك هَذَا الَّذِي كَرَّمْت عَلَيَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي كَرَّمْته عَلَيَّ , فَأَمَرْتنِي بِالسُّجُودِ لَهُ , وَيَعْنِي بِذَلِكَ آدَم { لَئِنْ أَخَّرْتنِ } أَقْسَمَ عَدُوّ اللَّه , فَقَالَ لِرَبِّهِ : لَئِنْ أَخَّرْت إِهْلَاكِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة { لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : لَأَسْتَوْلِيَن عَلَيْهِمْ , وَلَأَسْتَأْصِلَنهُمْ , وَلَأَسْتَمِيلَنهُمْ . يُقَال مِنْهُ : اِحْتَنَكَ فُلَان مَا عِنْد فُلَان مِنْ مَال أَوْ عِلْم أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>نَشْكُو إِلَيْك سَنَة قَدْ أَجْحَفَتْ .......... جَهْدًا إِلَى جَهْد بِنَا فَأَضْعَفَتْ <br><br>وَاحْتَنَكَتْ أَمْوَالنَا وَجَلَّفَتْ <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16947 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( { لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : لِأَحْتَوِيَنهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16948 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ . عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : لَأَسْتَوْلِيَن . )16949 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : لَأُضِلَّنهُمْ . )وَهَذِهِ الْأَلْفَاظ وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَات الْمَعْنَى , لِأَنَّ الِاسْتِيلَاء وَالِاحْتِوَاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَإِذَا اِسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَضَلَّهُمْ .

قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { قَالَ اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّم جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَوْفُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره قَالَ اللَّه لِإِبْلِيس إِذْ قَالَ لَهُ { لَئِنْ أَخَّرْتنِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَأَحْتَنِكَن ذُرِّيَّته إِلَّا قَلِيلًا } : اِذْهَبْ فَقَدْ أَخَّرْتُك , فَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ , يَعْنِي مِنْ ذُرِّيَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَأَطَاعَك , فَإِنَّ جَهَنَّم جَزَاؤُك وَجَزَاؤُهُمْ , يَقُول : ثَوَابك عَلَى دُعَائِك إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي , وَثَوَابهمْ عَلَى اِتِّبَاعهمْ إِيَّاكَ وَخِلَافهمْ أَمْرِي { جَزَاء مَوْفُورًا } : يَقُول : ثَوَابًا مَكْثُورًا مُكَمِّلًا . كَمَا : 16950 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { قَالَ اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّم جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَوْفُورًا } عَذَاب جَهَنَّم جَزَاؤُهُمْ , وَنِقْمَة مِنْ اللَّه مِنْ أَعْدَائِهِ فَلَا يَعْدِل عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا شَيْء . )16951 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { فَإِنَّ جَهَنَّم جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَوْفُورًا } قَالَ : وَافِرًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { مَوْفُورًا } , قَالَ : وَافِرًا .)

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { وَاسْتَفْزِزْ } وَاسْتَخْفِفْ وَاسْتَجْهِلْ , مِنْ قَوْلهمْ : اِسْتَفَزَّ فُلَانًا كَذَا وَكَذَا فَهُوَ يَسْتَفِزّهُ { مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الصَّوْت الَّذِي عَنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ : صَوْت الْغِنَاء وَاللَّعِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16952 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } قَالَ : بِاللَّهْوِ وَالْغِنَاء . )* - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } قَالَ : اللَّعِب وَاللَّهْو . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ } بِدُعَائِك إِيَّاهُ إِلَى طَاعَتك وَمَعْصِيَة اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16953 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } قَالَ : صَوْته كُلّ دَاعٍ دَعَا إِلَى مَعْصِيَة اللَّه . )16954 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } قَالَ : بِدُعَائِك . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِإِبْلِيس : وَاسْتَفْزِزْ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم مَنْ اِسْتَطَعْت أَنْ تَسْتَفِزّهُ بِصَوْتِك , وَلَمْ يَخْصُصْ مِنْ ذَلِكَ صَوْتًا دُون صَوْت , فَكُلّ صَوْت كَانَ دُعَاء إِلَيْهِ وَإِلَى عَمَله وَطَاعَته , وَخِلَافًا لِلدُّعَاءِ إِلَى طَاعَة اللَّه , فَهُوَ دَاخِل فِي مَعْنَى صَوْته الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِسْمه لَهُ { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اِسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِك } |وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ|وَقَوْله : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } يَقُول : وَأَجْمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رُكْبَان جُنْدك وَمُشَاتهمْ مَنْ يَجْلِب عَلَيْهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتك , وَالصَّرْف عَنْ طَاعَتِي . يُقَال مِنْهُ : أَجْلَبَ فُلَان عَلَى فُلَان إِجْلَابًا : إِذَا صَاحَ عَلَيْهِ . وَالْجَلَبَة : الصَّوْت , وَرُبَّمَا قِيلَ : مَا هَذَا الْجَلَب , كَمَا يُقَال : الْغَلَبَة وَالْغَلَب , وَالشَّفَقَة وَالشَّفَق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16955 - حَدَّثَنِي سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُر عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } قَالَ : كُلّ رَاكِب وَمَاشٍ فِي مَعَاصِي اللَّه تَعَالَى . )16956 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } قَالَ : إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجْلًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , وَهُمْ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } قَالَ الرِّجَال : الْمُشَاة . )16957 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } قَالَ : خَيْله : كُلّ رَاكِب فِي مَعْصِيَة اللَّه ; وَرَجْله : كُلّ رَاجِل فِي مَعْصِيَة اللَّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلك } قَالَ : مَا كَانَ مِنْ رَاكِب يُقَاتِل فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ مِنْ خَيْل إِبْلِيس , وَمَا كَانَ مِنْ رَاجِل فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ مِنْ رِجَال إِبْلِيس . )وَالرَّجْل : جَمْع رَاجِل , كَمَا التَّجْر : جَمَعَ تَاجِر , وَالصَّحْب : جَمَعَ صَاحِب .|وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمُشَارَكَة الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَمْره إِيَّاهُمْ بِإِنْفَاقِ أَمْوَالهمْ فِي غَيْر طَاعَة اللَّه وَاكْتِسابِهُموهَا مِنْ غَيْر حِلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16958 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : (سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُر عَنْ مُجَاهِد { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } الَّتِي أَصَابُوهَا مِنْ غَيْر حِلّهَا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } قَالَ : مَا أُكِلَ مِنْ مَال بِغَيْرِ طَاعَة اللَّه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن حَرِيج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 16959 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : (الشِّرْك فِي أَمْوَال الرِّبَا . )16960 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : قَدْ وَاَللَّه شَارَكَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ , وَأَعْطَاهُمْ اللَّه أَمْوَالًا فَأَنْفَقُوهَا فِي طَاعَة الشَّيْطَان فِي غَيْر حَقّ اللَّه تَبَارَكَ اِسْمه , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن ( { وَشَارَكَهُمْ فِي الْأَمْوَال } مُرْهُمْ أَنْ يَكْسِبُوهَا مِنْ خَبِيث , وَيُنْفِقُوهَا فِي حَرَام . )16961 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَشَارَكَهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : كُلّ مَال فِي مَعْصِيَة اللَّه . )16962 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : مُشَارَكَته إِيَّاهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد , مَا زَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّه حَتَّى رَكِبُوهَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } كُلّ مَا أَنْفَقُوا فِي غَيْر حَقّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيم الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْأَنْعَام كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِب وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16963 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : الْأَمْوَال : مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامهمْ . )16964 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْمَان . عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مُشَارَكَته فِي الْأَمْوَال أَنْ جَعَلُوا الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة لِغَيْرِ اللَّه . )16965 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ; أَمَّا فِي الْأَمْوَال , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا بَحِيرَة وَسَائِبَة وَوَصِيلَة وَحَامًا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : الصَّوَاب : حَامِيًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16966 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } يَعْنِي مَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَال عُصِيَ اللَّه فِيهِ بِإِنْفَاقٍ فِي حَرَام أَوْ اِكْتِسَاب مِنْ حَرَام , أَوْ ذَبْح لِلْآلِهَةِ , أَوْ تَسْيِيب , أَوْ بَحْر لِلشَّيْطَانِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مَعْصِيًّا بِهِ أَوْ فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَالَ { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال } فَكُلّ مَا أُطِيعَ الشَّيْطَان فِيهِ مِنْ مَال وَعُصِيَ اللَّه فِيهِ , فَقَدْ شَارَكَ فَاعِل ذَلِكَ فِيهِ إِبْلِيس , فَلَا وَجْه لِخُصُوصِ بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض .|وَالْأَوْلَادِ|وَقَوْله : { وَالْأَوْلَاد } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة شَرِكَته بَنِي آدَم فِي أَوْلَادهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : شَرِكَته إِيَّاهُمْ فِيهِمْ بِزِنَاهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16967 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَى أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمَى , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : أَوْلَاد الزِّنَا . )16968 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُر عَنْ مُجَاهِد ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : أَوْلَاد الزِّنَا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : أَوْلَاد الزِّنَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (أَوْلَاد الزِّنَا . )16969 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : أَوْلَاد الزِّنَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الشِّرْك . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : الْأَوْلَاد : أَوْلَاد الزِّنَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : وَأْدهمْ أَوْلَادهمْ وَقَتْلهُمُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16970 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادهمْ , وَأَتَوْا فِيهِمْ الْحَرَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ : صَبْغهمْ إِيَّاهُمْ فِي الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16971 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : قَدْ وَاَللَّه شَارِكْهُمْ فِي أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ , فَمَجَّسُوا وَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا وَصَبَغُوا غَيْر صِبْغَة الْإِسْلَام وَجَزَّءُوا مِنْ أَمْوَالهمْ جُزْءًا لِلشَّيْطَانِ . )16972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ , أَمَّا فِي الْأَوْلَاد فَإِنَّهُمْ هَوَّدُوهُمْ وَنَصَّرُوهُمْ وَمَجَّسُوهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ تَسْمِيَتهمْ أَوْلَادهمْ عَبْد الْحَارِث وَعَبْد شَمْس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16973 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } قَالَ : مُشَارَكَته إِيَّاهُمْ فِي الْأَوْلَاد , سَمَّوْا عَبْد الْحَارِث وَعَبْد شَمْس وَعَبْد فُلَان . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : كُلّ وَلَد وَلَدَتْهُ أُنْثَى عُصِيَ اللَّه بِتَسْمِيَتِهِ مَا يَكْرَههُ اللَّه , أَوْ بِإِدْخَالِهِ فِي غَيْر الدِّين الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه , أَوْ بِالزِّنَا بِأُمِّهِ , أَوْ قَتْله وَوَأْده , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الَّتِي يُعْصَى اللَّه بِهَا بِفِعْلِهِ بِهِ أَوْ فِيهِ , فَقَدْ دَخَلَ فِي مُشَارَكَة إِبْلِيس فِيهِ مَنْ وُلِدَ ذَلِكَ الْمَوْلُود لَهُ أَوْ مِنْهُ , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَخْصُصْ بِقَوْلِهِ { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد } مَعْنَى الشَّرِكَة فِيهِ بِمَعْنًى دُون مَعْنًى , فَكُلّ مَا عُصِيَ اللَّه فِيهِ أَوْ بِهِ , وَأُطِيعَ بِهِ الشَّيْطَان أَوْ فِيهِ , فَهُوَ مُشَارَكَة مَنْ عُصِيَ اللَّه فِيهِ أَوْ بِهِ إِبْلِيس فِيهِ .|وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا|وَقَوْله : { وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِإِبْلِيس : وَعِدْ أَتْبَاعك مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , النُّصْرَة عَلَى مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ . يَقُول اللَّه : { وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا } لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ عِقَاب اللَّه إِذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْئًا , فَهُمْ مِنْ عِدَاته فِي بَاطِل وَخَدِيعَة , كَمَا قَالَ لَهُمْ عَدُوّ اللَّه حِين حَصْحَصَ الْحَقّ { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } [14 22]

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِإِبْلِيس : إِنَّ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي . فَاتَّبَعُوا أَمْرِي وَعَصَوْك يَا إِبْلِيس لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ حُجَّة . وَقَوْله { وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَفَاك يَا مُحَمَّد رَبّك حَفِيظًا , وَقَيِّمًا بِأَمْرِك . فَانْقَدْ لِأَمْرِهِ . وَبَلِّغْ رِسَالَاته هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَلَا تَخَفْ أَحَدًا , فَإِنَّهُ قَدْ تَوَكَّلَ بِحِفْظِك وَنُصْرَتك , كَمَا : 16974 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا } وَعِبَاده الْمُؤْمِنُونَ . وَقَالَ اللَّه فِي آيَة أُخْرَى { إِنَّمَا سُلْطَانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } )[16 100]

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْك فِي الْبَحْر لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ : رَبّكُمْ أَيّهَا الْقَوْم هُوَ الَّذِي يُسَيِّر لَكُمْ السُّفُن فِي الْبَحْر . فَيَحْمِلكُمْ فِيهَا { لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله } لِتُوَصَّلُوا بِالرُّكُوبِ فِيهَا إِلَى أَمَاكِن تِجَارَاتكُمْ وَمَطَالِبكُمْ وَمَعَايِشكُمْ , وَتَلْتَمِسُونَ مِنْ رِزْقه . { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا حِين أَجْرَى لَكُمْ الْفُلْك فِي الْبَحْر , تَسْهِيلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ التَّصَرُّف فِي طَلَب فَضْله فِي الْبِلَاد النَّائِيَة الَّتِي لَوْلَا تَسْهِيله لَكُمْ لَصَعُبَ عَلَيْكُمْ الْوُصُول إِلَيْهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْله : { يُزْجِي لَكُمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16975 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ . عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَوْله : ( { رَبّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْك فِي الْبَحْر } يَقُول : يَجْرِي الْفُلْك . )16976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { رَبّكُمْ الَّذِينَ يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْك فِي الْبَحْر } قَالَ : يُسَيِّرهَا فِي الْبَحْر . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ اِبْن عَبَّاس { رَبّكُمْ الَّذِي يُزْجِي الْفُلْك فِي الْبَحْر } قَالَ : يُجْرِي . )16977 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { رَبّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْك فِي الْبَحْر } قَالَ : يُجْرِيهَا .)

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرّ فِي الْبَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَان كَفُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا نَالَتْكُمْ الشِّدَّة وَالْجَهْد فِي الْبَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ : يَقُول : فَقَدْتُمْ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَجَارَ عَنْ طَرِيقكُمْ فَلَمْ يُغِثْكُمْ , وَلَمْ تَجِدُوا غَيْر اللَّه مُغِيثًا يُغِيثكُمْ دَعَوْتُمُوهُ , فَلَمَّا دَعَوْتُمُوهُ وَأَغَاثَكُمْ , وَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ وَنَجَّاكُمْ مِنْ هَوْل مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْر , أَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ رَبّكُمْ مِنْ خَلْع الْأَنْدَاد , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْآلِهَة , وَإِفْرَاده بِالْأُلُوهَةِ كُفْرًا مِنْكُمْ بِنِعْمَتِهِ { وَكَانَ الْإِنْسَان كَفُورًا } يَقُول : وَكَانَ الْإِنْسَان إِذًا جَحِد لِنِعَمِ رَبّه .

أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يُخْسَف بِكُمْ جَانِب الْبَرّ أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَفَأَمِنْتُمْ } أَيّهَا النَّاس مِنْ رَبّكُمْ , وَقَدْ كَفَرْتُمْ نِعْمَته بِتَنْجِيَتِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ هَوْل مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْر , وَعَظِيم مَا كُنْتُمْ قَدْ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاك , فَلَمَّا نَجَّاكُمْ وَصِرْتُمْ إِلَى الْبَرّ كَفَرْتُمْ , وَأَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَته غَيْره { أَنْ يُخْسَف بِكُمْ جَانِب الْبَرّ } يَعْنِي نَاحِيَة الْبَرّ { أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } يَقُول : أَوْ يُمْطِركُمْ حِجَارَة مِنْ السَّمَاء تَقْتُلكُمْ , كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوط { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا } يَقُول : ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ مَا يَقُوم بِالْمُدَافَعَةِ عَنْكُمْ مِنْ عَذَابه وَمَا يَمْنَعكُمْ مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16978 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يُخْسَف بِكُمْ جَانِب الْبَرّ أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } يَقُول : حِجَارَة مِنْ السَّمَاء { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا } : أَيْ مَنَعَة وَلَا نَاصِرًا . )16979 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يُخْسَف بِكُمْ جَانِب الْبَرّ أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } قَالَ : مَطَر الْحِجَارَة إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ الْبَحْر . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه تَأْوِيل قَوْله { أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } إِلَى : أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ رِيحًا عَاصِفًا تَحْصِب , وَيُسْتَشْهَد لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>مُسْتَقْبِلِينَ شَمَال الشَّام تَضْرِبنَا .......... بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْن مَنْثُور <br>وَأَصْل الْحَاصِب : الرِّيح تُحْصَب بِالْحَصْبَاءِ ; الْأَرْض فِيهَا الرَّمَل وَالْحَصَى الصِّغَار . يُقَال فِي الْكَلَام : حَصَبَ فُلَان فُلَانًا : إِذَا رَمَاهُ بِالْحَصْبَاءِ . وَإِنَّمَا وُصِفَتْ الرِّيح بِأَنَّهَا تَحْصِب لِرَمْيِهَا النَّاس بِذَلِكَ , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : <br>وَلَقَدْ عَلِمْت إِذَا الْعِشَار تَرَوَّحَتْ .......... هُدْج الرِّئَال تَكُبّهُنَّ شَمَالَا <br><br>تَرْمِي الْعِضَاه بِحَاصِبٍ مِنْ ثَلْجهَا .......... حَتَّى يَبِيت عَلَى الْعِضَاه جِفَالَا<br>

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدكُمْ فِيهِ تَارَة أُخْرَى فَيُرْسِل عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيح فَيُغْرِقكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ أَمِنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ رَبّكُمْ , وَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْد إِنْعَامه عَلَيْكُمْ , النِّعْمَة الَّتِي قَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ يُعِيدكُمْ فِي الْبَحْر تَارَة أُخْرَى : يَقُول : مَرَّة أُخْرَى , وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله | فِيهِ | مِنْ ذِكْر الْبَحْر . كَمَا : 16980 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَنْ يُعِيدكُمْ فِيهِ تَارَة أُخْرَى } : أَيْ فِي الْبَحْر مَرَّة أُخْرَى { فَيُرْسِل عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيح } وَهِيَ الَّتِي تَقْصِف مَا مَرَّتْ بِهِ فَتُحَطِّمهُ وَتَدُقّهُ , مِنْ قَوْلهمْ : قَصَفَ فُلَان ظَهْر فُلَان : إِذَا كَسَرَهُ { فَيُغْرِقكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ } يَقُول : فَيُغْرِقكُمْ اللَّه بِهَذِهِ الرِّيح الْقَاصِف بِمَا كَفَرْتُمْ , يَقُول : بِكُفْرِكُمْ بِهِ { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } يَقُول : ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا تَابِعًا يَتْبَعنَا بِمَا فَعَلْنَا بِكُمْ , وَلَا ثَائِرًا يَثْأَرنَا بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاكُمْ . )وَقِيلَ : تَبِيعًا فِي مَوْضِع التَّابِع , كَمَا قِيلَ : عَلِيم فِي مَوْضِع عَالِم . وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ طَالِب بِدَمٍ أَوْ دَيْن أَوْ غَيْره : تَبِيع . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>عَدَوْا وَعَدَتْ غِزْلَانهمْ فَكَأَنَّهَا .......... ضَوَامِن غُرْم لَزَّهُنَّ تَبِيع <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَاصِف وَالتَّبِيع , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16981 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَيُرْسِل عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيح } يَقُول : عَاصِفًا . )16982 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَاصِفًا الَّتِي تُغْرِق . )16983 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا لَهُ تَبِيعًا } يَقُول نَصِيرًا . )16984 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , (قَالَ مُحَمَّد : ثَائِرًا , وَقَالَ الْحَارِث : نَصِيرًا ثَائِرًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } قَالَ : ثَائِرًا . )16985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } أَيْ لَا نَخَاف أَنْ نَتَّبِع بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } يَقُول : لَا يَتْبَعنَا أَحَد بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . )وَالتَّارَة : جَمْعه تَارَات وَتِيَر , وَأَفْعَلْت مِنْهُ : أَتْرَتُ .

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم } بِتَسْلِيطِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى غَيْرهمْ مِنْ الْخَلْق , وَتَسْخِيرنَا سَائِر الْخَلْق لَهُمْ { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ } عَلَى ظُهُور الدَّوَابّ وَالْمَرَاكِب { و } فِي { الْبَحْر } فِي الْفُلْك الَّتِي سَخَّرْنَاهَا لَهُمْ { وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَقُول : مِنْ طَيِّبَات الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب , وَهِيَ حَلَالهَا وَلَذِيذَاتهَا { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ تَمَكُّنهمْ مِنْ الْعَمَل بِأَيْدِيهِمْ , وَأَخْذ الْأَطْعِمَة وَالْأَشْرِبَة بِهَا وَرَفْعهَا بِهَا إِلَى أَفْوَاههمْ , وَذَلِكَ غَيْر مُتَيَسِّر لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْخَلْق , كَمَا : 16986 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله ( { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم } . ... الْآيَة , قَالَ : { وَفَضَّلْنَاهُمْ } فِي الْيَدَيْنِ يَأْكُل بِهِمَا , وَيَعْمَل بِهِمَا , وَمَا سِوَى الْإِنْس يَأْكُل بِغَيْرِ ذَلِكَ . )16987 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم } قَالَ : قَالَتْ الْمَلَائِكَة : يَا رَبّنَا إِنَّك أَعْطَيْت بَنِي آدَم الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا , وَيَتَنَعَّمُونَ , وَلَمْ تُعْطِنَا ذَلِكَ , فَأَعْطِنَاهُ فِي الْآخِرَة ; فَقَالَ : وَعِزَّتِي لَا أَجْعَل ذُرِّيَّة مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ , كَمَنْ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ .)

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْإِمَام الَّذِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يَدْعُو كُلّ أُنَاس بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ نَبِيّه , وَمَنْ كَانَ يَقْتَدِي بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتَمّ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16988 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد ( { يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد ( { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 16989 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : نَبِيّهمْ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَا : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ بِكَتْبِ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : الْإِمَام : مَا عَمِلَ وَأَمْلَى , فَكَتَبَ عَلَيْهِ , فَمَنْ بُعِثَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ حَمَلَ كِتَابه بِيَمِينِهِ , فَقَرَأَهُ وَاسْتَبْشَرَ , وَلَمْ يُظْلَم فَتِيلًا , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِين } [15 79 ]وَالْإِمَام : مَا أَمْلَى وَعَمِلَ . )16991 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن ( { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (قَالَ الْحَسَن : بِكِتَابِهِمْ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالهمْ . )16992 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } يَقُول : بِكِتَابِهِمْ . )16993 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , (عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أَنْزَلْت عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرِي وَنَهْيِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16994 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : (سَمِعْت يَحْيَى بْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } قَالَ : بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْر اللَّه وَنَهْيه وَفَرَائِضه , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ يُحَاسَبُونَ , وَقَرَأَ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } [5 48 ]قَالَ : الشِّرْعَة : الدِّين , وَالْمِنْهَاج : السُّنَّة , وَقَرَأَ : { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } [42 13 ]قَالَ : فَنُوح أَوَّلهمْ , وَأَنْتَ آخِرهمْ . )16995 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { يَوْم نَدْعُوا كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ } بِكِتَابِهِمْ . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَوْم نَدْعُو كُلّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ الَّذِي كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ , وَيَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا , لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال الْعَرَب الْإِمَام فِيمَا اِئْتَمَّ وَاقْتَدَى بِهِ , وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْأَشْهَر أَوْلَى مَا لَمْ تَثْبُت حُجَّة بِخِلَافِهِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَقَوْله : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ } يَقُول : فَمَنْ أُعْطِيَ كِتَاب عَمَله بِيَمِينِهِ { فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابهمْ } ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفُوا جَمِيع مَا فِيهِ { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَظْلِمهُمْ اللَّه مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ فَتِيلًا , وَهُوَ الْمُنْفَتِل الَّذِي فِي شِقّ بَطْن النَّوَاة . وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ الْفَتِيل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 16996 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } قَالَ : الَّذِي فِي شِقّ النَّوَاة .)

وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ | هَذِهِ | , فَقَالَ بَعْضهمْ : أُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى النِّعَم الَّتِي عَدَّدَهَا تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } فَقَالَ : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16997 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , قَالَ : (سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } فَقَالَ : قَالَ { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } قَالَ : مَنْ عَمِيَ عَنْ شُكْر هَذِهِ النِّعَم فِي الدُّنْيَا , فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ قُدْرَة اللَّه فِيهَا وَحُجَجه , فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16998 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى } يَقُول : مَنْ عَمِيَ عَنْ قُدْرَة اللَّه فِي الدُّنْيَا { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى } )16999 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فِي هَذِهِ أَعْمَى } قَالَ : الدُّنْيَا . )17000 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (قَوْله : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْأَخِرَة أَعْمَى } يَقُول : مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَم اللَّه وَخَلْقه وَعَجَائِبه { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } فِيمَا يَغِيب عَنْهُ مِنْ أَمْر الْآخِرَة وَأَعْمَى . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى } فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَرَاهُ اللَّه مِنْ آيَاته مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالنُّجُوم { فَهُوَ فِي الْآخِرَة } الْغَائِبَة الَّتِي لَمْ يَرَهَا { أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } )17001 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : (قَالَ اِبْن زَيْد , وَسُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا } فَقَرَأَ : { إِنَّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَآيَات لِلْمُؤْمِنِينَ } [45 3 ] { وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [51 20 : 21 ]وَقَرَأَ : { وَمِنْ آيَاته أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَر تَنْتَشِرُونَ } [30 20 ]وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض كُلّ لَهُ قَانِتُونَ } [30 26 ]قَالَ : كُلّ لَهُ مُطِيعُونَ , إِلَّا اِبْن آدَم . قَالَ : فَمَنْ كَانَتْ فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي يُعْرَف أَنَّهَا مِنَّا , وَيَشْهَد عَلَيْهَا وَهُوَ يَرَى قُدْرَتنَا وَنِعْمَتنَا أَعْمَى , فَهُوَ فِي الْآخِرَة الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ حُجَج اللَّه عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِد بِخَلْقِهَا وَتَدْبِيرهَا , وَتَصْرِيف مَا فِيهَا , فَهُوَ فِي أَمْر الْآخِرَة الَّتِي لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يُعَايِنهَا , وَفِيمَا هُوَ كَائِن فِيهَا أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا : يَقُول : وَأَضَلّ طَرِيقًا مِنْهُ فِي أَمْر الدُّنْيَا الَّتِي قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاته بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَخْصُصْ فِي قَوْله { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ } الدُّنْيَا { أَعْمَى } عَمَى الْكَافِر بِهِ عَنْ بَعْض حُجَجه عَلَيْهِ فِيهَا دُون بَعْض , فَيُوَجَّه ذَلِكَ إِلَى عَمَاهُ عَنْ نِعَمه بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَكْرِيمه بَنِي آدَم , وَحَمْله إِيَّاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , وَمَا عَدَّدَ فِي الْآيَة الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا نِعَمه عَلَيْهِمْ , بَلْ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ عَمَاهُ فِي الدُّنْيَا , فَهُمْ كَمَا عَمَّ تَعَالَى ذِكْره . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى } فَكَسَرَتْ الْقِرَاءَة جَمِيعًا أَعْنِي الْحَرْف الْأَوَّل قَوْله { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى } . وَأَمَّا قَوْله { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى } فَإِنَّ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ أَمَالَتْ أَيْضًا قَوْله : { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى } وَأَمَّا بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة فَإِنَّهُ فَتَحَهُ , وَتَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَشَدّ عَمًى . وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ قِرَاءَته بِقَوْلِهِ : { وَأَضَلّ سَبِيلًا } وَهَذِهِ الْقِرَاءَة هِيَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلشَّاهِدِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئِهِ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ قِرَاءَته كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُود بِهِ قَصْد عَمَى الْعَيْنَيْنِ الَّذِي لَا يُوصَف أَحَد بِأَنَّهُ أَعْمَى مِنْ آخَر أَعْمَى , إِذْ كَانَ عَمَى الْبَصَر لَا يَتَفَاوَت , فَيَكُون أَحَدهمَا أَزْيَد عَمًى مِنْ الْآخَر , إِلَّا بِإِدْخَالِ أَشَدّ أَوْ أَبْيَن , فَلَيْسَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ مِنْ عَمَى الْقَلْب الَّذِي يَقَع فِيهِ التَّفَاوُت , فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ عَمَى , قُلُوب الْكُفَّار , عَنْ حُجَج اللَّه الَّتِي قَدْ عَايَنْتهَا أَبْصَارهمْ , فَلِذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ وَحَسَن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17002 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى } قَالَ : أَعْمَى عَنْ حُجَّته فِي الْآخِرَة .)

وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْره } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْفِتْنَة الَّتِي كَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَفْتِنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَنْ الَّذِي أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ إِلَى غَيْره ; فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الْإِلْمَام بِالْآلِهَةِ , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ دَعَوْهُ إِلَى ذَلِكَ , فَهَمَّ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17003 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِم الْحَجَر الْأَسْوَد , فَمَنَعَتْهُ قُرَيْش , وَقَالُوا : لَا نَدَعهُ حَتَّى يَلُمّ بِآلِهَتِنَا , فَحَدَّثَ نَفْسه , وَقَالَ : | مَا عَلَيَّ أَنْ أَلُمّ بِهَا بَعْد أَنْ يَدْعُونِي أَسْتَلِم الْحِجْر , وَاَللَّه يَعْلَم أَنِّي لَهَا كَارِه | , فَأَبَى اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْره } الْآيَة . )17004 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة إِلَى الصُّبْح يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ , وَكَانَ فِي قَوْلهمْ أَنْ قَالُوا : إِنَّك تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَد مِنْ النَّاس , وَأَنْتَ سَيِّدنَا وَابْن سَيِّدنَا , فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُقَارِفَهُمْ ثُمَّ مَنَعَهُ اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْره } قَالَ : أَطَافُوا بِهِ لَيْلَة , فَقَالُوا : أَنْتَ سَيِّدنَا وَابْن سَيِّدنَا , فَأَرَادُوهُ عَلَى بَعْض مَا يُرِيدُونَ فَهُمْ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِي بَعْض مَا يُرِيدُونَ , ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّه , فَذَلِكَ قَوْله : { لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } الَّذِي أَرَادُوا فَهُمْ أَنْ يُقَارِفَهُمْ فِيهِ . )17005 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (قَالُوا لَهُ : اِئْتِ آلِهَتنَا فَامْسَسْهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { شَيْئًا قَلِيلًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ أَنْ يُنْظِر قَوْمًا بِإِسْلَامِهِمْ إِلَى مُدَّة سَأَلُوهُ الْإِنْظَار إِلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْره وَإِذًا لَاِتَّخَذُوك خَلِيلًا } وَذَلِكَ أَنَّ ثَقِيفًا كَانُوا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُول لِلَّهِ أَجِّلْنَا سَنَة حَتَّى يُهْدَى لِآلِهَتِنَا , فَإِذَا قَبَضْنَا الَّذِي يُهْدَى لِآلِهَتِنَا أَخَذْنَاهُ , ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَكَسَرْنَا الْآلِهَة , فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيهِمْ , وَأَنْ يُؤَجِّلهُمْ , فَقَالَ اللَّه : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَادُوا أَنْ يَفْتِنُوهُ عَمَّا أَوْحَاهُ اللَّه إِلَيْهِ لِيَعْمَل بِغَيْرِهِ , وَذَلِكَ هُوَ الِافْتِرَاء عَلَى اللَّه ; وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ ذِكْر أَنَّهُمْ دَعَوْهُ أَنْ يَمَسّ آلِهَتهمْ , وَيَلُمّ بِهَا , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ أَمْر ثَقِيف , وَمَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلُوهُ مِمَّا ذَكَرْنَا ; وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْر ذَلِكَ , وَلَا بَيَان فِي الْكِتَاب وَلَا فِي خَبَر يَقْطَع الْعُذْر أَيْ ذَلِكَ كَانَ , وَالِاخْتِلَاف فِيهِ مَوْجُود عَلَى مَا ذَكَرْنَا , فَلَا شَيْء فِيهِ أَصْوَب مِنْ الْإِيمَان بِظَاهِرِهِ , حَتَّى يَأْتِي خَبَر يَجِب التَّسْلِيم لَهُ بِبَيَانِ مَا عُنِيَ بِذَلِكَ مِنْهُ .|وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا|وَقَوْله : { وَإِذًا لَاِتَّخَذُوك خَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ فَعَلْت مَا دَعَوْك إِلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَة عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك لَاِتَّخَذُوك إِذًا لِأَنْفُسِهِمْ خَلِيلًا , وَكُنْت لَهُمْ وَكَانُوا لَك أَوْلِيَاء .

وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك يَا مُحَمَّد بِعِصْمَتِنَا إِيَّاكَ عَمَّا دَعَاك إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْفِتْنَة { لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } يَقُول : لَقَدْ كِدْت تَمِيل إِلَيْهِمْ وَتَطْمَئِنّ شَيْئًا قَلِيلًا , وَذَلِكَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِهِ مِنْ أَنْ يَفْعَل بَعْض الَّذِي كَانُوا سَأَلُوهُ فِعْله , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , مَا : 17007 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْت تَرْكَن إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا تَكِلنِي إِلَى نَفْسِي طُرْفَة عَيْن | .)

إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { إِذًا لَأَذَقْنَاك ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ رَكَنْت إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد شَيْئًا قَلِيلًا فِيمَا سَأَلُوك إِذَنْ لَأَذَقْنَاك ضِعْف عَذَاب الْحَيَاة , وَضِعْف عَذَاب الْمَمَات . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17008 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِذًا لَأَذَقْنَاك ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات } يَعْنِي : ضِعْف عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )17009 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { ضِعْف الْحَيَاة } قَالَ : عَذَابهَا { وَضِعْف الْمَمَات } قَالَ : عَذَاب الْآخِرَة . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17010 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِذًا لَأَذَقْنَاك ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات } : أَيْ عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات } قَالَ : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . )17011 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات } يَعْنِي عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي قَوْله : { إِذًا لَأَذَقْنَاك ضِعْف الْحَيَاة } مُخْتَصَر , كَقَوْلِك : ضِعْف عَذَاب الْحَيَاة { وَضِعْف الْمَمَات } فَهُمَا عَذَابَانِ , عَذَاب الْمَمَات بِهِ ضُوعِفَ عَذَاب الْحَيَاة .|ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا|وَقَوْله { ثُمَّ لَا تَجِد لَك عَلَيْنَا نَصِيرًا } يَقُول : ثُمَّ لَا تَجِد لَك يَا مُحَمَّد إِنْ نَحْنُ أَذَقْنَاك لِرُكُونِك إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَوْ رَكَنْت إِلَيْهِمْ , عَذَاب الْحَيَاة وَعَذَاب الْمَمَات عَلَيْنَا نَصِيرًا يَنْصُرك عَلَيْنَا , وَيَمْنَعك مِنْ عَذَابك , وَيُنْقِذك مِمَّا نَالَك مِنَّا مِنْ عُقُوبَة .

وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } </subtitle>يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ كَادَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض : يَقُول : لَيَسْتَخِفُّونَك مِنْ الْأَرْض الَّتِي أَنْتَ بِهَا لِيُخْرِجُوك مِنْهَا { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : وَلَوْ أَخْرَجُوك مِنْهَا لَمْ يَلْبَثُوا بَعْدك فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا , حَتَّى أَهْلَكَهُمْ بِعَذَابٍ عَاجِل . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْرِجُوهُ مِنْ الْأَرْض وَفِي الْأَرْض الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا ; فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُود , وَالْأَرْض الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْهَا الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17012 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْض الْيَهُود قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَرْض الْأَنْبِيَاء أَرْض الشَّام , وَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ الْقَوْم الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ قُرَيْشًا , وَالْأَرْض مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17013 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } وَقَدْ هَمَّ أَهْل مَكَّة بِإِخْرَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَا تَوَطَّنُوا , وَلَكِنَّ اللَّه كَفَّهُمْ عَنْ إِخْرَاجه حَتَّى أَمَرَهُ , وَلَقَلَّمَا مَعَ ذَلِكَ لَبِثُوا بَعْد خُرُوج نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة حَتَّى بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْقَتْل يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض } قَالَ : قَدْ فَعَلُوا بَعْد ذَلِكَ , فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر , وَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْده إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى أَهْلَكَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر . وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّة اللَّه فِي الرُّسُل إِذَا فَعَلَ بِهِمْ قَوْمهمْ مِثْل ذَلِكَ . )17014 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : لَوْ أَخْرَجَتْ قُرَيْش مُحَمَّدًا لَعُذِّبُوا بِذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل قَتَادَة وَمُجَاهِد , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض } فِي سِيَاق خَبَر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قُرَيْش وَذِكْره إِيَّاهُمْ , وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ قَبْل ذَلِكَ ذِكْر , فَيُوَجَّه قَوْله { وَإِنْ كَادُوا } إِلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْهُمْ , فَهُوَ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَمَّنْ جَرَى لَهُ ذِكْر أَوْلَى مِنْ غَيْره . وَأَمَّا الْقَلِيل الَّذِي اِسْتَثْنَاهُ اللَّه جَلَّ ذِكْره فِي قَوْله { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } فَإِنَّهُ فِيمَا قِيلَ , مَا بَيْن خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى أَنْ قَتَلَ اللَّه مَنْ قَتَلَ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بِبَدْرٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17015 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } يَعْنِي بِالْقَلِيلِ يَوْم أَخْذهمْ بِبَدْرٍ , فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقَلِيل الَّذِي لَبِثُوا بَعْد . )17016 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } كَانَ الْقَلِيل الَّذِي لَبِثُوا بَعْد خُرُوج النَّبِيّ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ إِلَى بَدْر , فَأَخَذَهُمْ بِالْعَذَابِ يَوْم بَدْر . )وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ خِلَافك بَعْدك , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>عَقَبَ الرَّذَاذ خِلَافهَا فَكَأَنَّمَا .......... بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنهنَّ حَصِيرَا <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : خِلَافهَا : بَعْدهَا . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : خَلْفك . وَمَعْنَى ذَلِكَ , وَمَعْنَى الْخِلَاف فِي هَذَا الْمَوْضِع وَاحِد .

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { سُنَّة مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا وَلَا تَجِد لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ أَخْرَجُوك لَمْ يَلْبَثُوا خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا , وَلَأَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدنَا , سُنَّتنَا فِيمَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا , فَإِنَّا كَذَلِكَ كُنَّا نَفْعَل بِالْأُمَمِ إِذَا أَخْرَجَتْ رُسُلهَا مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ; وَنُصِبَتْ السُّنَّة عَلَى الْخُرُوج مِنْ مَعْنَى قَوْله { لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : لَعَذَّبْنَاهُمْ بَعْد قَلِيل كَسُنَّتِنَا فِي أُمَم مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا , وَلَا تَجِد لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا عَمَّا جَرَتْ بِهِ . كَمَا : 17017 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { سُنَّة مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا وَلَا تَجِد لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا } : أَيْ سُنَّة الْأُمَم وَالرُّسُل كَانَتْ قَبْلك كَذَلِكَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُلهمْ وَأَخْرَجُوهُمْ , لَمْ يُنَاظِرُوا أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عَذَابه .)

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَقِمْ الصَّلَاة } يَا مُحَمَّد { لِدُلُوكِ الشَّمْس } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْوَقْت الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِدُلُوكِ الشَّمْس , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ وَقْت غُرُوبهَا , وَالصَّلَاة الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا حِينَئِذٍ : صَلَاة الْمَغْرِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17018 - حَدَّثَنِي وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , يَعْنِي الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , عَنْ أَبِيهِ , (أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَلَى سَطْح حِين غَرَبَتْ الشَّمْس , فَقَرَأَ : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } . حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ هَذَا لَحِينَ دَلَكَتْ الشَّمْس وَأَفْطَرَ الصَّائِم وَوَقْت الصَّلَاة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار قَالَ : ثنا أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُقْبَة بْن عَبْد الْغَافِر , (أَنَّ عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس صَلَّى الْمَغْرِب . وَيُفْطِر عِنْدهَا إِنْ كَانَ صَائِمًا , وَيُقْسِم عَلَيْهَا يَمِينًا مَا يُقْسِمهُ عَلَى شَيْء مِنْ الصَّلَوَات بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّ هَذِهِ السَّاعَة لَمِيقَات هَذِهِ الصَّلَاة , وَيَقْرَأ فِيهَا تَفْسِيرهَا مِنْ كِتَاب اللَّه { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : (هَذَا دُلُوك الشَّمْس , وَهَذَا غَسَق اللَّيْل , وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . )17019 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (قَالَ اِبْن عَبَّاس : دُلُوك الشَّمْس . غُرُوبهَا , يَقُول : دَلَكَتْ بِرَاحٍ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق . عَنْ الْأَسْوَد , (عَنْ عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : حِين غَرَبَتْ الشَّمْس دَلَكَتْ , يَعْنِي بِرَاحٍ مَكَانًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , (عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دُلُوكهَا : غُرُوبهَا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا وَجَبَتْ وَعِنْدهَا يُفْطِر إِذَا كَانَ صَائِمًا , ثُمَّ يُقْسِم عَلَيْهَا قَسَمًا لَا يُقْسِمهُ عَلَى شَيْء مِنْ الصَّلَوَات بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّ هَذِهِ السَّاعَة لَمِيقَات هَذِهِ الصَّلَاة , ثُمَّ يَقْرَأ وَيُصَلِّيهَا وَتَصْدِيقهَا مِنْ كِتَاب اللَّه : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } )17020 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول : دُلُوكهَا : حِين تُرِيد الشَّمْس تَغْرُب إِلَى أَنْ يَغْسِق اللَّيْل , قَالَ : هِيَ الْمَغْرِب حِين يَغْسِق اللَّيْل , وَتَدْلُك الشَّمْس لِلْغُرُوبِ . )* - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , سَمِعَ عَمْرو بْن دِينَار أَبَا عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : (كَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يُصَلِّي الْمَغْرِب حِين يَغْرُب حَاجِب الشَّمْس , وَيَحْلِف أَنَّهُ الْوَقْت الَّذِي قَالَ اللَّه { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه حِين غَرَبَتْ الشَّمْس : هَذَا وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيْره وَقْت هَذِهِ الصَّلَاة . وَقَالَ : دُلُوكهَا : غُرُوبهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : دُلُوك الشَّمْس : مَيْلهَا لِلزَّوَالِ , وَالصَّلَاة الَّتِي أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْد دُلُوكهَا : الظُّهْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17021 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عُمَارَة بْن عُمَيْر , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (دُلُوكهَا : مَيْلهَا , يَعْنِي الشَّمْس . )17022 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ , فِي قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : دُلُوكهَا : زَوَالهَا . )17023 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , فِي قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : دُلُوكهَا : مَيْلهَا . )17024 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ سَيَّار بْن سَلَامَة , عَنْ أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ , قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : إِذَا زَالَتْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : ثنا سَيَّار بْن سَلَامَة الرِّيَاحِيّ , قَالَ : (أَتَيْت أَبَا بَرْزَة فَسَأَلَهُ وَالِدِي عَنْ مَوَاقِيت صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْر إِذَا زَالَتْ الشَّمْس , ثُمَّ تَلَا : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } )17025 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } قَالَ : الظُّهْر دُلُوكهَا , إِذَا زَالَتْ عَنْ بَطْن السَّمَاء , وَكَانَ لَهَا فِي الْأَرْض فَيْء . )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : دُلُوكهَا : زَوَالهَا . )17026 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْل ذَلِكَ . 17027 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , (عَنْ أَبِي جَعْفَر فِي { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : لِزَوَالِ الشَّمْس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ (دُلُوك الشَّمْس : زَيْغهَا بَعْد نِصْف النَّهَار , يَعْنِي الظِّلّ . )17028 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : (دُلُوك الشَّمْس , قَالَ : حِين تَزِيغ عَنْ بَطْن السَّمَاء . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } أَيْ إِذَا زَالَتْ الشَّمْس عَنْ بَطْن السَّمَاء لِصَلَاةِ الظُّهْر . )17029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { لِدُلُوكِ الشَّمْس } قَالَ : حِين تَزِيغ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (دُلُوك الشَّمْس : حِين تَزِيغ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } : صَلَاة الظُّهْر , وَذَلِكَ أَنَّ الدُّلُوك فِي كَلَام الْعَرَب : الْمَيْل , يُقَال مِنْهُ : دَلَكَ فُلَان إِلَى كَذَا : إِذَا مَالَ إِلَيْهِ . وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : أَيُدَالَكُ الرَّجُل اِمْرَأَته ؟ يَعْنِي بِذَلِكَ : أَيَمِيلُ بِهَا إِلَى الْمُمَاطَلَة بِحَقِّهَا . وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>هَذَا مَقَام قَدَمَيْ رَبَاح .......... غُدْوَة حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ <br>وَيُرْوَى : بَرَاح بِفَتْحِ الْبَاء , فَمَنْ رَوَى ذَلِكَ : بِرَاحِ , بِكَسْرِ الْبَاء , فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ يَضَع النَّاظِر كَفّه عَلَى حَاجِبه مِنْ شُعَاعهَا , لِيَنْظُر مَا لَقِيَ مِنْ غِيَارهَا . وَهَذَا تَفْسِير أَهْل الْغَرِيب أَبِي عُبَيْدَة وَالْأَصْمَعِيّ وَأَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَغَيْرهمْ . وَقَدْ ذَكَرْت فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَيْت عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , أَنَّهُ قَالَ حِين غَرَبَتْ الشَّمْس : دَلَكَتْ بِرَاحٍ , يَعْنِي : بِرَاحٍ مَكَانًا , وَلَسْت أَدْرِي هَذَا التَّفْسِير , أَعْنِي قَوْله : بِرَاحٍ مَكَانًا مِنْ كَلَام مَنْ هُوَ مِمَّنْ فِي الْإِسْنَاد , أَوْ مِنْ كَلَام عَبْد اللَّه , فَإِنْ يَكُنْ مِنْ كَلَام عَبْد اللَّه , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَم بِذَلِكَ مِنْ أَهْل الْغَرِيب الَّذِينَ ذَكَرْت قَوْلهمْ , وَأَنَّ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ قَوْله , دُون قَوْلهمْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَام عَبْد اللَّه , فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة كَانُوا أَعْلَم بِذَلِكَ مِنْهُ , وَلِمَا قَالَ أَهْل الْغَرِيب فِي ذَلِكَ شَاهِد مِنْ قَوْل الْعَجَّاج , وَهُوَ قَوْله : <br>وَالشَّمْس قَدْ كَادَتْ تَكُون دَنَفًا .......... أَدْفَعهَا بِالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفَا <br>فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَدْفَع شُعَاعهَا لِيَنْظُر إِلَى مَغِيبهَا بِرَاحِهِ . وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاء , فَإِنَّهُ جَعَلَهُ اِسْمًا لِلشَّمْسِ وَكَسَرَ الْحَاء لِإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ عَلَى تَقْدِير قَطَام وَحَذَام وَرَقَاش , فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الدُّلُوك فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْمَيْل , فَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّمْس إِذَا زَالَتْ عَنْ كَبِد السَّمَاء , فَقَدْ مَالَتْ لِلْغُرُوبِ , وَذَلِكَ وَقْت صَلَاة الظُّهْر , وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَاد بَعْضه بَعْض النَّظَر . 17030 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنْي أَبُو بَكْر بْن عَمْرو بْن حَزْم الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَبِي مَسْعُود عُقْبَة بْن عَمْرو , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَتَانِي جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِدُلُوكِ الشَّمْس حِين زَالَتْ فَصَلَّى بِي الظُّهْر . )17031 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : ثني سَيَّار بْن سَلَامَة الرِّيَاحِيّ , قَالَ : قَالَ أَبُو بَرْزَة : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْر إِذَا زَالَتْ الشَّمْس , ثُمَّ تَلَا { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } )17032 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ رَجُل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (دَعَوْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابه , فَطَعِمُوا عِنْدِي , ثُمَّ خَرَجُوا حِين زَالَتْ الشَّمْس , فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : | اُخْرُجْ يَا أَبَا بَكْر قَدْ دَلَكَتْ الشَّمْس . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُثْمَان الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سَهْل بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ نُبَيْح الْعَنَزِيّ , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْو حَدِيث اِبْن حُمَيْد . فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِاَلَّذِي بِهِ اِسْتَشْهَدْنَا , فَبَيَّنَ إِذَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } أَنَّ صَلَاة الظُّهْر وَالْعَصْر بِحُدُودِهِمَا مِمَّا أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْك فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا الصَّلَاتَانِ اللَّتَانِ فَرَضَهُمَا اللَّه عَلَى نَبِيّه مِنْ وَقْت دُلُوك الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل ; وَغَسَق اللَّيْل : هُوَ إِقْبَاله وَدُنُوّهُ بِظَلَامِهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>آبَ هَذَا اللَّيْل إِذْ غَسَقَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي الصَّلَاة الَّتِي أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْده , فَقَالَ بَعْضهمْ : الصَّلَاة الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا عِنْده صَلَاة الْمَغْرِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } قَالَ : غَسَق اللَّيْل : بُدُوّ اللَّيْل . )17034 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (سَمِعْت عِكْرِمَة سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل } قَالَ : بُدُوّ اللَّيْل . )17035 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (غَسَق اللَّيْل : غُرُوب الشَّمْس . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17036 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد عَنْ ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { غَسَق اللَّيْل } : صَلَاة الْمَغْرِب . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِلَى غَسَق اللَّيْل } بُدُوّ اللَّيْل لِصَلَاةِ الْمَغْرِب . )وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : ( لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَة مَا صَلَّوْا صَلَاة الْمَغْرِب قَبْل أَنْ تَبْدُو النُّجُوم . )17037 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد . قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { إِلَى غَسَق اللَّيْل } يَعْنِي ظَلَام اللَّيْل . )17038 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (كَانَ أَبِي يَقُول : { غَسَق اللَّيْل } : ظُلْمَة اللَّيْل . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ صَلَاة الْعَصْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17039 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ أَبِي جَعْفَر ( { إِلَى غَسَق اللَّيْل } قَالَ : صَلَاة الْعَصْر . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الصَّلَاة الَّتِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَتِهَا عِنْد غَسَق اللَّيْل , هِيَ صَلَاة الْمَغْرِب دُون غَيْرهَا , لِأَنَّ غَسَق اللَّيْل هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِقْبَال اللَّيْل وَظَلَامه , وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بَعْد مَغِيب الشَّمْس . فَأَمَّا صَلَاة الْعَصْر , فَإِنَّهَا مِمَّا تُقَام بَيْن اِبْتِدَاء دُلُوك الشَّمْس إِلَى غَسَق اللَّيْل , لَا عِنْد غَسَق اللَّيْل .|وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَقُرْآن الْفَجْر } فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَأَقِمْ قُرْآن الْفَجْر : أَيْ مَا تَقْرَأ بِهِ صَلَاة الْفَجْر مِنْ الْقُرْآن , وَالْقُرْآن مَعْطُوف عَلَى الصَّلَاة فِي قَوْله : { أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس } وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : نُصِبَ قَوْله { وَقُرْآن الْفَجْر } عَلَى الْإِغْرَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : وَعَلَيْك قُرْآن الْفَجْر { إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } يَقُول : إِنَّ مَا تَقْرَأ بِهِ فِي صَلَاة الْفَجْر مِنْ الْقُرْآن كَانَ مَشْهُودًا , يَشْهَدهُ فِيمَا ذُكِرَ مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : وَجَاءَتْ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 17040 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن مَسْعُود عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , (عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَة { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : | تَشْهَدهُ مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار . )17041 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا لَيْث بْن سَعْد ; وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ زِيَادَة بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ فَضَالَة بْن عُبَيْد , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ اللَّه يَفْتَح الذِّكْر فِي ثَلَاث سَاعَات يَبْقَيْنَ مِنْ اللَّيْل : فِي السَّاعَة الْأُولَى مِنْهُنَّ يَنْظُرهُ فِي الْكِتَاب الَّذِي لَا يَنْظُر فِيهِ أَحَد غَيْره فَيَمْحُوا مَا يَشَاء وَيُثْبِت , ثُمَّ يَنْزِل فِي السَّاعَة الثَّانِيَة إِلَى جَنَّة عَدْن , وَهِيَ دَاره الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْن , وَلَا تَخْطِر عَلَى قَلْب بَشَر , وَهِيَ مَسْكَنه , وَلَا يَسْكُن مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَم غَيْر ثَلَاثَة : النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء ثُمَّ يَقُول : طُوبَى لِمَنْ دَخَلَك , ثُمَّ يَنْزِل فِي السَّاعَة الثَّالِثَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَته فَتَنْتَفِض , فَيَقُول : قُومِي بِعَوْنِي , لَمْ يَطَّلِع إِلَى عِبَاده , فَيَقُول : مَنْ يَسْتَغْفِرنِي أَغْفِر لَهُ , مَنْ يَسْأَلنِي أَعْطِهِ , مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيب لَهُ حَتَّى يَطْلُع الْفَجْر , فَذَلِكَ حِين يَقُول { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثه : شَهِدَهُ اللَّه وَمَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار . وَقَالَ اِبْن عَسْكَر فِي حَدِيثه : فَيَشْهَدهُ اللَّه وَمَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار . )17042 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُقْبَة بْن عَبْد الْغَافِر , قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه : (كَانَ عَبْد اللَّه يُحَدِّث أَنَّ صَلَاة الْفَجْر عِنْدهَا يَجْتَمِع الْحَرَسَان مِنْ مَلَائِكَة اللَّه , وَيَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ , مَشْهُودًا } )17043 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } وَقُرْآن الْفَجْر : صَلَاة الصُّبْح , كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ عِنْدهَا يَجْتَمِع الْحَرَسَان مِنْ مَلَائِكَة اللَّه حَرَس اللَّيْل وَحَرَس النَّهَار . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَقُرْآن الْفَجْر } صَلَاة الْفَجْر . )وَأَمَّا قَوْله : { كَانَ مَشْهُودًا } فَإِنَّهُ يَقُول : مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار يَشْهَدُونَ تِلْكَ الصَّلَاة . 17044 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , (عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : تَنْزِل مَلَائِكَة النَّهَار وَتَصْعَد مَلَائِكَة اللَّيْل . )* - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ ضِرَار بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْهُذَيْل , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , فِي قَوْله : ( { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : يَشْهَدهُ حَرَس اللَّيْل وَحَرَس النَّهَار مِنْ الْمَلَائِكَة فِي صَلَاة الْفَجْر . )17045 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ تَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار فِي صَلَاة الْفَجْر فَتَشْهَد فِيهَا جَمِيعًا , ثُمَّ يَصْعَد هَؤُلَاءِ وَيُقِيم هَؤُلَاءِ . )17046 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } يَعْنِي صَلَاة الصُّبْح . )17047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَقُرْآن الْفَجْر } قَالَ : صَلَاة الصُّبْح . )17048 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَقُرْآن الْفَجْر } صَلَاة الصُّبْح { إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : تَجْتَمِع فِي صَلَاة الْفَجْر مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار . )17049 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَقُرْآن الْفَجْر } يَعْنِي صَلَاة الْغَدَاة . )17050 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { وَقُرْآن الْفَجْر } قَالَ : صَلَاة الْفَجْر { إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : مَشْهُودًا مِنْ الْمَلَائِكَة فِيمَا يَذْكُرُونَ . قَالَ : وَكَانَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَأُبَيّ بْن كَعْب يَقُولَانِ : الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي حَضَّ اللَّه عَلَيْهَا : صَلَاة الصُّبْح . قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاة الظُّهْر وَصَلَاة الْعَصْر : صَلَاتَا النَّهَار , وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء : صَلَاتَا اللَّيْل , وَهِيَ بَيْنهَا , وَهِيَ صَلَاة نَوْم , مَا نَعْمَل صَلَاة يَغْفُل عَنْهَا مِثْلهَا . )17051 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ أَبِي الْوَرْد بْن ثُمَامَة , عَنْ أَبِي مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ , قَالَ : (ثنا كَعْب فِي هَذَا الْمَسْجِد , قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْس كَعْب بِيَدِهِ , إِنَّ هَذِهِ الْآيَة { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } إِنَّهَا لَصَلَاة الْفَجْر إِنَّهَا لَمَشْهُودَة . )* - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَبَّاس , قَالَ : ثنا بِشْر بْن شُعَيْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثَنْي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : (سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | تَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار فِي صَلَاة الْفَجْر | , ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة : اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا } قَالَ : صَلَاة الْفَجْر تَجْتَمِع فِيهَا مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار .)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ اللَّيْل فَاسْهَرْ بَعْد نَوْمَة يَا مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ , نَافِلَة لَك خَالِصَة دُون أُمَّتك . وَالتَّهَجُّد : التَّيَقُّظ وَالسَّهَر بَعْد نَوْمَة مِنْ اللَّيْل . وَأَمَّا الْهُجُود نَفْسه : فَالنَّوْم , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاق هُجُود .......... فَبَاتَتْ بِعَلَّاتِ النَّوَال تَجُود <br>وَقَالَ الْحُطَيْئَة : <br>أَلَا طَرَقَتْ هِنْد الْهُنُود وَصُحْبَتِي .......... بِحَوْرَانَ حَوَرَانِ الْجُنُود هُجُود <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17052 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبِي وَشُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ اللَّيْث , عَنْ مُجَاهِد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , (عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر , فَقَالَ : لَأَنْظُرَن كَيْف يُصَلِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَنَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ , فَرَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء , فَتَلَا أَرْبَع آيَات مِنْ آخِر سُورَة آل عِمْرَان { إِنَّ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } [3 190 ]حَتَّى مَرَّ بِالْأَرْبَعِ , ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرْبَة , فَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَنَّ بِهِ , ثُمَّ تَوَضَّأَ , ثُمَّ صَلَّى , ثُمَّ نَامَ , ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كَصُنْعِهِ أَوَّل مَرَّة , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ التَّهَجُّد الَّذِي أَمَرَهُ اللَّه . )17053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سَعِيد , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَلْقَمَة وَالْأَسْوَد أَنَّهُمَا قَالَا : (التَّهَجُّد بَعْد نَوْمَة . )17054 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : (التَّهَجُّد : بَعْد نَوْمَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثني أَبُو إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَلْقَمَة وَالْأَسْوَد , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , قَالَ : (التَّهَجُّد : بَعْد النَّوْم . )17055 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (التَّهَجُّد : مَا كَانَ بَعْد الْعِشَاء الْآخِرَة . )17056 - حَدَّثَنَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ اللَّيْث , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ الْأَعْرَج , عَنْ كَثِير بْن الْعَبَّاس , عَنْ الْحَجَّاج بْن عَمْرو , قَالَ : (إِنَّمَا التَّهَجُّد بَعْد رَقْدَة .)|نَافِلَةً لَكَ|وَأَمَّا قَوْله { نَافِلَة لَك } فَإِنَّهُ يَقُول : نَفْلًا لَك عَنْ فَرَائِضك الَّتِي فَرَضْتهَا عَلَيْك . وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله خُصَّ , بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعَ كَوْن صَلَاة كُلّ مُصَلٍّ بَعْد هُجُوده , إِذَا كَانَ قَبْل هُجُوده قَدْ كَانَ أَدَّى فَرَائِضه نَافِلَة نَفْلًا , إِذْ كَانَتْ غَيْر وَاجِبَة عَلَيْهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى خُصُوصه بِذَلِكَ : هُوَ أَنَّهَا كَانَتْ فَرِيضَة عَلَيْهِ , وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَطَوُّع , وَقِيلَ لَهُ : أَقِمْهَا نَافِلَة لَك : أَيْ فَضْلًا لَك مِنْ الْفَرَائِض الَّتِي فَرَضْتهَا عَلَيْك عَمَّا فُرِضَتْ عَلَى غَيْرك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17057 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك } يَعْنِي بِالنَّافِلَةِ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْل وَكُتِبَ عَلَيْهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِعْله ذَلِكَ يُكَفِّر عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوب , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ , فَكَانَ لَهُ نَافِلَة فَضْل , فَأَمَّا غَيْره فَهُوَ لَهُ كَفَّارَة , وَلَيْسَ هُوَ لَهُ نَافِلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17058 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (النَّافِلَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ , فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَل سِوَى الْمَكْتُوبَة , فَهُوَ نَافِلَة مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَا يَعْمَل ذَلِكَ فِي كَفَّارَة الذُّنُوب , فَهِيَ نَوَافِل وَزِيَادَة , وَالنَّاس يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَة لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتهَا , فَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ نَوَافِل . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ خَصَّهُ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَام اللَّيْل , دُون سَائِر أُمَّته . فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ , فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ رَسُول اللَّه فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ أَكْثَر مَا كَانَ اِسْتِغْفَارًا لِذُنُوبِهِ بَعْد نُزُول قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ { لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ } وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْد مُنْصَرَفه مِنْ الْحُدَيْبِيَة , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ { إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح } عَام قُبِضَ . وَقِيلَ لَهُ فِيهَا { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } فَكَانَ يَعُدّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِس الْوَاحِد اِسْتِغْفَار مِائَة مَرَّة وَمَعْلُوم أَنَّ اللَّه لَمْ يَأْمُرهُ أَنْ يَسْتَغْفِر إِلَّا لِمَا يَغْفِر لَهُ بِاسْتِغْفَارِهِ ذَلِكَ , فَبَيَّنَ إِذَنْ وَجْه فَسَاد مَا قَالَهُ مُجَاهِد . 17059 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شِمْر , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ شَهْر , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : (إِنَّمَا كَانَتْ النَّافِلَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة . )17060 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { نَافِلَة لَك } قَالَ : تَطَوُّعًا وَفَضِيلَة لَك .)|عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا|وَقَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , وَإِنَّمَا وَجْه قَوْل أَهْل الْعِلْم : عَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّه لَا يَدَع أَنْ يَفْعَل بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ وَالْعِوَض عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَته الْغُرُور , وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعه , إِذَا هُوَ تَعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ , فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعهُ , وَلَا سَبَب يَحُول بَيْنه وَبَيْن نَفْعه إِيَّاهُ مَعَ الْأَطْمَاع الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُده إِيَّاهُ وَلُزُومه , فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافه إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَته الْغُرُور لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مَنْ طَمِعَ عَلَى طَاعَته , أَوْ عَلَى فِعْل مِنْ الْأَفْعَال , أَوْ أَمْر أَوْ نَهْي أَمَرَهُمْ بِهِ , أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ , فَإِنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِهِ , وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَةِ الَّتِي لَا يُخْلَف الْوَفَاء بِهَا , قَالُوا : عَسَى وَلَعَلَّ مِنْ اللَّه وَاجِبَة . وَتَأْوِيل الْكَلَام : أَقِمْ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الَّتِي أَمَرْتُك بِإِقَامَتِهَا فِيهَا , وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ فَرْضًا فَرَضْته عَلَيْك , لَعَلَّ رَبّك يَبْعَثك يَوْم الْقِيَامَة مَقَامًا تَقُوم فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدهُ , وَتُغْبَط فِيهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود , فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : ذَلِكَ هُوَ الْمَقَام الَّذِي هُوَ يَقُومهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبّهمْ مِنْ عَظِيم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ الْيَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17061 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : (يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , فَيَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا , قِيَامًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , يُنَادَى : يَا مُحَمَّد , فَيَقُول : | لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , عَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَبِك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ هَذَا الْبَيْت | ; فَهَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد . فَلَا تَكَلَّم نَفْس , فَأَوَّل مَا يَدْعُو مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُوم مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : | لَبَّيْكَ | , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 17062 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ رِشْدِين بْن كُرَيْب , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , (قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة . )17063 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , (عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : ثُمَّ يُؤْمَر بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَب عَلَى جِسْر جَهَنَّم , فَيَمُرّ النَّاس بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ ; يَمُرّ أَوَّلهمْ كَالْبَرْقِ , وَكَمَرِّ الرِّيح , وَكَمَرِّ الطَّيْر , وَكَأَسْرَع الْبَهَائِم , ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل سَعْيًا , ثُمَّ مَشْيًا , حَتَّى يَجِيء آخِرهمْ يَتَلَبَّط عَلَى بَطْنه , فَيَقُول : رَبّ لِمَا أَبْطَأْت بِي , فَيَقُول : إِنِّي لَمْ أُبْطِئ بِك , إِنَّمَا أَبْطَأَ بِك عَمَلك , قَالَ : ثُمَّ يَأْذَن اللَّه فِي الشَّفَاعَة , فَيَكُون أَوَّل شَافِع يَوْم الْقِيَامَة جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , رُوح الْقُدُس , ثُمَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , ثُمَّ مُوسَى , أَوْ عِيسَى , قَالَ أَبُو الزَّعْرَاء : لَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ ; قَالَ : ثُمَّ يَقُوم نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا , فَلَا يَشْفَع أَحَد بَعْده فِيمَا يَشْفَع فِيهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } )17064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , (عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . )17065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , (عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17066 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : (هُوَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته , فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )17067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيِّرَ بَيْن أَنْ يَكُون نَبِيًّا عَبْدًا , أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا , فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام : أَنْ تَوَاضَعْ , فَاخْتَارَ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَكُون عَبْدًا نَبِيًّا , فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيّ اللَّه ثِنْتَيْنِ : إِنَّهُ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض , وَأَوَّل شَافِع . وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر وَالثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ : (سَمِعْت حُذَيْفَة يَقُول فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد حَيْثُ يَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , فَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة , كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , قَالَ : فَيُنَادَى مُحَمَّد , فَيَقُول : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك , وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , وَعَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَلَك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَى مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ الْبَيْت , قَالَ : فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ حُذَيْفَة : (يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , حَيْثُ يَنْفُذهُمْ الْبَصَر , وَيُسْمِعهُمْ الدَّاعِي , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا أَوَّل مَرَّة , ثُمَّ يَقُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : | لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك | , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : هُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه أَنْ يَبْعَثهُ إِيَّاهُ , هُوَ أَنْ يُقَاعِدهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17068 - حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن يَعْقُوب الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يُجْلِسهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه . وَذَلِكَ مَا : 17069 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ دَاوُدَ بْن يَزِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } سُئِلَ عَنْهَا , قَالَ : | هِيَ الشَّفَاعَة . )17070 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَرْب , قَالَ : ثنا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا دَاوُدَ بْن يَزِيد الْأَوْدِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , (عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : | هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع فِيهِ لِأُمَّتِي . )17071 - حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَة الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة , فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي , فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )17072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا شُعَيْب بْن اللَّيْث , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغ الْعَرَق نِصْف الْأُذُن , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِسْتَغَاثُوا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول : لَسْت صَاحِب ذَلِكَ , ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول كَذَلِكَ ; ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيُشَفَّع بَيْن الْخَلْق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلَقَةِ الْجَنَّة , فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا . )17073 - حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد عُمَر بْن شَبَّة , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ عَلِيّ بْن الْحَكَم , قَالَ : ثَنْي عُثْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ الْأَسْوَد وَعَلْقَمَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنِّي لَأَقُوم الْمَقَام الْمَحْمُود | فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ , فَيَلْبَسهُمَا , ثُمَّ يَقْعُد مُسْتَقْبِل الْعَرْش , ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسهَا , فَأَقُوم عَنْ يَمِينه مَقَامًا لَا يَقُومهُ غَيْرِي يَغْبِطنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , ثُمَّ يُفْتَح نَهَر مِنْ الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض . )17074 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم حَتَّى لَا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ | , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَأَكُون أَوَّل مَنْ يُدْعَى وَجَبْرَائِيل عَنْ يَمِين الرَّحْمَن , وَاَللَّه مَا رَآهُ قَبْلهَا , فَأَقُول : أَيْ رَبّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّك أَرْسَلْته إِلَيَّ , فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ , ثُمَّ أُشَفَّع , قَالَ : فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ : | إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة | , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : ( ثُمَّ أُشَفَّع فَأَقُول : يَا رَبّ عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الْأَرْض , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )17075 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ آدَم , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ النَّاس يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَجِيء مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته , ثُمَّ يَجِيء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْأُمَم هُوَ وَأُمَّته , فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّته عَلَى كَوْم فَوْق النَّاس , فَيَقُول : يَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , فَمَا زَالَ يَرُدّهَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَرْجِع ذَلِكَ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه إِيَّاهُ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا حَيْوَة وَرَبِيع , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود . )وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ , فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه يُقْعِد مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , قَوْل غَيْر مَدْفُوع صِحَّته , لَا مِنْ جِهَة خَبَر وَلَا نَظَر , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَابه , وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ . فَأَمَّا مِنْ جِهَة النَّظَر , فَإِنَّ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام إِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُه ثَلَاثَة : فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ : اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَائِن مِنْ خَلْقه كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَلَمْ يَمَاسَّهَا , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ , غَيْر أَنَّ الْأَشْيَاء الَّتِي خَلَقَهَا , إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا , وَجَبَ أَنْ يَكُون لَهَا مُبَايِنًا , إِذْ لَا فِعَال لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِن لَهَا . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَاعِل الْأَشْيَاء , وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهُ يُوصَف بِأَنَّهُ مُمَاسّ لِلْأَشْيَاءِ , وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِن , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى الْأَرْض إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ إِنَّ بَيْنُونَته مِنْ عَرْشه , وَبَيْنُونَته مِنْ أَرْضه بِمَعْنًى وَاحِد فِي أَنَّهُ بَائِن مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا , غَيْر مُمَاسّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْل الْأَشْيَاء خَلْقه لَا شَيْء يُمَاسّهُ وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , فَعَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى أَرْضه , إِذْ كَانَ سَوَاء عَلَى قَوْلهمْ عَرْشه وَأَرْضه فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذَا , كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاء وَخَلَقَهَا , فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اِسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا , وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا , كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يَرْزُقهُ رِزْقًا , وَلَا شَيْء يُحَرِّمهُ ذَلِكَ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَّمَ هَذَا , وَأَعْطَى هَذَا , وَمَنَعَ هَذَا , قَالُوا : فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء يُمَاسّهُ وَلَا يُبَايِنهُ , وَخَلَقَ الْأَشْيَاء فَمَاسَّ الْعَرْش بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُون سَائِر خَلْقه , فَهُوَ مُمَاسّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقه , وَمُبَايِن مَا شَاءَ مِنْهُ , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَر مِنْ نُور , إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ جُلُوس الرَّبّ عَلَى عَرْشه , لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَل جَمِيع الْعَرْش , وَلَا فِي إِقْعَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرِجه مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ , كَمَا أَنَّ مُبَايَنَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنْ الْأَشْيَاء غَيْر مُوجِبَة لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرَجَته مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُ مَوْصُوف بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِن , كَمَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُوف عَلَى قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنَّهُ مُبَايِن لَهَا , هُوَ مُبَايِن لَهُ . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِن وَمُبَايِن لَا يُوجِب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوج مِنْ صِفَة الْعُبُودَة وَالدُّخُول فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّة , فَكَذَلِكَ لَا يُوجِب لَهُ ذَلِكَ قُعُوده عَلَى عَرْش الرَّحْمَن , فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْر مُحَال فِي قَوْل أَحَد مِمَّنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقْعِد مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّا لَا نُنْكِر إِقْعَاد اللَّه مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , وَإِنَّمَا نُنْكِر إِقْعَاده . 17076 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن عَبْد الْعَظِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ سَيْف السَّدُوسِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : (إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كُرْسِيّ الرَّبّ بَيْن يَدَيْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )وَإِنَّمَا يُنْكِر إِقْعَاده إِيَّاهُ مَعَهُ . قِيلَ : أَفَجَائِز عِنْدك أَنْ يُقْعِدهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ . فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ , أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدهُ , وَاَللَّه لِلْعَرْشِ مُبَايِن , أَوْ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن , وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْض مَا كَانَ يُنْكِرهُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْل جَمِيع الْفِرَق الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلهمْ , وَذَلِكَ فِرَاق لِقَوْلِ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام , إِذْ كَانَ لَا قَوْل فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي حَكَيْنَاهَا , وَغَيْر مُحَال فِي قَوْل مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ .

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد يَا رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى مُدْخَل الصِّدْق الَّذِي أَمَرَهُ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْغَب إِلَيْهِ فِي أَنْ يُدْخِلهُ إِيَّاهُ , وَفِي مُخْرَج الصِّدْق الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَرْغَب إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجهُ إِيَّاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِمُدْخَلِ الصِّدْق : مُدْخَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , حِين هَاجَرَ إِلَيْهَا , وَمُخْرَج الصِّدْق : مُخْرَجه مِنْ مَكَّة , حِين خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17077 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَانَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة , ثُمَّ أَمَرَ بِالْهِجْرَةِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِسْمه ; { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا } )17078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : ( { أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } قَالَ : كُفَّار أَهْل مَكَّة لَمَّا اِئْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ , أَوْ يَطْرُدُوهُ , أَوْ يُوثِقُوهُ , وَأَرَادَ اللَّه قِتَال أَهْل مَكَّة , فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُج إِلَى الْمَدِينَة , فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّه { أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق } )17079 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { مُدْخَل صِدْق } قَالَ : الْمَدِينَة { وَمُخْرَج صِدْق } قَالَ : مَكَّة . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْ مَكَّة إِلَى الْهِجْرَة بِالْمَدِينَةِ . )17080 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } قَالَ : الْمَدِينَة حِين هَاجَرَ إِلَيْهَا , وَمُخْرَج صِدْق : مَكَّة حِين خَرَجَ مِنْهَا مُخْرَج صِدْق , قَالَ ذَلِكَ حِين خَرَجَ مُهَاجِرًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقُلْ رَبّ أَمِتْنِي إِمَاتَة صِدْق , وَأَخْرِجْنِي بَعْد الْمَمَات مِنْ قَبْرِي يَوْم الْقِيَامَة مُخْرَج صِدْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق } . ... الْآيَة , قَالَ : يَعْنِي بِالْإِدْخَالِ : الْمَوْت , وَالْإِخْرَاج : الْحَيَاة بَعْد الْمَمَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : أَدْخِلْنِي فِي أَمْرك الَّذِي أَرْسَلْتنِي مِنْ النُّبُوَّة مُدْخَل صِدْق , وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ مُخْرَج صِدْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17082 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق } قَالَ : فِيمَا أَرْسَلْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرك { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } قَالَ كَذَلِكَ أَيْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق : الْجَنَّة , وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق : مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17083 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : ( { أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق } الْجَنَّة { وَمُخْرَج صِدْق } مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَام مُدْخَل صِدْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17084 - حَدَّثَنَا سَهْل بْن مُوسَى الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : ( { رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق } قَالَ : أَدْخِلْنِي فِي الْإِسْلَام مُدْخَل صِدْق { وَأَخْرِجْنِي } مِنْهُ { مُخْرَج صِدْق } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَدْخِلْنِي مَكَّة آمِنًا , وَأَخْرِجْنِي مِنْهَا آمِنًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17085 - حَدَّثَتْ عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك قَالَ فِي قَوْله : { رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } يَعْنِي مَكَّة , دَخَلَ فِيهَا آمِنًا , وَخَرَجَ مِنْهَا آمِنًا . )وَأَشْبَهَ هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَدْخِلْنِي الْمَدِينَة مُدْخَل صِدْق , وَأَخْرِجْنِي مِنْ مَكَّة مُخْرَج صِدْق . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيب قَوْله : { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى , عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَهْل مَكَّة ; فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيب خَبَر اللَّه عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَرَادُوا مِنْ اِسْتِفْزَازهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيُخْرِجُوهُ عَنْ مَكَّة , كَانَ بَيِّنًا , إِذْ كَانَ اللَّه قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا , أَنَّ قَوْله : { وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق } أَمْر مِنْهُ لَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُخْرِجهُ مِنْ الْبَلْدَة الَّتِي هَمَّ الْمُشْرِكُونَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا مُخْرَج صِدْق , وَأَنْ يُدْخِلهُ الْبَلْدَة الَّتِي نَقَلَهُ اللَّه إِلَيْهَا مُدْخَل صِدْق .|وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا|وَقَوْله : { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلْ لِي مُلْكًا نَاصِرًا يَنْصُرنِي عَلَى مَنْ نَاوَأَنِي , وَعِزًّا أُقِيم بِهِ دِينك , وَأَدْفَع بِهِ عَنْهُ مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17086 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا } يُوعِدهُ لَيَنْزِعَن مُلْك فَارِس , وَعِزّ فَارِس , وَلَيَجْعَلَنهُ لَهُ . وَعِزّ الرُّوم , وَمُلْك الرُّوم , وَلَيَجْعَلَنهُ لَهُ . )17087 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا } وَإِنَّ نَبِيّ اللَّه عَلِمَ أَنْ لَا طَاقَة لَهُ بِهَذَا الْأَمْر إِلَّا بِسُلْطَانٍ , فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَلِحُدُودِ اللَّه , وَلِفَرَائِض اللَّه , وَلِإِقَامَةِ دِين اللَّه , وَإِنَّ السُّلْطَان رَحْمَة مِنْ اللَّه جَعَلَهَا بَيْن أَظْهُر عِبَاده , لَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , فَأَكَلَ شَدِيدهمْ ضَعِيفهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ حُجَّة بَيِّنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , (عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { سُلْطَانًا نَصِيرًا } قَالَ : حُجَّة بَيِّنَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُؤْتِيه سُلْطَانًا نَصِيرًا لَهُ عَلَى مَنْ بَغَاهُ وَكَادَهُ , وَحَاوَلَ مَنْعه مِنْ إِقَامَته فَرَائِض اللَّه فِي نَفْسه وَعِبَاده . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيب خَبَر اللَّه عَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ هَمُّوا بِهِ مِنْ إِخْرَاجه مِنْ مَكَّة , فَأَعْلَمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ عُوجِلُوا بِالْعَذَابِ عَنْ قَرِيب , ثُمَّ أَمَرَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي إِخْرَاجه مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ إِخْرَاج صِدْق يُحَاوِلهُ عَلَيْهِمْ , وَيُدْخِلهُ بَلْدَة غَيْرهَا , بِمُدْخَلِ صِدْق يُحَاوِلهُ عَلَيْهِمْ وَلِأَهْلِهَا فِي دُخُولهَا إِلَيْهَا , وَأَنْ يَجْعَل لَهُ سُلْطَانًا نَصِيرًا عَلَى أَهْل الْبَلْدَة الَّتِي أَخْرَجَهُ أَهْلهَا مِنْهَا , وَعَلَى كُلّ مَنْ كَانَ لَهُمْ شَبِيهًا , وَإِذَا أُوتِيَ ذَلِكَ , فَقَدْ أُوتِيَ لَا شَكَّ حُجَّة بَيِّنَة . وَأَمَّا قَوْله : { نَصِيرًا } فَإِنَّ اِبْن زَيْد كَانَ يَقُول فِيهِ , نَحْو قَوْلنَا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . 17089 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا } قَالَ : يَنْصُرنِي , وَقَدْ قَالَ اللَّه لِمُوسَى { سَنَشُدُّ عَضُدك بِأَخِيك وَنَجْعَل لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا } [28 35 ]هَذَا مُقَدَّم وَمُؤَخَّر , إِنَّمَا هُوَ سُلْطَان بِآيَاتِنَا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا .)

وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا : { جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحَقّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْلِم الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ , وَالْبَاطِل الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُعْلِمهُمْ أَنَّهُ قَدْ زَهَقَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْحَقّ : هُوَ الْقُرْآن فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَالْبَاطِل : هُوَ الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17090 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ } قَالَ : الْحَقّ : الْقُرْآن { وَزَهَقَ الْبَاطِل إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ } قَالَ : الْقُرْآن : { وَزَهَقَ الْبَاطِل } قَالَ : هَلَكَ الْبَاطِل وَهُوَ الشَّيْطَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِالْحَقِّ جِهَاد الْمُشْرِكِينَ وَبِالْبَاطِلِ الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17091 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ } قَالَ : دَنَا الْقِتَال { وَزَهَقَ الْبَاطِل } قَالَ : الشِّرْك وَمَا هُمْ فِيهِ . )17092 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَبِي مَعْمَر , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : (دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة , وَحَوْل الْبَيْت ثَلَاث مِائَة وَسِتُّونَ صَنَمًا , فَجَعَلَ يَطْعَنهَا وَيَقُول : { جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِل إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا } )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : أَمَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِر الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْحَقّ قَدْ جَاءَ , وَهُوَ كُلّ مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ رِضَا وَطَاعَة , وَأَنَّ الْبَاطِل قَدْ زَهَقَ : يَقُول : وَذَهَبَ كُلّ مَا كَانَ لَا رِضَا لِلَّهِ فِيهِ وَلَا طَاعَة مِمَّا هُوَ لَهُ مَعْصِيَة وَلِلشَّيْطَانِ طَاعَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَقّ هُوَ كُلّ مَا خَالَفَ طَاعَة إِبْلِيس , وَأَنَّ الْبَاطِل : هُوَ كُلّ مَا وَافَقَ طَاعَته , وَلَمْ يَخْصُصْ اللَّه عَزَّ ذِكْره بِالْخَبَرِ عَنْ بَعْض طَاعَاته , وَلَا ذَهَاب بَعْض مَعَاصِيه , بَلْ عَمَّ الْخَيْر عَنْ مَجِيء جَمِيع الْحَقّ , وَذَهَاب جَمِيع الْبَاطِل , وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن وَالتَّنْزِيل , وَعَلَى ذَلِكَ قَاتَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , أَعْنِي عَلَى إِقَامَة جَمِيع الْحَقّ , وَإِبْطَال جَمِيع الْبَاطِل . وَأَمَّا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَزَهَقَ الْبَاطِل } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : ذَهَبَ الْبَاطِل , مِنْ قَوْلهمْ : زَهَقَتْ نَفْسه : إِذَا خَرَجَتْ وَأَزْهَقْتهَا أَنَا ; وَمِنْ قَوْلهمْ : أَزْهَقَ السَّهْم : إِذَا جَاوَزَ الْغَرَض فَاسْتَمَرَّ عَلَى جِهَته , يُقَال مِنْهُ : زَهَقَ الْبَاطِل , يَزْهَق زَهُوقًا , وَأَزْهَقَهُ اللَّه : أَيْ أَذْهَبَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17093 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا } يَقُول : ذَاهِبًا .)

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا

وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنُنَزِّل عَلَيْك يَا مُحَمَّد مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ الْجَهْل مِنْ الضَّلَالَة , وَيُبْصِر بِهِ مِنْ الْعَمَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَة لَهُمْ دُون الْكَافِرِينَ بِهِ , لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِض اللَّه , وَيُحِلُّونَ حَلَاله , وَيُحَرِّمُونَ حَرَامه فَيُدْخِلهُمْ بِذَلِكَ الْجَنَّة , وَيُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَابه , فَهُوَ لَهُمْ رَحْمَة وَنِعْمَة مِنْ اللَّه , أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ { وَلَا يَزِيد الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } يَقُول : وَلَا يَزِيد هَذَا الَّذِي نُنَزِّل عَلَيْك مِنْ الْقُرْآن الْكَافِرِينَ بِهِ إِلَّا خَسَارًا : يَقُول : إِهْلَاكًا , لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهِ أَمْر مِنْ اللَّه بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْ شَيْء كَفَرُوا بِهِ , فَلَمْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ , وَلَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ , فَزَادَهُمْ ذَلِكَ خَسَارًا إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْ الْخَسَار , وَرِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ قَبْل , كَمَا : 17094 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ } إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِن اِنْتَفَعَ بِهِ وَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ { وَلَا يَزِيد الظَّالِمِينَ } بِهِ { إِلَّا خَسَارًا } أَنَّهُ لَا يَنْتَفِع بِهِ وَلَا يَحْفَظهُ وَلَا يَعِيه , وَإِنَّ اللَّه جَعَلَ هَذَا الْقُرْآن شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ .)

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } </subtitle>يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان , فَنَجَّيْنَاهُ مِنْ رَبّ مَا هُوَ فِيهِ فِي الْبَحْر , وَهُوَ مَا قَدْ أَشْرَفَ فِيهِ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاك بِعُصُوفِ الرِّيح عَلَيْهِ إِلَى الْبَرّ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ نِعَمنَا , أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرنَا , وَقَدْ كَانَ بِنَا مُسْتَغِيثًا دُون كُلّ أَحَد سِوَانَا فِي حَال الشِّدَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } يَقُول : وَبَعُدَ مِنَّا بِجَانِبِهِ , يَعْنِي بِنَفْسِهِ , كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَسَّهُ قَبْل ذَلِكَ , كَمَا : 17095 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } قَالَ : تَبَاعَدَ مِنَّا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَالْقِرَاءَة عَلَى تَصْيِير الْهَمْزَة فِي نَأَى قَبْل الْأَلِف , وَهِيَ اللُّغَة الْفَصِيحَة , وَبِهَا نَقْرَأ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة يَقْرَأ ذَلِكَ | وَنَاءَ | فَيَصِير الْهَمْزَة بَعْد الْأَلِف , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لُغَة جَائِزَة قَدْ جَاءَتْ عَنْ الْعَرَب بِتَقْدِيمِهِمْ فِي نَظَائِر ذَلِكَ الْهَمْز فِي مَوْضِع هُوَ فِيهِ مُؤَخَّر , وَتَأْخِيرهُمُوهُ فِي مَوْضِع , هُوَ مُقَدَّم , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَعْلَام يُقَلِّل رَاء رُؤْيَا .......... فَهْوَ يَهْذِي بِمَا رَأَى فِي الْمَنَام <br>وَكَمَا قَالَ آبَار وَهِيَ أَبْآر , فَقَدَّمُوا الْهَمْزَة , فَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ اللُّغَة الْجُودَى , بَلْ الْأُخْرَى هِيَ الْفَصِيحَة .|وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا|وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ كَانَ يَئُوسًا } يَقُول : وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ وَالشِّدَّة كَانَ قُنُوطًا مِنْ الْفَرَج وَالرَّوْح . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْيَئُوس , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17096 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ كَانَ يَئُوسًا } يَقُول : قَنُوطًا . )17097 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ كَانَ يَئُوسًا } يَقُول : إِذَا مَسَّهُ الشَّرّ أَيِسَ وَقَنِطَ .)

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته فَرَبّكُمْ أَعْلَم بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا } </subtitle>يَقُول عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّاسِ : كُلّكُمْ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته : عَلَى نَاحِيَته وَطَرِيقَته { فَرَبّكُمْ أَعْلَم بِمَنْ } هُوَ مِنْكُمْ { أَهْدَى سَبِيلًا } يَقُول : رَبّكُمْ أَعْلَم بِمَنْ هُوَ مِنْكُمْ أَهْدَى طَرِيقًا إِلَى الْحَقّ مِنْ غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17098 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته } يَقُول : عَلَى نَاحِيَته . )17099 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَلَى شَاكِلَته } قَالَ : عَلَى نَاحِيَته . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { قُلْ كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته } قَالَ : عَلَى طَبِيعَته عَلَى حِدَته . )17100 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قُلْ كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته } يَقُول : عَلَى نَاحِيَته وَعَلَى مَا يَنْوِي . )وَقَالَ آخَرُونَ : الشَّاكِلَة : الدِّين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17101 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته } قَالَ : عَلَى دِينه , الشَّاكِلَة : الدِّين .)

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيَسْأَلك الْكُفَّار بِاَللَّهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب عَنْ الرُّوح مَا هِيَ ؟ قُلْ لَهُمْ : الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي , وَمَا أُوتِيتُمْ أَنْتُمْ وَجَمِيع النَّاس مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوح , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهَا , كَانُوا قَوْمًا مِنْ الْيَهُود . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 17102 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (كُنْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْث بِالْمَدِينَةِ , وَمَعَهُ عَسِيب يَتَوَكَّأ عَلَيْهِ , فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُود , فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْأَلُوهُ عَنْ الرُّوح , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا تَسْأَلُوهُ , فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَسِيبه , فَقُمْت خَلْفه , فَظَنَنْت أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ , فَقَالَ : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَلَمْ نَقُلْ لَكُمْ لَا تَسْأَلُوهُ . )* - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّة بِالْمَدِينَةِ , إِذْ مَرَرْنَا عَلَى يَهُود , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَلُوهُ عَنْ الرُّوح , فَقَالُوا : مَا رَابَكُمْ إِلَى أَنْ تَسْمَعُوا مَا تَكْرَهُونَ , فَقَامُوا إِلَيْهِ , فَسَأَلُوهُ , فَقَامَ فَعَرَفْت أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ , فَقُمْت مَكَانِي , ثُمَّ قَرَأَ : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَقَالُوا : أَلَمْ نَنْهَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوهُ . )17103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (سَأَلَ أَهْل الْكِتَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوح , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَقَالُوا : أَتَزْعُمُ إِنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا , وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاة , وَهِيَ الْحِكْمَة , { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [2 269 ]قَالَ : فَنَزَلَتْ : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } [31 27 ]قَالَ : مَا أُوتِيتُمْ مِنْ عِلْم , فَنَجَّاكُمْ اللَّه بِهِ مِنْ النَّار , فَهُوَ كَثِير طَيِّب , وَهُوَ فِي عِلْم اللَّه قَلِيل . )* - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن أَبِي الْمُتَوَكِّل , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ أَبُو عَاصِم الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن عِيسَى أَبُو يَعْقُوب , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن مَعْن , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِنِّي لَمَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْث بِالْمَدِينَةِ , إِذْ أَتَاهُ يَهُودِيّ , قَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم , مَا الرُّوح ؟ فَسَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي } )17104 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } لَقِيَتْ الْيَهُود نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَغْشَوْهُ وَسَأَلُوهُ وَقَالُوا : إِنْ كَانَ نَبِيًّا عَلِمَ , فَسَيَعْلَمُ ذَلِكَ , فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوح , وَعَنْ أَصْحَاب الْكَهْف , وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ; فَأَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه ذَلِكَ كُلّه { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } يَعْنِي الْيَهُود . )17105 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } قَالَ : يَهُود تَسْأَل عَنْهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } قَالَ : يَهُود تَسْأَلهُ . )17106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } . ... الْآيَة : وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَخْبِرْنَا مَا الرُّوح , وَكَيْف تُعَذَّب الرُّوح الَّتِي فِي الْجَسَد ; وَإِنَّمَا الرُّوح مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء , فَلَمْ يُحِرْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا , فَأَتَاهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالَ لَهُ : { قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَأَخْبَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , قَالُوا لَهُ : مَنْ جَاءَك بِهَذَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه | , فَقَالُوا : وَاَللَّه مَا قَالَهُ لَك إِلَّا عَدُوّ لَنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ اِسْمه : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبك } [2 97 ]الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (كُنْت أَمْشِي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم , فَمَرَرْنَا بِأُنَاسٍ مِنْ الْيَهُود , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم مَا الرُّوح ؟ فَأُسْكِتَ , فَرَأَيْت أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ , قَالَ : فَتَنَحَّيْت عَنْهُ إِلَى سُبَاطَة , فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } . ... الْآيَة , فَقَالَتْ الْيَهُود : هَكَذَا نَجِدهُ عِنْدنَا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الرُّوح الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17107 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } قَالَ : هُوَ جَبْرَائِيل , قَالَ قَتَادَة : وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَكْتُمهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 17108 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } قَالَ : الرُّوح : مَلَك . )17109 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني أَبُو مَرْوَان يَزِيد بْن سَمُرَة صَاحِب قَيْسَارِيَّة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح } قَالَ : هُوَ مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة لَهُ سَبْعُونَ أَلْف وَجْه , لِكُلِّ وَجْه مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف لِسَان , لِكُلِّ لِسَان مِنْهَا سَبْعُونَ أَلْف لُغَة يُسَبِّح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِتِلْكَ اللُّغَات كُلّهَا , يَخْلُق اللَّه مِنْ كُلّ تَسْبِيحَة مَلَكًا يَطِير مَعَ الْمَلَائِكَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّوح فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَابنَا , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .|قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي|وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ أَمْر رَبِّي } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ مِنْ الْأَمْر الَّذِي يَعْلَمهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ دُونكُمْ , فَلَا تَعْلَمُونَهُ وَيَعْلَم مَا هُوَ .|وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوح وَجَمِيع النَّاس غَيْرهمْ , وَلَكِنْ لَمَّا ضَمَّ غَيْر الْمُخَاطَب إِلَى الْمُخَاطَب , خَرَجَ الْكَلَام عَلَى الْمُخَاطَبَة , لِأَنَّ الْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل إِذَا اِجْتَمَعَ فِي الْكَلَام مُخْبَر عَنْهُ غَائِب وَمُخَاطَب , أَخْرَجُوا الْكَلَام خِطَابًا لِلْجَمْعِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17110 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : (نَزَلَتْ بِمَكَّة { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة أَتَاهُ أَحْبَار يَهُود , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَمْ يَبْلُغنَا أَنَّك تَقُول { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } أَفَعَنَيْتنَا أَمْ قَوْمك ؟ قَالَ : | كُلًّا قَدْ عَنَيْت | , قَالُوا : فَإِنَّك تَتْلُو أَنَّا أُوتِينَا التَّوْرَاة وَفِيهَا تِبْيَان كُلّ شَيْء , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | هِيَ فِي عِلْم اللَّه قَلِيل , وَقَدْ آتَاكُمْ مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ اِنْتَفَعْتُمْ | , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام } . ... إِلَى قَوْله { إِنَّ اللَّه سَمِيع بَصِير } )17111 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله عَزَّ وَجَلَّ ( { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : يَا مُحَمَّد وَالنَّاس أَجْمَعُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوح خَاصَّة دُون غَيْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17112 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } يَعْنِي : الْيَهُود . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : خَرَجَ الْكَلَام خِطَابًا لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ , وَالْمُرَاد بِهِ جَمِيع الْخَلْق , لِأَنَّ عِلْم كُلّ أَحَد سِوَى اللَّه , وَإِنْ كَثُرَ فِي عِلْم اللَّه قَلِيل . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا أُوتِيتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا مِنْ كَثِير مِمَّا يَعْلَم اللَّه .

وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك ثُمَّ لَا تَجِد لَك بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَتَيْنَاك مِنْ الْعِلْم الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنْ هَذَا الْقُرْآن لَنَذْهَبَنَّ بِهِ , فَلَا تَعْلَمهُ , ثُمَّ لَا تَجِد لِنَفْسِك بِمَا نَفْعَل بِك مِنْ ذَلِكَ وَكِيلًا , يَعْنِي : قَيِّمًا يَقُوم لَك , فَيَمْنَعنَا مِنْ فِعْل ذَلِكَ بِك , وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرك , فَيَحُول بَيْننَا وَبَيْن مَا نُرِيد بِك , قَالَا : وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَتَأَوَّل مَعْنَى ذَهَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ رَفْعه مِنْ صُدُور قَارِئِيهِ . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 17113 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ بُنْدَار , عَنْ مَعْقِل , قَالَ : (قُلْت لِعَبْدِ اللَّه , وَذُكِرَ أَنَّهُ يُسْرَى عَلَى الْقُرْآن : كَيْف وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورنَا وَمَصَاحِفنَا ؟ قَالَ : يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا , فَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي مُصْحَف وَلَا فِي صَدْر رَجُل , ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك } )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق بْن يَحْيَى , عَنْ الْمُسَيَّب بْن رَافِع , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (تَطَرَّقَ النَّاس رِيح حَمْرَاء مِنْ نَحْو الشَّام , فَلَا يَبْقَى فِي مُصْحَف رَجُل وَلَا قَلْبه آيَة . قَالَ رَجُل : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , إِنِّي قَدْ جَمَعْت الْقُرْآن , قَالَ : لَا يَبْقَى فِي صَدْرك مِنْهُ شَيْء . ثُمَّ قَرَأَ اِبْن مَسْعُود : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك } . |)

إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا رَحْمَة مِنْ رَبّك إِنَّ فَضْله كَانَ عَلَيْك كَبِيرًا } </subtitle>يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ } يَا مُحَمَّد { بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك } وَلَكِنَّهُ لَا يَشَاء ذَلِكَ , رَحْمَة مِنْ رَبّك وَتَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْك { إِنَّ فَضْله كَانَ عَلَيْك كَبِيرًا } بِاصْطِفَائِهِ إِيَّاكَ لِرِسَالَتِهِ , وَإِنْزَاله عَلَيْك كِتَابه , وَسَائِر نِعَمه عَلَيْك الَّتِي لَا تُحْصَى .

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ قَالُوا لَك : إِنَّا نَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن : لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ , لَا يَأْتُونَ أَبَدًا بِمِثْلِهِ , وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَوْنًا وَظَهْرًا . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ الْيَهُود جَادَلُوهُ فِي الْقُرْآن , وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ غَيْره شَاهِدَة لَهُ عَلَى نُبُوَّته , لِأَنَّ مِثْل هَذَا الْقُرْآن بِهِمْ قُدْرَة عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِهِ . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 17114 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُود بْن سَيْحَان وَعُمَر بْن أَصَانَ وَبَحْرِيّ بْن عَمْرو , وَعَزِيز بْن أَبِي عَزِيز , وَسَلَّام بْن مِشْكَم , فَقَالُوا : أَخْبِرْنَا يَا مُحَمَّد بِهَذَا الَّذِي جِئْتنَا بِهِ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنَّا لَا نَرَاهُ مُتَنَاسِقًا كَمَا تَنَاسَقَ التَّوْرَاة , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَمَا وَاَللَّه إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ , وَلَوْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ | فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ , وَهُمْ جَمِيعًا : فنحاص , وَعَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا , وَكِنَانَة بْن أَبِي الْحُقَيْق , وَأَشِيع , وَكَعْب بْن أَسَد , وَسَمَوْأَل بْن زَيْد , وَجَبَل بْن عَمْرو : يَا مُحَمَّد مَا يُعَلِّمك هَذَا إِنْس وَلَا جَانّ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | أَمَا وَاَللَّه إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل | , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , إِنَّ اللَّه يَصْنَع لِرَسُولِهِ إِذَا بَعَثَهُ مَا شَاءَ , وَيَقْدِر مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ , فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا تَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفهُ , وَإِلَّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا : { قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } )17115 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله ( { لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ } . ... إِلَى قَوْله { وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } قَالَ : مُعِينًا , قَالَ : يَقُول : لَوْ بَرَزَتْ الْجِنّ وَأَعَانَهُمْ الْإِنْس , فَتَظَاهَرُوا لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن . )وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ { لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } رُفِعَ , وَهُوَ جَوَاب لِقَوْلِهِ | لَئِنْ | , لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَجَابَتْ لَئِنْ بِلَا رَفَعُوا مَا بَعْدهَا , لِأَنَّ | لَئِنْ | كَالْيَمِينِ وَجَوَاب الْيَمِين بِلَا مَرْفُوع , وَرُبَّمَا جُزِمَ لِأَنَّ الَّتِي يُجَاب بِهَا زِيدَتْ عَلَيْهِ لَام , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : <br>لَئِنْ مُنِيت بِنَا عَنْ غِبّ مَعْرَكَة .......... لَا تُلْفِنَا عَنْ دِمَاء الْقَوْم نَنْتَفِل<br>

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل , اِحْتِجَاجًا بِذَلِكَ كُلّه عَلَيْهِمْ , وَتَذْكِيرًا لَهُمْ , وَتَنْبِيهًا عَلَى الْحَقّ لِيَتَّبِعُوهُ وَيَعْمَلُوا بِهِ { فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } يَقُول : فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا جُحُودًا لِلْحَقِّ , وَإِنْكَارًا لِحُجَجِ اللَّه وَأَدِلَّته .

وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ يَا مُحَمَّد , الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك لَك : لَنْ نُصَدِّقك , حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ أَرْضنَا هَذِهِ عَيْنًا تَنْبُع لَنَا بِالْمَاءِ . وَقَوْله { يَنْبُوعًا } يَفْعُول مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَبَعَ الْمَاء : إِذَا ظَهَرَ وَفَارَ , يَنْبُع وَيَنْبَع , وَهُوَ مَا نَبَعَ . كَمَا : 17116 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } : أَيْ حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض عُيُونًا : أَيْ بِبَلَدِنَا هَذَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } قَالَ : عُيُونًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 17117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ أَبْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { يَنْبُوعًا } قَالَ : عُيُونًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { تَفْجُر } فَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَرَأَ { حَتَّى تَفْجُر لَنَا } خَفِيفَة وَقَوْله { فَتُفَجِّر الْأَنْهَار خِلَالهَا تَفْجِيرًا } بِالتَّشْدِيدِ , وَكَذَلِكَ كَانَتْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهَا , فَكَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِتَخْفِيفِهِمْ الْأُولَى إِلَى مَعْنَى : حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض مَاء مَرَّة وَاحِدَة . وَبِتَشْدِيدِهِمْ الثَّانِيَة إِلَى أَنَّهَا تُفَجَّر فِي أَمَاكِن شَتَّى , مَرَّة بَعْد أُخْرَى , إِذَا كَانَ ذَلِكَ تَفَجَّرَ أَنْهَار لَا نَهَر وَاحِد وَالتَّخْفِيف فِي الْأُولَى وَالتَّشْدِيد فِي الثَّانِيَة عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ أَعْجَب إِلَيَّ لِمَا ذَكَرْت مِنْ اِفْتِرَاق مَعْنِيَّيْهِمَا , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُولَى مَدْفُوعَة صِحَّتهَا .

أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَكُون لَك جَنَّة مِنْ نَخِيل وَعِنَب فَتُفَجِّر الْأَنْهَار خِلَالهَا تَفْجِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنِيَّيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقَالَ لَك يَا مُحَمَّد مُشْرِكُو قَوْمك : لَنْ نُصَدِّقك حَتَّى تَسْتَنْبِط لَنَا عَيْنًا مِنْ أَرْضنَا , تَدْفُق بِالْمَاءِ أَوْ تَفُور , أَوْ يَكُون لَك بُسْتَان , وَهُوَ الْجَنَّة , مِنْ نَخِيل وَعِنَب , فَتُفَجِّر الْأَنْهَار خِلَالهَا تَفْجِيرًا بِأَرْضِنَا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ بِهَا خِلَالهَا , يَعْنِي : خِلَال النَّخِيل وَالْكُرُوم ; وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { خِلَالهَا تَفْجِيرًا } بَيْنهَا فِي أُصُولهَا تَفْجِيرًا بِسَبَبِ أَبْنِيَتهَا .

أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كِسَفًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة بِسُكُونِ السِّين , بِمَعْنَى : أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسْفًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْكِسْف فِي كَلَام الْعَرَب : جَمْع كِسْفَة , وَهُوَ جَمْع الْكَثِير مِنْ الْعَدَد لِلْجِنْسِ , كَمَا تُجْمَع السِّدْرَة بِسِدْرٍ , وَالتَّمْر بِتَمْرٍ , فَحُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : أَعْطِنِي كِسْفَة مِنْ هَذَا الثَّوْب : أَيْ قِطْعَة مِنْهُ , يُقَال مِنْهُ : جَاءَنَا بِثَرِيدِ كِسْف : أَيْ قِطَع خُبْز . وَقَدْ يَحْتَمِل إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ | كِسْفًا | بِسُكُونِ السِّين أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَر مِنْ كَسَفَ . فَأَمَّا الْكِسَف بِفَتْحِ السِّين , فَإِنَّهُ جَمْع مَا بَيْن الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر , يُقَال : كِسَفَة وَاحِدَة , وَثَلَاث كِسَف , وَكَذَلِكَ إِلَى الْعَشْر . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ { كِسَفًا } بِفَتْحِ السِّين بِمَعْنَى : جَمْع الْكِسْفَة الْوَاحِدَة مِنْ الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر , يَعْنِي بِذَلِكَ قِطَعًا : مَا بَيْن الثَّلَاث إِلَى الْعَشْر . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ السِّين , لِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ , لَمْ يَقْصِدُوا فِي مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُون بِحَدٍّ مَعْلُوم مِنْ الْقَطْع , إِنَّمَا سَأَلُوا أَنْ يُسْقِط عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء قِطَعًا , وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّأْوِيل أَيْضًا عَنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17118 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { كِسَفًا } قَالَ : السَّمَاء جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17119 - قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا } قَالَ : مَرَّة وَاحِدَة , وَاَلَّتِي فِي الرُّوم { وَيَجْعَلهُ كِسَفًا } [30 48 ]قَالَ : قِطَعًا , قَالَ اِبْن جُرَيْج : كِسَفًا لِقَوْلِ اللَّه : { إِنْ نَشَأْ نَخْسِف بِهِمْ الْأَرْض أَوْ نُسْقِط عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاء } )[34 9 ]17120 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا } قَالَ : أَيْ قِطَعًا . )17121 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { كِسَفًا } يَقُول : قِطَعًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { كِسَفًا } قَالَ : قِطَعًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنَى أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { أَوْ تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا } يَعْنِي قِطَعًا .)|أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره عَنْ قِيل الْمُشْرِكِينَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْ يَأْتِي بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْقَبِيل فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : حَتَّى يَأْتِي اللَّه وَالْمَلَائِكَة كُلّ قَبِيلَة مِنَّا قَبِيلَة قَبِيلَة , فَيُعَايِنُونَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17122 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } قَالَ : عَلَى حِدَتنَا , كُلّ قَبِيلَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } قَالَ : قَبَائِل عَلَى حِدَتهَا كُلّ قَبِيلَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة عِيَانًا نُقَابِلهُمْ مُقَابَلَة , فَنُعَايِنهُمْ مُعَايَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17123 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } نُعَايِنهُمْ مُعَايَنَة . )17124 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { أَوْ تَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } فَنُعَايِنهُمْ . )وَوَجَّهَهُ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْكَفِيل مِنْ قَوْلهمْ : هُوَ قَبِيل فُلَان بِمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ وَزَعِيمه . وَأَشْبَه الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُعَايَنَة , مِنْ قَوْلهمْ : قَابَلْت فُلَانًا مُقَابَلَة , وَفُلَان قَبِيل فُلَان , بِمَعْنَى قُبَالَته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>نُصَالِحكُمْ حَتَّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا .......... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلهَا <br>يَعْنِي قَابَلَتْهَا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا وَصَفُوا بِتَقْدِيرِ فَعِيل مِنْ قَوْلهمْ قَابَلْت وَنَحْوهَا , جَعَلُوا لَفْظ صِفَة الِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيع مِنْ الْمُؤَنَّث وَالْمُذَكَّر عَلَى لَفْظ وَاحِد , نَحْو قَوْلهمْ : هَذِهِ قَبِيلِي , وَهُمَا قَبِيلِي , وَهُمْ قَبِيلِي , وَهُنَّ قَبِيلِي .

أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ يَكُون لَك بَيْت مِنْ زُخْرُف } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَمْرهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات : أَوْ يَكُون لَك يَا مُحَمَّد بَيْت مِنْ ذَهَب ; وَهُوَ الزُّخْرُف . كَمَا : 17125 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { أَوْ يَكُون لَك بَيْت مِنْ زُخْرُف } يَقُول : بَيْت مِنْ ذَهَب . )17126 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { مِنْ زُخْرُف } قَالَ : مِنْ ذَهَب . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَوْ يَكُون لَك بَيْت مِنْ زُخْرُف } وَالزُّخْرُف هُنَا : الذَّهَب . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { أَوْ يَكُون لَك بَيْت مِنْ زُخْرُف } قَالَ : مِنْ ذَهَب . )17128 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَكَم قَالَ : (قَالَ مُجَاهِد : كُنَّا لَا نَدْرِي مَا الزُّخْرُف حَتَّى رَأَيْنَاهُ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : | أَوْ يَكُون لَك بَيْت مِنْ ذَهَب . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَمْ أَدْرِ مَا الزُّخْرُف , حَتَّى سَمِعْنَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : | بَيْت مِنْ ذَهَب | .)|أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ|وَقَوْله { أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء } يَعْنِي : أَوْ تَصْعَد فِي دَرَج إِلَى السَّمَاء ; وَإِنَّمَا قِيلَ فِي السَّمَاء , وَإِنَّمَا يَرْقَى إِلَيْهَا لَا فِيهَا , لِأَنَّ الْقَوْم قَالُوا : أَوْ تَرْقَى فِي سُلَّم إِلَى السَّمَاء , فَأُدْخِلَتْ | فِي | فِي الْكَلَام لِيَدُلّ عَلَى مَعْنَى الْكَلَام , يُقَال : رَقِيت فِي السُّلَّم , فَأَنَا أَرْقَى رُقِيًّا وَرَقِيًّا وَرِقِيًّا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَنْتَ الَّذِي كَلَّفْتنِي رَقْي الدَّرَج .......... عَلَى الْكَلَال وَالْمَشِيب وَالْعَرْج<br>|وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ|وَقَوْله : { وَلَنْ نُؤْمِن لِرُقِيِّك } يَقُول : وَلَنْ نُصَدِّقك مِنْ أَجْل رُقِيّك إِلَى السَّمَاء { حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا كِتَابًا } مَنْشُورًا نَقْرَؤُهُ فِيهِ أَمْرنَا بِاتِّبَاعِك وَالْإِيمَان بِك , كَمَا : 17129 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَا : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } قَالَ : مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ إِلَى فُلَان , عِنْد كُلّ رَجُل صَحِيفَة تُصْبِح عِنْد رَأْسه يَقْرَؤُهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (كِتَابًا نَقْرَؤُهُ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ , وَقَالَ أَيْضًا : تُصْبِح عِنْد رَأْسه مَوْضُوعَة يَقْرَؤُهَا . )17130 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } : أَيْ كِتَابًا خَاصًّا نُؤْمَر فِيهِ بِاتِّبَاعِك .)|قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا|وَقَوْله : { قُلْ سُبْحَان رَبِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك , الْقَائِلِينَ لَك هَذِهِ الْأَقْوَال , تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ , وَتَعْظِيمًا لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ وَمَلَائِكَته , أَوْ يَكُون لِي سَبِيل إِلَى شَيْء مِمَّا تَسْأَلُونِيهِ : { هَلْ كُنْت إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } يَقُول : هَلْ أَنَا إِلَّا عَبْد مِنْ عَبِيده مِنْ بَنِي آدَم , فَكَيْف أَقْدِر أَنْ أَفْعَل مَا سَأَلْتُمُونِي مِنْ هَذِهِ الْأُمُور , وَإِنَّمَا يَقْدِر عَلَيْهَا خَالِقِي وَخَالِقكُمْ , وَإِنَّمَا أَنَا رَسُول أُبَلِّغكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ , وَاَلَّذِي سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَفْعَلهُ بِيَدِ اللَّه الَّذِي أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيد لَهُ , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْره . وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ كَانَ مِنْ مَلَإِ مِنْ قُرَيْش اِجْتَمَعُوا لِمُنَاظَرَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَاجَّته , فَكَلَّمُوهُ بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات . ذِكْر تَسْمِيَة الَّذِينَ نَاظَرُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَاظَرُوهُ بِهِ 17131 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني شَيْخ مِنْ أَهْل مِصْر , قَدِمَ مُنْذُ بِضْع وَأَرْبَعِينَ سَنَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , (أَنَّ عُتْبَة وَشَيْبَة اِبْنَيْ رَبِيعَة وَأَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار وَأَبَا الْبَخْتَرِيّ أَخَا بَنِي أَسَد , وَالْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب , وَزَمْعَة بْن الْأَسْوَد , وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَأَبَا جَهْل بْن هِشَام , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة , وَأُمَيَّة بْن خَلَف , وَالْعَاص بْن وَائِل , وَنُبَيْهًا وَمُنَبِّهًا اِبْنَيْ الْحَجَّاج السَّهْمِيَّيْنِ اِجْتَمَعُوا , أَوْ مَنْ اِجْتَمَعَ مِنْهُمْ , بَعْد غُرُوب الشَّمْس عِنْد ظَهْر الْكَعْبَة , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اِبْعَثُوا إِلَى مُحَمَّد فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذِرُوا فِيهِ , فَبَعَثُوا إِلَيْهِ : إِنَّ أَشْرَاف قَوْمك قَدْ اِجْتَمَعُوا إِلَيْك لِيُكَلِّمُوك , فَجَاءَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا , وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْره بَدَاء , وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا , يُحِبّ رُشْدهمْ وَيَعِزّ عَلَيْهِ عَنَتهمْ , حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنَّا قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْك لِنُعْذِر فِيك , وَإِنَّا وَاَللَّه مَا نَعْلَم رَجُلًا مِنْ الْعَرَب أَدْخَلَ عَلَى قَوْمه مَا أَدْخَلْت عَلَى قَوْمك ; لَقَدْ شَتَمْت الْآبَاء , وَعِبْت الدِّين , وَسَفَّهْت الْأَحْلَام , وَشَتَمْت الْآلِهَة , وَفَرَّقْت الْجَمَاعَة , فَمَا بَقِيَ أَمْر قَبِيح إِلَّا وَقَدْ جِئْته فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك , فَإِنْ كُنْت إِنَّمَا جِئْت بِهَذَا الْحَدِيث تَطْلُب مَالًا , جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالنَا حَتَّى تَكُون أَكْثَرنَا مَالًا , وَإِنْ كُنْت إِنَّمَا تَطْلُب الشَّرَف فِينَا سَوَّدْنَاك عَلَيْنَا , وَإِنْ كُنْت تُرِيد بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاك عَلَيْنَا , وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيك بِمَا يَأْتِيك بِهِ رَئِيًّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْك - وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِع مِنْ الْجِنّ : الرَّئِيّ - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ , بَذَلْنَا أَمْوَالنَا فِي طَلَب الطِّبّ لَك حَتَّى نُبْرِئك مِنْهُ , أَوْ نُعْذِر فِيك ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا بِي مَا تَقُولُونَ , مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُب أَمْوَالكُمْ , وَلَا الشَّرَف فِيكُمْ وَلَا الْمُلْك عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّه بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا , وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُون لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا , فَبَلَّغْتُمْ رِسَالَة رَبِّي , وَنَصَحْت لَكُمْ , فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنِي وَبَيْنكُمْ | أَوْ كَمَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , فَإِنْ كُنْت غَيْر قَابِل مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْك , فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنْ النَّاس أَضْيَق بِلَادًا , وَلَا أَقَلّ مَالًا , وَلَا أَشَدّ عَيْشًا مِنَّا , فَسَلْ رَبّك الَّذِي بَعَثَك بِمَا بَعَثَك بِهِ , فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَال الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا , وَيَبْسُط لَنَا بِلَادنَا , وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّام وَالْعِرَاق , وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا , وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَث لَنَا مِنْهُمْ قُصَيّ بْن كِلَاب , فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا , فَنَسْأَلهُمْ عَمَّا تَقُول , حَقّ هُوَ أَمْ بَاطِل ؟ فَإِنْ صَنَعْت مَا سَأَلْنَاك , وَصَدَّقُوك صَدَّقْنَاك , وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتك عِنْد اللَّه , وَأَنَّهُ بَعَثَك بِالْحَقِّ رَسُولًا , كَمَا تَقُول . فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا بِهَذَا بُعِثْت , إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللَّه بِمَا بَعَثَنِي بِهِ , فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْكُمْ , فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنِي وَبَيْنكُمْ | قَالُوا : فَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَنَا هَذَا , فَخُذْ لِنَفْسِك , فَسَلْ رَبّك أَنْ يَبْعَث مَلَكًا يُصَدِّقك بِمَا تَقُول , وَيُرَاجِعنَا عَنْك , وَاسْأَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَك جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , وَيُغْنِيك بِهَا عَمَّا نَرَاك تَبْتَغِي , فَإِنَّك تَقُوم بِالْأَسْوَاقِ , وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا نَلْتَمِسهُ , حَتَّى نَعْرِف فَضْل مَنْزِلَتك مِنْ رَبّك إِنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُم , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا أَنَا بِفَاعِلٍ , مَا أَنَا بِاَلَّذِي يَسْأَل رَبّه هَذَا , وَمَا بُعِثْت إِلَيْكُمْ بِهَذَا , وَلَكِنَّ اللَّه بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا , فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنِي وَبَيْنكُمْ | قَالُوا : فَأَسْقِطْ السَّمَاء عَلَيْنَا كِسَفًا , كَمَا زَعَمْت أَنَّ رَبّك إِنْ شَاءَ فَعَلَ , فَإِنَّا لَا نُؤْمِن لَك إِلَّا أَنْ تَفْعَل , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | ذَلِكَ إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ | , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , فَمَا عَلِمَ رَبّك أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَك , وَنَسْأَلك عَمَّا سَأَلْنَاك عَنْهُ , وَنَطْلُب مِنْك مَا نَطْلُب , فَيَتَقَدَّم إِلَيْك , وَيُعَلِّمك مَا تُرَاجِعنَا بِهِ , وَيُخْبِرك مَا هُوَ صَانِع فِي ذَلِكَ بِنَا إِذْ لَمْ نَقْبَل مِنْك مَا جِئْتنَا بِهِ , فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمك هَذَا رَجُل بِالْيَمَامَةِ يُقَال لَهُ الرَّحْمَن , وَإِنَّا وَاَللَّه مَا نُؤْمِن بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا , أَعْذِرْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد , أَمَا وَاَللَّه لَا نَتْرُكك وَمَا بَلَغْت مِنَّا حَتَّى نُهْلِكك أَوْ تُهْلِكنَا , وَقَالَ قَائِلهمْ : نَحْنُ نَعْبُد الْمَلَائِكَة , وَهُنَّ بَنَات اللَّه , وَقَالَ قَائِلهمْ : لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَأْتِينَا بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا . فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ , قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ , وَقَامَ مَعَهُ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مَخْزُوم , وَهُوَ اِبْن عَمَّته هُوَ لِعَاتِكَة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب , فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد عَرَضَ عَلَيْك قَوْمك مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلهُ مِنْهُمْ , ثُمَّ سَأَلُوك لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا , لِيَعْرِفُوا مَنْزِلَتك مِنْ اللَّه فَلَمْ تَفْعَل ذَلِكَ , ثُمَّ سَأَلُوك أَنْ تُعَجِّل مَا تُخَوِّفهُمْ بِهِ مِنْ الْعَذَاب , فُو اللَّه لَا أُؤْمِن لَك أَبَدًا , حَتَّى تَتَّخِذ إِلَى السَّمَاء سُلَّمًا تَرْقَى فِيهِ , وَأَنَا أَنْظُر حَتَّى تَأْتِيهَا , وَتَأْتِي مَعَك بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَة مَعَك أَرْبَعَة مِنْ الْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ لَك أَنَّك كَمَا تَقُول , وَاَيْم اللَّه لَوْ فَعَلْت ذَلِكَ لَظَنَنْت أَلَّا أُصَدِّقك , ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَانْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْله حَزِينًا أَسِيفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَع فِيهِ مِنْ قَوْمه حِين دَعَوْهُ , وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتهمْ إِيَّاهُ ; فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ أَبُو جَهْل : يَا مَعْشَر قُرَيْش , إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْب دِيننَا , وَشَتْم آبَائِنَا , وَتَسْفِيه أَحْلَامنَا , وَسَبّ آلِهَتنَا , وَإِنِّي أُعَاهِد اللَّه لَأَجْلِسَن لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ قَدْر مَا أُطِيق حَمْله , فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاته فَضَخْت رَأْسه بِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (وَأَبَا سُفْيَان بْن حَرْب , وَالنَّضْر بْن الْحَارِث أَبْنَاء بَنِي عَبْد الدَّار , وَأَبَا الْبَخْتَرِيّ بْن هِشَام . )17132 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (قُلْت لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } قَالَ : قُلْت لَهُ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة , قَالَ : قَدْ زَعَمُوا ذَلِكَ .)

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَمَا مَنَعَ النَّاس أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا مَنَعَ يَا مُحَمَّد مُشْرِكِي قَوْمك الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَبِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ { إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى } يَقُول : إِذْ جَاءَهُمْ الْبَيَان مِنْ عِنْد اللَّه بِحَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ وَصِحَّة مَا جِئْتهمْ بِهِ , إِلَّا قَوْلهمْ جَهْلًا مِنْهُمْ { أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا } فَأَنْ الْأُولَى فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ مَنَعَ عَلَيْهَا , وَالثَّانِيَة فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ الْفِعْل لَهَا .

قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء مَلَكًا رَسُولًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوْا الْإِيمَان بِك وَتَصْدِيقك فِيمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , اِسْتِنْكَارًا لِأَنْ يَبْعَث اللَّه رَسُولًا مِنْ الْبَشَر : لَوْ كَانَ أَيّهَا النَّاس فِي الْأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ , لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء مَلَكًا رَسُولًا , لِأَنَّ الْمَلَائِكَة إِنَّمَا تَرَاهُمْ أَمْثَالهمْ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَمَنْ خَصَّهُ اللَّه مِنْ بَنِي آدَم بِرُؤْيَتِهَا , فَأَمَّا غَيْرهمْ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتهَا فَكَيْف يَبْعَث إِلَيْهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَة الرُّسُل , وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتهمْ وَهُمْ بِهَيْئَاتِهِمْ الَّتِي خَلَقَهُمْ اللَّه بِهَا , وَإِنَّمَا يُرْسِل إِلَى الْبَشَر الرَّسُول مِنْهُمْ , كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ , ثُمَّ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَرْسَلْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكًا مِثْلهمْ .

قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ لَك : { أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا } { كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ } فَإِنَّهُ نِعْمَ الْكَافِي وَالْحَاكِم { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه بِعِبَادِهِ ذُو خِبْرَة وَعِلْم بِأُمُورِهِمْ وَأَفْعَالهمْ , وَالْمُحِقّ مِنْهُمْ وَالْمُبْطِل , وَالْمُهْدِي وَالضَّالّ { بَصِيرًا } بِتَدْبِيرِهِمْ وَسِيَاسَتهمْ وَتَصْرِيفهمْ فِيمَا شَاءَ , وَكَيْف شَاءَ وَأَحَبَّ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُورهمْ , وَهُوَ مَجَاز جَمِيعهمْ بِمَا قَدِمَ عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ .

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِد لَهُمْ أَوْلِيَاء مِنْ دُونه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَهْدِ اللَّه يَا مُحَمَّد لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَلِتَصْدِيقِك وَتَصْدِيق مَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , فَوَفِّقْهُ لِذَلِكَ , فَهُوَ الْمُهْتَد الرَّشِيد الْمُصِيب الْحَقّ , لَا مَنْ هَدَاهُ غَيْره , فَإِنَّ الْهِدَايَة بِيَدِهِ . { وَمَنْ يُضْلِلْ } يَقُول : وَمَنْ يُضْلِلْهُ اللَّه عَنْ الْحَقّ , فَيَخْذُلهُ عَنْ إِصَابَته , وَلَمْ يُوَفِّقهُ لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَصْدِيق رَسُوله , فَلَنْ تَجِد لَهُمْ يَا مُحَمَّد أَوْلِيَاء يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه , إِذَا أَرَادَ اللَّه عُقُوبَتهمْ وَالِاسْتِنْقَاذ مِنْهُمْ .|وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ| { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ } يَقُول : وَنَجْمَعهُمْ بِمَوْقِفِ الْقِيَامَة مِنْ بَعْد تَفَرُّقهمْ فِي الْقُبُور عِنْد قِيَام السَّاعَة { عَلَى وُجُوههمْ عُمْيًا وَبُكْمًا } وَهُوَ جَمْع أَبْكَم , وَيَعْنِي بِالْبُكْمِ : الْخُرْس , كَمَا : 17133 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَبُكْمًا } قَالَ : الْخُرْس { وَصُمًّا } وَهُوَ جَمْع أَصَمّ . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف وَصَفَ اللَّه هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا , وَقَدْ قَالَ { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّار فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } [18 53 ]فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ , وَقَالَ : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } [25 12 : 13 ]فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَنْطِقُونَ ؟ قِيلَ : جَائِز أَنْ يَكُون مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ الْعَمَى وَالْبُكْم وَالصَّمَم يَكُون صِفَتهمْ فِي حَال حَشْرهمْ إِلَى مَوْقِف الْقِيَامَة , ثُمَّ يَجْعَل لَهُمْ أَسْمَاع وَأَبْصَار وَمَنْطِق فِي أَحْوَال أُخَر غَيْر حَال الْحَشْر , وَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ , كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْخَبَر الَّذِي : 17134 - حَدَّثَنِيهِ عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَنَحْشُرهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا } ثُمَّ قَالَ : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّار فَظَنُّوا } وَقَالَ : { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } وَقَالَ { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } أَمَّا قَوْله : { عُمْيًا } فَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا يَسُرّهُمْ . وَقَوْله : { بُكْمًا } لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ . وَقَوْله : { صُمًّا } لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يَسُرّهُمْ . )وَقَوْله : { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَصِيرهمْ إِلَى جَهَنَّم , وَفِيهَا مَسَاكِنهمْ , وَهُمْ وُقُودهَا , كَمَا : 17135 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } يَعْنِي إِنَّهُمْ وَقُودهَا .)|كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا|وَقَوْله : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ خَبَتْ : لَانَتْ وَسَكَنَتْ , كَمَا قَالَ عَدِيّ بْن زَيْد الْعَبَّادِيّ فِي وَصْف مُزْنَة : <br>وَسْطه كَالْيَرَاعِ أَوْ سُرُج الْمِجْدَل .......... حِينًا يَخْبُو وَحِينًا يُنِير <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : يَخْبُو السَّرْج : أَنَّهَا تَلِين وَتَضْعُف أَحْيَانًا , وَتَقْوَى وَتُنِير أُخْرَى , وَمِنْهُ قَوْل الْقَطَامِيّ : <br>فَيَخْبُو سَاعَة وَيَهُبّ سَاعَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَة عَنْ تَأْوِيله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17136 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { كُلَّمَا خَبَتْ } قَالَ : سَكَنَتْ . )17137 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } يَقُول : كُلَّمَا أَحْرَقَتْهُمْ تُسَعَّر بِهِمْ حَطَبًا , فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ شَيْئًا صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّج , فَذَلِكَ خُبُوّهَا , فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ . )17138 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ مُجَاهِد - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس ( { كُلَّمَا خَبَتْ } قَالَ : خُبُوّهَا أَنَّهَا تُسَعَّر بِهِمْ حَطَبًا , فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْء صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّج , فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ . )17139 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } يَقُول : كُلَّمَا اِحْتَرَقَتْ جُلُودهمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرهَا , لِيَذُوقُوا الْعَذَاب . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } قَالَ : كُلَّمَا لَانَ مِنْهَا شَيْء . )17140 - حُدِّثْت عَنْ مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك ( { كُلَّمَا خَبَتْ } قَالَ : سَكَنَتْ . وَقَوْله : { زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } يَقُول : زِدْنَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّار سَعِيرًا , وَذَلِكَ إِسْعَار النَّار عَلَيْهِمْ وَالْتِهَابهَا فِيهِمْ وَتَأَجُّجهَا بَعْد خُبُوّهَا , فِي أَجْسَامهمْ .)

ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ فِعْلنَا يَوْم الْقِيَامَة بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , مَا ذَكَرْت أَنَّا نَفْعَل بِهِمْ مِنْ حَشْرهمْ عَلَى وُجُوههمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا , وَإِصْلَائِنَا إِيَّاهُمْ النَّار عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ حَالَتهمْ فِيهَا ثَوَابهمْ بِكُفْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِنَا , يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجه , وَهُمْ رُسُله الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَته , وَإِفْرَادهمْ إِيَّاهُ بِالْأُلُوهَةِ دُون الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَبِقَوْلِهِمْ إِذَا أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِالْمِيعَادِ , وَبِثَوَابِ اللَّه وَعِقَابه فِي الْآخِرَة { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا } بَالِيَة { وَرُفَاتًا } قَدْ صِرْنَا تُرَابًا { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } يَقُولُونَ : نُبْعَث بَعْد ذَلِكَ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا اِبْتَدَأْنَاهُ أَوَّل مَرَّة فِي الدُّنْيَا اِسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ لِذَلِكَ , وَاسْتِعْظَامًا وَتَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ .

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَلَمْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } بِعُيُونِ قُلُوبهمْ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَابْتَدَعَهَا مِنْ غَيْر شَيْء , وَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ , قَادِر بِتِلْكَ الْقُدْرَة عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلهمْ أَشْكَالهمْ , وَأَمْثَالهمْ مِنْ الْخَلْق بَعْد فَنَائِهِمْ , وَقَبْل ذَلِكَ , وَأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ إِعَادَتهمْ خَلْقًا جَدِيدًا , بَعْد أَنْ يَصِيرُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا .|وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ|وَقَوْله { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْب فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ اللَّه لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَجَلًا لِهَلَاكِهِمْ , وَوَقْتًا لِعَذَابِهِمْ لَا رَيْب فِيهِ . يَقُول : لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ آتِيهِمْ ذَلِكَ الْأَجَل .|فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا|يَقُول : فَأَبَى الْكَافِرُونَ إِلَّا جُحُودًا بِحَقِيقَةِ وَعِيده الَّذِي أَوْعَدَهُمْ وَتَكْذِيبًا بِهِ .

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَة الْإِنْفَاق } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : لَوْ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس تَمْلِكُونَ خَزَائِن أَمْلَاك رَبِّي مِنْ الْأَمْوَال , وَعَنَى بِالرَّحْمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمَال { إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَة الْإِنْفَاق } يَقُول : إِذَنْ لَبَخِلْتُمْ بِهِ , فَلَمْ تَجُودُوا بِهَا عَلَى غَيْركُمْ , خَشْيَة مِنْ الْإِنْفَاق وَالْإِقْتَار , كَمَا : 17141 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَة الْإِنْفَاق } قَالَ : الْفَقْر . )17142 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { خَشْيَة الْإِنْفَاق } أَيْ خَشْيَة الْفَاقَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .|وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا|وَقَوْله : { وَكَانَ الْإِنْسَان قَتُورًا } يَقُول : وَكَانَ الْإِنْسَان بَخِيلًا مُمْسِكًا , كَمَا : 17143 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ الْإِنْسَان قَتُورًا } يَقُول : بَخِيلًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ الْإِنْسَان قَتُورًا } قَالَ : بَخِيلًا . )17144 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكَانَ الْإِنْسَان قَتُورًا } قَالَ : بَخِيلًا مُمْسِكًا . )وَفِي الْقَتُور فِي كَلَام الْعَرَب لُغَات أَرْبَع , يُقَال : قَتَرَ فُلَان يَقْتُر وَيَقْتِر , وَقَتَّرَ يُقَتِّر , وَأَقْتَرَ يُقْتِر , مَا قَالَ أَبُو دُؤَاد : <br>لَا أَعُدّ الْإِقْتَار عُدْمًا وَلَكِنْ .......... فَقْد مَنْ قَدْ رُزِيتُهُ الْإِعْدَام<br>

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى بْن عِمْرَان تِسْع آيَات بَيِّنَات تُبَيِّن لِمَنْ رَآهَا أَنَّهَا حُجَج لِمُوسَى شَاهِدَة عَلَى صِدْقه وَحَقِيقَة نُبُوَّته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِنَّ وَمَا هُنَّ . فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ مَا : 17145 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } قَالَ : التِّسْع الْآيَات الْبَيِّنَات : يَده , وَعَصَاهُ , وَلِسَانه , وَالْبَحْر , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم آيَات مُفَصَّلَات . )17146 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } إِلْقَاء الْعَصَا مَرَّتَيْنِ عِنْد فِرْعَوْن , وَنَزَعَ يَده , وَالْعُقْدَة الَّتِي كَانَتْ بِلِسَانِهِ , وَخَمْس آيَات فِي الْأَعْرَاف : الطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَحْوًا مِنْ هَذَا الْقَوْل , غَيْر أَنَّهُمْ جَعَلُوا آيَتَيْنِ مِنْهُنَّ : إِحْدَاهُمَا الطَّمْسَة , وَالْأُخْرَى الْحَجَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17147 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بُرَيْدَة بْن سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : (سَأَلَنِي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } فَقُلْت لَهُ : هِيَ الطُّوفَان وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , وَالْبَحْر , وَعَصَاهُ , وَالطَّمْسَة , وَالْحَجَر , فَقَالَ : وَمَا الطَّمْسَة ؟ فَقُلْت : دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُون , فَقَالَ : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا , وَقَالَ عُمَر : كَيْف يَكُون الْفِقْه إِلَّا هَكَذَا . فَدَعَا عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بِخَرِيطَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ الْعَزِيز بْن مَرْوَان أُصِيبَتْ بِمِصْرَ , فَإِذَا فِيهَا الْجَوْزَة وَالْبَيْضَة وَالْعَدَسَة مَا تُنْكَر , مُسِخَتْ حِجَارَة كَانَتْ مِنْ أَمْوَال فِرْعَوْن أُصِيبَتْ بِمِصْرَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا اِثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ : إِحْدَاهُمَا السِّنِينَ , وَالْأُخْرَى النَّقْص مِنْ الثَّمَرَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17148 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَمَطَر الْوَرَّاق , فِي قَوْله : ( { تِسْع آيَات } قَالَا : الطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , وَالْعَصَا , وَالْيَد , وَالسُّنُونَ , وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات . )17149 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : ( { تِسْع آيَات بَيِّنَات } قَالَ : الطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , وَالسِّنِينَ , وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات , وَعَصَاهُ , وَيَده . )17150 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (سُئِلَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } مَا هِيَ ؟ قَالَ : الطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , وَعَصَى مُوسَى , وَيَده . )17151 - قَالَ : اِبْن جُرَيْج : (وَقَالَ مُجَاهِد مِثْل قَوْل عَطَاء , وَزَادَ : { أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات } قَالَ : هُمَا التَّاسِعَتَانِ , وَيَقُولُونَ : التَّاسِعَتَانِ : السِّنِينَ , وَذَهَاب عُجْمَة لِسَان مُوسَى . )17152 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { تِسْع آيَات بَيِّنَات } وَهِيَ مُتَتَابِعَات , وَهِيَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات } [7 130 ]قَالَ : السِّنِينَ فِي أَهْل الْبَوَادِي , وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات لِأَهْلِ الْقُرَى , فَهَاتَانِ آيَتَانِ , وَالطَّوَافَانِ , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , هَذِهِ خَمْس , وَيَد مُوسَى إِذْ أَخْرَجَهَا بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ مِنْ غَيْر سُوء : الْبَرَص , وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا , فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } قَالَ : يَد مُوسَى , وَعَصَاهُ , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم وَالسِّنِينَ , وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات . )وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا السِّنِينَ , وَالنَّقْص مِنْ الثَّمَرَات آيَة وَاحِدَة , وَجَعَلُوا التَّاسِعَة : تَلْقَف الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17153 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : (قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { تِسْع آيَات بَيِّنَات } , { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات } قَالَ : هَذِهِ آيَة وَاحِدَة , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم , وَيَد مُوسَى , وَعَصَاهُ إِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين , وَإِذْ أَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 17154 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة يُحَدِّث عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال , قَالَ : (قَالَ يَهُودِيّ لِصَاحِبِهِ : اِذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِيّ حَتَّى نَسْأَلهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة . { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات } قَالَ : لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيّ , فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَك صَارَتْ لَهُ أَرْبَعَة أَعْيُن , قَالَ : فَسَأَلَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا , وَلَا تَسْرِقُوا , وَلَا تَزْنُوا , وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ , وَلَا تَسْحَرُوا , وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا , وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَان لِيَقْتُلهُ , وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَة , أَوْ قَالَ : لَا تَفِرُّوا مِنْ الزَّحْف | - شُعْبَة الشَّاكّ - | وَأَنْتُمْ يَا يَهُود عَلَيْكُمْ خَاصَّة لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت | فَقَبَّلَا يَده وَرِجْله , وَقَالَا : نَشْهَد أَنَّك نَبِيّ , قَالَ : | فَمَا يَمْنَعكُمَا أَنْ تُسْلِمَا ؟ | قَالَا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَال مِنْ ذُرِّيَّته نَبِيّ , وَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَقْتُلنَا يَهُود . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف وَأَبُو دَاوُدَ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ عَمْرو , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة يُحَدِّث عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال الْمُرَادِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّ اِبْن مَهْدِيّ قَالَ : ( لَا تَمْشُوا إِلَى ذِي سُلْطَان | وَقَالَ اِبْن مَهْدِيّ : أَرَاهُ قَالَ : | بِبَرِيءٍ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَأَبُو أُسَامَة بِنَحْوِهِ , عَنْ شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال , قَالَ : (قَالَ يَهُودِيّ لِصَاحِبِهِ : اِذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيّ , فَقَالَ صَاحِبه : لَا تَقُلْ نَبِيّ , إِنَّهُ لَوْ سَمِعَك كَانَ لَهُ أَرْبَع أَعْيُن , قَالَ : فَأَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْأَلَانِهِ عَنْ تِسْع آيَات بَيِّنَات , فَقَالَ : | هُنَّ : وَلَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا , وَلَا تَسْرِقُوا , وَلَا تَزْنُوا , وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ , وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَان لِيَقْتُلهُ , وَلَا تَسْحَرُوا , وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا , وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَة , وَلَا تَوَلَّوْا يَوْم الزَّحْف وَعَلَيْكُمْ خَاصَّة يَهُود : أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْت | قَالَ : فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ , وَقَالُوا : نَشْهَد أَنَّك نَبِيّ , قَالَ : | فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ؟ | قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لَا يَزَال مِنْ ذُرِّيَّته نَبِيّ , وَإِنَّا نَخَاف إِنْ اِتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلنَا يَهُود . )* - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ .|فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ } فَإِنَّ عَامَّة قُرَّاء الْإِسْلَام عَلَى قِرَاءَته عَلَى وَجْه الْأَمْر بِمَعْنَى : فَاسْأَلْ يَا مُحَمَّد بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ مُوسَى وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي تَأْوِيله مَا : 17155 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الْحَسَن ( { فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : سُؤَالك إِيَّاهُمْ : نَظَرك فِي الْقُرْآن . )وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | فَسَأَلَ | بِمَعْنَى : فَسَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْن بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُرْسِلهُمْ مَعَهُ عَلَى وَجْه الْخَبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17156 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ حَنْظَلَة السَّدُوسِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , (عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَ : | فَسَأَلَ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ | يَعْنِي أَنَّ مُوسَى سَأَلَ فِرْعَوْن بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يُرْسِلهُمْ مَعَهُ . )وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ يُقْرَأ بِغَيْرِهَا , هِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيبهَا , وَرَغْبَتهمْ عَمَّا خَالَفَهُمْ .|فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى|وَقَوْله : { فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن إِنِّي لَأَظُنّك يَا مُوسَى مَسْحُورًا } يَقُول : فَقَالَ لِمُوسَى فِرْعَوْن : إِنِّي لَأَظُنّك يَا مُوسَى تَتَعَاطَى عِلْم السِّحْر , فَهَذِهِ الْعَجَائِب الَّتِي تَفْعَلهَا مِنْ سِحْرك ; وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ إِنِّي لَأَظُنّك يَا مُوسَى سَاحِرًا , فَوَضَعَ مَفْعُول مَوْضِع فَاعِل , كَمَا قِيلَ : إِنَّك مَشْئُوم عَلَيْنَا وَمَيْمُون , وَإِنَّمَا هُوَ شَائِم وَيَامِن . وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضهمْ حِجَابًا مَسْتُورًا , بِمَعْنَى : حِجَابًا سَاتِرًا , وَالْعَرَب قَدْ تُخْرِج فَاعِلًا بِلَفْظِ مَفْعُول كَثِيرًا .

قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَقَدْ عَلِمْت مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَائِر } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { لَقَدْ عَلِمْت } فَقَرَأَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار ذَلِكَ { لَقَدْ عَلِمْت } بِفَتْحِ التَّاء , عَلَى وَجْه الْخِطَاب مِنْ مُوسَى لِفِرْعَوْن . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , أَنَّهُ قَرَأَ : | لَقَدْ عَلِمْت | بِضَمِّ التَّاء , عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ مُوسَى عَنْ نَفْسه . وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون عَلَى مَذْهَبه تَأْوِيل قَوْله { إِنِّي لَأَظُنّك يَا مُوسَى مَسْحُورًا } إِنِّي لَأَظُنّك قَدْ سَحَرْت , فَتَرَى أَنَّك تَتَكَلَّم بِصَوَابٍ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ . وَهَذَا وَجْه مِنْ التَّأْوِيل . غَيْر أَنَّ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار خِلَافهَا , وَغَيْر جَائِز عِنْدنَا خِلَاف الْحُجَّة فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَة مُجْمِعَة عَلَيْهِ . وَبَعْد , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه أَنَّهُمْ جَحَدُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ الْآيَات التِّسْع , مَعَ عِلْمهمْ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه بِقَوْلِهِ { وَأَدْخِلْ يَدك فِي جَيْبك تَخْرُج بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوء فِي تِسْع آيَات إِلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه , إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتنَا مُبْصِرَة قَالُوا هَذَا سِحْر مُبِين وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [27 12 : 14 ]فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا : هِيَ سِحْر , مَعَ عِلْمهمْ وَاسْتِيقَان أَنْفُسهمْ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَكَذَلِكَ قَوْله : { لَقَدْ عَلِمْت } إِنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْ مُوسَى لِفِرْعَوْن بِأَنَّهُ عَالِم بِأَنَّهَا آيَات مِنْ عِنْد اللَّه . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ اِحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْحُجَّة . قَالَ : 17157 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , (عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { لَقَدْ عَلِمْت } يَا فِرْعَوْن بِالنَّصْبِ { مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض } , ثُمَّ تَلَا { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [27 14 ])فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن : لَقَدْ عَلِمْت يَا فِرْعَوْن مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَات التِّسْع الْبَيِّنَات الَّتِي أَرَيْتُكهَا حُجَّة لِي عَلَى حَقِيقَة مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ , وَشَاهِدَة لِي عَلَى صِدْق وَصِحَّة قَوْلِي , إِنِّي لِلَّهِ رَسُول , مَا بَعَثَنِي إِلَيْك إِلَّا رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض , لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِر عَلَيْهِ , وَلَا عَلَى أَمْثَاله أَحَد سِوَاهُ . { بَصَائِر } يَعْنِي بِالْبَصَائِرِ : الْآيَات , أَنَّهُنَّ بَصَائِر لِمَنْ اِسْتَبْصَرَ بِهِنَّ , وَهُدًى لِمَنْ اِهْتَدَى بِهِنَّ , يَعْرِف بِهِنَّ مَنْ رَآهُنَّ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ فَمُحِقّ , وَأَنَّهُنَّ مِنْ عِنْد اللَّه لَا مِنْ عِنْد غَيْره , إِذْ كُنَّ مُعْجِزَات لَا يَقْدِر عَلَيْهِنَّ , وَلَا عَلَى شَيْء مِنْهُنَّ سِوَى رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض - وَهُوَ جَمْع بَصِيرَة .|وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ|وَقَوْله : { وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } يَقُول : إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَلْعُونًا مَمْنُوعًا مِنْ الْخَيْر . وَالْعَرَب تَقُول : مَا ثَبَرَك عَنْ هَذَا الْأَمْر : أَيْ مَا مَنَعَك مِنْهُ , وَمَا صَدَّك عَنْهُ ؟ وَثَبَرَهُ اللَّه فَهُوَ يُثْبِرُهُ وَيُثَبِّرهُ لُغَتَانِ , وَرَجُل مَثْبُور : مَحْبُوس عَنْ الْخَيْرَات هَالِك ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَان فِي سَنَن الْغَيّ .......... وَمَنْ مَالَ مَيْله مَثْبُوره <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17158 - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الْكُلَابِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } قَالَ مَلْعُونًا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } يَقُول : مَلْعُونًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَغْلُوبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17159 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } يَعْنِي : مَغْلُوبًا . )17160 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } يَقُول : مَغْلُوبًا . )وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن هَالِكًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (مَثْبُورًا : أَيْ هَالِكًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17162 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } : أَيْ هَالِكًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : إِنِّي لَأَظُنّك مُبَدِّلًا مُغَيِّرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17163 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ عِيسَى بْن مُوسَى , عَنْ عَطِيَّة ( { إِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } قَالَ : مُبَدِّلًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : مَخْبُولًا لَا عَقْل لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17164 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } قَالَ : الْإِنْسَان إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْل فَمَا يَنْفَعهُ ؟ يَعْنِي : إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْل يَنْتَفِع بِهِ فِي دِينه وَمَعَاشه دَعَتْهُ الْعَرَب مَثْبُورًا . قَالَ : أَظُنّك لَيْسَ لَك عَقْل يَا فِرْعَوْن , قَالَ : بَيْنَا هُوَ يَخَافهُ وَلَا يَنْطِق لِسَانِي أَنْ أَقُول هَذَا لِفِرْعَوْن , فَلَمَّا شَرَحَ اللَّه صَدْره , اِجْتَرَأَ أَنْ يَقُول لَهُ فَوْق مَا أَمَرَهُ اللَّه . )وَقَدْ بَيَّنَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَبْل .

فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزّهُمْ مِنْ الْأَرْض فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَرَادَ فِرْعَوْن أَنْ يَسْتَفِزّ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْأَرْض , { فَأَغْرَقْنَاهُ } فِي الْبَحْر , { وَمَنْ مَعَهُ } مِنْ جُنْده { جَمِيعًا } .

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا

وَنَجَّيْنَا مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل , وَقُلْنَا لَهُمْ { مِنْ بَعْد } هَلَاك فِرْعَوْن { اُسْكُنُوا الْأَرْض } أَرْض الشَّام { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } يَقُول : فَإِذَا جَاءَتْ السَّاعَة , وَهِيَ وَعْد الْآخِرَة , جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا : يَقُول : حَشَرْنَاكُمْ مِنْ قُبُوركُمْ إِلَى مَوْقِف الْقِيَامَة لَفِيفًا : أَيْ مُخْتَلِطِينَ قَدْ اِلْتَفَّ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , لَا تَتَعَارَفُونَ , وَلَا يَنْحَاز أَحَد مِنْكُمْ إِلَى قَبِيلَته وَحَيّه , مِنْ قَوْلك : لَفَفْت الْجُيُوش : إِذَا ضَرَبْت بَعْضهَا بِبَعْضٍ , فَاخْتَلَطَ الْجَمِيع , وَكَذَلِكَ كُلّ شَيْء خُلِطَ بِشَيْءٍ فَقَدْ لَفَّ بِهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ اِبْن أَبِي رَزِين ( { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } قَالَ : مِنْ كُلّ قَوْم . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : جِئْنَا بِكُمْ جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17166 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } قَالَ : جَمِيعًا . )17167 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17168 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله ( { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } : أَيْ جَمِيعًا , أَوَّلكُمْ وَآخِركُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } قَالَ : جَمِيعًا . )17169 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } يَعْنِي جَمِيعًا . )وَوَحَّدَ اللَّفِيف , وَهُوَ خَبَر عَنْ الْجَمِيع , لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَر كَقَوْلِ الْقَائِل : لَفَفْته لَفًّا وَلَفِيفًا .

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن : يَقُول : أَنْزَلْنَاهُ نَأْمُر فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَاف وَالْأَخْلَاق الْجَمِيلَة , وَالْأُمُور الْمُسْتَحْسَنَة الْحَمِيدَة , وَنَنْهَى فِيهِ عَنْ الظُّلْم وَالْأُمُور الْقَبِيحَة , وَالْأَخْلَاق الرَّدِيَّة , وَالْأَفْعَال الذَّمِيمَة { وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } يَقُول : وَبِذَلِكَ نَزَلَ مِنْ عِنْد اللَّه عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .|وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا|وَقَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِ مِنْ عِبَادنَا , إِلَّا مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَنَا , فَانْتَهَى إِلَى أَمْرنَا وَنَهْينَا , وَمُنْذِرًا لِمَنْ عَصَانَا وَخَالَفَ أَمْرنَا وَنَهْينَا .

وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا

{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { فَرَقْنَاهُ } بِتَخْفِيفِ الرَّاء مِنْ فَرَقْنَاهُ , بِمَعْنَى : أَحْكَمْنَاهُ وَفَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِتَشْدِيدِ الرَّاء | فَرَّقْنَاهُ | بِمَعْنَى : نَزَّلْنَاهُ شَيْئًا بَعْد شَيْء , آيَة بَعْد آيَة , وَقِصَّة بَعْد قِصَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , الْقِرَاءَة الْأُولَى , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْحُجَّة مُجْمِعَة , وَلَا يَجُوز خِلَافهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجْمِعَة مِنْ أَمْر الدِّين وَالْقُرْآن . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا , وَفَصَّلْنَاهُ قُرْآنًا , وَبَيَّنَّاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ , لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17170 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } يَقُول : فَصَّلْنَاهُ . )17171 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِي الرَّبِيع عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , (عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ قَرَأَ : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } مُخَفَّفًا : يَعْنِي بَيَّنَّاهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ اِبْن عَبَّاس { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } قَالَ : فَصَّلْنَاهُ . )17172 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَدَل بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , يَعْنِي اِبْن رَاشِد , عَنْ دَاوُدَ , (عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } خَفَّفَهَا : فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . )وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا الْقِرَاءَة الْأُخْرَى , فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا مَا قَدْ ذَكَرْت مِنْ التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْت مِنْ التَّأْوِيل عَنْ قَارِئ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 17173 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : (كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا : | وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ | مُثَقَّلَة , يَقُول : أَنْزَلَ آيَة آيَة . )17174 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُدُ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَنْزَلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر , ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْد ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَة , قَالَ : { وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } [25 33 ]| وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا . )17175 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس | لَمْ يَنْزِل جَمِيعًا , وَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره نَحْو مِنْ عِشْرِينَ سَنَة . )17176 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ | قَالَ : فَرَّقَهُ : لَمْ يُنْزِلهُ جَمِيعه . وَقَرَأَ : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة } [25 32 ]حَتَّى بَلَغَ { وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } [25 33 ]يَنْقُض عَلَيْهِمْ مَا يَأْتُونَ بِهِ . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْكُوفَة يَقُول : نَصَبَ قَوْله { وَقُرْآنًا } بِمَعْنَى : وَرَحْمَة , وَيَتَأَوَّل ذَلِكَ : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وَرَحْمَة , وَيَقُول : جَازَ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْقُرْآن رَحْمَة , وَنَصَبَهُ عَلَى الْوَجْه الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْلَى , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل } [36 39 ]وَقَوْله : { لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } يَقُول : لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى تُؤَدَة , فَتُرَتِّلهُ وَتُبَيِّنهُ , وَلَا تَعْجَل فِي تِلَاوَته , فَلَا يُفْهَم عَنْك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17177 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , قَالَ : (قُلْت لِمُجَاهِدٍ : رَجُل قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان , وَآخَر قَرَأَ الْبَقَرَة , وَرُكُوعهمَا وَسُجُودهمَا وَاحِد , أَيّهمَا أَفْضَل ؟ قَالَ : الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَة , وَقَرَأَ : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } )17178 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } يَقُول : عَلَى تَأْيِيد . )17179 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَلَى مُكْث } قَالَ : عَلَى تَرْتِيل . )17180 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } قَالَ : فِي تَرْتِيل . )17181 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } قَالَ : التَّفْسِير الَّذِي قَالَ اللَّه { وَرَتِّلْ الْقُرْآن تَرْتِيلًا } : [73 4 ]تَفْسِيره . )17182 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عُبَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث } عَلَى تُؤَدَة . )وَفِي الْمُكْث لِلْعَرَبِ لُغَات : مُكْث , وَمَكْث , وَمِكْث وَمِكِّيثِي مَقْصُور , وَمُكْثَانًا , وَالْقِرَاءَة بِضَمِّ الْمِيم .|وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا|وَقَوْله : { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَرَّقْنَا تَنْزِيله , وَأَنْزَلْنَاهُ شَيْئًا بَعْد شَيْء , كَمَا : 17183 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (تَلَا الْحَسَن : | وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا | قَالَ : كَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنْزِل هَذَا الْقُرْآن بَعْضه قَبْل بَعْض لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ وَيَحْدُث فِي النَّاس , لَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة , قَالَ : فَسَأَلْته يَوْمًا عَلَى سَخْطَة , فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد | وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ | فَثَقَّلَهَا أَبُو رَجَاء , فَقَالَ الْحَسَن : لَيْسَ فَرَقْنَاهُ , وَلَكِنْ فَرَقْنَاهُ , فَقَرَأَ الْحَسَن مُخَفَّفَة . قُلْت : مَنْ يُحَدِّثك هَذَا يَا أَبَا سَعِيد أَصْحَاب مُحَمَّد ؟ قَالَ : فَمَنْ يُحَدِّثنِيهِ ! قَالَ : أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّة قَبْل أَنْ يُهَاجِر إِلَى الْمَدِينَة ثَمَانِي سِنِينَ , وَبِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ . )17184 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } لَمْ يَنْزِل فِي لَيْلَة وَلَا لَيْلَتَيْنِ , وَلَا شَهْر وَلَا شَهْرَيْنِ , وَلَا سَنَة وَلَا سَنَتَيْنِ , وَلَكِنْ كَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره عِشْرُونَ سَنَة , وَمَا شَاءَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (كَانَ يَقُول : أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّ اللَّه الْقُرْآن ثَمَانِي سِنِينَ , وَعَشْرًا بَعْد مَا هَاجَرَ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : عَشْرًا بِمَكَّة , وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ .)

قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَك { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا } : آمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآن الَّذِي لَوْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ , لَمْ يَأْتُوا بِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا , أَوْ لَا تُؤْمِنُوا بِهِ , فَإِنَّ إِيمَانكُمْ بِهِ لَنْ يَزِيد فِي خَزَائِن رَحْمَة اللَّه وَلَا تَرْككُمْ الْإِيمَان بِهِ يَنْقُص , ذَلِكَ . وَإِنْ تَكْفُرُوا بِهِ , فَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم بِاَللَّهِ وَآيَاته مِنْ قَبْل نُزُوله مِنْ مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَابَيْنِ , إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآن يَخِرُّونَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَكْرِيمًا , وَعِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , لِأَذْقَانِهِمْ سُجَّدًا بِالْأَرْضِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ : الْوُجُوه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17185 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } يَقُول : لِلْوُجُوهِ . )17186 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } قَالَ لِلْوُجُوهِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ اللِّحَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17187 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ } قَالَ : اللِّحَى . )وَالْأَذْقَان فِي كَلَام الْعَرَب : جَمْع ذَقْن وَهُوَ مَجْمَع اللَّحْيَيْنِ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي قَالَ الْحَسَن فِي ذَلِكَ أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ { أُوتُوا الْعِلْم } وَفِي { يُتْلَى عَلَيْهِمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17188 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله } . ... إِلَى قَوْله { خُشُوعًا } قَالَ : هُمْ نَاس مِنْ أَهْل الْكِتَاب حِين سَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد { قَالُوا سُبْحَان رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْد رَبّنَا لَمَفْعُولًا } )17189 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله } مِنْ قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْد اللَّه { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَان رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْد رَبّنَا لَمَفْعُولًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله } الْقُرْآن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17190 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } كِتَابهمْ . )17191 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْد اللَّه . )وَإِنَّمَا قُلْنَا : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } الْقُرْآن , لِأَنَّهُ فِي سِيَاق ذِكْر الْقُرْآن لَمْ يَجْرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُب ذِكْر , فَيُصْرَف الْكَلَام إِلَيْهِ , وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ قَبْله } مِنْ ذِكْر الْقُرْآن , لِأَنَّ الْكَلَام بِذِكْرِهِ جَرَى قَبْله , وَذَلِكَ قَوْله : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } وَمَا بَعْده فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُ , فَذَلِكَ وَجَبَتْ صِحَّة مَا قُلْنَا إِذَا لَمْ يَأْتِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا فِيهِ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا .

وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا

وَقَوْله : { سُبْحَان رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْد رَبّنَا لَمَفْعُولًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْل نُزُول هَذَا الْقُرْآن , إِذْ خَرُّوا لِلْأَذْقَانِ سُجُودًا عِنْد سَمَاعهمْ الْقُرْآن يُتْلَى عَلَيْهِمْ : تَنْزِيهًا لِرَبِّنَا وَتَبْرِئَة لَهُ مِمَّا يُضِيف إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ , مَا كَانَ وَعْد رَبّنَا مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب , إِلَّا مَفْعُولًا حَقًّا يَقِينًا , إِيمَان بِالْقُرْآنِ وَتَصْدِيق بِهِ .

وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدهُمْ خُشُوعًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَخِرّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان , إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ الْقُرْآن لِأَذْقَانِهِمْ يَبْكُونَ , وَيَزِيدهُمْ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ الْمَوَاعِظ وَالْعِبَر خُشُوعًا , يَعْنِي خُضُوعًا لِأَمْرِ اللَّه وَطَاعَته , وَاسْتِكَانَة لَهُ . 17192 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى التَّيْمِيّ , (أَنَّ مَنْ أُوتِيَ مِنْ الْعِلْم يُبْكِهِ لَخَلِيق أَنْ لَا يَكُون أُوتِيَ عِلْمًا يَنْفَعهُ , لِأَنَّ اللَّه نَعَتَ الْعُلَمَاء فَقَالَ { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ } . ... الْآيَتَيْنِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مِسْعَر بْن كِدَام , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى التَّيْمِيّ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : ( { إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ } ثُمَّ قَالَ : { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ } . ... الْآيَة . )17193 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدهُمْ خُشُوعًا } قَالَ : هَذَا جَوَاب وَتَفْسِير لِلْآيَةِ الَّتِي فِي كهيعص { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } )[19 58]

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك الْمُنْكِرِينَ دُعَاء الرَّحْمَن : { اُدْعُوا اللَّه } أَيّهَا الْقَوْم { أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } بِأَيِّ أَسْمَائِهِ جَلَّ جَلَاله تَدْعُونَ رَبّكُمْ , فَإِنَّمَا تَدْعُونَ وَاحِدًا , وَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا ذُكِرَ سَمِعُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبّه : يَا رَبّنَا اللَّه , وَيَا رَبّنَا الرَّحْمَن , فَظَنُّوا أَنَّهُ يَدْعُو إِلَهَيْنِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَذِهِ الْآيَة اِحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِمْ . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِمَا ذَكَرْنَا : 17194 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاقِد , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا يَدْعُو : | يَا رَحْمَن يَا رَحِيم | , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : هَذَا يَزْعُم أَنَّهُ يَدْعُو وَاحِدًا , وَهُوَ يَدْعُو مَثْنَى مَثْنَى , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } . ... الْآيَة . )17195 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ مَكْحُول , (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَهَجَّد بِمَكَّة ذَات لَيْلَة , يَقُول فِي سُجُوده : | يَا رَحْمَن يَا رَحِيم | , فَسَمِعَهُ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : اُنْظُرُوا مَا قَالَ اِبْن أَبِي كَبْشَة , يَدْعُو اللَّيْلَة الرَّحْمَن الَّذِي بِالْيَمَامَةِ , وَكَانَ بِالْيَمَامَةِ رَجُل يُقَال لَهُ الرَّحْمَن : فَنَزَلَتْ : { قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } . | )17196 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } . )17197 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَيًّا مَا تَدْعُوا } بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ . )17198 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكَّار الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن عِيسَى , عَنْ عُبَيْد بْن الطُّفَيْل الْجُهَنِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ مَكْحُول , عَنْ عِرَاك بْن مَالِك , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا كُلّهنَّ فِي الْقُرْآن , مَنْ أَحْصَاهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِدُخُولِ | مَا | فِي قَوْله { أَيًّا مَا تَدْعُوا } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون صِلَة , كَمَا قِيلَ : { عَمَّا قَلِيل لَيُصْبِحَن نَادِمِينَ } [23 40 ]وَالْآخَر أَنْ تَكُون فِي مَعْنَى إِنْ : كُرِّرَتْ لَمَّا اِخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا , كَمَا قِيلَ : مَا إِنْ رَأَيْت كَاللَّيْلَةِ لَيْلَة .|وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا|وَقَوْله : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الصَّلَاة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : وَلَا تَجْهَر بِدُعَائِك , وَلَا تُخَافِت بِهِ , وَلَكِنْ بَيْن ذَلِكَ . وَقَالُوا : عَنَى بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الدُّعَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17199 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَتْ : فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنَا بَشَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة مِثْله . 17200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ عِكْرِمَة , (عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالدُّعَاءِ , فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة أُمِرُوا أَنْ لَا يَجْهَرُوا , وَلَا يُخَافِتُوا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمْرو بْن مَالِك الْبَكْرِيّ , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء . )17201 - حَدَّثَنِي مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عِيَاض , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم الْهَجَرِيّ , عَنْ أَبِي عِيَاض ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عِيَاض مِثْله . 17202 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ عَطَاء ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء . )17203 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد فِي الْآيَة : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (نَزَلَتْ فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة . )17204 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثني سُفْيَان , قَالَ : ثني قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : فِي الدُّعَاء . )17205 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَيَّاش الْعَامِرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد قَالَ : (كَانَ أَعْرَاب إِذَا سَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا إِبِلًا وَوَلَدًا , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } )17206 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : فِي الدُّعَاء . )* - حَدَّثَنِي اِبْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } . ... الْآيَة , قَالَ : فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة . )17207 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ مَكْحُول ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : ذَلِكَ فِي الدُّعَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الصَّلَاة . وَاخْتَلَفَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى بِالنَّهْيِ عَنْ الْجَهْر بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي نَهَى عَنْ الْجَهْر بِهِ مِنْهَا الْقِرَاءَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17208 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْته بِالْقُرْآنِ , فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآن وَمَنْ أَنْزَلَهُ , وَمَنْ جَاءَ بِهِ , قَالَ : فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } فَيَسْمَع الْمُشْرِكُونَ { وَلَا تُخَافِت بِهَا } عَنْ أَصْحَابك , فَلَا تُسْمِعهُمْ الْقُرْآن حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْك . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عَمَّار , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا جَهَرَ بِالصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ بِالْقُرْآنِ , شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا سَمِعُوهُ , فَيُؤْذُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّتْمِ وَالْعَيْب بِهِ , وَذَلِكَ بِمَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه : يَا مُحَمَّد { لَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } يَقُول : لَا تُعْلِن بِالْقِرَاءَةِ بِالْقُرْآنِ إِعْلَانًا شَدِيدًا يَسْمَعهُ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُونَك , وَلَا تُخَافِت بِالْقِرَاءَةِ بِالْقُرْآنِ : يَقُول : لَا تَخْفِض صَوْتك حَتَّى لَا تُسْمِع أُذُنَيْك { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } يَقُول : اُطْلُبْ بَيْن الْإِعْلَان وَالْجَهْر وَبَيْن التَّخَافُت وَالْخَفْض طَرِيقًا , لَا جَهْرًا شَدِيدًا , وَلَا خَفْضًا لَا تُسْمِع أُذُنَيْك , فَذَلِكَ الْقَدْر ; فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة سَقَطَ هَذَا كُلّه , يَفْعَل الْآن أَيّ ذَلِكَ شَاءَ . )17209 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } . ... الْآيَة , هَذَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ , فَرَفَعَ صَوْته بِالْقِرَاءَةِ أَسْمَعَ الْمُشْرِكِينَ , فَآذَوْهُ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ لَا يَرْفَع صَوْته , فَيُسْمِع عَدُوّهُ , وَلَا يُخَافِت فَلَا يَسْمَع مَنْ خَلْفه مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَبْتَغِي بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَع صَوْته بِالْقُرْآنِ , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا سَمِعُوا صَوْته سَبُّوا الْقُرْآن , وَمَنْ جَاءَ بِهِ ; فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْفِي الْقُرْآن فَمَا يَسْمَعهُ أَصْحَابه , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , يَقُول : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ صَوْته وَسَمِعَ الْمُشْرِكُونَ , سَبُّوا الْقُرْآن , وَمَنْ جَاءَ بِهِ , وَإِذَا خَفَضَ لَمْ يَسْمَع أَصْحَابه , قَالَ اللَّه : { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني دَاوُدُ بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقُوا , وَأَبَوْا أَنْ يَسْتَمِعُوا مِنْهُ , فَكَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِع مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض مَا يَتْلُو , وَهُوَ يُصَلِّي , اِسْتَرَقَ السَّمْع دُونهمْ فَرَقًا مِنْهُمْ , فَإِنْ رَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِع , ذَهَبَ خَشْيَة أَذَاهُمْ , فَلَمْ يَسْتَمِع , فَإِنْ خَفَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْته , لَمْ يَسْتَمِع الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ مِنْ قِرَاءَته شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } فَيَتَفَرَّقُوا عَنْك { وَلَا تُخَافِت بِهَا } فَلَا تُسْمِع مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعهَا , مِمَّنْ يَسْتَرِق ذَلِكَ دُونهمْ , لَعَلَّهُ يَرْعَوِي إِلَى بَعْض مَا يَسْمَع , فَيَنْتَفِع بِهِ , { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } . )17210 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَر بِقِرَاءَةِ الْقُرْآن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام , فَقَالَتْ قُرَيْش : لَا تَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ فَتُؤْذِي آلِهَتنَا , فَنَهْجُو رَبّك , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } . ... الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُخْتَفٍ بِمَكَّة , فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ الصَّوْت بِالْقُرْآنِ , فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآن وَمَنْ أَنْزَلَهُ , وَمَنْ جَاءَ بِهِ , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } : أَيْ بِقِرَاءَتِك , فَيَسْمَع الْمُشْرِكُونَ , فَيَسُبُّوا الْقُرْآن { وَلَا تُخَافِت بِهَا } عَنْ أَصْحَابك , فَلَا تُسْمِعهُمْ { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : فِي الْقِرَاءَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي هَذِهِ الْآيَة ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ صَوْته أَعْجَبَ ذَلِكَ أَصْحَابه , وَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )17211 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَلَمَة , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : (نُبِّئْت أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ إِذَا صَلَّى فَقَرَأَ خَفَضَ صَوْته , وَأَنَّ عُمَر كَانَ يَرْفَع صَوْته ; قَالَ : فَقِيلَ لِأَبِي بَكْر : لِمَ تَصْنَع هَذَا ؟ فَقَالَ : أُنَاجِي رَبِّي , وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي , قِيلَ : أَحْسَنْت ; وَقِيلَ لِعُمَر : لِمَ تَصْنَع هَذَا ؟ قَالَ : أَطْرُد الشَّيْطَان , وَأُوقِظ الْوَسْنَان , قِيلَ : أَحْسَنْت ; فَلَمَّا نَزَلَتْ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } قِيلَ لِأَبِي بَكْر : اِرْفَعْ شَيْئًا , وَقِيلَ لِعُمَر : اِخْفِضْ شَيْئًا . )17212 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا حِسَان بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ إِبْرَاهِيم الصَّائِغ , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : يَقُول نَاس إِنَّهَا فِي الصَّلَاة , وَيَقُول آخَرُونَ إِنَّهَا فِي الدُّعَاء . )17213 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } وَكَانَ نَبِيّ اللَّه وَهُوَ بِمَكَّة , إِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ صَوْته رَمَوْهُ بِكُلِّ خَبَث , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَغُضّ مِنْ صَوْته , وَأَنْ يَجْعَل صَلَاته بَيْنه وَبَيْن رَبّه , وَكَانَ يُقَال : مَا سَمِعَتْهُ أُذُنك فَلَيْسَ بِمُخَافَتَةٍ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَع صَوْته بِالصَّلَاةِ , فَيُرْمَى بِالْخَبَثِ , فَقَالَ : لَا تَرْفَع صَوْتك فَتُؤْذَى وَلَا تُخَافِت بِهَا , وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ : وَلَا تَجْهَر بِالتَّشَهُّدِ فِي صَلَاتك , وَلَا تُخَافِت بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17214 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي التَّشَهُّد { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } . )17215 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ مِثْله . وَزَادَ فِيهِ : (وَكَانَ الْأَعْرَابِيّ يَجْهَر فَيَقُول : التَّحِيَّات لِلَّهِ , وَالصَّلَوَات لِلَّهِ , يَرْفَع فِيهَا صَوْته , فَنَزَلَتْ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمَكَّة جِهَارًا , فَأَمَرَ بِإِخْفَائِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17216 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : (قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى يَجْهَر بِصَلَاتِهِ , فَآذَى ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , حَتَّى أَخْفَى صَلَاته هُوَ وَأَصْحَابه , فَلِذَلِكَ قَالَ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } وَقَالَ فِي الْأَعْرَاف : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ } )[7 205 ]وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك تُحْسِنهَا مِنْ إِتْيَانهَا فِي الْعَلَانِيَة , وَلَا تُخَافِت بِهَا : تُسِيئهَا فِي السَّرِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17217 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } : أَيْ لَا تُرَاءِ بِهَا عَلَانِيَة , وَلَا تُخْفِهَا سِرًّا { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : (كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : لَا تُحْسِن عَلَانِيَتهَا , وَتُسِيء سَرِيرَتهَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , (عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : لَا تُرَاءِ بِهَا فِي الْعَلَانِيَة , وَلَا تُخْفِهَا فِي السَّرِيرَة . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْرَقِيّ , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : تُحْسِن عَلَانِيَتهَا , وَتُسِيء سَرِيرَتهَا . )17218 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } قَالَ : لَا تُصَلِّ مُرَاءَاة النَّاس وَلَا تَدَعهَا مَخَافَة . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 17219 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } قَالَ : السَّبِيل بَيْن ذَلِكَ الَّذِي سَنَّ لَهُ جَبْرَائِيل مِنْ الصَّلَاة الَّتِي عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ . قَالَ : وَكَانَ أَهْل الْكِتَاب يُخَافِتُونَ , ثُمَّ يَجْهَر أَحَدهمْ بِالْحَرْفِ , فَيَصِيح بِهِ , وَيَصِيحُونَ هُمْ بِهِ وَرَاءَهُ , فَنَهَى أَنْ يَصِيح كَمَا يَصِيح هَؤُلَاءِ , وَأَنْ يُخَافِت كَمَا يُخَافِت الْقَوْم , ثُمَّ كَانَ السَّبِيل الَّذِي بَيْن ذَلِكَ , الَّذِي سَنَّ لَهُ جَبْرَائِيل مِنْ الصَّلَاة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , مَا ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , لِأَنَّ ذَلِكَ أَصَحّ الْأَسَانِيد الَّتِي رُوِيَ عَنْ صَحَابِيّ فِيهِ قَوْل مَخْرَجًا , وَأَشْبَه الْأَقْوَال بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } عَقِيب قَوْله { قُلْ اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } وَعَقِيب تَقْرِيع الْكُفَّار بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ , وَذَلِكَ بَعْدهمْ مِنْهُ وَمِنْ الْإِيمَان . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَه بِقَوْلِهِ { وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِت بِهَا } أَنْ يَكُون مِنْ سَبَب مَا هُوَ فِي سِيَاقه مِنْ الْكَلَام , مَا لَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى يُوجِب صَرْفه عَنْهُ , أَوْ يَكُون عَلَى اِنْصِرَافه عَنْهُ دَلِيل يُعْلَم بِهِ الِانْصِرَاف عَمَّا هُوَ فِي سِيَاقه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قُلْ اُدْعُوا اللَّه , أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن , أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى , وَلَا تَجْهَر يَا مُحَمَّد بِقِرَاءَتِك فِي صَلَاتك وَدُعَائِك فِيهَا رَبّك وَمَسْأَلَتك إِيَّاهُ , وَذِكْرك فِيهَا , فَيُؤْذِيك بِجَهْرِك بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ , وَلَا تُخَافِت بِهَا فَلَا يَسْمَعهَا أَصْحَابك { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } وَلَكِنْ اِلْتَمِسْ بَيْن الْجَهْر وَالْمُخَافَتَة طَرِيقًا إِلَى أَنْ تُسْمِع أَصْحَابك , وَلَا يَسْمَعهُ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُوك . وَلَوْلَا أَنَّ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل مَضَتْ بِمَا ذَكَرْت عَنْهُمْ مِنْ التَّأْوِيل , وَأَنَّا لَا نَسْتَجِيزُ خِلَافهمْ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ , لَكَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلهُ التَّأْوِيل أَنْ يُقَال : وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك الَّتِي أَمَرْنَاك بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا , وَهِيَ صَلَاة النَّهَار لِأَنَّهَا عَجْمَاء , لَا يَجْهَر بِهَا , وَلَا تُخَافِت بِصَلَاتِك الَّتِي أَمَرْنَاك بِالْجَهْرِ بِهَا , وَهِيَ صَلَاة اللَّيْل , فَإِنَّهَا يَجْهَر بِهَا { وَابْتَغِ بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } بِأَنْ تَجْهَر بِاَلَّتِي أَمَرْنَاك بِالْجَهْرِ بِهَا , وَتُخَافِت بِاَلَّتِي أَمَرْنَاك بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا , لَا تَجْهَر بِجَمِيعِهَا , وَلَا تُخَافِت بِكُلِّهَا , فَكَانَ ذَلِكَ وَجْهًا غَيْر بَعِيد مِنْ الصِّحَّة , وَلَكِنَّا لَا نَرَى ذَلِكَ صَحِيحًا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى خِلَافه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَأَيَّة قِرَاءَة هَذِهِ الَّتِي بَيْن الْجَهْر وَالْمُخَافَتَة ؟ قِيلَ : 17220 - حَدَّثَنِي مَطَر بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا قُتَيْبَة , وَوَهْب بْن جَرِير , قَالَا : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَشْعَث بْن سُلَيْم , عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه : لَمْ يُخَافِت مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَشْعَث , عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله .

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقُلْ } يَا مُحَمَّد { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا } فَيَكُون مَرْبُوبًا لَا رَبًّا , لِأَنَّ رَبّ الْأَرْبَاب لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك } فَيَكُون عَاجِزًا ذَا حَاجَة إِلَى مَعُونَة غَيْره ضَعِيفًا , وَلَا يَكُون إِلَهًا مَنْ يَكُون مُحْتَاجًا إِلَى مُعِين عَلَى مَا حَاوَلَ , وَلَمْ يَكُنْ مُنْفَرِدًا بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَان { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيف حَالَفَهُ مِنْ الذُّلّ الَّذِي بِهِ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ ذَا حَاجَة إِلَى نُصْرَة غَيْره , فَذَلِيل مَهِين , وَلَا يَكُون مَنْ كَانَ ذَلِيلًا مَهِينًا يَحْتَاج إِلَى نَاصِر إِلَهًا يُطَاع { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } يَقُول : وَعَظِّمْ رَبّك يَا مُحَمَّد بِمَا أَمَرْنَاك أَنْ تُعَظِّمهُ بِهِ مِنْ قَوْل وَفِعْل , وَأَطِعْهُ فِيمَا أَمَرَك وَنَهَاك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17221 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ } قَالَ : لَمْ يُحَالِف أَحَدًا , وَلَا يَبْتَغِي نَصْر أَحَد . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17222 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّم أَهْله هَذِهِ الْآيَة { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } الصَّغِير مِنْ أَهْله وَالْكَبِير . )17223 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا أَبُو الْجُنَيْد , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِنَّ التَّوْرَاة كُلّهَا فِي خَمْس عَشْرَة آيَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ تَلَا { لَا تَجْعَل مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } )[17 22 ]17224 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ الْقُرَظِيّ , (أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا } . ... الْآيَة . قَالَ : إِنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالُوا : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا . وَقَالَتْ الْعَرَب : لَبَّيْكَ , لَبَّيْكَ , لَا شَرِيك لَك , إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك . وَقَالَ الصَّابِئُونَ وَالْمَجُوس : لَوْلَا أَوْلِيَاء اللَّه لِذُلِّ اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ } أَنْتَ يَا مُحَمَّد عَلَى مَا يَقُولُونَ { تَكْبِيرًا } . )آخِر تَفْسِير سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل , وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس