islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
15476

3-آل-عمران

الم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الم } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 184 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { الم } قَالَ : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن )185 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الْآمُلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بْن مَسْعُود قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : ( { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن )186 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : ( { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 187 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ الْكُوفِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { الم } فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . )حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { الم } فَوَاتِح . )حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { الم } وَ { حم } وَ { المص } وَ { ص } فَوَاتِح اِفْتَتَحَ اللَّه بِهَا . )حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْل حَدِيث هَارُون بْن إِدْرِيس . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم لِلسُّورَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 188 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم , عَنْ قَوْل اللَّه : ( { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَ { الم تَنْزِيل } وَ { المر تِلْكَ } فَقَالَ : قَالَ أَبِي : إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاء السُّوَر . )وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 189 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , قَالَ : (سَأَلْت السُّدِّيّ عَنْ { حم } وَ { طسم } وَ { الم } فَقَالَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . )حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النُّعْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فَذَكَرَ نَحْوه . 190 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : (فَوَاتِح السُّوَر مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 191 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه . )192 حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : ( { الم } قَسَم . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ أَسْمَاء وَأَفْعَال , كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ لِمَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 193 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . )194 - وَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَقْظَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ قَوْله : ( { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . )195 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { الم } قَالَ : أَمَّا : { الم } فَهُوَ حَرْف اُشْتُقَّ مِنْ حُرُوف هِجَاء أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . )196 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن زِيَاد الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { الم } وَ { حم } وَ { ن } قَالَ : اِسْم مُقَطَّع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف هِجَاء مَوْضُوع . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 197 - حَدَّثَنَا عَنْ مَنْصُور بْن أَبِي نُوَيْرَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْمُؤَدِّب , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (فَوَاتِح السُّوَر كُلّهَا { ق } وَ { ص } وَ { حم } وَ { طسم } وَ { الر } وَغَيْر ذَلِكَ هِجَاء مَوْضُوع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف يَشْتَمِل كُلّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ شَتَّى مُخْتَلِفَة )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 198 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الطَّبَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : ( { الم } قَالَ : هَذِهِ الْأَحْرُف مِنْ التِّسْعَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , دَارَتْ فِيهَا الْأَلْسُن كُلّهَا , لَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاح اِسْم مِنْ أَسْمَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ فِي آلَائِهِ وَبِلَأْلَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مُدَّة قَوْم وَآجَالهمْ . وَقَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم : | وَعَجِيب يَنْطِقُونَ فِي أَسْمَائِهِ , وَيَعِيشُونَ فِي رِزْقه , فَكَيْفَ يَكْفُرُونَ | ؟ قَالَ : الْأَلِف : مِفْتَاح اِسْمه | اللَّه | , وَاللَّام : مِفْتَاح اِسْمه | لَطِيف | , وَالْمِيم : مِفْتَاح اِسْمه | مَجِيد | ; وَالْأَلِف : آلَاء اللَّه , وَاللَّام : لُطْفه , وَالْمِيم : مَجْده ; الْأَلِف : سَنَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ سَنَة , وَالْمِيم : أَرْبَعُونَ سَنَة . )حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَكَّام عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حِسَاب الْجُمَل , كَرِهْنَا ذِكْر الَّذِي حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ , إِذْ كَانَ الَّذِي رَوَاهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَد عَلَى رِوَايَته وَنَقْله , وَقَدْ مَضَتْ الرِّوَايَة بِنَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَالَ بَعْضهمْ : لِكُلِّ كِتَاب سِرّ , وَسِرّ الْقُرْآن فَوَاتِحه . وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا فِي أَوَائِل السُّوَر عَنْ ذِكْر بِوَاقِيهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , كَمَا اِسْتَغْنَى الْمُخْبِر عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ بِذِكْرِ | أ ب ت ث | عَنْ ذِكْر بِوَاقِي حُرُوفهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ , قَالَ : وَلِذَلِكَ رُفِعَ { ذَلِكَ الْكِتَاب } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم مِنْ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } الَّذِي أَنْزَلَتْهُ إِلَيْك مَجْمُوعًا { لَا رَيْب فِيهِ . .. } . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ | أ ب ت ث | قَدْ صَارَتْ كَالِاسْمِ فِي حُرُوف الْهِجَاء كَمَا صَارَتْ الْحَمْد اِسْمًا لِفَاتِحَةِ الْكِتَاب . قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَقُول الْقَائِل : اِبْنِي فِي | ط ظ | , وَكَانَ مَعْلُومًا بِقِيلِهِ ذَلِكَ لَوْ قَالَهُ أَنَّهُ يُرِيد الْخَبَر عَنْ اِبْنه أَنَّهُ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة , عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ | أ ب ت ث | لَيْسَ لَهَا بِاسْمٍ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ آثَر فِي الذِّكْر مِنْ سَائِرهَا . قَالَ : وَإِنَّمَا خُولِفَ بَيْن ذِكْر حُرُوف الْمُعْجَم فِي فَوَاتِح السُّوَر , فَذُكِرَتْ فِي أَوَائِلهَا مُخْتَلِفَة , وَذِكْرهَا إِذَا ذُكِرَتْ بِأَوَائِلِهَا الَّتِي هِيَ | أ ب ت ث | مُؤْتَلِفَة لِيُفْصَلَ بَيْن الْخَبَر عَنْهَا , إِذَا أُرِيدَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُخْتَلِفَا الدَّلَالَة عَلَى الْكَلَام الْمُتَّصِل , وَإِذَا أُرِيدَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُؤْتَلِفَا الدَّلَالَة عَلَى الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بِأَعْيَانِهَا . وَاسْتَشْهَدُوا - الْإِجَازَة قَوْل الْقَائِل : اِبْنِي فِي | ط ظ | , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخَبَر عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيله فِي الْبَيَان يَقُوم مَقَام قَوْله : | اِبْنِي فِي أ ب ت ث | بِرَجَزِ بَعْض الرُّجَّاز مِنْ بَنِي أَسَد : <br>لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حَطِّي .......... وَفَنَكَتْ فِي كَذِب وَلَطّ <br><br>أَخَذْت مِنْهَا بِقُرُونِ شَمْط .......... فَلَمْ يَزَلْ ضَرْبِي بِهَا وَمَعْطِي <br><br>حَتَّى عَلَا الرَّأْس دَم يُغَطِّي <br>فَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْخَبَر عَنْ الْمَرْأَة أَنَّهَا فِي | أبى جاد | , فَأَقَامَ قَوْله : | لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حَطِّي | مَقَام خَبَره عَنْهَا أَنَّهَا فِي | أبى جاد | , إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ قَوْله يَدُلّ سَامِعه عَلَى مَا يَدُلّهُ عَلَيْهِ قَوْله : لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي أبى جاد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اُبْتُدِئَتْ بِذَلِكَ أَوَائِل السُّوَر لِيَفْتَح لِاسْتِمَاعِهِ أَسْمَاع الْمُشْرِكِينَ , إِذْ تَوَاصَوْا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآن , حَتَّى إِذَا اِسْتَمَعُوا لَهُ تُلِيَ عَلَيْهِمْ الْمُؤَلَّف مِنْهُ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحُرُوف الَّتِي هِيَ فَوَاتِح السُّوَر حُرُوف يَسْتَفْتِح اللَّه بِهَا كَلَامه . فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يَكُون مِنْ الْقُرْآن مَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ؟ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ اِفْتَتَحَ بِهَا لِيُعْلِم أَنَّ السُّورَة الَّتِي قَبْلهَا قَدْ اِنْقَضَتْ , وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي أُخْرَى , فَجَعَلَ هَذَا عَلَامَة اِنْقِطَاع مَا بَيْنهمَا , وَذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب يُنْشِد الرَّجُل مِنْهُمْ الشِّعْر فَيَقُول : <br>بَلْ .... .......... وَبَلْدَة مَا الْإِنْس مِنْ آهَالِهَا <br>وَيَقُول : <br>لَا بَلْ ... .......... مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا <br>| بَلْ | لَيْسَتْ مِنْ الْبَيْت وَلَا تُعَدّ فِي وَزْنه , وَلَكِنْ يَقْطَع بِهَا كَلَامًا وَيَسْتَأْنِف الْآخَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا الَّذِينَ وَصَفْنَا قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ وَجْه مَعْرُوف . فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن , فَلِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّ : { الم } اِسْم لِلْقُرْآنِ كَمَا الْفُرْقَان اِسْم لَهُ . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى قَائِل ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ تَأْوِيل قَوْله : { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب عَلَى مَعْنَى الْقَسَم ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ . وَالْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء السُّورَة الَّتِي تُعْرَف بِهِ كَمَا تُعْرَف سَائِر الْأَشْيَاء بِأَسْمَائِهَا الَّتِي هِيَ لَهَا أَمَارَات تُعْرَف بِهَا , فَيَفْهَم السَّامِع مِنْ الْقَائِل يَقُول : قَرَأْت الْيَوْم { المص } وَ { ن } أَيْ السُّورَة الَّتِي قَرَأَهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن , كَمَا يُفْهَم عَنْهُ إِذَا قَالَ : لَقِيت الْيَوْم عَمْرًا وَزَيْدًا , وَهُمَا بِزَيْدٍ وَعَمْرو عَارِفَانِ مَنْ الَّذِي لَقِيَ مِنْ النَّاس . وَإِنْ أَشْكَلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى اِمْرِئٍ فَقَالَ : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ وَنَظَائِر الم المر فِي الْقُرْآن جَمَاعَة مِنْ السُّوَر ؟ وَإِنَّمَا تَكُون الْأَسْمَاء أَمَارَات , إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَة بَيْن الْأَشْخَاص , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ غَيْر مُمَيِّزَة فَلَيْسَتْ أَمَارَات . قِيلَ : إِنَّ الْأَسْمَاء وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ لِاشْتِرَاك كَثِير مِنْ النَّاس فِي الْوَاحِد مِنْهَا غَيْر مُمَيِّزَة إِلَّا بِمَعَانٍ أُخَر مَعَهَا مِنْ ضَمّ نِسْبَة الْمُسَمَّى بِهَا إِلَيْهَا أَوْ نَعْته أَوْ صِفَته بِمَا يُفَرِّق بَيْنه وَبَيْن غَيْره مِنْ أَشْكَالهَا , فَإِنَّهَا وُضِعَتْ اِبْتِدَاء لِلتَّمْيِيزِ لَا شَكّ ثُمَّ اُحْتِيجَ عِنْد الِاشْتِرَاك إِلَى الْمَعَانِي الْمُفَرِّقَة بَيْن الْمُسَمَّى بِهَا . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي أَسْمَاء السُّوَر , جَعَلَ كُلّ اِسْم - فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة - أَمَارَة لِلْمُسَمَّى بِهِ مِنْ السُّوَر فَلَمَّا شَارَكَ الْمُسَمَّى بِهِ فِيهِ غَيْره مِنْ سُوَر الْقُرْآن اِحْتَاجَ الْمُخْبِر عَنْ سُورَة مِنْهَا أَنْ يَضُمّ إِلَى اِسْمهَا الْمُسَمَّى بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُفَرِّق بِهِ لِلسَّامِعِ بَيْن الْخَبَر عَنْهَا وَعَنْ غَيْرهَا مِنْ نَعْت وَصِفَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَيَقُول الْمُخْبِر عَنْ نَفْسه إِنَّهُ تَلَا سُورَة الْبَقَرَة إِذَا سَمَّاهَا بِاسْمِهَا الَّذِي هُوَ { الم } قَرَأْت { الم } الْبَقَرَة , وَفِي آل عِمْرَان : قَرَأْت { الم } آل عِمْرَان , وَ { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَ { الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم } . كَمَا لَوْ أَرَادَ الْخَبَر عَنْ رَجُلَيْنِ اِسْم كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمْرو , غَيْر أَنَّ أَحَدهمَا تَمِيمِيّ وَالْآخِر أَزْدِيّ , لَلَزِمَهُ أَنْ يَقُول لِمَنْ أَرَادَ إِخْبَاره عَنْهُمَا : لَقِيت عَمْرًا التَّمِيمِيّ وَعَمْرًا الْأَزْدِيّ , إِذْ كَانَ لَا فَرْق بَيْنهمَا وَبَيْن غَيْرهمَا مِمَّنْ يُشَارِكهُمَا فِي أَسْمَائِهِمَا إِلَّا بِنِسْبَتِهِمَا كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْل مَنْ تَأَوَّلَ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة أَنَّهَا أَسْمَاء لِلسُّوَرِ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ فَوَاتِح يَفْتَتِح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا كَلَامه , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى نَحْو الْمَعْنَى الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ أَدِلَّة عَلَى اِنْقِضَاء سُورَة وَابْتِدَاء فِي أُخْرَى وَعَلَامَة لِانْقِطَاعِ مَا بَيْنهمَا , كَمَا جُعِلَتْ | بَلْ | فِي اِبْتِدَاء قَصِيدَة دَلَالَة عَلَى اِبْتِدَاء فِيهَا وَانْقِضَاء أُخْرَى قَبْلهَا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْعَرَب إِذَا أَرَادُوا الِابْتِدَاء فِي إِنْشَاد قَصِيدَة , قَالُوا : بَلْ . ... <br>مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا <br>| بَلْ | لَيْسَتْ مِنْ الْبَيْت وَلَا دَاخِلَة فِي وَزْنه , وَلَكِنْ لِيَدُلّ بِهِ عَلَى قَطْع كَلَام وَابْتِدَاء آخَر . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ حُرُوف مُقَطَّعَة بَعْضهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَبَعْضهَا مِنْ صِفَاته , وَلِكُلِّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر . فَإِنَّهُمْ نَحَوْا بِتَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ نَحْو قَوْل الشَّاعِر : <br>قُلْنَا لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَاف .......... لَا تَحْسَبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَاف <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَالَتْ قَاف : قَالَتْ قَدْ وَقَفْت . فَدَلَّتْ بِإِظْهَارِ الْقَاف مِنْ | وَقَفَتْ | عَلَى مُرَادهَا مِنْ تَمَام الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ | وَقَفْت | , فَصَرَفُوا قَوْله : { الم } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْأَلِف أَلِف | أَنَا | , وَاللَّام لَام | اللَّه | , وَالْمِيم مِيم | أَعْلَم | , وَكُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى كَلِمَة تَامَّة . قَالُوا : فَجُمْلَة هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة إِذَا ظَهَرَ مَعَ كُلّ حَرْف مِنْهُنَّ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة | أَنَا | اللَّه أَعْلَم | . قَالُوا : وَكَذَلِكَ سَائِر جَمِيع مَا فِي أَوَائِل سُوَر الْقُرْآن مِنْ ذَلِكَ , فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَبِهَذَا التَّأْوِيل . قَالُوا : وَمُسْتَفِيض ظَاهِر فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُنْقِص الْمُتَكَلِّم مِنْهُمْ مِنْ الْكَلِمَة الْأَحْرُف إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ دَلَالَة عَلَى مَا حُذِفَ مِنْهَا , وَيَزِيد فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَة مُلَبِّسَة مَعْنَاهَا عَلَى سَامِعهَا كَحَذْفِهِمْ فِي النَّقْص فِي التَّرْخِيم مِنْ | حَارِث | | الثَّاء | فَيَقُولُونَ : يَا حَارِ , وَمِنْ | مَالِك | | الْكَاف | فَيَقُولُونَ : يَا مَالِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَكَقَوْلِ رَاجِزهمْ <br>مَا لِلظَّلِيمِ عَالَ كَيْفَ لَا يَا .......... يَنْقَدّ عَنْهُ جِلْده إِذَا يَا <br>كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول : إِذَا يَفْعَل كَذَا وَكَذَا , فَاكْتَفَى بِالْيَاءِ مِنْ يَفْعَل . . وَكَمَا قَالَ آخَر مِنْهُمْ : <br>بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا <br>يُرِيد فَشَرًّا . <br>وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا <br>يُرِيد إِلَّا أَنْ تَشَاء . فَاكْتَفَى بِالتَّاءِ وَالْفَاء فِي الْكَلِمَتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ سَائِر حُرُوفهمَا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد الَّتِي يَطُول الْكِتَاب بِاسْتِيعَابِهِ . وَكَمَا : 199 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب وَابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : (لَمَّا مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة , قَالَ لِي عَبْدَة : إِنِّي لَا أَرَاهَا إِلَّا كَائِنَة فِتْنَة فَافْزَعْ مِنْ ضَيْعَتك وَالْحَقْ بِأَهْلِك ! قُلْت : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : أَحَبّ إِلَيَّ لَك أَنْ تَا - قَالَ أَيُّوب وَابْن عَوْن بِيَدِهِ تَحْت خَدّه الْأَيْمَن يَصِف الِاضْطِجَاع - حَتَّى تَرَى أَمْرًا تَعْرِفهُ )قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِ | تا | تَضْطَجِع , فَاجْتَزَأَ بِالتَّاءِ مِنْ تَضْطَجِع . وَكَمَا قَالَ الْآخَر فِي الزِّيَادَة فِي الْكَلَام عَلَى النَّحْو الَّذِي وَصَفْت : <br>أَقُول إِذْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَال .......... يَا نَاقَتِي مَا جُلْت مِنْ مَجَال <br>يُرِيد الْكَلْكَل . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : <br>إِنَّ شَكْلِي وَإِنَّ شَكْلك شَتَّى .......... فَالْزَمِي الْخُصّ , وَاخْفِضِي تَبْيَضِضِّي <br>فَزَادَ ضَادًا وَلَيْسَتْ فِي الْكَلِمَة . قَالُوا : فَكَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ تَمَام حُرُوف كُلّ كَلِمَة مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَات الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَتِمَّة حُرُوف { الم } وَنَظَائِرهَا , نَظِير مَا نَقَصَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْعَرَب فِي أَشْعَارهَا وَكَلَامهَا . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : كُلّ حَرْف مِنْ { الم } وَنَظَائِرهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى نَحْو الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى مِثْل الَّذِي وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ هُوَ بِتَأْوِيلِ : | أَنَا اللَّه أَعْلَم | فِي أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ بَعْض حُرُوف كَلِمَة تَامَّة اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهِ عَلَى تَمَامه عَنْ ذِكْر تَمَامه , وَإِنْ كَانُوا لَهُ مُخَالِفِينَ فِي كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ , أَهُوَ مِنْ الْكَلِمَة الَّتِي اِدَّعَى أَنَّهُ مِنْهَا قَائِلُو الْقَوْل الْأَوَّل أَمْ مِنْ غَيْرهَا ؟ فَقَالُوا : بَلْ الْأَلِف مِنْ { الم } مِنْ كَلِمَات شَتَّى هِيَ دَالَّة عَلَى مَعَانِي جَمِيع ذَلِكَ وَعَلَى تَمَامه . قَالُوا : وَإِنَّمَا أَفْرَدَ كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ وَقُصِّرَ بِهِ عَنْ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة أَنَّ جَمِيع حُرُوف الْكَلِمَة لَوْ أُظْهِرَتْ لَمْ تَدُلّ الْكَلِمَة الَّتِي تُظْهِر بَعْض هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بَعْض لَهَا , إِلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِد لَا عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَأَكْثَر مِنْهُمَا . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ لَا دَلَالَة فِي ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ جَمِيعهَا إِلَّا عَلَى مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ مَعْنَى وَاحِد , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَرَادَ الدَّلَالَة بِكُلِّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لِشَيْءٍ وَاحِد , لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُفْرَد . الْحَرْف الدَّالّ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهِ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْصِد قَصْد مَعْنًى وَاحِد وَدَلَالَة عَلَى شَيْء وَاحِد بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الدَّلَالَة [ بِهِ ] عَلَى أَشْيَاء كَثِيرَة . قَالُوا : فَالْأَلِف مِنْ { الم } مُقْتَضِيَة مَعَانِي كَثِيرَة , مِنْهَا : إِتْمَام اِسْم الرَّبّ الَّذِي هُوَ اللَّه , وَتَمَام اِسْم نَعْمَاء اللَّه الَّتِي هِيَ آلَاء اللَّه , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ سَنَة , إِذَا كَانَتْ الْأَلِف فِي حِسَاب الْجُمَل وَاحِدًا . وَاللَّام مُقْتَضِيَة تَمَام اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ لَطِيف , وَتَمَام اِسْم فَضْله الَّذِي هُوَ لُطْف , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ ثَلَاثُونَ سَنَة . وَالْمِيم مُقْتَضِيَة تَمَام اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ مَجِيد , وَتَمَام اِسْم عَظَمَته الَّتِي هِيَ مَجْد , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ أَرْبَعُونَ سَنَة . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام فِي تَأْوِيل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ اِفْتَتَحَ كَلَامه بِوَصْفِ نَفْسه بِأَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَجَعَلَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ مَنْهَجًا يَسْلُكُونَهُ فِي مُفْتَتَح خُطَبهمْ وَرَسَائِلهمْ وَمُهِمّ أُمُورهمْ , وَابْتِلَاء مِنْهُ لَهُمْ لِيَسْتَوْجِبُوا بِهِ عَظِيم الثَّوَاب فِي دَار الْجَزَاء , كَمَا اِفْتَتَحَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , وَ { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض } [6 1 ]وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السُّوَر الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِحهَا الْحَمْد لِنَفْسِهِ . وَكَمَا جَعَلَ مَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيم نَفْسه وَإِجْلَالهَا بِالتَّسْبِيحِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } [17 1 ]وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ سَائِر سُوَر الْقُرْآن الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِح بَعْضهَا تَحْمِيد نَفْسه , وَمَفَاتِح بَعْضهَا تَمْجِيدهَا , وَمَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيمهَا وَتَنْزِيههَا . فَكَذَلِكَ جَعَلَ مَفَاتِح السُّوَر الْأُخْرَى الَّتِي أَوَائِلهَا بَعْض حُرُوف الْمُعْجَم مَدَائِح نَفْسه أَحْيَانًا بِالْعِلْمِ , وَأَحْيَانًا بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَاف , وَأَحْيَانًا بِالْإِفْضَالِ وَالْإِحْسَان بِإِيجَازٍ وَاخْتِصَار , ثُمَّ اِقْتِصَاص الْأُمُور بَعْد ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ يَكُون الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم فِي أَمَاكِن الرَّفْع مَرْفُوعًا بَعْضهَا بِبَعْضٍ دُون قَوْله : { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَيَكُون ذَلِكَ الْكِتَاب خَبَر مُبْتَدَأ مُنْقَطِعًا عَنْ مَعْنَى { الم } , وَكَذَلِكَ | ذَلِكَ | فِي تَأْوِيل قَوْل قَائِل هَذَا الْقَوْل الثَّانِي مَرْفُوع بَعْضه بِبَعْضٍ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : هُنَّ حُرُوف مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَل دُون مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا نَعْرِف لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة مَعْنًى يُفْهَم سِوَى حِسَاب الْجُمَل وَسِوَى تَهَجِّي قَوْل الْقَائِل : { الم } . وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يُخَاطِب اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاد إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ عَنْهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَكَانَ قَوْله : { الم } لَا يُعْقَل لَهَا وَجْه تُوَجَّه إِلَيْهِ إِلَّا أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا , فَبَطَلَ أَحَد وَجْهَيْهِ , وَهُوَ أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا تَهَجِّي . { الم } - صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ حِسَاب الْجُمَل ; لِأَنَّ قَوْل الْقَائِل : { الم } لَا يَجُوز أَنْ يَلِيَه مِنْ الْكَلَام ذَلِكَ الْكِتَاب لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى الْكَلَام وَخُرُوجه عَنْ الْمَعْقُول إِذَا وَلِيَ { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا : 200 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل . قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب , قَالَ : (مَرَّ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَب بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ } فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ فِي رِجَال مِنْ يَهُود فَقَالَ : تَعْلَمُونَ وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } فَقَالُوا : أَنْتَ سَمِعْته ؟ قَالَ : نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ يَهُود إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَمْ يُذْكَر لَنَا أَنَّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْك : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | بَلَى | فَقَالُوا : أَجَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : | نَعَمْ | ! قَالُوا : لَقَدْ بَعَثَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلك أَنْبِيَاء مَا نَعْلَمهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرك ! فَقَالَ حُيَيّ بْن أَخْطَب : وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ لَهُمْ : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة , قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ : أَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره ؟ قَالَ : | نَعَمْ | ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : | المص | قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالصَّاد تِسْعُونَ . فَهَذِهِ مِائَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَة ; هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ : | نَعَمْ | ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : | الر | قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَة ; فَقَالَ : هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره يَا مُحَمَّد ؟ قَالَ : | نَعَمْ المر | , قَالَ : فَهَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَا سَنَة . ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرك يَا مُحَمَّد , حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا ! ثُمَّ قَامُوا عَنْهُ , فَقَالَ أَبُو يَاسِر لِأَخِيهِ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَار : مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّه لِمُحَمَّدٍ : إِحْدَى وَسَبْعُونَ , وَإِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَة , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ , فَذَلِكَ سَبْعمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَع وَثَلَاثُونَ , فَقَالُوا : لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْره . وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات نَزَلَتْ فِيهِمْ : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } . [3 7 ])فَقَالُوا : قَدْ صَرَّحَ هَذَا الْخَبَر بِصِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل وَفَسَاد مَا قَالَهُ مُخَالِفُونَا فِيهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي تَأْوِيل مَفَاتِح السُّوَر الَّتِي هِيَ حُرُوف الْمُعْجَم : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَهَا حُرُوفًا مُقَطَّعَة وَلَمْ يَصِل بَعْضهَا بِبَعْضٍ فَيَجْعَلهَا كَسَائِرِ الْكَلَام الْمُتَّصِل الْحُرُوف ; لِأَنَّهُ عَزَّ ذِكْره أَرَادَ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَة بِكُلِّ حَرْف مِنْهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لَا عَلَى مَعْنًى وَاحِد , كَمَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَإِنْ كَانَ الرَّبِيع قَدْ اِقْتَصَرَ بِهِ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَة دُون مَا زَادَ عَلَيْهَا . وَالصَّوَاب فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ يَحْوِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع وَمَا قَالَهُ سَائِر الْمُفَسِّرِينَ غَيْره فِيهِ , سِوَى مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَوْل عَمَّنْ ذَكَرْت عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ كَانَ يُوَجِّه تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ حُرُوف هِجَاء اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ فِي مَفَاتِح السُّوَر عَنْ ذِكْر تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم بِتَأْوِيلِ : أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوف , ذَلِكَ الْكِتَاب , مَجْمُوعَة لَا رَيْب فِيهِ , فَإِنَّهُ قَوْل خَطَأ فَاسِد لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَال جَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْخَالِفِينَ مِنْ أَهْل التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل , فَكَفَى دَلَالَة عَلَى خَطَئِهِ شَهَادَة الْحُجَّة شَهَادَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ مَعَ إِبْطَال قَائِل ذَلِكَ قَوْله الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ , إِذْ صَارَ إِلَى الْبَيَان عَنْ رَفْع ذَلِكَ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ مَرَّة إِنَّهُ مَرْفُوع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَمَرَّة أُخْرَى أَنَّهُ مَرْفُوع بِالرَّاجِعِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { لَا رَيْب فِيهِ } وَمَرَّة بِقَوْلِهِ : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَذَلِكَ تَرْك مِنْهُ لِقَوْلِهِ إِنَّ { الم } رَافِعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَخُرُوج مِنْ الْقَوْل الَّذِي اِدَّعَاهُ فِي تَأْوِيل { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : هَذِهِ الْحُرُوف ذَلِكَ الْكِتَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون حَرْف وَاحِد شَامِلًا الدَّلَالَة عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة ؟ قِيلَ : كَمَا جَازَ أَنْ تَكُون كَلِمَة وَاحِدَة تَشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة كَقَوْلِهِمْ لِلْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاس : أُمَّة , وَلِلْحِينِ مِنْ الزَّمَان : أُمَّة , وَلِلرَّجُلِ الْمُتَعَبِّد الْمُطِيع لِلَّهِ : أُمَّة , وَلِلدِّينِ وَالْمِلَّة : أُمَّة . وَكَقَوْلِهِمْ لِلْجَزَاءِ وَالْقِصَاص : دِين , وَلِلسُّلْطَانِ وَالطَّاعَة : دِين , وَلِلتَّذَلُّلِ : دِين , وَلِلْحِسَابِ : دِين ; فِي أَشْبَاه لِذَلِكَ كَثِيرَة يَطُول الْكِتَاب بِإِحْصَائِهَا مِمَّا يَكُون مِنْ الْكَلَام بِلَفْظٍ وَاحِد , وَهُوَ مُشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة . وَكَذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : | الم وَالمر | , وَ | المص | وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح أَوَائِل السُّوَر , كُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى , شَامِل جَمِيعهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاته مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُمْ ; وَهُنَّ مَعَ ذَلِكَ فَوَاتِح السُّوَر كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ . وَلَيْسَ كَوْن ذَلِكَ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصِفَاته بِمَانِعِهَا أَنْ تَكُون لِلسُّوَرِ فَوَاتِح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ اِفْتَتَحَ كَثِيرًا مِنْ سُوَر الْقُرْآن بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهَا , وَكَثِيرًا مِنْهَا بِتَمْجِيدِهَا وَتَعْظِيمهَا , فَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يَبْتَدِئ بَعْض ذَلِكَ بِالْقَسَمِ بِهَا . فَاَلَّتِي اُبْتُدِئَ أَوَائِلهَا بِحُرُوفِ الْمُعْجَم أَحَد مَعَانِي أَوَائِلهَا أَنَّهُنَّ فَوَاتِح مَا اِفْتَتَحَ بِهِنَّ مِنْ سُوَر الْقُرْآن , وَهُنَّ مِمَّا أَقْسَمَ بِهِنَّ ; لِأَنَّ أَحَد مَعَانِيهنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَصِفَاته عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهَا , وَلَا شَكّ فِي صِحَّة مَعْنَى الْقَسَم بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاته , وَهُنَّ مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَل , وَهُنَّ لِلسُّوَرِ الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهِنَّ شِعَار وَأَسْمَاء . فَذَلِكَ يَحْوِي مَعَانِي جَمِيع مَا وَصَفْنَا مِمَّا بَيَّنَّا مِنْ وُجُوهه , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ الدَّلَالَة عَلَى مَعْنًى وَاحِد مِمَّا يَحْتَمِلهُ ذَلِكَ دُون سَائِر الْمَعَانِي غَيْره , لَأَبَانَ ذَلِكَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبَانَة غَيْر مُشْكِلَة , إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَيِّن لَهُمْ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ . وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبَانَة ذَلِكَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ مِنْ وُجُوه تَأْوِيله الْبَعْض دُون الْبَعْض أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ جَمِيع وُجُوهه الَّتِي هُوَ لَهَا مُحْتَمَل , إِذْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَقْل وَجْه مِنْهَا أَنْ يَكُون مِنْ تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ كَمَا كَانَ غَيْر مُسْتَحِيل اِجْتِمَاع الْمَعَانِي الْكَثِيرَة لِلْكَلِمَةِ الْوَاحِدَة بِاللَّفْظِ الْوَاحِد فِي كَلَام وَاحِد . وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ سُئِلَ الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ وَبَيْن سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تَأْتِي بِلَفْظٍ وَاحِد مَعَ اِشْتِمَالهَا عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَة الْمُخْتَلِفَة كَالْأُمَّةِ وَالدِّين وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال . فَلَنْ يَقُول فِي أَحَد ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْأُخَر مِثْله . وَكَذَلِكَ يُسْأَل كُلّ مَنْ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْه دُون الْأَوْجُه الْأُخَر الَّتِي وَصَفْنَا عَنْ الْبُرْهَان عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيم لَهُ ثُمَّ يُعَارَض بِقَوْلِهِ يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ , وَيُسْأَل الْفَرْق بَيْنه وَبَيْنه : مِنْ أَصْل , أَوْ مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ أَصْل , فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْأُخَر مِثْله . وَأَمَّا الَّذِي زَعَمَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ نَظِير | بَلْ | فِي قَوْل الْمُنْشِد شِعْرًا : بَلْ . .. <br>مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا <br>وَأَنَّهُ لَا مَعْنًى لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة فِي الْكَلَام مَعْنَاهُ الطَّرْح ; فَإِنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وُجُوه شَتَّى : أَحَدهَا : أَنَّهُ وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَرَب بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ لُغَتهَا وَغَيْر مَا هُوَ فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْآدَمِيِّينَ , إِذْ كَانَتْ الْعَرَب وَإِنْ كَانَتْ قَدْ كَانَتْ تَفْتَتِح أَوَائِل إِنْشَادهَا مَا أَنْشَدَتْ مِنْ الشَّعْر بِ | بَلْ | , فَإِنَّهُ مَعْلُوم مِنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَبْتَدِئ شَيْئًا مِنْ الْكَلَام بِ | الم | وَ | الر | وَ | المص | بِمَعْنَى اِبْتِدَائِهَا ذَلِكَ بِ | بَلْ | . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ اِبْتِدَائِهَا , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ مِنْ الْقُرْآن بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَاتهمْ وَيَسْتَعْمِلُونَ بَيْنهمْ مِنْ مَنْطِقهمْ فِي جَمِيع آيه , فَلَا شَكَّ أَنَّ سَبِيل مَا وَصَفْنَا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِل السُّوَر الَّتِي هُنَّ لَهَا فَوَاتِح سَبِيل سَائِر الْقُرْآن فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْدِل بِهَا عَنْ لُغَاتهمْ الَّتِي كَانُوا بِهَا عَارِفِينَ وَلَهَا بَيْنهمْ فِي مَنْطِقهمْ مُسْتَعْمِلِينَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سَبِيل لُغَاتهمْ وَمَنْطِقهمْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَعْنَى الْإِبَانَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الْقُرْآن , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين عَلَى قَلْبك لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين } . [26 193 : 195 ]وَأَنَّى يَكُون مُبِينًا مَا لَا يَعْقِلهُ وَلَا يَفْقَههُ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة , وَلَا يُعْرَف فِي مَنْطِق أَحَد مِنْ الْمَخْلُوقِينَ فِي قَوْله ؟ وَفِي إِخْبَار اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَبِيّ مُبِين مَا يُكَذِّب هَذِهِ الْمَقَالَة , وَيُنْبِئ عَنْهُ أَنَّ الْعَرَب كَانُوا بِهِ عَالِمِينَ وَهُوَ لَهَا مُسْتَبِين . فَذَلِكَ أَحَد أَوْجُه خَطَئِهِ . وَالْوَجْه الثَّانِي مِنْ خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ : إِضَافَته إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ خَاطَبَ عِبَاده بِمَا لَا فَائِدَة لَهُمْ فِيهِ وَلَا مَعْنًى لَهُ مِنْ الْكَلَام الَّذِي سَوَاء الْخِطَاب بِهِ وَتَرْك الْخِطَاب بِهِ , وَذَلِكَ إِضَافَة الْعَبَث الَّذِي هُوَ مَنْفِيّ فِي قَوْل جَمِيع الْمُوَحِّدِينَ عَنْ اللَّه , إِلَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَالْوَجْه الثَّالِث مِنْ خَطَئِهِ : أَنَّ | بَلْ | فِي كَلَام الْعَرَب مَفْهُوم تَأْوِيلهَا وَمَعْنَاهَا , وَأَنَّهَا تَدْخُلهَا فِي كَلَامهَا رُجُوعًا عَنْ كَلَام لَهَا قَدْ تَقَضَّى كَقَوْلِهِمْ : مَا جَاءَنِي أَخُوك بَلْ أَبُوك ; وَمَا رَأَيْت عَمْرًا بَلْ عَبْد اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : <br>وَلَأَشْرَبَنَّ ثَمَانِيًا وَثَمَانِيًا .......... وَثَلَاث عَشْرَة وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعًا <br>وَمَضَى فِي كَلِمَته حَتَّى بَلَغَ قَوْله : <br>بِالْجُلَّسَانِ وَطَيِّب أَرْدَانه .......... بِالْوَنِّ يَضْرِب لِي يَكُرّ الْأُصْبُعَا <br>ثُمَّ قَالَ : <br>بَلْ عُدَّ هَذَا فِي قَرِيض غَيْره .......... وَاذْكُرْ فَتًى سَمْح الْخَلِيقَة أَرْوَعَا <br>فَكَأَنَّهُ قَالَ : دَعْ هَذَا وَخُذْ فِي قَرِيض غَيْره . فَ | بَلْ | إِنَّمَا يَأْتِي فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى هَذَا النَّحْو مِنْ الْكَلَام . فَأَمَّا إِفْسَاحًا لِكَلَامِهَا مُبْتَدَأ بِمَعْنَى التَّطْوِيل وَالْحَذْف مِنْ غَيْر أَنْ يَدُلّ عَلَى مَعْنًى , فَذَلِكَ مِمَّا لَا نَعْلَم أَحَدًا اِدَّعَاهُ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة بِلِسَانِ الْعَرَب وَمَنْطِقهَا , سِوَى الَّذِي ذَكَرْت قَوْله , فَيَكُون ذَلِكَ أَصْلًا يُشْبِه بِهِ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح سُوَر الْقُرْآن الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهَا لَوْ كَانَ لَهُ مُشَبَّهَة , فَكَيْفَ وَهِيَ مِنْ الشَّبَه بِهِ بَعِيدَة ؟

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْل اللَّه : | اللَّه | , فَإِنَّهُ عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : هُوَ الَّذِي يَأْلَههُ كُلّ شَيْء , وَيَعْبُدهُ كُلّ خَلْق . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا كُرَيْب : 117 - حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : (اللَّه ذُو الْأُلُوهِيَّة وَالْمَعْبُودِيَّة عَلَى خَلْقه أَجْمَعِينَ . )فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَهَلْ لِذَلِكَ فِي | فَعَلَ وَيَفْعَل | أَصْل كَانَ مِنْهُ بِنَاء هَذَا الِاسْم ؟ قِيلَ : أَمَّا سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب فَلَا , وَلَكِنْ اِسْتِدْلَالًا . فَإِنْ قَالَ : وَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُلُوهِيَّة هِيَ الْعِبَادَة , وَأَنَّ الْإِلَه هُوَ الْمَعْبُود , وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي فَعَلَ وَيَفْعَل ؟ قِيلَ : لَا تَمَانُع بَيْن الْعَرَب فِي الْحُكْم - لِقَوْلِ الْقَائِل يَصِف رَجُلًا بِعِبَادَةٍ وَيَطْلُب مِمَّا عِنْد اللَّه جَلَّ ذِكْره : تَأَلَّهَ فُلَان بِالصِّحَّةِ - وَلَا خِلَاف . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : <br>لِلَّهِ دَرّ الْغَانِيَات الْمُدَّهِ .......... سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي <br>يَعْنِي مِنْ تَعَبُّدِي وَطَلَبِي اللَّه بِعَمَلٍ . وَلَا شَكّ أَنَّ التَّأَلُّه | التَّفَعُّل | مِنْ : أَلِهَ يَأْلَه , وَأَنَّ مَعْنَى | أَلِهَ | إِذَا نُطِقَ بِهِ : عُبِدَ اللَّه . وَقَدْ جَاءَ مِنْهُ مَصْدَر يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْعَرَب قَدْ نَطَقَتْ مِنْهُ بِ | فَعَلَ يَفْعَل | بِغَيْرِ زِيَادَة . وَذَلِكَ مَا : 118 - حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ نَافِع بْن عُمَر , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَ : ({ وَيَذَرك وَإِلَاهَتك } [7 127 ]قَالَ : عِبَادَتك , وَيُقَال : إِنَّهُ كَانَ يُعْبَد وَلَا يَعْبُد . )* - وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن الْحَسَن , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( وَيَذَرك وَإِلَاهَتك | قَالَ : إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْن يُعْبَد وَلَا يَعْبُد . )وَكَذَلِكَ كَانَ عَبْد اللَّه يَقْرَؤُهَا وَمُجَاهِد . 119 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( وَيَذَرك وَإِلَاهَتك | قَالَ : وَعِبَادَتك . )وَلَا شَكّ أَنَّ الْإِلَاهَة عَلَى مَا فَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد , مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل أَلِهَ اللَّه فُلَان إِلَاهَة , كَمَا يُقَال : عَبَدَ اللَّه فُلَان عِبَادَة , وَعَبَرَ الرُّؤْيَا عِبَارَة . فَقَدْ بَيَّنَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد هَذَا أَنَّ أَلِهَ : عَبَدَ , وَأَنَّ الْإِلَاهَة مَصْدَره . فَإِنْ قَالَ : فَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يُقَال لِمَنْ عَبَدَ اللَّه : أَلِهَهُ , عَلَى تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد , فَكَيْفَ الْوَاجِب فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال , إِذَا أَرَادَ الْمُخْبِر الْخَبَر عَنْ اِسْتِيجَاب اللَّه ذَلِكَ عَلَى عَبْده ؟ قِيلَ : أَمَّا الرِّوَايَة فَلَا رِوَايَة عِنْدنَا , وَلَكِنَّ الْوَاجِب عَلَى قِيَاس مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 120 - حَدَّثَنَا بِهِ إِسْمَاعِيل بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَمِسْعَر بْن كِدَام , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ عِيسَى أَسْلَمَتْهُ أُمّه إِلَى الْكُتَّاب لِيُعَلِّمَهُ , فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّم : اُكْتُبْ اللَّه , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : أَتَدْرِي مَا اللَّه ؟ اللَّه إِلَه الْآلِهَة . )أَنْ يُقَال : اللَّه جَلَّ جَلَاله أَلِهَ الْعَبْد , وَالْعَبْد أَلِهَهُ . وَأَنْ يَكُون قَوْل الْقَائِل | اللَّه | مِنْ كَلَام الْعَرَب أَصْله | الْإِلَه| . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعَ اِخْتِلَاف لَفْظَيْهِمَا ؟ قَالَ : كَمَا جَازَ أَنْ يَكُون قَوْله : { لَكِنَّا هُوَ اللَّه رَبِّي } [18 38 ]أَصْله : وَلَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّه رَبِّي كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِب .......... وَتُقِلِّينَنِي لَكِنَّ إِيَّاكِ لَا أَقْلِي <br>يُرِيد : | لَكِنْ أَنَا إِيَّاكِ لَا أَقْلِي | فَحَذَفَ الْهَمْزَة مِنْ | أَنَا | , فَالْتَقَتْ نُون | أَنَا | | وَنُون | لَكِنْ | وَهِيَ سَاكِنَة , فَأُدْغِمَتْ فِي نُون أَنَا , فَصَارَتَا نُونًا مُشَدَّدَة , فَكَذَلِكَ اللَّه , أَصْله الْإِلَه , أُسْقِطَتْ الْهَمْزَة , الَّتِي هِيَ فَاء الِاسْم , فَالْتَقَتْ اللَّام الَّتِي هِيَ عَيْن الِاسْم , وَاللَّام الزَّائِدَة الَّتِي دَخَلَتْ مَعَ الْأَلِف الزَّائِدَة , وَهِيَ سَاكِنَة , فَأُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ عَيْن الِاسْم , فَصَارَتَا فِي اللَّفْظ لَامًا وَاحِدَة مُشَدَّدَة , كَمَا وَصَفْنَا مِنْ قَوْل اللَّه : { لَكِنَّا هُوَ اللَّه رَبِّي } |لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ|مَعْنَى قَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ الْأُلُوهِيَّة خَاصَّة بِهِ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَأَنَّ الْعِبَادَة لَا تَصْلُح وَلَا تَجُوز إِلَّا لَهُ لِانْفِرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَتَوَحُّده بِالْأُلُوهِيَّةِ , وَأَنَّ كُلّ مَا دُونه فَمِلْكه , وَأَنَّ كُلّ مَا سِوَاهُ فَخَلْقه , لَا شَرِيك لَهُ فِي سُلْطَانه وَمُلْكه ; اِحْتِجَاجًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره عَلَيْهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِزَة لَهُمْ عِبَادَة غَيْره , وَلَا إِشْرَاك أَحَد مَعَهُ فِي سُلْطَانه , إِذْ كَانَ كُلّ مَعْبُود سِوَاهُ فَمُلْكه , وَكُلّ مُعَظَّم غَيْره فَخَلْقه , وَعَلَى الْمَمْلُوك إِفْرَاد الطَّاعَة لِمَالِكِهِ , وَصَرْف خِدْمَته إِلَى مَوْلَاهُ وَرَازِقه . وَمُعَرِّفًا مَنْ كَانَ مِنْ خَلْقه يَوْم أَنْزَلَ ذَلِكَ إِلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِتَنْزِيلِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ , وَإِرْسَاله بِهِ إِلَيْهِمْ عَلَى لِسَانه صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَامه , مُقِيمًا عَلَى عِبَادَة وَثَن أَوْ صَنَم أَوْ شَمْس أَوْ قَمَر أَوْ إِنْسِيّ أَوْ مَلَك أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي كَانَتْ بَنُو آدَم مُقِيمَة عَلَى عِبَادَته وَإِلَاهَته , وَمُتَّخِذَته دُون مَالِكه وَخَالِقه إِلَهًا وَرَبًّا , أَنَّهُ مُقِيم عَلَى ضَلَالَة , وَمُنْعَزِل عَنْ الْمَحَجَّة , وَرَاكِب غَيْر السَّبِيل الْمُسْتَقِيمَة بِصَرْفِهِ الْعِبَادَة إِلَى غَيْره وَلَا أَحَد لَهُ الْأُلُوهِيَّة غَيْره . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة اِبْتَدَأَ اللَّه بِتَنْزِيلِهِ فَاتِحَتهَا بِاَلَّذِي اِبْتَدَأَ بِهِ مِنْ نَفْي الْأُلُوهِيَّة أَنْ يَكُون لِغَيْرِهِ وَوَصْفه نَفْسه بِاَلَّذِي وَصَفَهَا بِهِ اِبْتِدَائِهَا اِحْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى طَائِفَة مِنْ النَّصَارَى قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَجْرَان , فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَأَلْحَدُوا فِي اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْرهمْ وَأَمْر عِيسَى مِنْ هَذِهِ السُّورَة نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ آيَة مِنْ أَوَّلهَا , اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَقَالَتهمْ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَبَوْا إِلَّا الْمُقَام عَلَى ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَة , فَأَبَوْا ذَلِكَ وَسَأَلُوا قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُمْ , فَقَبِلَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , وَانْصَرَفُوا إِلَى بِلَادهمْ . غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِيَّاهُمْ قَصَدَ بِالْحِجَاجِ , فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَعْنَاهُ مِنْ سَائِر الْخَلْق مَعْنَاهُمْ فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَاِتِّخَاذ مَا سِوَى اللَّه رَبًّا وَإِلَهًا وَمَعْبُودًا , مَعْمُومُونَ بِالْحُجَّةِ الَّتِي حَجَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا نَزَلَتْ مِنْ هَذِهِ الْآيَات فِيهِ , وَمَحْجُوجُونَ فِي الْفُرْقَان الَّذِي فَرَقَ بِهِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنه وَبَيْنهمْ . ذِكْر الرِّوَايَة عَمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي نُزُول اِفْتِتَاح هَذِهِ السُّورَة أَنَّهُ نَزَلَ فِي الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ مِنْ النَّصَارَى : 5136 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : (قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْد نَجْرَان , سِتُّونَ رَاكِبًا , فِيهِمْ أَرْبَعَة عَشَر رَجُلًا مِنْ أَشْرَافهمْ , فِي الْأَرْبَعَة عَشَر ثَلَاثَة نَفَر إِلَيْهِمْ يَئُول أَمْرهمْ : الْعَاقِب أَمِير الْقَوْم وَذُو رَأْيهمْ , وَصَاحِب مَشُورَتهمْ وَاَلَّذِي لَا يُصْدِرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيه , وَاسْمه عَبْد الْمَسِيح . وَالسَّيِّد ثُمَالهمْ , وَصَاحِب رَحْلهمْ وَمُجْتَمَعهمْ , وَاسْمه الْأَيْهَم . وَأَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة أَخُو بَكْر بْن وَائِل , أُسْقُفهمْ وَحَبْرهمْ وَإِمَامهمْ وَصَاحِب مِدْرَاسهمْ . وَكَانَ أَبُو حَارِثَة قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبهمْ حَتَّى حَسُنَ عِلْمه فِي دِينهمْ , فَكَانَتْ مُلُوك الرُّوم مِنْ أَهْل النَّصْرَانِيَّة قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ , وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِس , وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَات , لِمَا يَبْلُغهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمه وَاجْتِهَاده فِي دِينه . قَالَ اِبْن إِسْحَاق قَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي مَسْجِده حِين صَلَّى الْعَصْر , عَلَيْهِمْ ثِيَاب الْحِبَرَات جُبَب وَأَرْدِيَة فِي بِلْحَارِث بْن كَعْب . قَالَ : يَقُول بَعْض مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ : مَا رَأَيْنَا بَعْدهمْ وَفْدًا مِثْلهمْ . وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتهمْ , فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | دَعُوهُمْ | ! فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِق . قَالَ : وَكَانَتْ تَسْمِيَة الْأَرْبَعَة عَشَر مِنْهُمْ الَّذِينَ يَئُول إِلَيْهِمْ أَمْرهمْ : الْعَاقِب وَهُوَ عَبْد الْمَسِيح , وَالسَّيِّد وَهُوَ الْأَيْهَم , وَأَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة أَخُو بَكْر بْن وَائِل , وَأَوْس , وَالْحَارِث , وَزَيْد , وَقَيْس , وَيَزِيد , وَنُبَيْه , وَخُوَيْلِد بْن عَمْرو , وَخَالِد , وَعَبْد اللَّه , وَيُحَنَّس ; فِي سِتِّينَ رَاكِبًا . فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة , وَالْعَاقِبُ عَبْد الْمَسِيح , وَالْأَيْهَم السَّيِّد , وَهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّة عَلَى دِين الْمَلِك مَعَ اِخْتِلَاف مِنْ أَمْرهمْ يَقُولُونَ : هُوَ اللَّه , وَيَقُولُونَ : هُوَ وَلَد اللَّه , وَيَقُولُونَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة , وَكَذَلِكَ قَوْل النَّصْرَانِيَّة . فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلهمْ : هُوَ اللَّه , بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَسْقَام , وَيُخْبِر بِالْغُيُوبِ , وَيَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر , ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا , وَذَلِكَ كُلّه بِإِذْنِ اللَّه , لِيَجْعَلَهُ آيَة لِلنَّاسِ . وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهُ وَلَد اللَّه , أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ أَب يُعْلَم , وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد بِشَيْءٍ لَمْ يَصْنَعهُ أَحَد مِنْ وَلَد آدَم مِنْ قَبْله . وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهُ ثَالِث ثَلَاثَة , بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :| فَعَلْنَا | وَ | أَمَرْنَا | وَ | خَلَقْنَا | وَ | قَضَيْنَا | , فَيَقُولُونَ : لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا | فَعَلْت | وَ | أَمَرْت | وَ | قَضَيْت | وَ | خَلَقْت | , وَلَكِنَّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَم . فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآن , وَذَكَرَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَوْلهمْ . فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ , قَالَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَسْلِمَا | ! قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا . قَالَ : | إِنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا , فَأَسْلِمَا| ! قَالَا : بَلَى قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلك . قَالَ : | كَذَبْتُمَا , يَمْنَعكُمَا مِنْ الْإِسْلَام دُعَاؤُكُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدًا , وَعِبَادَتكُمَا الصَّلِيب , وَأَكْلكُمَا الْخِنْزِير | . قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمَّد , فَصَمَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا , فَلَمْ يُجِبْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ , وَاخْتِلَاف أَمْرهمْ كُلّه , صَدْر سُورَة آل عِمْرَان إِلَى بِضْع وَثَمَانِينَ آيَة مِنْهَا , فَقَالَ : { اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم } فَافْتَتَحَ السُّورَة بِتَبْرِئَةِ نَفْسه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا قَالُوا , وَتَوْحِيده إِيَّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْر , لَا شَرِيك لَهُ فِيهِ , وَرَدًّا عَلَيْهِمْ مَا اِبْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْر , وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَاد , وَاحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ فِي صَاحِبهمْ , لِيُعَرِّفهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتهمْ , فَقَالَ : { اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } أَيْ لَيْسَ مَعَهُ شَرِيك فِي أَمْره . )5137 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم } قَالَ : إِنَّ النَّصَارَى أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَاصَمُوهُ فِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَبُوهُ ؟ وَقَالُوا عَلَى اللَّه الْكَذِب وَالْبُهْتَان , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , لَمْ يَتَّخِذ صَاحِبَة وَلَا وَلَدًا . فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكُون وَلَد إِلَّا وَهُوَ يُشْبِه أَبَاهُ ؟ | قَالُوا : بَلَى . قَالَ : | أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبّنَا حَيّ لَا يَمُوت , وَأَنَّ عِيسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الْفَنَاء ؟ | . قَالُوا : بَلَى . قَالَ : | أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبّنَا قَيِّم عَلَى كُلّ شَيْء يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظهُ وَيَرْزُقهُ ؟ | . قَالَ : بَلَى . قَالَ : | فَهَلْ يَمْلِك عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ؟ | . قَالُوا : لَا . قَالَ : | أَفَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء ؟ | . قَالُوا : بَلَى . قَالَ : | فَهَلْ يَعْلَم عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا مَا عُلِّمَ ؟ | قَالُوا : لَا . قَالَ : | فَإِنَّ رَبّنَا صَوَّرَ عِيسَى فِي الرَّحِم كَيْفَ شَاءَ , فَهَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ | . قَالُوا : بَلَى . قَالَ : | أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبّنَا لَا يَأْكُل الطَّعَام وَلَا يَشْرَب الشَّرَاب وَلَا يُحْدِث الْحَدَث ؟ | . قَالُوا : بَلَى . قَالَ :| أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى حَمَلَتْهُ اِمْرَأَة كَمَا تَحْمِل الْمَرْأَة ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَمَا تَضَع الْمَرْأَة وَلَدهَا , ثُمَّ غُذِّيَ كَمَا يُغَذَّى الصَّبِيّ , ثُمَّ كَانَ يَطْعَم الطَّعَام وَيَشْرَب الشَّرَاب وَيُحْدِث الْحَدَث ؟ | . قَالُوا : بَلَى . قَالَ : | فَكَيْفَ يَكُون هَذَا كَمَا زَعَمْتُمْ ؟ | . قَالَ : فَعَرَفُوا ثُمَّ أَبَوْا إِلَّا جُحُودًا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم } )|الْحَيُّ الْقَيُّومُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَيّ الْقَيُّوم } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { الْحَيّ الْقَيُّوم } . وَقَرَأَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن مَسْعُود فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمَا : | الْحَيّ الْقَيُّوم | . وَذُكِرَ عَنْ عَلْقَمَة بْن قَيْس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : | الْحَيّ الْقَيِّم| . 5138 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي مَعْمَر , قَالَ : (سَمِعْت عَلْقَمَة يَقْرَأ : | الْحَيّ الْقَيِّم| قُلْت : أَنْتَ سَمِعْته ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . )* - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي مَعْمَر , عَنْ عَلْقَمَة , مِثْله . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَة خِلَاف ذَلِكَ , وَهُوَ مَا : 5139 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي مَعْمَر , عَنْ عَلْقَمَة (أَنَّهُ قَرَأَ : | الْحَيّ الْقَيَّام . )وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز غَيْرهَا عِنْدنَا فِي ذَلِكَ , مَا جَاءَتْ بِهِ قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا عَنْ غَيْر تَشَاعُر وَلَا تَوَاطُؤ وَارِثَة , وَمَا كَانَ مُثْبَتًا فِي مَصَاحِفهمْ , وَذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { الْحَيّ الْقَيُّوم } <subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَيّ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { الْحَيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسه بِالْبَقَاءِ , وَنَفَى الْمَوْت الَّذِي يَجُوز عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ خَلْقه عَنْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5140 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { الْحَيّ } الَّذِي لَا يَمُوت , وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلهمْ , يَعْنِي فِي قَوْل الْأَحْبَار الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَصَارَى أَهْل نَجْرَان . )5141 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : ( { الْحَيّ } قَالَ : يَقُول : حَيّ لَا يَمُوت . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى { الْحَيّ } الَّذِي عَنَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة وَوَصَفَ بِهِ نَفْسه , أَنَّهُ الْمُتَيَسِّر لَهُ تَدْبِير كُلّ مَا أَرَادَ وَشَاءَ , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمَنْ لَا تَدْبِير لَهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ لَهُ الْحَيَاة الدَّائِمَة الَّتِي لَمْ تَزَلْ لَهُ صِفَة , وَلَا تَزَال كَذَلِكَ . وَقَالُوا : إِنَّمَا وَصَفَ نَفْسه بِالْحَيَاةِ , لِأَنَّ لَهُ حَيَاة كَمَا وَصَفَهَا بِالْعِلْمِ لِأَنَّ لَهَا عِلْمًا , وَبِالْقُدْرَةِ لِأَنَّ لَهَا قُدْرَة . وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسه بِالْحَيَاةِ الدَّائِمَة الَّتِي لَا فَنَاء لَهَا وَلَا اِنْقِطَاع , وَنَفَى عَنْهَا مَا هُوَ حَالّ بِكُلِّ ذِي حَيَاة مِنْ خَلْقه , مِنْ الْفَنَاء , وَانْقِطَاع الْحَيَاة عِنْد مَجِيء أَجَله , فَأَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ الْمُسْتَوْجِب عَلَى خَلْقه الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة , وَالْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , وَلَا يَبِيد كَمَا يَمُوت كُلّ مَنْ اِتَّخَذَ مِنْ دُونه رَبًّا , وَيَبِيد كُلّ مَنْ اِدَّعَى مِنْ دُونه إِلَهًا , وَاحْتَجَّ عَلَى خَلْقه بِأَنَّ مَنْ كَانَ يَبِيد فَيَزُول وَيَمُوت فَيَفْنَى , فَلَا يَكُون إِلَهًا يَسْتَوْجِب أَنْ يُعْبَد دُون الْإِلَه الَّذِي لَا يَبِيد وَلَا يَمُوت , وَأَنَّ الْإِلَه : هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا يَمُوت وَلَا يَبِيد وَلَا يَفْنَى , وَذَلِكَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ . <subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْقَيُّوم } </subtitle>قَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي نَخْتَار مِنْهُ , وَمَا الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ ذَلِكَ . فَأَمَّا تَأْوِيل جَمِيع الْوُجُوه الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْقُرَّاء قَرَأَتْ بِهَا فَمُتَقَارِب , وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلّه : الْقَيِّم بِحِفْظِ كُلّ شَيْء وَرِزْقه وَتَدْبِيره وَتَصْرِيفه فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ مِنْ تَغْيِير وَتَبْدِيل وَزِيَادَة وَنَقْص . كَمَا : 5142 - مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن مَيْمُون , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( { الْحَيّ الْقَيُّوم } قَالَ : الْقَائِم عَلَى كُلّ شَيْء . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5143 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { الْقَيُّوم } قَيِّم عَلَى كُلّ شَيْء يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظهُ وَيَرْزُقهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ الْقِيَام عَلَى مَكَانه , وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْقِيَام الدَّائِم الَّذِي لَا زَوَال مَعَهُ وَلَا اِنْتِقَال , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسه بِوَصْفِهَا بِذَلِكَ التَّغَيُّر وَالتَّنَقُّل مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان وَحُدُوث التَّبَدُّل الَّذِي يَحْدُث فِي الْآدَمِيِّينَ وَسَائِر خَلْقه غَيْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5144 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ عُمَر بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { الْقَيُّوم } الْقَائِم عَلَى مَكَانه مِنْ سُلْطَانه فِي خَلْقه لَا يَزُول , وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلهمْ - يَعْنِي فِي قَوْل الْأَحْبَار الَّذِينَ حَاجُّوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل نَجْرَان فِي عِيسَى - عَنْ مَكَانه الَّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إِلَى غَيْره . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ , مَا قَالَهُ مُجَاهِد وَالرَّبِيع , وَأَنَّ ذَلِكَ وَصْف مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَفْسه بِأَنَّهُ الْقَائِم بِأَمْرِ كُلّ شَيْء فِي رِزْقه وَالدَّفْع عَنْهُ , وَكِلَاءَته وَتَدْبِيره وَصَرْفه فِي قُدْرَته , مِنْ قَوْل الْعَرَب : فُلَان قَائِم بِأَمْرِ هَذِهِ الْبَلْدَة , يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمُتَوَلِّي تَدْبِير أَمْرهَا . فَالْقَيُّوم إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ | الْفَيْعُول | مِنْ قَوْل الْقَائِل : اللَّه يَقُوم بِأَمْرِ خَلْقه , وَأَصْله الْقَيْوُوم , غَيْر أَنَّ الْوَاو الْأُولَى مِنْ الْقَيُّوم لَمَّا سَبَقَتْهَا يَاء سَاكِنَة وَهِيَ مُتَحَرِّكَة قُلِبَتْ يَاء , فَجُعِلَتْ هِيَ وَالْيَاء الَّتِي قَبْلهَا يَاء مُشَدَّدَة , لِأَنَّ الْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل بِالْوَاوِ الْمُتَحَرِّكَة إِذَا تَقَدَّمَتْهَا يَاء سَاكِنَة . وَأَمَّا الْقَيَّام , فَإِنَّ أَصْله الْقَيْوَام , وَهُوَ الْفَيْعَال , مِنْ قَامَ يَقُوم , سَبَقَتْ الْوَاو الْمُتَحَرِّكَة مِنْ قَيْوَام يَاء سَاكِنَة , فَجُعِلَتَا جَمِيعًا يَاء مُشَدَّدَة . وَلَوْ أَنَّ الْقَيُّوم فَعُّول , كَانَ الْقَوُّوم , وَلَكِنَّهُ الْفَيْعُول , وَكَذَلِكَ الْقَيَّام لَوْ كَانَ الْفَعَّال لَكَانَ الْقَوَّام , كَمَا قِيلَ : الصَّوَّام وَالْقَوَّام , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ } [5 8 ]وَلَكِنَّهُ الْفَعَّال فَقَالَ : الْقَيَّام . وَأَمَّا الْقَيِّم فَهُوَ الْفَيْعِل مِنْ قَامَ يَقُوم , سَبَقَتْ الْوَاو الْمُتَحَرِّكَة يَاء سَاكِنَة فَجُعِلَتَا يَاء مُشَدَّدَة , كَمَا قِيلَ : فُلَان سَيِّد قَوْمه , مِنْ سَادَ يَسُود , وَهَذَا طَعَام جَيِّد مِنْ جَادَ يَجُود , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْد الْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح , فَكَانَ الْقَيُّوم وَالْقَيَّام وَالْقَيِّم أَبْلَغ فِي الْمَدْح مِنْ الْقَائِم . وَإِنَّمَا كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَخْتَار قِرَاءَته إِنْ شَاءَ اللَّه | الْقَيَّام | , لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَالِب عَلَى مَنْطِق أَهْل الْحِجَاز فِي ذَوَات الثَّلَاثَة مِنْ الْيَاء وَالْوَاو , فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الصَّوَّاغ : الصَّيَّاغ , وَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْكَثِير الدَّوَرَان الدَّيَّار . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [71 26 ]إِنَّمَا هُوَ | دَوَّارًا | | فَعَّالًا | مِنْ دَارَ يَدُور , وَلَكِنَّهَا نَزَلَتْ بِلُغَةِ أَهْل الْحِجَاز , وَأَقَرَّتْ كَذَلِكَ فِي الْمُصْحَف .

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا مُحَمَّد إِنَّ رَبّك وَرَبّ عِيسَى وَرَبّ كُلّ شَيْء , هُوَ الرَّبّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك { الْكِتَاب } يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْقُرْآن . { بِالْحَقِّ } يَعْنِي بِالصِّدْقِ فِيمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَفِيمَا خَالَفَك فِيهِ مُحَاجُّوك مِنْ نَصَارَى أَهْل نَجْرَان , وَسَائِر أَهْل الشِّرْك غَيْرهمْ . { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْقُرْآن , أَنَّهُ مُصَدِّق لِمَا كَانَ قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , وَمُحَقِّق مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُل اللَّه مِنْ عِنْده , لِأَنَّ مُنَزِّل جَمِيع ذَلِكَ وَاحِد , فَلَا يَكُون فِيهِ اِخْتِلَاف , وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْره كَانَ فِيهِ اِخْتِلَاف كَثِير . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5145 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } قَالَ : لِمَا قَبْله مِنْ كِتَاب أَوْ رَسُول . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } لِمَا قَبْله مِنْ كِتَاب أَوْ رَسُول . )5146 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ } أَيْ بِالصِّدْقِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ . )5147 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : الْقُرْآن مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب الَّتِي قَدْ خَلَتْ قَبْله . )5148 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : ( { نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : مُصَدِّقًا لِمَا قَبْله مِنْ كِتَاب وَرَسُول .)|وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى . كَمَا : 5149 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ قَبْل هُدًى لِلنَّاسِ } هُمَا كِتَابَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّه , فِيهِمَا بَيَان مِنْ اللَّه , وَعِصْمَة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ وَصَدَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ .)

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ

{ مِنْ قَبْل } يَقُول : مِنْ قَبْل الْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَيْك . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { هُدًى لِلنَّاسِ } بَيَانًا لِلنَّاسِ مِنْ اللَّه , فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَتَصْدِيق رُسُله , وَمُفِيدًا يَا مُحَمَّد أَنَّك نَبِيِّي وَرَسُولِي , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ شَرَائِع دِين اللَّه . كَمَا : 5150 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى , كَمَا أَنْزَلَ الْكُتُب عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلهمَا .)|وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَأَنْزَلَ الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فِيمَا اِخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحْزَاب وَأَهْل الْمِلَل فِي أَمْر عِيسَى وَغَيْره وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْفُرْقَان إِنَّمَا هُوَ الْفُعْلَان مِنْ قَوْلهمْ : فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل يَفْصِل بَيْنهمَا بِنَصْرِهِ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل ; إِمَّا بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَة , وَإِمَّا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَة بِالْأَيْدِي وَالْقُوَّة . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّ بَعْضهمْ وَجَّهَ تَأْوِيله إِلَى أَنَّهُ فَصَلَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فِي أَمْر عِيسَى , وَبَعْضهمْ إِلَى أَنَّهُ فَصَلَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فِي أَحْكَام الشَّرَائِع . ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فِي أَمْر عِيسَى وَالْأَحْزَاب : 5151 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان } أَيْ الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فِيمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَاب مِنْ أَمْر عِيسَى وَغَيْره . )ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فِي الْأَحْكَام وَشَرَائِع الْإِسْلَام : 5152 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان } هُوَ الْقُرْآن أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد وَفَرَّقَ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فَأَحَلَّ فِيهِ حَلَاله , وَحَرَّمَ فِيهِ حَرَامه , وَشَرَّعَ فِيهِ شَرَائِعه , وَحَدَّ فِيهِ حُدُوده , وَفَرَضَ فِيهِ فَرَائِضه , وَبَيَّنَ فِيهِ بَيَانه , وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته . )5153 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان } قَالَ : الْفُرْقَان : الْقُرْآن فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . )وَالتَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر فِي ذَلِكَ , أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَة وَالرَّبِيع , وَأَنْ يَكُون مَعْنَى الْفُرْقَان فِي هَذَا الْمَوْضِع : فَصْل اللَّه بَيْن نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي أَمْر عِيسَى وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَة الْقَاطِعَة عُذْرهمْ وَعُذْر نُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ إِخْبَار اللَّه عَنْ تَنْزِيله الْقُرْآن قَبْل إِخْبَاره عَنْ تَنْزِيله التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي هَذِهِ الْآيَة قَدْ مَضَى بِقَوْلِهِ : { نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } وَلَا شَكّ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَاب هُوَ الْقُرْآن لَا غَيْره , فَلَا وَجْه لِتَكْرِيرِهِ مَرَّة أُخْرَى , إِذْ لَا فَائِدَة فِي تَكْرِيره , لَيْسَتْ فِي ذِكْره إِيَّاهُ وَخَبَره عَنْهُ اِبْتِدَاء .|إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه لَهُمْ عَذَاب شَدِيد , وَاَللَّه عَزِيز ذُو اِنْتِقَام } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا أَعْلَام اللَّه وَأَدِلَّته عَلَى تَوْحِيده وَأُلُوهَته , وَأَنَّ عِيسَى عَبْد لَهُ وَاِتَّخَذُوا الْمَسِيح إِلَهًا وَرَبًّا , أَوْ اِدَّعُوهُ لِلَّهِ وَلَدًا , { لَهُمْ عَذَاب } مِنْ اللَّه { شَدِيد } يَوْم الْقِيَامَة , وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه . وَآيَات اللَّه : أَعْلَام اللَّه وَأَدِلَّته وَحُجَجه . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , يُنْبِئ عَنْ مَعْنَى قَوْله : { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان } أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْفَصْل الَّذِي هُوَ حُجَّة لِأَهْلِ الْحَقّ عَلَى أَهْل الْبَاطِل لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه } يَعْنِي : أَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا ذَلِكَ الْفَصْل وَالْفُرْقَان الَّذِي أَنْزَلَهُ فَرْقًا بَيْن الْمُحِقّ وَالْمُبْطِل , { لَهُمْ عَذَاب شَدِيد } وَعِيد مِنْ اللَّه لِمَنْ عَانَدَ الْحَقّ بَعْد وُضُوحه لَهُ , وَخَالَفَ سَبِيل الْهُدَى بَعْد قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ عَزِيز فِي سُلْطَانه لَا يَمْنَعهُ مَانِع مِمَّنْ أَرَادَ عَذَابه مِنْهُمْ , وَلَا يَحُول بَيْنه وَبَيْنه حَائِل , وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يُعَانِدهُ فِيهِ أَحَد , وَأَنَّهُ ذُو اِنْتِقَام مِمَّنْ جَحَدَ حُجَجه وَأَدِلَّته , بَعْد ثُبُوتهَا عَلَيْهَا , وَبَعْد وُضُوحهَا لَهُ وَمَعْرِفَته بِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5154 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه لَهُمْ عَذَاب شَدِيد وَاَللَّه عَزِيز ذُو اِنْتِقَام } أَيْ أَنَّ اللَّه مُنْتَقِم مِمَّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْد عِلْمه بِهَا , وَمَعْرِفَته بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا . )5155 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه لَهُمْ عَذَاب شَدِيد وَاَللَّه عَزِيز ذُو اِنْتِقَام } )

إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء وَهُوَ فِي الْأَرْض وَلَا شَيْء وَهُوَ فِي السَّمَاء . يَقُول : فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيَّ يَا مُحَمَّد , وَأَنَا عَلَّام جَمِيع الْأَشْيَاء , مَا يُضَاهِي بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَك فِي آيَات اللَّه مِنْ نَصَارَى نَجْرَان فِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم فِي مَقَالَتهمْ الَّتِي يَقُولُونَهَا فِيهِ ؟ كَمَا : 5156 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء } أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى إِذْ جَعَلُوهُ رَبًّا وَإِلَهًا , وَعِنْدهمْ مِنْ عِلْمه غَيْر ذَلِكَ , غِرَّة بِاَللَّهِ وَكُفْرًا بِهِ .)

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : اللَّه الَّذِي يُصَوِّركُمْ فَيَجْعَلكُمْ صُوَرًا أَشْبَاحًا فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُمْ كَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ , فَيَجْعَل هَذَا ذَكَرًا وَهَذَا أُنْثَى , وَهَذَا أَسْوَد وَهَذَا أَحْمَر . يُعَرِّف عِبَاده بِذَلِكَ أَنَّ جَمِيع مَنْ اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام النِّسَاء مِمَّنْ صَوَّرَهُ وَخَلَقَهُ كَيْفَ شَاءَ , وَأَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم مِمَّنْ صَوَّرَهُ فِي رَحِم أُمّه وَخَلَقَهُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِلَهًا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ رَحِم أُمّه , لِأَنَّ خَلَّاق مَا فِي الْأَرْحَام لَا تَكُون الْأَرْحَام عَلَيْهِ مُشْتَمِلَة , وَإِنَّمَا تَشْتَمِل عَلَى الْمَخْلُوقِينَ . كَمَا : 5157 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } قَدْ كَانَ عِيسَى مِمَّنْ صَوَّرَ فِي الْأَرْحَام , لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ , وَلَا يُنْكِرُونَهُ , كَمَا صَوَّرَ غَيْره مِنْ بَنِي آدَم , فَكَيْفَ يَكُون إِلَهًا وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِل ؟ )5158 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } أَيْ أَنَّهُ صَوَّرَ عِيسَى فِي الرَّحِم كَيْفَ شَاءَ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ , مَا : 5159 - حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } قَالَ : إِذَا وَقَعَتْ النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام , طَارَتْ فِي الْجَسَد أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ تَكُون عَلَقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ تَكُون مُضْغَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا , فَإِذَا بَلَغَ أَنْ يُخَلَّق بَعَثَ اللَّه مَلَكًا يُصَوِّرهَا , فَيَأْتِي الْمَلَك بِتُرَابٍ بَيْن أُصْبُعَيْهِ , فَيَخْلِطهُ فِي الْمُضْغَة ثُمَّ يَعْجِنهُ بِهَا ثُمَّ يُصَوِّرهَا كَمَا يُؤْمَر , فَيَقُول : أَذَكَر أَوْ أُنْثَى , أَشَقِيّ أَوْ سَعِيد , وَمَا رِزْقه , وَمَا عُمْره , وَمَا أَثَره , وَمَا مَصَائِبه ؟ فَيَقُول اللَّه , وَيَكْتُب الْمَلَك . فَإِذَا مَاتَ ذَلِكَ الْجَسَد , دُفِنَ حَيْثُ أُخِذَ ذَلِكَ التُّرَاب . )5160 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } قَادِر وَاَللَّه رَبّنَا أَنْ يُصَوِّر عِبَاده فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى , أَوْ أَسْوَد أَوْ أَحْمَر , تَامّ خَلْقه وَغَيْر تَامّ .)|لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>وَهَذَا الْقَوْل تَنْزِيه مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَفْسه أَنْ يَكُون لَهُ فِي رُبُوبِيَّته نِدّ أَوْ مِثْل أَوْ أَنْ تَجُوز الْأُلُوهَة لِغَيْرِهِ , وَتَكْذِيب مِنْهُ لِلَّذِينَ قَالُوا فِي عِيسَى مَا قَالُوا مِنْ وَفْد نَجْرَان الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَائِر مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلهمْ فِي عِيسَى , وَلِجَمِيعِ مَنْ اِدَّعَى مَعَ اللَّه مَعْبُودًا , أَوْ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّةِ غَيْره . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلْقه بِصِفَتِهِ وَعِيدًا مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ غَيْره أَوْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَته أَحَدًا سِوَاهُ , فَقَالَ : { هُوَ الْعَزِيز } الَّذِي لَا يَنْصُر مَنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ أَحَد , وَلَا يُنْجِيه مِنْهُ وَأْل وَلَا لَجَأ , وَذَلِكَ لِعِزَّتِهِ الَّتِي يَذِلّ لَهَا كُلّ مَخْلُوق , وَيَخْضَع لَهَا كُلّ مَوْجُود . ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ الْحَكِيم فِي تَدْبِيره , وَإِعْذَاره إِلَى خَلْقه , وَمُتَابَعَة حُجَجه عَلَيْهِمْ , لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ عَنْ بَيِّنَة , وَيَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَة . كَمَا : 5161 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (ثُمَّ قَالَ : - يَعْنِي الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ إِنْزَاهًا لِنَفْسِهِ , وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمَّا جَعَلُوا مَعَهُ - : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } قَالَ : الْعَزِيز فِي نُصْرَته مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ إِذَا شَاءَ , وَالْحَكِيم فِي عُذْره وَحُجَّته إِلَى عِبَاده . )1625 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول : عَزِيز فِي نِقْمَته , حَكِيم فِي أَمْره .)

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } أَنَّ اللَّه الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء , { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْقُرْآن . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان فِيمَا مَضَى عَنْ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله سُمِّيَ الْقُرْآن كِتَابًا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ|وَأَمَّا قَوْله : { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ الْكِتَاب آيَات , يَعْنِي بِالْآيَاتِ آيَات الْقُرْآن . وَأَمَّا الْمُحْكَمَات : فَإِنَّهُنَّ اللَّوَاتِي قَدْ أُحْكِمْنَ بِالْبَيَانِ وَالتَّفْصِيل , وَأُثْبِتَتْ حُجَجهنَّ وَأَدِلَّتهنَّ عَلَى مَا جُعِلْنَ أَدِلَّة عَلَيْهِ مِنْ حَلَال وَحَرَام , وَوَعْد وَوَعِيد , وَثَوَاب وَعِقَاب , وَأَمْر وَزَجْر , وَخَبَر وَمَثَل , وَعِظَة وَعِبَر , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ الْآيَات الْمُحْكَمَات بِأَنَّهُنَّ هُنَّ أُمّ الْكِتَاب , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَصْل الْكِتَاب الَّذِي فِيهِ عِمَاد الدِّين وَالْفَرَائِض وَالْحُدُود , وَسَائِر مَا بِالْخَلْقِ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ أَمْر دِينهمْ , وَمَا كُلِّفُوا مِنْ الْفَرَائِض فِي عَاجِلهمْ وَآجِلهمْ . وَإِنَّمَا سَمَّاهُنَّ أُمّ الْكِتَاب , لِأَنَّهُنَّ مُعْظَم الْكِتَاب , وَمَوْضِع مَفْزَع أَهْله عِنْد الْحَاجَة إِلَيْهِ , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب , تُسَمِّي الْجَامِع مُعْظَم الشَّيْء أَمَّا لَهُ , فَتُسَمِّي رَايَة الْقَوْم الَّتِي تَجْمَعهُ فِي الْعَسَاكِر أُمّهمْ , وَالْمُدَبِّر مُعْظَم أَمْر الْقَرْيَة وَالْبَلْدَة أُمّهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَوَحَّدَ أُمّ الْكِتَاب , وَلَمْ يَجْمَع فَيَقُول : هُنَّ أُمَّهَات الْكِتَاب , وَقَدْ قَالَ هُنَّ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيع الْآيَات الْمُحْكَمَات أُمّ الْكِتَاب , لَا أَنَّ كُلّ آيَة مِنْهُنَّ أُمّ الْكِتَاب , وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلّ آيَة مِنْهُنَّ أُمّ الْكِتَاب , لَكَانَ لَا شَكّ قَدْ قِيلَ : هُنَّ أُمَّهَات الْكِتَاب . وَنَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا فِي تَوْحِيد الْأُمّ وَهِيَ خَبَر لِ | هُنَّ | قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَجَعَلْنَا اِبْن مَرْيَم وَأُمّه آيَة } [23 50 ]وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَجَعَلْنَا جَمِيعهمَا آيَة , إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا فِيمَا حُمِلَا فِيهِ لِلْخَلْقِ عِبْرَة . وَلَوْ كَانَ مُرَاده الْخَبَر عَنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى اِنْفِرَاده , بِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْخَلْقِ عِبْرَة , لَقِيلَ : وَجَعَلْنَا اِبْن مَرْيَم وَأُمّه آيَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَهُمْ عِبْرَة . وَذَلِكَ أَنَّ مَرْيَم وَلَدَتْ مِنْ غَيْر رَجُل , وَنَطَقَ اِبْنهَا فَتَكَلَّمَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا , فَكَانَ فِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِلنَّاسِ آيَة . وَقَدْ قَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : إِنَّمَا قِيلَ : { هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } وَلَمْ يَقُلْ : | هُنَّ أُمَّهَات الْكِتَاب | عَلَى وَجْه الْحِكَايَة , كَمَا يَقُول الرَّجُل : مَا لِي أَنْصَار , فَتَقُول : أَنَا أَنْصَارك , أَوْ مَا لِي نَظِير , فَتَقُول : نَحْنُ نَظِيرك . قَالَ : وَهُوَ شَبِيه | دَعْنِي مِنْ تَمْرَتَانِ | , وَأَنْشَدَ لِرَجُلٍ مِنْ فَقْعَس : <br>تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانٍ حَلّ .......... تَعَرُّض الْمُهْرَة فِي الطِّوَلِّ <br><br>تَعَرُّضًا لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلًا لِي <br>حَلَّ أَيْ يَحِلّ بِهِ , عَلَى الْحِكَايَة , لِأَنَّهُ كَانَ مَنْصُوبًا قَبْل ذَلِكَ , كَمَا يَقُول : نُودِيَ : الصَّلَاة الصَّلَاة , يَحْكِي قَوْل الْقَائِل : الصَّلَاة الصَّلَاة ! وَقَالَ : قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا هِيَ أَنَّ قَتْلًا لِي , وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ | عَنْ | لِأَنَّ أَنَّ فِي لُغَته تُجْعَل مَوْضِعهَا | عَنْ | وَالنَّصْب عَلَى الْأَمْر , كَأَنَّك قُلْت : ضَرْبًا لِزَيْدٍ . وَهَذَا قَوْل لَا مَعْنًى لَهُ , لِأَنَّ كُلّ هَذِهِ الشَّوَاهِد الَّتِي اِسْتَشْهَدَ بِهَا , لَا شَكّ أَنَّهُنَّ حِكَايَات حَالَتهنَّ بِمَا حَكَى عَنْ قَوْل غَيْره وَأَلْفَاظه الَّتِي نَطَقَ بِهِنَّ , وَأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَد قَوْله : أُمّ الْكِتَاب , فَيَجُوز أَنْ يُقَال : أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَج الْحِكَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله { وَأُخَر } فَإِنَّهَا جَمْع أُخْرَى . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا لَمْ يُصْرَف | أُخَر | , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يُصْرَف أُخَر مِنْ أَجْل أَنَّهَا نَعْت وَاحِدَتهَا أُخْرَى , كَمَا لَمْ تُصْرَف جُمَع وَكُتَع , لِأَنَّهُنَّ نُعُوت . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا لَمْ تُصْرَف الْأُخَر لِزِيَادَةِ الْيَاء الَّتِي فِي وَاحِدَتهَا , وَأَنَّ جَمْعهَا مَبْنِيّ عَلَى وَاحِدهَا فِي تَرْك الصَّرْف , قَالُوا : وَإِنَّمَا تُرِكَ صَرْف أُخْرَى , كَمَا تُرِكَ صَرْف حَمْرَاء وَبَيْضَاء فِي النَّكِرَة وَالْمَعْرِفَة لِزِيَادَةِ الْمَدَّة فِيهَا وَالْهَمْزَة بِالْوَاوِ , ثُمَّ اِفْتَرَقَ جَمْع حَمْرَاء وَأُخْرَى , فَبُنِيَ جَمْع أُخْرَى عَلَى وَاحِدَته , فَقِيلَ : فُعَل أُخَر , فَتُرِكَ صَرْفهَا كَمَا تُرِكَ صَرْف أُخْرَى , وَبُنِيَ جَمْع حَمْرَاء وَبَيْضَاء عَلَى خِلَاف وَاحِدَته , فَصُرِفَ , فَقِيلَ حُمْر وَبِيض . فَلِاخْتِلَافِ حَالَتَيْهِمَا فِي الْجَمْع اِخْتَلَفَ إِعْرَابهمَا عِنْدهمْ فِي الصَّرْف , وَلِاتِّفَاقِ حَالَتَيْهِمَا فِي الْوَاحِدَة اِتَّفَقَتْ حَالَتَاهُمَا فِيهَا . وَأَمَّا قَوْله : { مُتَشَابِهَات } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مُتَشَابِهَات فِي التِّلَاوَة , مُخْتَلِفَات فِي الْمَعْنَى , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } [2 25 ]يَعْنِي فِي الْمَنْظَر : مُخْتَلِفًا فِي الْمَطْعَم , وَكَمَا قَالَ مُخْبِرًا عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ قَالَ : { إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } [2 70 ]يَعْنُونَ بِذَلِكَ : تَشَابَهَ عَلَيْنَا فِي الصِّفَة , وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَنْوَاعه . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : إِنَّ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء , هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك يَا مُحَمَّد الْقُرْآن , مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات بِالْبَيَانِ , هُنَّ أَصْل الْكِتَاب الَّذِي عَلَيْهِ عِمَادك وَعِمَاد أُمَّتك فِي الدِّين , وَإِلَيْهِ مَفْزَعك وَمَفْزَعهمْ فِيمَا اِفْتَرَضْت عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ مِنْ شَرَائِع الْإِسْلَام , وَآيَات أُخَر هُنَّ مُتَشَابِهَات فِي التِّلَاوَة , مُخْتَلِفَات فِي الْمَعَانِي . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } وَمَا الْمُحْكَم مِنْ آي الْكِتَاب , وَمَا الْمُتَشَابَه مِنْهُ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُحْكَمَات مِنْ آي الْقُرْآن : الْمَعْمُول بِهِنَّ , وَهُنَّ النَّاسِخَات , أَوْ الْمُثْبِتَات الْأَحْكَام ; وَالْمُتَشَابِهَات مِنْ آيِهِ : الْمَتْرُوك الْعَمَل بِهِنَّ , الْمَنْسُوخَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5163 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } قَالَ : هِيَ الثَّلَاث الْآيَات الَّتِي هَهُنَا : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ } [6 151 ]إِلَى ثَلَاث آيَات , وَاَلَّتِي فِي بَنِي إِسْرَائِيل : { وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [17 23 ]إِلَى آخِر الْآيَات . )5164 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلَى بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } الْمُحْكَمَات : نَاسِخه , وَحَلَاله , وَحَرَامه , وَحُدُوده , وَفَرَائِضه , وَمَا يُؤْمَن بِهِ , وَيُعْمَل بِهِ . قَالَ : { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } وَالْمُتَشَابِهَات : مَنْسُوخه , وَمُقَدَّمه , وَمُؤَخَّره , وَأَمْثَاله , وَأَقْسَامه , وَمَا يُؤْمَن بِهِ , وَلَا يُعْمَل بِهِ . )5165 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } إِلَى : { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } فَالْمُحْكَمَات الَّتِي هِيَ أُمّ الْكِتَاب : النَّاسِخ الَّذِي يُدَان بِهِ وَيُعْمَل بِهِ ; وَالْمُتَشَابِهَات : هُنَّ الْمَنْسُوخَات الَّتِي لَا يُدَان بِهِنَّ . )5166 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا } أَمَّا الْآيَات الْمُحْكَمَات : فَهُنَّ النَّاسِخَات الَّتِي يُعْمَل بِهِنَّ ; وَأَمَّا الْمُتَشَابِهَات : فَهُنَّ الْمَنْسُوخَات . )5167 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } وَالْمُحْكَمَات : النَّاسِخ الَّذِي يُعْمَل بِهِ مَا أَحَلَّ اللَّه فِيهِ حَلَاله وَحَرَّمَ فِيهِ حَرَامه ; وَأَمَّا الْمُتَشَابِهَات : فَالْمَنْسُوخ الَّذِي لَا يُعْمَل بِهِ وَيُؤْمَن )5168 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { آيَات مُحْكَمَات } قَالَ : الْمُحْكَم : مَا يُعْمَل بِهِ . )5169 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } قَالَ : الْمُحْكَمَات : النَّاسِخ الَّذِي يُعْمَل بِهِ , وَالْمُتَشَابِهَات : الْمَنْسُوخ الَّذِي لَا يُعْمَل بِهِ , وَيُؤْمَن بِهِ . )5170 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } قَالَ : النَّاسِخَات , { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } قَالَ : مَا نُسِخَ وَتُرِكَ يُتْلَى . )* - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : (الْمُحْكَم مَا لَمْ يُنْسَخ , وَمَا تَشَابَهَ مِنْهُ : مَا نُسِخَ . )* - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } قَالَ : النَّاسِخ , { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } قَالَ : الْمَنْسُوخ . )5171 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } قَالَ : الْمُحْكَمَات : الَّذِي يُعْمَل بِهِ . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يُحَدِّث , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } يَعْنِي : النَّاسِخ الَّذِي يُعْمَل بِهِ , { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } يَعْنِي الْمَنْسُوح , يُؤْمَن بِهِ وَلَا يُعْمَل بِهِ . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : ( { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } قَالَ : مَا لَمْ يُنْسَخ , { وَأُخَر مُتَشَابِهَات } قَالَ : مَا قَدْ نُسِخَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُحْكَمَات مِنْ آي الْكِتَاب : مَا أَحْكَمَ اللَّه فِيهِ بَيَان حَلَاله وَحَرَامه ; وَالْمُتَشَابِه مِنْهَا : مَا أَشْبَهَ بَعْضه بَعْضًا فِي الْمَعَانِي وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5172 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام وَمَا سِوَى ذَلِكَ , فَهُوَ مُتَشَابِه يُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } [2 26 ]وَمِثْل قَوْله : { كَذَلِكَ يَجْعَل اللَّه الرِّجْس عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [6 125 ]وَمِثْل قَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [47 17 ])* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُحْكَمَات مِنْ آي الْكِتَاب : مَا لَمْ يَحْتَمِل مِنْ التَّأْوِيل غَيْر وَجْه وَاحِد ; وَالْمُتَشَابِه مِنْهُ : مَا اِحْتَمَلَ مِنْ التَّأْوِيل أَوْجُهًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5173 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات } فِيهِنَّ حُجَّة الرَّبّ , وَعِصْمَة الْعِبَاد , وَدَفْع الْخُصُوم وَالْبَاطِل , لَيْسَ لَهَا تَصْرِيف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وُضِعَتْ عَلَيْهِ . وَأُخَر مُتَشَابِهَة فِي الصِّدْق , لَهُنَّ تَصْرِيف وَتَحْرِيف وَتَأْوِيل , اِبْتَلَى اللَّه فِيهِنَّ الْعِبَاد كَمَا اِبْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَال وَالْحَرَام , لَا يُصْرَفْنَ إِلَى الْبَاطِل وَلَا يُحَرَّفْنَ عَنْ الْحَقّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْمُحْكَم : مَا أَحْكَمَ اللَّه فِيهِ مِنْ آي الْقُرْآن وَقَصَص الْأُمَم وَرُسُلهمْ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ , فَفَصَّلَهُ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ وَأُمَّته . وَالْمُتَشَابِه : هُوَ مَا اِشْتَبَهَتْ الْأَلْفَاظ بِهِ مِنْ قَصَصهمْ عِنْد التَّكْرِير فِي السُّوَر فَقِصَّة بِاتِّفَاقِ الْأَلْفَاظ وَاخْتِلَافه الْمَعَانِي , وَقِصَّة بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظ وَاتِّفَاق الْمُعَانَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5174 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : (قَالَ اِبْن زَيْد وَقَرَأَ : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } [11 1 ]قَالَ . وَذَكَرَ حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَع وَعِشْرِينَ آيَة مِنْهَا , وَحَدِيث نُوح فِي أَرْبَع وَعِشْرِينَ آيَة مِنْهَا . ثُمَّ قَالَ : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب } [11 49 ]ثُمَّ ذَكَرَ : { وَإِلَى عَاد } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ } [11 90 ]ثُمَّ مَضَى ثُمَّ ذَكَرَ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيم وَلُوطًا وَشُعَيْبًا , وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ . وَهَذَا يَقِين , ذَلِكَ يَقِين أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ . قَالَ : وَالْمُتَشَابِه ذِكْر مُوسَى فِي أَمْكِنَة كَثِيرَة , وَهُوَ مُتَشَابِه , وَهُوَ كُلّه مَعْنًى وَاحِد وَمُتَشَابِه : { اُسْلُكْ فِيهَا } [23 27 ] { اِحْمِلْ فِيهَا } [11 40 ] { اُسْلُكْ يَدك } [28 32 ] { أَدْخِلْ يَدك } [27 12 ] { حَيَّة تَسْعَى } [20 20 ] { ثُعْبَان مُبِين } [7 107 ]قَالَ . ثُمَّ ذَكَرَ هُودًا فِي عَشْر آيَات مِنْهَا , وَصَالِحًا فِي ثَمَانِي آيَات مِنْهَا وَإِبْرَاهِيم فِي ثَمَانِي آيَات أُخْرَى , وَلُوطًا فِي ثَمَانِي آيَات مِنْهَا , وَشُعَيْبًا فِي ثَلَاث عَشْرَةَ آيَة , وَمُوسَى فِي أَرْبَع آيَات , كُلّ هَذَا يَقْضِي بَيْن الْأَنْبِيَاء وَبَيْن قَوْمهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة , فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى مِائَة آيَة مِنْ سُورَة هُود , ثُمَّ قَالَ : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الْقُرَى نَقُصّهُ عَلَيْك مِنْهَا قَائِم وَحَصِيد } [11 100 ]وَقَالَ فِي الْمُتَشَابِه مِنْ الْقُرْآن : مَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ الْبَلَاء وَالضَّلَالَة , يَقُول : مَا شَأْن هَذَا لَا يَكُون هَكَذَا , وَمَا شَأْن هَذَا لَا يَكُون هَكَذَا ؟ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمُحْكَم مِنْ آي الْقُرْآن : مَا عَرَفَ الْعُلَمَاء تَأْوِيله , وَفَهِمُوا مَعْنَاهُ وَتَفْسِيره ; وَالْمُتَشَابِه : مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمه سَبِيل مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ دُون خَلْقه , وَذَلِكَ نَحْو الْخَبَر عَنْ وَقْت مَخْرَج عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَوَقْت طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا , وَقِيَام السَّاعَة , وَفَنَاء الدُّنْيَا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمهُ أَحَد . وَقَالُوا : إِنَّمَا سَمَّى اللَّه مِنْ آي الْكِتَاب الْمُتَشَابِه الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة الَّتِي فِي أَوَائِل بَعْض سُوَر الْقُرْآن مِنْ نَحْو الم , وَالمص , وَالمر , والر , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , لِأَنَّهُنَّ مُتَشَابِهَات فِي الْأَلْفَاظ , وَمُوَافَقَات حُرُوف حِسَاب الْجُمَل . وَكَانَ قَوْم مِنْ الْيَهُود عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَمِعُوا أَنْ يُدْرِكُوا مِنْ قِبَلهَا مَعْرِفَة مُدَّة الْإِسْلَام وَأَهْله , وَيَعْلَمُوا نِهَايَة أُكْل مُحَمَّد وَأُمَّته , فَأَكْذَبَ اللَّه أُحْدُوثَتهمْ بِذَلِكَ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَا اِبْتَغَوْا عِلْمه مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَل هَذِهِ الْحُرُوف الْمُتَشَابِهَة لَا يُدْرِكُونَهُ وَلَا مِنْ قِبَل غَيْرهَا , وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه . وَهَذَا قَوْل ذُكِرَ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْره مِمَّنْ قَالَ نَحْو مَقَالَته فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي تَفْسِير قَوْله : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ } [2 1 : 2 ]وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَشْبَهَ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع مَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ آي الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ بَيَانًا لَهُ وَلِأُمَّتِهِ وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِيهِ مَا لَا حَاجَة بِهِمْ إِلَيْهِ , وَلَا أَنْ يَكُون فِيهِ مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَة , ثُمَّ لَا يَكُون لَهُمْ إِلَى عِلْم تَأْوِيله سَبِيل . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَكُلّ مَا فِيهِ لِخَلْقِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَة , وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضه مَا بِهِمْ عَنْ بَعْض مَعَانِيه الْغِنَى , وَإِنْ اِضْطَرَّتْهُ الْحَاجَة إِلَيْهِ فِي مَعَانٍ كَثِيرَة , وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَوْم يَأْتِي بَعْض آيَات رَبّك لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أَوْ كَسَبَت فِي إِيمَانهَا خَيْرًا } [6 158 ]فَأَعْلَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته أَنَّ تِلْكَ الْآيَة الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَمْ يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل ذَلِكَ , هِيَ طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا . فَاَلَّذِي كَانَتْ بِالْعِبَادِ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ عِلْم ذَلِكَ هُوَ الْعِلْم مِنْهُمْ بِوَقْتِ نَفْع التَّوْبَة بِصِفَتِهِ بِغَيْرِ تَحْدِيده بَعْد بِالسِّنِينَ وَالشُّهُور وَالْأَيَّام , فَقَدْ بَيَّنَ اللَّه ذَلِكَ لَهُمْ بِدَلَالَةِ الْكِتَاب , وَأَوْضَحَهُ لَهُمْ عَلَى لِسَان رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا . وَاَلَّذِي لَا حَاجَة لَهُمْ إِلَى عِلْمه مِنْهُ هُوَ الْعِلْم بِمِقْدَارِ الْمُدَّة الَّتِي بَيْن وَقْت نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَوَقْت حُدُوث تِلْكَ الْآيَة , فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَاجَة بِهِمْ إِلَى عِلْمه فِي دِين وَلَا دُنْيَا , وَذَلِكَ هُوَ الْعِلْم الَّذِي اِسْتَأْثَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ دُون خَلْقه , فَحَجَبَهُ عَنْهُمْ , وَذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي طَلَبَتْ الْيَهُود مَعْرِفَته فِي مُدَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته مِنْ قِبَل قَوْله : الم , وَالمص , والر , وَالمر , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة الْمُتَشَابِهَات , الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ قِبَله , وَأَنَّهُ لَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه . فَإِذَا كَانَ الْمُتَشَابِه هُوَ مَا وَصَفْنَا , فَكُلّ مَا عَدَاهُ فَمُحْكَم , لِأَنَّهُ لَنْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُون مُحْكَمًا بِأَنَّهُ بِمَعْنًى وَاحِد لَا تَأْوِيل لَهُ غَيْر تَأْوِيل وَاحِد , وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ بِسَمَاعِهِ عَنْ بَيَان يُبَيِّنهُ , أَوْ يَكُون مُحْكَمًا , وَإِنْ كَانَ ذَا وُجُوه وَتَأْوِيلَات وَتَصَرُّف فِي مَعَانٍ كَثِيرَة , فَالدَّلَالَة عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَاد مِنْهُ إِمَّا مِنْ بَيَان اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْهُ أَوْ بَيَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ , وَلَنْ يَذْهَب عِلْم ذَلِكَ عَنْ عُلَمَاء الْأُمَّة لِمَا قَدْ بَيَّنَّا . <subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } </subtitle>قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ تَأْوِيل ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ الشَّاهِدَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِيهِ , وَنَحْنُ ذَاكِرُو اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } هُنَّ اللَّائِي فِيهِنَّ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام , نَحْو قِيلنَا الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5175 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر (أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } قَالَ يَحْيَى : هُنَّ اللَّاتِي فِيهِنَّ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَعِمَاد الدِّين , وَضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ : أُمّ الْقُرَى مَكَّة , وَأُمّ خُرَاسَان مَرْو , وَأُمّ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ إِلَيْهِ أَمْرهمْ , وَيُعْنَى بِهِمْ فِي سَفَرهمْ , قَالَ : فَذَاكَ أُمّهمْ . )5176 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } قَالَ : هُنَّ جِمَاع الْكِتَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنِيّ بِذَلِكَ فَوَاتِح السُّوَر الَّتِي مِنْهَا يُسْتَخْرَج الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5177 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ أَبِي فَاخِتَة (أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب : فَوَاتِح السُّوَر , مِنْهَا يُسْتَخْرَج الْقُرْآن ; { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } [2 1 : 2 ]مِنْهَا اُسْتُخْرِجَتْ الْبَقَرَة , وَ { الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } مِنْهَا اُسْتُخْرِجَتْ آل عِمْرَان .)|فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَيْل عَنْ الْحَقّ , وَانْحِرَاف عَنْهُ . يُقَال مِنْهُ : زَاغَ فُلَان عَنْ الْحَقّ , فَهُوَ يَزِيغ عَنْهُ زَيْغًا وَزَيَغَانًا وَزُيُوغَة وَزُيُوغًا , وَأَزَاغَهُ اللَّه : إِذَا أَمَالَهُ , فَهُوَ يُزِيغهُ , وَمِنْهُ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا } لَا تُمِلْهَا عَنْ الْحَقّ { بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } [3 8 ]وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5178 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } أَيْ مَيْل عَنْ الْهُدَى . )5179 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } قَالَ : شَكّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5180 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } قَالَ : مِنْ أَهْل الشَّكّ . )5181 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } أَمَّا الزَّيْغ : فَالشَّكّ . )5182 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { زَيْغ } شَكّ . قَالَ اِبْن جُرَيْج { الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } الْمُنَافِقُونَ .)|فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } مَا تَشَابَهَتْ أَلْفَاظه وَتَصَرَّفَتْ مَعَانِيه بِوُجُوهِ التَّأْوِيلَات , لِيُحَقِّقُوا بِادِّعَائِهِمْ الْأَبَاطِيل مِنْ التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة وَالزَّيْغ عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ تَلْبِيسًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَته بِوُجُوهِ تَأْوِيل ذَلِكَ وَتَصَارِيف مَعَانِيه . كَمَا : 5183 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } فَيَحْمِلُونَ الْمُحْكَم عَلَى الْمُتَشَابِه , وَالْمُتَشَابِه عَلَى الْمُحْكَم , وَيُلَبِّسُونَ , فَلَبَّسَ اللَّه عَلَيْهِمْ . )5184 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أَيْ مَا تَحَرَّفَ مِنْهُ وَتَصَرَّفَ , لِيُصَدِّقُوا بِهِ مَا اِبْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا , لِيَكُونَ لَهُمْ حُجَّة عَلَى مَا قَالُوا وَشُبْهَة . )5185 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } قَالَ : الْبَاب الَّذِي ضَلُّوا مِنْهُ وَهَلَكُوا فِيهِ اِبْتِغَاء تَأْوِيله . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 5186 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } يَتَّبِعُونَ الْمَنْسُوخ وَالنَّاسِخ , فَيَقُولُونَ : مَا بَالُ هَذِهِ الْآيَة عُمِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا مَجَاز هَذِهِ الْآيَة , فَتُرِكَتْ الْأُولَى وَعُمِلَ بِهَذِهِ الْأُخْرَى ؟ هَلَّا كَانَ الْعَمَل بِهَذِهِ الْآيَة قَبْل أَنْ تَجِيء الْأُولَى الَّتِي نُسِخَتْ . وَمَا بَالُهُ يُعَدّ الْعَذَاب مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يَعُدّ بِهِ النَّار وَفِي مَكَان آخَر مِنْ عَمَله فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِب النَّار . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَاجُّوهُ بِمَا حَاجُّوهُ بِهِ , وَخَاصَمُوهُ بِأَنْ قَالُوا : أَلَسْت تَزْعُم أَنَّ عِيسَى رُوح اللَّه وَكَلِمَته ؟ وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُونَ فِيهِ مِنْ الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5187 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (عَمَدُوا - يَعْنِي الْوَفْد الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَان - فَخَاصَمُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : أَلَسْت تَزْعُم أَنَّهُ كَلِمَة اللَّه وَرُوح مِنْهُ ؟ قَالَ : | بَلَى | , قَالُوا : فَحَسْبنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } ثُمَّ إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْزَلَ : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم } . .. الْآيَة . )[3 59 ]وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَبِي يَاسِر بْن أَخْطَب , وَأَخِيهِ حُيَيّ بْن أَخْطَب , وَالنَّفَر الَّذِينَ نَاظَرُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدْر مُدَّة أُكْله وَأُكْل أُمَّته , وَأَرَادُوا عِلْم ذَلِكَ مِنْ قِبَل قَوْله : الم , وَالمص وَالمر , والر فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ قُلُوبهمْ مَائِلَة عَنْ الْهُدَى وَالْحَقّ , { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } يَعْنِي مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة الْمُحْتَمِلَة التَّصْرِيف فِي الْوُجُوه الْمُخْتَلِفَة التَّأْوِيلَات اِبْتِغَاء الْفِتْنَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل فِي أَوَّل السُّورَة الَّتِي تُذْكَر فِيهَا الْبَقَرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ كُلّ مُبْتَدِع فِي دِينه بِدْعَة مُخَالِفَة لِمَا اِبْتَعَثَ بِهِ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ مِنْ بَعْض آي الْقُرْآن الْمُحْتَمِلَة التَّأْوِيلَات , وَإِنْ كَانَ اللَّه قَدْ أَحْكَمَ بَيَان ذَلِكَ , أَمَّا فِي كِتَابه وَإِمَّا عَلَى لِسَان رَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5188 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } . وَكَانَ قَتَادَة إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ } قَالَ : إِنْ لَمْ يَكُونُوا الْحَرُورِيَّة وَالسَّبَئِيَّة فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ . وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ فِي أَهْل بَدْر وَالْحُدَيْبِيَة الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَة الرِّضْوَان مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , خَبَر لِمَنْ اِسْتَخْبَرَ , وَعِبْرَة لِمَنْ اِسْتَعْبَرَ , لِمَنْ كَانَ يَعْقِل أَوْ يُبْصِر . إِنَّ الْخَوَارِج خَرَجُوا وَأَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ كَثِير بِالْمَدِينَةِ وَالشَّام وَالْعِرَاق وَأَزْوَاجه يَوْمئِذٍ أَحْيَاء , وَاَللَّه إِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ ذَكَر وَلَا أُنْثَى حَرُورِيًّا قَطُّ , وَلَا رَضُوا الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ وَلَا مَالَئُوهُمْ فِيهِ , بَلْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ بِعَيْبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ وَنَعْته الَّذِي نَعَتَهُمْ بِهِ , وَكَانُوا يُبْغِضُونَهُمْ بِقُلُوبِهِمْ وَيُعَادُونَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَتَشْتَدّ وَاَللَّه عَلَيْهِمْ أَيْدِيهمْ إِذَا لَقُوهُمْ . وَلَعَمْرِي لَوْ كَانَ أَمْر الْخَوَارِج هُدًى لَاجْتَمَعَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالًا فَتَفَرَّقَ , وَكَذَلِكَ الْأَمْر إِذَا كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه وَجَدْت فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَقَدْ أَلَاصُوا هَذَا الْأَمْر مُنْذُ زَمَان طَوِيل , فَهَلْ أَفْلَحُوا فِيهِ يَوْمًا أَوْ أَنْجَحُوا ؟ يَا سُبْحَان اللَّه كَيْفَ لَا يَعْتَبِر آخِر هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِأَوَّلِهِمْ ؟ لَوْ كَانُوا عَلَى هُدًى قَدْ أَظْهَرَهُ اللَّه وَأَفْلَجَهُ وَنَصَرَهُ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِل أَكْذَبَهُ اللَّه وَأَدْحَضَهُ , فَهُمْ كَمَا رَأَيْتهمْ كُلَّمَا خَرَجَ لَهُمْ قَرْن أَدْحَضَ اللَّه حُجَّتهمْ , وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتهمْ , وَأَهْرَقَ دِمَاءَهُمْ ; وَإِنْ كَتَمُوا كَانَ قَرْحًا فِي قُلُوبهمْ وَغَمًّا عَلَيْهِمْ , وَإِنْ أَظْهَرُوهُ أَهْرَقَ اللَّه دِمَاءَهُمْ , ذَاكُمْ وَاَللَّه دِين سُوء فَاجْتَنِبُوهُ . وَاَللَّه إِنَّ الْيَهُود لَبِدْعَة , وَإِنَّ النَّصْرَانِيَّة لَبِدْعَة , وَإِنَّ الْحَرُورِيَّة لَبِدْعَة , وَإِنَّ السَّبَئِيَّة لَبِدْعَة , مَا نُزِّلَ بِهِنَّ كِتَاب وَلَا سَنَّهُنَّ نَبِيّ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله } طَلَبَ الْقَوْم التَّأْوِيل فَأَخْطَئُوا التَّأْوِيل , وَأَصَابُوا الْفِتْنَة , فَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَهَلَكُوا مِنْ ذَلِكَ . لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ فِي أَصْحَاب بَدْر وَالْحُدَيْبِيَة الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَة الرِّضْوَان . )وَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْهُ . 5189 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : (قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { وَمَا يَذَّكَّر إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَاب } فَقَالَ : | فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : (قَرَأَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } إِلَى : { وَمَا يَذَّكَّر إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَاب } . قَالَتْ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ | أَوْ قَالَ : وَيَتَجَادَلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ قَالَ مَطَر , عَنْ أَيُّوب أَنَّهُ قَالَ : | فَلَا تُجَالِسُوهُمْ , فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِ مَعْنَاهُ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 5190 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَارِث , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : (قَرَأَ رَسُول اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } . .. الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ وَاَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : فَلَا تُجَالِسُوهُمْ . )5191 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يُحَدِّث عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (تَلَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } ثُمَّ قَرَأَ إِلَى آخِر الْآيَات , فَقَالَ : | إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ , فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ . )5192 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (نَزَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قَدْ حَذَّرَكُمْ اللَّه , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاعْرِفُوهُمْ . )5193 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ عُمَر , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ! | , ثُمَّ نَزَعَ : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } | وَلَا يَعْلَمُونَ بِمُحْكَمِهِ . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمِّي , قَالَ : أَخْبَرَنِي شَبِيب بْن سَعِيد , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم } فَقَالَ : | فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا خَالِد بْن نِزَار , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب } . .. الْآيَة . يَتَّبِعهَا : يَتْلُوهَا , ثُمَّ يَقُول : | فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَاحْذَرُوهُمْ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ عَائِشَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : | هُمْ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْذَرُوهُمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر هَذِهِ الْآيَة أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ جَادَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُتَشَابِهِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَاب اللَّه إِمَّا فِي أَمْر عِيسَى , وَإِمَّا فِي مُدَّة أُكْله وَأُكْل أُمَّته , وَهُوَ بِأَنْ تَكُون فِي الَّذِينَ جَادَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُتَشَابِهِهِ فِي مُدَّته وَمُدَّة أُمَّته أَشْبَه , لِأَنَّ قَوْله : { وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه } دَالّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِخْبَار عَنْ الْمُدَّة الَّتِي أَرَادُوا عِلْمهَا مِنْ قِبَل الْمُتَشَابِه الَّذِي لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه . فَأَمَّا أَمْر عِيسَى وَأَسْبَابه , فَقَدْ أَعْلَمَ اللَّه ذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته وَبَيَّنَهُ لَهُمْ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ إِلَّا مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْ الْآحَاد .|ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِبْتِغَاء الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5194 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } قَالَ : إِرَادَة الشِّرْك . )5195 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } يَعْنِي الشِّرْك . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ اِبْتِغَاء الشُّبُهَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5196 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { اِبْتِغَاء الْفِتْنَة } قَالَ : الشُّبُهَات بِهَا أُهْلِكُوا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا وَهْب لَنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ : آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آي كِتَاب اللَّه , وَأَنَّهُ وَالْمُحْكَم مِنْ آيه مِنْ تَنْزِيل رَبّنَا وَوَحْيه , وَيَقُولُونَ أَيْضًا : { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ رَغْبَة مِنْهُمْ إِلَى رَبّهمْ , فِي أَنْ يَصْرِف عَنْهُمْ مَا اِبْتَلَى بِهِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبهمْ مِنْ اِتِّبَاع مُتَشَابِه آي الْقُرْآن اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله الَّذِي لَا يَعْلَمهُ غَيْر اللَّه , يَا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مِثْل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبهمْ عَنْ الْحَقّ فَصُدُّوا عَنْ سَبِيلك , { لَا تُزِغْ قُلُوبنَا } لَا تُمِلْهَا فَتَصْرِفَهَا عَنْ هُدَاك { بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } لَهُ , فَوَفَّقْتنَا لِلْإِيمَانِ بِمُحْكَمِ كِتَابك وَمُتَشَابِهه , { وَهْب لَنَا } يَا رَبّنَا { مِنْ لَدُنْك رَحْمَة } يَعْنِي مِنْ عِنْدك رَحْمَة , يَعْنِي بِذَلِكَ : هَبْ لَنَا مِنْ عِنْدك تَوْفِيقًا وَثَبَاتًا لِلَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ , مِنْ الْإِقْرَار بِمُحْكَمِ كِتَابك وَمُتَشَابِهه ; { إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب } يَعْنِي : إِنَّك أَنْتَ الْمُعْطِي عِبَادك التَّوْفِيق وَالسَّدَاد , لِلثَّبَاتِ عَلَى دِينك , وَتَصْدِيق كِتَابك وَرُسُلك . كَمَا : 5224 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } أَيْ لَا تُمِلْ قُلُوبنَا وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا , { وَهْب لَنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَة } )وَفِي مَدْح اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِمَا مَدَحَهُمْ بِهِ مِنْ رَغْبَتهمْ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغ قُلُوبهمْ , وَأَنْ يُعْطِيهِمْ رَحْمَة مِنْهُ مَعُونَة لَهُمْ لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن الْبَصِيرَة بِالْحَقِّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ , مَا أَبَانَ عَنْ خَطَأِ قَوْل الْجَهَلَة مِنْ الْقَدَرِيَّة , أَنَّ إِزَاغَة اللَّه قَلْب مَنْ أَزَاغَ قَلْبه مِنْ عِبَاده عَنْ طَاعَته , وَإِمَالَته لَهُ عَنْهَا جَوْر , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الَّذِينَ قَالُوا : { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } بِالذَّمِّ أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمَدْحِ , لِأَنَّ الْقَوْل لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا , لَكَانَ الْقَوْم إِنَّمَا سَأَلُوا رَبّهمْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ أَنْ لَا يُزِيغ قُلُوبهمْ , أَنْ لَا يَظْلِمهُمْ وَلَا يَجُور عَلَيْهِمْ , وَذَلِكَ مِنْ السَّائِل جَهْل ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَظْلِم عِبَاده وَلَا يَجُور عَلَيْهِمْ , وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَاده ذَلِكَ , وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسه بِقَوْلِهِ : { وَمَا رَبّك بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [41 46 ]وَلَا وَجْه لِمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَكُون بِالصِّفَةِ الَّتِي قَدْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ بِهَا , وَفِي فَسَاد مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح , عَلَى أَنَّ عَدْلًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِزَاغَة مَنْ أَزَاغَ قَلْبه مِنْ عِبَاده عَنْ طَاعَته , فَلِذَلِكَ اِسْتَحَقَّ الْمَدْح مَنْ رَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغهُ لِتَوْجِيهِهِ الرَّغْبَة إِلَى أَهْلهَا وَوَضْعه مَسْأَلَته مَوْضِعهَا , مَعَ تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَغْبَتِهِ إِلَى رَبّه فِي ذَلِكَ مَعَ مَحَلّه مِنْهُ , وَكَرَامَته عَلَيْهِ 5225 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أُمّ سَلَمَة : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك | ثُمَّ قَرَأَ : { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )5226 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَسْمَاء , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . 5227 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام الْفَزَارِيّ , قَالَ : ثنا شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت أُمّ سَلَمَة تُحَدِّث (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِر فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقُول : | اللَّهُمَّ مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك ! | قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّ الْقَلْب لَيُقَلَّب ؟ قَالَ : | نَعَمْ , مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ بَشَر مِنْ بَنِي آدَم إِلَّا وَقَلْبه بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعه , فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ , وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ , فَنَسْأَل اللَّه رَبّنَا أَنْ لَا يُزِيغ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَانَا , وَنَسْأَلهُ أَنْ يَهَب لَنَا مِنْ لَدُنْه رَحْمَة إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّاب | . قَالَتْ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَلَا تُعَلِّمنِي دَعْوَة أَدْعُو بِهَا لِنَفْسِي ؟ قَالَ :| بَلَى , قُولِي : اللَّهُمَّ رَبّ النَّبِيّ مُحَمَّد , اِغْفِرْ لِي ذَنْبِي , وَأَذْهِبْ غَيْظ قَلْبِي , وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّات الْفِتَن . )5228 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِر أَنْ يَقُول : | يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك | ! فَقَالَ لَهُ بَعْض أَهْله : يُخَاف عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِك وَبِمَا جِئْت بِهِ ؟ قَالَ : | إِنَّ الْقَلْب بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن تَبَارَكَ وَتَعَالَى | )يَقُول بِهِ هَكَذَا ; وَحَرَّكَ أَبُو أَحْمَد أُصْبُعَيْهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّ الطُّوسِيّ وَسَقَ بَيْن أُصْبُعَيْهِ . 5229 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ أَنَس قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَقُول : | يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك | ! قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه قَدْ آمَنَّا بِك , وَصَدَّقْنَا بِمَا جِئْت بِهِ , فَيُخَاف عَلَيْنَا ؟ قَالَ : | نَعَمْ , إِنَّ الْقُلُوب بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع اللَّه يُقَلِّبهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )5230 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا بِشْر بْن بَكْر , وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن بِشْر جَمِيعًا , عَنْ اِبْن جَابِر , قَالَ : سَمِعْت بِشْر بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت أَبَا إِدْرِيس الْخَوْلَانِيّ يَقُول : سَمِعْت النَّوَّاس بْن سَمْعَان الْكِلَابِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا مِنْ قَلْب إِلَّا بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ , وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ | وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قُلُوبنَا عَلَى دِينك , وَالْمِيزَان بِيَدِ الرَّحْمَن يَرْفَع أَقْوَامًا وَيَخْفِض آخَرِينَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )5231 - حَدَّثَنِي عُمَر بْن عَبْد الْمَلِك الطَّائِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة , قَالَ : ثنا الْجَرَّاح بْن مَلِيح الْبَهْرَانِيّ , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ سَمُرَة بْن فَاتِك الْأَسَدِيّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْمَوَازِين بِيَدِ اللَّه يَرْفَع أَقْوَامًا وَيَضَع أَقْوَامًا , وَقَلْب اِبْن آدَم بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن , إِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ . )5232 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَهُ ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئ الْخَوْلَانِيّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ يَقُول سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص يَقُولهُ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ قُلُوب بَنِي آدَم كُلّهَا بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن كَقَلْبٍ وَاحِد يُصَرِّف كَيْفَ يَشَاء | ثُمَّ يَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | اللَّهُمَّ مُصَرِّف الْقُلُوب صَرِّفْ قُلُوبنَا إِلَى طَاعَتك . )5233 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ ثنا عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , قَالَ : ثنا شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت أُمّ سَلَمَة تُحَدِّث : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِر فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقُول : | اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينك | قَالَتْ . قُلْت يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّ الْقُلُوب لَتُقَلَّب ؟ قَالَ : | نَعَمْ , مَا مِنْ خَلْق اللَّه مِنْ بَنِي آدَم بَشَر إِلَّا أَنَّ قَلْبه بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع اللَّه إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ , فَنَسْأَل اللَّه رَبّنَا أَنْ لَا يُزِيغ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَانَا , وَنَسْأَلهُ أَنْ يَهَب لَنَا مِنْ لَدُنْه رَحْمَة إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّاب | .)

رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { رَبّنَا إِنَّك جَامِع النَّاس لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ إِنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا مَعَ قَوْلهمْ آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آي كِتَاب رَبّنَا كُلّ الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه الَّذِي فِيهِ مِنْ عِنْد رَبّنَا يَا رَبّنَا إِنَّك جَامِع النَّاس لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ , إِنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد . وَهَذَا مِنْ الْكَلَام الَّذِي اِسْتَغْنَى بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ عَمَّا تُرِكَ ذِكْره . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : رَبّنَا إِنَّك جَامِع النَّاس لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَاغْفِرْ لَنَا يَوْمئِذٍ , وَاعْفُ عَنَّا , فَإِنَّك لَا تُخْلِف وَعْدك , أَنَّ مَنْ آمَنَ بِك وَاتَّبَعَ رَسُولك . وَعَمِلَ بِاَلَّذِي أَمَرْته بِهِ فِي كِتَابك أَنَّك غَافِره يَوْمئِذٍ . وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ الْقَوْم مَسْأَلَة رَبّهمْ أَنْ يُثَبِّتهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن بَصِيرَتهمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ تَنْزِيله , حَتَّى يَقْبِضهُمْ عَلَى أَحْسَن أَعْمَالهمْ وَإِيمَانهمْ , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ وَجَبَتْ لَهُمْ الْجَنَّة , لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنْ عِبَاده أَنَّهُ يُدْخِلهُ الْجَنَّة , فَالْآيَة وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مَخْرَج الْخَبَر , فَإِنَّ تَأْوِيلهَا مِنْ الْقَوْم مَسْأَلَة وَدُعَاء وَرَغْبَة إِلَى رَبّهمْ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ } فَإِنَّهُ لَا شَكّ فِيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى صِحَّته فِيمَا مَضَى قَبْل . وَمَعْنَى قَوْله : { لِيَوْمٍ } فِي يَوْم , وَذَلِكَ يَوْم يَجْمَع اللَّه فِيهِ خَلْقه لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْنهمْ فِي مَوْقِف الْعَرْض وَالْحِسَاب , وَالْمِيعَاد : الْمِفْعَال مِنْ الْوَعْد .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا الْحَقّ الَّذِي قَدْ عَرَفُوهُ مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَمُنَافِقِيهِمْ , وَمُنَافِقِي الْعَرَب وَكُفَّارهمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ , فَهُمْ يَتَّبِعُونَ مِنْ كِتَاب اللَّه الْمُتَشَابِه اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله .|لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا| { لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ لَنْ تُنَجِّيهِمْ مِنْ عُقُوبَة اللَّه إِنْ أَحَلَّهَا بِهِمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا عَلَى تَكْذِيبهمْ بِالْحَقِّ بَعْد تَبَيُّنهمْ , وَاتِّبَاعهمْ الْمُتَشَابِه طَلَب اللَّبْس فَتَدْفَعهَا عَنْهُمْ , وَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْئًا .|وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ| { وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُود النَّار } يَعْنِي بِذَلِكَ حَطَبهَا .

كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَذَّبُوا بِآيَتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِذُنُوبِهِمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا عِنْد حُلُول عُقُوبَتنَا بِهِمْ , كَسُنَّةِ آل فِرْعَوْن وَعَادَتهمْ , وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا , فَأَخَذْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ حِين كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا , فَلَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا حِين جَاءَهُمْ بَأْسنَا كَاَلَّذِي عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَكْذِيبهمْ رَبّهمْ مِنْ قَبْل آل فِرْعَوْن مِنْ قَوْم نُوح وَقَوْم هُود وَقَوْم لُوط وَأَمْثَالهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كَسُنَّتِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5234 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } يَقُول : كَسُنَّتِهِمْ . )وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كَعَمَلِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5235 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان جَمِيعًا , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } قَالَ : كَعَمَلِ آل فِرْعَوْن . )5236 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر . عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } قَالَ : كَعَمَلِ آل فِرْعَوْن . )5237 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } قَالَ : كَفِعْلِهِمْ كَتَكْذِيبِهِمْ حِين كَذَّبُوا الرُّسُل . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } [40 31 ]أَنْ يُصِيبكُمْ مِثْل الَّذِي أَصَابَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَذَاب اللَّه . قَالَ : الدَّأْب : الْعَمَل . )5238 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد فِي قَوْله : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } قَالَ : كَفِعْلِ آل فِرْعَوْن , كَشَأْنِ آل فِرْعَوْن . )5239 - حَدَّثَنَا عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } قَالَ : كَصُنْعِ آل فِرْعَوْن . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كَتَكْذِيبِ آل فِرْعَوْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5240 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِذُنُوبِهِمْ } ذَكَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَفْعَال تَكْذِيبهمْ كَمَثَلِ تَكْذِيب الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فِي الْجُحُود وَالتَّكْذِيب . )وَأَصْل الدَّأْب مِنْ دَأَبْت فِي الْأَمْر دَأْبًا : إِذَا أَدْمَنْت الْعَمَل وَالتَّعَب فِيهِ . ثُمَّ إِنَّ الْعَرَب نَقَلَتْ مَعْنَاهُ إِلَى الشَّأْن وَالْأَمْر وَالْعَادَة , كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس بْن حُجْر : <br>وَإِنَّ شِفَائِي عِبْرَة مُهْرَاقَة .......... فَهَلْ عِنْد رَسْم دَارِس مِنْ مُعَوَّل <br><br>كَدَأْبِك مِنْ أُمّ حُوَيْرِث قَبْلهَا .......... وَجَارَتهَا أُمّ الرَّبَاب بِمَأْسَلِ <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ كَدَأْبِك : كَشَأْنِك وَأَمْرك وَفِعْلك , يُقَال مِنْهُ : هَذَا دَأْبِي وَدَأْبك أَبَدًا , يَعْنِي بِهِ . فِعْلِي وَفِعْلك وَأَمْرِي وَأَمْرك , وَشَأْنِي وَشَأْنك , يُقَال مِنْهُ : دَأَبْت دُؤُوبًا وَدَأْبًا . وَحَكَى عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : دَأَبْت دَأْبًا مُثَقَّله مُحَرَّكه الْهَمْزَة , كَمَا قِيلَ هَذَا شَعَرَ وَبَهَرَ , فَتَحَرَّكَ ثَانِيه لِأَنَّهُ حَرْف مِنْ الْحُرُوف السِّتَّة , فَأُلْحِقَ الدَّأْب إِذْ كَانَ ثَانِيه مِنْ الْحُرُوف السِّتَّة , كَمَا قَالَ . الشَّاعِر : <br>لَهُ نَعْل لَا يَطَّبِي الْكَلْب رِيحهَا .......... وَإِنْ وُضِعَتْ بَيْن الْمَجَالِس شُمَّتْ<br>|وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ|وَأَمَّا قَوْله { وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَاَللَّه شَدِيد عِقَابه لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُله بَعْد قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ .

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ سَيُغْلَبُونَ . وَاحْتَجُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ قِرَاءَة ذَلِكَ بِالتَّاءِ بِقَوْلِهِ : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ } [3 13 ]قَالُوا : فَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { سَتُغْلَبُونَ } كَذَلِكَ الْخِطَاب لَهُمْ وَذَلِكَ هُوَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَقَدْ يَجُوز لِمَنْ كَانَتْ نِيَّته فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الْمَوْعُودِينَ بِأَنْ يُغْلَبُوا هُمْ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُول ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَأهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاء , لِأَنَّ الْخِطَاب الْوَحْي حِين نَزَلَ لِغَيْرِهِمْ , فَيَكُون نَظِير قَوْل الْقَائِل فِي الْكَلَام : قُلْت لِلْقَوْمِ إِنَّكُمْ مَغْلُوبُونَ , وَقُلْت لَهُمْ إِنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَر لَكُمْ | وَهِيَ فِي قِرَاءَتنَا : { إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ } [8 38 ]وَقَرَأَتْ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : | سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ | عَلَى مَعْنَى : قُلْ لِلْيَهُودِ سَيُغْلَبُ مُشْرِكُو الْعَرَب وَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم . وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل لَمْ يُجِزْ فِي قِرَاءَته غَيْر الْيَاء . وَاَلَّذِي نَخْتَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّاءِ , بِمَعْنَى : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْ آي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك اِبْتِغَاء الْفِتْنَة وَابْتِغَاء تَأْوِيله , سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى قِرَاءَته بِالْيَاءِ لِدَلَالَةِ قَوْله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ } [3 13 ]عَلَى أَنَّهُمْ بِقَوْلِهِ سَتُغْلَبُونَ مُخَاطَبُونَ خِطَابهمْ بِقَوْلِهِ : قَدْ كَانَ لَكُمْ , فَكَانَ إِلْحَاق الْخِطَاب بِمِثْلِهِ مِنْ الْخِطَاب أَوْلَى مِنْ الْخِطَاب بِخِلَافِهِ مِنْ الْخَبَر عَنْ غَائِب . وَأُخْرَى أَنَّ : 5241 - أَبَا كُرَيْب حَدَّثَنَا , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا أَصَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْم بَدْر فَقَدِمَ الْمَدِينَة , جَمَعَ يَهُود فِي سُوق بَنِي قَيْنُقَاع فَقَالَ : | يَا مَعْشَر يَهُود , أَسْلِمُوا قَبْل أَنْ يُصِيبكُمْ مِثْل مَا أَصَابَ قُرَيْشًا | , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد لَا تَغُرَّنَّكَ نَفْسك إِنَّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْش كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَال , إِنَّك وَاَللَّه لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْت أَنَّا نَحْنُ النَّاس , وَأَنَّك لَمْ تَأْتِ مِثْلنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } إِلَى قَوْله : { لِأُولِي الْأَبْصَار } )5242 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا أَصَابَ اللَّه قُرَيْشًا يَوْم بَدْر , جَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُود فِي سُوق بَنِي قَيْنُقَاع حِين قَدِمَ الْمَدِينَة , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب , عَنْ يُونُس . 5243 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَانَ مِنْ أَمْر بَنِي قَيْنُقَاع أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاع , ثُمَّ قَالَ : | يَا مَعْشَر الْيَهُود اِحْذَرُوا مِنْ اللَّه مِثْل مَا أَنْزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النِّقْمَة , وَأَسْلِمُوا فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيّ مُرْسَل تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابكُمْ , وَعَهْد اللَّه إِلَيْكُمْ ! | فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنَّك تَرَى أَنَّا كَقَوْمك , لَا يَغُرَّنَّكَ أَنَّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْم لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْت فِيهِمْ فُرْصَة , إِنَّا وَاَللَّه لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنَّ أَنَّا نَحْنُ النَّاس ! )5244 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آل زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَا نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات إِلَّا فِيهِمْ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } إِلَى : { لِأُولِي الْأَبْصَار } )5245 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } قَالَ فِنْحَاص الْيَهُودِيّ فِي يَوْم بَدْر : لَا يَغُرَّنَّ مُحَمَّدًا أَنْ غَلَبَ قُرَيْشًا وَقَتَلَهُمْ , إِنَّ قُرَيْشًا لَا تُحْسِن الْقِتَال ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } )قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَكُلّ هَذِهِ الْأَخْبَار تُنْبِئ عَنْ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : { سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد } هُمْ الْيَهُود الْمَقُول لَهُمْ : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ } . .. الْآيَة , وَتَدُلّ عَلَى أَنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ بِالتَّاءِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَته بِالْيَاءِ . وَمَعْنَى قَوْله : { وَتُحْشَرُونَ } وَتُجْمَعُونَ فَتُجْلَبُونَ إِلَى جَهَنَّم . وَأَمَّا قَوْله : { وَبِئْسَ الْمِهَاد } وَبِئْسَ الْفِرَاش جَهَنَّم الَّتِي تُحْشَرُونَ إِلَيْهَا . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول كَاَلَّذِي : 5246 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَبِئْسَ الْمِهَاد } قَالَ : بِئْسَمَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله

قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْن } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ بَيْن ظَهْرَانَيْ بَلَدك : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة يَعْنِي عَلَامَة وَدَلَالَة عَلَى صِدْق مَا أَقُول إِنَّك سَتُغْلَبُونَ وَعِبْرَة , كَمَا : 5247 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة } عِبْرَة وَتَفَكُّر . )5248 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (وَمُتَفَكَّر { فِي فِئَتَيْنِ } يَعْنِي فِي فِرْقَتَيْنِ وَحِزْبَيْنِ . وَالْفِئَة : الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس اِلْتَقَتَا لِلْحَرْبِ , وَإِحْدَى الْفِئَتَيْنِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَة بَدْر , وَالْأُخْرَى مُشْرِكُو قُرَيْش , فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , جَمَاعَة تُقَاتِل فِي طَاعَة اللَّه وَعَلَى دِينه , وَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَأُخْرَى كَافِرَة وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش . )كَمَا : 5249 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ , { وَأُخْرَى كَافِرَة } فِئَة قُرَيْش الْكُفَّار . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 5250 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , { وَأُخْرَى كَافِرَة } قُرَيْش يَوْم بَدْر . )5251 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ } قَالَ : فِي مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَمُشْرِكِي قُرَيْش يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر , اِلْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّار . )وَرُفِعَتْ { فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } وَقَدْ قِيلَ قَبْل ذَلِكَ فِي فِئَتَيْنِ , بِمَعْنَى إِحْدَاهُمَا تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه عَلَى الِابْتِدَاء , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَكُنْت كَذِي رِجْلَيْنِ : رِجْل صَحِيحَة .......... وَرِجْل رَمَى فِيهَا الزَّمَان فَشُلَّتْ <br>وَكَمَا قَالَ اِبْن مُفْرِغ : <br>فَكُنْت كَذِي رِجْلَيْنِ : رِجْل صَحِيحَة .......... وَرِجْل بِهَا رَيْب مِنْ الْحَدَثَان <br><br>فَأَمَّا الَّتِي صَحَّتْ فَأَزْد شَنُوءَة .......... وَأَمَّا الَّتِي شُلَّتْ فَأَزْد عُمَان <br>وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ مُكَرَّر عَلَى نَظِير لَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْمُكَرَّر خَبَر تَرُدّهُ عَلَى إِعْرَاب الْأَوَّل مَرَّة وَتَسْتَأْنِفهُ ثَانِيَة بِالرَّفْعِ , وَتَنْصِبهُ فِي التَّامّ مِنْ الْفِعْل وَالنَّاقِص , وَقَدْ جَرّ ذَلِكَ كُلّه , فَخُفِضَ عَلَى الرَّدّ عَلَى أَوَّل الْكَلَام , كَأَنَّهُ يَعْنِي إِذَا خَفَضَ ذَلِكَ فَكُنْت كَذِي رِجْلَيْنِ كَذِي رِجْل صَحِيحَة وَرِجْل سَقِيمَة . وَكَذَلِكَ الْخَفْض فِي قَوْله : | فِئَة | , جَائِز عَلَى الرَّدّ عَلَى قَوْله : | فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا | , فِي فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّة , فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَة بِهِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافه , وَلَوْ كَانَ قَوْله : | فِئَة | جَاءَ نَصْبًا كَانَ جَائِزًا أَيْضًا عَلَى قَوْله : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ . <subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | تَرَوْنَهُمْ | بِالتَّاءِ , بِمَعْنَى : قَدْ كَانَ لَكُمْ أَيّهَا الْيَهُود آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا , فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , وَالْأُخْرَى كَافِرَة , تَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ رَأْي الْعَيْن . يُرِيد بِذَلِكَ عِظَتهمْ . يَقُول : إِنَّ لَكُمْ عِبْرَة أَيّهَا الْيَهُود فِيمَا رَأَيْتُمْ مِنْ قِلَّة عَدَد الْمُسْلِمِينَ , وَكَثْرَة عَدَد الْمُشْرِكِينَ , وَظَفَر هَؤُلَاءِ مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ بِهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ : { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى . يَرَى الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه الْجَمَاعَة الْكَافِرَة مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقَدْر . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قِرَاءَتهمْ : قَدْ كَانَ لَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود عِبْرَة وَمُتَفَكَّر فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا , فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , وَأُخْرَى كَافِرَة , يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي كَثْرَة عَدَدهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل . وَمَا وَجْه تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ , وَأَيّ الْفِئَتَيْنِ رَأَتْ صَاحِبَتهَا مِثْلَيْهَا ؟ الْفِتْنَة الْمُسْلِمَة هِيَ الَّتِي رَأَتْ الْمُشْرِكَة مِثْلَيْهَا , أَمْ الْمُشْرِكَة هِيَ الَّتِي رَأَتْ الْمُسْلِمَة كَذَلِكَ , أَمْ غَيْرهمَا رَأَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَلِكَ ؟ قِيلَ . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْفِئَة الَّتِي رَأَتْ الْأُخْرَى مِثْلَيْ أَنْفُسهَا الْفِئَة الْمُسْلِمَة , رَأَتْ عَدَد الْفِئَة الْمُشْرِكَة مِثْلَيْ عَدَد الْفِئَة الْمُسْلِمَة , قَلَّلَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَعْيُنهَا حَتَّى رَأَتْهَا مِثْلَيْ عَدَد أَنْفُسهَا , ثُمَّ قَلَّلَهَا فِي حَال أُخْرَى , فَرَأَتْهَا مِثْل عَدَد أَنْفُسهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2552 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ . ثنا عَمْرو , قَالَ . ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود . ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } قَالَ : هَذَا يَوْم بَدْر , قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : قَدْ نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ , فَرَأَيْنَاهُمْ يُضَعَّفُونَ عَلَيْنَا , ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ يَزِيدُونَ عَلَيْنَا رَجُلًا وَاحِدًا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلكُمْ فِي أَعْيُنهمْ } [8 44 ])فَمَعْنَى الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : قَدْ كَانَ لَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا : إِحْدَاهُمَا مُسْلِمَة , وَالْأُخْرَى كَافِرة , كَثِير عَدَد الْكَافِرَة , قَلِيل عَدَد الْمُسْلِمَة , تَرَى الْفِئَة الْقَلِيل عَدَدهَا , الْكَثِير عَدَدهَا أَمْثَالًا لَهَا أَنَّهَا تَكْثُرهَا مِنْ الْعَدَد بِمِثْلٍ وَاحِد , فَهُمْ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ , فَيَكُون أَحَد الْمِثْلَيْنِ عِنْد ذَلِكَ , الْعَدَد الَّذِي هُوَ مِثْل عَدَد الْفِئَة الَّتِي رَأَتْهُمْ , وَالْمِثْل الْآخَر : الضِّعْف الزَّائِد عَلَى عَدَدهمْ , فَهَذَا أَحَد مَعْنَيَيْ التَّقْلِيل الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنهمْ , وَالْمَعْنَى الْآخَر مِنْهُ : لِلدَّلِيلِ الثَّانِي عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن مَسْعُود , وَهُوَ أَنْ أَرَاهُمْ عَدَد الْمُشْرِكِينَ مِثْل عَدَدهمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ , فَذَلِكَ التَّقْلِيل الثَّانِي الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا } [8 38 ]وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : إِنَّ الَّذِينَ رَأَوْا الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ أَنْفُسهمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ , غَيْر أَنَّ الْمُسْلِمِينَ رَأَوْهُمْ عَلَى مَا كَانُوا بِهِ مِنْ عَدَدهمْ , لَمْ يُقَلَّلُوا فِي أَعْيُنهمْ , وَلَكِنَّ اللَّه أَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ . قَالُوا : وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْيَهُودِ : قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ عِبْرَة ; يُخَوِّفهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مِنْهُمْ , مِثْل الَّذِي حَلَّ بِأَهْلِ بَدْر عَلَى أَيْدِيهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5253 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرَة } أُنْزِلَتْ فِي التَّخْفِيف يَوْم بَدْر , فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوْمئِذٍ ثَلَاثمِائَةِ وَثَلَاثَة عَشَر رَجُلًا , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِثْلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ سِتَّة وَعِشْرِينَ وَسِتّمِائَةٍ , فَأَيَّدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , فَكَانَ هَذَا الَّذِي فِي التَّخْفِيف عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . )وَهَذِهِ الرِّوَايَة خِلَاف مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ عِدَّة الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , وَذَلِكَ أَنَّ النَّاس إِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي عَدَدهمْ عَلَى وَجْهَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ عَدَدهمْ أَلْفًا , وَقَالَ بَعْضهمْ : مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف . ذِكْر مَنْ قَالَ كَانَ عَدَدهمْ أَلْفًا : 5254 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ حَارِثَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (سَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر , فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا , فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ , مِنْهُمْ رَجُل مِنْ قُرَيْش , وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْن أَبِي مُعَيْط ; فَأَمَّا الْقُرَشِيّ فَانْفَلَتَ , وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَة , فَأَخَذْنَاهُ , فَجَعَلْنَا نَقُول : كَمْ الْقَوْم ؟ فَيَقُول : هُمْ وَاَللَّه كَثِير شَدِيد بَأْسهمْ . فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ صَدَّقُوهُ , حَتَّى اِنْتَهَوْا بِهِ إِلَى رَسُول اللَّه , فَقَالَ لَهُ : | كَمْ الْقَوْم ؟ | فَقَالَ : هُمْ وَاَللَّه كَثِير شَدِيد بَأْسهمْ . فَجَهِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُخْبِرهُمْ كَمْ هُمْ , فَأَبَى . ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ : | كَمْ تَنْحَرُونَ مِنْ الْجَزُر ؟ | قَالَ : عَشَرَة كُلّ يَوْم . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الْقَوْم أَلْف . )5255 - حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد بْن يُوشَع الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ - يَعْنِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر - فَقُلْنَا : كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ : أَلْفًا . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانَ عَدَدهمْ مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف : 5256 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثني يَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر قَالَ : (بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابه إِلَى مَاء بَدْر يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر لَهُ عَلَيْهِ , فَأَصَابُوا رَاوِيَة مِنْ قُرَيْش فِيهَا أَسْلَم غُلَام بَنِي الْحَجَّاج , وَعَرِيض أَبُو يَسَار غُلَام بَنِي الْعَاص , فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا : | كَمْ الْقَوْم ؟ | قَالَا : كَثِير . قَالَ : | مَا عِدَّتهمْ ؟ | قَالَا : لَا نَدْرِي . قَالَ :| كَمْ تَنْحَرُونَ كُلّ يَوْم ؟ | قَالَا : يَوْمًا تِسْعًا وَيَوْمًا عَشْرًا , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الْقَوْم مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف . )5257 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } ذَلِكُمْ يَوْم بَدْر أَلْف الْمُشْرِكُونَ , أَوْ قَارَبُوا , وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا . )5258 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة } إِلَى قَوْله : { رَأْي الْعَيْن } قَالَ : يُضَعَّفُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ يَوْم بَدْر . )5259 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ تِسْعمِائَةٍ وَخَمْسِينَ , وَكَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَةٍ وَثَلَاثَة عَشَر . )5260 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : (قَالَ اِبْن جُرَيْج , كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَر , وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف . )فَكُلّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مُخَالِفُونَ الْقَوْل الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي عَدَد الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر . فَإِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَاهُ مِمَّنْ ذُكِرَ أَنَّ عَدَدهمْ كَانَ زَائِدًا عَلَى التِّسْعمِائَةِ , فَالتَّأْوِيل الْأَوَّل الَّذِي قُلْنَاهُ عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي رَوَيْنَا عَنْ اِبْن مَسْعُود أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ عَدَد الْمُشْرِكِينَ زَائِدًا عَلَى التِّسْعمِائَةِ , فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ عَدَدهمْ عَلَى غَيْر مَا كَانُوا بِهِ مِنْ الْعَدَد , وَقَالُوا : أَرَى اللَّه الْمُسْلِمِينَ عَدَد الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا آيَة لِلْمُسْلِمِينَ . قَالُوا : وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ } الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة فِي فِئَتَيْنِ } قَالُوا : وَهُمْ الْيَهُود غَيْر أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُخَاطَبَة إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , لِأَنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول ذَلِكَ لَهُمْ , فَحَسُنَ أَنْ يُخَاطِب مَرَّة وَيُخْبِر عَنْهُمْ عَلَى وَجْه الْخَبَر مَرَّة أُخْرَى , كَمَا قَالَ : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة } [10 22 ]وَقَالُوا : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل . فَكَيْفَ قِيلَ : { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْي الْعَيْن } وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمئِذٍ ثَلَاثَة أَمْثَال الْمُسْلِمِينَ ؟ قُلْنَا لَهُمْ : كَمَا يَقُول الْقَائِل وَعِنْده عَبْد : أَحْتَاج إِلَى مِثْله , أَنَا مُحْتَاج إِلَيْهِ وَإِلَى مِثْله , ثُمَّ يَقُول : أَحْتَاجَ إِلَى مِثْلَيْهِ , فَيَكُون ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَاجَته إِلَى مِثْله وَإِلَى مِثْلَيْ ذَلِكَ الْمِثْل , وَكَمَا يَقُول الرَّجُل . مَعِي أَلْف وَأَحْتَاج إِلَى مِثْلَيْهِ , فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة ; فَلَمَّا نَوَى أَنْ يَكُون الْأَلْف دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْمِثْل . صَارَ الْمِثْل أَشْرَف وَالِاثْنَانِ ثَلَاثَة , قَالَ : وَمِثْله فِي الْكَلَام : أَرَاكُمْ مِثْلكُمْ , كَمَا يُقَال : إِنَّ لَكُمْ ضِعْفكُمْ , وَأَرَاكُمْ مِثْلَيْكُمْ , يَعْنِي أَرَاكُمْ ضِعْفَيْكُمْ , قَالُوا : فَهَذَا عَلَى مَعْنَى ثَلَاثَة أَمْثَالهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ اللَّه أَرَى الْفِئَة الْكَافِرَة عَدَد الْفِئَة الْمُسْلِمَة مِثْلَيْ عَدَدهمْ . وَهَذَا أَيْضًا خِلَافه مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي كِتَابه : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ أَلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلكُمْ فِي أَعْيُنهمْ } [8 44 ]فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قُلِّلَ عَدَدهمْ فِي مَرْأَى الْأُخْرَى . وَقَرَأَ آخَرُونَ ذَلِكَ : | تُرَوْنَهُمْ | بِضَمِّ التَّاء , بِمَعْنَى : يُرِيكُمُوهُمْ اللَّه مِثْلَيْهِمْ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { يَرَوْنَهُمْ } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : وَأُخْرَى كَافِرَة , يَرَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ , يَعْنِي . مِثْلَيْ عَدَد الْمُسْلِمِينَ . لِتَقْلِيلِ اللَّه إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنهمْ فِي حَال , فَكَانَ حَزْرهمْ إِيَّاهُمْ كَذَلِكَ , ثُمَّ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنهمْ عَنْ التَّقْلِيل الْأَوَّل , فَحَزَرُوهُمْ مِثْل عَدَد الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ تَقْلِيلًا ثَالِثًا , فَحَزَرُوهُمْ أَقَلّ مِنْ عَدَد الْمُسْلِمِينَ . كَمَا : 5261 - حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُننَا يَوْم بَدْر حَتَّى قُلْت لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي : تُرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ : أُرَاهُمْ مِائَة . قَالَ : فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ , فَقُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ : أَلْفًا . )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَة (أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَوْ كَانَتْ | تُرَوْنَهُمْ | , لَكَانَتْ | مِثْلَيْكُمْ . )5262 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , عَنْ اِبْن الْمَعْرَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة بِذَلِكَ . فَفِي الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود مَا أَبَانَ عَنْ اِخْتِلَاف حَزْر الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ عَدَد الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَوْقَات الْمُخْتَلِفَة , فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ - عَمَّا كَانَ مِنْ اِخْتِلَاف أَحْوَال عَدَدهمْ عِنْد الْمُسْلِمِينَ - الْيَهُود عَلَى مَا كَانَ بِهِ عِنْدهمْ , مَعَ عِلْم الْيَهُود بِمَبْلَغِ عَدَد الْفِئَتَيْنِ , إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ مُؤَيِّد الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ , لِئَلَّا يَغْتَرُّوا بِعَدَدِهِمْ وَبَأْسهمْ , وَلِيَحْذَرُوا مِنْهُ أَنْ يُحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , مِثْل الَّذِي أَحَلَّ بِأَهْلِ الشِّرْك بِهِ مِنْ قُرَيْش عَلَى أَيْدِيهمْ بِبَدْرِهِمْ . وَأَمَّا قَوْله : { رَأْي الْعَيْن } فَإِنَّهُ مَصْدَر رَأَيْته , يُقَال : رَأَيْته رَأْيًا وَرُؤْيَة , وَرَأَيْت فِي الْمَنَام رُؤْيَا حَسَنَة غَيْر مُجْرَاة , يُقَال : هُوَ مِنِّي رَأْي الْعَيْن وَرَأْي الْعَيْن بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع , يُرَاد حَيْثُ يَقَع عَلَيْهِ بَصَرِي , وَهُوَ مِنْ الرَّائِي مِثْله , وَالْقَوْم رَأَوْا إِذَا جَلَسُوا حَيْثُ يَرَى بَعْضهمْ بَعْضًا . فَمَعْنَى ذَلِكَ : يَرَوْنَهُمْ حَيْثُ تَلْحَقهُمْ أَبْصَارهمْ , وَتَرَاهُمْ عُيُونهمْ مِثْلَيْهِمْ .|وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُؤَيِّد بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة لِأُولِي الْأَبْصَار } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه يُؤَيِّد } يُقَوِّي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ أَيَّدْت فُلَانًا بِكَذَا : إِذَا قَوَّيْته وَأَعَنْته , فَأَنَا أُؤَيِّدهُ تَأْيِيدًا , وَ | فَعَلْت | مِنْهُ : إِدْتُهُ فَأَنَا أَئِيدُهُ أَيْدًا ; وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَاذْكُرْ عَبْدنَا دَاوُد ذَا الْأَيْد } [38 17 ]يَعْنِي ذَا الْقُوَّة . وَتَأْوِيل الْكَلَام : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة يَا مَعْشَر الْيَهُود فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا : إِحْدَاهُمَا تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , وَأُخْرَى كَافِرَة , يَرَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ رَأْي أَعْيُنهمْ , فَأَيَّدْنَا الْمُسْلِمَة وَهُمْ قَلِيل عَدَدهمْ , عَلَى الْكَافِرَة وَهُمْ كَثِير عَدَدهمْ حَتَّى ظَفِرُوا بِهِمْ مُعْتَبَر وَمُتَفَكَّر , وَاَللَّه يُقَوِّي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ فِي ذَلِكَ : يَعْنِي إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ مِنْ تَأْيِيدنَا الْفِئَة الْمُسْلِمَة مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ , عَلَى الْفِئَة الْكَافِرَة مَعَ كَثْرَة عَدَدهَا { لَعِبْرَة } يَعْنِي لَمُتَفَكَّرًا وَمُتَّعَظًا لِمَنْ عَقَلَ وَادَّكَرَ فَأَبْصَرَ الْحَقّ . كَمَا : 5263 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَة لِأُولِي الْأَبْصَار } يَقُول : لَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ عِبْرَة وَتَفَكُّر , أَيَّدَهُمْ اللَّه وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوّهُمْ . )5264 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع مِثْله .

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : زُيِّنَ لِلنَّاسِ مَحَبَّة مَا يَشْتَهُونَ مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَسَائِر مَا عُدَّ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَوْبِيخ الْيَهُود الَّذِينَ آثَرُوا الدُّنْيَا وَحُبّ الرِّيَاسَة فِيهَا عَلَى اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ . وَكَانَ الْحَسَن يَقُول : مَنْ زَيَّنَهَا مَا أَحَد أَشَدّ لَهَا ذَمًّا مِنْ خَالِقهَا . 5265 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن حَازِم : قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْعَث , عَنْهُ . 5266 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي بَكْر بْن حَفْص بْن عُمَر بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ عُمَر : (لَمَّا نَزَلَ : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات } قُلْت : الْآن يَا رَبّ حِين زَيَّنْتهَا لَنَا ! فَنَزَلَتْ : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . .. الْآيَة . [3 15 ])وَأَمَّا الْقَنَاطِير : فَإِنَّهَا جَمْع الْقِنْطَار . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ الْقِنْطَار , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَلْف وَمِائَتَا أُوقِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5267 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف وَمِائَتَا أُوقِيَّة . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو حُصَيْن , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مُعَاذ , مِثْله . 5268 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا , يَعْنِي حَفْص بْن مَيْسَرَة , عَنْ أَبِي مَرْوَان , عَنْ أَبِي طَيْبَة , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف وَمِائَتَا أُوقِيَّة . )5269 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا قَاسِم بْن مَالِك الْمُزَنِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف وَمِائَتَا أُوقِيَّة . )5270 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , مِثْله . 5271 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى الصِّدِّيق , قَالَ : ثنا شَبَابَة , قَالَ : ثنا مَخْلَد بْن عَبْد الْوَاحِد , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ عَطَاء بْن أَبَى مَيْمُونَة , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :| الْقِنْطَار أَلْف أُوقِيَّة وَمِائَتَا أُوقِيَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْقِنْطَار : أَلْف دِينَار وَمِائَتَا دِينَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5272 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا يُونُس عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الْقِنْطَار أَلْف وَمِائَتَا دِينَار . )5273 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف وَمِائَتَا دِينَار . )5274 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (الْقِنْطَار أَلْف وَمِائَتَا دِينَار , وَمِنْ الْفِضَّة أَلْف وَمِائَتَا مِثْقَال . )5275 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : (الْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة , يَعْنِي : الْمَال الْكَثِير مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَالْقِنْطَار : أَلْف وَمِائَتَا دِينَار , وَمِنْ الْفِضَّة : أَلْف وَمِائَتَا مِثْقَال . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْقِنْطَار : اِثْنَا عَشَر أَلْف دِرْهَم , أَوْ أَلْف دِينَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5276 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْقِنْطَار : اِثْنَا عَشَر أَلْف دِرْهَم , أَوْ أَلْف دِينَار . )5277 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف دِينَار , وَمِنْ الْوَرِق : اِثْنَا عَشَر أَلْف دِرْهَم . )5278 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : (أَنَّ الْقِنْطَار اِثْنَا عَشَر أَلْفًا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنْ الْحَسَن : (الْقِنْطَار : اِثْنَا عَشَر أَلْفًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن : (اِثْنَا عَشَر أَلْفًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن بِمِثْلٍ . 5279 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (الْقِنْطَار : أَلْف دِينَار , دِيَة أَحَدكُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ ثَمَانُونَ أَلْفًا مِنْ الدَّرَاهِم , أَوْ مِائَة رِطْل مِنْ الذَّهَب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5280 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (الْقِنْطَار , ثَمَانُونَ أَلْفًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (الْقِنْطَار : ثَمَانُونَ أَلْفًا . )5281 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْقِنْطَار مِائَة رِطْل مِنْ ذَهَب , أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفًا مِنْ الْوَرِق . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (الْقِنْطَار : مِائَة رِطْل مِنْ ذَهَب , أَوْ ثَمَانُونَ أَلْف دِرْهَم مِنْ وَرِق . )5282 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : (الْقِنْطَار : مِائَة رِطْل . )5283 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (الْقِنْطَار يَكُون مِائَة رِطْل , وَهُوَ ثَمَانِيَة آلَاف مِثْقَال . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْقِنْطَار سَبْعُونَ أَلْفًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5284 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { الْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة } قَالَ : الْقِنْطَار : سَبْعُونَ أَلْف دِينَار . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5285 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : (سُئِلَ اِبْن عُمَر عَنْ الْقِنْطَار , فَقَالَ : سَبْعُونَ أَلْفًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مِلْء مَسْك ثَوْر ذَهَبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5286 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَالِم بْن نُوح , قَالَ : ثنا سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي نَضْرَة , قَالَ : (مِلْء مَسْك ثَوْر ذَهَبًا . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْعَث , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ : (مِلْء مَسْك ثَوْر ذَهَبًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمَال الْكَثِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5287 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : ( { الْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة } الْمَال الْكَثِير بَعْضه عَلَى بَعْض . )وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب أَنَّ الْعَرَب لَا تَحُدّ الْقِنْطَار بِمِقْدَارٍ مَعْلُوم مِنْ الْوَزْن , وَلَكِنَّهَا تَقُول : هُوَ قَدْر وَوَزْن . وَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا قَدْره عِنْدهَا لَمْ يَكُنْ بَيْن مُتَقَدِّمِي أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ كُلّ هَذَا الِاخْتِلَاف . فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : هُوَ الْمَال الْكَثِير , كَمَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَلَا يَحُدّ قَدْر وَزْنه بِحَدٍّ عَلَى تَعَنُّف , وَقَدْ قِيلَ مَا قِيلَ مِمَّا رَوَيْنَا . وَأَمَّا الْمُقَنْطَرَة : فَهِيَ الْمُضَعَّفَة , وَكَأَنَّ الْقَنَاطِير ثَلَاثَة وَالْمُقَنْطَرَة تِسْعَة , وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْمَال الْكَثِير بَعْضه عَلَى بَعْض . كَمَا : 5288 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (الْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة : وَالْمُقَنْطَرَة الْمَال الْكَثِير بَعْضه عَلَى بَعْض . )5289 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { الْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة } يَعْنِي الْمَال الْكَثِير مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْمُقَنْطَرَة : الْمَضْرُوبَة دَرَاهِم أَوْ دَنَانِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5290 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا قَوْله : { الْمُقَنْطَرَة } فَيَقُول : الْمَضْرُوبَة حَتَّى صَارَتْ دَنَانِير أَوْ دَرَاهِم . )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } [4 20 ]خَبَر لَوْ صَحَّ سَنَده لَمْ نَعُدّهُ إِلَى غَيْره , وَذَلِكَ مَا : 5291 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثني عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثني أَبَان بْن أَبِي عَيَّاش وَحُمَيْد الطَّوِيل , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } قَالَ : | أَلْفَا مِئِين | . يَعْنِي أَلْفَيْنِ .)|وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْمُسَوَّمَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الرَّاعِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5292 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : (الْخَيْل الْمُسَوَّمَة , قَالَ : الرَّاعِيَة الَّتِي تَرْعَى . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : (هِيَ الرَّاعِيَة , يَعْنِي السَّائِمَة . )5293 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : (سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى يَقُول : الرَّاعِيَة . )5294 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : الرَّاعِيَة . )5295 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } الْمُسَوَّمَة فِي الرَّعْي . )5296 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : الْخَيْل الرَّاعِيَة . )5297 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (الْخَيْل الرَّاعِيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُسَوَّمَة : الْحِسَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5298 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : (الْمُسَوَّمَة : الْمُطَهَّمَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : الْمُطَهَّمَة الْحِسَان . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ثنا عِيسَى . عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : الْمُطَهَّمَة حُسْنًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ مُجَاهِد : (الْمُطَهَّمَة . )5299 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِي , قَالَ ثنا سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ بَشِير بْن أَبِي عَمْرو الْخَوْلَانِيّ , قَالَ : (سَأَلْت عِكْرِمَة عَنْ الْخَيْل الْمُسَوَّمَة , قَالَ : تَسْوِيمهَا : حُسْنهَا . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ بَشِير بْن أَبِي عَمْرو الْخَوْلَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : ( { الْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : تَسْوِيمهَا : الْحُسْن . )5300 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة وَالْأَنْعَام } الرَّائِعَة . )وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمْرو بْن حَمَّاد غَيْر مُوسَى , قَالَ : (الرَّاعِيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : { الْخَيْل الْمُسَوَّمَة } الْمُعَلَّمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5301 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } يَعْنِي : الْمُعَلَّمَة . )5302 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } وَسِيمَاهَا شِيَتهَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : شِيَة الْخَيْل فِي وُجُوههَا . )وَقَالَ غَيْرهمْ : الْمُسَوَّمَة : الْمُعَدَّة لِلْجِهَادِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5303 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } قَالَ : الْمُعَدَّة لِلْجِهَادِ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة } الْمُعَلَّمَة بِالشِّيَاتِ الْحِسَان الرَّائِعَة حُسْنًا مَنْ رَآهَا , لِأَنَّ التَّسْوِيم . فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْإِعْلَام , فَالْخَيْل الْحِسَان مُعَلَّمَة بِإِعْلَامِ إِيَّاهَا بِالْحُسْنِ مِنْ أَلْوَانهَا وَشِيَاتهَا وَهَيْئَاتهَا , وَهِيَ الْمُطَهَّمَة أَيْضًا , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان فِي صِفَة الْخَيْل : <br>بِسُمْرٍ كَالْقِدَاحِ مُسَوَّمَات .......... عَلَيْهَا مَعْشَر أَشْبَاه جِنّ <br>يَعْنِي بِالْمُسَوَّمَاتِ : الْمُعَلَّمَات ; وَقَوْل لَبِيد : <br>وَغَدَاة قَاع الْقَرْنَتَيْنِ أَتَيْنَهُمْ .......... زَجَلًا يَلُوح خِلَالهَا التَّسْوِيم <br>فَمَعْنَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : الْمُطَهَّمَة , وَالْمُعَلَّمَة , وَالرَّائِعَة وَاحِد . وَأَمَّا قَوْل مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى الرَّاعِيَة فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى قَوْل الْقَائِل : أَسَمْت الْمَاشِيَة فَأَنَا أُسِيمهَا إِسَامَة : إِذَا رَعَيْتهَا الْكَلَأ وَالْعُشْب , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْهُ شَجَر فِيهِ تُسِيمُونَ } [16 10 ]بِمَعْنَى تَرْعَوْنَ , وَمِنْهُ قَوْل الْأَخْطَل : <br>مِثْل اِبْن بَزْعَة أَوْ كَآخَرَ مِثْله .......... أَوْلَى لَك اِبْن مُسِيمَة الْأَجْمَال <br>يَعْنِي بِذَلِكَ رَاعِيَة الْأَجْمَال , فَإِذَا أُرِيد أَنَّ الْمَاشِيَة هِيَ الَّتِي رَعَتْ , قِيلَ : سَامَتْ الْمَاشِيَة تَسُوم سَوْمًا , وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِبِل سَائِمَة , بِمَعْنَى رَاعِيَة , غَيْر أَنَّهُ مُسْتَفِيض فِي كَلَامهمْ سَوَّمْت الْمَاشِيَة , بِمَعْنَى أَرْعَيْتهَا , وَإِنَّمَا يُقَال إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ : أَسَمْتهَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَوْجِيه تَأْوِيل الْمُسَوَّمَة إِلَى أَنَّهَا الْمُعَلَّمَة بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرهَا أَصَحّ . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد مِنْ أَنَّهَا الْمُعَدَّة فِي سَبِيل اللَّه , فَتَأْوِيل مِنْ مَعْنَى الْمُسَوَّمَة بِمَعْزِلٍ .|وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْأَنْعَام وَالْحَرْث } </subtitle>فَالْأَنْعَام جَمْع نَعَم : وَهِيَ الْأَزْوَاج الثَّمَانِيَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابه مِنْ الضَّأْن وَالْمَعْز وَالْبَقَر وَالْإِبِل . وَأَمَّا الْحَرْث : فَهُوَ الزَّرْع . وَتَأْوِيل الْكَلَام : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات مِنْ النِّسَاء وَمِنْ الْبَنِينَ , وَمِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا , وَمِنْ الْأَنْعَام وَالْحَرْث .|ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ذَلِكَ جَمِيع مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ , وَالْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة , وَالْأَنْعَام وَالْحَرْث , فَكَنَّى بِقَوْلِهِ | ذَلِكَ | عَنْ جَمْعهنَّ , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ | ذَلِكَ | يَشْتَمِل عَلَى الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة الْمُخْتَلِفَة الْمَعَانِي , وَيُكَنَّى بِهِ عَنْ جَمِيع ذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله : { مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كُلّه مِمَّا يَسْتَمْتِع بِهِ فِي الدُّنْيَا أَهْلهَا أَحْيَاء , فَيَتَبَلَّغُونَ بِهِ فِيهَا , وَيَجْعَلُونَهُ وَصْلَة فِي مَعَايِشهمْ , وَسَبَبًا لِقَضَاءِ شَهَوَاتهمْ , الَّتِي زُيِّنَ لَهُمْ حُبّهَا , فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ , دُون أَنْ يَكُون عُدَّة لِمَعَادِهِمْ , وَقُرْبَة لَهُمْ إِلَى رَبّهمْ , إِلَّا مَا أَسْلَكَ فِي سَبِيله , وَأَنْفَقَ مِنْهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ .|وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَعِنْد اللَّه حُسْن الْمَآب , يَعْنِي حُسْن الْمَرْجِع . كَمَا : 5304 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب } يَقُول : حُسْن الْمُنْقَلَب , وَهِيَ الْجَنَّة . )وَهُوَ مَصْدَر عَلَى مِثَال مَفْعَل , مِنْ قَوْل الْقَائِل : آبَ الرَّجُل إِلَيْنَا : إِذَا رَجَعَ , فَهُوَ يَئُوب إِيَابًا وَأَوْبَة وَأَيْبَة وَمَآبًا , غَيْر أَنَّ مَوْضِع الْفَاء مِنْهَا مَهْمُوز , وَالْعَيْن مُبْدَلَة مِنْ الْوَاو إِلَى الْأَلِف بِحَرَكَتِهَا إِلَى الْفَتْح , فَلَمَّا كَانَ حَظّهَا الْحَرَكَة إِلَى الْفَتْح , وَكَانَتْ حَرَكَتهَا مَنْقُولَة إِلَى الْحَرْف الَّذِي قَبْلهَا وَهُوَ فَاء الْفِعْل اِنْقَلَبَتْ فَصَارَتْ أَلِفًا , كَمَا قِيلَ : قَالَ : فَصَارَتْ عَيْن الْفِعْل أَلِفًا , لِأَنَّ حَظّهَا الْفَتْح وَالْمَآب , مِثْل الْمَقَال وَالْمَعَاد وَالْمَحَال , كُلّ ذَلِكَ مَفْعَل , مَنْقُولَة حَرَكَة عَيْنه إِلَى فَائِهِ , فَتَصِير وَاوه أَوْ يَاؤُهُ أَلِفًا لِفَتْحَةِ مَا قَبْلهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب } وَقَدْ عَلِمْت مَا عِنْده يَوْمئِذٍ مِنْ أَلِيم الْعَذَاب وَشَدِيد الْعِقَاب ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ خَاصّ مِنْ النَّاس , وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ , وَقَدْ أَنْبَأَنَا عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا . فَإِنْ قَالَ : وَمَا حُسْن الْمَآب ؟ قِيلَ : هُوَ مَا وَصَفَهُ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَهُوَ الْمَرْجِع إِلَى جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار مُخَلَّدًا فِيهَا , وَإِلَى أَزْوَاج مُطَهَّرَة وَرِضْوَان مِنْ اللَّه .

قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاج مُطَهَّرَة } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّاسِ الَّذِينَ زُيِّنَ لَهُمْ حُبّ الشَّهَوَات , مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ , وَسَائِر مَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَؤُنَبِّئُكُمْ } أَأُخْبِرُكُمْ وَأُعْلِمكُمْ { بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } يَعْنِي بِخَيْرٍ وَأَفْضَل لَكُمْ . { مِنْ ذَلِكُمْ } يَعْنِي مِمَّا زُيِّنَ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا حُبّ شَهْوَته مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِير الْمُقَنْطَرَة مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَأَنْوَاع الْأَمْوَال الَّتِي هِيَ مَتَاع الدُّنْيَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَوْضِع الَّذِي تَنَاهَى إِلَيْهِ الِاسْتِفْهَام مِنْ هَذَا الْكَلَام , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَنَاهَى ذَلِكَ عِنْد قَوْله : { مِنْ ذَلِكُمْ } ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَمَّا { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ } فَقِيلَ : لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا , فَلِذَلِكَ رُفِعَ | الْجَنَّات | . وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل , لَمْ يُجِزْ فِي قَوْله : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } إِلَّا الرَّفْع , وَذَلِكَ أَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَإٍ غَيْر مَرْدُود عَلَى قَوْله بِخَيْرٍ , فَيَكُون الْخَفْض فِيهِ جَائِزًا . وَهُوَ وَإِنْ كَانَ خَبَر مُبْتَدَأ عِنْدهمْ , فَفِيهِ إِبَانَة عَنْ مَعْنَى الْخَيْر الَّذِي أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لِلنَّاسِ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِهِ ؟ وَالْجَنَّات عَلَى هَذَا الْقَوْل مَرْفُوعَة بِاللَّامِ الَّتِي فِي قَوْله : { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْقَوْل , إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ جُعِلَتْ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله | لِلَّذِينَ | مِنْ صِلَة الْإِنْبَاء جَازَ فِي الْجَنَّات الْخَفْض وَالرَّفْع : الْخَفْض عَلَى الرَّدّ عَلَى | الْخَيْر | , وَالرَّفْع عَلَى أَنْ يَكُون قَوْله : { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا } خَبَر مُبْتَدَإٍ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مُنْتَهَى الِاسْتِفْهَام قَوْله : { عِنْد رَبّهمْ } ثُمَّ اِبْتَدَأَ : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } وَقَالُوا : تَأْوِيل الْكَلَام : قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ ؟ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ , ثُمَّ كَأَنَّهُ قِيلَ : مَاذَا لَهُمْ , أَوْ مَا ذَاكَ ؟ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُقَال : مَاذَا لَهُمْ أَوْ مَا ذَاكَ ؟ فَقَالَ : هُوَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار . .. الْآيَة . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ جَعَلَ الِاسْتِفْهَام مُتَنَاهِيًا عِنْد قَوْله : { بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } وَالْخَبَر بَعْده مُبْتَدَأ عَمَّنْ لَهُ الْجَنَّات بِقَوْلِهِ : { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ جَنَّات } فَيَكُون مَخْرَج ذَلِكَ مَخْرَج الْخَبَر , وَهُوَ إِبَانَة عَنْ مَعْنَى الْخَيْر الَّذِي قَالَ : أُنَبِّئكُمْ بِهِ ؟ فَلَا يَكُون بِالْكَلَامِ حِينَئِذٍ حَاجَة إِلَى ضَمِير . قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : وَأَمَّا قَوْله : { خَالِدِينَ فِيهَا } فَمَنْصُوب عَلَى الْقَطْع ; وَمَعْنَى قَوْله : { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا } لِلَّذِينَ خَافُوا اللَّه فَأَطَاعُوهُ , بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه . { عِنْد رَبّهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار عِنْد رَبّهمْ , وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالشَّوَاهِدِ فِيمَا مَضَى , وَأَنَّ قَوْله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَعْنِي بِهِ : مِنْ تَحْت الْأَشْجَار , وَأَنَّ الْخُلُود فِيهَا دَوَام الْبَقَاء فِيهَا , وَأَنَّ الْأَزْوَاج الْمُطَهَّرَة : هُنَّ نِسَاء الْجَنَّة اللَّوَاتِي طَهُرْنَ مِنْ كُلّ أَذًى يَكُون بِنِسَاءِ أَهْل الدُّنْيَا مِنْ الْحَيْض وَالْمَنِيّ وَالْبَوْل وَالنِّفَاس وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى , بِمَا أَغْنَى مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ|وَقَوْله : { وَرِضْوَان مِنْ اللَّه } يَعْنِي . وَرِضَا اللَّه , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَضِيَ اللَّه عَنْ فُلَان , فَهُوَ يَرْضَى عَنْهُ رِضًا مَنْقُوص , وَرِضْوَانًا وَرُضْوَانًا وَمَرْضَاة . فَأَمَّا الرُّضْوَان بِضَمِّ الرَّاء فَهُوَ لُغَة قَيْس , وَبِهِ كَانَ عَاصِم يَقْرَأ . وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَا ذَكَرَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْده مِنْ الْخَيْر . رِضْوَانه , لِأَنَّ رِضْوَانه أَعْلَى مَنَازِل كَرَامَة أَهْل الْجَنَّة . كَمَا : 5305 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثني أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أُعْطِيكُمْ أَفْضَل مِنْ هَذَا ! فَيَقُولُونَ : أَيْ رَبّنَا أَيّ شَيْء أَفْضَل مِنْ هَذَا ؟ قَالَ . رِضْوَانِي .)|وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ|وَقَوْله : { وَاَللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } يَعْنِي بِذَلِكَ , وَاَللَّه ذُو بَصَر بِاَلَّذِي يَتَّقِيه مِنْ عِبَاده , فَيَخَافهُ فَيُطِيعهُ , وَيُؤْثِر مَا عِنْده مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْهُ عَلَى حُبّ مَا زُيِّنَ لَهُ فِي عَاجِل الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَات النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَسَائِر مَا عَدَّدَ مِنْهَا تَعَالَى ذِكْره , وَبِاَلَّذِي لَا يَتَّقِيه فَيَخَافهُ , وَلَكِنَّهُ يَعْصِيه , وَيُطِيع الشَّيْطَان , وَيُؤْثِر مَا زُيِّنَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُبّ شَهْوَة النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْأَمْوَال , عَلَى مَا عِنْده مِنْ النَّعِيم الْمُقِيم , عَالِم تَعَالَى ذِكْره بِكُلِّ فَرِيق مِنْهُمْ , حَتَّى يُجَازِي كُلّهمْ عِنْد مَعَادهمْ إِلَيْهِ جَزَاءَهُمْ , الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَقِنَا عَذَاب النَّار } </subtitle>وَمَعْنَى ذَلِكَ . قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ ؟ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا يَقُولُونَ رَبّنَا إِنَّنَا آمَنَّا , فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَقِنَا عَذَاب النَّار . وَقَدْ يَحْتَمِل | الَّذِينَ يَقُولُونَ | وَجْهَيْنِ مِنْ الْإِعْرَاب . الْخَفْض عَلَى الرَّدّ عَلَى | الَّذِينَ | الْأُولَى , وَالرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء , إِذْ كَانَ فِي مُبْتَدَأ آيَة أُخْرَى غَيْر الَّتِي فِيهَا | الَّذِينَ | لِلْأُولَى , فَيَكُون رَفْعهَا نَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } [9 111 ]ثُمَّ قَالَ فِي مُبْتَدَإِ الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } [9 112 ]وَلَوْ كَانَ جَاءَ ذَلِكَ مَخْفُوضًا كَانَ جَائِزًا . وَمَعْنَى قَوْله : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّنَا صَدَّقْنَا بِك وَبِنَبِيِّك , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدك ; { فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } يَقُول : فَاسْتُرْ عَلَيْنَا بِعَفْوِك عَنْهَا وَتَرْكك عُقُوبَتنَا عَلَيْهَا ; { وَقِنَا عَذَاب النَّار } اِدْفَعْ عَنَّا عَذَابك إِيَّانَا بِالنَّارِ أَنْ تُعَذِّبنَا بِهَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُعَذِّبنَا يَا رَبّنَا بِالنَّارِ . وَإِنَّمَا خَصُّوا الْمَسْأَلَة بِأَنْ يَقِيَهُمْ عَذَاب النَّار , لِأَنَّ مَنْ زُحْزِحَ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّار فَقَدْ فَازَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَاب النَّار وَحُسْن مَآبه . وَأَصْل قَوْله | قِنَا | : مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَقَى اللَّه فُلَانًا كَذَا , يُرَاد بِهِ : دَفَعَ عَنْهُ فَهُوَ يَقِيه , فَإِذَا سَأَلَ بِذَلِكَ سَائِل قَالَ : قِنِي كَذَا .

الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الصَّابِرِينَ } الَّذِينَ صَبَرُوا فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس . وَيَعْنِي بِالصَّادِقِينَ : الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه فِي قَوْلهمْ بِتَحْقِيقِهِمْ الْإِقْرَار بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْده بِالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ . وَيَعْنِي بِالْقَانِتِينَ : الْمُطِيعِينَ لَهُ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْإِبَانَة عَنْ كُلّ هَذِهِ الْحُرُوف وَمَعَانِيهَا بِالشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِيهَا , وَبِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ قَالَ فِيهَا قَوْلًا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَقَدْ كَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 5306 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ } الصَّادِقِينَ : قَوْم صَدَقَتْ أَفْوَاههمْ , وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبهمْ وَأَلْسِنَتهمْ , وَصَدَقُوا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة . وَالصَّابِرِينَ : قَوْم صَبَرُوا عَلَى طَاعَة اللَّه , وَصَبَرُوا عَنْ مَحَارِمه . وَالْقَانِتُونَ : هُمْ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ . )وَأَمَّا الْمُنْفِقُونَ : فَهُمْ الْمُؤْتُونَ زَكَوَات أَمْوَالهمْ , وَوَاضِعُوهَا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِإِتْيَانِهَا , وَالْمُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي الْوُجُوه الَّتِي أَذِنَ اللَّه لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِنْفَاقِهَا فِيهَا . وَأَمَّا الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَسَائِر هَذِهِ الْحُرُوف فَمَخْفُوض رَدًّا عَلَى قَوْله : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إِنَّنَا آمَنَّا } وَالْخَفْض فِي هَذِهِ الْحُرُوف يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { الَّذِينَ يَقُولُونَ } خُفِضَ رَدًّا عَلَى قَوْله : { لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا عِنْد رَبّهمْ } .|وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَوْم الَّذِينَ هَذِهِ الصِّفَة صِفَتهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْمُصَلُّونَ بِالْأَسْحَارِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5307 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } هُمْ أَهْل الصَّلَاة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } قَالَ : يُصَلُّونَ بِالْأَسْحَارِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الْمُسْتَغْفِرُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5308 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث بْن أَبِي مَطَر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن حَاطِب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (سَمِعْت رَجُلًا فِي السَّحَر فِي نَاحِيَة الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول : رَبّ أَمَرْتنِي فَأَطَعْتُك , وَهَذَا سَحَر فَاغْفِرْ لِي ! فَنَظَرْت فَإِذَا اِبْن مَسْعُود . )5309 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن جَابِر , عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُحْيِي اللَّيْل صَلَاة , ثُمَّ يَقُول : يَا نَافِع أَسْحَرْنَا ؟ فَيَقُول : لَا . فَيُعَاوِد الصَّلَاة , فَإِذَا قُلْت : نَعَمْ , قَعَدَ يَسْتَغْفِر وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِح . )5310 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : (أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَغْفِر بِالْأَسْحَارِ سَبْعِينَ اسْتِغْفَارَة . )5311 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : ثنا أَبُو يَعْقُوب الضَّبِّيّ , قَالَ : سَمِعْت جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول : (مَنْ صَلَّى مِنْ اللَّيْل ثُمَّ اِسْتَغْفَرَ فِي آخِر اللَّيْل سَبْعِينَ مَرَّة كُتِبَ مِنْ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصُّبْح فِي جَمَاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5312 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مَسْلَمَة أَخُو الْقَعْنَبِيّ قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : (قُلْت لِزَيْدِ بْن أَسْلَم مَنْ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ؟ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصُّبْح . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } قَوْل مَنْ قَالَ : هُمْ السَّائِلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَسْتُر عَلَيْهِمْ فَضِيحَتهمْ بِهَا بِالْأَسْحَارِ , وَهِيَ جَمْع سَحَر . وَأَظْهَر مَعَانِي ذَلِكَ أَنْ تَكُون مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : تَعَرُّضهمْ لِمَغْفِرَتِهِ بِالْعَمَلِ وَالصَّلَاة , غَيْر أَنَّ أَظْهَر مَعَانِيه مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدُّعَاء .

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَشَهِدَتْ الْمَلَائِكَة , وَأُولُو الْعِلْم . فَالْمَلَائِكَة مَعْطُوف بِهِمْ عَلَى اِسْم اللَّه , وَ | أَنَّهُ | مَفْتُوحَة بِشَهِدَ . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَتَأَوَّل قَوْله شَهِدَ اللَّه : قَضَى اللَّه , وَيَرْفَع | الْمَلَائِكَة | , بِمَعْنَى : وَالْمَلَائِكَة شُهُود وَأُولُو الْعِلْم . وَهَكَذَا قَرَأَتْ قُرَّاء أَهْل الْإِسْلَام بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ أَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ إِعْمَال | شَهِدَ | فِي| أَنَّهُ | الْأَوْلَى وَكَسْر الْأَلِف مِنْ | إِنَّ | الثَّانِيَة وَابْتِدَائِهَا , سِوَى أَنَّ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ جَمِيعًا بِفَتْحِ أَلِفَيْهِمَا , بِمَعْنَى : شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَأَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام , فَعَطَفَ بِأَنَّ الدِّين عَلَى | أَنَّهُ | الْأُولَى , ثُمَّ حَذَفَ وَاو الْعَطْف وَهِيَ مُرَادَة فِي الْكَلَام . وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ اِبْن عَبَّاس قَرَأَ ذَلِكَ : وَشَهِدَ اللَّه إِنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ | . .. الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : { أَنَّ الدِّين } بِكَسْرِ | إِنَّ| الْأُولَى وَفَتْح | أَنَّ | الثَّانِيَة بِإِعْمَالِ | شَهِدَ | فِيهَا , وَجَعَلَ | أَنَّ | الْأُولَى اِعْتِرَاضًا فِي الْكَلَام غَيْر عَامِل فِيهَا | شَهِدَ | ; وَأَنَّ اِبْن مَسْعُود قَرَأَ : { شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } بِفَتْحِ | أَنَّ| , وَكَسْر | إِنَّ | مِنْ : { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } عَلَى مَعْنَى إِعْمَال الشَّهَادَة فِي | أَنَّ | الْأُولَى وَ | أَنَّ | الثَّانِيَة مُبْتَدَأَة , فَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقِرَاءَتِهِ إِيَّاهُمَا بِالْفَتْحِ جَمْع قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود . فَخَالَفَ بِقِرَاءَتِهِ مَا قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت جَمِيع قُرَّاء أَهْل الْإِسْلَام الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ وَالْمُتَأَخِّرِينَ , بِدَعْوَى تَأْوِيل عَلَى اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود زَعَمَ أَنَّهُمَا قَالَاهُ وَقَرَآ بِهِ , وَغَيْر مَعْلُوم مَا اِدَّعَى عَلَيْهِمَا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَة , وَلَا سَقِيمَة . وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَإِ قِرَاءَته خُرُوجهَا مِنْ قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام . فَالصَّوَاب إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ قِرَاءَة ذَلِكَ فَتْح الْأَلِف مِنْ | أَنَّهُ | الْأُولَى , وَكَسْر الْأَلِف مِنْ | إِنَّ | الثَّانِيَة , أَعْنِي مِنْ قَوْله : { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } اِبْتِدَاء . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ السُّدِّيّ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل كَالدَّالِّ عَلَى تَصْحِيح مَا قَرَأَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي فَتْح | أَنَّ | مِنْ قَوْله : { أَنَّ الدِّين } وَهُوَ مَا : 5313 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : ( { شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة } إِلَى : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } فَإِنَّ اللَّه يَشْهَد هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَالْعُلَمَاء مِنْ النَّاس أَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام . )فَهَذَا التَّأْوِيل يَدُلّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَة إِنَّمَا هِيَ عَامَّة فِي | أَنَّ | الثَّانِيَة الَّتِي فِي قَوْله : { أَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل جَائِز فِي | أَنَّ | الْأُولَى وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون الْأُولَى مَنْصُوبَة عَلَى وَجْه الشَّرْط , بِمَعْنَى : شَهِدَ اللَّه بِأَنَّهُ وَاحِد , فَتَكُون مَفْتُوحَة بِمَعْنَى الْخَفْض فِي مَذْهَب بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , وَبِمَعْنَى النَّصْب فِي مَذْهَب بَعْضهمْ , وَالشَّهَادَة عَامِلَة فِي | أَنَّ | الثَّانِيَة , كَأَنَّك قُلْت : شَهِدَ اللَّه أَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام , لِأَنَّهُ وَاحِد , ثُمَّ تَقَدَّمَ | لِأَنَّهُ وَاحِد | فَتَفْتَحهَا عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيل . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ تَكُون | إِنَّ | الْأُولَى مَكْسُورَة بِمَعْنَى الِابْتِدَاء لِأَنَّهَا مُعْتَرَض بِهَا , وَالشَّهَادَة وَاقِعَة عَلَى | أَنَّ | الثَّانِيَة , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : شَهِدَ اللَّه فَإِنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة , أَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام , كَقَوْلِ الْقَائِل : أَشْهَد - فَإِنِّي مُحِقّ - أَنَّك مِمَّا تُعَاب بِهِ بَرِيء , فَ | إِنَّ | الْأُولَى مَكْسُورَة لِأَنَّهَا مُعْتَرِضَة , وَالشَّهَادَة وَاقِعَة عَلَى | أَنَّ | الثَّانِيَة . وَأَمَّا قَوْله : { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْعَدْل بَيْن خَلْقه . وَالْقِسْط : هُوَ الْعَدْل , مِنْ قَوْلهمْ : هُوَ مُقْسِط , وَقَدْ أَقْسَطَ , إِذَا عَدَلَ , وَنُصِبَ | قَائِمًا | عَلَى الْقَطْع . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّهُ حَال مِنْ | هُوَ | الَّتِي فِي | لَا إِلَه إِلَّا هُوَ | . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَزْعُم أَنَّهُ قَالَ مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي مَعَ قَوْله : { شَهِدَ اللَّه } فَكَانَ مَعْنَاهُ : شَهِدَ اللَّه الْقَائِم بِالْقِسْطِ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود كَذَلِكَ : | وَأُولُو الْعِلْم الْقَائِم بِالْقِسْطِ | , ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِف وَاللَّام مِنْ الْقَائِم فَصَارَ نَكِرَة وَهُوَ نَعْت لِمَعْرِفَةٍ , فَنُصِبَ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ جَعَلَهُ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْت اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , لِأَنَّ الْمَلَائِكَة وَأُولِي الْعِلْم مَعْطُوفُونَ عَلَيْهِ , فَكَذَلِكَ الصَّحِيح أَنْ يَكُون قَوْله | قَائِمًا | حَالًا مِنْهُ . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُون شَيْء يَسْتَحِقّ الْعُبُودَة غَيْر الْوَاحِد الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ فِي مُلْكه . وَيَعْنِي بِالْعَزِيزِ : الَّذِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَنْتَصِر مِنْهُ أَحَد عَاقَبَهُ أَوْ اِنْتَقَمَ مِنْهُ , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره , فَلَا يَدْخُلهُ خَلَل . وَإِمَّا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة نَفْي مَا أَضَافَتْ النَّصَارَى الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى مِنْ الْبُنُوَّة , وَمَا نَسَبَ إِلَيْهِ سَائِر أَهْل الشِّرْك مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا , وَاِتِّخَاذهمْ دُونه أَرْبَابًا . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه عَنْ نَفْسه أَنَّهُ الْخَالِق كُلّ مَا سِوَاهُ , وَأَنَّهُ رَبّ كُلّ مَا اِتَّخَذَهُ كُلّ كَافِر وَكُلّ مُشْرِك رَبًّا دُونه , وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَد بِهِ هُوَ وَمَلَائِكَته وَأَهْل الْعِلْم بِهِ مِنْ خَلْقه . فَبَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ , وَتَنْزِيهًا لَهَا عَمَّا نَسَبَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك بِهِ مَا نَسَبُوا إِلَيْهَا , كَمَا سَنَّ لِعِبَادِهِ أَنْ يَبْدَءُوا فِي أُمُورهمْ بِذِكْرِهِ قَبْل ذِكْر غَيْره , مُؤَدِّبًا خَلْقه بِذَلِكَ . وَالْمُرَاد مِنْ الْكَلَام : الْخَبَر عَنْ شَهَادَة مَنْ اِرْتَضَاهُمْ مِنْ خَلْقه فَقَدَّمُوهُ مِنْ مَلَائِكَته وَعُلَمَاء عِبَاده , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَلَائِكَته - الَّتِي يُعَظِّمهَا الْعَابِدُونَ غَيْره مِنْ أَهْل الشِّرْك وَيَعْبُدهَا الْكَثِير مِنْهُمْ - وَأَهْل الْعِلْم مِنْهُمْ مُنْكِرُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرهمْ , وَقَوْلهمْ فِي عِيسَى وَقَوْل مَنْ اِتَّخَذَ رَبًّا غَيْره مِنْ سَائِر الْخَلْق , فَقَالَ شَهِدَتْ الْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَأَنَّ كُلّ مَنْ اِتَّخَذَ رَبًّا دُون اللَّه فَهُوَ كَاذِب ; اِحْتِجَاجًا مِنْهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى الَّذِينَ حَاجُّوهُ مِنْ وَفْد نَجْرَان فِي عِيسَى , وَاعْتَرَضَ بِذِكْرِ اللَّه وَصِفَته عَلَى مَا نُبَيِّنهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } [8 41 ]اِفْتِتَاحًا بِاسْمِهِ الْكَلَام , فَكَذَلِكَ اِفْتَتَحَ بِاسْمِهِ وَالثَّنَاء عَلَى نَفْسه الشَّهَادَة بِمَا وَصَفْنَا مِنْ نَفْي الْأُلُوهَة مِنْ غَيْره وَتَكْذِيب أَهْل الشِّرْك بِهِ . فَأَمَّا مَا قَالَ الَّذِي وَصَفْنَا قَوْله مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ شَهِدَ : قَضَى , فَمِمَّا لَا يُعْرَف فِي لُغَة الْعَرَب وَلَا الْعَجَم , لِأَنَّ الشَّهَادَة مَعْنًى , وَالْقَضَاء غَيْرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ . 5314 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم } بِخِلَافِ مَا قَالُوا , يَعْنِي : بِخِلَافِ مَا قَالَ وَفْد نَجْرَان مِنْ النَّصَارَى , { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أَيْ بِالْعَدْلِ . )5315 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بِالْقِسْطِ } بِالْعَدْلِ .)

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } </subtitle>وَمَعْنَى الدِّين فِي هَذَا الْمَوْضِع : الطَّاعَة وَالذِّلَّة , مِنْ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَيَوْم الْحُزْن إِذْ حَشَدَتْ مَعَدّ .......... وَكَانَ النَّاس إِلَّا نَحْنُ دِينًا <br>يَعْنِي بِذَلِكَ : مُطِيعِينَ عَلَى وَجْه الذُّلّ ; وَمِنْهُ قَوْل الْقَطَامِيّ : كَانَتْ نَوَار تَدِينك الْأَدْيَانَا يَعْنِي تُذِلّك . وَقَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : <br>هُوَ دَانَ الرَّبَاب إِذْ كَرِهُوا الدِّ .......... ينَ دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَال <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ | دَانَ | : ذُلِّلَ , وَبِقَوْلِهِ | كَرِهُوا الدِّين | : الطَّاعَة . وَكَذَلِكَ الْإِسْلَام , وَهُوَ الِانْقِيَاد بِالتَّذَلُّلِ وَالْخُشُوع وَالْفِعْل مِنْهُ أَسْلَمَ , بِمَعْنَى : دَخَلَ فِي السِّلْم , كَمَا يُقَال أَقْحَطَ الْقَوْم : إِذَا دَخَلُوا فِي الْقَحْط , وَأَرْبَعُوا : إِذَا دَخَلُوا فِي الرَّبِيع , فَكَذَلِكَ أَسْلَمُوا : إِذَا دَخَلُوا فِي السِّلْم , وَهُوَ الِانْقِيَاد بِالْخُضُوعِ وَتَرْك الْمُمَانَعَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } إِنَّ الطَّاعَة الَّتِي هِيَ الطَّاعَة عِنْده الطَّاعَة لَهُ , وَإِقْرَار الْأَلْسُن وَالْقُلُوب لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالذِّلَّة , وَانْقِيَادهَا لَهُ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , وَتَذَلُّلهَا لَهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْر اِسْتِكْبَار عَلَيْهِ وَلَا اِنْحِرَاف عَنْهُ دُون إِشْرَاك غَيْره مِنْ خَلْقه مَعَهُ فِي الْعُبُودِيَّة وَالْأُلُوهِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5316 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } وَالْإِسْلَام : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي شَرَعَ لِنَفْسِهِ , وَبَعَثَ بِهِ رُسُله , وَدَلَّ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءَهُ , لَا يَقْبَل غَيْره وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ . )5317 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ثنا أَبُو الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } قَالَ : الْإِسْلَام : الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده وَعِبَادَته لَا شَرِيك لَهُ , وَإِقَام الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَسَائِر الْفَرَائِض لِهَذَا تَبَع . )5318 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { أَسْلَمْنَا } [49 14 ]قَالَ : دَخَلْنَا فِي السِّلْم وَتَرَكْنَا الْحَرْب . )5319 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّد مِنْ التَّوْحِيد لِلرَّبِّ وَالتَّصْدِيق لِلرُّسُلِ .)|وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِنْجِيل , وَهُوَ الْكِتَاب الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِي أَمْر عِيسَى , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه فِيمَا قَالُوهُ فِيهِ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي كَثُرَ بِهَا اِخْتِلَافهمْ بَيْنهمْ وَتَشَتَّتَ بِهَا كَلِمَتهمْ , وَبَايَنَ بِهَا بَعْضهمْ بَعْضًا , حَتَّى اِسْتَحَلَّ بِهَا بَعْضهمْ دِمَاء بَعْض , { إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ } يَعْنِي : إِلَّا مِنْ بَعْد مَا عَلِمُوا الْحَقّ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْره وَأَيْقَنُوا أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ فِيهِ مِنْ عَظِيم الْفِرْيَة مُبْطِلُونَ . فَأَخْبَرَ اللَّه عِبَاده أَنَّهُمْ أَتَوْا مَا أَتَوْا مِنْ الْبَاطِل وَقَالُوا مَا قَالُوا مِنْ الْقَوْل الَّذِي هُوَ كُفْر بِاَللَّهِ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِخَطَإِ مَا قَالُوهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِخَطَئِهِ , وَلَكِنَّهُمْ قَالُوهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ الِاخْتِلَاف الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ , تَعَدِّيًا مِنْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَطَلَب الرِّيَاسَات وَالْمُلْك وَالسُّلْطَان . كَمَا : 5320 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا إِسْحَاق , قَالَ ثني اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَاب إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ } قَالَ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْكِتَاب وَالْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ , يَقُول : بَغْيًا عَلَى الدُّنْيَا وَطَلَب مُلْكهَا وَسُلْطَانهَا , فَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى الدُّنْيَا , مِنْ بَعْد مَا كَانُوا عُلَمَاء النَّاس )5321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يُكْثِر تِلَاوَة هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَاب إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ } يَقُول : بَغْيًا عَلَى الدُّنْيَا , وَطَلَب مُلْكهَا وَسُلْطَانهَا , مِنْ قِبَلهَا وَاَللَّه أُتِينَا ! مَا كَانَ عَلَيْنَا مَنْ يَكُون , بَعْد أَنْ يَأْخُذ فِينَا كِتَاب اللَّه وَسُنَّة نَبِيّه , وَلَكِنَّا أُتِينَا مِنْ قِبَلهَا . )5322 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (إِنَّ مُوسَى لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْت دَعَا سَبْعِينَ حَبْرًا مِنْ أَحْبَار بَنِي إِسْرَائِيل , فَاسْتَوْدَعَهُمْ التَّوْرَاة , وَجَعَلَهُمْ أُمَنَاء عَلَيْهِ , كُلّ حَبْر جُزْءًا مِنْهُ , وَاسْتَخْلَفَ مُوسَى يُوشَع بْن نُون . فَلَمَّا مَضَى الْقَرْن الْأَوَّل , وَمَضَى الثَّانِي , وَمَضَى الثَّالِث , وَقَعَتْ الْفُرْقَة بَيْنهمْ , وَهُمْ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ أَبْنَاء أُولَئِكَ السَّبْعِينَ , حَتَّى أَهَرَقُوا بَيْنهمْ الدِّمَاء , وَوَقَعَ الشَّرّ وَالِاخْتِلَاف , وَكَانَ ذَلِكَ كُلّه مِنْ قِبَل الَّذِينَ أُتُوا الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ عَلَى الدُّنْيَا , طَلَبًا لِسُلْطَانِهَا وَمُلْكهَا وَخَزَائِنهَا وَزُخْرُفهَا , فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ جَبَابِرَتهمْ , فَقَالَ اللَّه { إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } )فَقَوْل الرَّبِيع بْن أَنَس هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْده أَنَّهُ مَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل دُون النَّصَارَى مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ . وَكَانَ غَيْره يُوَجِّه ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ النَّصَارَى الَّذِينَ أُوتُوا الْإِنْجِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5323 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَمَا اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم } الَّذِي جَاءَك , أَيْ أَنَّ اللَّه الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيك , { بَغْيًا بَيْنهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : النَّصَارَى .)|وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْفُر بِآيَاتِ اللَّه فَإِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَنْ يَجْحَد حُجَج اللَّه وَأَعْلَامه الَّتِي نَصَبَهَا ذِكْرَى لِمَنْ عَقَلَ , وَأَدِلَّة لِمَنْ اِعْتَبَرَ وَتَذَكَّرَ , فَإِنَّ اللَّه مُحْصٍ عَلَيْهِ أَعْمَاله الَّتِي كَانَ يَعْمَلهَا فِي الدُّنْيَا , فَمُجَازِيهِ بِهَا فِي الْآخِرَة , فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَرِيع الْحِسَاب , يَعْنِي : سَرِيع الْإِحْصَاء . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ حَافِظ عَلَى كُلّ عَامِل عَمَله , لَا حَاجَة بِهِ إِلَى عَقْد , كَمَا يَعْقِدهُ خَلْقه بِأَكُفِّهِمْ , أَوْ يَعُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ , وَلَكِنَّهُ يَحْفَظ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ كُلْفَة وَلَا مَئُونَة , وَلَا مُعَانَاة لِمَا يُعَانِيه غَيْره مِنْ الْحِسَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى { سَرِيع الْحِسَاب } كَانَ مُجَاهِد يَقُول . 5324 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِآيَاتِ اللَّه فَإِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } قَالَ : إِحْصَاؤُهُ عَلَيْهِمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِآيَاتِ اللَّه فَإِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } إِحْصَاؤُهُ .)

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ حَاجُّوك فَقُلْ أَسْلَمْت وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنْ اِتَّبَعَنِ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ حَاجَّك يَا مُحَمَّد النَّفَر مِنْ نَصَارَى أَهْل نَجْرَان فِي أَمْر عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , فَخَاصَمُوك فِيهِ بِالْبَاطِلِ , فَقُلْ : اِنْقَدْت لِلَّهِ وَحْده بِلِسَانِي وَقَلْبِي وَجَمِيع جَوَارِحِي , وَإِنَّمَا خَصَّ جَلَّ ذِكْره بِأَمْرِهِ بِأَنْ يَقُول : أَسْلَمْت وَجْهِيَ لِلَّهِ , لِأَنَّ الْوَجْه أَكْرَم جَوَارِح اِبْن آدَم عَلَيْهِ , وَفِيهِ بَهَاؤُهُ وَتَعْظِيمه فَإِذَا خَضَعَ وَجْهه لِشَيْءٍ , فَقَدْ خَضَعَ لَهُ الَّذِي هُوَ دُونه فِي الْكَرَامَة عَلَيْهِ مِنْ جَوَارِح بَدَنه . وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ اِتَّبَعَنِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَسْلَمَ مَنْ اِتَّبَعَنِي أَيْضًا وَجْهه لِلَّهِ مَعِي , وَمَنْ مَعْطُوف بِهَا عَلَى التَّاء فِي | أَسْلَمْت | . كَمَا : 5325 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَإِنْ حَاجُّوك } أَيْ بِمَا يَأْتُونَك بِهِ مِنْ الْبَاطِل مِنْ قَوْلهمْ : خَلَقْنَا , وَفَعَلْنَا , وَجَعَلْنَا , وَأَمَرْنَا , فَإِنَّمَا هِيَ شُبَه بَاطِلَة قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ , فَقُلْ : أَسْلَمْت وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنْ اِتَّبَعَنِي .)|وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَالْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ لَا كِتَاب لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب أَأَسْلَمْتُمْ ؟ يَقُول : قُلْ لَهُمْ : هَلْ أَفْرَدْتُمْ التَّوْحِيد , وَأَخْلَصْتُمْ الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة لِرَبِّ الْعَالَمِينَ دُون سَائِر الْأَنْدَاد وَالْأَشْرَاك الَّتِي تُشْرِكُونَهَا مَعَهُ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُمْ , وَإِقْرَاركُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِمْ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا رَبّ غَيْره , وَلَا إِلَه سِوَاهُ , فَإِنْ أَسْلَمُوا يَقُول : فَإِنْ اِنْقَادُوا لِإِفْرَادِ الْوَحْدَانِيَّة لِلَّهِ , وَإِخْلَاص الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة لَهُ , فَقَدْ اِهْتَدَوْا , يَعْنِي : فَقَدْ أَصَابُوا سَبِيل الْحَقّ , وَسَلَكُوا مَحَجَّة الرَّشَد . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا عَقِيب الِاسْتِفْهَام , وَهَلْ يَجُوز عَلَى هَذَا فِي الْكَلَام أَنْ يُقَال لِرَجُلٍ : هَلْ تَقُوم ؟ فَإِنْ تَقُمْ أُكْرِمك ؟ . قِيلَ : ذَلِكَ جَائِز إِذَا كَانَ الْكَلَام مُرَادًا بِهِ الْأَمْر , وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَج الِاسْتِفْهَام , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [5 91 ]يَعْنِي اِنْتَهُوا , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِعِيسَى : { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } [5 112 ]وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة , كَمَا يَقُول الرَّجُل : هَلْ أَنْتَ كَافٍ عَنَّا ؟ بِمَعْنَى : اُكْفُفْ عَنَّا , وَكَمَا يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَيْنَ أَيْنَ ؟ بِمَعْنَى ؟ أَقُمْ فَلَا تَبْرَح , وَلِذَلِكَ جُوزِيَ فِي الِاسْتِفْهَام كَمَا جُوزِيَ فِي الْأَمْر فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه :| هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم ؟ آمِنُوا | فَفَسَّرَهَا بِالْأَمْرِ , وَهِيَ فِي قِرَاءَتنَا عَلَى الْخَبَر ; فَالْمُجَازَاة فِي قِرَاءَتنَا عَلَى قَوْله : { هَلْ أَدُلّكُمْ } وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه عَلَى قَوْله : | آمِنُوا| عَلَى الْأَمْر , لِأَنَّهُ هُوَ التَّفْسِير . وَبِنَحْوِ مَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . 5326 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالْأُمِّيِّينَ } الَّذِينَ لَا كِتَاب لَهُمْ : { أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ أَهْتَدَوْا } . .. الْآيَة . )5327 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : : ( { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالْأُمِّيِّينَ } قَالَ : الْأُمِّيُّونَ : الَّذِينَ لَا يَكْتُبُونَ .)|وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تَوَلَّوْا } وَإِنْ أَدْبَرُوا مُعْرِضِينَ عَمَّا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام , وَإِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُول مُبَلِّغ , وَلَيْسَ عَلَيْك غَيْر إِبْلَاغ الرِّسَالَة إِلَى مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِي , وَأَدَاء مَا كَلَّفْتُك مِنْ طَاعَتِي .|وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ| { وَاَللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } يَعْنِي بِذَلِكَ , وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ يَقْبَل مِنْ عِبَاده مَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِ , فَيُطِيعك بِالْإِسْلَامِ , وَبِمَنْ يَتَوَلَّى مِنْهُمْ عَنْهُ مُعْرِضًا , فَيَرُدّ عَلَيْك مَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِ فَيَعْصِيك بِإِبَائِهِ الْإِسْلَام .

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } . </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } أَيْ يَجْحَدُونَ حُجَج اللَّه وَأَعْلَامه فَيُكَذِّبُونَ بِهَا مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . كَمَا : 5328 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (ثُمَّ جَمَعَ أَهْل الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا , وَذَكَر مَا أَحْدَثُوا وَابْتَدَعُوا مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ } إِلَى قَوْله : { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِك الْمُلْك تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء } .)|وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ|وَأَمَّا قَوْله : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ رُسُل اللَّه الَّذِينَ كَانُوا يُرْسَلُونَ إِلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ عَمَّا يَأْتُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , وَرُكُوب مَا كَانُوا يَرْكَبُونَهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَ اللَّه إِلَيْهِمْ فِي كُتُبهمْ بِالزَّجْرِ عَنْهَا , نَحْو زَكَرِيَّا وَابْنه يَحْيَى وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه .|وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة وَسَائِر قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ } بِمَعْنَى الْقَتْل . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قُرَّاء الْكُوفَة : | وَيُقَاتِلُونَ | , بِمَعْنَى الْقِتَال تَأَوُّلًا مِنْهُ قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : | وَقَاتَلُوا | , فَقَرَأَ الَّذِي وَصَفْنَا أَمْره مِنْ الْقُرَّاء بِذَلِكَ التَّأْوِيل | وَيُقَاتِلُونَ | . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { وَيَقْتُلُونَ } لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ بِهِ , مَعَ مَجِيء التَّأْوِيل مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِأَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5329 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مَعْقِل بْن أَبِي مِسْكِين فِي قَوْل اللَّه: ( { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } قَالَ : كَانَ الْوَحْي يَأْتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَيَذْكُرُونَ , وَلَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ كِتَاب , فَيَقْتُلُونَ , فَيَقُوم رِجَال مِمَّنْ اِتَّبَعَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ , فَيُذَكِّرُونَ قَوْمهمْ فَيُقْتَلُونَ , فَهُمْ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس . )5330 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب , كَانَ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء يَنْهَوْنَهُمْ وَيُذَكِّرُونَهُمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ . )5331 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِمَّنْ لَمْ يَقْرَأ الْكِتَاب كَانَ الْوَحْي يَأْتِي إِلَيْهِمْ , فَيُذَكِّرُونَ قَوْمهمْ فَيُقْتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ , فَهُمْ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس . )5332 - حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْد الرُّصَافِيّ مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو الْحَسَن مَوْلَى بَنِي أَسَد , عَنْ مَكْحُول , عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب الْخُزَاعِيّ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح , قَالَ : (قُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَيّ النَّاس أَشَدّ عَذَابًا يَوْم الْقِيَامَة ؟ قَالَ : | رَجُل قَتَلَ نَبِيًّا , أَوْ رَجُل أَمَرَ بِالْمُنْكَرِ وَنَهَى عَنْ الْمَعْرُوف | . ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس | إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَى : { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } . ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا أَبَا عُبَيْدَة قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا مِنْ أَوَّل النَّهَار فِي سَاعَة وَاحِدَة , فَقَامَ مِائَة رَجُل وَاثْنَا عَشَر رَجُلًا مِنْ عُبَّاد بَنِي إِسْرَائِيل , فَأَمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِر النَّهَار فِي ذَلِكَ الْيَوْم , وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . )فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه , وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ , وَيَقْتُلُونَ آمِرِيهِمْ بِالْعَدْلِ فِي أَمْر اللَّه وَنَهْيه , الَّذِينَ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ قَتْل أَنْبِيَاء اللَّه وَرُكُوب مَعَاصِيه .|فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } فَأَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّد , وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ عِنْد اللَّه عَذَابًا مُؤْلِمًا لَهُمْ , وَهُوَ الْمُوجِع .

أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

وَأَمَّا قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه . وَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ , هُمْ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ , يَعْنِي بَطَلَتْ أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . فَأَمَّا قَوْله : { فِي الدُّنْيَا } فَلَمْ يَنَالُوا بِهَا مَحْمَدَة وَلَا ثَنَاء مِنْ النَّاس , لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَال وَبَاطِل , وَلَمْ يَرْفَع اللَّه لَهُمْ بِهَا ذِكْرًا , بَلْ لَعَنَهُمْ وَهَتَكَ أَسْتَارهمْ , وَأَبْدَى مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبَائِح أَعْمَالهمْ عَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله فِي كُتُبه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ , فَأَبْقَى لَهُمْ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا مَذَمَّة , فَذَلِكَ حُبُوطهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة , فَإِنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنْ الْعِقَاب مَا وَصَفَ فِي كِتَابه , وَأَعْلَمَ عِبَاده أَنَّ أَعْمَالهمْ تَصِير بُورًا لَا ثَوَاب لَهَا , لِأَنَّهَا كَانَتْ كُفْرًا بِاَللَّهِ , فَجَزَاء أَهْلهَا الْخُلُود فِي الْجَحِيم .|وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ نَاصِر يَنْصُرهُمْ مِنْ اللَّه إِذَا هُوَ اِنْتَقَمَ مِنْهُمْ بِمَا سَلَفَ مِنْ إِجْرَامهمْ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْهُ .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُمَ بَيْنهمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : الَّذِينَ أُعْطُوا حَظًّا مِنْ الْكِتَاب , يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكِتَاب الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ التَّوْرَاة دَعَاهُمْ إِلَى الرِّضَا بِمَا فِيهَا , إِذْ كَانَتْ الْفِرَق الْمُنْتَحِلَة الْكُتُب تُقِرّ بِهَا وَبِمَا فِيهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَحْكَام اللَّه قَبْل أَنْ يَنْسَخ مِنْهَا مَا نَسَخَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5333 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمِدْرَاس عَلَى جَمَاعَة مِنْ يَهُود , فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه , فَقَالَ لَهُ نُعَيْم بْن عَمْرو وَالْحَارِث بْن زَيْد : عَلَى أَيّ دِين أَنْتَ يَا مُحَمَّد ؟ فَقَالَ : | عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدِينه | , فَقَالَا : فَإِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيًّا , فَقَالَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَهَلُمُّوا إِلَى التَّوْرَاة فَهِيَ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ | . فَأَبَوْا عَلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } . .. إِلَى قَوْله : { مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آلِ زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْت الْمِدْرَاس , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَهَلُمَّا إِلَى التَّوْرَاة | , وَقَالَ أَيْضًا : فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب } )وَسَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث أَبِي كُرَيْب . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ ذَلِكَ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد , وَإِنَّمَا دُعِيَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ بِالْحَقِّ , فَأَبَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5334 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , دُعُوا إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ , وَإِلَى نَبِيِّهِ لِيَحْكُم بَيْنهمْ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَهُمْ مُعْرِضُونَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب } . .. الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْيَهُود دُعُوا إِلَى كِتَاب اللَّه وَإِلَى نَبِيّه , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ , ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ وَهُمْ مُعْرِضُونَ . )5335 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ } قَالَ : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ بِالْحَقِّ يَكُون وَفِي الْحُدُود , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , فَيَتَوَلَّوْنَ عَنْ ذَلِكَ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ طَائِفَة مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَهْده , مِمَّنْ قَدْ أُوتِيَ عِلْمًا بِالتَّوْرَاةِ أَنَّهُمْ دُعُوا إِلَى كِتَاب اللَّه الَّذِي كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَهُوَ فِي التَّوْرَاة فِي بَعْض مَا تَنَازَعُوا فِيهِ هُمْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون تَنَازُعُهُمْ الَّذِي كَانُوا تَنَازَعُوا فِيهِ ثُمَّ دُعُوا إِلَى حُكْم التَّوْرَاة فِيهِ , فَامْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَة إِلَيْهِ , كَانَ أَمْر مُحَمَّد وَأَمْر نُبُوَّته . وَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ أَمْر إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن وَدِينه . وَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الْإِسْلَام , وَالْإِقْرَار بِهِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ فِي حَدّ , فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ كَانُوا نَازَعُوا فِيهِ رَسُول اللَّه , فَدَعَاهُمْ فِيهِ إِلَى حُكْم التَّوْرَاة , فَأَبَى الْإِجَابَة فِيهِ , وَكَتَمَهُ بَعْضهمْ . وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِمَّنْ أَبَى , فَيَجُوز أَنْ يُقَال : هُوَ هَذَا دُون هَذَا وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى مَعْرِفَة ذَلِكَ , لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي دُعُوا إِلَيْهِ حَمَلَتْهُ هُوَ مِمَّا كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ الْإِجَابَة إِلَيْهِ فِي دِينِهِمْ , فَامْتَنَعُوا مِنْهُ . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ بِرِدَّتهمْ وَتَكْذِيبهمْ : بِمَا فِي كِتَابهمْ وَجُحُودهمْ , مَا قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ بِإِقَامَتِهِ وَالْعَمَل بِهِ , فَلَنْ يَعْدُوا أَنْ يَكُونُوا فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِثْلهمْ فِي تَكْذِيبهمْ مُوسَى وَمَا جَاءَ بِهِ , وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُقِرُّونَ بِهِ . وَمَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } ثُمَّ يَسْتَدْبِر عَنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي دَعَا إِلَى حُكْمه مُعْرِضًا عَنْهُ مُنْصَرِفًا , وَهُوَ بِحَقِيقَتِهِ وَحُجَّته عَالِم . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَاب هُوَ التَّوْرَاة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِالْقُرْآنِ مُكَذِّبِينَ وَبِالتَّوْرَاةِ بِزَعْمِهِمْ مُصَدِّقِينَ , فَكَانَتْ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا هُمْ بِهِ فِي زَعْمِهِمْ مُقِرُّونَ أَبْلَغ وَلِلْعُذْرِ أَقْطَع .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { بِأَنَّهُمْ قَالُوا } بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ بِالْحَقِّ فِيمَا نَازَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنَّمَا أَبَوْا الْإِجَابَة فِي حُكْم التَّوْرَاة , وَمَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ مِنْ أَجْل قَوْلِهِمْ . { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } وَهِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا , وَهُنَّ الْأَيَّام الَّتِي عَبَدُوا فِيهَا الْعِجْل , ثُمَّ يُخْرِجنَا مِنْهَا رَبّنَا . اِغْتِرَارًا مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ , يَعْنِي بِمَا كَانُوا يَخْتَلِقُونَ مِنْ الْأَكَاذِيب وَالْأَبَاطِيل فِي اِدِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , وَأَنَّ اللَّه قَدْ وَعَدَ أَبَاهُمْ يَعْقُوب أَنْ لَا يُدْخِل أَحَدًا مِنْ وَلَده النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم . فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ كُلّه مِنْ أَقْوَالهمْ , وَأَخْبَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْل النَّار , هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , دُون الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْده . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5336 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } قَالُوا : لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم الَّتِي نَصَبْنَا فِيهَا الْعِجْل , ثُمَّ يَنْقَطِع الْقَسَم وَالْعَذَاب عَنَّا . قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } أَيْ قَالُوا : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ . )5337 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } . .. الْآيَة , قَالَ : قَالُوا : لَنْ نُعَذَّب فِي النَّار إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا . قَالَ : يَعْنِي الْيَهُود . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة مِثْله , وَقَالَا : هِيَ الْأَيَّام الَّتِي نَصَبُوا فِيهَا الْعِجْل . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } حِين قَالُوا : { نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } )5338 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : قَوْله : ( { وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } قَالَ : غَرَّهُمْ قَوْلهمْ : { لَنْ تَمَسَّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } )

فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } فَأَيّ حَال يَكُون حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْل , وَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ إِعْرَاضهمْ عَنْ كِتَاب اللَّه وَاغْتِرَارهمْ بِرَبِّهِمْ , وَافْتِرَائِهِمْ الْكَذِب . وَذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِيد لَهُمْ شَدِيد , وَتَهْدِيد غَلِيظ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } . .. الْآيَة : فَمَا أَعْظَم مَا يَلْقَوْنَ مِنْ عُقُوبَة اللَّه وَتَنْكِيله بِهِمْ إِذَا جَمَعَهُمْ لِيَوْمٍ يُوَفَّى كُلّ عَامِل جَزَاء عَمَله عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه غَيْر مَظْلُوم فِيهِ , لِأَنَّهُ لَا يُعَاقَب فِيهِ إِلَّا عَلَى مَا اِجْتَرَمَ , وَلَا يُؤَاخَذ إِلَّا بِمَا عَمِلَ , يُجْزَى الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , لَا يَخَافُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقه يَوْمئِذٍ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قِيلَ : { فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ } وَلَمْ يَقُلْ : فِي يَوْم لَا رَيْب فِيهِ ؟ قِيلَ : لِمُخَالَفَةِ مَعْنَى اللَّام فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى فِي , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَان اللَّام | فِي | لَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ فِي يَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يَكُون لَهُمْ مِنْ الْعَذَاب وَالْعِقَاب , وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي دُخُول اللَّام , وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَعَ اللَّام , فَكَيْف إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِمَا يَحْدُث فِي يَوْم لَا رَيْب فِيهِ , وَلِمَا يَكُون فِي ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ فَضْل اللَّه الْمُضَاء بَيْن خَلْقه , مَاذَا لَهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ الْعِقَاب وَأَلِيم الْعَذَاب ؟ فَمَعَ اللَّام فِي : { لِيَوْمٍ لَا رَيْب فِيهِ } نِيَّة فِعْل وَخَبَر مَطْلُوب قَدْ تُرِكَ ذِكْره , أَجْزَأَتْ دَلَالَة دُخُول اللَّام فِي الْيَوْم عَلَيْهِ مِنْهُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعَ | فِي | فَلِذَلِكَ اُخْتِيرَتْ اللَّام فَأُدْخِلَتْ فِي | لِيَوْمٍ | دُون | فِي | . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَا رَيْب فِيهِ } فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي مَجِيئِهِ , وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الْكَافِيَة , مَعَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيله فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .|وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ|وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَوُفِّيَتْ } وَوَفَّى اللَّه { كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ } يَعْنِي مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ , { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْخَس الْمُحْسِنَ جَزَاءَ إِحْسَانِهِ , وَلَا يُعَاقِبُ مُسِيئًا بِغَيْرِ جُرْمِهِ .

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اللَّهُمَّ } </subtitle>أَمَّا تَأْوِيل قَوْله { قُلْ اللَّهُمَّ } فَإِنَّهُ قُلْ يَا مُحَمَّد : يَا اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي نَصْب مِيم { اللَّهُمَّ } وَهُوَ مُنَادًى , وَحُكْم الْمُنَادَى الْمُفْرَد غَيْر الْمُضَاف الرَّفْع , وَفِي دُخُول الْمِيم فِيهِ , وَهُوَ فِي الْأَصْل | اللَّه | بِغَيْرِ مِيم . فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يُنَادَى بِ | يَا | كَمَا يُنَادَى الْأَسْمَاء الَّتِي لَا أَلِف فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْمَاء الَّتِي لَا أَلِف وَلَا لَامَ فِيهَا تُنَادَى | يَا | , كَقَوْلِ الْقَائِل : يَا زَيْد وَيَا عَمْرو , قَالَ : فَجُعِلَتْ الْمِيم فِيهِ خَلَفًا مِنْ | يَا | , كَمَا قَالُوا : فَم وَدَم وهم وَزُرْقُم وَسُتْهُم , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء وَالنُّعُوت الَّتِي يُحْذَف مِنْهَا الْحَرْف , ثُمَّ يُبْدَل مَكَانه مِيم , قَالَ : فَكَذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْ اللَّهُمَّ | يَا | الَّتِي يُنَادَى بِهَا الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَى مَا وَصَفْنَا , وَجُعِلَتْ الْمِيم خَلَفًا مِنْهَا فِي آخِر الِاسْم . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ آخَرُونَ , وَقَالُوا : قَدْ سَمِعْنَا الْعَرَب تُنَادِي : اللَّهُمَّ بِ | يَا | , كَمَا تُنَادِيه , وَلَا مِيم فِيهِ . قَالُوا : فَلَوْ كَانَ الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْل مُصِيبًا فِي دَعْوَاهُ لَمْ تُدْخِل الْعَرَب | يَا | , وَقَدْ جَاءُوا بِالْخَلَفِ مِنْهَا . وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : <br>وَمَا عَلَيْك أَنْ تَقُولِي كُلَّمَا .......... صَلَّيْت أَوْ كَبَّرْت يَا اللَّهُمَّ <br><br>اُرْدُدْ إِلَيْنَا شَيْخَنَا مُسْلِمًا <br>وَيُرْوَى : | سَبَّحْت أَوْ كَبَّرْت | . قَالُوا : وَلَمْ نَرَ الْعَرَب زَادَتْ مِثْل هَذِهِ الْمِيم إِلَّا مُخَفَّفَة فِي نَوَاقِص الْأَسْمَاء مِثْل فَم وَدَم وهم قَالُوا : وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهَا كَلِمَة ضُمَّ إِلَيْهَا | أُمَّ | بِمَعْنَى | يَا اللَّه أَمِنَّا بِخَيْرِ | , فَكَثُرَتْ فِي الْكَلَام فَاخْتَلَطَتْ بِهِ . قَالُوا : فَالضَّمَّة الَّتِي فِي الْهَاء مِنْ هَمْزَة | أُمَّ | لَمَّا تُرِكَتْ اِنْتَقَلَتْ إِلَى مَا قَبْلهَا . قَالُوا : وَنَرَى أَنَّ قَوْل الْعَرَب هَلُمَّ إِلَيْنَا مِثْلهَا , إِنَّمَا كَانَ هَلُمَّ | هَلْ | أَوْ ضُمَّ إِلَيْهَا | أُمَّ | فَتُرِكَتْ عَلَى نَصْبهَا . قَالُوا : وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول إِذَا طَرَحَ الْمِيم : | يَا اللَّه اِغْفِرْ لِي | , | وَيَا اللَّه اِغْفِرْ لِي | , بِهَمْزِ الْأَلِف مِنْ اللَّه مَرَّة , وَوَصْلِهَا أُخْرَى , فَمَنْ حَذَفَهَا أَجْرَاهَا عَلَى أَصْلِهَا لِأَنَّهَا أَلِفٌ وَلَام , مِثْل الْأَلِف وَاللَّام اللَّتَيْنِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَسْمَاء الْمَعَارِف زَائِدَيْنِ . وَمَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَ أَنَّهَا مِنْ الْحَرْف , إِذْ كَانَتْ لَا تَسْقُط مِنْهُ . وَأَنْشَدُوا فِي هَمْز الْأَلِف مِنْهَا : <br>مُبَارَك هُوَ وَمَنْ سَمَّاهُ .......... عَلَى اِسْمك اللَّهُمَّ يَا أَللَّه <br>قَالُوا : وَقَدْ كَثُرَتْ اللَّهُمَّ فِي الْكَلَام حَتَّى خُفِّفَتْ مِيمهَا فِي بَعْض اللُّغَات , وَأَنْشَدُوا . <br>كَحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رِيَاح .......... يَسْمَعُهَا اللَّهُمَّ الْكِبَار <br>وَالرُّوَاة تُنْشِد ذَلِكَ : | يَسْمَعهَا لَاهِهِ الْكِبَار | . وَقَدْ أَنْشَدَهُ بَعْضهمْ : | يَسْمَعُهَا اللَّه وَالْكِبَار | .|مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَالِك الْمُلْك تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء وَتَنْزِع الْمُلْك مِمَّنْ تَشَاء } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : يَا مَالِك الْمُلْك , يَا مَنْ لَهُ مُلْك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَالِصًا دُون غَيْره . كَمَا : 5339 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر قَوْله : ( { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِك الْمُلْك } أَيْ رَبّ الْعِبَاد الْمُلْك لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرك . )وَأَمَّا قَوْله : { تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي : تُعْطِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء فَتَمْلِكهُ وَتُسَلِّطهُ عَلَى مَنْ تَشَاء . وَقَوْله : { وَتَنْزِع الْمُلْك مِمَّنْ تَشَاء } أَنْ تَنْزِعهُ مِنْهُ , فَتُرِكَ ذِكْر | أَنْ تَنْزِعهُ مِنْهُ | اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { وَتَنْزِع الْمُلْك مِمَّنْ تَشَاء } عَلَيْهِ , كَمَا يُقَال : خُذْ مَا شِئْت , وَكُنْ فِيمَا شِئْت , يُرَاد : خُذْ مَا شِئْت أَنْ تَأْخُذَهُ , وَكُنْ فِيمَا شِئْت أَنْ تَكُون فِيهِ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فِي أَيّ صُورَة مَا شَاءَ رَكَّبَك } [82 8 ]يَعْنِي : فِي أَيّ صُورَة شَاءَ أَنْ يُرَكِّبَك فِيهَا رَكَّبَك . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ رَبّه أَنْ يَجْعَل مُلْك فَارِس وَالرُّوم لِأُمَّتِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5340 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ; (وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَبَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَجْعَل لَهُ مُلْك فَارِس وَالرُّوم فِي أُمَّته , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء } . .. إِلَى : { إِنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَل مُلْك فَارِس وَالرُّوم فِي أُمَّته , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . )وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَعْنَى الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع النُّبُوَّة . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ : 5341 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاء } قَالَ : النُّبُوَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتُعِزّ مَنْ تَشَاء وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاء بِإِعْطَائِهِ الْمُلْك وَالسُّلْطَان وَبَسْط الْقُدْرَة لَهُ , وَتُذِلّ مَنْ تَشَاء بِسَلْبِك مُلْكه وَتَسْلِيط عَدُوّ عَلَيْهِ . { بِيَدِك الْخَيْر } أَيْ كُلّ ذَلِكَ بِيَدِك وَإِلَيْك , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ أَحَد ; لِأَنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , دُون سَائِر خَلْقك , وَدُون مَنْ اِتَّخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَالْأُمِّيِّينَ مِنْ الْعَرَب إِلَهًا وَرَبًّا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِك , كَالْمَسِيحِ وَالْأَنْدَاد الَّتِي اِتَّخَذَهَا الْأُمِّيُّونَ رَبًّا . كَمَا : 5342 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر قَوْله : ( { تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء } . .. الْآيَة , أَيْ إِنَّ ذَلِكَ بِيَدِك لَا إِلَى غَيْرك , { إِنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } أَيْ لَا يَقْدِر عَلَى هَذَا غَيْرك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتك .)

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { تُولِج } تُدْخِل , يُقَال مِنْهُ : قَدْ وَلَجَ فُلَان مَنْزِله : إِذَا دَخَلَهُ , فَهُوَ يَلِجُهُ وَلْجًا وَوُلُوجًا وِلْجَة , وَأَوْلَجْته أَنَا : إِذَا أَدْخَلْته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار } تُدْخِل مَا نَقَصْتَ مِنْ سَاعَات اللَّيْل فِي سَاعَات النَّهَار , فَتَزِيد مِنْ نُقْصَان هَذَا فِي زِيَادَة هَذَا . { وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } وَتُدْخِل مَا نَقَصْتَ مِنْ سَاعَات النَّهَار فِي سَاعَات اللَّيْل , فَتَزِيد فِي سَاعَات اللَّيْل مَا نَقَصْتَ مِنْ سَاعَات النَّهَار . كَمَا : 5343 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } حَتَّى يَكُون اللَّيْل خَمْس عَشْرَة سَاعَة وَالنَّهَار تِسْع سَاعَات , وَتُدْخِل النَّهَار فِي اللَّيْل , حَتَّى يَكُون النَّهَار خَمْس عَشْرَة سَاعَة وَاللَّيْل تِسْع سَاعَات . )5344 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (مَا نَقَصَ مِنْ النَّهَار يَجْعَلُهُ فِي اللَّيْل , وَمَا نَقَصَ مِنْ اللَّيْل يَجْعَلُهُ فِي النَّهَار . )5345 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } قَالَ : مَا يَنْقُص مِنْ أَحَدهمَا يُدْخَل فِي الْآخَر مُتَعَاقِبَانِ - أَوْ يَتَعَاقَبَانِ , شَكَّ أَبُو عَاصِم - ذَلِكَ مِنْ السَّاعَات . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } مَا يَنْقُص مِنْ أَحَدهمَا فِي الْآخَر يَتَعَاقَبَانِ فِي ذَلِكَ مِنْ السَّاعَات . )5346 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن قَوْله : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَادَة النَّهَار , وَنُقْصَان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل . )5347 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } قَالَ : هُوَ نُقْصَان أَحَدهمَا فِي الْآخَر . )5348 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } قَالَ : يَأْخُذ اللَّيْل مِنْ النَّهَار , وَيَأْخُذ النَّهَار مِنْ اللَّيْل . يَقُول : نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَادَة النَّهَار , وَنُقْصَان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل . )5349 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } يَعْنِي أَنَّهُ يَأْخُذ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر , فَيَكُون اللَّيْل أَحْيَانًا أَطْوَل مِنْ النَّهَار , وَالنَّهَار أَحْيَانًا أَطْوَل مِنْ اللَّيْل . )5350 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } قَالَ : هَذَا طَوِيل , وَهَذَا قَصِير , أَخَذَ مِنْ هَذَا فَأَوْلَجَهُ فِي هَذَا حَتَّى صَارَ هَذَا طَوِيلًا وَهَذَا قَصِيرًا .)|وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : أَنَّهُ يُخْرِج الشَّيْء الْحَيّ مِنْ النُّطْفَة الْمَيِّتَة , وَيُخْرِج النُّطْفَة الْمَيِّتَة مِنْ الشَّيْء الْحَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5351 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : هِيَ النُّطْفَة تَخْرُج مِنْ الرَّجُل وَهِيَ مَيِّتَة , وَهُوَ حَيّ , وَيَخْرُج الرَّجُل مِنْهَا حَيًّا وَهِيَ مَيِّتَة . )5352 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : النَّاس الْأَحْيَاء مِنْ النُّطَف وَالنُّطَف مَيِّتَة , وَيُخْرِجهَا مِنْ النَّاس الْأَحْيَاء وَالْأَنْعَام . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5353 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } فَذَكَرَ نَحْوَهُ . 5354 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } فَالنُّطْفَة مَيِّتَة تَكُون تَخْرُج مِنْ إِنْسَان حَيّ , وَيَخْرُج إِنْسَان حَيّ مِنْ نُطْفَة مَيِّتَة . )5355 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن عَطَاء الْمُقَدِّمِيّ , قَالَ : ثنا أَشْعَث السِّجِسْتَانِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد فِي قَوْله . ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ تُخْرِج النُّطْفَة مِنْ الرَّجُل , وَالرَّجُل مِنْ النُّطْفَة . )5356 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : تُخْرِج الْحَيّ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَة الْمَيِّتَة , وَتُخْرِج هَذِهِ النُّطْفَة الْمَيِّتَة مِنْ الْحَيّ . )5357 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } . .. الْآيَة , قَالَ : النَّاس الْأَحْيَاء مِنْ النُّطَف , وَالنُّطَف مَيِّتَة مِنْ النَّاس الْأَحْيَاء , وَمِنْ الْأَنْعَام وَالنَّبْت كَذَلِكَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَسَمِعْت يَزِيد بْن عُوَيْمِر يُخْبِر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ . إِخْرَاجه النُّطْفَة مِنْ الْإِنْسَان . وَإِخْرَاجه الْإِنْسَان مِنْ النُّطْفَة . )5358 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : النُّطْفَة مَيِّتَة , فَتُخْرِج مِنْهَا أَحْيَاء . { وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } تُخْرِج النُّطْفَة مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاء , وَالْحَبّ مَيِّتَة تُخْرِج مِنْهُ حَيًّا . { وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } تُخْرِج مِنْ هَذَا الْحَيّ حَيًّا مَيِّتًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ يُخْرِج النَّخْلَة مِنْ النَّوَاة , وَالنَّوَاة مِنْ النَّخْلَة , وَالسُّنْبُل مِنْ الْحَبّ وَالْحَبّ مِنْ السُّنْبُل , وَالْبَيْض مِنْ الدَّجَاج , وَالدَّجَاج مِنْ الْبَيْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 5359 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله . ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت } قَالَ . هِيَ الْبَيْضَة تَخْرُج مِنْ الْحَيّ وَهِيَ مَيِّتَة , ثُمَّ يُخْرِج مِنْهَا الْحَيّ . )5360 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله . ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ . النَّخْلَة مِنْ النَّوَاة , وَالنَّوَاة مِنْ النَّخْلَة , وَالْحَبَّة مِنْ السُّنْبُلَة , وَالسُّنْبُلَة مِنْ الْحَبَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ يُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , وَالْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5361 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } يَعْنِي الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , وَالْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن , وَالْمُؤْمِنُ عَبْدٌ حَيُّ الْفُؤَادِ , وَالْكَافِرُ عَبْدٌ مَيِّتُ الْفُؤَادِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : يُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , وَيُخْرِج الْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن . )* - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , عَنْ سَعِيد بْن عَمْرو , عَنْ الْحَسَن قَرَأَ : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : تُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , وَتُخْرِج الْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن . )5362 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سَلْمَان , أَوْ عَنْ اِبْن مَسْعُود - وَأَكْبَر ظَنِّي أَنَّهُ عَنْ سَلْمَان - قَالَ : (إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَمَّرَ طِينَة آدَم أَرْبَعِينَ لَيْلَة - أَوْ قَالَ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا - ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فِيهِ , فَخَرَجَ كُلّ طَيِّب فِي يَمِينه , وَخَرَجَ كُلّ خَبِيث فِي يَده الْأُخْرَى , ثُمَّ خَلَطَ بَيْنهمَا , ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا آدَم , فَمِنْ ثَمَّ يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَيُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , يُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر وَيُخْرِج الْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن . )5363 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بَعْض نِسَائِهِ , فَإِذَا بِامْرَأَةٍ حَسَنَة النِّعْمَة , فَقَالَ : | مَنْ هَذِهِ ؟ | قَالَتْ : إِحْدَى خَالَاتك , قَالَ : | إِنَّ خَالَاتِي بِهَذِهِ الْبَلْدَة لَغَرَائِب ! وَأَيّ خَالَاتِي هَذِهِ ؟ | قَالَتْ : خَلَدَة اِبْنَة الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث , قَالَ : | سُبْحَان الَّذِي يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت | وَكَانَتْ اِمْرَأَة صَالِحَة , وَكَانَ أَبُوهَا كَافِرًا . )5364 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } قَالَ : هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْكَافِر يَلِد مُؤْمِنًا , وَأَنَّ الْمُؤْمِن يَلِد كَافِرًا ؟ فَقَالَ : هُوَ كَذَلِكَ . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : يُخْرِج الْإِنْسَان الْحَيّ وَالْأَنْعَام وَالْبَهَائِم الْأَحْيَاء مِنْ النُّطَف الْمَيِّتَة , وَذَلِكَ إِخْرَاج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت , وَيُخْرِج النُّطْفَة الْمَيِّتَة مِنْ الْإِنْسَان الْحَيّ وَالْأَنْعَام وَالْبَهَائِم الْأَحْيَاء , وَذَلِكَ إِخْرَاج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ حَيّ فَارَقَهُ شَيْء مِنْ جَسَده , فَذَلِكَ الَّذِي فَارَقَهُ مِنْهُ مَيِّت , فَالنُّطْفَة مَيِّتَة لِمُفَارَقَتِهَا جَسَد مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ , ثُمَّ يُنْشِئ اللَّه مِنْهَا إِنْسَانًا حَيًّا وَبَهَائِم وَأَنْعَامًا أَحْيَاء , وَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ شَيْء حَيّ زَايَلَهُ شَيْء مِنْهُ , فَاَلَّذِي زَايَلَهُ مِنْهُ مَيِّت , وَذَلِكَ هُوَ نَظِير قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [2 28 ]وَأَمَّا تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى الْحَبَّة مِنْ السُّنْبُلَة , وَالسُّنْبُلَة مِنْ الْحَبَّة , وَالْبَيْضَة مِنْ الدَّجَاجَة , وَالدَّجَاجَة مِنْ الْبَيْضَة , وَالْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر , وَالْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن , فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْه مَفْهُوم , فَلَيْسَ ذَلِكَ الْأَغْلَب الظَّاهِر فِي اِسْتِعْمَال النَّاس فِي الْكَلَام , وَتَوْجِيه مَعَانِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الظَّاهِر الْمُسْتَعْمَل فِي النَّاس , أَوْلَى مِنْ تَوْجِيههَا إِلَى الْخَفِيّ الْقَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ : { تُخْرِجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } بِالتَّشْدِيدِ وَتَثْقِيل الْيَاء مِنْ الْمَيِّت , بِمَعْنَى أَنَّهُ يُخْرِج الشَّيْء الْحَيّ مِنْ الشَّيْء الَّذِي قَدْ مَاتَ , وَمِمَّا لَمْ يَمُتْ . وَقَرَأَتْ جَمَاعَة أُخْرَى مِنْهُمْ : | تُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيْت وَتُخْرِج الْمَيْت مِنْ الْحَيّ | بِتَخْفِيفِ الْيَاء مِنْ الْمَيْت . بِمَعْنَى أَنَّهُ يُخْرِج الشَّيْء الْحَيّ مِنْ الشَّيْء الَّذِي قَدْ مَاتَ دُون الشَّيْء الَّذِي لَمْ يَمُتْ , وَتُخْرِج الشَّيْء الْمَيْت دُون الشَّيْء الَّذِي لَمْ يَمُتْ مِنْ الشَّيْء الْحَيّ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّت مُثَقَّل الْيَاء عِنْد الْعَرَب مَا لَمْ يَمُتْ وَسَيَمُوتُ وَمَا قَدْ مَاتَ . وَأَمَّا الْمَيْت مُخَفَّفًا : فَهُوَ الَّذِي قَدْ مَاتَ , فَإِذَا أَرَادُوا النَّعْت قَالُوا : إِنَّك مَائِت غَدًا وَإِنَّهُمْ مَائِتُونَ , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْد , فَإِنَّهُ يَخْرُج عَلَى هَذَا الْمِثَال الِاسْم مِنْهُ , يُقَال : هُوَ الْجَائِد بِنَفْسِهِ والطَّائِبَة نَفْسه بِذَلِكَ , وَإِذَا أُرِيد مَعْنَى الِاسْم قِيلَ : هُوَ الْجَوَاد بِنَفْسِهِ وَالطَّيِّبَة نَفْسه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ شَدَّدَ الْيَاء مِنْ . الْمَيِّت , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُخْرِج الْحَيّ مِنْ النُّطْفَة الَّتِي قَدْ فَارَقَتْ الرَّجُل , فَصَارَتْ مَيْتَة , وَسَيُخْرِجُهُ مِنْهَا بَعْد أَنْ تُفَارِقهُ وَهِيَ فِي صُلْب الرَّجُل , وَيُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , النُّطْفَة الَّتِي تَصِير بِخُرُوجِهَا مِنْ الرَّجُل الْحَيّ مَيْتًا , وَهِيَ قَبْل خُرُوجهَا مِنْهُ حَيَّة , فَالتَّشْدِيد أَبْلَغُ فِي الْمَدْح أَكْمَل فِي الثَّنَاء .|وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ يُعْطِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيَجُود عَلَيْهِ بِغَيْرِ مُحَاسَبَة مِنْهُ لِمَنْ أَعْطَاهُ , لِأَنَّهُ لَا يَخَاف دُخُول اِنْتِقَاص فِي خَزَائِنه . وَلَا الْفَنَاء عَلَى مَا بِيَدِهِ . كَمَا : 5365 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قَالَ : يُخْرِج الرِّزْق مِنْ عِنْده بِغَيْرِ حِسَاب , لَا يَخَاف أَنْ يَنْقُص مَا عِنْده تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : اللَّهُمَّ يَا مَالِكَ الْمُلْك , تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ تَشَاء , وَتَنْزِع الْمُلْك مِمَّنْ تَشَاء , وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاء , وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاء , بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , دُون مَنْ اِدَّعَى الْمُلْحِدُونَ أَنَّهُ لَهُمْ إِلَه وَرَبّ وَعَبَدُوهُ دُونَك , أَوْ اِتَّخَذُوهُ شَرِيكًا مَعَك , أَوْ أَنَّهُ لَك وَلَد وَبِيَدِك الْقُدْرَة الَّتِي تَفْعَل هَذِهِ الْأَشْيَاء , وَتَقْدِر بِهَا عَلَى كُلّ , شَيْء , تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار , وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل , فَتَنْقُص مِنْ هَذَا وَتَزِيد فِي هَذَا , وَتَنْقُص مِنْ هَذَا وَتَزِيد فِي هَذَا . وَتُخْرِج مِنْ مَيِّت حَيًّا , وَمِنْ حَيّ مَيِّتًا , وَتَرْزُق مَنْ تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب مِنْ خَلْقك , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ أَحَد سِوَاك , وَلَا يَسْتَطِيعهُ غَيْرك . كَمَا : 5366 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { تُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت وَتُخْرِج الْمَيِّت مِنْ الْحَيّ } أَيْ بِتِلْكَ الْقُدْرَة , يَعْنِي بِالْقُدْرَةِ الَّتِي تُؤْتِي الْمُلْك بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَنْزِعهُ مِمَّنْ تَشَاء , وَتَرْزُق مَنْ تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْرك وَلَا يَصْنَعهُ إِلَّا أَنْتَ . أَيْ فَإِنْ كُنْت سَلَّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاء الَّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِلَه , مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى , وَإِبْرَاء الْأَسْقَام , وَالْخَلْق لِلطَّيْرِ مِنْ الطِّين , وَالْخَبَر عَنْ الْغُيُوب لِتَجْعَلَهُ آيَة لِلنَّاسِ , وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوَّته الَّتِي بَعَثْته بِهَا إِلَى قَوْمه , فَإِنَّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ , كَتَمْلِيكِ الْمُلُوك . وَأَمْر النُّبُوَّة وَوَضْعهَا حَيْثُ شِئْت , وَإِيلَاج اللَّيْل فِي النَّهَار . وَالنَّهَار فِي اللَّيْل . وَإِخْرَاج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت , وَالْمَيِّت مِنْ الْحَيّ , وَرِزْق مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِر بِغَيْرِ حِسَاب , فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلِّط عِيسَى عَلَيْهِ , وَلَمْ أُمَلِّكْهُ إِيَّاهُ , فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَة وَبَيِّنَة إِذْ لَوْ كَانَ إِلَهًا لَكَانَ ذَلِكَ كُلّه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمهمْ يَهْرُب مِنْ الْمُلُوك , وَيَنْتَقِل مِنْهُمْ فِي الْبِلَاد مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد .)

لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّه فِي شَيْء إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } </subtitle>وَهَذَا نَهْي مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا الْكُفَّار أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا وَظُهُورًا , وَلِذَلِكَ كُسِرَ | يَتَّخِذ | لِأَنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ , وَلَكِنَّهُ كُسِرَ الذَّال مِنْهُ لِلسَّاكِنِ الَّذِي لَقِيَهُ وَهِيَ سَاكِنَة . وَمَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَتَّخِذُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّار ظَهْرًا وَأَنْصَارًا , تُوَالُونَهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَتُظَاهِرُونَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَتَدُلُّونَهُمْ عَلَى عَوْرَاتهمْ , فَإِنَّهُ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّه فِي شَيْء ; يَعْنِي بِذَلِكَ , فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّه , وَبَرِئَ اللَّه مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ دِينِهِ , وَدُخُوله فِي الْكُفْر , إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة , إِلَّا أَنْ تَكُونُوا فِي سُلْطَانهمْ , فَتَخَافُوهُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَتُظْهِرُوا لَهُمْ الْوِلَايَة بِأَلْسِنَتِكُمْ , وَتُضْمِرُوا لَهُمْ الْعَدَاوَة , وَلَا تُشَايِعُوهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر , وَلَا تُعِينُوهُمْ عَلَى مُسْلِم بِفِعْلٍ . كَمَا : 5367 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : نَهَى اللَّه سُبْحَانه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُلَاطِفُوا الْكُفَّار , أَوْ يَتَّخِذُوهُمْ وَلِيجَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , إِلَّا أَنْ يَكُون الْكُفَّار عَلَيْهِمْ ظَاهِرِينَ , فَيُظْهِرُونَ لَهُمْ اللُّطْف , وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الدِّين . وَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } )5368 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (كَانَ الْحَجَّاج بْن عَمْرو حَلِيف كَعْب بْن الْأَشْرَف وَابْن أَبِي الْحُقَيْق , وَقَيْس بْن زَيْد , قَدْ بَطَّنُوا بِنَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَار لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينهمْ . فَقَالَ رِفَاعَة بْن الْمُنْذِر بْن زُبَيْر وَعَبْد اللَّه بْن جُبَيْر وَسَعْد بْن خَيْمَة لِأُولَئِكَ النَّفَر : اِجْتَنِبُوا هَؤُلَاءِ الْيَهُود , وَاحْذَرُوا لُزُومهمْ وَمُبَاطَنَتَهُمْ , لَا يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينكُمْ , فَأَبَى أُولَئِكَ النَّفَر إِلَّا مُبَاطَنَتَهُمْ وَلُزُومهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . )5369 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُ كَافِرًا وَلِيًّا مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . )5370 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ } إِلَى : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } أَمَّا أَوْلِيَاء : فَيُوَالِيهِمْ فِي دِينهمْ , وَيُظْهِرهُمْ عَلَى عَوْرَة الْمُؤْمِنِينَ , فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ مُشْرِك , فَقَدْ بَرِئَ اللَّه مِنْهُ , إِلَّا أَنْ يَتَّقِيَ مِنْهُمْ تُقَاة , فَهُوَ يُظْهِر الْوِلَايَة لَهُمْ فِي دِينهمْ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . )5371 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ({ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : الثِّقَات : التَّكَلُّم بِاللِّسَانِ , وَقَلْبه مُطَمْئِن بِالْإِيمَانِ . )5372 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : مَا لَمْ يُهْرِق دَم مُسْلِم , وَمَا لَمْ يَسْتَحِلّ مَاله . )5373 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } إِلَّا مُصَانَعَة فِي الدُّنْيَا وَمُخَالَقَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5374 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } إِلَى : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : التَّقِيَّة بِاللِّسَانِ وَلَيْسَ بِالْعَمَلِ . )5375 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : التَّقِيَّة بِاللِّسَانِ مَنْ حُمِلَ عَلَى أَمْر يَتَكَلَّم بِهِ وَهُوَ لِلَّهِ مَعْصِيَة , فَتَكَلَّمَ مَخَافَة عَلَى نَفْسه , وَقَلْبه مُطَمْئِن بِالْإِيمَانِ , فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , إِنَّمَا التَّقِيَّة بِاللِّسَانِ . )5376 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } فَالتَّقِيَّة بِاللِّسَانِ : مَنْ حُمِلَ عَلَى أَمْر يَتَكَلَّم بِهِ وَهُوَ مَعْصِيَة لِلَّهِ فَيَتَكَلَّم بِهِ مَخَافَة النَّاس وَقَلْبه مُطَمْئِن بِالْإِيمَانِ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرّهُ , إِنَّمَا التَّقِيَّة بِاللِّسَانِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْنك وَبَيْنه قَرَابَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5377 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَادُّوا الْكُفَّار أَوْ يَتَوَلَّوْهُمْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَقَالَ اللَّه : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } الرَّحِم مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْر أَنْ يَتَوَلَّوْهُمْ فِي دِينهمْ , إِلَّا أَنْ يَصِلَ رَحِمًا لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء } قَالَ : لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَتَّخِذ كَافِرًا وَلِيًّا فِي دِينه , وَقَوْله : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : أَنْ يَكُون بَيْنك وَبَيْنه قَرَابَة , فَتَصِلُهُ لِذَلِكَ . )5378 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } قَالَ : صَاحِبِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا الرَّحِم وَغَيْره , فَأَمَّا فِي الدِّين فَلَا . )وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة تَأْوِيل لَهُ وَجْه , وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْآيَة : إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْ الْكَافِرِينَ تُقَاة . فَالْأَغْلَب مِنْ مَعَانِي هَذَا الْكَلَام : إِلَّا أَنْ تَخَافُوا مِنْهُمْ مَخَافَة . فَالتَّقِيَّة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا هِيَ تَقِيَّة مِنْ الْكُفَّار , لَا مِنْ غَيْرهمْ , وَوَجَّهَهُ قَتَادَة إِلَى أَنَّ تَأْوِيله : إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا اللَّه مِنْ أَجْلِ الْقَرَابَة الَّتِي بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ تُقَاة , فَتَصِلُونَ رَحِمَهَا . وَلَيْسَ ذَلِكَ الْغَالِب عَلَى مَعْنَى الْكَلَام وَالتَّأْوِيل فِي الْقُرْآن عَلَى الْأَغْلَب الظَّاهِر مِنْ مَعْرُوف كَلَام الْعَرَب الْمُسْتَعْمَل فِيهِمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } عَلَى تَقْدِير فُعَلَة مِثْل تُخَمَة وَتُؤَدَة وَتُكَأَة مِنْ اِتَّقَيْت , وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تَقِيَّة | عَلَى مِثَال فَعَيْلَة . وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهَا : { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة } لِثُبُوتِ حُجَّة ذَلِكَ بِأَنَّهُ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة , بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض الَّذِي يَمْتَنِع مِنْهُ الْخَطَأ .|وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّه نَفْسه وَإِلَى اللَّه الْمَصِير } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَيُخَوِّفكُمْ اللَّه مِنْ نَفْسه أَنْ تَرْكَبُوا مَعَاصِيَهُ أَوْ تُوَالُوا أَعْدَاءَهُ , فَإِنَّ مَرْجِعكُمْ وَمَصِيركُمْ بَعْد مَمَاتِكُمْ , وَيَوْم حَشْرِكُمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب , يُعْنَى بِذَلِكَ : مَتَى صِرْتُمْ إِلَيْهِ , وَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَأَتَيْتُمْ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ اِتِّخَاذ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , نَالَكُمْ مِنْ عِقَاب رَبّكُمْ مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ , يَقُول : فَاتَّقُوهُ وَاحْذَرُوهُ أَنْ يَنَالكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ , فَإِنَّهُ شَدِيد الْعَذَاب .

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُوركُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمهُ اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ أَمَرْتهمْ أَنْ لَا يَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُوركُمْ مِنْ مُوَالَاة الْكُفَّار فَتُسِرُّوهُ , أَوْ تُبْدُوا ذَلِكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَفْعَالكُمْ , فَتُظْهِرُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّه فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ ; يَقُول : فَلَا تُضْمِرُوا لَهُمْ مَوَدَّة , وَلَا تُظْهِرُوا لَهُمْ مُوَالَاة , فَيَنَالكُمْ مِنْ عُقُوبَة رَبّكُمْ مَا لَا طَاقَة لَكُمْ بِهِ , لِأَنَّهُ يَعْلَم سِرَّكُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ , وَهُوَ مُحْصِيه عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا , وَبِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا . كَمَا : 5379 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَعْلَم مَا أَسَرُّوا مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَعْلَنُوا , فَقَالَ : { إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُوركُمْ أَوْ تُبْدُوهُ } )|وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَيَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ إِذْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء هُوَ فِي سَمَاء أَوْ أَرْض أَوْ حَيْثُ كَانَ , فَكَيْف يَخْفَى عَلَيْهِ أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , مَا فِي صُدُوركُمْ مِنْ الْمَيْل إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّة , أَوْ مَا تَبْدُونَهُ لَهُمْ بِالْمَعُونَةِ فِعْلًا وَقَوْلًا .|وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّهُ قَدِيرٌ عَلَى مُعَاجَلَتِكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مُوَالَاتِكُمْ إِيَّاهُمْ , وَمُظَاهَرَتكُمُوهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى مَا يَشَاء مِنْ الْأُمُور كُلّهَا , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء طَلَبَهُ .

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه , فِي يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا مُوَفَّرًا , وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء { تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا } . يَعْنِي : غَايَة بَعِيدَة , فَإِنَّ مَصِيركُمْ أَيّهَا الْقَوْم يَوْمئِذٍ إِلَيْهِ , فَاحْذَرُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي مَعْنَى قَوْله : { مُحْضَرًا } مَا : 5380 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله . ( { يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا } يَقُول مُوَفَّرًا . )وَقَدْ زَعَمَ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَاذْكُرْ يَوْم تَجِد , وَقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الْقُرْآن إِنَّمَا نَزَلَ لِلْأَمْرِ وَالذِّكْر , كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : اُذْكُرُوا كَذَا وَكَذَا , لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآن فِي غَيْر مَوْضِع , وَاتَّقُوا يَوْم كَذَا وَحِين كَذَا . وَأَمَّا | مَا | الَّتِي مَعَ عَمِلَتْ فَبِمَعْنَى الَّذِي , وَلَا يَجُوز أَنْ تَكُون جُزْءًا لِوُقُوعِ | تَجِد | عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله . { وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء } فَإِنَّهُ مَعْطُوف عَلَى قَوْله : | مَا | الْأُولَى , وَ | عَمِلَتْ | صِلَة بِمَعْنَى الرَّفْع , لِمَا قِيلَ | تَوَدّ | . فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس الَّذِي عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا , وَاَلَّذِي عَمِلَتْ مِنْ سُوء , تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا . وَالْأَمَد : الْغَايَة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا , وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاح : <br>كُلّ حَيّ مُسْتَكْمِل عِدَّة الْعُمْ .......... رِ وَمُودٍ إِذَا اِنْقَضَى أَمَده <br>يَعْنِي : غَايَة أَجَله . وَقَدْ : 5381 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا } مَكَانًا بَعِيدًا . )5382 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { أَمَدًا بَعِيدًا } قَالَ : أَجَلًا . )5383 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا } قَالَ : يَسُرّ أَحَدهمْ أَنْ لَا يَلْقَى عَمَله ذَاكَ أَبَدًا يَكُون ذَلِكَ مُنَاهُ , وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ كَانَتْ خَطِيئَته يَسْتَلِذّهَا .)|وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه أَنْ تُسْخِطُوهَا عَلَيْكُمْ بِرُكُوبِكُمْ مَا يُسْخِطهُ عَلَيْكُمْ , فَتُوَافُونَهُ , يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا , وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا , وَهُوَ عَلَيْكُمْ سَاخِط , فَيَنَالكُمْ مِنْ أَلِيم عِقَابه مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ رَءُوف بِعِبَادِهِ رَحِيم بِهِمْ , وَمِنْ رَأْفَته بِهِمْ تَحْذِيره إِيَّاهُمْ نَفْسه , وَتَخْوِيفهمْ عُقُوبَته , وَنَهْيه إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيه . كَمَا : 5384 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَالَ : مِنْ رَأْفَته بِهِمْ أَنْ حَذَّرَهُمْ نَفْسه .)

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أُنْزِلَتْ فِي قَوْم قَالُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا نُحِبّ رَبّنَا , فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لَهُمْ : | إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا تَقُولُونَ فَاتَّبِعُونِي , فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَامَة صِدْقكُمْ فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ | . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5385 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه , عَنْ بَكْر بْن الْأَسْوَد , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : (قَالَ قَوْم عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد إِنَّا نُحِبّ رَبّنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ } فَجَعَلَ اِتِّبَاع نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا لِحُبِّهِ , وَعَذَاب مَنْ خَالَفَهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , يَقُول : (قَالَ أَقْوَام عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد إِنَّا لَنُحِبّ رَبّنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ قُرْآنًا : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ } فَجَعَلَ اللَّه اِتِّبَاع نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا لِحُبِّهِ , وَعَذَاب مَنْ خَالَفَهُ . )5386 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَوْله : ( { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه } قَالَ : كَانَ قَوْم يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّه , يَقُولُونَ : إِنَّا نُحِبّ رَبّنَا , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ اِتِّبَاع مُحَمَّد عَلَمًا لِحُبِّهِ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه } . . . الْآيَة , قَالَ : إِنَّ أَقْوَامًا كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّه , فَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَجْعَل لِقَوْلِهِمْ تَصْدِيقًا مِنْ عَمَل , فَقَالَ : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه } . .. الْآيَة . كَانَ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لِوَفْدِ نَجْرَان الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ النَّصَارَى : إِنْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَهُ فِي عِيسَى مِنْ عَظِيم الْقَوْل إِنَّمَا يَقُولُونَهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَحُبًّا لَهُ , فَاتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5387 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر . ( { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه } أَيْ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلكُمْ - يَعْنِي فِي عِيسَى - حُبًّا لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ { فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ } أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْركُمْ { وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ لِغَيْرِ وَفْد نَجْرَان فِي هَذِهِ السُّورَة , وَلَا قَبْل هَذِهِ الْآيَة ذِكْر قَوْم اِدَّعَوْا أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّه , وَلَا أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ , فَيَكُون قَوْله . { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي } جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَن . وَأَمَّا مَا رَوَى الْحَسَن فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ , فَلَا خَبَر بِهِ عِنْدنَا يَصِحّ , فَيَجُوز أَنْ يُقَال : إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السُّورَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُون الْحَسَن أَرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْد نَجْرَان مِنْ النَّصَارَى , فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ قَوْله نَظِير إِخْبَارنَا , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ خَبَر عَلَى مَا قُلْنَا , وَلَا فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَأَوْلَى الْأُمُور بِنَا أَنْ نُلْحِق تَأْوِيله بِاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّلَالَة مِنْ آي السُّورَة , وَذَلِكَ هُوَ مَا وَصَفْنَا , لِأَنَّ مَا قَبْل هَذِهِ الْآيَة مِنْ مُبْتَدَأ هَذِهِ السُّورَة وَمَا بَعْدهَا خَبَر عَنْهُمْ , وَاحْتِجَاج مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَلِيل عَلَى بُطُول قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , فَالْوَاجِب أَنْ تَكُون هِيَ أَيْضًا مَصْرُوفَة الْمَعْنَى إِلَى نَحْو مَا قَبْلهَا , وَمَعْنَى مَا بَعْدهَا . فَإِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَتَأْوِيل الْآيَة : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَان : إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَ اللَّه , وَأَنَّكُمْ تُعَظِّمُونَ الْمَسِيح وَتَقُولُونَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ , حُبًّا مِنْكُمْ رَبّكُمْ , فَحَقِّقُوا قَوْلكُمْ الَّذِي تَقُولُونَهُ , إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِاتِّبَاعِكُمْ إِيَّايَ , فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لِلَّهِ رَسُول إِلَيْكُمْ , كَمَا كَانَ عِيسَى رَسُولًا إِلَى مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ إِنْ اِتَّبَعْتُمُونِي وَصَدَّقْتُمُونِي عَلَى مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , يَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ , فَيَصْفَح لَكُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا وَيَعْفُو لَكُمْ عَمَّا مَضَى مِنْهَا , فَإِنَّهُ غَفُور لِذُنُوبِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ رَحِيم بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقه .

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُول فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان : أَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُول مُحَمَّدًا , فَإِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ يَقِينًا أَنَّهُ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي ابْتَعَثْتُهُ بِالْحَقِّ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي الْإِنْجِيل , { فَإِنْ تَوَلَّوْا } فَاسْتَدْبَرُوا عَمَّا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , وَأَعْرَضُوا عَنْهُ , فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ مَا عَرَفَ مِنْ الْحَقّ , وَأَنْكَرَهُ بَعْد عِلْمه , وَأَنَّهُمْ مِنْهُمْ بِجُحُودِهِمْ نُبُوَّتك وَإِنْكَارهمْ الْحَقّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ بَعْد عِلْمهمْ بِصِحَّةِ أَمْرك وَحَقِيقَة نُبُوَّتك . كَمَا : 5388 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { قُلْ أَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُول } فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ ( يَعْنِي الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان ) وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ . { فَإِذَا تَوَلَّوْا } عَلَى كُفْرهمْ , { فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } )

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه اِجْتَبَى آدَم وَنُوحًا , وَاخْتَارَهُمَا لِدِينِهِمَا , { وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان } لِدِينِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْل الْإِسْلَام . فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ اِخْتَارَ دِين مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى سَائِر الْأَدْيَان الَّتِي خَالَفَتْهُ . وَإِنَّمَا عَنَى بِآلِ إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ آل الرَّجُل أَتْبَاعه وَقَوْمه وَمَنْ هُوَ عَلَى دِينه . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْقَوْل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُولهُ . 5389 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان وَآل يَاسِين وَآل مُحَمَّد , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ } [3 68 ]وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ . )5390 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ } رَجُلَانِ نَبِيَّانِ اِصْطَفَاهُمَا اللَّه عَلَى الْعَالَمِينَ . )5391 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ . أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ . أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : ذَكَرَ اللَّه أَهْل بَيْتَيْنِ صَالِحَيْنِ وَرَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ فَفَضَّلَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . فَكَانَ مُحَمَّد مِنْ آل إِبْرَاهِيم . )5392 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } قَالَ : فَضَّلَهُمْ اللَّه عَلَى الْعَالَمِينَ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى النَّاس كُلّهمْ كَانُوا هُمْ الْأَنْبِيَاء الْأَتْقِيَاء الْمُطِيعِينَ لِرَبِّهِمْ .)

ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِنْ بَعْض } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ اللَّه اِصْطَفَى آل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان { ذُرِّيَّة بَعْضهَا مِنْ بَعْض } فَالذُّرِّيَّة مَنْصُوبَة عَلَى الْقَطْع مِنْ آل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان : لِأَنَّ | الذُّرِّيَّة | نَكِرَة , وَ | آل عِمْرَان | مَعْرِفَة , وَلَوْ قِيلَ نُصِبَتْ عَلَى تَكْرِير الِاصْطِفَاء لَكَانَ صَوَابًا , لِأَنَّ الْمَعْنَى : اِصْطَفَى ذُرِّيَّة بَعْضهَا مِنْ بَعْض . وَإِنَّمَا جُعِلَ | بَعْضهمْ مِنْ بَعْض | فِي الْمُوَالَاة فِي الدِّين وَالْمُوَازَرَة عَلَى الْإِسْلَام وَالْحَقّ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } [9 71 ]وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض } [9 67 ]يَعْنِي أَنَّ دِينهمْ وَاحِد وَطَرِيقَتهمْ وَاحِدَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { ذُرِّيَّة بَعْضهَا مِنْ بَعْض } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : ذُرِّيَّة دِين بَعْضهَا دِين بَعْض , وَكَلِمَتهمْ وَاحِدَة , وَمِلَّتهمْ وَاحِدَة فِي تَوْحِيد اللَّه وَطَاعَته . كَمَا : 5393 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { ذُرِّيَّة بَعْضهَا مِنْ بَعْض } يَقُول : فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالْإِخْلَاص وَالتَّوْحِيد لَهُ .)|وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ|وَقَوْله : { وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَللَّه ذُو مَسْمَع لِقَوْلِ اِمْرَأَة عِمْرَان , وَذُو عِلْم بِمَا تُضْمِرهُ فِي نَفْسهَا , إِذْ نَذَرْت لَهُ مَا فِي بَطْنهَا مُحَرَّرًا .

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّك أَنْتَ السَّمِيع الْعَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي } فَ | إِذْ | مِنْ صِلَة | سَمِيع | وَأَمَّا اِمْرَأَة عِمْرَان . فَهِيَ أُمّ مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان أُمّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَكَانَ اِسْمهَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا حَنَّة اِبْنَة فَاقُوذ بْن قَتِيل . كَذَلِكَ : 5394 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِي نَسَبه . وَقَالَ غَيْر اِبْن حُمَيْد : (اِبْنَة فَاقُود - بِالدَّالِ - اِبْن قَتِيل . فَأَمَّا زَوْجهَا فَإِنَّهُ عِمْرَان بْن ياشهم بْن آمُون بْن منشا بْن حزقيا بْن أحريق بْن يويم بْن عزاريا بْن أمصيا بْن ياوش بْن احريهو بْن يازم بْن يهفاشاط بْن اشابرابان بْن رحبعم بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن إيشا . )كَذَلِكَ : 5395 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , فِي نَسَبه . وَأَمَّا قَوْله : { رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنِّي جَعَلْت لَك يَا رَبّ نَذْرًا أَنَّ لَك الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا لِعِبَادَتِك , يَعْنِي بِذَلِكَ : حَبَسْته عَلَى خِدْمَتك وَخِدْمَة قُدْسك فِي الْكَنِيسَة , عَتِيقَة مِنْ خِدْمَة كُلّ شَيْء سِوَاك , مُفَرَّغَة لَك خَاصَّة . وَنُصِبَ | مُحَرَّرًا | عَلَى الْحَال مِنْ | مَا | الَّتِي بِمَعْنَى | الَّذِي | . { فَتَقَبَّلْ مِنِّي } أَيْ فَتَقَبَّلْ مِنِّي مَا نَذَرْت لَك يَا رَبّ . { إِنَّك أَنْتَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَعْنِي : إِنَّك أَنْتَ يَا رَبّ السَّمِيع لِمَا أَقُول وَأَدْعُو , الْعَلِيم لِمَا أَنْوِي فِي نَفْسِي وَأُرِيد , لَا يَخْفَى عَلَيْك سِرّ أَمْرِي وَعَلَانِيَته . وَكَانَ سَبَب نَذْر حَنَّة اِبْنَة فَاقُوذ اِمْرَأَة عِمْرَان الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِيمَا بَلَغَنَا , مَا : 5396 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : (تَزَوَّجَ زَكَرِيَّا وَعِمْرَان أُخْتَيْنِ , فَكَانَتْ أُمّ يَحْيَى عِنْد زَكَرِيَّا , وَكَانَتْ أُمّ مَرْيَم عِنْد عِمْرَان , فَهَلَكَ عِمْرَان وَأُمّ مَرْيَم حَامِل بِمَرْيَمَ , فَهِيَ جَنِين فِي بَطْنهَا . قَالَ : وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَدْ أُمْسِكَ عَنْهَا الْوَلَد حَتَّى أَسَنَّتْ , وَكَانُوا أَهْل بَيْت مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَكَانٍ . فَبَيْنَا هِيَ فِي ظِلّ شَجَرَة نَظَرَتْ إِلَى طَائِر يُطْعِم فَرْخًا لَهُ , فَتَحَرَّكَتْ نَفْسهَا لِلْوَلَدِ , فَدَعَتْ اللَّه أَنْ يَهَب لَهَا وَلَدًا , فَحَمَلَتْ بِمَرْيَمَ وَهَلَكَ عِمْرَان . فَلَمَّا عَرَفَتْ أَنَّ فِي بَطْنهَا جَنِينًا , جَعَلَتْهُ لِلَّهِ نَذِيرَة ; وَالنَّذِيرَة أَنْ تُعَبِّدهُ لِلَّهِ , فَتَجْعَلهُ حَبْسًا فِي الْكَنِيسَة , لَا يُنْتَفَع بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا . )5397 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ اِمْرَأَة عِمْرَان , وَقَوْلهَا : { رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } أَيْ نَذَرْته , تَقُول : جَعَلْته عَتِيقًا لِعِبَادَةِ اللَّه لَا يُنْتَفَع بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا . { فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّك أَنْتَ السَّمِيع الْعَلِيم } )5398 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد الطُّفَاوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { مُحَرَّرًا } قَالَ : خَادِمًا لِلْبِيعَةِ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (خَادِمًا لِلْكَنِيسَةِ . )5399 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : فَرَّغْته لِلْعِبَادَةِ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : جَعَلْته فِي الْكَنِيسَة , وَفَرَّغْته لِلْعِبَادَةِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : لِلْكَنِيسَةِ يَخْدُمهَا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5400 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : خَالِصًا لَا يُخَالِطهُ شَيْء مِنْ أَمْر الدُّنْيَا . )5401 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : لِلْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَة . )5402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : مُحَرَّر لِلْعِبَادَةِ . )5403 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا بَطْنِي مُحَرَّرًا } . .. الْآيَة . كَانَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان حَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنهَا , وَكَانُوا إِنَّمَا يُحَرِّرُونَ الذُّكُور , وَكَانَ الْمُحَرَّر إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ فِي الْكَنِيسَة لَا يَبْرَحهَا , يَقُوم عَلَيْهَا وَيَكْنُسهَا . )5404 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : نَذَرَتْ وَلَدهَا لِلْكَنِيسَةِ . )5405 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّك أَنْتَ السَّمِيع الْعَلِيم } قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ اِمْرَأَة عِمْرَان حَمَلَتْ , فَظَنَّتْ أَنَّ مَا فِي بَطْنهَا غُلَام , فَوَهَبَتْهُ لِلَّهِ مُحَرَّرًا لَا يَعْمَل فِي الدُّنْيَا . )5406 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (كَانَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان حَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنهَا . قَالَ : وَكَانُوا إِنَّمَا يُحَرِّرُونَ الذُّكُور , فَكَانَ الْمُحَرَّر إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ فِي الْكَنِيسَة لَا يَبْرَحهَا , يَقُوم عَلَيْهَا وَيَكْنُسهَا . )5407 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قَالَ : جَعَلَتْ وَلَدهَا لِلَّهِ وَلِلَّذِينَ يَدْرُسُونَ الْكِتَاب وَيَتَعَلَّمُونَهُ . )5408 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عِكْرِمَة وَأَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة : (أَنَّ اِمْرَأَة عِمْرَان كَانَتْ عَجُوزًا عَاقِرًا تُسَمَّى حَنَّة , وَكَانَتْ لَا تَلِد . فَجَعَلَتْ تَغْبِط النِّسَاء لِأَوْلَادِهِنَّ , فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا شُكْرًا إِنْ رَزَقْتنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّق بِهِ عَلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَيَكُون مِنْ سَدَنَته وَخُدَّامه . قَالَ : وَقَوْله : { نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } إِنَّهَا لِلْحُرَّةِ اِبْنَة الْحَرَائِر مُحَرَّرًا لِلْكَنِيسَةِ يَخْدُمهَا . )5409 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان } . . . الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : نَذَرَتْ مَا فِي بَطْنهَا ثُمَّ سَيَّبَتْهَا .)

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتهَا مَرْيَم } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } فَلَمَّا وَضَعَتْ حَنَّة النَّذِيرَة , وَلِذَلِكَ أُنِّثَ . وَلَوْ كَانَتْ الْهَاء عَائِدَة عَلَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } لَكَانَ الْكَلَام : فَلَمَّا وَضَعَتْهُ قَالَتْ : رَبّ إِنِّي وَضَعْته أُنْثَى . وَمَعْنَى قَوْله : { وَضَعَتْهَا } وَلَدَتْهَا , يُقَال مِنْهُ : وَضَعَتْ الْمَرْأَة تَضَع وَضْعًا . { قَالَتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } أَيْ وَلَدْت النَّذِيرَة أُنْثَى ; { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { وَضَعَتْ } خَبَرًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ الْعَالِم بِمَا وَضَعَتْ مِنْ غَيْر قِيلهَا : { رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ : | وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ | عَلَى وَجْه الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ أُمّ مَرْيَم أَنَّهَا هِيَ الْقَائِلَة , وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَلَدْت مِنِّي . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا نَقَلَتْهُ الْحُجَّة مُسْتَفِيضَة فِيهَا قِرَاءَته بَيْنهَا لَا يَتَدَافَعُونَ صِحَّتهَا , وَذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ } وَلَا يُعْتَرَض بِالشَّاذِّ عَنْهَا عَلَيْهَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : وَاَللَّه أَعْلَم مِنْ كُلّ خَلْقه بِمَا وَضَعَتْ . ثُمَّ رَجَعَ جَلَّ ذِكْره إِلَى الْخَبَر عَنْ قَوْلهَا , وَأَنَّهَا قَالَتْ اِعْتِذَارًا إِلَى رَبّهَا مِمَّا كَانَتْ نَذَرَتْ فِي حَمْلهَا فَحَرَّرَتْهُ لِخِدْمَةِ رَبّهَا : { وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } لِأَنَّ الذَّكَر أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَة وَأَقْوَم بِهَا , وَأَنَّ الْأُنْثَى لَا تَصْلُح فِي بَعْض الْأَحْوَال لِدُخُولِ الْقُدْس وَالْقِيَام بِخِدْمَةِ الْكَنِيسَة لِمَا يَعْتَرِيهَا مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس { وَإِنِّي سَمَّيْتهَا مَرْيَم } . كَمَا : 5410 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } أَيْ لَمَّا جَعَلَتْهَا لَهُ مُحَرَّرَة نَذِيرَة . )5411 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } لِأَنَّ الذَّكَر هُوَ أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأُنْثَى . )5412 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } كَانَتْ الْمَرْأَة لَا تَسْتَطِيع أَنْ يُصْنَع بِهَا ذَلِكَ , يَعْنِي أَنْ تُحَرَّر لِلْكَنِيسَةِ فَتُجْعَل فِيهَا تَقُوم عَلَيْهَا وَتَكْنُسهَا فَلَا تَبْرَحهَا مِمَّا يُصِيبهَا مِنْ الْحَيْض وَالْأَذَى , فَعِنْد ذَلِكَ قَالَتْ : { وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } )5413 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { قَالَتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } وَإِنَّمَا كَانُوا يُحَرِّرُونَ الْغِلْمَان , قَالَ : { وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتهَا مَرْيَم } )5414 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (كَانَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان حَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنهَا , وَكَانَتْ عَلَى رَجَاء أَنْ يَهَب لَهَا غُلَامًا , لِأَنَّ الْمَرْأَة لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ - يَعْنِي الْقِيَام عَلَى الْكَنِيسَة لَا تَبْرَحهَا وَتَكْنُسهَا - لِمَا يُصِيبهَا مِنْ الْأَذَى . )5415 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَنَّ اِمْرَأَة عِمْرَان ظَنَّتْ أَنَّ مَا فِي بَطْنهَا غُلَام , فَوَهَبَتْهُ لِلَّهِ , فَلَمَّا وَضَعَتْ إِذَا هِيَ جَارِيَة , فَقَالَتْ تَعْتَذِر إِلَى اللَّه : { رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى . .. وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } تَقُول : إِنَّمَا يُحَرَّر الْغِلْمَان . يَقُول اللَّه : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا وَضَعَتْ } , فَقَالَتْ : { إِنِّي سَمَّيْتهَا مَرْيَم } . )5416 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عِكْرِمَة , وَأَبِي بَكْر عَنْ عِكْرِمَة : ( { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتهَا أُنْثَى . .. وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى } يَعْنِي فِي الْمَحِيض , وَلَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَكُون مَعَ الرِّجَال ; أُمّهَا تَقُول ذَلِكَ .)|وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } </subtitle>تَعْنِي بِقَوْلِهَا : { وَإِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا } وَإِنِّي أَجْعَل مَعَاذهَا وَمَعَاذ ذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم بِك . وَأَصْل الْمَعَاذ : الْمَوْئِل وَالْمَلْجَأ وَالْمَعْقِل . فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهَا فَأَعَاذَهَا اللَّه وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم , فَلَمْ يَجْعَل لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلًا . 5417 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ نَفْس مَوْلُود يُولَد إِلَّا وَالشَّيْطَان يَنَال مِنْهُ تِلْكَ الطَّعْنَة , وَبِهَا يَسْتَهِلّ الصَّبِيّ ; إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان فَإِنَّهَا لَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ : { رَبّ إِنِّي أُعِيذهَا وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } فَضُرِبَ دُونهَا حِجَاب , فَطَعَنَ فِيهِ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ مَوْلُود مِنْ وَلَد آدَم لَهُ طَعْنَة مِنْ الشَّيْطَان , وَبِهَا يَسْتَهِلّ الصَّبِيّ ; إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان وَوَلَدهَا , فَإِنَّ أُمّهَا قَالَتْ حِين وَضَعَتْهَا : { إِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } فَضُرِبَ دُونهمَا حِجَاب فَطَعَنَ فِي الْحِجَاب . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . 5418 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ شُعَيْب بْن خَالِد , عَنْ الزُّبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا مِنْ بَنِي آدَم مَوْلِد إِلَّا قَدْ مَسَّهُ الشَّيْطَان حِين يُولَد , فَيَسْتَهِلّ صَارِخًا بِمَسِّهِ إِيَّاهُ ; غَيْر مَرْيَم وَابْنهَا | . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { إِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } . )5419 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ عَجْلَان مَوْلَى الْمُشْمَعِلّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ مَوْلُود يُولَد مِنْ بَنِي آدَم يَمَسّهُ الشَّيْطَان بِأُصْبُعِهِ , إِلَّا مَرْيَم وَابْنهَا . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ أَبَا يُونُس سُلَيْمَان مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَة , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلّ بَنِي آدَم يَمَسّهُ الشَّيْطَان يَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه , إِلَّا مَرْيَم وَابْنهَا . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عِمْرَان أَنَّ أَبَا يُونُس حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إِلَّا يَمَسّهُ الشَّيْطَان فَيَسْتَهِلّ صَارِخًا مِنْ مَسَّة الشَّيْطَان إِلَّا مَرْيَم وَابْنهَا | ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة : اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { وَإِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } . )5420 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إِلَّا وَقَدْ عَصَرَهُ الشَّيْطَان عَصْرَة أَوْ عَصْرَتَيْنِ ; إِلَّا عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَمَرْيَم | . ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } . )5421 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَا وُلِدَ مَوْلُود إِلَّا وَقَدْ اِسْتَهَلَّ , غَيْر الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم لَمْ يُسَلَّط عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَلَمْ يَنْهَزهُ . )5422 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُنْذِر بْن النُّعْمَان الْأَفْطَس , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : (لَمَّا وُلِدَ عِيسَى , أَتَتْ الشَّيَاطِين إِبْلِيس , فَقَالُوا : أَصْبَحَتْ الْأَصْنَام قَدْ نَكَّسَتْ رُءُوسهَا , فَقَالَ : هَذَا فِي حَادِث حَدَثَ ! وَقَالَ : مَكَانكُمْ ! فَطَارَ حَتَّى جَاءَ خَافِقَيْ الْأَرْض , فَلَمْ يَجِد شَيْئًا , ثُمَّ جَاءَ الْبِحَار فَلَمْ يَجِد شَيْئًا , ثُمَّ طَارَ أَيْضًا فَوَجَدَ عِيسَى قَدْ وُلِدَ عِنْد مِذْوَد حِمَار , وَإِذَا الْمَلَائِكَة قَدْ حَفَّتْ حَوْله ; فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : إِنَّ نَبِيًّا قَدْ وُلِدَ الْبَارِحَة مَا حَمَلَتْ أُنْثَى قَطُّ وَلَا وَضَعَتْ إِلَّا أَنَا بِحَضْرَتِهَا إِلَّا هَذِهِ ! فَأْيِسُوا أَنْ تُعْبَد الْأَصْنَام بَعْد هَذِهِ اللَّيْلَة , وَلَكِنْ اِئْتُوا بَنِي آدَم مِنْ قِبَل الْخِفَّة وَالْعَجَلَة . )5423 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَإِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : | كُلّ بَنِي آدَم طَعَنَ الشَّيْطَان فِي جَنْبه إِلَّا عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَأُمّه , جُعِلَ بَيْنهمَا وَبَيْنه حِجَاب , فَأَصَابَتْ الطَّعْنَة الْحِجَاب وَلَمْ يَنْفُذ إِلَيْهَا شَيْء | وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُصِيبَانِ الذُّنُوب كَمَا يُصِيبهَا سَائِر بَنِي آدَم . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى كَانَ يَمْشِي عَلَى الْبَحْر كَمَا يَمْشِي عَلَى الْبَرّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْيَقِين وَالْإِخْلَاص . )5424 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { وَإِنِّي أُعِيذهَا بِك وَذُرِّيَّتهَا مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم } قَالَ : إِنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | كُلّ آدَمِيّ طَعَنَ الشَّيْطَان فِي جَنْبه غَيْر عِيسَى وَأُمّه , كَانَا لَا يُصِيبَانِ الذُّنُوب كَمَا يُصِيبهَا بَنُو آدَم | . قَالَ : وَقَالَ عِيسَى فِيمَا يُثْنِي عَلَى رَبّه : | وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْنَا سَبِيل . )5425 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا شُعَيْب بْن اللَّيْث , قَالَ : ثنا اللَّيْث , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هُرْمُز أَنَّهُ قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ بَنِي آدَم يَطْعَن الشَّيْطَان فِي جَنْبه حِين تَلِدهُ أُمّه , إِلَّا عِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَهَبَ يَطْعَن فَطَعَنَ فِي الْحِجَاب . )5426 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا شُعَيْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اللَّيْث , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هُرْمُز أَنَّهُ قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : (أَرَأَيْت هَذِهِ الصَّرْخَة الَّتِي يَصْرُخهَا الصَّبِيّ , حِين تَلِدهُ أُمّه ؟ فَإِنَّهَا مِنْهَا . )5427 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ بَنِي آدَم مَوْلُود إِلَّا يَمَسّهُ الشَّيْطَان حِين يُولَد يَسْتَهِلّ صَارِخًا | .)

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : تَقَبَّلَ مَرْيَم مِنْ أُمّهَا حَنَّة بِتَحْرِيرِهَا إِيَّاهَا لِلْكَنِيسَةِ وَخِدْمَتهَا , وَخِدْمَة رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَن , وَالْقَبُول : مَصْدَر مِنْ قَبِلَهَا رَبّهَا . فَأُخْرِجَ الْمَصْدَر عَلَى غَيْر لَفْظ الْفِعْل , وَلَوْ كَانَ عَلَى لَفْظه لَكَانَ : فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا تَقَبُّلًا حَسَنًا , وَقَدْ تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ كَثِيرًا أَنْ يَأْتُوا بِالْمَصَادِرِ عَلَى أُصُول الْأَفْعَال وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهَا فِي الْأَفْعَال بِالزِّيَادَةِ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : تَكَلَّمَ فُلَان كَلَامًا , وَلَوْ أُخْرِجَ الْمَصْدَر عَلَى الْفِعْل لَقِيلَ : تَكَلَّمَ فُلَان تَكَلُّمًا , وَمِنْهُ قَوْله : { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } وَلَمْ يَقُلْ : إِنْبَاتًا حَسَنًا . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء أَنَّهُ قَالَ : لَمْ نَسْمَع الْعَرَب تَضُمّ الْقَاف فِي قَبُول , وَكَانَ الْقِيَاس الضَّمّ لِأَنَّهُ مَصْدَر مِثْل الدُّخُول وَالْخُرُوج , قَالَ : وَلَمْ أَسْمَع بِحَرْفٍ آخَر فِي كَلَام الْعَرَب يُشْبِههُ . 5428 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْيَزِيدِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو وَأَمَّا قَوْله : ( { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَأَنْبَتَهَا رَبّهَا فِي غِذَائِهِ وَرِزْقه نَبَاتًا حَسَنًا حَتَّى تَمَّتْ فَكَمُلَتْ اِمْرَأَة بَالِغَة تَامَّة . )كَمَا : 5429 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَن } قَالَ : تَقَبَّلَ مِنْ أُمّهَا مَا أَرَادَتْ بِهَا لِلْكَنِيسَةِ وَآجَرَهَا فِيهَا { وَأَثْبَتَهَا } قَالَ : نَبَتَتْ فِي غِذَاء اللَّه .)|وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَكَفَّلَهَا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | وَكَفَلَهَا | مُخَفَّفَة الْفَاء بِمَعْنَى : ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَيْهِ , اِعْتِبَارًا بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } . [3 44 ]وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } بِمَعْنَى : وَكَفَّلَهَا اللَّه زَكَرِيَّا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَكَفَّلَهَا } مُشَدَّدَة الْفَاء بِمَعْنَى : وَكَفَّلَهَا اللَّه زَكَرِيَّا , بِمَعْنَى : وَضَمَّهَا اللَّه إِلَيْهِ ; لِأَنَّ زَكَرِيَّا أَيْضًا ضَمَّهَا إِلَيْهَا بِإِيجَابِ اللَّه لَهُ ضَمّهَا إِلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّه لَهُ , وَالْآيَة الَّتِي أَظْهَرَهَا لِخُصُومِهِ فِيهَا , فَجَعْله بِهَا أَوْلَى مِنْهُمْ , إِذْ قَرَعَ فِيهَا مَنْ شَاحَّهُ فِيهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغْنَا أَنَّ زَكَرِيَّا وَخُصُومه فِي مَرْيَم إِذْ تَنَازَعُوا فِيهَا أَيّهمْ تَكُون عِنْده , تَسَاهَمُوا بِقِدَاحِهِمْ فَرَمَوْا بِهَا فِي نَهْر الْأُرْدُنّ , فَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : رَتَّبَ قَدَح زَكَرِيَّا , فَقَامَ فَلَمْ يَجْرِ بِهِ الْمَاء وَجَرَى بِقِدَاحِ الْآخَرِينَ الْمَاء , فَجَعَلَ اللَّه ذَلِكَ لِزَكَرِيَّا أَنَّهُ أَحَقّ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ صَعِدَ قَدَح زَكَرِيَّا فِي النَّهْر , وَانْحَدَرَتْ قِدَاح الْآخَرِينَ مَعَ جِرْيَة الْمَاء وَذَهَبَتْ , فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ عِلْمًا مِنْ اللَّه فِي أَنَّهُ أَوْلَى الْقَوْم بِهَا . وَأَيّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَكّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَضَاء مِنْ اللَّه بِهَا لِزَكَرِيَّا عَلَى خُصُومه بِأَنَّهُ أَوْلَاهُمْ بِهَا , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَى نَفْسه بِضَمِّ اللَّه إِيَّاهَا إِلَيْهِ بِقَضَائِهِ لَهُ بِهَا عَلَى خُصُومه عِنْد تَشَاحّهمْ فِيهَا وَاخْتِصَامهمْ فِي أَوْلَاهُمْ بِهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ تَشْدِيد | كَفَّلَهَا | . وَأَمَّا مَا اِعْتَلَّ بِهِ الْقَارِئُونَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْفَاء مِنْ قَوْل اللَّه : { أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } وَأَنَّ ذَلِكَ مُوجِب صِحَّة اِخْتِيَارهمْ التَّخْفِيف فِي قَوْله : { وَكَفَّلَهَا } فَحُجَّة دَالَّة عَلَى ضَعْف اِحْتِيَال : الْمُحْتَجّ بِهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُمْتَنِع ذُو عَقْل مِنْ أَنْ يَقُول قَائِل : كَفَّلَ فُلَان فُلَانًا فَكَفَلَهُ فُلَان , فَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَلْقَى الْقَوْم أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم , بِتَكْفِيلِ اللَّه إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ الَّذِي يَقْضِي بَيْنهمْ فِيهَا عِنْد إِلْقَائِهِمْ الْأَقْلَام . وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة | زَكَرِيَّا | , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة بِالْمَدِّ , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة بِالْقَصْرِ . وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ , وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَة بِإِحْدَاهُمَا خِلَاف لِمَعْنَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب . غَيْر أَنَّ الصَّوَاب عِنْدنَا إِذَا مُدَّ | زَكَرِيَّا | , أَنْ يُنْصَب بِغَيْرِ تَنْوِينٍ , لِأَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْعَجَم لَا يُجْرَى , وَلِأَنَّ قِرَاءَتنَا فِي | كَفَّلَهَا | بِالتَّشْدِيدِ وَتَثْقِيل الْفَاء , فَزَكَرِيَّاء مَنْصُوب بِالْفِعْلِ الْوَاقِع عَلَيْهِ . وَفِي زَكَرِيَّا لُغَة ثَالِثَة لَا تَجُوز الْقِرَاءَة بِهَا لِخِلَافِهَا مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ | زَكَرِيّ | بِحَذْفِ الْمَدَّة وَالْيَاء السَّاكِنَة , تُشَبِّههُ الْعَرَب بِالْمَنْسُوبِ مِنْ الْأَسْمَاء فَتُنَوِّنهُ , وَتُجْرِيه فِي أَنْوَاع الْإِعْرَاب مَجَارِي يَاء النِّسْبَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَضَمَّهَا اللَّه إِلَى زَكَرِيَّا , مِنْ قَوْل الشَّاعِر : <br>فَهُوَ لِضُلَّالِ الْهَوَام كَافِل <br>يُرَاد أَنَّهُ لَمَّا ضَلَّ مِنْ مُتَفَرِّق النَّعَم وَمُنْتَشِره , ضَامّ إِلَى نَفْسه وَجَامِع . و قَدْ رُوِيَ : <br>فَهُوَ لِضُلَّالِ الْهَوَافِي كَافِل <br>بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا نَدَّ فَهَرَبَ مِنْ النَّعَم ضَامّ , مِنْ قَوْلهمْ : هَفَا الظَّلِيم : إِذَا أَسْرَعَ الطَّيَرَان , يُقَال مِنْهُ لِلرَّجُلِ : مَا لَك تَكْفُل كُلّ ضَالَّة ؟ يَعْنِي بِهِ : تَضُمّهَا إِلَيْك وَتَأْخُذهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5430 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد الطُّفَاوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } قَالَ : أَلْقَوْا أَقْلَامهمْ فَجَرَتْ بِهَا الْجِرْيَة إِلَّا قَلَم زَكَرِيَّا صَاعِدًا , فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا . )5431 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قَالَ : ضَمَّهَا إِلَيْهِ . قَالَ : أَلْقَوْا أَقْلَامهمْ , يَقُول عِصِيّهمْ . قَالَ : فَأَلْقَوْهَا تِلْقَاء جِرْيَة الْمَاء , فَاسْتَقْبَلَتْ عَصَا زَكَرِيَّا جِرْيَة الْمَاء فَقَرَعَهُمْ . )5432 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } فَانْطَلَقَتْ بِهَا أُمّهَا فِي خِرَقهَا - يَعْنِي أُمّ مَرْيَم - بِمَرْيَمَ حِين وَلَدَتْهَا إِلَى الْمِحْرَاب - وَقَالَ بَعْضهمْ : اِنْطَلَقَتْ حِين بَلَغَتْ إِلَى الْمِحْرَاب - وَكَانَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ التَّوْرَاة إِذَا جَاءُوا إِلَيْهِمْ بِإِنْسَانٍ يُجَرِّبُونَهُ اِقْتَرَعُوا عَلَيْهِ أَيّهمْ يَأْخُذهُ فَيُعَلِّمهُ , وَكَانَ زَكَرِيَّا أَفْضَلهمْ يَوْمئِذٍ وَكَانَ بَيْنهمْ , وَكَانَتْ خَالَة مَرْيَم تَحْته . فَلَمَّا أَتَوْا بِهَا اِقْتَرَعُوا عَلَيْهَا , وَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا : أَنَا أَحَقّكُمْ بِهَا تَحْتِي خَالَتهَا , فَأَبَوْا . فَخَرَجُوا إِلَى نَهْر الْأُرْدُنّ , فَأَلْقَوْا أَقْلَامهمْ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا , أَيّهمْ يَقُوم قَلَمه فَيَكْفُلهَا . فَجَرَتْ الْأَقْلَام وَقَامَ قَلَم زَكَرِيَّا عَلَى قَرْنَته كَأَنَّهُ فِي طِين , فَأَخَذَ الْجَارِيَة ; وَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } فَجَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي بَيْته , وَهُوَ الْمِحْرَاب . )5433 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } يَقُول : ضَمَّهَا إِلَيْهِ . )5434 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قَالَ : سَهْمهمْ بِقَلَمِهِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 5435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَتْ مَرْيَم اِبْنَة سَيِّدهمْ وَإِمَامهمْ . قَالَ : فَتَشَاحَّ عَلَيْهَا أَحْبَارهمْ , فَاقْتَرَعُوا فِيهَا بِسِهَامِهِمْ أَيّهمْ يَكْفُلهَا . قَالَ قَتَادَة : وَكَانَ زَكَرِيَّا زَوْج أُخْتهَا فَكَفَلَهَا , وَكَانَتْ عِنْده وَحَضَنَهَا . )5436 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة أَنَّهُ أَخْبَرَهُ , عَنْ عِكْرِمَة , وَأَبِي بَكْر عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (ثُمَّ خَرَجَتْ بِهَا - يَعْنِي أُمّ مَرْيَم بِمَرْيَمَ - فِي خِرَقهَا تَحْمِلهَا إِلَى بَنِي الْكَاهِن بْن هَارُون أَخِي مُوسَى بْن عِمْرَان , قَالَ : وَهُمْ يَوْمئِذٍ يَلُونَ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس مَا يَلِي الْحَجَبَة مِنْ الْكَعْبَة , فَقَالَتْ لَهُمْ : دُونكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَة فَإِنِّي حَرَّرْتهَا وَهِيَ اِبْنَتِي , وَلَا يَدْخُل الْكَنِيسَة حَائِض , وَأَنَا لَا أَرُدّهَا إِلَى بَيْتِي ! فَقَالُوا : هَذِهِ اِبْنَة إِمَامنَا - وَكَانَ عِمْرَان يَؤُمّهُمْ فِي الصَّلَاة - وَصَاحِب قُرْبَانهمْ . فَقَالَ زَكَرِيَّا : اِدْفَعُوهَا إِلَيَّ فَإِنَّ خَالَتهَا عِنْدِي ! قَالُوا : لَا تَطِيب أَنْفُسنَا هِيَ اِبْنَة إِمَامنَا . فَذَلِكَ حِين اِقْتَرَعُوا فَاقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ عَلَيْهَا , بِالْأَقْلَامِ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا التَّوْرَاة , فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا فَكَفَلَهَا . )5437 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي مِحْرَابه , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . ) قَالَ حَجَّاج : قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْكَاهِن فِي كَلَامهمْ : الْعَالِم . 5438 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } بَعْد أَبِيهَا وَأُمّهَا , يُذَكِّرهَا بِالْيُتْمِ . ثُمَّ قَصَّ خَبَرهَا وَخَبَر زَكَرِيَّا . )5439 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قَالَ : كَانَتْ عِنْده . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : ( { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قَالَ : جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي مِحْرَابه . )5440 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { فَتَقَبَّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } وَتَقَارَعَهَا الْقَوْم , فَقَرَعَ زَكَرِيَّا , فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ زَكَرِيَّا بَعْد وِلَادَة حَنَّة اِبْنَتهَا مَرْيَم كَفَلَهَا بِغَيْرِ اِقْتِرَاع وَلَا اِسْتِهَام عَلَيْهَا وَلَا مُنَازَعَة أَحَد إِيَّاهُ فِيهَا . وَإِنَّمَا كَفَلَهَا لِأَنَّ أُمّهَا مَاتَتْ بَعْد مَوْت أَبِيهَا وَهِيَ طِفْلَة , وَعِنْد زَكَرِيَّا خَالَتهَا إيشاع اِبْنَة فَاقُوذ ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ اِسْم أُمّ يَحْيَى خَالَة عِيسَى : أشيع . 5441 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان , عَنْ شُعَيْب الْجُبَّائِيّ (أَنَّ اِسْم أُمّ يَحْيَى : أشيع . )فَضَمَّهَا إِلَى خَالَتهَا أُمّ يَحْيَى , فَكَانَتْ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُمْ , حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ أَدْخَلُوهَا الْكَنِيسَة لِنَذْرِ أُمّهَا الَّتِي نَذَرَتْ فِيهَا . قَالُوا : وَالِاقْتِرَاع فِيهَا بِالْأَقْلَامِ , إِنَّمَا كَانَ بَعْد ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَة لِشِدَّةِ إِصَابَتهمْ ضَعُفَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْل مُؤْنَتهَا , فَتَدَافَعُوا حَمْل مُؤْنَتهَا , لَا رَغْبَة مِنْهُمْ , وَلَا تَنَافُسًا عَلَيْهَا وَعَلَى اِحْتِمَال مُؤْنَتهَا . وَسَنَذْكُرُ قِصَّتهَا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ إِذَا بَلَغْنَا إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . 5442 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق 0 فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل تَصِحّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : | وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا | بِتَخْفِيفِ الْفَاء لَوْ صَحَّ التَّأْوِيل . غَيْر أَنَّ الْقَوْل مُتَظَاهِر مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِالْقَوْلِ الْأَوَّل إِنَّ اِسْتِهَام الْقَوْم فِيهَا كَانَ قَبْل كَفَالَة زَكَرِيَّا إِيَّاهَا , وَأَنَّ زَكَرِيَّا إِنَّمَا كَفَلَهَا بِإِخْرَاجِ سَهْمه مِنْهَا فَالِحًا عَلَى سِهَام خُصُومه فِيهَا , فَلِذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَته بِالتَّشْدِيدِ عِنْدنَا أَوْلَى مِنْ قِرَاءَته بِالتَّخْفِيفِ .|كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا الْمِحْرَاب بَعْد إِدْخَاله إِيَّاهَا الْمِحْرَاب , وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا مِنْ اللَّه لِغِذَائِهَا . فَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ الرِّزْق الَّذِي كَانَ يَجِدهُ زَكَرِيَّا عِنْدهَا فَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَفَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5443 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : وَجَدَ عِنْدهَا عِنَبًا فِي مِكْتَل فِي غَيْر حِينه . )5444 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد فِي قَوْله : ( { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : الْعِنَب فِي غَيْر حِينه . )5445 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : فَاكِهَة فِي غَيْر حِينهَا . )5446 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الْكُوفِيّ , عَنْ الضَّحَّاك : (أَنَّهُ كَانَ يَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء وَفَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , يَعْنِي فِي قَوْله : { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ بَعْض أَشْيَاخه , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 5447 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة يُحَدِّث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَانَ يَجِد عِنْدهَا الْعِنَب فِي غَيْر حِينه . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : عِنَبًا وَجَدَهُ زَكَرِيَّا عِنْد مَرْيَم فِي غَيْر زَمَانه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 5448 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء , وَفَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف . )5449 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِفَاكِهَةِ الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَفَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء . )5450 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : وَجَدَ عِنْدهَا ثَمَرَة فِي غَيْر زَمَانهَا . )5451 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (جَعَلَ زَكَرِيَّا دُونهَا عَلَيْهَا سَبْعَة أَبْوَاب , فَكَانَ يَدْخُلهَا عَلَيْهَا , فَيَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَفَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء . )5452 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي بَيْت وَهُوَ الْمِحْرَاب , فَكَانَ يَدْخُل عَلَيْهَا فِي الشِّتَاء , فَيَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الصَّيْف , وَيَدْخُل فِي الصَّيْف فَيَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الشِّتَاء . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : كَانَ يَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء . )5453 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا } قَالَ : وَجَدَ عِنْدهَا ثِمَار الْجَنَّة , فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء وَفَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف . )5454 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم (أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ يَجِد عِنْدهَا ثَمَرَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَثَمَرَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء . )5455 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (كَانَ زَكَرِيَّا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا - يَعْنِي عَلَى مَرْيَم - الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا رِزْقًا مِنْ السَّمَاء مِنْ اللَّه , لَيْسَ مِنْ عِنْد النَّاس . وَقَالُوا : لَوْ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ يَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ الرِّزْق مِنْ عِنْده لَمْ يَسْأَلهَا عَنْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ إِذَا دَخَلَ إِلَيْهَا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِنْدهَا مِنْ الرِّزْق فَضْلًا عَمَّا كَانَ يَأْتِيهَا بِهِ الَّذِي كَانَ يَمُونهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5456 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَفَلَهَا بَعْد هَلَاك أُمّهَا , فَضَمَّهَا إِلَى خَالَتهَا أُمّ يَحْيَى , حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ , أَدْخَلُوهَا الْكَنِيسَة لِنَذْرِ أُمّهَا الَّذِي نَذَرَتْ فِيهَا , فَجَعَلَتْ تَنْبُت وَتَزِيد , قَالَ ثُمَّ أَصَابَتْ بَنِي إِسْرَائِيل , أَزْمَة , وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالهَا حَتَّى ضَعُفَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلهَا , فَخَرَجَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ , يَا بَنِي إِسْرَائِيل أَتَعْلَمُونَ , وَاَللَّه لَقَدْ ضَعُفْت عَنْ حَمْل اِبْنَة عِمْرَان ! فَقَالُوا : وَنَحْنُ لَقَدْ جَهَدْنَا وَأَصَابَنَا مِنْ هَذِهِ السَّنَة مَا أَصَابَكُمْ . فَتَدَافَعُوهَا بَيْنهمْ , وَهُمْ لَا يَرَوْنَ لَهُمْ مِنْ حَمْلهَا بُدًّا . حَتَّى تَقَارَعُوا بِالْأَقْلَامِ , فَخَرَجَ السَّهْم بِحَمْلِهَا عَلَى رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل نَجَّار يُقَال لَهُ جُرَيْج , قَالَ : فَعَرَفَتْ مَرْيَم فِي وَجْهه شِدَّة مُؤْنَة ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَكَانَتْ تَقُول لَهُ : يَا جُرَيْج أَحْسِنْ بِاَللَّهِ الظَّنّ , فَإِنَّ اللَّه سَيَرْزُقُنَا ! فَجَعَلَ جُرَيْج يُرْزَق بِمَكَانِهَا , فَيَأْتِيهَا كُلّ يَوْم مِنْ كَسْبه بِمَا يُصْلِحهَا , فَإِذَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي الْكَنِيسَة أَنَمَاهُ اللَّه وَكَثَّرَهُ , فَيَدْخُل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَيَرَى عِنْدهَا فَضْلًا مِنْ الرِّزْق وَلَيْسَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِيهَا بِهِ جُرَيْج , فَيَقُول : يَا مَرْيَم أَنَّى لَك هَذَا ؟ فَتَقُول : هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه , إِنَّ اللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب . )وَأَمَّا الْمِحْرَاب : فَهُوَ مُقَدَّم كُلّ مَجْلِس وَمُصَلَّى , وَهُوَ سَيِّد الْمَجَالِس وَأَشْرَفهَا وَأَكْرَمهَا , وَكَذَلِكَ هُوَ مِنْ الْمَسَاجِد , وَمِنْهُ قَوْل عَدِيّ بْن زَيْد : <br>كَدُمَى الْعَاج فِي الْمَحَارِيب أَوْ كَالْ .......... بِيضِ فِي الرَّوْض زَهْره مُسْتَنِير <br>وَالْمَحَارِيب جَمْع مِحْرَاب , وَقَدْ يُجْمَع عَلَى مَحَارِب .|قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا مَرْيَم أَنَّى لَك هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ زَكَرِيَّا يَا مَرْيَم : أَنَّى لَك هَذَا ؟ مِنْ أَيّ وَجْه لَك هَذَا الَّذِي أَرَى عِنْدك مِنْ الرِّزْق , قَالَتْ مَرْيَم مُجِيبَة لَهُ : هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه , تَعْنِي أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي رَزَقَهَا ذَلِكَ فَسَاقَهُ إِلَيْهَا وَأَعْطَاهَا , وَإِنَّمَا كَانَ زَكَرِيَّا يَقُول ذَلِكَ لَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا يُغْلِق عَلَيْهَا سَبْعَة أَبْوَاب , وَيَخْرُج ثُمَّ يَدْخُل عَلَيْهَا , فَيَجِد عِنْدهَا فَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَفَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء , فَكَانَ يَعْجَب مِمَّا يَرَى مِنْ ذَلِكَ , وَيَقُول لَهَا تَعَجُّبًا مِمَّا يَرَى : أَنَّى لَك هَذَا ؟ فَتَقُول : مِنْ عِنْد اللَّه . 5457 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع . 5458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , فَذَكَرَ نَحْوه . 5459 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { يَا مَرْيَم أَنَّى لَك هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : فَإِنَّهُ وَجَدَ عِنْدهَا الْفَاكِهَة الْغَضَّة حِين لَا تُوجَد الْفَاكِهَة عِنْد أَحَد , فَكَانَ زَكَرِيَّا يَقُول : يَا مَرْيَم أَنَّى لَك هَذَا ؟)|اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب } فَخَبَر مِنْ اللَّه أَنَّهُ يَسُوق إِلَى مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه رِزْقه بِغَيْرِ إِحْصَاء وَلَا عَدَد يُحَاسِب عَلَيْهِ عَبْده , لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُنْقِص سَوْقه ذَلِكَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ خَزَائِنه , وَلَا يَزِيد إِعْطَاؤُهُ إِيَّاهُ , وَمُحَاسَبَته عَلَيْهِ فِي مُلْكه , وَفِيمَا لَدَيْهِ شَيْئًا , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم مَا يَرْزُقهُ , وَإِنَّمَا يُحَاسِب مَنْ يُعْطِي مَا يُعْطِيه مَنْ يَخْشَى النُّقْصَان مِنْ مُلْكه , بِخُرُوجِ مَا خَرَجَ مِنْ عِنْده بِغَيْرِ حِسَاب مَعْرُوف وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا يُعْطِي عَلَى غَيْر حِسَاب .

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبّه } </subtitle>أَمَّا قَوْله : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبّه } فَمَعْنَاهُ : عِنْد ذَلِكَ , أَيْ عِنْد رُؤْيَة زَكَرِيَّا مَا رَأَى عِنْد مَرْيَم مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَهَا , وَفَضْله الَّذِي آتَاهَا مِنْ غَيْر تَسَبُّب أَحَد مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِي ذَلِكَ لَهَا , وَمُعَايَنَته عِنْدهَا الثَّمَرَة الرَّطْبَة الَّتِي لَا تَكُون فِي حِين رُؤْيَته إِيَّاهَا عِنْدهَا فِي الْأَرْض ; طَمِعَ فِي الْوَلَد مَعَ كِبَر سِنّه مِنْ الْمَرْأَة الْعَاقِر , فَرَجَا أَنْ يَرْزُقهُ اللَّه مِنْهَا الْوَلَد مَعَ الْحَال الَّتِي هُمَا بِهَا , كَمَا رَزَقَ مَرْيَم عَلَى تَخَلِّيهَا مِنْ النَّاس مَا رَزَقَهَا , مِنْ ثَمَرَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء , وَثَمَرَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْله مِمَّا جَرَتْ بِوُجُودِهِ فِي مِثْل ذَلِكَ الْحِين الْعَادَات فِي الْأَرْض , بَلْ الْمَعْرُوف فِي النَّاس غَيْر ذَلِكَ , كَمَا أَنَّ وِلَادَة الْعَاقِر غَيْر الْأَمْر الْجَارِيَة بِهِ الْعَادَات فِي النَّاس , فَرَغِبَ إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْوَلَد , وَسَأَلَهُ ذُرِّيَّة طَيِّبَة . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل بَيْت زَكَرِيَّا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , كَانُوا قَدْ اِنْقَرَضُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت . كَمَا : 5460 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (فَلَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا مِنْ حَالهَا ذَلِكَ يَعْنِي فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء , وَفَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف , قَالَ : إِنَّ رَبًّا أَعْطَاهَا هَذَا فِي غَيْر حِينه , لَقَادِر عَلَى أَنْ يَرْزُقنِي ذُرِّيَّة طَيِّبَة . وَرَغِبَ فِي الْوَلَد , فَقَامَ فَصَلَّى , ثُمَّ دَعَا رَبّه سِرًّا , فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْم مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْس شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِك رَبّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ اِمْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا يَرِثنِي وَيَرِث مِنْ آل يَعْقُوب وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيًّا } . [19 4 : 6 ]وَقَوْله : { رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك ذُرِّيَّة طَيِّبَة إِنَّك سَمِيع الدُّعَاء } . وَقَالَ : { رَبّ لَا تَذَرنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْر الْوَارِثِينَ } . [21 89 ])5461 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زَكَرِيَّا - يَعْنِي فَاكِهَة الصَّيْف فِي الشِّتَاء , وَفَاكِهَة الشِّتَاء فِي الصَّيْف عِنْد مَرْيَم - قَالَ : إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهَذَا مَرْيَم فِي غَيْر زَمَانه , قَادِر أَنْ يَرْزُقنِي وَلَدًا ! قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبّه } قَالَ : فَذَلِكَ حِين دَعَا . )5462 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (فَدَخَلَ الْمِحْرَاب , وَغَلَّقَ الْأَبْوَاب , وَنَاجَى رَبّه , فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْم مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْس شَيْبًا } [19 4 ]إِلَى قَوْله : { رَبّ رَضِيًّا } [19 6 ] { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } . . .. الْآيَة . [3 39 ])5463 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , قَالَ : (فَدَعَا زَكَرِيَّا عِنْد ذَلِكَ بَعْد مَا أَسَنَّ , وَلَا وَلَد لَهُ , وَقَدْ اِنْقَرَضَ أَهْل بَيْته , فَقَالَ : { رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك ذُرِّيَّة طَيِّبه إِنَّك سَمِيع الدُّعَاء } ثُمَّ شَكَا إِلَى رَبّه , فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْم مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْس شَيْبًا } . . .. [19 4 ]إِلَى : { وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيًّا } [19 6 ] { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب } . . .. الْآيَة . [3 39])|قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً|وَأَمَّا قَوْله : { رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك ذُرِّيَّة طَيِّبَة } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالذُّرِّيَّةِ : النَّسْل , وَبِالطَّيِّبَةِ : الْمُبَارَكَة . كَمَا : 5464 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْك ذُرِّيَّة طَيِّبَة } يَقُول : مُبَارَكَة . )وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ لَدُنْك } فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ عِنْدك . وَأَمَّا الذُّرِّيَّة : فَإِنَّهَا جَمْع , وَقَدْ تَكُون فِي مَعْنَى الْوَاحِد , وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْوَاحِد ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر مُخْبِرًا عَنْ دُعَاء زَكَرِيَّا : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا } [19 5 ]وَلَمْ يَقُلْ | أَوْلِيَاء | , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ وَاحِدًا . وَإِنَّمَا أَنَّثَ طَيِّبَة لِتَأْنِيثِ الذُّرِّيَّة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَبُوك خَلِيفَة وَلَدَتْهُ أُخْرَى .......... وَأَنْتَ خَلِيفَة , ذَاكَ الْكَمَال <br>فَقَالَ : وَلَدَتْهُ أُخْرَى , فَأَنَّثَ , وَهُوَ ذَكَر لِتَأْنِيثِ لَفْظ الْخَلِيفَة , كَمَا قَالَ الْآخَر : <br>كَمَا يَزْدَرِي مِنْ حَيَّة جَبَلِيَّة .......... سَكَاب إِذَا مَا عَضَّ لَيْسَ بِأَدْرَدَا <br>فَأَنَّثَ الْجَبَلِيَّة لِتَأْنِيثِ لَفْظ الْحَيَّة , ثُمَّ رَجَعَا إِلَى الْمَعْنَى فَقَالَ : إِذَا مَا عَضَّ لِأَنَّهُ كَانَ أَرَادَ حَيَّة ذَكَرًا , وَإِنَّمَا يَجُوز هَذَا فِيمَا لَمْ يَقَع عَلَيْهِ فُلَان مِنْ الْأَسْمَاء كَالدَّابَّةِ وَالذُّرِّيَّة وَالْخَلِيفَة , فَأَمَّا إِذَا سُمِّيَ رَجُل بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَكَانَ فِي مَعْنَى فُلَان لَمْ يَجُزْ تَأْنِيث فِعْله وَلَا نَعْته .|إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّك سَمِيع الدُّعَاء } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّك سَامِع الدُّعَاء , غَيْر أَنَّ سَمِيع أَمْدَح , وَهُوَ بِمَعْنَى ذُو سَمْع لَهُ , وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّك تَسْمَع مَا تُدْعَى بِهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة : فَعِنْد ذَلِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبّه فَقَالَ : رَبّ هَبْ لِي مِنْ عِنْدك وَلَدًا مُبَارَكًا , إِنَّك ذُو سَمْع دُعَاء مَنْ دَعَاك .

فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة } عَلَى التَّأْنِيث بِالتَّاءِ , يُرَاد بِهَا : جَمْع الْمَلَائِكَة , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي جَمَاعَة الذُّكُور إِذَا تَقَدَّمَتْ أَفْعَالهَا أَنَّثَتْ أَفْعَالهَا وَلَا سِيَّمَا الْأَسْمَاء الَّتِي فِي أَلْفَاظهَا التَّأْنِيث كَقَوْلِهِمْ : جَاءَتْ الطَّلْحَات . وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : فَنَادَاهُ جِبْرِيل فَذَكَرُوهُ لِلتَّأْوِيلِ , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُمْ يُؤَنِّثُونَ فِعْل الذَّكَر لِلَّفْظِ , فَكَذَلِكَ يُذَكِّرُونَ فِعْل الْمُؤَنَّث أَيْضًا لِلَّفْظِ . وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِيمَا أَرَى بِقِرَاءَةٍ يُذْكَر أَنَّهَا قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَهُوَ مَا : 5465 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد (أَنَّ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : | فَنَادَاهُ جِبْرِيل وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب . )وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَ قَوْله : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة } جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5466 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة } وَهُوَ جِبْرِيل - أَوْ : قَالَتْ الْمَلَائِكَة , وَهُوَ جِبْرِيل - { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَال عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة } وَالْمَلَائِكَة جَمْع لَا وَاحِد ؟ قِيلَ : ذَلِكَ جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب بِأَنْ تُخْبِر عَنْ الْوَاحِد بِمَذْهَبِ الْجَمْع , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : خَرَجَ فُلَان عَلَى بِغَال الْبُرُد , وَإِنَّمَا رَكِبَ بَغْلًا وَاحِدًا , وَرَكِبَ السُّفُن , وَإِنَّمَا رَكِبَ سَفِينَة وَاحِدَة , وَكَمَا يُقَال : مِمَّنْ سَمِعْت هَذَا الْخَبَر ؟ فَيُقَال : مِنْ النَّاس , وإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ رَجُل وَاحِد ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مِنْهُ قَوْله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } [3 173 ]وَالْقَائِل كَانَ فِيمَا ذُكِرَ وَاحِدًا , وَقَوْله : { وَإِذَا مَسَّ النَّاس ضُرّ } , [30 33 ]وَالنَّاس بِمَعْنًى وَاحِد , وَذَلِكَ جَائِز عِنْدهمْ فِيمَا لَمْ يُقْصَد فِيهِ قَصْد وَاحِد . وَإِنَّمَا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي قِرَاءَة ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , أَعْنِي التَّاء وَالْيَاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا اِخْتِلَاف فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْقَرَّائِينَ , وَهُمَا جَمِيعًا فَصِيحَتَانِ عِنْد الْعَرَب , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة إِنْ كَانَ مُرَادًا بِهَا جِبْرِيل كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه فَإِنَّ التَّأْنِيث فِي فِعْلهَا فَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب لِلَفْظِهَا إِنْ تَقَدَّمَهَا الْفِعْل , وَجَائِز فِيهِ التَّذْكِير لِمَعْنَاهَا . وَإِنْ كَانَ مُرَادًا بِهَا جَمْع الْمَلَائِكَة فَجَائِز فِي فِعْلهَا التَّأْنِيث , وَهُوَ مِنْ قَبْلهَا لِلَفْظِهَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب إِذَا قَدَّمَتْ عَلَى الْكَثِير مِنْ الْجَمَاعَة فِعْلهَا أَنَّثَتْهُ , فَقَالَتْ : قَالَتْ النِّسَاء , وَجَائِز التَّذْكِير فِي فِعْلهَا بِنَاء عَلَى الْوَاحِد إِذَا تَقَدَّمَ فِعْله , فَيُقَال : قَالَ الرِّجَال . وَأَمَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيله , فَأَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَة نَادَتْهُ , وَالظَّاهِر مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا جَمَاعَة مِنْ الْمَلَائِكَة دُون الْوَاحِد وَجِبْرِيل وَاحِد , فَلَنْ يَجُوز أَنْ يُحْمَل تَأْوِيل الْقُرْآن إِلَّا عَلَى الْأَظْهَر الْأَكْثَر مِنْ الْكَلَام الْمُسْتَعْمَل فِي أَلْسُن الْعَرَب , دُون الْأَقَلّ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل , وَلَمْ يَضْطَرّنَا حَاجَة إِلَى صَرْف ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنًى وَاحِد , فَيَحْتَاج لَهُ إِلَى طَلَب الْمَخْرَج بِالْخَفِيِّ مِنْ الْكَلَام وَالْمَعَانِي . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم , مِنْهُمْ قَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَجَمَاعَة غَيْرهمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى|وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } </subtitle>وَتَأْوِيل قَوْله { وَهُوَ قَائِم } فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة فِي حَال قِيَامه مُصَلِّيًا . فَقَوْله : { وَهُوَ قَائِم } خَبَر عَنْ وَقْت نِدَاء الْمَلَائِكَة زَكَرِيَّا ; وَقَوْله : { يُصَلِّي } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ الْقِيَام , وَهُوَ رُفِعَ بِالْيَاءِ . وَأَمَّا الْمِحْرَاب : فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ , وَأَنَّهُ مُقَدَّم الْمَسْجِد . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { أَنَّ اللَّه } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ | أَنَّ | بِوُقُوعِ النِّدَاء عَلَيْهَا بِمَعْنَى فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة بِذَلِكَ . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : | إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك | بِكَسْرِ الْأَلِف بِمَعْنَى : قَالَتْ الْمَلَائِكَة : إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك , لِأَنَّ النِّدَاء قَوْل ; وَذَكَرُوا أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب يَا زَكَرِيَّا إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك | ; قَالُوا : إِذَا بَطَلَ النِّدَاء أَنْ يَكُون عَامِلًا فِي قَوْله : | يَا زَكَرِيَّا | , فَبَاطِل أَيْضًا أَنْ يَكُون عَامِلًا فِي | إِنَّ | . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك } بِفَتْحِ أَنَّ بِوُقُوعِ النِّدَاء عَلَيْهِ , بِمَعْنَى : فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة بِذَلِكَ , وَلَيْسَتْ الْعِلَّة الَّتِي اِعْتَلَّ بِهَا الْقَارِئُونَ بِكَسْرِ إِنَّ , مِنْ أَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ عَبْد اللَّه إِنْ كَانَ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا قَرَأَهَا بِزَعْمِهِمْ . وَقَدْ اِعْتَرَضَ بِ | يَا زَكَرِيَّا | بَيْن | إِنَّ | وَبَيْن قَوْله : | فَنَادَتْهُ | , وَإِذَا اِعْتَرَضَ بِهِ بَيْنهمَا , فَإِنَّ الْعَرَب تَعْمَل حِينَئِذٍ النِّدَاء فِي | أَنَّ | , وَتُبْطِلهُ عَنْهَا . أَمَّا الْإِبْطَال , فَإِنَّهُ بَطَلَ عَنْ الْعَمَل فِي الْمُنَادَى قَبْله , فَأَسْلَكُوا الَّذِي بَعْده مَسْلَكه فِي بُطُول عَمَله . وَأَمَّا الْإِعْمَال , فَلِأَنَّ النِّدَاء فِعْل وَاقِع كَسَائِرِ الْأَفْعَال . وَأَمَّا قِرَاءَتنَا فَلَيْسَ نِدَاء زَكَرِيَّا بِ | يَا زَكَرِيَّا | , مُعْتَرَضًا بِهِ بَيْن | أَنَّ | وَبَيْن قَوْله : | فَنَادَتْهُ | , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْنهمَا , فَالْكَلَام الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب إِذْ نُصِبَتْ بِقَوْلِ : نَادَيْت اِسْم الْمُنَادَى , وَأَوْقَعُوهُ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعُوهُ كَذَلِكَ عَلَى | أَنَّ | بَعْده وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إِبْطَال عَمَله , فَقَوْله : | نَادَتْهُ | , قَدْ وَقَعَ عَلَى مَكْنِيّ زَكَرِيَّا ; فَكَذَلِكَ الصَّوَاب أَنْ يَكُون وَاقِعًا عَلَى | أَنَّ | وَعَامِلًا فِيهَا , مَعَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قِرَاءَة أَمْصَار الْإِسْلَام , وَلَا يُعْتَرَض بِالشَّاذِّ عَلَى الْجَمَاعَة الَّتِي تَجِيء مَجِيء الْحُجَّة . وَمَا قَوْله : { يُبَشِّرك } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك } بِتَشْدِيدِ الشِّين وَضَمّ الْيَاء عَلَى وَجْه تَبْشِير اللَّه زَكَرِيَّا بِالْوَلَدِ , مِنْ قَوْل النَّاس : بَشَّرْت فُلَانًا الْبُشْرَى بِكَذَا وَكَذَا , أَيْ أَتَتْهُ بِشَارَات الْبُشْرَى بِذَلِكَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفَة وَغَيْرهمْ : | أَنَّ اللَّه يَبْشُرك | بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الشِّين وَتَخْفِيفهَا , بِمَعْنَى : أَنَّ اللَّه يَسُرّك بِوَلَدٍ يَهَبهُ لَك , مِنْ قَوْل الشَّاعِر : <br>بَشَّرْت عِيَالِي إِذْ رَأَيْت صَحِيفَة .......... أَتَتْك مِنْ الْحَجَّاج يُتْلَى كِتَابهَا <br>وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ | بَشَرْت | لُغَة أَهْل تِهَامَة مِنْ كِنَانَة وَغَيْرهمْ مِنْ قُرَيْش , وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : بَشَرْت فُلَانًا بِكَذَا فَأَنَا أَبْشُرهُ بَشْرًا , وَهَلْ أَنْتَ بَاشِر بِكَذَا ؟ وَيُنْشَد لَهُمْ الْبَيْت فِي ذَلِكَ : <br>وَإِذَا رَأَيْت الْبَاهِشِينَ إِلَى الْعُلَا .......... غُبْرًا أَكُفّهُمْ بِقَاعٍ مُمْحِل <br><br>فَأَعِنْهُمْ وَابْشَرْ بِمَا بَشِرُوا بِهِ .......... وَإِذَا هُمْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فَانْزِلِ <br>فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْأَمْر , فَالْكَلَام الصَّحِيح مِنْ كَلَامهمْ بِلَا أَلِف , فَيُقَال : أَبْشَرْ فُلَانًا بِكَذَا , وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ : بَشِّرْهُ بِكَذَا , وَلَا أَبْشِرْهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : | يُبْشِرُكِ | بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين وَتَخْفِيفهَا . و قَدْ : 5467 - الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , عَنْ مُعَاذ الْكُوفِيّ , قَالَ : (مَنْ قَرَأَ | يُبَشِّرهُمْ | مُثَقَّلَة , فَإِنَّهُ مِنْ الْبِشَارَة , وَمَنْ قَرَأَ | يَبْشُرهُمْ | مُخَفَّفَة بِنَصَبِ الْيَاء , فَإِنَّهُ مِنْ السُّرُور , يَسُرّهُمْ . )وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ ضَمّ الْيَاء وَتَشْدِيد الشِّين , بِمَعْنَى التَّبْشِير , لِأَنَّ ذَلِكَ هِيَ اللُّغَة السَّائِرَة , وَالْكَلَام الْمُسْتَفِيض الْمَعْرُوف فِي النَّاس , مَعَ أَنَّ جَمِيع قُرَّاء الْأَمْصَار مُجْمِعُونَ فِي قِرَاءَة : { فَبِمَ تُبَشِّرُونِ } [15 54 ]عَلَى التَّشْدِيد . وَالصَّوَاب فِي سَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِره . أَنْ يَكُون مِثْله فِي التَّشْدِيد وَضَمّ الْيَاء . وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذ الْكُوفِيّ مِنْ الْفَرْق بَيْن مَعْنَى التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد فِي ذَلِكَ , فَلَمْ نَجِد أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَعْرِفُونَهُ مِنْ وَجْه صَحِيح , فَلَا مَعْنَى لِمَا حُكِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ , وَقَدْ قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : <br>يَا بِشْر حُقَّ لِبِشْرِك التَّبْشِير .......... هَلَّا غَضِبْت لَنَا وَأَنْتَ أَمِير <br>فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ | التَّبْشِير | : الْجَمَال وَالنَّضَارَة وَالسُّرُور , فَقَالَ | التَّبْشِير | وَلَمْ يَقُلْ | الْبِشْر | , فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيف وَالتَّثْقِيل فِي ذَلِكَ وَاحِد . 5468 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } قَالَ : بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَة بِذَلِكَ . )وَأَمَّا قَوْله : { بِيَحْيَى } فَإِنَّهُ اِسْم أَصْله يَفْعَل , مِنْ قَوْل الْقَائِل : حَيِيَ فُلَان فَهُوَ يَحْيَا , وَذَلِكَ إِذَا عَاشَ فَيَحْيَى | يَفْعَل | مِنْ قَوْلهمْ | حَيِيَ | . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَمَّاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّل اِسْمه أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5469 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } يَقُول : عَبْد أَحْيَاهُ اللَّه بِالْإِيمَانِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ يَحْيَى , لِأَنَّ اللَّه أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ .)|مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك يَا زَكَرِيَّا بِيَحْيَى اِبْنًا لَك , { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَنُصِبَ قَوْله | مُصَدِّقًا | عَلَى الْقَطْع مِنْ يَحْيَى , لِأَنَّ | مُصَدِّقًا | نَعْت لَهُ وَهُوَ نَكِرَة , وَ | يَحْيَى | غَيْر نَكِرَة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5470 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد الطُّفَاوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (قَالَتْ اِمْرَأَة زَكَرِيَّا لِمَرْيَمَ : إِنِّي أَجِد الَّذِي فِي بَطْنِي يَتَحَرَّك لِلَّذِي فِي بَطْنك , قَالَ : فَوَضَعَتْ اِمْرَأَة زَكَرِيَّا يَحْيَى , وَمَرْيَم عِيسَى . وَلِذَا قَالَ : { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ يَحْيَى : مُصَدِّق بِعِيسَى . )5471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الرَّقَاشِيّ فِي قَوْل اللَّه : ( { يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم . )5472 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5473 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة فِي قَوْله : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : مُصَدِّقًا بِعِيسَى . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } يَقُول : مُصَدِّق بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَعَلَى سُنَنه وَمِنْهَاجه . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } يَقُول : مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم , يَقُول : عَلَى سُنَنه وَمِنْهَاجه . )5474 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : كَانَ أَوَّل رَجُل صَدَّقَ عِيسَى وَهُوَ كَلِمَة مِنْ اللَّه وَرُوح . )5475 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } يُصَدِّق بِعِيسَى . )5476 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } فَإِنَّ يَحْيَى أَوَّل مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى , وَشَهِدَ أَنَّهُ كَلِمَة مِنْ اللَّه , وَكَانَ يَحْيَى اِبْن خَالَة عِيسَى , وَكَانَ أَكْبَر مِنْ عِيسَى . )5477 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم : هُوَ الْكَلِمَة مِنْ اللَّه اِسْمه الْمَسِيح . )5478 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : كَانَ عِيسَى وَيَحْيَى اِبْنَيْ خَالَة , وَكَانَتْ أُمّ يَحْيَى تَقُول لِمَرْيَمَ : إِنِّي أَجِد الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْنك , فَذَلِكَ تَصْدِيقه بِعِيسَى , سُجُوده فِي بَطْن أُمّه , وَهُوَ أَوَّل مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى وَكَلِمَة عِيسَى , وَيَحْيَى أَكْبَر مِنْ عِيسَى . )5479 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : الْكَلِمَة الَّتِي صَدَّقَ بِهَا عِيسَى . )5480 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَقِيَتْ أُمّ يَحْيَى أُمّ عِيسَى , وَهَذِهِ حَامِل بِيَحْيَى وَهَذِهِ حَامِل بِعِيسَى , فَقَالَتْ اِمْرَأَة زَكَرِيَّا : يَا مَرْيَم اِسْتَشْعَرْت أَنِّي حُبْلَى , قَالَتْ مَرْيَم : اِسْتَشْعَرْت أَنِّي أَيْضًا حُبْلَى . قَالَتْ اِمْرَأَة زَكَرِيَّا : فَإِنِّي وَجَدْت مَا فِي بَطْنِي يَسْجُد لِمَا فِي بَطْنك . فَذَلِكَ قَوْله : { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } . )5481 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه . ( { إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم . )وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِلُغَاتِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه } بِكِتَابٍ مِنْ اللَّه , مِنْ قَوْل الْعَرَب : أَنْشَدَنِي فُلَان كَلِمَة كَذَا , يُرَاد بِهِ قَصِيدَة كَذَا . جَهْلًا مِنْهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَة , وَاجْتِرَاء عَلَى تَرْجَمَة الْقُرْآن بِرَأْيِهِ .|وَسَيِّدًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَيِّدًا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَسَيِّدًا } وَشَرِيفًا فِي الْعِلْم وَالْعِبَادَة , وَنُصِبَ | السَّيِّد | عَطْفًا عَلَى قَوْله | مُصَدِّقًا | . وَتَأْوِيل الْكَلَام : إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِهَذَا وَسَيِّدًا , وَالسَّيِّد : الْفَيْعِل , مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَادَ يَسُود . كَمَا : 5482 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَسَيِّدًا } إِي وَاَللَّه , لَسَيِّد فِي الْعِبَادَة وَالْحِلْم وَالْعِلْم وَالْوَرَع . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد لَا أَعْلَمهُ إِلَّا قَالَ فِي الْعِلْم وَالْعِبَادَة . )5483 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (السَّيِّد : الْحَلِيم . )5484 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : الْحَلِيم . )5485 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد : التَّقِيّ . )5486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد : الْكَرِيم عَلَى اللَّه . )5487 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : (زَعَمَ الرَّقَاشِيّ أَنَّ السَّيِّد : الْكَرِيم عَلَى اللَّه . )5488 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد : الْحَلِيم التَّقِيّ . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : يَقُول : تَقِيًّا حَلِيمًا . )5489 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : حَلِيمًا تَقِيًّا . )5490 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد : الشَّرِيف . )5491 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد : الْفَقِيه الْعَالِم . )5492 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : يَقُول : حَلِيمًا تَقِيًّا . )5493 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَسَيِّدًا } قَالَ : السَّيِّد الَّذِي لَا يَغْلِبهُ الْغَضَب .)|وَحَصُورًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَصُورًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : مُمْتَنِعًا مِنْ جِمَاع النِّسَاء مِنْ قَوْل الْقَائِل : حُصِرْت مِنْ كَذَا أُحْصَر : إِذَا اِمْتَنَعَ مِنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : حُصِرَ فُلَان فِي قِرَاءَته : إِذَا اِمْتَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَة فَلَمْ يَقْدِر عَلَيْهَا , وَكَذَلِكَ حُصِرَ الْعَدُوّ : حَبَسَهُمْ النَّاس وَمَنَعَهُمْ إِيَّاهُمْ التَّصَرُّف , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّذِي لَا يُخْرِج مَعَ نُدَمَائِهِ شَيْئًا : حَصُور , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : <br>وَشَارِب مُرْبِح بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي .......... لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ <br>وَيُرْوَى | بِسَارِّ | . وَيُقَال أَيْضًا لِلَّذِي لَا يُخْرِج سِرّه وَيَكْتَلُهُ حَصُور , لِأَنَّهُ يَمْنَع سِرّه أَنْ يَظْهَر , كَمَا قَالَ جَرِير : <br>وَلَقَدْ تَسَقَّطَنِي الْوُشَاة فَصَادَفُوا .......... حَصِرًا بِسِرِّك يَا أُمَيْمَ ضَنِينَا <br>وَأَصْل جَمِيع ذَلِكَ وَاحِد , وَهُوَ الْمَنْع وَالْحَبْس . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن خَلَف , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن شُعَيْب , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء . )5495 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ ثني اِبْن الْعَاص , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( كُلّ بَنِي آدَم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَهُ ذَنْب , إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا | , قَالَ : ثُمَّ دَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده إِلَى الْأَرْض , فَأَخَذَ عُوَيْدًا صَغِيرًا , ثُمَّ قَالَ : | وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ إِلَّا مِثْل هَذَا الْعُود , وَبِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّه سَيِّدًا وَحَصُورًا . )5496 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَس بْن عِيَاض , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , يَقُول : (لَيْسَ أَحَد إِلَّا يَلْقَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ذَا ذَنْب إِلَّا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , كَانَ حَصُورًا , مَعَهُ مِثْل الْهُدْبَة . )5497 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ اِبْن الْعَاص - إِمَّا عَبْد اللَّه , وَإِمَّا أَبُوهُ - : (مَا أَحَد يَلْقَى اللَّه إِلَّا وَهُوَ ذُو ذَنْب , إِلَّا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا . )قَالَ : وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يَغْشَى النِّسَاء , وَلَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُ إِلَّا مِثْل هُدْبَة الثَّوْب . )* - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي قَوْله : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور ; الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاء , ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْض فَأَخَذَ نَوَاة فَقَالَ : مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا مِثْل هَذِهِ . )5498 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (الْحَصُور : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , مِثْله . 5499 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْحَصُور : لَا يَقْرَب النِّسَاء . )5500 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : (زَعَمَ الرَّقَاشِيّ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يَقْرَب النِّسَاء . )5501 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : (الْحَصُور : الَّذِي لَا يُولَد لَهُ , وَلَيْسَ لَهُ مَاء . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : هُوَ الَّذِي لَا مَاء لَهُ . )5502 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَحَصُورًا } كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْحَصُور الَّذِي لَا يَقْرَب النِّسَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 5503 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْحَصُور : الَّذِي لَا يُنْزِل الْمَاء . )5504 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء . )5505 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : الْحَصُور : الَّذِي لَا يُرِيد النِّسَاء . )5506 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : ( { وَحَصُورًا } قَالَ : لَا يَقْرَب النِّسَاء .)|وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : رَسُولًا لِرَبِّهِ إِلَى قَوْمه , يُنَبِّئهُمْ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , وَحَلَاله وَحَرَامه , وَيُبَلِّغهُمْ عَنْهُ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ الصَّالِحِينَ } مِنْ أَنْبِيَائِهِ الصَّالِحِينَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى النُّبُوَّة وَمَا أَصْلهَا بِشَوَاهِدِ ذَلِكَ , وَالْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ أَنَّى يَكُون لِي غُلَام وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَر وَامْرَأَتِي عَاقِر } </subtitle>يَعْنِي أَنَّ زَكَرِيَّا قَالَ إِذْ نَادَتْهُ الْمَلَائِكَة : { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّه وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ } { أَنَّى يَكُون لِي غُلَام وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَر } يَعْنِي : مَنْ بَلَغَ مِنْ السِّنّ مَا بَلَغَتْ لَمْ يُولَد لَهُ ; { وَامْرَأَتِي عَاقِر } وَالْعَاقِر مِنْ النِّسَاء : الَّتِي لَا تَلِد , يُقَال مِنْهُ : اِمْرَأَة عَاقِر , وَرَجُل عَاقِر , كَمَا قَالَ عَامِر بْن الطُّفَيْل : <br>لَبِئْسَ الْفَتَى أَنْ كُنْت أَعْوَر عَاقِرًا .......... جَبَانًا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَحْضَر <br>وَأَمَّا الْكِبَر : فَمَصْدَر كَبِرَ فُلَان فَهُوَ يَكْبَر كِبَرًا . وَقِيلَ : | بَلَغَنِي الْكِبَر | , وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَقَدْ بَلَغْت مِنْ الْكِبَر } [19 8 ]لِأَنَّ مَا بَلَغَك فَقَدْ بَلَغْته , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : قَدْ كَبِرْت , وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِل : وَقَدْ بَلَغَنِي الْجَهْد بِمَعْنَى : أَنِّي فِي جَهْد . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ زَكَرِيَّا وَهُوَ نَبِيّ اللَّه : { رَبّ أَنَّى يَكُون لِي غُلَام وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَر وَامْرَأَتِي عَاقِر } وَقَدْ بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَة بِمَا بَشَّرَتْهُ بِهِ , عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهَا بِهِ ؟ أَشُكّ فِي صِدْقهمْ ؟ فَذَلِكَ مَا لَا يَجُوز أَنْ يُوصَف بِهِ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ , فَكَيْفَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسَلُونَ ؟ أَمْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اِسْتِنْكَارًا لِقُدْرَةِ رَبّه ؟ فَذَلِكَ أَعْظَم فِي الْبَلِيَّة ! قِيلَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْره مَا ظَنَنْت , بَلْ كَانَ قِيله مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا : 5507 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (لَمَّا سَمِعَ النِّدَاء - يَعْنِي زَكَرِيَّا لَمَّا سَمِعَ نِدَاء الْمَلَائِكَة بِالْبِشَارَةِ بِيَحْيَى - جَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ : يَا زَكَرِيَّا إِنَّ الصَّوْت الَّذِي سَمِعْت لَيْسَ هُوَ مِنْ اللَّه , إِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَان يَسْخَر بِك , وَلَوْ كَانَ مِنْ اللَّه أَوْحَاهُ إِلَيْك , كَمَا يُوحَى إِلَيْك فِي غَيْره مِنْ الْأَمْر ! فَشَكَّ مَكَانه , وَقَالَ : { أَنَّى يَكُون لِي غُلَام } ذَكَر , يَقُول : وَمِنْ أَيْنَ { وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَر وَامْرَأَتِي عَاقِر } . )5508 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (فَأَتَاهُ الشَّيْطَان , فَأَرَادَ أَنْ يُكَدِّر عَلَيْهِ نِعْمَة رَبّه , فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَنْ نَادَاك ؟ قَالَ : نَعَمْ , نَادَانِي مَلَائِكَة رَبِّي , قَالَ : بَلْ ذَلِكَ الشَّيْطَان , لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ رَبّك لَأَخْفَاهُ إِلَيْك كَمَا أَخْفَيْت نِدَاءَك , فَقَالَ : { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة } . )فَكَانَ قَوْله مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ , وَمُرَاجَعَته رَبّه فِيمَا رَاجَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ : { أَنَّى يَكُون لِي غُلَام } , لِلْوَسْوَسَةِ الَّتِي خَالَطَتْ قَلْبه مِنْ الشَّيْطَان , حَتَّى خَيَّلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ النِّدَاء الَّذِي سَمِعَهُ كَانَ نِدَاء مِنْ غَيْر الْمَلَائِكَة , فَقَالَ : { رَبّ أَنَّى يَكُون لِي غُلَام } مُسْتَثْبِتًا فِي أَمْره لِتَقَرُّرٍ عِنْده بِآيَةٍ , يُرِيه اللَّه فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِشَارَة مِنْ اللَّه عَلَى أَلْسُن مَلَائِكَته , وَلِذَلِكَ قَالَ : { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة } . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون قِيله ذَلِكَ مَسْأَلَة مِنْهُ رَبّه : مِنْ أَيّ وَجْه يَكُون الْوَلَد الَّذِي بُشِّرَ بِهِ , أَمِنْ زَوْجَته فَهِيَ عَاقِر , أَمْ مِنْ غَيْرهَا مِنْ النِّسَاء ؟ فَيَكُون ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ , وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْلهمَا .|قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ كَذَلِكَ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { كَذَلِكَ اللَّه } أَيْ هُوَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه , أَنَّهُ هَيِّن عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُق وَلَدًا مِنْ الْكَبِير الَّذِي قَدْ يَئِسَ مِنْ الْوَلَد , وَمِنْ الْعَاقِر الَّتِي لَا يُرْجَى مِنْ مِثْلهَا الْوِلَادَة , كَمَا خَلَقَك يَا زَكَرِيَّا مِنْ قَبْل خَلْق الْوَلَد مِنْك وَلَمْ تَكُ شَيْئًا , لِأَنَّهُ اللَّه الَّذِي لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ خَلْق شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء شَاءَهُ , لِأَنَّ قُدْرَته الْقُدْرَة الَّتِي لَا يُشْبِههَا قُدْرَة . كَمَا : 5509 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ( { كَذَلِكَ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء } وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ قَبْل وَلَمْ تَكُ شَيْئًا .)

قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَبَرًا عَنْ زَكَرِيَّا , قَالَ زَكَرِيَّا , يَا رَبّ إِنْ كَانَ هَذَا النِّدَاء الَّذِي نُودِيتُهُ , وَالصَّوْت الَّذِي سَمِعْته صَوْت مَلَائِكَتك , وَبِشَارَة مِنْك لِي , فَاجْعَلْ لِي آيَة ! يَقُول : عَلَامَة أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِيَزُولَ عَنِّي مَا قَدْ وَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَان فَأَلْقَاهُ فِي قَلْبِي , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ صَوْت غَيْر الْمَلَائِكَة , وَبِشَارَة مِنْ عِنْد غَيْرك . كَمَا : 5510 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَالَ رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة } قَالَ : قَالَ - يَعْنِي زَكَرِيَّا - : يَا رَبِّي فَإِنْ كَانَ هَذَا الصَّوْت مِنْك , فَاجْعَلْ لِي آيَة . )وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْآيَة , وَأَنَّهَا الْعَلَامَة , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي سَبَب تَرْك الْعَرَب هَمْزهَا , وَمِنْ شَأْنهَا هَمْز كُلّ يَاء جَاءَتْ بَعْد أَلِف سَاكِنَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : تُرِكَ هَمْزهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ أَيَّة , فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ التَّشْدِيد , فَأَبْدَلُوهُ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْل التَّشْدِيد , كَمَا قَالُوا : أَيْمَا فُلَان فَأَخْزَاهُ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هِيَ فَاعِلَة مَنْقُوصَة . فَسَأَلُوا , فَقِيلَ لَهُمْ , فَمَا بَالُ الْعَرَب تُصَغِّرهَا أُيَيَّة , وَلَمْ يَقُولُوا أُوَيَّة ؟ فَقَالُوا : قِيلَ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ فِي فَاطِمَة : هَذِهِ فُطَيْمَة , فَقِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّهُمْ يُصَغِّرُونَ فَاعِلَة عَلَى فُعَيْلَة إِذَا كَانَ اِسْمًا فِي مَعْنَى فُلَان وَفُلَانَة , فَأَمَّا فِي غَيْر ذَلِكَ , فَلَيْسَ مِنْ تَصْغِيرهمْ فَاعِلَة عَلَى فُعَيْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ فَعْلَة , صُيِّرَتْ يَاؤُهَا الْأُولَى أَلِفًا , كَمَا فَعَلَ بِحَاجَةٍ وَقَامَة , فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّمَا تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ فِي أَوْلَاد الثَّلَاثَة , وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلهمْ : لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقِيلَ فِي نَوَاة : نَايَة , وَفِي حَيَاة : حَايَة . <subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } </subtitle>فَعَاقَبَهُ اللَّه فِيمَا ذُكِرَ لَنَا بِمَسْأَلَتِهِ الْآيَة , بَعْد مُشَافَهَة الْمَلَائِكَة إِيَّاهُ بِالْبِشَارَةِ , فَجَعَلَ آيَته عَلَى تَحْقِيق مَا سَمِعَ مِنْ الْبِشَارَة مِنْ الْمَلَائِكَة بِيَحْيَى أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه آيَة مِنْ نَفْسه , جَمَعَ تَعَالَى ذِكْره بِهَا الْعَلَامَة الَّتِي سَأَلَهَا رَبّه عَلَى مَا يُبَيِّن لَهُ حَقِيقَة الْبِشَارَة أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَتَمْحِيصًا لَهُ مِنْ هَفْوَته , وَخَطَأ قِيله وَمَسْأَلَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5511 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } إِنَّمَا عُوقِبَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة شَافَهَتْهُ مُشَافَهَة بِذَلِكَ فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى , فَسَأَلَ الْآيَة بَعْد كَلَام الْمَلَائِكَة إِيَّاهُ , فَأَخَذَ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ , فَجَعَلَ لَا يَقْدِر عَلَى الْكَلَام إِلَّا مَا أَوْمَأَ وَأَشَارَ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَمَا تَسْمَعُونَ : { آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّامًا إِلَّا رَمْزًا } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى مُصَدِّقًا } قَالَ : شَافَهَتْهُ الْمَلَائِكَة , فَقَالَ : { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } يَقُول : إِلَّا إِيمَاء , وَكَانَتْ عُقُوبَة عُوقِبَ بِهَا , إِذْ سَأَلَ الْآيَة مَعَ مُشَافَهَة الْمَلَائِكَة إِيَّاهُ بِمَا بَشَّرَتْهُ بِهِ . )5512 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ عُوقِبَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة شَافَهَتْهُ مُشَافَهَة , فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى , فَسَأَلَ الْآيَة بَعْدُ , فَأُخِذَ بِلِسَانِهِ . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ عُوقِبَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة شَافَهَتْهُ فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى , قَالَتْ : { إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِيَحْيَى } فَسَأَلَ بَعْد كَلَام الْمَلَائِكَة إِيَّاهُ الْآيَة , فَأُخِذَ عَلَيْهِ لِسَانه , فَجَعَلَ لَا يَقْدِر عَلَى الْكَلَام إِلَّا رَمْزًا , يَقُول : يُومِئ إِيمَاء . )5513 - حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْد الرُّصَافِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حِمْيَر , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عَمْرو , عَنْ جُوَيْبِر بْن نُفَيْر فِي قَوْله : ( { قَالَ رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : رَبَا لِسَانه فِي فِيهِ حَتَّى مَلَأَهُ , ثُمَّ أَطْلَقَهُ اللَّه بَعْد ثَلَاث . )وَإِنَّمَا اِخْتَارَتْ الْقُرَّاء النَّصْب فِي قَوْله : { أَلَّا تُكَلِّم النَّاس } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قَالَ : آيَتك أَنْ لَا تُكَلِّم النَّاس فِيمَا يَسْتَقْبِل ثَلَاثَة أَيَّام , فَكَانَتْ أَنْ هِيَ الَّتِي تَصْحَب الِاسْتِقْبَال دُون الَّتِي تَصْحَب الْأَسْمَاء فَتَنْصِبهَا , وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ : آيَتك أَنَّك لَا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام : أَيْ أَنَّك عَلَى هَذِهِ الْحَال ثَلَاثَة أَيَّام , كَانَ وَجْه الْكَلَام الرَّفْع , لِأَنَّ | أَنْ | كَانَتْ تَكُون حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ , وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَائِزا لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى الْآخَر . وَأَمَّا الرَّمْز , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعَانِيه عِنْد الْعَرَب : الْإِيمَاء بِالشَّفَتَيْنِ , وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْإِيمَاء بِالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ أَحْيَانًا , وَذَلِكَ غَيْر كَثِير فِيهِمْ , وَقَدْ يُقَال لِلْخَفِيِّ مِنْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ مِثْل الْهَمْس بِخَفْضِ الصَّوْت : الرَّمْز , وَمِنْهُ قَوْل جُؤَيَّة بْن عَائِذ : <br>وَكَانَ يُكَلِّم الْأَبْطَال رَمْزًا .......... وَهَمْهَمَة لَهُمْ مِثْل الْهَدِير <br>يُقَال مِنْهُ : رَمَزَ فُلَان فَهُوَ يَرْمِز وَيَرْمُز رَمْزًا , وَيَتَرَمَّز تَرَمُّزًا , وَيُقَال : ضَرَبَهُ ضَرْبَة فَارْتَمَزَ مِنْهَا : أَيْ اِضْطَرَبَ لِلْمَوْتِ , قَالَ الشَّاعِر : <br>خَرَرْت مِنْهَا لِقَفَايَ أَرْتَمِز <br>وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي إِخْبَاره عَنْ زَكَرِيَّا مِنْ قَوْله : { آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } وَأَيّ مَعَانِي الرَّمْز عَنَى بِذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : آيَتك أَنْ لَا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا تَحْرِيكًا بِالشَّفَتَيْنِ , مِنْ غَيْر أَنْ تَرْمِز بِلِسَانِك الْكَلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5514 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : تَحْرِيك الشَّفَتَيْنِ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : إِيمَاؤُهُ بِشَفَتَيْهِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِكَ الْإِيمَاء وَالْإِشَارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5515 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : ( { إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : الْإِشَارَة . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : الرَّمْز : أَنْ يُشِير بِيَدِهِ أَوْ رَأْسه وَلَا يَتَكَلَّم . )5516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : الرَّمْز : أَنْ أُخِذَ بِلِسَانِهِ , فَجَعَلَ يُكَلِّم النَّاس بِيَدِهِ . )5517 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : وَالرَّمْز : الْإِشَارَة . )5518 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { رَبّ اِجْعَلْ لِي آيَة قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } . . . الْآيَة . قَالَ : جَعَلَ آيَته أَنْ لَا يُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا , إِلَّا أَنَّهُ يَذْكُر اللَّه . وَالرَّمْز : الْإِشَارَة , يُشِير إِلَيْهِمْ . )5519 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { إِلَّا رَمْزًا } إِلَّا إِيمَاء . )5520 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله 0 5521 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِلَّا رَمْزًا } يَقُول : إِشَارَة . )5522 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ( { إِلَّا رَمْزًا } إِلَّا إِشَارَة . )5523 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { قَالَ آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا } قَالَ : أَمْسَكَ بِلِسَانِهِ , فَجَعَلَ يُومِئ بِيَدِهِ إِلَى قَوْمه : أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَة وَعَشِيًّا .)|وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبّك كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِزَكَرِيَّا : يَا زَكَرِيَّا آيَتك أَنْ لَا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا بِغَيْرِ خَرَس , وَلَا عَاهَة , وَلَا مَرَض { وَاذْكُرْ رَبّك كَثِيرًا } فَإِنَّك لَا تُمْنَع ذِكْره , وَلَا يُحَال بَيْنك وَبَيْن تَسْبِيحه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ ذِكْره . وَقَدْ : 5524 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : (لَوْ كَانَ اللَّه رَخَّصَ لِأَحَدٍ فِي تَرْك الذِّكْر لَرَخَّصَ لِزَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ : { آيَتك أَلَّا تُكَلِّم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبّك كَثِيرًا } أَيْضًا . )وَأَمَّا قَوْله : { وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : عَظِّمْ رَبّك بِعِبَادَتِهِ بِالْعَشِيِّ . وَالْعَشِيّ : مِنْ حِين تَزُول الشَّمْس إِلَى أَنْ تَغِيب , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَلَا الظِّلّ مِنْ بَرْد الضُّحَى تَسْتَطِيعهُ .......... وَلَا الْفَيْء مِنْ بَرْد الْعَشِيّ تَذُوق <br>فَالْفَيْء إِنَّمَا تَبْتَدِئ أَوْبَته عِنْد زَوَال الشَّمْس , وَتَتَنَاهَى بِمَغِيبِهَا . وَأَمَّا الْإِبْكَار : فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَبْكَرَ فُلَان فِي حَاجَة , فَهُوَ يُبْكِر إِبْكَارًا , وَذَلِكَ إِذَا خَرَجَ فِيهَا مِنْ بَيْن مَطْلَع الْفَجْر إِلَى وَقْت الضُّحَى , فَذَلِكَ إِبْكَار , يُقَال فِيهِ : أَبْكَرَ فُلَان , وَبَكَّرَ يُبَكِّر بُكُورًا . فَمِنْ الْإِبْكَار قَوْل عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة : <br>أَمِنْ آل نُعْم أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِر <br>وَمِنْ الْبُكُور قَوْل جَرِير : <br>أَلَا بَكَرَتْ سَلْمَى فَجَدَّ بُكُورهَا .......... وَشَقَّ الْعَصَا بَعْد اِجْتِمَاعٍ أَمِيرُهَا <br>وَيُقَال مِنْ ذَلِكَ : بَكَّرَ النَّخْل يُبَكِّر بُكُورًا , وَأَبْكَرَ يُبْكِر إِبْكَارًا , وَالْبَاكُور مِنْ الْفَوَاكِه : أَوَّلهَا إِدْرَاكًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5525 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار } قَالَ : الْإِبْكَار : أَوَّل الْفَجْر , وَالْعَشِيّ , مَيْل الشَّمْس حَتَّى تَغِيب . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم { إِذْ قَالَتْ اِمْرَأَة عِمْرَان رَبّ إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } { وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك } وَمَعْنَى قَوْله : { اِصْطَفَاك } اِخْتَارَك وَاجْتَبَاك لِطَاعَتِهِ , وَمَا خَصَّك بِهِ مِنْ كَرَامَته . وَقَوْله : { وَطَهَّرَك } يَعْنِي : طَهَّرَ دِينك مِنْ الرَّيْب وَالْأَدْنَاس الَّتِي فِي أَدْيَان نِسَاء بَنِي آدَم . { وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } يَعْنِي : اِخْتَارَك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ فِي زَمَانك بِطَاعَتِك إِيَّاهُ , فَفَضَّلَك عَلَيْهِمْ . كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( خَيْر نِسَائِهَا مَرْيَم بِنْت عِمْرَان , وَخَيْر نِسَائِهَا خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد | )يَعْنِي بِقَوْلِهِ : خَيْر نِسَائِهَا : خَيْر نِسَاء أَهْل الْجَنَّة . 5526 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا مُحَاضِر بْن الْمُوَرِّع , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا بِالْعِرَاقِ , يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( خَيْر نِسَائِهَا مَرْيَم بِنْت عِمْرَان , وَخَيْر نِسَائِهَا خَدِيجَة . )5527 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني الْمُنْذِر بْن عَبْد اللَّه الْحِزَامِيّ , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب , أَنَّ رَسُول اللَّه , قَالَ : ( خَيْر نِسَاء الْجَنَّة مَرْيَم بِنْت عِمْرَان , وَخَيْر نِسَاء الْجَنَّة خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد . )5528 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه , كَانَ يَقُول : | حَسْبك بِمَرْيَمَ بِنْت عِمْرَان , وَامْرَأَة فِرْعَوْن , وَخَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد , وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد مِنْ نِسَاء الْعَالَمِينَ . )قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : ( خَيْر نِسَاء رَكِبْنَ الْإِبِل صَوَالِح نِسَاء قُرَيْش , أَحْنَاهُ عَلَى وَلَد فِي صِغَره , وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْج فِي ذَات يَده . )قَالَ قَتَادَة : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ يَقُول ( لَوْ عَلِمْت أَنَّ مَرْيَم رَكِبَتْ الْإِبِل مَا فَضَّلْت عَلَيْهَا أَحَدًا . )5529 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي , قَوْله ( { يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } قَالَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : | خَيْر نِسَاء رَكِبْنَ الْإِبِل صُلَّح نِسَاء قُرَيْش أَحْنَاهُ عَلَى وَلَد وَأَرْعَاهُ لِزَوْجٍ فِي ذَات يَده | )قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَلَمْ تَرْكَب مَرْيَم بَعِيرًا قَطُّ . 5530 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ قَوْله : ( { وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } قَالَ : كَانَ ثَابِت الْبُنَانِيّ يُحَدِّث عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ | خَيْر نِسَاء الْعَالَمِينَ أَرْبَع : مَرْيَم بِنْت عِمْرَان , وَآسِيَة بِنْت مُزَاحِم اِمْرَأَة فِرْعَوْن , وَخَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد , وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد | صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )5531 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت مُرَّة الْهَمْدَانِيّ يُحَدِّث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَمُلَ مِنْ الرِّجَال كَثِير , وَلَمْ يَكْمُل مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَرْيَم وَآسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن وَخَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد | صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )5532 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو الْأَسْوَد الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ عُمَارَة بْن غَزِيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن عُثْمَان , أَنَّ فَاطِمَة بِنْت حُسَيْن بْن عَلِيّ حَدَّثَتْهُ أَنَّ فَاطِمَة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : (دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْد عَائِشَة , فَنَاجَانِي , فَبَكَيْت , ثُمَّ نَاجَانِي , فَضَحِكْت , فَسَأَلَتْنِي عَائِشَة عَنْ ذَلِكَ , فَقُلْت : لَقَدْ عَجِلْت , أُخْبِرك بِسِرِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَتَرَكَتْنِي , فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سَأَلَتْهَا عَائِشَة , فَقَالَتْ : نَعَمْ , نَاجَانِي فَقَالَ : | جِبْرِيل كَانَ يُعَارِض الْقُرْآن كُلّ عَام مَرَّة , وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَ الْقُرْآن مَرَّتَيْنِ , وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيّ إِلَّا عُمِّرَ نِصْف عُمْر الَّذِي كَانَ قَبْله , وَإِنَّ عِيسَى أَخِي كَانَ عُمْره عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة , وَهَذِهِ لِي سِتُّونَ , وَأَحْسَبنِي مَيِّتًا فِي عَامِي هَذَا , وَإِنَّهُ لَمْ تُرْزَأ اِمْرَأَة مِنْ نِسَاء الْعَالَمِينَ بِمِثْلِ مَا رُزِئْت , وَلَا تَكُونِي دُون اِمْرَأَة صَبْرًا | . قَالَتْ : فَبَكَيْت , ثُمَّ قَالَ : | أَنْتِ سَيِّدَة نِسَاء أَهْل الْجَنَّة إِلَّا مَرْيَم الْبَتُول | فَتُوُفِّيَ عَامه ذَلِكَ . )5533 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَسْوَد , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث , أَنَّ أَبَا زِيَاد الْحِمْيَرِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّار بْن سَعْد يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فُضِّلَتْ خَدِيجَة عَلَى نِسَاء أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَم عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ | )وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَطَهَّرَك } أَنَّهُ وَطَهَّرَ دِينك مِنْ الدَّنَس وَالرَّيْب , قَالَ مُجَاهِد . 5534 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله اللَّه : ( { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك } قَالَ : جَعَلَك طَيِّبَة إِيمَانًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5535 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } قَالَ : ذَلِكَ لِلْعَالَمِينَ يَوْمئِذٍ . )وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة فِيمَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق تَقُول ذَلِكَ لِمَرْيَمَ شِفَاهًا . 5536 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَانَتْ مَرْيَم حَبِيسًا فِي الْكَنِيسَة , وَمَعَهَا فِي الْكَنِيسَة غُلَام اِسْمه يُوسُف , وَقَدْ كَانَ أُمّه وَأَبُوهُ جَعَلَاهُ نَذِيرًا حَبِيسًا , فَكَانَا فِي الْكَنِيسَة جَمِيعًا , وَكَانَتْ مَرْيَم إِذَا نَفِدَ مَاؤُهَا وَمَاء يُوسُف , أَخَذَا قُلَّتَيْهِمَا فَانْطَلَقَا إِلَى الْمَفَازَة الَّتِي فِيهَا الْمَاء الَّذِي يَسْتَعْذِبَانِ مِنْهُ , فَيَمْلَآنِ قُلَّتَيْهِمَا , ثُمَّ يَرْجِعَانِ إِلَى الْكَنِيسَة , وَالْمَلَائِكَة فِي ذَلِكَ مُقْبِلَة عَلَى مَرْيَم : { يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاك وَطَهَّرَك وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ } فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيَّا , قَالَ : إِنَّ لِابْنَةِ عِمْرَان لَشَأْنًا .)

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ خَبَرًا عَنْ قِيلَ مَلَائِكَته لِمَرْيَمَ : { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } أَخْلِصِي الطَّاعَة لِرَبِّك وَحْده . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْقُنُوت بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَاخْتِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَحْو اِخْتِلَافهمْ فِيهِ هُنَالِكَ , وَسَنَذْكُرُ قَوْل بَعْضهمْ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى | اُقْنُتِي | : أَطِيلِي الرُّكُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : أَطِيلِي الرُّكُود , يَعْنِي : الْقُنُوت . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5538 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : أَطِيلِي الرُّكُود فِي الصَّلَاة , يَعْنِي : الْقُنُوت . )5539 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَمَّا قِيلَ لَهَا : { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَامَتْ حَتَّى وَرِمَ كَعْبَاهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ . ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَمَّا قِيلَ لَهَا ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَامَتْ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهَا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ مُجَاهِد : ( { اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : أَطِيلِي الرُّكُود . )5540 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : الْقُنُوت : الرُّكُود , يَقُول : قُومِي لِرَبِّك فِي الصَّلَاة , يَقُول : اُرْكُدِي لِرَبِّك , أَيْ اِنْتَصِبِي لَهُ فِي الصَّلَاة وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : كَانَتْ تُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهَا . )5541 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : كَانَتْ تَقُوم حَتَّى يَسِيل الْقَيْح مِنْ قَدَمَيْهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : أَخْلِصِي لِرَبِّك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5542 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : أَخْلِصِي لِرَبِّك . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : أَطِيعِي رَبّك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5543 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : أَطِيعِي رَبّك . )5544 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { اُقْنُتِي لِرَبِّك } أَطِيعِي رَبّك . )5545 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كُلّ حَرْف يُذْكَر فِيهِ الْقُنُوت مِنْ الْقُرْآن , فَهُوَ طَاعَة لِلَّهِ . )5546 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { يَا مَرْيَم اُقْنُتِي لِرَبِّك } قَالَ : يَقُول : اُعْبُدِي رَبّك . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا أَيْضًا مَعْنَى الرُّكُوع وَالسُّجُود بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته , وَأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْخُشُوع لِلَّهِ وَالْخُضُوع لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّة . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : يَا مَرْيَم أَخْلِصِي عِبَادَة رَبّك لِوَجْهِهِ خَالِصًا , وَاخْشَعِي لِطَاعَتِهِ وَعِبَادَته , مَعَ مَنْ خَشَعَ لَهُ مِنْ خَلْقه , شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَكْرَمَك بِهِ مِنْ الِاصْطِفَاء وَالتَّطْهِير مِنْ الْأَدْنَاس وَالتَّفْضِيل عَلَى نِسَاء عَالَم دَهْرك .

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب نُوحِيه إِلَيْك } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ذَلِكَ الْأَخْبَار الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عِبَاده عَنْ اِمْرَأَة عِمْرَان وَابْنَتهَا مَرْيَم وَزَكَرِيَّا , وَابْنه يَحْيَى , وَسَائِر مَا قَصَّ فِي الْآيَات مِنْ قَوْله : { إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا } ثُمَّ جَمَعَ جَمِيع ذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ ذَلِكَ , فَقَالَ : هَذِهِ الْأَنْبَاء مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب : أَيْ مِنْ أَخْبَار الْغَيْب . وَيَعْنِي بِالْغَيْبِ , أَنَّهَا مِنْ خَفِيّ أَخْبَار الْقَوْم الَّتِي لَمْ تَطَّلِع أَنْتَ يَا مُحَمَّد عَلَيْهَا وَلَا قَوْمك , وَلَمْ يَعْلَمهَا إِلَّا قَلِيل مِنْ أَحْبَار أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَرُهْبَانهمْ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْحَى ذَلِكَ إِلَيْهِ حُجَّة عَلَى نُبُوَّته , وَتَحْقِيقًا لِصِدْقِهِ , وَقَطْعًا مِنْهُ بِهِ عُذْر مُنْكِرِي رِسَالَته مِنْ كُفَّار أَهْل الْكِتَابَيْنِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَصِل إِلَى عِلْم هَذِهِ الْأَنْبَاء مَعَ خَفَائِهَا وَلَمْ يُدْرِك مَعْرِفَتهَا مَعَ خُمُولهَا عِنْد أَهْلهَا إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّه ذَلِكَ إِيَّاهُ , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيّ لَا يَكْتُب فَيَقْرَأ الْكُتُب فَيَصِل إِلَى عِلْم ذَلِكَ مِنْ قِبَل الْكُتُب , وَلَا صَاحِب أَهْل الْكِتَاب فَيَأْخُذ عِلْمه مِنْ قِبَلهمْ . وَأَمَّا الْغَيْب : فَمَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : غَابَ فُلَان عَنْ كَذَا , فَهُوَ يَغِيب عَنْهُ غَيْبًا وَغَيْبَة . وَأَمَّا قَوْله : { نُوحِيه إِلَيْك } فَإِنَّ تَأْوِيله : نَنْزِلهُ إِلَيْك , وَأَصْل الْإِيحَاء : إِلْقَاء الْمُوحِي إِلَى الْمُوحَى إِلَيْهِ , وَذَلِكَ قَدْ يَكُون بِكِتَابٍ وَإِشَارَة وَإِيمَاء وَبِإِلْهَامٍ وَبِرِسَالَةٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَوْحَى رَبّك إِلَى النَّحْل } [16 68 ]بِمَعْنَى : أَلْقَى ذَلِكَ إِلَيْهَا فَأَلْهَمَهَا , وَكَمَا قَالَ : { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ } [5 111 ]بِمَعْنَى : أَلْقَيْت إِلَيْهِمْ عِلْم ذَلِكَ إِلْهَامًا , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>أَوْحَى لَهَا الْقَرَار فَاسْتَقَرَّتْ <br>بِمَعْنَى : أَلْقَى إِلَيْهَا ذَلِكَ أَمْرًا , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَة وَعَشِيًّا } [19 11 ]بِمَعْنَى : فَأَلْقَى ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا , وَالْأَصْل فِيهِ مَا وَصَفْت مِنْ إِلْقَاء ذَلِكَ إِلَيْهِمْ . وَقَدْ يَكُون إِلْقَاؤُهُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِيمَاء , وَيَكُون بِكِتَابٍ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } [6 121 ]يُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ وَسْوَسَة , وَقَوْله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [6 19 ]أُلْقِيَ إِلَيَّ بِمَجِيءِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِهِ إِلَيَّ مِنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَأَمَّا الْوَحْي : فَهُوَ الْوَاقِع مِنْ الْمُوحِي إِلَى الْمُوحَى إِلَيْهِ , وَلِذَلِكَ سَمَّتْ الْعَرَب الْخَطّ وَالْكِتَاب وَحْيًا , لِأَنَّهُ وَاقِع فِيمَا كُتِبَ ثَابِت فِيهِ , كَمَا قَالَ كَعْب بْن زُهَيْر : <br>أَتَى الْعُجْم وَالْآفَاق مِنْهُ قَصَائِد .......... بَقِينَ بَقَاء الْوَحْي فِي الْحَجَر الْأَصَمّ <br>يَعْنِي بِهِ الْكِتَاب الثَّابِت فِي الْحَجَر . وَقَدْ يُقَال فِي الْكِتَاب خَاصَّة إِذَا كَتَبَهُ الْكَاتِب وَحَى , بِغَيْرِ أَلِف , وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة : <br>كَأَنَّهُ بَعْد رِيَاح تَدْهَمهُ .......... وَمُرْثَعِنَّات الدُّجُون تَثِمهُ <br><br>إِنْجِيل أَحْبَار وَحَى مُنَمْنِمه<br>|وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ } وَمَا كُنْت يَا مُحَمَّد عِنْدهمْ , فَتَعْلَم مَا نُعْلِمكَهُ مِنْ أَخْبَارهمْ الَّتِي لَمْ تَشْهَدهَا , وَلَكِنَّك إِنَّمَا تَعْلَم ذَلِكَ فَتُدْرِك مَعْرِفَته بِتَعْرِيفِنَاكَهُ . وَمَعْنَى قَوْله { لَدَيْهِمْ } عِنْدهمْ , وَمَعْنَى قَوْله { إِذْ يُلْقُونَ } حِين يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ . وَأَمَّا أَقْلَامهمْ فَسِهَامهمْ الَّتِي اِسْتَهَمَ بِهَا الْمُسْتَهِمُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى كَفَالَة مَرْيَم , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِي قَوْله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5547 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ } يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )5548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ } زَكَرِيَّا وَأَصْحَابه اسْتَهَمُوا بِأَقْلَامِهِمْ عَلَى مَرْيَم حِين دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } كَانَتْ مَرْيَم اِبْنَة إِمَامهمْ وَسَيِّدهمْ , فَتَشَاحَّ عَلَيْهَا بَنُو إِسْرَائِيل , فَاقْتَرَعُوا فِيهَا بِسِهَامِهِمْ أَيّهمْ يَكْفُلهَا , فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا , وَكَانَ زَوْج أُخْتهَا , فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا , يَقُول : ضَمَّهَا إِلَيْهِ . )5550 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ } قَالَ : تَسَاهَمُوا عَلَى مَرْيَم أَيّهمْ يَكْفُلهَا , فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا . )5551 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } , وَإِنَّ مَرْيَم لَمَّا وُضِعَتْ فِي الْمَسْجِد , اِقْتَرَعَ عَلَيْهَا أَهْل الْمُصَلَّى , وَهُمْ يَكْتُبُونَ الْوَحَى , فَاقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ أَيّهمْ يَكْفُلهَا , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } )5552 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } اِقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم , فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا . )5553 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ } قَالَ : حَيْثُ اِقْتَرَعُوا عَلَى مَرْيَم , وَكَانَ غَيْبًا عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَخْبَرَهُ اللَّه . )وَإِنَّمَا قِيلَ : { أَيّهمْ يَكْفُل مَرْيَم } لِأَنَّ إِلْقَاء الْمُسْتَهِمِينَ أَقْلَامهمْ عَلَى مَرْيَم إِنَّمَا كَانَ لِيَنْظُرُوا أَيّهمْ أَوْلَى بِكَفَالَتِهَا وَأَحَقّ , فَفِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامهمْ } دَلَالَة عَلَى مَحْذُوف مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ : | لِيَنْظُرُوا أَيّهمْ يَكْفُل , وَلِيَتَبَيَّنُوا ذَلِكَ وَيَعْلَمُوهُ | . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْوَاجِب فِي | أَيّهمْ | النَّصْب , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ النَّظَر وَالتَّبَيُّن وَالْعِلْم مَعَ أَيّ يَقْتَضِي اِسْتِفْهَامًا وَاسْتِخْبَارًا , وَحَظّ | أَيّ | فِي الِاسْتِخْبَار الِابْتِدَاء , وَبِطُولِ عَمَل الْمَسْأَلَة وَالِاسْتِخْبَار عَنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : لَأَنْظُرَنَّ أَيّهمْ قَامَ , لَأَسْتَخْبِرَنَّ النَّاس أَيّهمْ قَامَ , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : لَأَعْلَمَنَّ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَعْنَى يَكْفُل يَضُمّ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا كُنْت يَا مُحَمَّد عِنْد قَوْم مَرْيَم , إِذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا أَيّهمْ أَحَقّ بِهَا وَأَوْلَى , وَذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوْبِيخ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ , يَقُول : كَيْفَ يَشُكّ أَهْل الْكُفْر بِك مِنْهُمْ , وَأَنْتَ تُنَبِّئهُمْ هَذِهِ الْأَنْبَاء وَلَمْ تَشْهَدهَا , وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ يَوْم فَعَلُوا هَذِهِ الْأُمُور , وَلَسْت مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُب فَعَلِمَ نَبَأَهُمْ , وَلَا جَالَسَ أَهْلهَا فَسَمِعَ خَبَرهمْ . كَمَا 5554 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا يُخْبِرهُ بِخَفِيِّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْم عِنْدهمْ , لِتَحْقِيقِ نُبُوَّته وَالْحُجَّة عَلَيْهِمْ , لِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمَّا أَخْفَوْا مِنْهُ .)

إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمه الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة } وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ , وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ أَيْضًا إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك . وَالتَّبْشِير إِخْبَار الْمَرْء بِمَا يُسِرّهُ مِنْ خَبَر . وَقَوْله : { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } يَعْنِي : بِرِسَالَةٍ مِنْ اللَّه , وَخَبَر مِنْ عِنْده , وَهُوَ مِنْ قَوْل الْقَائِل أَلْقَى فُلَان إِلَيَّ كَلِمَة سَرَّنِي بِهَا , بِمَعْنَى : أَخْبَرَنِي خَبَرًا فَرِحْت بِهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم } [4 171 ]يَعْنِي بُشْرَى اللَّه مَرْيَم بِعِيسَى أَلْقَاهَا إِلَيْهَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمَا كُنْت يَا مُحَمَّد عِنْد الْقَوْم إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة لِمَرْيَمَ : يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِبُشْرَى مِنْ عِنْده , هِيَ وَلَد لَك , اِسْمه الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَقَدْ قَالَ قَوْم , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة : إِنَّ الْكَلِمَة الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ , هُوَ قَوْله : | كُنْ | . 5555 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } قَالَ : قَوْله | كُنْ . )فَسَمَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَلِمَته , لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ كَلِمَته , كَمَا يُقَال لِمَا قَدَّرَ اللَّه مِنْ شَيْء : هَذَا قَدَر اللَّه وَقَضَاؤُهُ , يُعْنَى بِهِ : هَذَا عَنْ قَدَر اللَّه وَقَضَائِهِ حَدَثَ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانَ أَمْر اللَّه مَفْعُولًا } [4 47 ]يَعْنِي بِهِ : مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَهُوَ الْمَأْمُور الَّذِي كَانَ عَنْ أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ اِسْم لِعِيسَى سَمَّاهُ اللَّه بِهَا كَمَا سَمَّى سَائِر خَلْقه بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَسْمَاء . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : (الْكَلِمَة : هِيَ عِيسَى . )5556 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } قَالَ : عِيسَى هُوَ الْكَلِمَة مِنْ اللَّه . )وَأَقْرَب الْوُجُوه إِلَى الصَّوَاب عِنْدِي الْقَوْل الْأَوَّل : وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَشَّرَتْ مَرْيَم بِعِيسَى عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِرِسَالَتِهِ وَكَلِمَته الَّتِي أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيهَا إِلَيْهَا , أَنَّ اللَّه خَالِق مِنْهَا وَلَدًا مِنْ غَيْر بَعْل وَلَا فَحْل , وَلِذَلِكَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { اِسْمه الْمَسِيح } فَذَكَّرَ , وَلَمْ يَقُلْ اِسْمهَا فَيُؤَنَّث , وَالْكَلِمَة مُؤَنَّثَة , لِأَنَّ الْكَلِمَة غَيْر مَقْصُود بِهَا قَصْد الِاسْم الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى فُلَان , وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْبِشَارَة , فَذُكِّرَتْ كِنَايَتهَا كَمَا تُذَكَّر كِنَايَة الذُّرِّيَّة وَالدَّابَّة وَالْأَلْقَاب , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل فِيمَا مَضَى . فَتَأْوِيل ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا آنِفًا , مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِبُشْرَى , ثُمَّ بَيَّنَ عَنْ الْبُشْرَى , أَنَّهَا وَلَد اِسْمه الْمَسِيح . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , أَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَّر فَقَالَ : { اِسْمه الْمَسِيح } وَقَدْ قَالَ : { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } وَالْكَلِمَة عِنْده : هِيَ عِيسَى , لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا } [39 56 ]ثُمَّ قَالَ : { بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت بِهَا } [39 59 ]وَكَمَا يُقَال : ذُو الثُّدَيَّة , لِأَنَّ يَده كَانَتْ قَصِيرَة قَرِيبَة مِنْ ثَدْيَيْهِ فَجَعَلَهَا كَأَنَّ اِسْمهَا ثَدْيَة , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَدْخُل الْهَاء فِي التَّصْغِير . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة نَحْو قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , فِي أَنَّ الْهَاء مِنْ ذِكْر الْكَلِمَة , وَخَالَفَهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله ذُكِرَ قَوْله { اِسْمه } وَالْكَلِمَة مُتَقَدِّمَة قَبْله , فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ اِسْمه , وَقَدْ قُدِّمَتْ الْكَلِمَة , وَلَمْ يَقُلْ اِسْمهَا , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ تَفْعَل ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ النُّعُوت وَالْأَلْقَاب وَالْأَسْمَاء الَّتِي لَمْ تُوضَع لِتَعْرِيفِ الْمُسَمَّى بِهِ كَفُلَانٍ وَفُلَان , وَذَلِكَ مِثْل الذُّرِّيَّة وَالْخَلِيفَة وَالدَّابَّة , وَلِذَلِكَ جَازَ عِنْده أَنْ يُقَال : ذُرِّيَّة طَيِّبَة , وَذُرِّيَّة طِيبًا ; وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : طَلْحَة أَقْبَلَتْ , وَمُغِيرَة قَامَتْ . وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ اِعْتِلَال مَنْ اِعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِذِي الثُّدَيَّة , وَقَالُوا : إِنَّمَا أُدْخِلَتْ الْهَاء فِي ذِي الثُّدَيَّة لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ : الْقِطْعَة مِنْ الثَّدْي , كَمَا قِيلَ : كُنَّا فِي لَحْمَة وَنَبِيذَة , يُرَاد بِهِ : الْقِطْعَة مِنْهُ . وَهَذَا الْقَوْل نَحْو قَوْلنَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله : { اِسْمه الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم } فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْبَأَ عِبَاده عَنْ نِسْبَة عِيسَى , وَأَنَّهُ اِبْن أُمّه مَرْيَم , وَنَفَى بِذَلِكَ عَنْهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ فِي اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ النَّصَارَى , مِنْ إِضَافَتهمْ بُنُوَّته إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَمَا قُذِفَتْ أُمّه بِهِ الْمُفْتَرِيَة عَلَيْهَا مِنْ الْيَهُود . كَمَا : 5557 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمه الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْره , لَا مَا يَقُولُونَ فِيهِ . )وَأَمَّا الْمَسِيح , فَإِنَّهُ فَعِيل , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , وَإِنَّمَا هُوَ مَمْسُوح , يَعْنِي : مَسَحَهُ اللَّه فَطَهَّرَهُ مِنْ الذُّنُوب , وَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم : الْمَسِيح الصِّدِّيق . .. 5558 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ . 5559 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : قَالَ سَعِيد : (إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَسِيح , لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ .)|مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ | وَجِيهًا | : ذَا وَجْه وَمَنْزِلَة عَالِيَة عِنْد اللَّه وَشَرَف وَكَرَامَة , وَمِنْهُ يُقَال لِلرَّجُلِ الَّذِي يَشْرُف وَتُعَظِّمهُ الْمُلُوك وَالنَّاس : وَجِيه ; يُقَال مِنْهُ : مَا كَانَ فُلَان وَجِيهًا , وَلَقَدْ وَجُهَ وَجَاهَة , وَإِنَّ لَهُ لَوَجْهًا عِنْد السُّلْطَان , وِجَاهًا وَوَجَاهَة . وَالْجَاه : مَقْلُوب قُلِبَتْ وَاوه مِنْ أَوَّله إِلَى مَوْضِع الْعَيْن مِنْهُ , فَقِيلَ جَاه , وَإِنَّمَا هُوَ وَجْه وَفَعْل مِنْ الْجَاه : جَاهَ يَجُوه , مَسْمُوع مِنْ الْعَرَب : أَخَاف أَنْ يَجُوهنِي بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا , بِمَعْنَى : أَنْ يَسْتَقْبِلنِي فِي وَجْهِي بِأَعْظَمَ مِنْهُ . وَأَمَّا نَصْب الْوَجِيه فَعَلَى الْقَطْع مِنْ عِيسَى , لِأَنَّ عِيسَى مَعْرِفَة , وَوَجِيه نَكِرَة , وَهُوَ مِنْ نَعْته , وَلَوْ كَانَ مَخْفُوضًا عَلَى الرَّدّ عَلَى الْكَلِمَة كَانَ جَائِزًا . وَكَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِنْد اللَّه , قَالَ فِيمَا بَلَغَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر . 5560 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَجِيهًا } قَالَ : وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِنْد اللَّه .)|وَالْآخِرَةِ وَمِنَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُ مِمَّنْ يُقَرِّبهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , فَيُسْكِنهُ فِي جِوَاره , وَيُدْنِيه مِنْهُ . كَمَا : 5561 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُقَرَّبِينَ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . )5562 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُقَرَّبِينَ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ } </subtitle>أَمَّا قَوْله : { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمه الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَجِيهًا عِنْد اللَّه , وَمُكَلِّمًا النَّاس فِي الْمَهْد . فَ | يُكَلِّم | وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا , لِأَنَّهُ فِي صُورَة | يَفْعَل | بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَوَامِل فِيهِ , فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع نَصْب , وَهُوَ نَظِير قَوْل الشَّاعِر : <br>بِتّ أُعَشِّيهَا بِعَضَبٍ بَاتِر .......... يَقْصِد فِي أَسْوُقهَا وَجَائِر <br>وَأَمَّا الْمَهْد : فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ مَضْجَع الصَّبِيّ فِي رَضَاعه . كَمَا : 5563 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد } قَالَ : مَضْجَع الصَّبِيّ فِي رَضَاعه . )وَأَمَّا قَوْله : { وَكَهْلًا } فَإِنَّهُ وَمُحْتَنَكًا فَوْق الْغُلُومَة وَدُون الشَّيْخُوخَة , يُقَال مِنْهُ : رَجُل كَهْل , وَامْرَأَة كَهْلَة , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>وَلَا أَعُود بَعْدهَا كَرِيَّا .......... أُمَارِس الْكَهْلَة وَالصَّبِيَّا <br>وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } وَيُكَلِّم النَّاس طِفْلًا فِي الْمَهْد , دَلَالَة عَلَى بَرَاءَة أُمّه مِمَّا قَذَفَهَا بِهِ الْمُفْتَرُونَ عَلَيْهَا , وَحُجَّة لَهُ عَلَى نُبُوَّته , وَبَالِغًا كَبِيرًا بَعْد اِحْتِنَاكه بِوَحْيِ اللَّه الَّذِي يُوحِيه إِلَيْهِ , وَأَمْره وَنَهْيه , وَمَا تَقُول عَلَيْهِ مِنْ كِتَابه . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده بِذَلِكَ مِنْ أَمْر الْمَسِيح , وَأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ , وَإِنْ كَانَ الْغَالِب مِنْ أَمْر النَّاس أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ كُهُولًا وَشُيُوخًا , اِحْتِجَاجًا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ مِنْ النَّصَارَى بِالْبَاطِلِ , وَإِنَّهُ كَانَ فِي مُعَانَاة أَشْيَاء مَوْلُودًا طِفْلًا , ثُمَّ كَهْلًا يَتَقَلَّب فِي الْأَحْدَاث , وَيَتَغَيَّر بِمُرُورِ الْأَزْمِنَة عَلَيْهِ وَالْأَيَّام , مِنْ صِغَر إِلَى كِبَر , وَمِنْ حَال إِلَى حَال , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْمُلْحِدُونَ فِيهِ , كَانَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز عَلَيْهِ , فَكَذَّبَ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ الْوَفْد مِنْ أَهْل نَجْرَان , الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَانَ كَسَائِرِ بَنِي آدَم , إِلَّا مَا خَصَّهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْكَرَامَة الَّتِي أَبَانَهُ بِهَا مِنْهُمْ . كَمَا : 5564 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ } يُخْبِرهُمْ بِحَالَاتِهِ الَّتِي يَتَقَلَّب بِهَا فِي عُمُره كَتَقَلُّبِ بَنِي آدَم فِي أَعْمَارهمْ صِغَارًا وَكِبَارًا , إِلَّا أَنَّ اللَّه خَصَّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْده آيَة لِنُبُوَّتِهِ , وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ مَوَاقِع قُدْرَته . )5565 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ } يَقُول : يُكَلِّمهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا . )5566 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , الرَّبِيع ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } قَالَ : يُكَلِّمهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا . )5567 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ } قَالَ : الْكَهْل : الْحَلِيم . )5568 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (كَلَّمَهُمْ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَكَهْلًا . )وَقَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد : (الْكَهْل : الْحَلِيم . )5569 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } قَالَ : كَلَّمَهُمْ فِي الْمَهْد صَبِيًّا , وَكَلَّمَهُمْ كَبِيرًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَكَهْلًا } إِنَّهُ سَيُكَلِّمُهُمْ إِذَا ظَهَرَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5570 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْته - يَعْنِي اِبْن زَيْد - يَقُول فِي قَوْله : ( { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } قَالَ : قَدْ كَلَّمَهُمْ عِيسَى فِي الْمَهْد , وَسَيُكَلِّمُهُمْ إِذَا قَتَلَ الدَّجَّال , وَهُوَ يَوْمئِذٍ كَهْل . )وَنُصِبَ كَهْلًا عَطْفًا عَلَى مَوْضِع : وَيُكَلِّم النَّاس . وَأَمَّا قَوْله : { وَمِنْ الصَّالِحِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَنْ عِدَادهمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ لِأَنَّ أَهْل الصَّلَاح بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي الدِّين وَالْفَضْل .

قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَتْ رَبّ أَنَّى يَكُون لِي وَلَد وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر قَالَ كَذَلِكَ اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَتْ مَرْيَم - إِذْ قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَة : إِنَّ اللَّه يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ - : رَبّ أَنَّى يَكُون لِي وَلَد : مِنْ أَيّ وَجْه يَكُون لِي وَلَد ؟ أَمِنْ قِبَل زَوْج أَتَزَوَّجهُ وَبَعْل أَنْكِحهُ ؟ أَوْ تَبْتَدِئ فِي خَلْقه مِنْ غَيْر بَعْل وَلَا فَحْل , وَمِنْ غَيْر أَنْ يَمَسّنِي بَشَر ؟ فَقَالَ اللَّه لَهَا : { كَذَلِكِ اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء } يَعْنِي : هَكَذَا يَخْلُق اللَّه مِنْك وَلَدًا لَك مِنْ غَيْر أَنْ يَمَسّك بَشَر , فَيَجْعَلهُ آيَة لِلنَّاسِ وَعِبْره , فَإِنَّهُ يَخْلُق مَا يَشَاء , وَيَصْنَع مَا يُرِيد , فَيُعْطِي الْوَلَد مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْر فَحْل وَمِنْ فَحْل , وَيَحْرِم ذَلِكَ مَنْ يَشَاء مِنْ النِّسَاء وَإِنْ كَانَتْ ذَات بَعْل , لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ خَلْق شَيْء أَرَادَ خَلْقه , إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَأْمُر إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مَا أَرَادَ , فَيَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون مَا شَاءَ مِمَّا يَشَاء , وَكَيْفَ شَاءَ . كَمَا : 5571 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { قَالَتْ رَبّ أَنَّى يَكُون لِي وَلَد وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر قَالَ كَذَلِكَ اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء } يَصْنَع مَا أَرَادَ وَيَخْلُق مَا يَشَاء مِنْ بَشَر أَوْ غَيْر بَشَر : أَيْ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون , مِمَّا يَشَاء , وَكَيْفَ يَشَاء , فَيَكُون مَا أَرَادَ .)

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَيُعَلِّمهُ } بِالْيَاءِ رَدًّا عَلَى قَوْله : { كَذَلِكَ اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء وَيُعَلِّمهُ الْكِتَاب } فَأَلْحَقُوا الْخَبَر فِي قَوْله : { وَيُعَلِّمهُ } بِنَظِيرِ الْخَبَر فِي قَوْله : { يَخْلُق مَا يَشَاء } وَقَوْله : { فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | وَنُعَلِّمهُ | بِالنُّونِ عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْله : { نُوحِيه إِلَيْك } كَأَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب نُوحِيه إِلَيْك , وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب . وَقَالُوا : مَا بَعْد | نُوحِيه | فِي صِلَته , إِلَى قَوْله : | كُنْ فَيَكُون | , ثُمَّ عَطَفَ بِقَوْلِهِ : | وَنُعَلِّمهُ عَلَيْهِ | . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ غَيْر مُخْتَلِفَتَيْ الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب الصَّوَاب فِي ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي أَنَّهُ خَبَر عَنْ اللَّه بِأَنَّهُ يُعَلِّم عِيسَى الْكِتَاب , وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمهُ , وَهَذَا اِبْتِدَاء خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِمَرْيَمَ مَا هُوَ فَاعِل بِالْوَلَدِ الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ مِنْ الْكَرَامَة , وَرِفْعَة الْمَنْزِلَة وَالْفَضِيلَة , فَقَالَ : كَذَلِكَ اللَّه يَخْلُق مِنْك وَلَدًا , مِنْ غَيْر فَحْل وَلَا بَعْل , فَيُعَلِّمهُ الْكِتَاب , وَهُوَ الْخَطّ الَّذِي يَخُطّهُ بِيَدِهِ , وَالْحِكْمَة : وَهِيَ السُّنَّة الَّتِي نُوحِيهَا إِلَيْهِ فِي غَيْر كِتَاب , وَالتَّوْرَاة : وَهِيَ التَّوْرَاة الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى , كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْد مُوسَى , وَالْإِنْجِيل : إِنْجِيل عِيسَى , وَلَمْ يَكُنْ قَبْله , وَلَكِنَّ اللَّه أَخْبَرَ مَرْيَم قَبْل خَلْق عِيسَى أَنَّهُ مُوحِيه إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ , فَسَمَّاهُ لَهَا , لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ عَلِمَتْ فِيمَا نُزِّلَ مِنْ الْكُتُب أَنَّ اللَّه بَاعِث نَبِيًّا يُوحَى إِلَيْهِ كِتَابًا اِسْمه الْإِنْجِيل , فَأَخْبَرَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي سَمِعَتْ بِصِفَتِهِ الَّذِي وَعَدَ أَنْبِيَاءَهُ مِنْ قَبْل أَنَّهُ مُنَزَّل عَلَيْهِ الْكِتَاب الَّذِي يُسَمَّى إِنْجِيلًا , هُوَ الْوَلَد الَّذِي وَهَبَهُ لَهَا , وَبَشَّرَهَا بِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5572 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : ( وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب | قَالَ : بِيَدِهِ . )5573 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة | قَالَ : الْحِكْمَة : السُّنَّة . )5574 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر ; عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل | قَالَ : الْحِكْمَة : السُّنَّة , { وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } قَالَ : كَانَ عِيسَى يَقْرَأ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . )5575 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة | قَالَ : الْحِكْمَة : السُّنَّة. )5576 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , قَالَ : أَخْبَرَهَا - يَعْنِي : أَخْبَرَ اللَّه مَرْيَم مَا يُرِيد بِهِ - فَقَالَ : ( وَنُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة | الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْد مُوسَى { وَالْإِنْجِيل } كِتَابًا آخَر أَحْدَثَهُ إِلَيْهِ , لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ عِلْمه إِلَّا ذِكْره أَنَّهُ كَائِن مِنْ الْأَنْبِيَاء قَبْله .)

وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَسُولًا إِلَى بَنَى إِسْرَائِيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَرَسُولًا } وَنَجْعَلهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَتَرَكَ ذِكْر | وَنَجْعَلهُ | , لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى .......... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا <br>وَقَوْله : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } بِمَعْنَى : وَنَجْعَلهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِأَنَّهُ نَبِيّ وَبَشِير وَنَذِير ; وَحُجَّتِي عَنْ صِدْقِي عَلَى ذَلِكَ , أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ , يَعْنِي بِعَلَامَةٍ مِنْ رَبّكُمْ تُحَقِّق قَوْلِي وَتُصَدِّق خَبَرِي , أَنِّي رَسُول مِنْ رَبّكُمْ إِلَيْكُمْ . كَمَا : 5577 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ تَحَقَّقَ بِهَا نُبُوَّتِي , وَأَنِّي رَسُول مِنْهُ إِلَيْكُمْ .)|أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنِّي أَخْلُق لَكُمْ مِنْ الطَّيْر كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ . ثُمَّ بَيَّنَ عَنْ الْآيَة مَا هِيَ , فَقَالَ : { أَنِّي أَخْلُق لَكُمْ } فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ بِأَنْ أَخْلُق لَكُمْ مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر . وَالطَّيْر جَمْع طَائِر . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْحِجَاز : | كَهَيْئَةِ الطَّائِر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا | , عَلَى التَّوْحِيد . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا } عَلَى الْجِمَاع كِلَيْهِمَا . وَأَعْجَب الْقِرَاءَات إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا } عَلَى الْجِمَاع فِيهِمَا جَمِيعًا , لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ صِفَة عِيسَى أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّه , وَأَنَّهُ مُوَفَّق لِخَطِّ الْمُصْحَف , وَاتِّبَاع خَطّ الْمُصْحَف مَعَ صِحَّة الْمَعْنَى , وَاسْتِفَاضَة الْقِرَاءَة بِهِ أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ خِلَاف الْمُصْحَف . وَكَانَ خَلْق عِيسَى : مَا كَانَ يَخْلُق مِنْ الطَّيْر . كَمَا : 5578 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق : (أَنَّ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , جَلَسَ يَوْمًا مَعَ غِلْمَان مِنْ الْكُتَّاب , فَأَخَذَ طِينًا , ثُمَّ قَالَ : أَجْعَل لَكُمْ مِنْ هَذَا الطِّين طَائِرًا ؟ قَالُوا : وَتَسْتَطِيع ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ بِإِذْنِ رَبِّي ! ثُمَّ هَيَّأَهُ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي هَيْئَة الطَّائِر نَفَخَ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ : كُنْ طَائِرًا بِإِذْنِ اللَّه ! فَخَرَجَ يَطِير بَيْن كَفَّيْهِ , فَخَرَجَ الْغِلْمَان بِذَلِكَ مِنْ أَمْره فَذَكَرُوهُ لِمُعَلِّمِهِمْ , فَأَفْشَوْهُ فِي النَّاس . وَتَرَعْرَعَ . فَهَمَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل , فَلَمَّا خَافَتْ أُمّه عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ عَلَى حَمِير لَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ هَارِبَة . )وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُق الطَّيْر مِنْ الطِّين سَأَلَهُمْ : أَيّ الطَّيْر أَشَدّ خَلْقًا ؟ فَقِيلَ لَهُ الْخُفَّاش . كَمَا : 5579 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَوْله : ( { أَنِّي أَخْلُق لَكُمْ مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر } قَالَ : أَيّ الطَّيْر أَشَدّ خَلْقًا ؟ قَالُوا : الْخُفَّاش إِنَّمَا هُوَ لَحْم , قَالَ فَفَعَلَ . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { فَأَنْفُخ فِيهِ } وَقَدْ قِيلَ : { أَنِّي أَخْلُق لَكُمْ مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر } ؟ قِيلَ : لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَأَنْفُخ فِي الطَّيْر . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ : فَأَنْفُخ فِيهَا , كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا , كَمَا قَالَ فِي الْمَائِدَة : | فَأَنْفُخ فِيهَا | [5 110 ]يُرِيد : فَأَنْفُخ فِي الْهَيْئَة , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ : | فَأَنْفُخهَا | , بِغَيْرِ | فِي | , وَقَدْ تَفْعَل الْعَرَب مِثْل ذَلِكَ فَتَقُول : رُبَّ لَيْلَة قَدْ بِتّهَا وَبِتّ فِيهَا , قَالَ الشَّاعِر : <br>مَا شُقَّ جَيْب وَلَا قَامَتْك نَائِحَة .......... وَلَا بَكَتْك جِيَاد عِنْد أَسْلَاب <br>بِمَعْنَى : وَلَا قَامَتْ عَلَيْك . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : <br>إِحْدَى بَنِي عَيِّذ اللَّه اِسْتَمَرَّ بِهَا .......... حُلْو الْعُصَارَة حَتَّى يُنْفَخ الصُّور<br>|وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُبْرِئ الْأَكَمَة وَالْأَبْرَص } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأُبْرِئ } وَأَشْفِي , يُقَال مِنْهُ : أَبْرَأ اللَّه الْمَرِيض : إِذَا شَفَاهُ مِنْهُ , فَهُوَ يُبْرِئهُ إِبْرَاء , وَبَرَأَ الْمَرِيض فَهُوَ يَبْرَأ بُرْءًا , وَقَدْ يُقَال أَيْضًا : بَرِئَ الْمَرِيض فَهُوَ يَبْرَأ , لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَكْمَه , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الَّذِي لَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ , وَيُبْصِر بِالنَّهَارِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه } قَالَ : الْأَكْمَه : الَّذِي يُبْصِر بِالنَّهَارِ , وَلَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ , فَهُوَ يَتَكَمَّه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْأَعْمَى الَّذِي وَلَدَتْهُ أُمّه كَذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5581 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْأَكْمَه الَّذِي وُلِدَ وَهُوَ أَعْمَى مَضْمُوم الْعَيْنَيْنِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْأَكْمَه الَّذِي وُلِدَ وَهُوَ أَعْمَى مَضْمُوم الْعَيْنَيْنِ . )5582 - حُدِّثْت عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (الْأَكْمَه : الَّذِي يُولَد وَهُوَ أَعْمَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْأَعْمَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5583 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه } هُوَ الْأَعْمَى . )5584 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (الْأَعْمَى . )5585 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه } قَالَ : الْأَكْمَه : الْأَعْمَى . )5586 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه } قَالَ : الْأَعْمَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْأَعْمَش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5587 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { وَأُبْرِئ الْأَكْمَه } قَالَ : الْأَعْمَش . )وَالْمَعْرُوف عِنْد الْعَرَب مِنْ مَعْنَى الْكَمَه : الْعَمَى , يُقَال مِنْهُ : كَمِهَتْ عَيْنه , فَهِيَ تَكْمَه كَمَهًا , وَأَكْمَهْتُهَا أَنَا : إِذَا أَعْمَيْتهَا , كَمَا قَالَ سُوَيْد بْن أَبِي كَاهِل : <br>كَمِهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى اِبْيَضَّتَا .......... فَهُوَ يَلْحَى نَفْسه لَمَّا نَزَعْ <br>وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة : <br>هَرَّجْت فَارْتَدَّ اِرْتِدَاد الْأَكْمَه .......... فِي غَائِلَات الْحَائِر الْمُتَهْتِه <br>وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , أَنَّهُ يَقُول ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيل , اِحْتِجَاجًا مِنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَر وَالْآيَات عَلَيْهِمْ فِي نُبُوَّته , وَذَلِكَ أَنَّ الْكَمَه وَالْبَرَص لَا عِلَاج لَهُمَا , فَيَقْدِر عَلَى إِبْرَائِهِ ذُو طِبّ بِعِلَاجٍ , فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّته عَلَى صِدْق قِيله , أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول , لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعْجِزَات مَعَ سَائِر الْآيَات الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهَا دَلَالَة عَلَى نُبُوَّته . فَأَمَّا مَا قَالَ عِكْرِمَة , مِنْ أَنَّ الْكَمَه : الْعَمَش , وَمَا قَالَهُ مُجَاهِد : مِنْ أَنَّهُ سُوء الْبَصَر بِاللَّيْلِ , فَلَا مَعْنَى لَهُمَا , لِأَنَّ اللَّه لَا يَحْتَجّ عَلَى خَلْقه بِحُجَّةٍ تَكُون لَهُمْ السَّبِيل إِلَى مُعَارَضَته فِيهَا , وَلَوْ كَانَ مِمَّا اِحْتَجَّ بِهِ عِيسَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي نُبُوَّته أَنَّهُ يُبْرِئ الْأَعْمَش , أَوْ الَّذِي يُبْصِر بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ لَقَدَرُوا عَلَى مُعَارَضَته بِأَنْ يَقُولُوا : وَمَا فِي هَذَا لَك مِنْ الْحُجَّة , وَفِينَا خَلْق مِمَّا يُعَالِج ذَلِكَ وَلَيْسُوا لِلَّهِ أَنْبِيَاء وَلَا رُسُلًا , فَفِي ذَلِكَ دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْأَكْمَه : هُوَ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا , وَهُوَ بِمَا قَالَ قَتَادَة : مِنْ أَنَّهُ الْمَوْلُود كَذَلِكَ أَشْبَه , لِأَنَّ عِلَاج مِثْل ذَلِكَ لَا يَدَّعِيه أَحَد مِنْ الْبَشَر , إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّه مِثْل الَّذِي أَعْطَى عِيسَى , وَكَذَلِكَ عِلَاج الْأَبْرَص .|وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه } </subtitle>وَكَانَ إِحْيَاء عِيسَى الْمَوْتَى بِدُعَاءِ اللَّه , يَدْعُو لَهُمْ , فَيَسْتَجِيب لَهُ . كَمَا : 5588 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : (لَمَّا صَارَ عِيسَى اِبْن اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة , أَوْحَى اللَّه إِلَى أُمّه وَهِيَ بِأَرْضِ مِصْر , وَكَانَتْ هَرَبَتْ مِنْ قَوْمهَا حِين وَلَدَتْهُ إِلَى أَرْض مِصْر أَنْ اِطَّلِعِي بِهِ إِلَى الشَّام , فَفَعَلَتْ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ فَلَمْ تَزَلْ بِالشَّامِ حَتَّى كَانَ اِبْن ثَلَاثِينَ سَنَة , وَكَانَتْ نُبُوَّته ثَلَاث سِنِينَ , ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ . قَالَ : وَزَعَمَ وَهْب أَنَّهُ رُبَّمَا اِجْتَمَعَ عَلَى عِيسَى مِنْ الْمَرْضَى فِي الْجَمَاعَة الْوَاحِدَة خَمْسُونَ أَلْفًا , مَنْ أَطَاقَ مِنْهُمْ أَنْ يَبْلُغهُ بَلَغَهُ , وَمَنْ لَمْ يُطِقْ مِنْهُمْ ذَلِكَ أَتَاهُ عِيسَى يَمْشِي إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ يُدَاوِيهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّه .)|وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأُخْبِركُمْ بِمَا تَأْكُلُونَهُ مِمَّا لَمْ أُعَايِنهُ وَأُشَاهِدهُ مَعَكُمْ فِي وَقْت أَكْلِكُمُوهُ . { وَمَا تَدَّخِرُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَا تَرْفَعُونَهُ فَتُخَبِّئُونَهُ وَلَا تَأْكُلُونَهُ , يُعْلِمهُمْ أَنَّ مِنْ حُجَّته أَيْضًا عَلَى نُبُوَّته - مَعَ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا حُجَّة عَلَى نُبُوَّته وَصِدْقه فِي خَبَره , أَنَّ اللَّه أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ : مِنْ خَلْق الطَّيْر مِنْ الطِّين , وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَإِحْيَاء الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه , الَّتِي لَا يُطِيقهَا أَحَد مِنْ الْبَشَر , إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّه ذَلِكَ , عَلَمًا لَهُ عَلَى صِدْقه , وَآيَة لَهُ عَلَى حَقِيقَة قَوْله مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , وَمَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه - إِنْبَاءَهُ عَنْ الْغَيْب الَّذِي لَا سَبِيل لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَر الَّذِينَ سَبِيلهمْ سَبِيله عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ فِي قَوْله لَهُمْ : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } مِنْ الْحُجَّة لَهُ عَلَى صِدْقه , وَقَدْ رَأَيْنَا الْمُتَنَجِّمَة وَالْمُتَكَهِّنَة تُخْبِر بِذَلِكَ كَثِيرًا فَتُصِيب ؟ قِيلَ : إِنَّ الْمُتَنَجِّم وَالْمُتَكَهِّن مَعْلُوم مِنْهُمَا عِنْد مَنْ يُخْبِرهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا يُنَبِّئَانِ بِهِ عَنْ اِسْتِخْرَاج لَهُ بِبَعْضِ الْأَسْبَاب الْمُؤَدِّيَة إِلَى عِلْمه , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَمِنْ سَائِر أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله , وَإِنَّمَا كَانَ عِيسَى يُخْبِر بِهِ عَنْ غَيْر اِسْتِخْرَاج وَلَا طَلَب لِمَعْرِفَتِهِ بِاحْتِيَالٍ , وَلَكِنْ اِبْتِدَاء بِإِعْلَامِ اللَّه إِيَّاهُ مِنْ غَيْر أَصْلٍ تَقَدَّمَ ذَلِكَ ; اِحْتَذَاهُ , أَوْ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ فَزِعَ إِلَيْهِ , كَمَا يَفْزَع الْمُتَنَجِّم إِلَى حِسَابه , وَالْمُتَكَهِّن إِلَى رِئْيه , فَذَلِكَ هُوَ الْفَصْل بَيْن عِلْم الْأَنْبِيَاء بِالْغُيُوبِ وَإِخْبَارهمْ عَنْهَا , وَبَيْن عِلْم سَائِر الْمُتَكَذِّبَة عَلَى اللَّه , أَوْ الْمُدَّعِيَة عِلْم ذَلِكَ . كَمَا : 5589 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا بَلَغَ عِيسَى تِسْع سِنِينَ أَوْ عَشْرًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ , أَدْخَلَتْهُ أُمّه الْكُتَّاب فِيمَا يَزْعُمُونَ , فَكَانَ عِنْد رَجُل مِنْ الْمُكْتِبِينَ يُعَلِّمهُ كَمَا يُعَلِّم الْغِلْمَان , فَلَا يَذْهَب يُعَلِّمهُ شَيْئًا مِمَّا يُعَلِّمهُ الْغِلْمَان إِلَّا بَدَرَهُ إِلَى عِلْمه قَبْل أَنْ يُعَلِّمهُ إِيَّاهُ , فَيَقُول : أَلَا تَعْجَبُونَ لِابْنِ هَذِهِ الْأَرْمَلَة , مَا أَذْهَب أُعَلِّمهُ شَيْئًا إِلَّا وَجَدْته أَعْلَم بِهِ مِنِّي . )5590 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (لَمَّا كَبِرَ عِيسَى أَسْلَمَتْهُ أُمّه يَتَعَلَّم التَّوْرَاة , فَكَانَ يَلْعَب مَعَ الْغِلْمَان , غِلْمَان الْقَرْيَة الَّتِي كَانَ فِيهَا , فَيُحَدِّث الْغِلْمَان بِمَا يَصْنَع آبَاؤُهُمْ . )5591 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : كَانَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم إِذْ كَانَ فِي الْكُتَّاب يُخْبِرهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ فِي بُيُوتهمْ وَمَا يَدَّخِرُونَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَالِم , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : إِنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم كَانَ يَقُول لِلْغُلَامِ فِي الْكُتَّاب : يَا فُلَان إِنَّ أَهْلك قَدْ خَبَّئُوا لَك كَذَا وَكَذَا مِنْ الطَّعَام فَتُطْعِمنِي مِنْهُ ؟ )فَهَكَذَا فِعْل الْأَنْبِيَاء وَحُجَجهَا إِنَّمَا تَأْتِي بِمَا أَتَتْ بِهِ مِنْ الْحُجَج بِمَا قَدْ يُوصَل إِلَيْهِ بِبَعْضِ الْحِيَل , عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي يَأْتِي بِهِ غَيْرهَا , بَلْ مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَعْلَم الْخَلْق أَنَّهُ لَا يُوصَل إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْه بِحِيلَةٍ إِلَّا مِنْ قِبَل اللَّه . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5592 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : بِمَا أَكَلْتُمْ الْبَارِحَة , وَمَا خَبَّأْتُمْ مِنْهُ ; عِيسَى اِبْن مَرْيَم يَقُولهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5593 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَعْنِي قَوْله : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : الطَّعَام وَالشَّيْء يَدَّخِرُونَهُ فِي بُيُوتهمْ غَيْبًا عَلَّمَهُ اللَّه إِيَّاهُ . )5594 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : مَا تَأْكُلُونَ : مَا أَكَلْتُمْ الْبَارِحَة مِنْ طَعَام , وَمَا خَبَّأْتُمْ مِنْهُ . )5595 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَانَ - يَعْنِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم - يُحَدِّث الْغِلْمَان وَهُوَ مَعَهُمْ فِي الْكُتَّاب بِمَا يَصْنَع آبَاؤُهُمْ , وَبِمَا يَرْفَعُونَ لَهُمْ , وَبِمَا يَأْكُلُونَ وَيَقُول لِلْغُلَامِ : اِنْطَلِقْ فَقَدْ رَفَعَ لَك أَهْلك كَذَا وَكَذَا , وَهُمْ يَأْكُلُونَ كَذَا وَكَذَا , فَيَنْطَلِق الصَّبِيّ فَيَبْكِي عَلَى أَهْله حَتَّى يُعْطُوهُ ذَلِكَ الشَّيْء , فَيَقُولُونَ لَهُ : مَنْ أَخْبَرَك بِهَذَا ؟ فَيَقُول : عِيسَى , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } فَحَبَسُوا صِبْيَانهمْ عَنْهُ , وَقَالُوا : لَا تَلْعَبُوا مَعَ هَذَا السَّاحِر , فَجَمَعُوهُمْ فِي بَيْت , فَجَاءَ عِيسَى يَطْلُبهُمْ , فَقَالُوا : لَيْسَ هُمْ هَهُنَا , فَقَالَ : مَا فِي هَذَا الْبَيْت ؟ فَقَالُوا : خَنَازِير , قَالَ عِيسَى : كَذَلِكَ يَكُونُونَ ! فَفَتَحُوا عَنْهُمْ فَإِذَا هُمْ خَنَازِير , فَذَلِكَ قَوْله : { عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } [5 78 ])5596 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } قَالَ : مَا تُخَبِّئُونَ مَخَافَة الَّذِي يُمْسِك أَنْ لَا يَخْلُفهُ شَيْء . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } مَا تَأْكُلُونَ مِنْ الْمَائِدَة الَّتِي تَنْزِل عَلَيْكُمْ , وَمَا تَدَّخِرُونَ مِنْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5597 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } فَكَانَ الْقَوْم لَمَّا سَأَلُوا الْمَائِدَة , فَكَانَتْ جِرَابًا يَنْزِل عَلَيْهِ أَيْنَمَا كَانُوا ثَمَرًا مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , فَأَمَرَ الْقَوْم أَنْ لَا يَخُونُوا فِيهِ , وَلَا يُخَبِّئُوا , وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ , بَلَاء اِبْتَلَاهُمْ اللَّه بِهِ , فَكَانُوا إِذَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَنْبَأَهُمْ بِهِ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَقَالَ : { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ } )5598 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَأُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ } قَالَ : أُنَبِّئكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ مِنْ الْمَائِدَة , وَمَا تَدَّخِرُونَ مِنْهَا . قَالَ : فَكَانَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَة حِين نَزَلَتْ أَنْ يَأْكُلُوا وَلَا يَدَّخِرُوا , فَادَّخَرُوا وَخَانُوا , فَجُعِلُوا خَنَازِير حِين اِدَّخَرُوا وَخَانُوا , فَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } [5 115 ])قَالَ اِبْن يَحْيَى : قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : قَالَ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خِلَاس بْن عَمْرو , عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر ذَلِكَ . وَأَصْل يَدَّخِرُونَ مِنْ الْفِعْل يَفْتَعِلُونَ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَخَرْت الشَّيْء بِالذَّالِ , فَأَنَا أَذْخَرهُ , ثُمَّ قِيلَ : يَدَّخِر كَمَا قِيلَ : يَدَّكِر , مِنْ ذَكَرْت الشَّيْء , يُرَاد بِهِ يَذْتَخِر , فَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ الذَّال وَالتَّاء وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَخْرَج , ثَقُلَ إِظْهَارهمَا عَلَى اللِّسَان , فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَصُيِّرَتَا دَالًا مُشَدَّدَة صَيَّرُوهَا عَدْلًا بَيْن الذَّال وَالتَّاء , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُغَلِّب الذَّال عَلَى التَّاء فَيُدْغِم التَّاء فِي الذَّال , فَيَقُول : وَمَا تَدَّخِرُونَ وَهُوَ مُدَّخَر لَك , وَهُوَ مُذَّكَر , وَاللُّغَة الَّتِي بِهَا الْقِرَاءَة الْأُولَى , وَذَلِكَ إِدْغَام الذَّال فِي التَّاء , وَإِبْدَالهمَا دَالًا مُشَدَّدَة لَا يَجُوز الْقِرَاءَة بِغَيْرِهَا لِتَظَاهُرِ النَّقْل مِنْ الْقُرَّاء بِهَا , وَهُوَ اللُّغَة الْجُودَى , كَمَا قَالَ زُهَيْر : <br>إِنَّ الْكَرِيم الَّذِي يُعْطِيك نَائِله .......... عَفْوًا وَيَظْلِم أَحْيَانًا فَيَظَّلِم <br>يُرْوَى بِالظَّاءِ , يُرِيد : فَيَفْتَعِل مِنْ الظُّلْم , وَيُرْوَى بِالطَّاءِ أَيْضًا .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ فِي خَلْقِي مِنْ الطِّين الطَّيْر بِإِذْنِ اللَّه , وَفِي إِبْرَائِي الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَإِحْيَائِي الْمَوْتَى , وَإِنْبَائِي إِيَّاكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ , وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتكُمْ , اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر حِسَاب وَتَنْجِيم , وَلَا كِهَانَة وَعَرَافَة , لَعِبْرَة لَكُمْ , وَمُتَفَكَّرًا تَتَفَكَّرُونَ فِي ذَلِكَ , فَتَعْتَبِرُونَ بِهِ أَنِّي مُحِقّ فِي قَوْلِي لَكُمْ : إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّكُمْ إِلَيْكُمْ , وَتَعْلَمُونَ بِهِ أَنِّي فِيمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه صَادِق , إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , يَعْنِي : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ حُجَج اللَّه وَآيَاته , مُقِرِّينَ بِتَوْحِيدِهِ وَنَبِيّه مُوسَى , وَالتَّوْرَاة الَّتِي جَاءَكُمْ بِهَا .

وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَبِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ , وَجِئْتُكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة , وَلِذَلِكَ نُصِبَ | مُصَدِّقًا | عَلَى الْحَال مِنْ جِئْتُكُمْ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى قَوْله وَجِئْتُكُمْ دُون الْعَطْف عَلَى قَوْله : | وَجِيهًا | , قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة } وَلَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَى قَوْله : وَجِيهًا | , لَكَانَ الْكَلَام : وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَلِيُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة } لِأَنَّ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ كَانَ مُؤْمِنًا بِالتَّوْرَاةِ مُقِرًّا بِهَا , وَأَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء كُلّهمْ يُصَدِّقُونَ بِكُلِّ مَا كَانَ قَبْلهمْ مِنْ كُتُب اللَّه وَرُسُله , وَإِنْ اِخْتَلَفَ بَعْض شَرَائِع أَحْكَامهمْ لِمُخَالَفَةِ اللَّه بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ , مَعَ أَنَّ عِيسَى كَانَ فِيمَا بَلَغَنَا عَامِلًا بِالتَّوْرَاةِ , لَمْ يُخَالِف شَيْئًا مِنْ أَحْكَامهَا إِلَّا مَا خَفَّفَ اللَّه عَنْ أَهْلهَا فِي الْإِنْجِيل مِمَّا كَانَ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ فِيهَا . كَمَا : 5599 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : (إِنَّ عِيسَى كَانَ عَلَى شَرِيعَة مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ يُسْبِت وَيَسْتَقْبِل بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : إِنِّي لَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى خِلَاف حَرْف مِمَّا فِي التَّوْرَاة إِلَّا لِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ , وَأَضَع عَنْكُمْ مِنْ الْآصَار . )5600 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَن مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى , وَكَانَ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى لُحُوم الْإِبِل وَالثُّرُوب , وَأَشْيَاء مِنْ الطَّيْر وَالْحِيتَان . )5601 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : ( { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَن مِنْ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى , قَالَ : وَكَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنْ التَّوْرَاة لُحُوم الْإِبِل وَالثُّرُوب فَأَحَلَّهَا لَهُمْ عَلَى لِسَان عِيسَى , وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم , وَأُحِلَّتْ لَهُمْ فِيمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى , وَفِي أَشْيَاء مِنْ السَّمَك , وَفِي أَشْيَاء مِنْ الطَّيْر مِمَّا لَا صِيصِيَة لَهُ , وَفِي أَشْيَاء حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ , وَشَدَّدَهَا عَلَيْهِمْ , فَجَاءَهُمْ عِيسَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْهُ فِي الْإِنْجِيل , فَكَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلْيَن مِنْ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى , صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ . )5602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : لُحُوم الْإِبِل وَالشُّحُوم لَمَّا بُعِثَ عِيسَى أَحَلَّهَا لَهُمْ , وَبُعِثَ إِلَى الْيَهُود فَاخْتَلَفُوا وَتَفَرَّقُوا . )5603 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاة } أَيْ لِمَا سَبَقَنِي مِنْهَا , { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } أَيْ أُخْبِركُمْ أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ , فَتَرَكْتُمُوهُ , ثُمَّ أَحَلَّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ , فَتُصِيبُونَ يُسْره وَتُخْرِجُونَ مِنْ تِبَاعَته . )5604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : ( { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْض الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَشْيَاء , فَجَاءَهُمْ عِيسَى لِيُحِلّ لَهُمْ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ , يَبْتَغِي بِذَلِكَ شُكْرهمْ .)|وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : وَجِئْتُكُمْ بِحُجَّةٍ وَعِبْرَة مِنْ رَبّكُمْ , تَعْلَمُونَ بِهَا حَقِيقَة مَا أَقُول لَكُمْ . كَمَا : 5605 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : مَا بَيَّنَ لَهُمْ عِيسَى مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , وَمَا أَعْطَاهُ رَبّه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } مَا بَيَّنَ لَهُمْ عِيسَى مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا . )وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ رَبّكُمْ } مِنْ عِنْد رَبّكُمْ .|فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ , تَعْلَمُونَ بِهَا يَقِينًا صِدْقِي فِيمَا أَقُول , فَاتَّقُوا اللَّه يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَنَهَاكُمْ عَنْهُ فِي كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُوسَى فَأَوْفُوا بِعَهْدِهِ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُ فِيهِ , وَأَطِيعُونِ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَصْدِيقِي فِيمَا أَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ , رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ , فَإِنَّهُ بِذَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ , وَبِإِحْلَالِ بَعْض مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ , وَذَلِكَ هُوَ الطَّرِيق الْقَوِيم , وَالْهُدَى الْمَتِين الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ . كَمَا : 5606 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } تَبَرِّيًا مِنْ الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ , يَعْنِي مَا يَقُول فِيهِ النَّصَارَى وَاحْتِجَاجًا لِرَبِّهِ عَلَيْهِمْ , فَاعْبُدُوهُ , وَ { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } أَيْ الَّذِي هَذَا قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ .)

إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } بِكَسْرِ أَلِف | إِنَّ | عَلَى اِبْتِدَاء الْخَبَر , وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : | أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ | بِفَتْحِ أَلِف | أَنَّ | بِتَأْوِيلِ : وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ , عَلَى رَدّ أَنَّ عَلَى الْآيَة , وَالْإِبْدَال مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَذَلِكَ كَسْر أَلِف | إِنَّ | عَلَى الِابْتِدَاء , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى صِحَّة ذَلِكَ , وَمَا اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فَحُجَّة , وَمَا اِنْفَرَدَ بِهِ الْمُنْفَرِد عَنْهَا فَرَأْي , وَلَا يُعْتَرَض بِالرَّأْيِ عَلَى الْحُجَّة . وَهَذِهِ الْآيَة , وَإِنْ كَانَ ظَاهِرهَا خَبَرًا , فَفِيهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة مِنْ اللَّه لِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَفْد الَّذِينَ حَاجُّوهُ مِنْ أَهْل نَجْرَان بِإِخْبَارِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , عَنْ أَنَّ عِيسَى كَانَ بَرِيئًا مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ نَسَبه , غَيْر الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسه , مِنْ أَنَّهُ لِلَّهِ عَبْد كَسَائِرِ عَبِيده مِنْ أَهْل الْأَرْض إِلَّا مَا كَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّهُ بِهِ مِنْ النُّبُوَّة وَالْحُجَج الَّتِي آتَاهُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقه , كَمَا آتَى سَائِر الْمُرْسَلِينَ غَيْره مِنْ الْأَعْلَام وَالْأَدِلَّة عَلَى صِدْقهمْ , وَالْحُجَّة عَلَى نُبُوَّتهمْ .

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر } فَلَمَّا وَجَدَ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر . وَالْإِحْسَاس : هُوَ الْوُجُود , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد } [19 98 ]فَأَمَّا الْحَسّ بِغَيْرِ أَلِف , فَهُوَ الْإِفْنَاء وَالْقَتْل , وَمِنْهُ قَوْله : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [3 152 ]وَالْحِسّ أَيْضًا : الْعَطْف وَالرِّقَّة . وَمِنْهُ قَوْل الْكُمَيْت : <br>هَلْ مَنْ بَكَى الدَّار رَاجٍ أَنْ تَحِسّ لَهُ .......... أَوْ يُبْكِي الدَّار مَاء الْعَبْرَة الْخَضِل <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَنْ تَحِسّ لَهُ : أَنْ تَرِقّ لَهُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَلَمَّا وَجَدَ عِيسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ جُحُودًا لِنُبُوَّتِهِ , وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِ , وَصَدًّا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْر اللَّه , قَالَ : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ : قَالَ عِيسَى : مَنْ أَعْوَانِي عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِحُجَّةِ اللَّه , وَالْمُوَلِّينَ عَنْ دِينه , وَالْجَاحِدِينَ نُبُوَّة نَبِيّه إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { إِلَى اللَّه } مَعَ اللَّه , وَإِنَّمَا حَسُنَ أَنْ يُقَال إِلَى اللَّه , بِمَعْنَى : مَعَ اللَّه , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إِذَا ضَمُّوا الشَّيْء إِلَى غَيْره , ثُمَّ أَرَادُوا الْخَبَر عَنْهُمَا بِضَمِّ أَحَدهمَا مَعَ الْآخَر إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ جَعَلُوا مَكَان مَعَ إِلَى أَحْيَانًا , وَأَحْيَانًا تُخْبِر عَنْهُمَا بِمَعَ , فَتَقُول الذَّوْد إِلَى الذَّوْد إِبِل , بِمَعْنَى : إِذَا ضَمَمْت الذَّوْد إِلَى الذَّوْد صَارَتْ إِبِلًا , فَأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّيْء مَعَ الشَّيْء لَمْ يَقُولُوهُ بِإِلَى وَلَمْ يَجْعَلُوا مَكَان مَعَ إِلَى غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : قَدِمَ فُلَان وَإِلَيْهِ مَال , بِمَعْنَى : وَمَعَهُ مَال . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه } قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه } يَقُول : مَعَ اللَّه . )5608 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه } يَقُول : مَعَ اللَّه . )وَأَمَّا سَبَب اِسْتِنْصَار عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَنْ اِسْتَنْصَرَ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ , فَإِنَّ بَيْن أَهْل الْعِلْم فِيهِ اِخْتِلَافًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ سَبَب ذَلِكَ مَا : 5609 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (لَمَّا بَعَثَ اللَّه عِيسَى , فَأَمَرَهُ بِالدَّعْوَةِ , نَفَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَخْرَجُوهُ , فَخَرَجَ هُوَ وَأُمّه يَسِيحُونَ فِي الْأَرْض , فَنَزَلَ فِي قَرْيَة عَلَى رَجُل , فَضَافَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ , وَكَانَ لِتِلْكَ الْمَدِينَة مَلِك جَبَّار مُعْتَدٍ , فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُل يَوْمًا وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ هَمّ وَحُزْن , فَدَخَلَ مَنْزِله وَمَرْيَم عِنْد اِمْرَأَته , فَقَالَتْ مَرْيَم لَهَا : مَا شَأْن زَوْجك أَرَاهُ حَزِينًا ؟ قَالَتْ : لَا تَسْأَلِي , قَالَتْ : أَخْبِرِينِي لَعَلَّ اللَّه يُفَرِّج كُرْبَته , قَالَتْ : فَإِنَّ لَنَا مَلِكًا يَجْعَل عَلَى كُلّ رَجُل مِنَّا يَوْمًا يُطْعِمهُ هُوَ وَجُنُوده , وَيَسْقِيهِمْ مِنْ الْخَمْر , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل عَاقَبَهُ , وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَتْ نَوْبَته الْيَوْم الَّذِي يُرِيد أَنْ نَصْنَع لَهُ فِيهِ , وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدنَا سَعَة , قَالَتْ : فَقُولِي لَهُ : لَا يَهْتَمّ , فَإِنِّي آمُر اِبْنِي فَيَدْعُو لَهُ , فَيُكْفَى ذَلِكَ , قَالَتْ مَرْيَم لِعِيسَى فِي ذَلِكَ , قَالَ عِيسَى : يَا أُمّه إِنِّي إِنْ فَعَلْت كَانَ فِي ذَلِكَ شَرّ , قَالَتْ : فَلَا تُبَالِ , فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَأَكْرَمَنَا , قَالَ عِيسَى : فَقُولِي لَهُ : إِذَا اِقْتَرَبَ ذَلِكَ فَامْلَأْ قُدُورك وَخَوَابِيك مَاء ثُمَّ أَعْلِمْنِي , قَالَ : فَلَمَّا مَلَأَهُنَّ أَعْلَمَهُ , فَدَعَا اللَّه , فَتَحَوَّلَ مَا فِي الْقُدُور لَحْمًا وَمَرَقًا وَخُبْزًا , وَمَا فِي الْخَوَابِي خَمْرًا لَمْ يَرَ النَّاس مِثْله قَطُّ وَإِيَّاهُ طَعَامًا ; فَلَمَّا جَاءَ الْمَلِك أَكَلَ , فَلَمَّا شَرِبَ الْخَمْر سَأَلَ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْخَمْر ؟ قَالَ لَهُ : هِيَ مِنْ أَرْض كَذَا وَكَذَا , قَالَ الْمَلِك : فَإِنَّ خَمْرِي أُوتِيَ بِهَا مِنْ تِلْكَ الْأَرْض فَلَيْسَ هِيَ مِثْل هَذِهِ , قَالَ : هِيَ مِنْ أَرْض أُخْرَى ; فَلَمَّا خَلَّطَ عَلَى الْمَلِك اِشْتَدَّ عَلَيْهِ , قَالَ : فَأَنَا أُخْبِرك عِنْدِي غُلَام لَا يَسْأَل اللَّه شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ , وَإِنَّهُ دَعَا اللَّه , فَجَعَلَ الْمَاء خَمْرًا , قَالَ الْمَلِك , وَكَانَ لَهُ اِبْن يُرِيد أَنْ يَسْتَخْلِفهُ , فَمَاتَ قَبْل ذَلِكَ بِأَيَّامٍ , وَكَانَ أَحَبّ الْخَلْق إِلَيْهِ , فَقَالَ : إِنَّ رَجُلًا دَعَا اللَّه حَتَّى جَعَلَ الْمَاء خَمْرًا , لَيُسْتَجَابَنَّ لَهُ حَتَّى يُحْيِي اِبْنِي , فَدَعَا عِيسَى فَكَلَّمَهُ , فَسَأَلَهُ أَنْ يَدْعُو اللَّه فَيُحْيِي اِبْنه , فَقَالَ عِيسَى : لَا تَفْعَل , فَإِنَّهُ إِنْ عَاشَ كَانَ شَرًّا , فَقَالَ الْمَلِك : لَا أُبَالِي , أَلَيْسَ أَرَاهُ , فَلَا أُبَالِي مَا كَانَ , فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : فَإِنْ أَحْيَيْته تَتْرُكُونِي أَنَا وَأُمِّي نَذْهَب أَيْنَمَا شِئْنَا , قَالَ الْمَلِك : نَعَمْ , فَدَعَا اللَّه , فَعَاشَ الْغُلَام ; فَلَمَّا رَآهُ أَهْل مَمْلَكَته قَدْ عَاشَ , تَنَادَوْا بِالسِّلَاحِ , وَقَالُوا : أَكَلَنَا هَذَا حَتَّى إِذَا دَنَا مَوْته يُرِيد أَنْ يَسْتَخْلِف اِبْنه فَيَأْكُلنَا كَمَا أَكَلَنَا أَبُوهُ , فَاقْتَتَلُوا , وَذَهَبَ عِيسَى وَأُمّه , وَصَحِبَهُمَا يَهُودِيّ , وَكَانَ مَعَ الْيَهُودِيّ رَغِيفَانِ , وَمَعَ عِيسَى رَغِيف , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : شَارِكْنِي , فَقَالَ الْيَهُودِيّ : نَعَمْ , فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ مَعَ عِيسَى إِلَّا رَغِيف نَدِمَ ; فَلَمَّا نَامَا جَعَلَ الْيَهُودِيّ يُرِيد أَنْ يَأْكُل الرَّغِيف , فَلَمَّا أَكَلَ لُقْمَة قَالَ لَهُ عِيسَى : لَهُ مَا تَصْنَع ؟ فَيَقُول : لَا شَيْء , فَيَطْرَحهَا , حَتَّى فَرَغَ مِنْ الرَّغِيف كُلّه ; فَلَمَّا أَصْبَحَا قَالَ لَهُ عِيسَى : هَلُمَّ طَعَامك , فَجَاءَ بِرَغِيفٍ , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : أَيْنَ الرَّغِيف الْآخَر ؟ قَالَ : مَا كَانَ مَعِي إِلَّا وَاحِد , فَسَكَتَ عَنْهُ عِيسَى , فَانْطَلَقُوا , فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَم , فَنَادَى عِيسَى , يَا صَاحِب الْغَنَم أَجْزِرْنَا شَاة مِنْ غَنَمك , قَالَ : نَعَمْ , أَرْسِلْ صَاحِبك يَأْخُذهَا , فَأَرْسَلَ عِيسَى الْيَهُودِيّ , فَجَاءَ بِالشَّاةِ , فَذَبَحُوهَا وَشَوَوْهَا , ثُمَّ قَالَ لِلْيَهُودِيِّ : كُلْ وَلَا تَكْسِرَنَّ عَظْمًا ! فَأَكَلَا , فَلَمَّا شَبِعُوا قَذَفَ عِيسَى الْعِظَام فِي الْجِلْد , ثُمَّ ضَرَبَهَا بِعَصَاهُ وَقَالَ : قُومِي بِإِذْنِ اللَّه , فَقَامَتْ الشَّاة تَثْغُو , فَقَالَ : يَا صَاحِب الْغَنَم خُذْ شَاتك , فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم , قَالَ : أَنْتَ السَّاحِر , وَفَرَّ مِنْهُ . قَالَ عِيسَى لِلْيَهُودِيِّ : بِاَلَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الشَّاة بَعْدَمَا أَكَلْنَاهَا كَمْ كَانَ مَعَك رَغِيفًا ؟ فَحَلَفَ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا رَغِيف وَاحِد , فَمَرُّوا بِصَاحِبِ بَقَر , فَنَادَى عِيسَى , فَقَالَ : يَا صَاحِب الْبَقَر أَجْزِرْنَا مِنْ بَقَرك هَذِهِ عِجْلًا ! قَالَ : اِبْعَثْ صَاحِبك يَأْخُذهُ , قَالَ : اِنْطَلِقْ يَا يَهُودِيّ فَجِئْ بِهِ , فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِهِ , فَذَبَحَهُ وَشَوَاهُ , وَصَاحِب الْبَقَر يَنْظُر , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : كُلْ وَلَا تَكْسِرَنَّ عَظْمًا . فَلَمَّا فَرَغُوا قَذَفَ الْعِظَام فِي الْجِلْد , ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ , وَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّه ! فَقَامَ وَلَهُ خُوَار , قَالَ : خُذْ عِجْلك , قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا عِيسَى , قَالَ : أَنْتَ السَّحَّار . ثُمَّ فَرَّ مِنْهُ , قَالَ الْيَهُودِيّ : يَا عِيسَى أَحْيَيْته بَعْد مَا أَكَلْنَاهُ , قَالَ عِيسَى : فَبِاَلَّذِي أَحْيَا الشَّاة بَعْد مَا أَكَلْنَاهَا , وَالْعِجْل بَعْد مَا أَكَلْنَاهُ , كَمْ كَانَ مَعَك رَغِيفًا ؟ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا رَغِيف وَاحِد ; فَانْطَلَقَا حَتَّى نَزَلَا قَرْيَة , فَنَزَلَ الْيَهُودِيّ أَعْلَاهَا , وَعِيسَى فِي أَسْفَلهَا , وَأَخَذَ الْيَهُودِيّ عَصَا مِثْل عَصَا عِيسَى , وَقَالَ : أَنَا الْآن أُحْيِي الْمَوْتَى , وَكَانَ مَلِك تِلْكَ الْمَدِينَة مَرِيضًا شَدِيد الْمَرَض , فَانْطَلَقَ الْيَهُودِيّ يُنَادِي : مَنْ يَبْتَغِي طَبِيبًا ؟ حَتَّى أَتَى مَلِك تِلْكَ الْقَرْيَة , فَأَخْبَرَ بِوَجَعِهِ , فَقَالَ : أَدْخِلُونِي عَلَيْهِ فَأَنَا أُبْرِئهُ , وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُ قَدْ مَاتَ فَأَنَا أُحْيِيه , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ وَجَع الْمَلِك قَدْ أَعْيَا الْأَطِبَّاء قَبْلك , لَيْسَ مِنْ طَبِيب يُدَاوِيه , وَلَا يَفِيء دَوَاؤُهُ شَيْئًا إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ , قَالَ : أَدْخِلُونِي عَلَيْهِ فَإِنِّي سَأُبْرِئُهُ , فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ , فَأَخَذَ بِرِجْلِ الْمَلِك فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ حَتَّى مَاتَ , فَجَعَلَ يَضْرِبهُ بِعَصَاهُ وَهُوَ مَيِّت , وَيَقُول : قُمْ بِإِذْنِ اللَّه , فَأُخِذَ لِيُصْلَب , فَبَلَغَ عِيسَى , فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَقَدْ رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَة , فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَحْيَيْت لَكُمْ صَاحِبكُمْ أَتَتْرُكُونَ لِي صَاحِبِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ , فَأَحْيَا اللَّه الْمَلِك لِعِيسَى , فَقَامَ وَأُنْزِلَ الْيَهُودِيّ , فَقَالَ : يَا عِيسَى أَنْتَ أَعْظَم النَّاس عَلَيَّ مِنَّة , وَاَللَّه لَا أُفَارِقك أَبَدًا , قَالَ عِيسَى - فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل قَالَ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ - لِلْيَهُودِيِّ : أَنْشُدك بِاَلَّذِي أَحْيَا الشَّاة وَالْعِجْل بَعْد مَا أَكَلْنَاهُمَا , وَأَحْيَا هَذَا بَعْد مَا مَاتَ , وَأَنْزَلَك مِنْ الْجِذْع بَعْد مَا رُفِعْت عَلَيْهِ لِتُصْلَب كَمْ كَانَ مَعَك رَغِيفًا , قَالَ : فَحَلَفَ بِهَذَا كُلّه مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا رَغِيف وَاحِد , قَالَ : لَا بَأْس , فَانْطَلَقَا حَتَّى مَرَّا عَلَى كَنْز قَدْ حَفَرَتْهُ السِّبَاع وَالدَّوَابّ , فَقَالَ الْيَهُودِيّ يَا عِيسَى : لِمَنْ هَذَا الْمَال , قَالَ عِيسَى : دَعْهُ , فَإِنَّ لَهُ أَهْلًا يَهْلِكُونَ عَلَيْهِ , فَجَعَلَتْ نَفْس الْيَهُودِيّ تَطَّلِع إِلَى الْمَال , وَيَكْرَه أَنْ يَعْصِي عِيسَى , فَانْطَلَقَ مَعَ عِيسَى وَمَرَّ بِالْمَالِ أَرْبَعَة نَفَر ; فَلَمَّا رَأَوْهُ , اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ , فَقَالَ اِثْنَانِ لِصَاحِبَيْهِمَا : اِنْطَلِقَا فَابْتَاعَا لَنَا طَعَامًا وَشَرَابًا وَدَوَابّ نَحْمِل عَلَيْهَا هَذَا الْمَال , فَانْطَلَقَ الرَّجُلَانِ فَابْتَاعَا دَوَابّ وَطَعَامًا وَشَرَابًا , وَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : هَلْ لَك أَنْ نَجْعَل لِصَاحِبَيْنَا فِي طَعَامهمَا سُمًّا , فَإِذَا أَكَلَا مَاتَا فَكَانَ الْمَال بَيْنِي وَبَيْنك , فَقَالَ الْآخَر نَعَمْ , فَفَعَلَا , وَقَالَ الْآخَرَانِ : إِذَا مَا أَتَيَانَا بِالطَّعَامِ , فَلْيَقُمْ كُلّ وَاحِد إِلَى صَاحِبه فَيَقْتُلهُ , فَيَكُون الطَّعَام وَالدَّوَابّ بَيْنِي وَبَيْنك , فَلَمَّا جَاءَا بِطَعَامِهِمَا قَامَا فَقَتَلَاهُمَا , ثُمَّ قَعَدَا عَلَى الطَّعَام , فَأَكَلَا مِنْهُ فَمَاتَا , وَأُعْلِمَ ذَلِكَ عِيسَى , فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ : أَخْرِجْهُ حَتَّى نَقْتَسِمهُ , فَأَخْرَجَهُ فَقَسَمَهُ عِيسَى بَيْن ثَلَاثَة , فَقَالَ الْيَهُودِيّ : يَا عِيسَى اِتَّقِ اللَّه وَلَا تَظْلِمنِي , فَإِنَّمَا هُوَ أَنَا وَأَنْتَ , مَا هَذِهِ الثَّلَاثَة ؟ قَالَ لَهُ عِيسَى هَذَا لِي , وَهَذَا لَك , وَهَذَا الثُّلُث لِصَاحِبِ الرَّغِيف , قَالَ الْيَهُودِيّ : فَإِنْ أَخْبَرْتُك بِصَاحِبِ الرَّغِيف تُعْطِينِي هَذَا الْمَال ؟ فَقَالَ عِيسَى : نَعَمْ , قَالَ أَنَا هُوَ , قَالَ : عِيسَى : خُذْ حَظِّي وَحَظّك وَحَظّ صَاحِب الرَّغِيف , فَهُوَ حَظّك مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; فَلَمَّا حَمَلَهُ مَشَى بِهِ شَيْئًا , فَخُسِفَ بِهِ , وَانْطَلَقَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَمَرَّ بِالْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ يَصْطَادُونَ السَّمَك , فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ ؟ فَقَالُوا : نَصْطَاد السَّمَك , فَقَالَ : أَفَلَا تَمْشُونَ حَتَّى نَصْطَاد النَّاس ؟ قَالُوا : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَآمَنُوا بِهِ , وَانْطَلَقُوا مَعَهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } )5610 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ مِنْ عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه } . .. الْآيَة , قَالَ : اِسْتَنْصَرَ فَنَصَرَهُ الْحَوَارِيُّونَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ سَبَب اِسْتِنْصَار عِيسَى مَنْ اِسْتَنْصَرَ , لِأَنَّ مَنْ اِسْتَنْصَرَ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ عَلَيْهِ كَانُوا أَرَادُوا قَتْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5611 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر } قَالَ : كَفَرُوا وَأَرَادُوا قَتْله , فَذَلِكَ حِين اِسْتَنْصَرَ قَوْمه , قَالَ : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه } )وَالْأَنْصَار : جَمْع نَصِير , كَمَا الْأَشْرَاف جَمْع شَرِيف , وَالْأَشْهَاد جَمْع شَهِيد . وَأَمَّا الْحَوَارِيُّونَ , فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله سُمُّوا حَوَارِيُّونَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِبَيَاضِ ثِيَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5612 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : مِمَّا رَوَى أَبِي , قَالَ : ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ مَيْسَرَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِنَّمَا سُمُّوا الْحَوَارِيِّينَ بِبَيَاضِ ثِيَابهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ يُبَيِّضُونَ الثِّيَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5613 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِي أَرْطَأَة , قَالَ : (الْحَوَارِيُّونَ : الْغَسَّالُونَ , الَّذِينَ يُحَوِّرُونَ الثِّيَاب يَغْسِلُونَهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ خَاصَّة الْأَنْبِيَاء وَصَفْوَتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5614 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , (أَنَّ قَتَادَة ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : كَانَ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ , فَقِيلَ لَهُ : مَنْ الْحَوَارِيُّونَ ؟ قَالَ : الَّذِينَ تَصْلُح لَهُمْ الْخِلَافَة . )5615 - حُدِّثْت عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ } قَالَ : أَصْفِيَاء الْأَنْبِيَاء . )وَأَشْبَه الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى الْحَوَارِيِّينَ قَوْل مَنْ قَالَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِبَيَاضِ ثِيَابهمْ , وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا غَسَّالِينَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَر عِنْد الْعَرَب : شِدَّة الْبَيَاض , وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْحُوَّارَى مِنْ الطَّعَام حُوَّارَى لِشِدَّةِ بَيَاضه , وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الشَّدِيد الْبَيَاض مُقْلَة الْعَيْنَيْنِ أَحْوَر , وَلِلْمَرْأَةِ حَوْرَاء , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون حَوَارِيُّو عِيسَى كَانُوا سُمُّوا بِاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ تَبْيِيضهمْ الثِّيَاب , وَأَنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ , فَعُرِفُوا بِصُحْبَةِ عِيسَى وَاخْتِيَاره إِيَّاهُمْ لِنَفْسِهِ أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا , فَجَرَى ذَلِكَ الِاسْم لَهُمْ وَاسْتُعْمِلَ , حَتَّى صَارَ كُلّ خَاصَّة لِلرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابه وَأَنْصَاره حَوَارِيّه ; وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِكُلِّ نَبِيّ حَوَارِيّ , وَحَوَارِيّ الزُّبَيْر | )يَعْنِي خَاصَّته . وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَب النِّسَاء اللَّوَاتِي مَسَاكِنهنَّ الْقُرَى وَالْأَمْصَار حِوَارِيَّات , وَإِنَّمَا سُمِّينَ بِذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْبَيَاض عَلَيْهِنَّ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي جَلْدَة الْيَشْكُرِيّ : <br>فَقُلْ لِلْحِوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرنَا .......... وَلَا تَبْكِينَا إِلَّا الْكِلَاب النَّوَابِح <br>وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صِفَتهمْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَبْيِيضهمْ الثِّيَاب : آمَنَّا بِاَللَّهِ , صَدَّقْنَا بِاَللَّهِ , وَاشْهَدْ أَنْتَ يَا عِيسَى بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْإِسْلَام دِينه الَّذِي اُبْتُعِثَ بِهِ عِيسَى وَالْأَنْبِيَاء قَبْله , لَا النَّصْرَانِيَّة وَلَا الْيَهُودِيَّة , وَتَبْرِئَة مِنْ اللَّه لِعِيسَى مِمَّنْ اِنْتَحَلَ النَّصْرَانِيَّة وَدَانَ بِهَا , كَمَا بَرَّأَ إِبْرَاهِيم مِنْ سَائِر الْأَدْيَان غَيْر الْإِسْلَام , وَذَلِكَ اِحْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَفْد نَجْرَان . كَمَا : 5616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر ( { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْر } وَالْعُدْوَان , { قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه آمَنَّا بِاَللَّهِ } وَهَذَا قَوْلهمْ الَّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْل مِنْ رَبّهمْ , وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ , لَا كَمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَاجُّونَك فِيهِ , يَعْنِي وَفْد نَصَارَى نَجْرَان .)

رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { رَبّنَا آمَنَّا } أَيْ صَدَّقْنَا { بِمَا أَنْزَلْت } يَعْنِي : بِمَا أَنْزَلْت عَلَى نَبِيّك عِيسَى مِنْ كِتَابك { وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول } يَعْنِي بِذَلِكَ : صِرْنَا أَتْبَاع عِيسَى عَلَى دِينك الَّذِي ابْتَعَثْتَهُ بِهِ وَأَعْوَانه , عَلَى الْحَقّ الَّذِي أَرْسَلْته بِهِ إِلَى عِبَادك . وَقَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } يَقُول : فَأَثْبِتْ أَسْمَاءَنَا مَعَ أَسْمَاء الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ , وَأَقَرُّوا لَك بِالتَّوْحِيدِ , وَصَدَّقُوا رُسُلك , وَاتَّبَعُوا أَمْرك وَنَهْيك , فَاجْعَلْنَا فِي عِدَادهمْ وَمَعَهُمْ فِيمَا تُكْرِمهُمْ بِهِ مِنْ كَرَامَتك , وَأَحِلَّنَا مَحَلّهمْ , وَلَا تَجْعَلنَا مِمَّنْ كَفَرَ بِك , وَصَدَّ عَنْ سَبِيلك , وَخَالَفَ أَمْرك وَنَهْيك , يُعَرِّف خَلْقه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ سَبِيل الَّذِينَ رَضِيَ أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ , لِيَحْتَذُوا طَرِيقهمْ , وَيَتَّبِعُوا مِنْهَاجهمْ , فَيَصِلُوا إِلَى مِثْل الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ دَرَجَات كَرَامَته , وَيُكَذِّب بِذَلِكَ الَّذِينَ اِنْتَحَلُوا مِنْ الْمِلَل غَيْر الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى أَنْبِيَاء اللَّه أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرهَا , وَيَحْتَجّ بِهِ عَلَى الْوَفْد الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل نَجْرَان بِأَنَّهُ قِيلَ مَنْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ أَتْبَاع عِيسَى كَانَ خِلَاف قِيلهمْ , وَمِنْهَاجهمْ غَيْر مِنْهَاجهمْ . كَمَا : 5617 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلهمْ وَإِيمَانهمْ .)

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَكَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه أَنَّ عِيسَى أَحَسَّ , مِنْهُمْ الْكُفْر , وَكَانَ مَكْرهمْ الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ , مُوَاطَأَة بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى الْفَتْك بِعِيسَى وَقَتْله , وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بَعْد إِخْرَاج قَوْمه إِيَّاهُ وَأُمّه مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ عَادَ إِلَيْهِمْ , فِيمَا : 5618 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (ثُمَّ إِنَّ عِيسَى سَارَ بِهِمْ : يَعْنِي بِالْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَصْطَادُونَ السَّمَك , فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ إِذْ دَعَاهُمْ حَتَّى أَتَى بَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا فَصَاحَ فِيهِمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَآمَنَتْ طَائِفَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَكَفَرَتْ طَائِفَة } . .. الْآيَة . [61 14 ])وَأَمَّا مَكْر اللَّه بِهِمْ فَإِنَّهُ فِيمَا ذَكَرَ السُّدِّيّ : إِلْقَاؤُهُ شَبَه عِيسَى عَلَى بَعْض أَتْبَاعه , حَتَّى قَتَلَهُ الْمَاكِرُونَ بِعِيسَى , وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ عِيسَى , وَقَدْ رَفَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِيسَى قَبْل ذَلِكَ . كَمَا : 5619 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل حَصَرُوا عِيسَى وَتِسْعَة عَشَر رَجُلًا مِنْ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْت , فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ : مَنْ يَأْخُذ صُورَتِي فَيُقْتَل وَلَهُ الْجَنَّة , فَأَخَذَهَا رَجُل مِنْهُمْ , وَصُعِدَ بِعِيسَى إِلَى السَّمَاء , فَذَلِكَ قَوْله : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } فَلَمَّا خَرَجَ الْحَوَارِيُّونَ أَبْصَرُوهُمْ تِسْعَة عَشَر , فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ عِيسَى قَدْ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء , فَجَعَلُوا يَعُدُّونَ الْقَوْم فَيَجِدُونَهُمْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا مِنْ الْعِدَّة , وَيَرَوْنَ صُورَة عِيسَى فِيهِمْ فَشَكُّوا فِيهِ , وَعَلَى ذَلِكَ قَتَلُوا الرَّجُل وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ عِيسَى , وَصَلَبُوهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } [4 157 ])وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى مَكْر اللَّه بِهِمْ اِسْتِدْرَاجه إِيَّاهُمْ لِيَبْلُغ الْكِتَاب أَجَله , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْل اللَّه : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } [2 15]

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَكَرَ اللَّه بِالْقَوْمِ الَّذِينَ حَاوَلُوا قَتْل عِيسَى مَعَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيبهمْ عِيسَى فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , إِذْ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنِّي مُتَوَفِّيك } فَ | إِذْ | صِلَة مِنْ قَوْله : { وَمَكَرَ اللَّه } يَعْنِي : وَمَكَرَ اللَّه بِهِمْ حِين قَالَ اللَّه لِعِيسَى : { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ } فَتَوَفَّاهُ وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْوَفَاة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ وَفَاة نَوْم , وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى مَذْهَبهمْ : إِنِّي مُنِيمك , وَرَافِعك فِي نَوْمك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5620 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك } قَالَ : يَعْنِي وَفَاة الْمَنَام : رَفَعَهُ اللَّه فِي مَنَامه . )قَالَ الْحَسَن : قَالَ رَسُول اللَّه لِلْيَهُودِ : ( إِنَّ عِيسَى لَمْ يَمُتْ , وَإِنَّهُ رَاجِع إِلَيْكُمْ قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي قَابِضك مِنْ الْأَرْض , فَرَافِعك إِلَيَّ , قَالُوا : وَمَعْنَى الْوَفَاة : الْقَبْض , لِمَا يُقَال : تَوَفَّيْت مِنْ فُلَان مَا لِي عَلَيْهِ , بِمَعْنَى : قَبَضْته وَاسْتَوْفَيْته . قَالُوا : فَمَعْنَى قَوْله : { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك } أَيْ قَابِضك مِنْ الْأَرْض حَيًّا إِلَى جِوَارِي , وَآخِذك إِلَى مَا عِنْدِي بِغَيْرِ مَوْت , وَرَافِعك مِنْ بَيْن الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكُفْر بِك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5621 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , عَنْ اِبْن شَوْذَب , عَنْ مَطَر الْوَرَّاق فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك } قَالَ : مُتَوَفِّيك مِنْ الدُّنْيَا , وَلَيْسَ بِوَفَاةِ مَوْت . )5622 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك } قَالَ : مُتَوَفِّيك مِنْ الْأَرْض . )5623 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ , تَوَفِّيه إِيَّاهُ , وَتَطْهِيره مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا . )5624 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح أَنَّ كَعْب الْأَحْبَار , قَالَ : (مَا كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِيُمِيتَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , إِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّه دَاعِيًا وَمُبَشِّرًا يَدْعُو إِلَيْهِ وَحْده , فَلَمَّا رَأَى عِيسَى قِلَّة مَنْ اِتَّبَعَهُ وَكَثْرَة مَنْ كَذَّبَهُ , شَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ } وَلَيْسَ مَنْ رَفَعْته عِنْدِي مَيِّتًا , وَإِنِّي سَأَبْعَثُك عَلَى الْأَعْوَر الدَّجَّال , فَتَقْتُلهُ , ثُمَّ تَعِيش بَعْد ذَلِكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَة , ثُمَّ أُمِيتك مِيتَة الْحَيّ . قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : وَذَلِكَ يُصَدِّق حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : ( كَيْفَ تَهْلِك أُمَّة أَنَا فِي أَوَّلهَا , وَعِيسَى فِي آخِرهَا ؟ . ))5625 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك : أَيْ قَابِضك . )5626 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ } قَالَ : مُتَوَفِّيك : قَابِضك , قَالَ : وَمُتَوَفِّيك وَرَافِعك وَاحِد . قَالَ : وَلَمْ يَمُتْ بَعْد حَتَّى يَقْتُل الدَّجَّال , وَسَيَمُوتُ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } قَالَ : رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ قَبْل أَنْ يَكُون كَهْلًا , قَالَ : وَيَنْزِل كَهْلًا . )5627 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ } . . الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ , فَهُوَ عِنْده فِي السَّمَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي مُتَوَفِّيك وَفَاة مَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5628 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنِّي مُتَوَفِّيك } يَقُول : إِنِّي مُمِيتك . )5629 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ أَنَّهُ قَالَ : (تَوَفَّى اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم ثَلَاث سَاعَات مِنْ النَّهَار حَتَّى رَفَعَهُ إِلَيْهِ . )5630 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُ تَوَفَّاهُ سَبْع سَاعَات مِنْ النَّهَار , ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى , إِنِّي رَافِعك إِلَيَّ , وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا , وَمُتَوَفِّيك بَعْد إِنْزَالِي إِيَّاكَ إِلَى الدُّنْيَا . وَقَالَ : هَذَا مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , وَالْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي قَابِضك مِنْ الْأَرْض وَرَافِعك إِلَيَّ , لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يَنْزِل عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَيَقْتُل الدَّجَّال | ثُمَّ يَمْكُث فِي الْأَرْض مُدَّة ذَكَرَهَا اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِي مَبْلَغهَا , ثُمَّ يَمُوت , فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ . )5631 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيّ , عَنْ حَنْظَلَة بْن عَلِيّ الْأَسْلَمِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَيُهْبِطَنَّ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا , يَكْسِر الصَّلِيب , وَيَقْتُل الْخِنْزِير , وَيَضَع الْجِزْيَة , وَيَفِيض الْمَال حَتَّى لَا يَجِد مَنْ يَأْخُذهُ , وَلَيَسْكُن الرَّوْحَاء حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا , أَوْ يَدِين بِهِمَا جَمِيعًا . )5632 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن آدَم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْأَنْبِيَاء إِخْوَة لِعَلَّاتٍ , أُمَّهَاتهمْ شَتَّى , وَدِينهمْ وَاحِد , وَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنه نَبِيّ , وَإِنَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي , وَإِنَّهُ نَازِل فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ , فَإِنَّهُ رَجُل مَرْبُوع الْخَلْق إِلَى الْحُمْرَة وَالْبَيَاض سَبْط الشَّعْر كَأَنَّ شَعْره يَقْطُر , وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَل بَيْن مُمَصَّرَتَيْنِ , يَدُقّ الصَّلِيب , وَيَقْتُل الْخِنْزِير , وَيُفِيض الْمَال , وَيُقَاتِل النَّاس عَلَى الْإِسْلَام حَتَّى يُهْلِك اللَّه فِي زَمَانه الْمِلَل كُلّهَا , وَيُهْلِك اللَّه فِي زَمَانه مَسِيخ الضَّلَالَة الْكَذَّاب الدَّجَّال وَتَقَع فِي الْأَرْض الْأَمَنَة حَتَّى تَرْتَع الْأُسُود مَعَ الْإِبِل , وَالنَّمِر مَعَ الْبَقَر , وَالذِّئَاب مَعَ الْغَنَم , وَتَلْعَب الْغِلْمَان بِالْحَيَّاتِ , لَا يَضُرّ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَيَثْبُت فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنُونَهُ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَمَاتَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ بِاَلَّذِي يُمِيتهُ مِيتَة أُخْرَى , فَيَجْمَع عَلَيْهِ مَيْتَتَيْنِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ يَخْلُقهُمْ ثُمَّ يُمِيتهُمْ , ثُمَّ يُحْيِيهِمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ; { اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } [30 40 ]فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : قَالَ اللَّه لِعِيسَى : يَا عِيسَى إِنِّي قَابِضك مِنْ الْأَرْض وَرَافِعك إِلَيَّ , وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا , فَجَحَدُوا نُبُوَّتك . وَهَذَا الْخَبَر وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مَخْرَج خَبَر , فَإِنَّ فِيهِ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِحْتِجَاجًا عَلَى الَّذِينَ حَاجُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى مِنْ وَفْد نَجْرَان , بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يُقْتَل وَلَمْ يُصْلَب كَمَا زَعَمُوا , وَأَنَّهُمْ وَالْيَهُود الَّذِينَ أَقَرُّوا بِذَلِكَ وَادَّعَوْا عَلَى عِيسَى كَذَبَة فِي دَعْوَاهُمْ وَزَعْمهمْ . كَمَا : 5633 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر (ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ - يَعْنِي الْوَفْد مِنْ نَجْرَان - وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوا هُمْ وَالْيَهُود بِصَلْبِهِ , كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ مِنْهُمْ , فَقَالَ : { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ } )وَأَمَّا مُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا , فَإِنَّهُ يَعْنِي مُنَظِّفك , فَمُخَلِّصك مِمَّنْ كَفَرَ بِك وَجَحَدَ مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ الْيَهُود وَسَائِر الْمِلَل غَيْرهَا . كَمَا : 5634 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : إِذْ هَمُّوا مِنْك بِمَا هَمُّوا . )5635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : طَهَّرَهُ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , وَمِنْ كُفَّار قَوْمه .)|كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك عَلَى مِنْهَاجك وَمِلَّتك مِنْ الْإِسْلَام وَفِطْرَته فَوْق الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك , وَخَالَفُوا بِسَبِيلِهِمْ جَمِيع أَهْل الْمِلَل , فَكَذَّبُوا بِمَا جِئْت بِهِ , وَصَدُّوا عَنْ الْإِقْرَار بِهِ , فَمَصِيرهمْ فَوْقهمْ ظَاهِرِينَ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 5636 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } هُمْ أَهْل الْإِسْلَام الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ عَلَى فِطْرَته وَمِلَّته وَسُنَّته فَلَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )5637 - الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 5638 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : نَاصِر مَنْ اِتَّبَعَك عَلَى الْإِسْلَام عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )5639 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } أَمَّا الَّذِينَ اِتَّبَعُوك , فَيُقَال : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ هُمْ الرُّوم . )5640 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : ( { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : جَعَلَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , قَالَ : الْمُسْلِمُونَ مِنْ فَوْقهمْ , وَجَعَلَهُمْ أَعْلَى مِمَّنْ تَرَكَ الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك مِنْ النَّصَارَى فَوْق الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5641 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك } قَالَ : الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ , { فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا } النَّصَارَى فَوْق الْيَهُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , قَالَ : فَلَيْسَ بَلَد فِيهِ أَحَد مِنْ النَّصَارَى إِلَّا وَهُمْ فَوْق يَهُود فِي شَرْق وَلَا غَرْب , هُمْ فِي الْبُلْدَان كُلّهَا مُسْتَذَلُّونَ .)|الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ فَأَحْكُم بَيْنكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ إِلَيَّ } ثُمَّ إِلَى اللَّه أَيّهَا الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى , { مَرْجِعكُمْ } يَعْنِي مَصِيركُمْ يَوْم الْقِيَامَة , { فَأَحْكُم بَيْنكُمْ } يَقُول : فَأَقْضِي حِينَئِذٍ بَيْن جَمِيعكُمْ فِي أَمْر عِيسَى بِالْحَقِّ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْره . وَهَذَا مِنْ الْكَلَام الَّذِي صُرِفَ مِنْ الْخَبَر عَنْ الْغَائِب إِلَى الْمُخَاطَبَة , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ } إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْخَبَر عَنْ مُتَّبِعِي عِيسَى وَالْكَافِرِينَ بِهِ . وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِع الْفَرِيقَيْنِ : الَّذِينَ اِتَّبَعُوك , وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِك , فَأَحْكُم بَيْنهمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . وَلَكِنْ رُدَّ الْكَلَام إِلَى الْخِطَاب لِسُبُوقِ الْقَوْل عَلَى سَبِيل مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَخْرُج عَلَى وَجْه الْحِكَايَة , كَمَا قَالَ : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة } [10 22]

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } فَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك يَا عِيسَى , وَخَالَفُوا مِلَّتك , وَكَذَّبُوا بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ , وَقَالُوا فِيك الْبَاطِل , وَأَضَافُوك إِلَى غَيْر الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُضِيفُوك إِلَيْهِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَسَائِر أَصْنَاف الْأَدْيَان ; فَإِنِّي أُعَذِّبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ; أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِالْقَتْلِ وَالسِّبَاء وَالذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة , فَبِنَارِ جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .|وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ| { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَقُول : وَمَا لَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه مَانِع , وَلَا عَنْ أَلِيم عِقَابه لَهُمْ دَافِع بِقُوَّةٍ وَلَا شَفَاعَة , لِأَنَّهُ الْعَزِيز ذُو الِانْتِقَام .

وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

وَأَمَّا قَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِك يَا عِيسَى , يَقُول : صَدَّقُوك فَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِك , وَبِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْدِي , وَدَانُوا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثْتُك بِهِ , وَعَمِلُوا بِمَا فَرَضْت مِنْ فَرَائِضِي عَلَى لِسَانك , وَشَرَعْت مِنْ شَرَائِعِي , وَسَنَنْت مِنْ سُنَنِي . كَمَا : 5642 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ .ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : أَدَّوْا فَرَائِضِي , فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورهمْ , يَقُول : فَيُعْطِيهِمْ جَزَاء أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة كَامِلًا لَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُنْقَصُونَهُ .)|وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه لَا يُحِبّ مَنْ ظَلَمَ غَيْره حَقًّا لَهُ , أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي غَيْر مَوْضِعه . فَنَفَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَفْسه بِذَلِكَ أَنْ يَظْلِم عِبَاده , فَيُجَازِي الْمُسِيء مِمَّنْ كَفَرَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ , أَوْ يُجَازِي الْمُحْسِن مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ أَمْره وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فَأَطَاعَهُ , جَزَاء الْمُسِيئِينَ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُله وَخَالَفَ أَمْره وَنَهْيه , فَقَالَ : إِنِّي لَا أُحِبّ الظَّالِمِينَ , فَكَيْفَ أَظْلِم خَلْقِي . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر , كَأَنَّهُ وَعِيد مِنْهُ لِلْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ , وَوَعْد مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ , لِأَنَّهُ أَعْلَمَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ لَا يَبْخَس هَذَا الْمُؤْمِن حَقّه , وَلَا يَظْلِم كَرَامَته , فَيَضَعهَا فِيمَنْ كَفَرَ بِهِ , وَخَالَفَ أَمْره وَنَهْيه , فَيَكُون لَهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْر أَهْلهَا ظَالِم .

ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْك مِنْ الْآيَات وَالذِّكْر الْحَكِيم } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ذَلِكَ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَنْبَأَ بِهَا نَبِيّه عَنْ عِيسَى وَأُمّه مَرْيَم , وَأُمّهَا حَنَّة , وَزَكَرِيَّا وَابْنه يَحْيَى , وَمَا قَصَّ مِنْ أَمْر الْحَوَارِيِّينَ , وَالْيَهُود مِنْ بَنَى إِسْرَائِيل ; نَتْلُوهَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد , يَقُول : نَقْرَؤُهَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد , عَلَى لِسَان جِبْرِيل , بِوَحْيِنَاهَا إِلَيْك { مِنْ الْآيَات } يَقُول : مِنْ الْعِبَر وَالْحُجَج , عَلَى مَنْ حَاجَّك مِنْ وَفْد نَصَارَى نَجْرَان وَيَهُود بَنِي إِسْرَائِيل , الَّذِينَ كَذَّبُوك , وَكَذَّبُوا مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْدِي . { وَالذِّكْر } يَعْنِي : وَالْقُرْآن { الْحَكِيم } يَعْنِي : ذِي الْحِكْمَة الْفَاصِلَة بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَبَيْنك وَبَيْن نَاسِبِي الْمَسِيح إِلَى غَيْر نَسَبه . كَمَا : 5643 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْك مِنْ الْآيَات وَالذِّكْر الْحَكِيم } الْقَاطِع الْفَاصِل الْحَقّ , الَّذِي لَمْ يَخْلِطهُ الْبَاطِل مِنْ الْخَبَر عَنْ عِيسَى , وَعَمَّا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْره , فَلَا تَقْبَلَنَّ خَبَرًا غَيْره . )5644 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْك مِنْ الْآيَات وَالذِّكْر الْحَكِيم } قَالَ : الْقُرْآن . )5645 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَالذِّكْر } يَقُول : الْقُرْآن الْحَكِيم الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَته .)

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ شَبَه عِيسَى فِي خَلْقِي إِيَّاهُ مِنْ غَيْر فَحْل - فَأَخْبِرْ بِهِ يَا مُحَمَّد الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان - عِنْدِي كَشَبَهِ آدَم الَّذِي خَلَقْته مِنْ تُرَاب , ثُمَّ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ , مِنْ غَيْر فَحْل , وَلَا ذَكَر , وَلَا أُنْثَى . يَقُول : فَلَيْسَ خَلْقِي عِيسَى مِنْ أُمّه مِنْ غَيْر فَحْل , بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِي آدَم مِنْ غَيْر ذَكَر وَلَا أُنْثَى , فَكَانَ لَحْمًا , يَقُول : وَأَمْرِي إِذْ أَمَرْته أَنْ يَكُون فَكَانَ , فَكَذَلِكَ خَلْقِي عِيسَى أَمَرْته أَنْ يَكُون فَكَانَ . وَذَكَرَ أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة اِحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان الَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5646 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عَامِر , قَالَ : (كَانَ أَهْل نَجْرَان أَعْظَم قَوْم مِنْ النَّصَارَى فِي عِيسَى قَوْلًا , فَكَانُوا يُجَادِلُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة آل عِمْرَان : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } إِلَى قَوْله : { فَنَجْعَل لَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَاذِبِينَ } [3 61 ])5647 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } وَذَلِكَ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَهْل نَجْرَان قَدِمُوا عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ فِيهِمْ السَّيِّد وَالْعَاقِب , فَقَالُوا لِمُحَمَّدٍ : مَا شَأْنك تَذْكُر صَاحِبنَا ؟ فَقَالَ : | مَنْ هُوَ ؟ | قَالُوا : عِيسَى , تَزْعُم أَنَّهُ عَبْد اللَّه , فَقَالَ مُحَمَّد : | أَجَلْ إِنَّهُ عَبْد اللَّه | . قَالُوا لَهُ : فَهَلْ رَأَيْت مَثَل عِيسَى , أَوْ أُنْبِئْت بِهِ ؟ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْده , فَجَاءَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ رَبّنَا السَّمِيع الْعَلِيم , فَقَالَ : قُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوْك { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )5648 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيِّدَيْ أَهْل نَجْرَان وَأُسْقُفَيْهِمْ , السَّيِّد وَالْعَاقِب , لَقِيَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَاهُ عَنْ عِيسَى ؟ فَقَالَا : كُلّ آدَمِيّ لَهُ أَب فَمَا شَأْن عِيسَى لَا أَب لَهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } )5649 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب } لَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَمِعَ بِهِ أَهْل نَجْرَان , أَتَاهُ مِنْهُمْ أَرْبَعَة مِنْ خِيَارهمْ , مِنْهُمْ : الْعَاقِب , وَالسَّيِّد , وماسرجس , وماريحز , فَسَأَلُوهُ مَا يَقُول فِي عِيسَى ؟ فَقَالَ : هُوَ عَبْد اللَّه وَرُوحه وَكَلِمَته , قَالُوا هُمْ : لَا , وَلَكِنَّهُ هُوَ اللَّه , نَزَلَ مِنْ مُلْكه , فَدَخَلَ فِي جَوْف مَرْيَم , ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فَأَرَانَا قُدْرَته وَأَمْره , فَهَلْ رَأَيْت قَطُّ إِنْسَانًا خُلِقَ مِنْ غَيْر أَب ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } )5650 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْعَاقِب وَالسَّيِّد مِنْ أَهْل نَجْرَان , وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : بَلَغَنَا أَنَّ نَصَارَى أَهْل نَجْرَان قَدِمَ وَفْدهمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيهِمْ السَّيِّد وَالْعَاقِب , وَهُمَا يَوْمئِذٍ سَيِّدَا أَهْل نَجْرَان , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد فِيمَا تَشْتُم صَاحِبنَا ؟ قَالَ : | مَنْ صَاحِبكُمَا ؟ | قَالَا : عِيسَى اِبْن مَرْيَم , تَزْعُم أَنَّهُ عَبْد . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَجَلْ إِنَّهُ عَبْد اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ | , فَغَضِبُوا وَقَالُوا : إِنْ كُنْت صَادِقًا , فَأَرِنَا عَبْدًا يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكَمَه , وَيَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر , فَيَنْفُخ فِيهِ , الْآيَة . .. لَكِنَّهُ اللَّه ! فَسَكَتَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } . .. الْآيَة , [5 17 ]فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا جِبْرِيل إِنَّهُمْ سَأَلُونِي أَنْ أُخْبِرهُمْ بِمَثَلِ عِيسَى | . قَالَ جِبْرِيل : مَثَل عِيسَى كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون . فَلَمَّا أَصْبَحُوا عَادُوا , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْآيَات . )5651 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه } فَاسْمَعْ ! { كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } فَإِنْ قَالُوا : خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْر ذَكَر , فَقَدْ خَلَقْت آدَم مِنْ تُرَاب بِتِلْكَ الْقُدْرَة , مِنْ غَيْر أُنْثَى وَلَا ذَكَر فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا وَشَعْرًا وَبَشَرًا , فَلَيْسَ خَلْق عِيسَى مِنْ غَيْر ذَكَر بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا . )5652 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب } قَالَ : أَتَى نَجْرَانِيَّانِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا لَهُ : هَلْ عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا وُلِدَ مِنْ غَيْر ذَكَر فَيَكُون عِيسَى كَذَلِكَ ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } أَكَانَ لِآدَمَ أَب أَوْ أُمّ , كَمَا خَلَقْت هَذَا فِي بَطْن هَذِهِ ؟ )فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : | كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ | , وَآدَم مَعْرِفَة , وَالْمَعَارِف لَا تُوصَل ؟ قِيلَ : إِنَّ قَوْله : { خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب } غَيْر صِلَة لِآدَمَ , وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان عَنْ أَمْره عَلَى وَجْه التَّفْسِير عَنْ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ وَكَيْفَ كَانَ . وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } فَإِنَّمَا قَالَ : | فَيَكُون | , وَقَدْ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ خَلْق آدَم , وَذَلِكَ خَبَر عَنْ أَمْر قَدْ تَقَضَّى , وَقَدْ أُخْرِجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَمَّا قَدْ مَضَى , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ } لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَام مِنْ اللَّه نَبِيّه أَنَّ تَكْوِينه الْأَشْيَاء بِقَوْلِهِ : { كُنْ } ثُمَّ قَالَ : | فَيَكُون | خَبَرًا مُبْتَدَأ , وَقَدْ تَنَاهَى الْخَبَر عَنْ أَمْر آدَم عِنْد قَوْله : | كُنْ | . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم , خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب , ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ; وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنَّ مَا قَالَ لَهُ رَبّك : كُنْ , فَهُوَ كَائِن . فَلَمَّا كَانَ فِي قَوْله : { كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْكَلَام يُرَاد بِهِ إِعْلَام نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِر خَلْقه أَنَّهُ كَائِن مَا كَوْنه اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر أَصْل وَلَا أَوَّل وَلَا عُنْصُر , اِسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى الْمَعْنَى , وَقِيلَ : فَيَكُون , فَعُطِفَ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : فَيَكُون رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء وَمَعْنَاهُ : كُنْ فَكَانَ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا هُوَ كَائِن .

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : الَّذِي أَنْبَأْتُك بِهِ مِنْ خَبَر عِيسَى , وَأَنَّ مَثَله كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب . ثُمَّ قَالَ لَهُ رَبّه : كُنْ هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّك , يَقُول : هُوَ الْخَبَر الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْد رَبّك ; { فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَعْنِي : فَلَا تَكُنْ مِنْ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . كَمَا : 5653 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَعْنِي فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِنْ عِيسَى أَنَّهُ كَمَثَلِ آدَم عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَكَلِمَة اللَّه وَرُوحه . )5654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول : فَلَا تَكُنْ فِي شَكّ مِمَّا قَصَصْنَا عَلَيْك أَنَّ عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَكَلِمَة مِنْهُ وَرُوح , وَأَنَّ مَثَله عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون . )5655 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { الْحَقّ مِنْ رَبّك } مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَر عَنْ عِيسَى , { فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ قَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِ فِيهِ . )5656 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ } قَالَ : وَالْمُمْتَرُونَ : الشَّاكُّونَ . )وَالْمِرْيَة وَالشَّكّ وَالرَّيْب وَاحِد سَوَاء كَهَيْئَةِ مَا تَقُول : أَعْطِنِي وَنَاوِلْنِي وَهَلُمَّ , فَهَذَا مُخْتَلِف فِي الْكَلَام وَهُوَ وَاحِد .

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَت اللَّه عَلَى الْكَاذِبِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ } فَمَنْ جَادَلَك يَا مُحَمَّد فِي الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَالْهَاء فِي قَوْله : { فِيهِ } عَائِدَة عَلَى ذِكْر عِيسَى , وَجَائِز أَنْ تَكُون عَائِدَة عَلَى الْحَقّ الَّذِي قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { الْحَقّ مِنْ رَبّك } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم الَّذِي قَدْ بَيَّنْته لَك فِي عِيسَى أَنَّهُ عَبْد اللَّه . { فَقُلْ تَعَالَوْا } هَلُمُّوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ , وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ , وَأَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ , { ثُمَّ نَبْتَهِل } يَقُول : ثُمَّ نَلْتَعِن , يُقَال فِي الْكَلَام : مَا لَهُ بَهَلَهُ اللَّه ! أَيْ لَعَنَهُ اللَّه , وَمَا لَهُ عَلَيْهِ بَهْلَة اللَّه ! يُرِيد اللَّعْن . وَقَالَ لَبِيد , وَذَكَرَ قَوْمًا هَلَكُوا , فَقَالَ : <br>نَظَرَ الدَّهْر إِلَيْهِمْ فَابْتَهَلَ <br>يَعْنِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ . { فَنَجْعَل لَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَاذِبِينَ } مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي آيَة عِيسَى . كَمَا : 5657 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } أَيْ فِي عِيسَى أَنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله مِنْ كَلِمَة اللَّه وَرُوحه . { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } إِلَى قَوْله : { عَلَى الْكَاذِبِينَ } )5658 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } أَيْ مِنْ بَعْد مَا قَصَصْت عَلَيْك مِنْ خَبَره , وَكَيْفَ كَانَ أَمْره { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } . . الْآيَة . )5659 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } يَقُول : مَنْ حَاجَّك فِي عِيسَى مِنْ بَعْد مَا جَاءَك فِيهِ مِنْ الْعِلْم . )5660 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَاذِبِينَ } قَالَ : مِنَّا وَمِنْكُمْ . )5661 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : وثني اِبْن لَهِيعَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن زِيَاد الْحَضْرَمِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن جَزْء الزُّبَيْدِيّ , (أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْن أَهْل نَجْرَان حِجَابًا فَلَا أَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنِي | )مِنْ شِدَّة مَا كَانُوا يُمَارُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه وَإِنَّ اللَّه لَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْبَأْتُك بِهِ يَا مُحَمَّد مِنْ أَمْر عِيسَى , فَقَصَصْته عَلَيْك مِنْ أَنْبَائِهِ , وَأَنَّهُ عَبْدِي وَرَسُولِي , وَكَلِمَتِي أَلْقَيْتهَا إِلَى مَرْيَم , وَرُوح مِنِّي , { لَهُوَ الْقَصَص } وَالنَّبَأ { الْحَقّ } فَاعْلَمْ ذَلِكَ , وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَلْقِ مَعْبُود يَسْتَوْجِب عَلَيْهِمْ الْعِبَادَة بِمُلْكِهِ إِيَّاهُمْ إِلَّا مَعْبُودك الَّذِي تَعْبُدهُ . وَهُوَ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { الْعَزِيز } الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ عَصَاهُ , وَخَالَفَ أَمْره , وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , أَوْ عَبَدَ رَبًّا سِوَاهُ , { الْحَكِيم } فِي تَدْبِيره , لَا يَدْخُل مَا دَبَّرَهُ وَهَن وَلَا يَلْحَقهُ خَلَل . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5662 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ } أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي جِئْت بِهِ مِنْ الْخَبَر عَنْ عِيسَى , لَهُوَ الْقَصَص , الْحَقّ مِنْ أَمْره . )5663 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص } إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى لَهُوَ الْقَصَص , الْحَقّ . )5664 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ } قَالَ : إِنَّ هَذَا الْقَصَص الْحَقّ فِي عِيسَى , مَا يَنْبَغِي لِعِيسَى أَنْ يَتَعَدَّى هَذَا , وَلَا يُجَاوِز أَنْ يَتَعَدَّى أَنْ يَكُون كَلِمَة اللَّه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوحًا مِنْهُ وَعَبْد اللَّه وَرَسُوله . )5665 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ } إِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى هُوَ الْحَقّ { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه } . .. الْآيَة . )فَلَمَّا فَصَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْن نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان بِالْقَضَاءِ الْفَاصِل وَالْحُكْم الْعَادِل أَمَرَهُ - إِنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , وَأَنَّهُ لَا وَلَد لَهُ وَلَا صَاحِبَة , وَأَنَّ عِيسَى عَبْده وَرَسُوله وَأَبَوْا إِلَّا الْجَدَل وَالْخُصُومَة - أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْمُلَاعَنَة , فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَذَلُوا , فَامْتَنَعُوا مِنْ الْمُلَاعَنَة وَدَعَوْا إِلَى الْمُصَالَحَة , كَاَلَّذِي . 5666 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عَامِر , قَالَ : (فَأَمَرَ - يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُلَاعَنَتِهِمْ - يَعْنِي بِمُلَاعَنَةِ أَهْل نَجْرَان - بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } . . الْآيَة . فَتَوَاعَدُوا أَنْ يُلَاعِنُوهُ , وَوَاعَدُوهُ الْغَد , فَانْطَلَقُوا إِلَى السَّيِّد وَالْعَاقِب , وَكَانَا أَعْقَلهمْ فَتَابَعَاهُمْ , فَانْطَلَقُوا إِلَى رَجُل مِنْهُمْ عَاقِل , فَذَكَرُوا لَهُ مَا فَارَقُوا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا صَنَعْتُمْ ! وَنَدَّمَهُمْ , وَقَالَ لَهُمْ : إِنْ كَانَ نَبِيًّا ثُمَّ دَعَا عَلَيْكُمْ لَا يُغْضِبهُ اللَّه فِيكُمْ أَبَدًا , وَلَئِنْ كَانَ مَلِكًا فَظَهَرَ عَلَيْكُمْ لَا يَسْتَبْقِيكُمْ أَبَدًا . قَالُوا : فَكَيْفَ لَنَا وَقَدْ وَاعَدْنَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا غَدَوْتُمْ إِلَيْهِ فَعَرَضَ عَلَيْكُمْ الَّذِي فَارَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ , فَقُولُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ ! فَإِنْ دَعَاكُمْ أَيْضًا , فَقُولُوا لَهُ : نَعُوذ بِاَللَّهِ ! وَلَعَلَّهُ أَنْ يُعْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ . فَلَمَّا غَدَوْا , غَدَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَضِنًا حَسَنًا آخِذًا بِيَدِ الْحُسَيْن وَفَاطِمَة تَمْشِي خَلْفه , فَدَعَاهُمْ إِلَى الَّذِي فَارَقُوهُ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ , فَقَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ ! ثُمَّ دَعَاهُمْ , فَقَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ ! مِرَارًا . قَالَ : | فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَسْلِمُوا , وَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ | , قَالُوا : مَا نَمْلِك إِلَّا أَنْفُسنَا . قَالَ : | فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَإِنِّي أَنْبِذ إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاء , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ | , قَالُوا : مَا لَنَا طَاقَة بِحَرْبِ الْعَرَب , وَلَكِنْ نُؤَدِّي الْجِزْيَة . قَالَ : فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ سَنَة أَلْفَيْ حُلَّة , أَلْفًا فِي رَجَب وَأَلْفًا فِي صَفَر . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قَدْ أَتَانِي الْبَشِير بِهَلَكَةِ أَهْل نَجْرَان حَتَّى الطَّيْر عَلَى الشَّجَر أَوْ الْعَصَافِير عَلَى الشَّجَر , لَوْ تَمُّوا عَلَى الْمُلَاعَنَة . )حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : فَقُلْت لِلْمُغِيرَةِ : إِنَّ النَّاس يَرَوْنَ فِي حَدِيث أَهْل نَجْرَان أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَهُمْ ! فَقَالَ : أَمَّا الشَّعْبِيّ فَلَمْ يَذْكُرهُ , فَلَا أَدْرِي لِسُوءِ رَأْي بَنِي أُمَيَّة فِي عَلِيّ , أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيث . 5667 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ } إِلَى قَوْله : { فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } فَدَعَاهُمْ إِلَى النِّصْف وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجَّة . فَلَمَّا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر مِنْ اللَّه عَنْهُ , وَالْفَصْل مِنْ الْقَضَاء بَيْنه وَبَيْنهمْ , وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتهمْ , إِنْ رَدُّوا عَلَيْهِ ; دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم دَعْنَا نَنْظُر فِي أَمْرنَا , ثُمَّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيد أَنْ نَفْعَل فِيمَا دَعَوْتنَا إِلَيْهِ . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ , ثُمَّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ , وَكَانَ ذَا رَأْيهمْ , فَقَالُوا : يَا عَبْد الْمَسِيح مَا تَرَى ؟ قَالَ : وَاَللَّه يَا مَعْشَر النَّصَارَى , لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيّ مُرْسَل , وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَر صَاحِبكُمْ , وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْم نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرهمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرهمْ , وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَال مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ , فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْف دِينكُمْ , وَالْإِقَامَة عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل فِي صَاحِبكُمْ , فَوَادِعُوا الرَّجُل ثُمَّ اِنْصَرِفُوا إِلَى بِلَادكُمْ حَتَّى يُرِيكُمْ زَمَن رَأْيه . فَأَتَوْا رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم , قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُلَاعِنك , وَأَنْ نَتْرُكك عَلَى دِينك , وَنَرْجِع عَلَى دِيننَا , وَلَكِنْ اِبْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابك تَرْضَاهُ لَنَا يَحْكُم بَيْننَا فِي أَشْيَاء قَدْ اِخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالنَا , فَإِنَّكُمْ عِنْدنَا رِضًا . )5668 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن فَرْقَد , عَنْ أَبِي الْجَارُود , عَنْ زَيْد بْن عَلِيّ فِي قَوْله : ( { تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } . . الْآيَة . قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن . )5669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } . . الْآيَة , فَأَخَذَ - يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ الْحَسَن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة , وَقَالَ لِعَلِيٍّ : | اِتَّبِعْنَا ! | فَخَرَجَ مَعَهُمْ , فَلَمْ يَخْرُج يَوْمئِذٍ النَّصَارَى , وَقَالُوا : إِنَّا نَخَاف أَنْ يَكُون هَذَا هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَيْسَ دَعْوَة النَّبِيّ كَغَيْرِهَا , فَتَخَلَّفُوا عَنْهُ يَوْمئِذٍ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَوْ خَرَجُوا لَاحْتَرَقُوا | . فَصَالَحُوهُ عَلَى صُلْح عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَمَا عَجَزَتْ الدَّرَاهِم فَفِي الْعُرُوض الْحُلَّة بِأَرْبَعِينَ , وَعَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ دِرْعًا , وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا , وَأَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ فَرَسًا غَازِيَة كُلّ سَنَة , وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَامِن لَهَا حَتَّى نُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ . )5670 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا وَفْدًا مِنْ وَفْد نَجْرَان مِنْ النَّصَارَى , وَهُمْ الَّذِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى , فَنَكَصُوا عَنْ ذَلِكَ وَخَافُوا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : | وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ , إِنْ كَانَ الْعَذَاب لَقَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْل نَجْرَان , وَلَوْ فَعَلُوا لَاسْتُؤْصِلُوا عَنْ جَدِيد الْأَرْض . )5671 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلًا عَنْ أَهْل نَجْرَان , فَلَمَّا رَأَوْهُ خَرَجَ , هَابُوا وَفَرَقُوا , فَرَجَعُوا . قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة : (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل نَجْرَان أَخَذَ بِيَدِ حَسَن وَحُسَيْن وَقَالَ لِفَاطِمَةَ : | اِتَّبِعِينَا | , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاء اللَّه رَجَعُوا . ))5672 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا , عَنْ عَدِيّ قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . 5673 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا عَنَوْنِي مَا حَالَ الْحَوْل وَبِحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا أَهْلَكَ اللَّه الْكَاذِبِينَ . )5674 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا اِبْن زَيْد , قَالَ : (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ لَاعَنْت الْقَوْم بِمَنْ كُنْت تَأْتِي حِين قُلْت { أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } ؟ قَالَ : | حَسَن وَحُسَيْن . )5675 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا الْمُنْذِر بْن ثَعْلَبَة , قَالَ : ثنا عِلْبَاء بْن أَحْمَر الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ } الْآيَة , أَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيّ وَفَاطِمَة وَابْنَيْهِمَا الْحَسَن وَالْحُسَيْن , وَدَعَا الْيَهُود لِيُلَاعِنهُمْ فَقَالَ شَابّ مِنْ الْيَهُود : وَيْحَكُمْ أَلَيْسَ عَهْدكُمْ بِالْأَمْسِ إِخْوَانكُمْ الَّذِينَ مُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير ؟ لَا تُلَاعِنُوا ! فَانْتَهَوْا .)

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ

{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَعْنِي فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَاجُّوك فِي عِيسَى عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد رَبّك فِي عِيسَى وَغَمَرَهُ , مِنْ سَائِر مَا آتَاك اللَّه مِنْ الْهُدَى وَالْبَيَان , فَأَعْرَضُوا عَنْهُ , وَلَمْ يَقْبَلُوهُ.|فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ| { فَإِنَّ اللَّه عَلِيم بِالْمُفْسِدِينَ } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِاَلَّذِينَ يَعْصُونَ رَبّهمْ , وَيَعْمَلُونَ فِي أَرْضه وَبِلَاده بِمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ إِفْسَادهمْ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهُوَ عَالِم بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ , يُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظهَا حَتَّى يُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا جَزَاءَهُمْ .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا م

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ أَلَّا نَعْبُد إِلَّا اللَّه وَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ الْكِتَاب - وَهُمْ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - : { تَعَالَوْا } هَلُمُّوا { إِلَى كَلِمَة سَوَاء } يَعْنِي إِلَى كَلِمَة عَدْل { بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } وَالْكَلِمَة الْعَدْل : هِيَ أَنْ نُوَحِّد اللَّه فَلَا نَعْبُد غَيْره , وَنَبْرَأ مِنْ كُلّ مَعْبُود سِوَاهُ فَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا . وَقَوْله : { وَلَا يَتَّخِذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا } يَقُول : وَلَا يَدِين بَعْضنَا لِبَعْضٍ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , وَيُعَظِّمهُ بِالسُّجُودِ لَهُ , كَمَا يَسْجُد لِرَبِّهِ . { فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَقُول : فَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ الْكَلِمَة السَّوَاء الَّتِي أَمَرْتُك بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهَا , فَلَمْ يُجِيبُوك إِلَيْهَا , فَقُولُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ : اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5676 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُود أَهْل الْمَدِينَة إِلَى الْكَلِمَة السَّوَاء , وَهُمْ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيم . )5677 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْيَهُود إِلَى كَلِمَة السَّوَاء . )5678 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُود أَهْل الْمَدِينَة إِلَى ذَلِكَ , فَأَبَوْا عَلَيْهِ , فَجَاهَدَهُمْ , قَالَ : دَعَاهُمْ إِلَى قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا بَيْنكُمْ } . . الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5679 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر : ( { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } . . الْآيَة , إِلَى قَوْله : { فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } قَالَ : فَدَعَاهُمْ إِلَى النَّصَف , وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجَّة ; يَعْنِي وَفْد نَجْرَان . )5680 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ثُمَّ دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الْوَفْد مِنْ نَصَارَى نَجْرَان - فَقَالَ : { يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } . . الْآيَة . )5681 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا اِبْن زَيْد , قَالَ : قَالَ : يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَص الْحَقّ } - فِي عِيسَى عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى قَالَ : { فَأَبَوْا } يَعْنِي الْوَفْد مِنْ نَجْرَان , فَقَالَ : اُدْعُهُمْ إِلَى أَيْسَر مِنْ هَذَا , { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا وَلَا الْآخَر . )وَإِنَّمَا قُلْنَا : عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } أَهْل الْكِتَابَيْنِ , لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَخْصُصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } بَعْضًا دُون بَعْض , فَلَيْسَ بِأَنْ يَكُون مُوَجِّهًا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَقْصُود بِهِ أَهْل التَّوْرَاة بِأَوْلَى مِنْهُ , بِأَنْ يَكُون مُوَجَّهًا إِلَى أَنَّهُ مَقْصُود بِهِ أَهْل الْإِنْجِيل , وَلَا أَهْل الْإِنْجِيل بِأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مَقْصُودِينَ بِهِ دُون غَيْرهمْ مِنْ أَهْل التَّوْرَاة . وَإِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَد الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَر , لِأَنَّهُ لَا دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ الْمَخْصُوص بِذَلِكَ مِنْ الْآخَر , وَلَا أَثَر صَحِيح , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون كُلّ كِتَابِيّ مَعْنِيًّا بِهِ , لِأَنَّ إِفْرَاد الْعِبَادَة لِلَّهِ وَحْده , وَإِخْلَاص التَّوْحِيد لَهُ , وَاجِب عَلَى كُلّ مَأْمُور مَنْهِيّ مِنْ خَلْق اللَّه , وَأَهْل الْكِتَاب يَعُمّ أَهْل التَّوْرَاة وَأَهْل الْإِنْجِيل , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { تَعَالَوْا } فَإِنَّهُ : أَقْبِلُوا وَهَلُمُّوا , وَإِنَّمَا هُوَ تَفَاعَلُوا مِنْ الْعُلُوّ , فَكَأَنَّ الْقَائِل لِصَاحِبِهِ : تَعَالَ إِلَيَّ , فَإِنَّهُ تَفَاعَلْ مِنْ الْعُلُوّ , كَمَا يُقَال : تَدَانَ مِنِّي مِنْ الدُّنُوّ , وَتَقَارَبْ مِنِّي مِنْ الْقُرْب . وَقَوْله : { إِلَى كَلِمَة سَوَاء } فَإِنَّهَا الْكَلِمَة الْعَدْل , وَ | السَّوَاء | : مِنْ نَعْت | الْكَلِمَة | . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه إِتْبَاع سَوَاء فِي الْإِعْرَاب لِكَلِمَةٍ , وَهُوَ اِسْم لَا صِفَة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : جَرّ سَوَاء لِأَنَّهَا مِنْ صِفَة الْكَلِمَة : وَهِيَ الْعَدْل , وَأَرَادَ مُسْتَوِيَة . قَالَ : وَلَوْ أَرَادَ اِسْتِوَاء كَانَ النَّصْب , وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلهَا عَلَى الِاسْتِوَاء وَيَجُرّ جَازَ , وَيَجْعَلهُ مِنْ صِفَة الْكَلِمَة مِثْل الْخَلْق , لِأَنَّ الْخَلْق هُوَ الْمَخْلُوق , وَالْخَلْق قَدْ يَكُون صِفَة وَاسْمًا , وَيُجْعَل الِاسْتِوَاء مِثْل الْمُسْتَوَى , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } [22 25 ]لِأَنَّ السَّوَاء لِلْآخِرِ وَهُوَ اِسْم لَيْسَ بِصِفَةٍ , فَيُجْرَى عَلَى الْأَوَّل وَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِوَاء , فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مُسْتَوِيًا جَازَ أَنْ يَجْرِي عَلَى الْأَوَّل , وَالرَّفْع فِي ذَا الْمَعْنَى جَيِّد , لِأَنَّهَا لَا تُغَيَّر عَنْ حَالهَا , وَلَا تُثَنَّى , وَلَا تُجْمَع , وَلَا تُؤَنَّث , فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ مِثْل عَدْل وَرِضًا وَجَنْب , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَقَالَ : { أَنْ نَجْعَلهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتهمْ } [45 21 ]فَالسَّوَاء لِلْمَحْيَا وَالْمَمَات بِهَذَا الْمُبْتَدَإِ . وَإِنْ شِئْت أَجْرَيْته عَلَى الْأَوَّل وَجَعَلْته صِفَة مُقَدَّمَة , كَأَنَّهَا مِنْ سَبَب الْأَوَّل فَجَرَتْ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ إِذَا جَعَلْته فِي مَعْنَى مُسْتَوِي , وَالرَّفْع وَجْه الْكَلَام كَمَا فَسَّرْت لَك . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : سَوَاء | مَصْدَر وُضِعَ مَوْضِع الْفِعْل , يَعْنِي مَوْضِع مُتَسَاوِيَة وَمُتَسَاوٍ , فَمَرَّة يَأْتِي عَنْ الْفِعْل , وَمَرَّة عَلَى الْمَصْدَر , وَقَدْ يُقَال فِي سَوَاء بِمَعْنَى عَدْل : سِوَى وَسُوَى , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَكَانًا سُوَى } [20 58 ]وَ | سِوَى | يُرَاد بِهِ عَدْل وَنِصْف بَيْننَا وَبَيْنك . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ | إِلَى كَلِمَة عَدْل بَيْننَا وَبَيْنكُمْ | . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } بِأَنَّ السَّوَاء : هُوَ الْعَدْل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5682 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } عَدْل بَيْننَا وَبَيْنكُمْ { أَلَّا نَعْبُد إِلَّا اللَّه } . . الْآيَة . )5683 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ أَلَّا نَعْبُد إِلَّا اللَّه وَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا } بِمِثْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5684 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : (كَلِمَة السَّوَاء : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )وَأَمَّا قَوْله : { أَلَّا نَعْبُد إِلَّا اللَّه } فَإِنَّ | أَنْ | فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى مَعْنَى : تَعَالَوْا إِلَى أَنْ لَا نَعْبُد إِلَّا اللَّه , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعِبَادَة فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا مَضَى , وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيح مِنْ مَعَانِيه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يَتَّخِذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا } فَإِنَّ اِتِّخَاذ بَعْضهمْ بَعْضًا , هُوَ مَا كَانَ بِطَاعَةِ الْأَتْبَاع الرُّؤَسَاء فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَتَرْكهمْ مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنْ طَاعَة اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه وَالْمَسِيح اِبْن مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا } [9 31 ]كَمَا : 5685 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : ( { وَلَا يَتَّخِذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : لَا يُطِعْ بَعْضنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَيُقَال : إِنَّ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّة أَنْ يُطِيع النَّاس سَادَتهمْ وَقَادَتهمْ فِي غَيْر عِبَادَة , إِنْ لَمْ يَصِلُوا لَهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : اِتِّخَاذ بَعْضهمْ بَعْضًا أَرْبَابًا : سُجُود بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5686 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { وَلَا يَتَّخِذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : سُجُود بَعْضهمْ لِبَعْضٍ .)|اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا|وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَإِنْ تَوَلَّى الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ إِلَى الْكَلِمَة السَّوَاء عَنْهَا وَكَفَرُوا , فَقُولُوا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُمْ : اِشْهَدُوا عَلَيْنَا بِأَنَّا بِمَا تَوَلَّيْتُمْ عَنْهُ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَإِخْلَاص الْعُبُودِيَّة لَهُ , وَأَنَّهُ الْإِلَه الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ مُسْلِمُونَ , يَعْنِي خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِهِ مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ بِقُلُوبِنَا وَأَلْسِنَتنَا , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْلَام فِيمَا مَضَى , وَدَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأْهَل الْكِتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا مِنْ بَعْده } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } يَا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل { لِمَ تُحَاجُّونَ } لَمْ تُجَادِلُونَ { فِي إِبْرَاهِيم } وَتُخَاصِمُونَ فِيهِ , يَعْنِي فِي إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ . وَكَانَ حِجَاجهمْ فِيهِ : اِدِّعَاء كُلّ فَرِيق مِنْ أَهْل هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ كَانَ يَدِين دِين أَهْل نِحْلَته , فَعَابَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ , وَدَلَّ عَلَى مُنَاقَضَتهمْ وَدَعْوَاهُمْ , فَقَالَ : وَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتكُمْ وَدِينكُمْ , وَدِينكُمْ إِمَّا يَهُودِيَّة أَوْ نَصْرَانِيَّة , وَالْيَهُودِيّ مِنْكُمْ يَزْعُم أَنَّ دِينه إِقَامَة التَّوْرَاة وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا , وَالنَّصْرَانِيّ مِنْكُمْ يَزْعُم أَنَّ دِينه إِقَامَة الْإِنْجِيل وَمَا فِيهِ , وَهَذَانِ كِتَابَانِ لَمْ يَنْزِلَا إِلَّا بَعْد حِين مِنْ مَهْلِك إِبْرَاهِيم وَوَفَاته , فَكَيْفَ يَكُون مِنْكُمْ ؟ فَمَا وَجْه اِخْتِصَامكُمْ فِيهِ وَادِّعَائِكُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ , وَالْأَمْر فِيهِ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ , وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي اِخْتِصَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي إِبْرَاهِيم , وَادِّعَاء كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5687 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (اِجْتَمَعَتْ نَصَارَى نَجْرَان وَأَحْبَار يَهُود عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَنَازَعُوا عِنْده , فَقَالَتْ الْأَحْبَار : مَا كَانَ إِبْرَاهِيم إِلَّا يَهُودِيًّا , وَقَالَتْ النَّصَارَى : مَا كَانَ إِبْرَاهِيم إِلَّا نَصْرَانِيًّا . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا مِنْ بَعْده أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ؟ قَالَتْ النَّصَارَى : كَانَ نَصْرَانِيًّا , وَقَالَتْ الْيَهُود : كَانَ يَهُودِيًّا , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه أَنَّ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَا أُنْزِلَا إِلَّا مِنْ بَعْده , وَبَعْده كَانَتْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة . )5688 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم } يَقُول : لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم , وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا , وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا مِنْ بَعْده , فَكَانَتْ الْيَهُودِيَّة بَعْد التَّوْرَاة , وَكَانَتْ النَّصْرَانِيَّة بَعْد الْإِنْجِيل أَفَلَا تَعْقِلُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي دَعْوَى الْيَهُود إِبْرَاهِيم أَنَّهُ مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5689 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُود أَهْل الْمَدِينَة إِلَى كَلِمَة السَّوَاء , وَهُمْ الَّذِينَ حَاجُّوا فِي إِبْرَاهِيم , وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَاتَ يَهُودِيًّا . فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَنَفَاهُمْ مِنْهُ , فَقَالَ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا مِنْ بَعْده أَفَلَا تَعْقِلُونَ } )5690 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5691 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَرَّأَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ حِين اِدَّعَتْ كُلّ أُمَّة أَنَّهُ مِنْهُمْ , وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْحَنِيفِيَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله .|بَعْدِهِ أَفَلَا|وَأَمَّا قَوْله : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَفَلَا تَعْقِلُونَ : تَفْقَهُونَ خَطَأ قِيلكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة حَدَثَتْ مِنْ بَعْد مَهْلِكه بِحِينٍ ؟ .

هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْم فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هَا أَنْتُمْ } هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ خَاصَمْتُمْ وَجَادَلْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْم مِنْ أَمْر دِينكُمْ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي كُتُبكُمْ , وَأَتَتْكُمْ بِهِ رُسُل اللَّه مِنْ عِنْده , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ , وَثَبَتَتْ عِنْدكُمْ صِحَّته , فَلِمَ تُحَاجُّونَ : يَقُول : فَلِمَ تُجَادِلُونَ وَتُخَاصِمُونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم , يَعْنِي الَّذِي لَا عِلْم لَكُمْ بِهِ مِنْ أَمْر إِبْرَاهِيم وَدِينه , وَلَمْ تَجِدُوهُ فِي كُتُب اللَّه , وَلَا أَتَتْكُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُكُمْ , وَلَا شَاهَدْتُمُوهُ فَتَعْلَمُوهُ . كَمَا : 5692 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْم فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } أَمَّا الَّذِي لَهُمْ بِهِ عِلْم : فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أُمِرُوا بِهِ , وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْم : فَشَأْن إِبْرَاهِيم . )5693 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْم } يَقُول : فِيمَا شَهِدْتُمْ وَرَأَيْتُمْ وَعَايَنْتُمْ , { فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } فِيمَا لَمْ تُشَاهِدُوا وَلَمْ تَرَوْا وَلَمْ تُعَايِنُوا , وَاَللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . )5694 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .|عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا|وَقَوْله : { وَاَللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَاَللَّه يَعْلَم مَا غَابَ عَنْكُمْ فَلَمْ تُشَاهِدُوهُ وَلَمْ تَرَوْهُ وَلَمْ تَأْتِكُمْ بِهِ رُسُله مِنْ أَمْر إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الْأُمُور , وَمِمَّا تُجَادِلُونَ فِيهِ , لِأَنَّهُ لَا يَغِيب عَنْهُ شَيْء , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا عَايَنْتُمْ فَشَاهَدْتُمْ , أَوْ أَدْرَكْتُمْ عِلْمه بِالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاع .

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } </subtitle>وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ دَعْوَى الَّذِينَ جَادَلُوا فِي إِبْرَاهِيم وَمِلَّته مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلَّتهمْ , وَتَبْرِئَة لَهُمْ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لِدِينِهِ مُخَالِفُونَ , وَقَضَاء مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ الْإِسْلَام , وَلِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْل دِينه , وَعَلَى مِنْهَاجه وَشَرَائِعه دُون سَائِر أَهْل الْمِلَل وَالْأَدْيَان غَيْرهمْ . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان , أَوْ مَخْلُوقًا دُون خَالِقه , الَّذِي هُوَ إِلَه الْخَلْق وَبَارِئُهُمْ , { وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا } يَعْنِي : مُتَّبِعًا أَمْر اللَّه وَطَاعَته , مُسْتَقِيمًا عَلَى مَحَجَّة الْهُدَى الَّتِي أُمِرَ بِلُزُومِهَا , { مُسْلِمًا } يَعْنِي : خَاشِعًا لِلَّهِ بِقَلْبِهِ , مُتَذَلِّلًا لَهُ بِجَوَارِحِهِ , مُذْعِنًا لِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ مِنْ أَحْكَامه . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحَنِيف فِيمَا مَضَى , وَدَلَّلْنَا عَلَى الْقَوْل الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ أَقْوَالهمْ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5695 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : (قَالَتْ الْيَهُود : إِبْرَاهِيم عَلَى دِيننَا , وَقَالَتْ النَّصَارَى : هُوَ عَلَى دِيننَا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا } . .. الْآيَة . فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه , وَأَدْحَضَ حُجَّتهمْ , يَعْنِي الْيَهُود الَّذِينَ اِدَّعَوْا أَنَّ إِبْرَاهِيم مَاتَ يَهُودِيًّا . )5696 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5697 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه - لَا أُرَاهُ إِلَّا يُحَدِّثهُ عَنْ أَبِيهِ - : (أَنَّ زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل خَرَجَ إِلَى الشَّام يَسْأَل عَنْ الدِّين , وَيَتَّبِعهُ , فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُود , فَسَأَلَهُ عَنْ دِينه , وَقَالَ : إِنِّي لَعَلَيَّ أَنْ أَدِين دِينكُمْ , فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينكُمْ ! فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ : إِنَّك لَنْ تَكُون عَلَى دِيننَا حَتَّى تَأْخُذ بِنَصِيبِك مِنْ غَضَب اللَّه . قَالَ زَيْد : مَا أَفِرّ إِلَّا مِنْ غَضَب اللَّه , وَلَا أَحْمِل مِنْ غَضَب اللَّه شَيْئًا أَبَدًا , وَأَنَا لَا أَسْتَطِيع , فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى دِين لَيْسَ فِيهِ هَذَا ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمهُ إِلَّا أَنْ تَكُون حَنِيفًا , قَالَ : وَمَا الْحَنِيف ؟ قَالَ : دِين إِبْرَاهِيم , لَمْ يَكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا , وَكَانَ لَا يَعْبُد إِلَّا اللَّه . فَخَرَجَ مِنْ عِنْده , فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى , فَسَأَلَهُ عَنْ دِينه , فَقَالَ : إِنِّي لَعَلَيَّ أَنْ أَدِين دِينكُمْ , فَأَخْبِرْنِي عَنْ دِينكُمْ ! قَالَ : إِنَّك لَنْ تَكُون عَلَى دِيننَا حَتَّى تَأْخُذ بِنَصِيبِك مِنْ لَعْنَة اللَّه . قَالَ : لَا أَحْتَمِل مِنْ لَعْنَة اللَّه شَيْئًا , وَلَا مِنْ غَضَب اللَّه شَيْئًا أَبَدًا , وَأَنَا لَا أَسْتَطِيع , فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى دِين لَيْسَ فِيهِ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ الْيَهُودِيّ : لَا أَعْلَمهُ إِلَّا أَنْ تَكُون حَنِيفًا . فَخَرَجَ مِنْ عِنْده , وَقَدْ رَضِيَ الَّذِي أَخْبَرَاهُ وَاَلَّذِي اِتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ شَأْن إِبْرَاهِيم , فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى اللَّه وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدك أَنِّي عَلَى دِين إِبْرَاهِيم .)

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ } إِنَّ أَحَقّ النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ وَنُصْرَته وَوِلَايَته , { لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ } يَعْنِي الَّذِينَ سَلَكُوا طَرِيقه وَمِنْهَاجه , فَوَحَّدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , وَسَنُّوا سُنَنه , وَشَرَّعُوا شَرَائِعه وَكَانُوا لِلَّهِ حُنَفَاء مُسْلِمِينَ غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ . { وَهَذَا النَّبِيّ } يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } . يَعْنِي وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا مُحَمَّدًا , وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَاَللَّه نَاصِر الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ فِي نُبُوَّته , وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل وَالْأَدْيَان . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5698 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ } يَقُول : الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ عَلَى مِلَّته وَسُنَّته وَمِنْهَاجه وَفِطْرَته , { وَهَذَا النَّبِيّ } وَهُوَ نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد . { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدَّقُوا نَبِيّ اللَّه وَاتَّبَعُوهُ , كَانَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ . )5699 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5700 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَجَابِر بْن الْكُرْدِيّ وَالْحَسَن بْن أَبِي يَحْيَى الْمَقْدِسِيّ , قَالُوا : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيّ وُلَاة مِنْ النَّبِيِّينَ , وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ أَبِي وَخَلِيل رَبِّي | , ثُمَّ قَرَأَ : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللَّه وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ عَبْد اللَّه , أُرَاهُ قَالَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 5701 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (يَقُول اللَّه سُبْحَانه : { إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ } وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ .)

وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَدَّتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَدَّتْ } : تَمَنَّتْ { طَائِفَة } يَعْنِي جَمَاعَة { مِنْ أَهْل الْكِتَاب } وَهُمْ أَهْل التَّوْرَاة مِنْ الْيَهُود , وَأَهْل الْإِنْجِيل مِنْ النَّصَارَى { لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } يَقُول : لَوْ يَصُدُّونَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ الْإِسْلَام , وَيَرُدُّونَكُمْ عَنْهُ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر , فَيُهْلِكُونَكُمْ بِذَلِكَ . وَالْإِضْلَال فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِهْلَاك مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض أَإِنَّا لَفِي خَلْق جَدِيد } [32 10 ]يَعْنِي : إِذَا هَلَكْنَا . وَمِنْهُ قَوْل الْأَخْطَل فِي هِجَاء جَرِير : <br>كُنْت الْقَذَى فِي مَوْج أَكْدَر مُزْبِد .......... قَذَفَ الْأَتِيّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالًا <br>يَعْنِي : هَلَكَ هَلَاكًا , وَقَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : <br>فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّة .......... وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْم وَنَائِل <br>يَعْنِي مُهْلِكُوهُ .|وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ| { وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ } : وَمَا يُهْلِكُونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ مُحَاوَلَتهمْ صَدَّكُمْ عَنْ دِينكُمْ أَحَدًا غَيْر أَنْفُسهمْ , يَعْنِي بِأَنْفُسِهِمْ : أَتْبَاعهمْ وَأَشْيَاعهمْ عَلَى مِلَّتهمْ وَأَدْيَانهمْ , وَإِنَّمَا أَهْلَكُوا أَنْفُسهمْ وَأَتْبَاعهمْ بِمَا حَاوَلُوا مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِيجَابِهِمْ مِنْ اللَّه بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سَخَطه , وَاسْتِحْقَاقهمْ بِهِ غَضَبه وَلَعْنَته , لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ , وَنَقْضِهِمْ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي كِتَابهمْ فِي اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ , مِنْ مُحَاوَلَة صَدّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَة , وَالرَّدَى عَلَى جَهْل مِنْهُمْ , بِمَا اللَّه بِهِمْ مَحَلّ مِنْ عُقُوبَته , وَمُدَّخَر لَهُمْ مِنْ أَلِيم عَذَابه , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا يَشْعُرُونَ } أَنَّهُمْ لَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ بِمُحَاوَلَتِهِمْ إِضْلَالكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ ; وَمَعْنَى قَوْله : { وَمَا يَشْعُرُونَ } : وَمَا يَدْرُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ , وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { لِمَ تَكْفُرُونَ } يَقُول : لِمَ تَجْحَدُونَ { بِآيَاتِ اللَّه } يَعْنِي : بِمَا فِي كِتَاب اللَّه , الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ , عَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِكُمْ مِنْ آيِهِ وَأَدِلَّته , { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَوْبِيخ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عَلَى كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَهُمْ يَجِدُونَهُ فِي كُتُبهمْ مَعَ شَهَادَتهمْ أَنَّ مَا فِي كُتُبهمْ حَقّ , وَأَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . كَمَا : 5702 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يَقُول : تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْت مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابكُمْ , ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَهُ , وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته . )5703 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يَقُول : تَشْهَدُونَ أَنَّ نَعْت مُحَمَّد فِي كِتَابكُمْ , ثُمَّ تَكْفُرُونَ بِهِ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل النَّبِيّ الْأُمِّيّ . )5704 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } آيَات اللَّه : مُحَمَّد , وَأَمَّا تَشْهَدُونَ : فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ الْحَقّ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . )5705 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ , ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أَنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام , لَيْسَ لِلَّهِ دِين غَيْره .)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , لِمَ تَلْبِسُونَ , يَقُول : لِمَ تَخْلِطُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ . وَكَانَ خَلْطهمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ : إِظْهَارهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ التَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , غَيْر الَّذِي فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة . كَمَا : 5706 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه بْن الصَّيِّف وَعَدِيّ بْن زَيْد وَالْحَارِث بْن عَوْف بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : تَعَالَوْا نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه غَدْوَة , وَنَكْفُر بِهِ عَشِيَّة , حَتَّى نَلْبِس عَلَيْهِمْ دِينهمْ , لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَع , فَيَرْجِعُوا عَنْ دِينهمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } . .. إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . )5707 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } يَقُول : لِمَ تَلْبِسُونَ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْإِسْلَامِ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل غَيْره الْإِسْلَام وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ . )5708 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد غَيْره الْإِسْلَام , وَلَمْ يَقُلْ : وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ . 5709 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } : الْإِسْلَام بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 5710 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : الْحَقّ : التَّوْرَاة الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى , وَالْبَاطِل : الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّبْس فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .|بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِمَ تَكْتُمُونَ يَا أَهْل الْكِتَاب الْحَقّ ؟ وَالْحَقّ الَّذِي كَتَمُوهُ مَا فِي كُتُبهمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثه وَنُبُوَّته . كَمَا : 5711 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : كَتَمُوا شَأْن مُحَمَّد , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر . )5712 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول : يَكْتُمُونَ شَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر . )5713 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { تَكْتُمُونَ الْحَقّ } : الْإِسْلَام , وَأَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , وَأَنَّ الدِّين الْإِسْلَام . )وَأَمَّا قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تَكْتُمُونَهُ مِنْ الْحَقّ حَقّ , وَأَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَبَر عَنْ تَعَمُّد أَهْل الْكِتَاب الْكُفْر بِهِ , وَكِتْمَانهمْ مَا قَدْ عَلِمُوا مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَوَجَدُوهُ فِي كُتُبهمْ وَجَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَة مَنْ أَمَرَتْ بِهِ مِنْ الْإِيمَان وَجْه النَّهَار , وَالْكُفْر آخِره , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنْهُمْ إِيَّاهُمْ بِتَصْدِيقِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّته , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّهُ حَقّ , فِي الظَّاهِر مِنْ غَيْر تَصْدِيقه فِي ذَلِكَ بِالْعَزْمِ وَاعْتِقَاد الْقُلُوب عَلَى ذَلِكَ , وَبِالْكُفْرِ بِهِ وَجُحُود ذَلِكَ كُلّه فِي آخِره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5714 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره } فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَعْطُوهُمْ الرِّضَا بِدِينِهِمْ أَوَّل النَّهَار , وَاكْفُرُوا آخِره , فَإِنَّهُ أَجْدَر أَنْ يُصَدِّقُوكُمْ , وَيَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ فِيهِمْ مَا تَكْرَهُونَ , وَهُوَ أَجْدَر أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينهمْ . )5715 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : ( { آمِنُوا بِاَلَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : آمِنُوا مَعَهُمْ أَوَّل النَّهَار , وَاكْفُرُوا آخِره , لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مَعَكُمْ . )5716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } كَانَ أَحْبَار قُرَى عَرَبِيَّة اِثْنَيْ عَشَر حَبْرًا , فَقَالُوا لِبَعْضِهِمْ : اُدْخُلُوا فِي دِين مُحَمَّد أَوَّل النَّهَار , وَقُولُوا نَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا حَقّ صَادِق , فَإِذَا كَانَ آخِر النَّهَار فَاكْفُرُوا وَقُولُوا : إِنَّا رَجَعْنَا إِلَى عُلَمَائِنَا وَأَحْبَارنَا فَسَأَلْنَاهُمْ , فَحَدَّثُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا كَاذِب , وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء , وَقَدْ رَجَعْنَا إِلَى دِيننَا فَهُوَ أَعْجَب إِلَيْنَا مِنْ دِينكُمْ , لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ , يَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعَنَا أَوَّل النَّهَار , فَمَا بَالهمْ ؟ فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك الْغِفَارِيّ , قَالَ : (قَالَتْ الْيَهُود بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَسْلِمُوا أَوَّل النَّهَار , وَارْتَدُّوا آخِره , لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . فَأَطْلَعَ اللَّه عَلَى سِرّهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي أَمَرْت بِهِ مِنْ الْإِيمَان : الصَّلَاة , وَحُضُورهَا مَعَهُمْ أَوَّل النَّهَار , وَتَرْك ذَلِكَ آخِره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5717 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( { آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار } يَهُود تَقُولهُ صَلَّتْ مَعَ مُحَمَّد صَلَاة الصُّبْح , وَكَفَرُوا آخِر النَّهَار مَكْرًا مِنْهُمْ , لِيُرُوا النَّاس أَنْ قَدْ بَدَتْ لَهُمْ مِنْهُ الضَّلَالَة بَعْد أَنْ كَانُوا اِتَّبَعُوهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِمِثْلِهِ . 5718 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار } . .. الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْيَهُود قَالُوا : إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّل النَّهَار فَآمِنُوا , وَإِذَا كَانَ آخِره فَصَلُّوا صَلَاتكُمْ لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب , وَهُمْ أَعْلَم مِنَّا , لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينهمْ , وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ . )فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب , يَعْنِي مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة : { آمِنُوا } صَدِّقُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا , وَذَلِكَ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدِّين الْحَقّ وَشَرَائِعه وَسُنَنه . { وَجْه النَّهَار } يَعْنِي أَوَّل النَّهَار , وَسُمِّيَ أَوَّله وَجْهًا لَهُ لِأَنَّهُ أَحْسَنه , وَأَوَّل مَا يُوَاجِه النَّاظِر فَيَرَاهُ مِنْهُ , كَمَا يُقَال لِأَوَّلِ الثَّوْب وَجْهه , وَكَمَا قَالَ رَبِيع بْن زِيَاد : <br>مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِك .......... فَلْيَأْتِ نِسْوَتنَا بِوَجْهِ نَهَار <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5719 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَجْه النَّهَار } : أَوَّل النَّهَار . )5720 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { وَجْه النَّهَار } : أَوَّل النَّهَار { وَاكْفُرُوا آخِره } يَقُول : آخِر النَّهَار . )5721 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره } قَالَ : قَالَ صَلُّوا مَعَهُمْ الصُّبْح , وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ آخِر النَّهَار , لَعَلَّكُمْ تَسْتَزِلُّونَهُمْ بِذَلِكَ . )وَأَمَّا قَوْله : { وَاكْفُرُوا آخِره } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا : وَاجْحَدُوا مَا صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ دِينهمْ فِي وَجْه النَّهَار فِي آخِر النَّهَار|لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ| { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : يَعْنِي بِذَلِكَ : لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ دِينهمْ مَعَكُمْ وَيَدَعُونَهُ . كَمَا : 5722 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : لَعَلَّهُمْ يَدَعُونَ دِينهمْ , وَيَرْجِعُونَ إِلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ . )5723 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5724 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : لَعَلَّهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَنْ دِينهمْ . )5725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لَعَلَّهُمْ يَشُكُّونَ . )5726 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : يَرْجِعُونَ عَنْ دِينهمْ .)

وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تُصَدِّقُوا إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينكُمْ فَكَانَ يَهُودِيًّا . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قَوْل الطَّائِفَة الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْيَهُود : { آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار } . وَاللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } نَظِيره اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَكُون رَدِفَ لَكُمْ } [27 72 ]بِمَعْنَى : رَدِفَكُمْ { بَعْض الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } [27 72 ]وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5727 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } هَذَا قَوْل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . )5728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5729 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } قَالَ : لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ الْيَهُودِيَّة . )5730 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب : قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } قَالَ : لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِدِينِكُمْ لَا مَنْ خَالَفَهُ - , فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ .)|قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ } . </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } اِعْتَرَضَ بِهِ فِي وَسَط الْكَلَام خَبَرًا مِنْ اللَّه عَنْ أَنَّ الْبَيَان بَيَانه وَالْهُدَى هُدَاهُ . قَالُوا : وَسَائِر الْكَلَام بَعْد ذَلِكَ مُتَّصِل بِالْكَلَامِ الْأَوَّل خَبَرًا عَنْ قِيل الْيَهُود بَعْضهَا لِبَعْضٍ . فَمَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ , وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ , أَوْ أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ : أَيْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجَّكُمْ أَحَد عِنْد رَبّكُمْ . ثُمَّ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , وَإِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5731 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ } : حَسَدًا مِنْ يَهُود أَنْ تَكُون النُّبُوَّة فِي غَيْرهمْ , وَإِرَادَة أَنْ يُتَّبَعُوا عَلَى دِينهمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه , إِنَّ الْبَيَان بَيَان اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد , قَالُوا : وَمَعْنَاهُ : لَا يُؤْتَى أَحَد مِنْ الْأُمَم مِثْل مَا أُوتِيتُمْ , كَمَا قَالَ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } [4 176 ]بِمَعْنَى لَا تَضِلُّونَ , وَكَقَوْلِهِ : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ } [26 200 : 201 ]يَعْنِي : أَنْ لَا يُؤْمِنُوا { مِثْل مَا أُوتِيتُمْ } . يَقُول : مِثْل مَا أُوتِيت أَنْتَ يَا مُحَمَّد وَأُمَّتك مِنْ الْإِسْلَام وَالْهُدَى , أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ . قَالُوا : وَمَعْنَى | أَوْ | إِلَّا : أَيْ إِلَّا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ , يَعْنِي إِلَّا أَنْ يُجَادِلُوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ عِنْد مَا فَعَلَ بِهِمْ رَبّكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5732 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ } يَقُول : مِثْل مَا أُوتِيتُمْ يَا أُمَّة مُحَمَّد , أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ , تَقُول الْيَهُود : فَعَلَ اللَّه بِنَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الْكَرَامَة , حَتَّى أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْمَنّ وَالسَّلْوَى , فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ أَفْضَل , فَقُولُوا : { إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء } . .. الْآيَة . )فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل جَمِيع هَذَا الْكَلَام أَمْر مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولهُ لِلْيَهُودِ , وَهُوَ مُتَلَاصِق بَعْضه بِبَعْضٍ لَا اِعْتِرَاض فِيهِ , وَالْهُدَى الثَّانِي رَدّ عَلَى الْهُدَى الْأَوَّل , وَ | أَنَّ | فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهُ خَبَر عَنْ الْهُدَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ أَنْ يَقُولهُ لِلْيَهُودِ , وَقَالُوا : تَأْوِيله : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه , أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِنْ النَّاس مِثْل مَا أُوتِيتُمْ , يَقُول : مِثْل الَّذِي أُوتِيتُمُوهُ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود مِنْ كِتَاب اللَّه , وَمِثْل نَبِيّكُمْ , فَلَا تَحْسُدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أُعْطِيتهمْ , مِثْل الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ فَضْلِي , فَإِنَّ الْفَضْل بِيَدِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5733 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ } يَقُول : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه كِتَابًا مِثْل كِتَابكُمْ , وَبَعَثَ نَبِيًّا مِثْل نَبِيّكُمْ حَسَدْتُمُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; { قُلْ إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه } . .. الْآيَة . )5734 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود مِنْ كِتَاب اللَّه . قَالُوا : وَهَذَا آخِر الْقَوْل الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولهُ لِلْيَهُودِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة , قَالُوا : وَقَوْله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } مَرْدُود عَلَى قَوْله : { وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ } . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قَوْل أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ , فَتَتْرُكُوا الْحَقّ أَنْ يُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ مَنْ اِتَّبَعْتُمْ دِينه , فَاخْتَرْتُمُوهُ أَنَّهُ مُحِقّ , وَأَنَّكُمْ تَجِدُونَ نَعْته فِي كِتَابكُمْ . فَيَكُون حِينَئِذٍ قَوْله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } مَرْدُودًا عَلَى جَوَاب نَهْي مَتْرُوك عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5735 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ } يَقُول : هَذَا الْأَمْر الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ , أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ , قَالَ : قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : لَا تُخْبِرُوهُمْ بِمَا بَيَّنَ اللَّه لَكُمْ فِي كِتَابه لِيُحَاجُّوكُمْ , قَالَ : لِيُخَاصِمُوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ . ) { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } مُعْتَرَض بِهِ , وَسَائِر الْكَلَام مُتَّسِق عَلَى سِيَاق وَاحِد . فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ اِتَّبَعَ دِينكُمْ , وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ , بِمَعْنَى : لَا يُؤْتَى أَحَد بِمِثْلِ مَا أُوتِيتُمْ , { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْد رَبّكُمْ } بِمَعْنَى : أَوْ أَنْ يُحَاجّكُمْ عِنْد رَبّكُمْ أَحَد بِإِيمَانِكُمْ , لِأَنَّكُمْ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُمْ بِمَا فَضَّلَكُمْ بِهِ عَلَيْهِمْ . فَيَكُون الْكَلَام كُلّه خَبَرًا عَنْ قَوْل الطَّائِفَة الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار } سِوَى قَوْله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } ثُمَّ يَكُون الْكَلَام مُبْتَدَأ بِتَكْذِيبِهِمْ فِي قَوْلهمْ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ مَا قَالُوا مِنْ الطَّائِفَة الَّتِي وَصَفْت لَك قَوْلهَا لِتُبَّاعِهَا مِنْ الْيَهُود { إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه } إِنَّ التَّوْفِيق تَوْفِيق اللَّه , وَالْبَيَان بَيَانه , وَإِنَّ الْفَضْل بِيَدِهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , لَا مَا تَمَنَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ مِنْ سَائِر الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , لِأَنَّهُ أَصَحّهَا مَعْنًى , وَأَحْسَنهَا اِسْتِقَامَة عَلَى مَعْنَى كَلَام الْعَرَب , وَأَشَدّهَا اِتِّسَاقًا عَلَى نَظْم الْكَلَام وَسِيَاقه , وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل فَانْتِزَاع يَبْعُد مِنْ الصِّحَّة عَلَى اِسْتِكْرَاه شَدِيد الْكَلَام .|قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت قَوْلهمْ لِأَوْلِيَائِهِمْ : إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه , إِنَّ التَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ , وَالْهِدَايَة لِلْإِسْلَامِ بِيَدِ اللَّه , وَإِلَيْهِ دُونكُمْ وَدُون سَائِر خَلْقه , { يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء } مِنْ خَلْقه , يَعْنِي : يُعْطِيه مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَاده تَكْذِيبًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي قَوْلهمْ لِتُبَّاعِهِمْ : لَا يُؤْتَى أَحَد مِثْل مَا أُوتِيتُمْ . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكُمْ , إِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّه الَّذِي بِيَدِهِ الْأَشْيَاء كُلّهَا , وَإِلَيْهِ الْفَضْل , وَبِيَدِهِ يُعْطِيه مَنْ يَشَاء . { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو سَعَة بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاء أَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْهِ عَلِيم ذُو عِلْم بِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ لِلْفَضْلِ أَهْل . 5736 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك قِرَاءَة عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ الْفَضْل بِيَدِ اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء } قَالَ : الْإِسْلَام .)

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء } يَفْتَعِل مِنْ قَوْل الْقَائِل : خَصَصْت فُلَانًا بِكَذَا , أَخُصّهُ بِهِ . وَأَمَّا رَحْمَته فِي هَذَا الْمَوْضِع : فَالْإِسْلَام وَالْقُرْآن مَعَ النُّبُوَّة . كَمَا : 5737 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء } قَالَ : النُّبُوَّة يَخُصّ بِهَا مَنْ يَشَاء . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5738 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء } قَالَ : يَخْتَصّ بِالنُّبُوَّةِ مَنْ يَشَاء . )5739 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك قِرَاءَةً , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء } قَالَ : الْقُرْآن وَالْإِسْلَام . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج مِثْله .|وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ| { وَاَللَّه ذُو الْفَضْل الْعَظِيم } يَقُول : ذُو فَضْل يَتَفَضَّل بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ وَشَاءَ مِنْ خَلْقه . ثُمَّ وَصَفَ فَضْله بِالْعِظَمِ , فَقَالَ : فَضْله عَظِيم لِأَنَّهُ غَيْر مُشَبَّه فِي عِظَم مَوْقِعه مِمَّنْ أَفْضَلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَال خَلْقه , وَلَا يُقَارِبهُ فِي جَلَالَة خَطَره وَلَا يُدَانِيه .

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَق

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } </subtitle>وَهَذَا الْخَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَهْل أَمَانَة يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَخُونُونَهَا , وَمِنْهُمْ الْخَائِن أَمَانَته , الْفَاجِر فِي يَمِينه الْمُسْتَحِلّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه إِخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّاس لَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ مِنْهُمْ الْمُؤَدِّي أَمَانَته وَالْخَائِنُهَا ؟ قِيلَ : إِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ وَعَزَّ بِإِخْبَارِهِ الْمُؤْمِنِينَ خَبَرهمْ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابه بِهَذِهِ الْآيَات تَحْذِيرهمْ أَنْ يَأْتَمِنُوهُمْ عَلَى أَمْوَالهمْ , وَتَخْوِيفهمْ الِاغْتِرَار بِهِمْ , لِاسْتِحْلَالِ كَثِير مِنْهُمْ أَمْوَال الْمُؤْمِنِينَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِي إِنْ تَأْمَنهُ يَا مُحَمَّد عَلَى عَظِيم مِنْ الْمَال كَثِير , يُؤَدِّهِ إِلَيْك , وَلَا يَخُنْك فِيهِ ; وَمِنْهُمْ الَّذِي إِنْ تَأْمَنهُ عَلَى دِينَار يَخُنْك فِيهِ , فَلَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلَّا أَنْ تُلِحّ عَلَيْهِ بِالتَّقَاضِي وَالْمُطَالَبَة . وَالْبَاء فِي قَوْله : { بِدِينَارٍ } , وَعَلَى يَتَعَاقَبَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِع , كَمَا يُقَال : مَرَرْت بِهِ , وَمَرَرْت عَلَيْهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : إِلَّا مَا دُمْت لَهُ مُتَقَاضِيًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5740 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } : إِلَّا مَا طَلَبْته وَاتَّبَعْته . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } قَالَ : تَقْتَضِيه إِيَّاهُ . )5741 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } قَالَ : مُوَاظِبًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا عَلَى رَأْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5742 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } يَقُول : يَعْتَرِف بِأَمَانَتِهِ مَا دُمْت قَائِمًا عَلَى رَأْسه , فَإِذَا قُمْت ثُمَّ جِئْت تَطْلُبهُ كَافَرَكَ الَّذِي يُؤَدِّي , وَاَلَّذِي يَجْحَد . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا بِالْمُطَالَبَةِ وَالِاقْتِضَاء , مِنْ قَوْلهمْ : قَامَ فُلَان بِحَقِّي عَلَى فُلَان حَتَّى اِسْتَخْرَجَهُ لِي , أَيْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصه , وَسَعَى فِي اِسْتِخْرَاجه مِنْهُ حَتَّى اِسْتَخْرَجَهُ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِمْ أَمْوَال الْأُمِّيِّينَ , وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْضِي مَا عَلَيْهِ إِلَّا بِالِاقْتِضَاءِ الشَّدِيد وَالْمُطَالَبَة , وَلَيْسَ الْقِيَام عَلَى رَأْس الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْن , بِمُوجِب لَهُ النُّقْلَة عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ اِسْتِحْلَال مَا هُوَ لَهُ مُسْتَحِلّ , وَلَكِنْ قَدْ يَكُون - مَعَ اِسْتِحْلَاله الذَّهَاب بِمَا عَلَيْهِ لِرَبِّ الْحَقّ - إِلَى اِسْتِخْرَاجه السَّبِيل بِالِاقْتِضَاءِ وَالْمُحَاكَمَة وَالْمُخَاصَمَة , فَذَلِكَ الِاقْتِضَاء : هُوَ قِيَام رَبّ الْمَال بِاسْتِخْرَاجِ حَقّه مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ .|ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } . </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّ مَنْ اِسْتَحَلَّ الْخِيَانَة مِنْ الْيَهُود وَجُحُود حُقُوق الْعَرَبِيّ الَّتِي هِيَ لَهُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يُؤَدِّ مَا اِئْتَمَنَهُ الْعَرَبِيّ عَلَيْهِ إِلَيْهِ إِلَّا مَا دَامَ لَهُ مُتَقَاضِيًا مُطَالِبًا , مِنْ أَجْل أَنَّهُ يَقُول : لَا حَرَج عَلَيْنَا فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ أَمْوَال الْعَرَب , وَلَا إِثْم , لِأَنَّهُمْ عَلَى غَيْر الْحَقّ , وَأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو قَوْلنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5743 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } . .. الْآيَة , قَالَتْ الْيَهُود : لَيْسَ عَلَيْنَا فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ أَمْوَال الْعَرَب سَبِيل . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } قَالَ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْمُشْرِكِينَ سَبِيل , يَعْنُونَ : مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )5744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } قَالَ : يُقَال لَهُ : مَا بَالُك لَا تُؤَدِّي أَمَانَتك ؟ فَيَقُول : لَيْسَ عَلَيْنَا حَرَج فِي أَمْوَال الْعَرَب , قَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَنَا . )5745 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر (لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | كَذَبَ أَعْدَاء اللَّه مَا مِنْ شَيْء كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا وَهُوَ تَحْت قَدَمِي , إِلَّا الْأَمَانَة فَإِنَّهَا مُؤَدَّاة إِلَى الْبَرّ وَالْفَاجِر . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } يَعْنُونَ أَخْذَ أَمْوَالهمْ , قَالَ رَسُول اللَّه , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : | إِلَّا وَهُوَ تَحْت قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ , إِلَّا الْأَمَانَة فَإِنَّهَا مُؤَدَّاة | )وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ . 5746 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب كَانُوا يَقُولُونَ : لَيْسَ عَلَيْنَا جُنَاح فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ , فَذَلِكَ قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 5747 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } قَالَ : بَايَعَ الْيَهُود رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أَسْلَمُوا تَقَاضَوْهُمْ ثَمَن بُيُوعهمْ , فَقَالُوا : لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْنَا أَمَانَة , وَلَا قَضَاء لَكُمْ عِنْدنَا , لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ دِينكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ , وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كِتَابهمْ , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . )5748 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صَعْصَعَة , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : (إِنَّا نَغْزُو أَهْل الْكِتَاب , فَنُصِيب مِنْ ثِمَارهمْ ؟ قَالَ : وَتَقُولُونَ كَمَا قَالَ أَهْل الْكِتَاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } . )5749 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ صَعْصَعَة : (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : إِنَّا نُصِيب فِي الْغَزْو - أَوْ الْعِذْق , الشَّكّ مِنْ الْحَسَن - مِنْ أَمْوَال أَهْل الذِّمَّة الدَّجَاجَة وَالشَّاة , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فَتَقُولُونَ مَاذَا ؟ قَالَ نَقُول : لَيْسَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ بَأْس . قَالَ : هَذَا كَمَا قَالَ أَهْل الْكِتَاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } إِنَّهُمْ إِذَا أَدَّوْا الْجِزْيَة لَمْ تَحِلّ لَكُمْ أَمْوَالهمْ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسهمْ .)|وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي أَمْوَال الْأُمِّيِّينَ مِنْ الْعَرَب حَرَج أَنْ نَخْتَانَهُمْ إِيَّاهُ , يَقُولُونَ - بِقِيلِهِمْ : إِنَّ اللَّه أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ , فَلَا حَرَج عَلَيْنَا فِي خِيَانَتهمْ إِيَّاهُ , وَتَرْك قَضَائِهِمْ - الْكَذِب عَلَى اللَّه عَامِدِينَ الْإِثْم بِقِيل الْكَذِب عَلَى اللَّه أَنَّهُ أَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ , وَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . كَمَا : 5750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (فَيَقُول عَلَى اللَّه الْكَذِب , وَهُوَ يَعْلَم , يَعْنِي الَّذِي يَقُول مِنْهُمْ إِذَا قِيلَ لَهُ : مَا لَك لَا تُؤَدِّي أَمَانَتك ؟ لَيْسَ عَلَيْنَا حَرَج فِي أَمْوَال الْعَرَب , قَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَنَا . )5751 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : يَعْنِي اِدِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي كِتَابهمْ قَوْلهمْ : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل } .)

بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ } </subtitle>وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا لِمَنْ أَدَّى أَمَانَته إِلَى مَنْ اِئْتَمَنَهُ عَلَيْهَا اِتِّقَاء اللَّه وَمُرَاقَبَته عِنْده . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْكَاذِبُونَ عَلَى اللَّه مِنْ الْيَهُود , مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَال الْأُمِّيِّينَ حَرَج وَلَا إِثْم , ثُمَّ قَالَ بَلَى , وَلَكِنْ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى , يَعْنِي وَلَكِنَّ الَّذِي أَوْفَى بِعَهْدِهِ , وَذَلِكَ وَصِيَّته إِيَّاهُمْ , الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا فِي التَّوْرَاة مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ . وَالْهَاء فِي قَوْله : { مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ } عَائِدَة عَلَى اِسْم اللَّه فِي قَوْله : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } يَقُول : بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّه الَّذِي عَاهَدَهُ فِي كِتَابه , فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَ بِهِ . بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّه مِنْ أَدَاء الْأَمَانَة إِلَى مَنْ اِئْتَمَنَهُ عَلَيْهَا , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَ { وَاتَّقَى } يَقُول : وَاتَّقَى مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ مِنْ الْكُفْر بِهِ وَسَائِر مَعَاصِيه الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْهِ , فَاجْتَنَبَ ذَلِكَ مُرَاقَبَة وَعِيد اللَّه , وَخَوْف عِقَابه { فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ } يَعْنِي : فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ فَيَخَافُونَ عِقَابه , وَيَحْذَرُونَ عَذَابه , فَيَجْتَنِبُونَ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ , وَيُطِيعُونَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هُوَ اِتِّقَاء الشِّرْك . 5752 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى } يَقُول : اِتَّقَى الشِّرْك ; { إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ } يَقُول : الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . )وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته .

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَبْدِلُونَ بِتَرْكِهِمْ عَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ , وَوَصِيَّته الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا فِي الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه إِلَى أَنْبِيَائِهِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد وَتَصْدِيقه , وَالْإِقْرَار بِهِ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبِأَيْمَانِهِمْ الْكَاذِبَة الَّتِي يَسْتَحِلُّونَ بِهَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَال النَّاس الَّتِي اُؤْتُمِنُوا عَلَيْهَا ثَمَنًا , يَعْنِي عِوَضًا وَبَدَلًا خَسِيسًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا وَحُطَامهَا . { أُولَئِكَ لَا خَلَاق لَهُمْ فِي الْآخِرَة } يَقُول : فَإِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا حَظّ لَهُمْ فِي خَيْرَات الْآخِرَة , وَلَا نَصِيب لَهُمْ مِنْ نَعِيم الْجَنَّة , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لِأَهْلِهَا فِيهَا . دُون غَيْرهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا مَضَى فِي مَعْنَى الْخَلَاق , وَدَلَّلْنَا عَلَى أَوْلَى أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه بِمَا يَسُرّهُمْ وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ , يَقُول : وَلَا يَعْطِف عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ مَقْتًا مِنْ اللَّه لَهُمْ كَقَوْلِ الْقَائِل لِآخَرَ : اُنْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَ اللَّه إِلَيْك , بِمَعْنَى : تَعَطَّفْ عَلَيَّ تَعَطَّفَ اللَّه عَلَيْك بِخَيْرٍ وَرَحْمَة , وَكَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : لَا سَمِعَ اللَّه لَك دُعَاءَك , يُرَاد : لَا اِسْتَجَابَ اللَّه لَك , وَاَللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>دَعَوْت اللَّه حَتَّى خِفْت أَنْ لَا .......... يَكُون اللَّه يَسْمَع مَا أَقُول <br>وَقَوْله { وَلَا يُزَكِّيهِمْ } يَعْنِي : وَلَا يُطَهِّرهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبهمْ وَكُفْرهمْ , { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي : وَلَهُمْ عَذَاب مُوجِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَمَنْ عُنِيَ بِهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي أَحْبَار مِنْ أَحْبَار الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5753 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فِي أَبِي رَافِع وَكِنَانَة بْن أَبِي الْحُقَيْق وَكَعْب بْن الْأَشْرَف وَحُيَيّ بْن أَخْطَب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي الْأَشْعَث بْن قَيْس وَخَصْم لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5754 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين هُوَ فِيهَا فَاجِر لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَال اِمْرِئٍ مُسْلِم , لَقِيَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان | فَقَالَ الْأَشْعَث بْن قَيْس : فِيَّ وَاَللَّه كَانَ ذَلِكَ , كَانَ بَيْنِي وَبَيْن رَجُل مِنْ الْيَهُود أَرْض , فَجَحَدَنِي , فَقَدَّمْته إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَكَ بَيِّنَة | ؟ قُلْت : لَا , فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ : | اِحْلِفْ | ! قُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِذَنْ يَحْلِف فَذَهَبَ مَالِي , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } الْآيَة . )5755 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير بْن حَازِم عَنْ عَدِيّ بْن عَدِيّ , عَنْ رَجَاء بْن حَيْوَة وَالْعِرْس , أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ , عَنْ أَبِيهِ عَدِيّ بْن عَمِيرَة , قَالَ : ((كَانَ بَيْن اِمْرِئِ الْقَيْس وَرَجُل مِنْ حَضْرَمَوْت خُصُومَة , فَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لِلْحَضْرَمِيِّ : | بَيِّنَتك وَإِلَّا فَيَمِينه ! | قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنْ حَلَفَ ذَهَبَ بِأَرْضِي , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين كَاذِبَة لِيَقْتَطِعَ بِهَا حَقّ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان | . فَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : يَا رَسُول اللَّه , فَمَا لِمَنْ تَرَكَهَا وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهَا حَقّ ؟ قَالَ : | الْجَنَّة | , قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِدك أَنِّي قَدْ تَرَكْتهَا . )قَالَ جَرِير : فَكُنْت مَعَ أَيُّوب السَّخْتِيَانِيّ حِين سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيث مِنْ عَدِيّ , فَقَالَ أَيُّوب : إِنَّ عَدِيًّا قَالَ فِي حَدِيث الْعِرْس بْن عَمِيرَة : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ جَرِير : وَلَمْ أَحْفَظ يَوْمئِذٍ مِنْ عَدِيّ . )5756 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ آخَرُونَ : (إِنَّ الْأَشْعَث بْن قَيْس اِخْتَصَمَ هُوَ وَرَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْض كَانَتْ فِي يَده لِذَلِكَ الرَّجُل أَخَذَهَا لِتَعَزُّزِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَقِمْ بَيِّنَتك ! | قَالَ الرَّجُل : لَيْسَ يَشْهَد لِي أَحَد عَلَى الْأَشْعَث . قَالَ : | فَلَك يَمِينه | . فَقَامَ الْأَشْعَث لِيَحْلِفَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة , فَنَكَلَ الْأَشْعَث وَقَالَ : إِنِّي أُشْهِد اللَّه وَأُشْهِدكُمْ أَنَّ خَصْمِي صَادِق . فَرَدَّ إِلَيْهِ أَرْضه , وَزَادَهُ مِنْ أَرْض نَفْسه زِيَادَة كَثِيرَة , مَخَافَة أَنْ يَبْقَى فِي يَده شَيْء مِنْ حَقّه , فَهِيَ لِعَقِبِ ذَلِكَ الرَّجُل بَعْده . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ شَقِيق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين يَسْتَحِقّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِر لَقِيَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَصْدِيق ذَلِكَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } الْآيَة . .. ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَث بْن قَيْس خَرَجَ إِلَيْنَا , فَقَالَ : مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن ؟ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا قَالَ , فَقَالَ : صَدَقَ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ , (كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْن رَجُل خُصُومَة فِي بِئْر , فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | شَاهِدَاك أَوْ يَمِينه ! | فَقُلْت : إِذًا يَحْلِف وَلَا يُبَالِي . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين يَسْتَحِقّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِر لَقِيَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان | , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيق ذَلِكَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . .. الْآيَة . ))وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 5757 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر : (أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَته أَوَّل النَّهَار , فَلَمَّا كَانَ آخِره جَاءَ رَجُل يُسَاوِمهُ , فَحَلَفَ لَقَدْ مَنَعَهَا أَوَّل النَّهَار مِنْ كَذَا وَكَذَا , وَلَوْلَا الْمَسَاء مَا بَاعَهَا بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِي يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . )5758 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 5759 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . .. الْآيَة , إِلَى : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } أَنْزَلَهُمْ اللَّه بِمَنْزِلَةِ السَّحَرَة . )5760 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة (أَنَّ عِمْرَان بْن حُصَيْن كَانَ يَقُول : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين فَاجِرَة يَقْتَطِع بِهَا مَال أَخِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار , فَقَالَ لَهُ قَائِل : شَيْء سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ لَهُمْ : إِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . .. الْآيَة . )5761 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن : (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين مَصْبُورَة فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَده مِنْ النَّار , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة كُلّهَا : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . )5762 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (إِنَّ الْيَمِين الْفَاجِرَة مِنْ الْكَبَائِر , ثُمَّ تَلَا : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } . )5763 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , كَانَ يَقُول : (كُنَّا نَرَى وَنَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ الذَّنْب الَّذِي لَا يُغْفَر يَمِين الصَّبْر إِذَا فَجَرَ فِيهَا صَاحِبهَا .)

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَاب وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى عَهْده مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { مِنْهُمْ } عَائِدَة عَلَى أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْله : { وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك } . وَقَوْله : { لَفَرِيقًا } يَعْنِي : جَمَاعَة { يَلْوُونَ } يَعْنِي : يُحَرِّفُونَ { أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب } يَعْنِي : لِتَظُنُّوا أَنَّ الَّذِي يُحَرِّفُونَهُ بِكَلَامِهِمْ مِنْ كِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ , فَحَرَّفُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنْ كِتَاب اللَّه , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ مِنْ التَّحْرِيف وَالْكَذِب وَالْبَاطِل فَأَلْحَقُوهُ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول : مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى أَنْبِيَائِهِ , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول : وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ , فَأَحْدَثُوهُ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَى أَحَد مِنْ أَنْبِيَائِهِ , وَلَكِنَّهُ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه . يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ قِيلَ الْكَذِب عَلَى اللَّه , وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ , وَالْإِلْحَاق بِكِتَابِ اللَّه مَا لَيْسَ مِنْهُ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ وَالْخَسِيس مِنْ حُطَام الدُّنْيَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى : { يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5764 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } قَالَ : يُحَرِّفُونَهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5765 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } حَتَّى بَلَغَ : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } هُمْ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه وَابْتَدَعُوا فِيهِ , وَزَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . )5766 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5767 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب } وَهُمْ الْيَهُود كَانُوا يَزِيدُونَ فِي كِتَاب اللَّه مَا لَمْ يُنَزِّل اللَّه . )5768 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } قَالَ : فَرِيق مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ , وَذَلِكَ تَحْرِيفهمْ إِيَّاهُ عَنْ مَوْضِعه . )وَأَصْل اللَّيّ : الْفَتْل وَالْقَلْب , مِنْ قَوْل الْقَائِل : لَوَى فُلَان يَد فُلَان : إِذَا فَتَلَهَا وَقَلَبَهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>لَوَى يَده اللَّه الَّذِي هُوَ غَالِبه <br>يُقَال مِنْهُ : لَوَى يَده وَلِسَانه يَلْوِي لَيًّا , وَمَا لَوَى ظَهْر فُلَان أَحَد : إِذَا لَمْ يَصْرَعهُ أَحَد , وَلَمْ يَفْتِل ظَهْره إِنْسَان , وَإِنَّهُ لَأَلْوَى بَعِيد الْمُسْتَمَرّ : إِذَا كَانَ شَدِيد الْخُصُومَة صَابِرًا عَلَيْهَا لَا يُغْلَب فِيهَا , قَالَ الشَّاعِر : <br>فَلَوْ كَانَ فِي لَيْلَى شَدًّا مِنْ خُصُومَة .......... لَلَوَّيْتُ أَعْنَاق الْخُصُوم الْمَلَاوِيَا<br>

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَر , وَالْبَشَر : جَمْع بَنِي آدَم , لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , مِثْل الْقَوْم وَالْخَلْق , وَقَدْ يَكُون اِسْمًا لِوَاحِدٍ . { أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب } يَقُول : أَنْ يُنَزِّل اللَّه عَلَيْهِ كِتَابه , { وَالْحُكْم } يَعْنِي : وَيُعَلِّمهُ فَصْل الْحِكْمَة , { وَالنُّبُوَّة } يَقُول : وَيُعْطِيه النُّبُوَّة , { ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه } يَعْنِي : ثُمَّ يَدْعُو النَّاس إِلَى عِبَادَة نَفْسه دُون اللَّه , وَقَدْ آتَاهُ اللَّه مَا آتَاهُ مِنْ الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة , وَلَكِنْ إِذَا آتَاهُ اللَّه ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعِلْم بِاَللَّهِ , وَيَحْدُوهُمْ عَلَى مَعْرِفَة شَرَائِع دِينه , وَأَنْ يَكُونُوا رُؤَسَاء فِي الْمَعْرِفَة بِأَمْرِ اللَّه وَنَهْيه , وَأَئِمَّة فِي طَاعَته وَعِبَادَته بِكَوْنِهِمْ مُعَلِّمِي النَّاس الْكِتَاب , وَبِكَوْنِهِمْ دَارِسِيهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَدْعُونَا إِلَى عِبَادَتك ؟ كَمَا : 5769 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (قَالَ أَبُو رَافِع الْقُرَظِيّ حِين اِجْتَمَعَتْ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْل نَجْرَان عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام : أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّد أَنْ نَعْبُدك كَمَا تَعْبُد النَّصَارَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ أَهْل نَجْرَان نَصْرَانِيّ , يُقَال لَهُ الرَّئِيس : أَوَ ذَاكَ تُرِيد مِنَّا يَا مُحَمَّد وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَعَاذ اللَّه أَنْ نَعْبُد غَيْر اللَّه , أَوْ نَأْمُر بِعِبَادَةِ غَيْره , مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي , وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي | . أَوْ كَمَا قَالَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة } . .. الْآيَة , إِلَى قَوْله بَعْد : { إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو رَافِع الْقُرَظِيّ , فَذَكَرَ نَحْوه . 5770 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْل : ( { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : مَا كَانَ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة يَأْمُر عِبَاده أَنْ يَتَّخِذُوهُ رَبًّا مِنْ دُون اللَّه . )5771 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5772 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (كَانَ نَاس مِنْ يَهُود يَتَعَبَّدُونَ النَّاس مِنْ دُون رَبّهمْ , بِتَحْرِيفِهِمْ كِتَاب اللَّه عَنْ مَوْضِعه , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه } ثُمَّ يَأْمُر النَّاس بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه .)|وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَلَكِنْ يَقُول لَهُمْ : كُونُوا رَبَّانِيِّينَ , فَتَرَكَ الْقَوْل اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : كُونُوا حُكَمَاء عُلَمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5773 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : حُكَمَاء عُلَمَاء . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : حُكَمَاء عُلَمَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين : ( { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } : حُكَمَاء عُلَمَاء . )5774 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : كُونُوا فُقَهَاء عُلَمَاء . )5775 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : فُقَهَاء . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : فُقَهَاء . )5776 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : كُونُوا فُقَهَاء عُلَمَاء . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِي رَزِين فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : عُلَمَاء حُكَمَاء . )قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَة . 5777 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } أَمَّا الرَّبَّانِيُّونَ : فَالْحُكَمَاء الْفُقَهَاء . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الرَّبَّانِيُّونَ : الْفُقَهَاء الْعُلَمَاء , وَهُمْ فَوْق الْأَحْبَار . )5778 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } يَقُول : كُونُوا حُكَمَاء فُقَهَاء . )5779 - حُدِّثْت عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة الثُّمَالِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن عُقَيْل (فِي قَوْله الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار , قَالَ : الْفُقَهَاء الْعُلَمَاء . )* - حُدِّثْت عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : كُونُوا حُكَمَاء فُقَهَاء . )5780 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } يَقُول : كُونُوا فُقَهَاء عُلَمَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ الْحُكَمَاء الْأَتْقِيَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5781 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : حُكَمَاء أَتْقِيَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ وُلَاة النَّاس وَقَادَتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5782 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } قَالَ : الرَّبَّانِيُّونَ : الَّذِينَ يَرُبُّونَ النَّاس وُلَاة هَذَا الْأَمْر , يَرُبُّونَهُمْ : يَلُونَهُمْ . وَقَرَأَ : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار } [5 63 ]قَالَ : الرَّبَّانِيُّونَ : الْوُلَاة , وَالْأَحْبَار : الْعُلَمَاء . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي الرَّبَّانِيِّينَ أَنَّهُمْ جَمْع رَبَّانِيّ , وَأَنَّ الرَّبَّانِيّ الْمَنْسُوب إِلَى الرَّبَّان : الَّذِي يَرُبّ النَّاس , وَهُوَ الَّذِي يُصْلِح أُمُورهمْ وَيَرُبّهَا , وَيَقُوم بِهَا , وَمِنْهُ قَوْل عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : وَكُنْت اِمْرَأً أَفْضَتْ إِلَيْك رِبَابَتِي وَقَبْلك رَبَّتْنِي فَضِعْت رُبُوب يَعْنِي بِقَوْلِهِ : | رَبَّتْنِي | : وَلِيَ أَمْرِي وَالْقِيَام بِهِ قَبْلك مَنْ يَرُبّهُ وَيُصْلِحهُ , فَلَمْ يُصْلِحُوهُ , وَلَكِنَّهُمْ أَضَاعُونِي فَضِعْت , يُقَال مِنْهُ : رَبَّ أَمْرِي فُلَان فَهُوَ يَرُبّهُ رَبًّا وَهُوَ رَابُّهُ , فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَة فِي مَدْحه قِيلَ : هُوَ رَبَّان , كَمَا يُقَال : هُوَ نَعْسَان , مِنْ قَوْلهمْ : نَعِسَ يَنْعَس , وَأَكْثَر مَا يَجِيء مِنْ الْأَسْمَاء عَلَى فَعْلَان مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَال مَاضِيه عَلَى فَعِلَ مِثْل قَوْلهمْ : هُوَ سَكْرَان وَعَطْشَان وَرَيَّان , مِنْ سَكِرَ يَسْكَر , وَعَطِشَ يَعْطَش , وَرَوِيَ يَرْوَى , وَقَدْ يَجِيء مِمَّا كَانَ مَاضِيه عَلَى فَعَلَ يَفْعُل , نَحْو مَا قُلْنَا مِنْ نَعَسَ يَنْعُس , وَرَبَّ يَرُبّ . فَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا , وَكَانَ الرَّبَّان مَا ذَكَرْنَا , وَالرَّبَّانِيّ : هُوَ الْمَنْسُوب إِلَى مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْت , وَكَانَ الْعَالِم بِالْفِقْهِ وَالْحِكْمَة مِنْ الْمُصْلِحِينَ , يَرُبّ أُمُور النَّاس بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُمْ الْخَيْر , وَدُعَائِهِمْ إِلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَتهمْ , وَكَانَ كَذَلِكَ الْحَكِيم التَّقِيّ لِلَّهِ , وَالْوَلِيّ الَّذِي يَلِي أُمُور النَّاس عَلَى الْمِنْهَاج الَّذِي وَلِيَهُ الْمُقْسِطُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ أُمُور الْخَلْق بِالْقِيَامِ فِيهِمْ , بِمَا فِيهِ صَلَاح عَاجِلهمْ وَآجِلهمْ , وَعَائِدَة النَّفْع عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ ; كَانُوا جَمِيعًا مُسْتَحِقِّينَ أَنَّهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } . فَالرَّبَّانِيُّونَ إِذًا , هُمْ عِمَاد النَّاس فِي الْفِقْه وَالْعِلْم وَأُمُور الدِّين وَالدُّنْيَا , وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد : | وَهُمْ فَوْق الْأَحْبَار | , لِأَنَّ الْأَحْبَار هُمْ الْعُلَمَاء . وَالرَّبَّانِيّ : الْجَامِع إِلَى الْعِلْم وَالْفِقْه , الْبَصَر بِالسِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِير , وَالْقِيَام بِأُمُورِ الرَّعِيَّة , وَمَا يُصْلِحهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَدِينهمْ .|بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب , وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ | بِفَتْحِ التَّاء وَتَخْفِيف اللَّام , يَعْنِي : بِعِلْمِكُمْ الْكِتَاب , وَدِرَاسَتكُمْ إِيَّاهُ وَقِرَاءَتكُمْ . وَاعْتَلُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ , بِأَنَّ الصَّوَاب لَوْ كَانَ التَّشْدِيد فِي اللَّام وَضَمّ التَّاء , لَكَانَ الصَّوَاب فِي | تَدْرُسُونَ | بِضَمِّ التَّاء وَتَشْدِيد الرَّاء . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب } بِضَمِّ التَّاء مِنْ تُعَلِّمُونَ وَتَشْدِيد اللَّام , بِمَعْنَى : بِتَعْلِيمِكُمْ النَّاس الْكِتَاب , وَدِرَاسَتكُمْ إِيَّاهُ . وَاعْتَلُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ وَصَفَهُمْ بِالتَّعْلِيمِ فَقَدْ وَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ , إِذْ لَا يُعَلِّمُونَ إِلَّا بَعْد عِلْمهمْ بِمَا يُعَلِّمُونَ . قَالُوا : وَلَا مَوْصُوف بِأَنَّهُ يَعْلَم , إِلَّا وَهُوَ مَوْصُوف بِأَنَّهُ عَالِم . قَالُوا : فَأَمَّا الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ عَالِم , فَغَيْر مَوْصُوف بِأَنَّهُ مُعَلِّم غَيْره . قَالُوا : فَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , أَبْلَغهمَا فِي مَدْح الْقَوْم , وَذَلِكَ وَصْفهمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس الْكِتَاب . كَمَا : 5783 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد (أَنَّهُ قَرَأَ : | بِمَا كُنْت تَعْلَمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ | مُخَفَّفَة بِنَصَبِ التَّاء . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : مَا عَلَّمُوهُ حَتَّى عَلِمُوهُ . )وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِضَمِّ التَّاء وَتَشْدِيد اللَّام , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ أَهْل عِمَاد لِلنَّاسِ فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , وَأَهْل إِصْلَاح لَهُمْ وَلِأُمُورِهِمْ وَتَرْبِيَة , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْل مِنْ مَعْنَى الرَّبَّانِيّ . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَارُوا أَهْل إِصْلَاح لِلنَّاسِ , وَتَرْبِيَة لَهُمْ بِتَعْلِيمِهِمْ إِيَّاهُمْ كِتَاب رَبّهمْ . وَدِرَاسَتهمْ إِيَّاهُ : تِلَاوَته , وَقَدْ قِيلَ : دِرَاسَتهمْ الْفِقْه . وَأَشْبَهَ التَّأْوِيلَيْنِ بِالدِّرَاسَةِ مَا قُلْنَا مِنْ تِلَاوَة الْكِتَاب , لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْله : { تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب } , وَالْكِتَاب : هُوَ الْقُرْآن , فَلَأَنْ تَكُون الدِّرَاسَة مَعْنِيًّا بِهَا دِرَاسَة الْقُرْآن أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُون مَعْنِيًّا بِهَا دِرَاسَة الْفِقْه الَّذِي لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5784 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ يَحْيَى بْن آدَم : قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا : (كَانَ عَاصِم يَقْرَؤُهَا : { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : الْقُرْآن , { وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } قَالَ : الْفِقْه . )فَمَعْنَى الْآيَة : وَلَكِنْ يَقُول لَهُمْ : كُونُوا أَيّهَا النَّاس سَادَة النَّاس وَقَادَتهمْ فِي أَمْر دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , رَبَّانِيِّينَ بِتَعْلِيمِكُمْ إِيَّاهُمْ كِتَاب اللَّه , وَمَا فِيهِ مِنْ حَلَال وَحَرَام , وَفَرْض وَنَدْب , وَسَائِر مَا حَوَاهُ مِنْ مَعَانِي أُمُور دِينهمْ , وَبِتِلَاوَتِكُمْ إِيَّاهُ وَدِرَاسَتِكُمُوهُ .

وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَأْمُركُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا يَأْمُركُمْ } , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة : | وَلَا يَأْمُركُمْ | عَلَى وَجْه الِابْتِدَاء مِنْ اللَّه بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْمُركُمْ أَيّهَا النَّاس أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا . وَاسْتَشْهَدَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقِرَاءَةٍ ذَكَرُوهَا عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَهِيَ : | وَلَنْ يَأْمُركُمْ | فَاسْتَدَلُّوا بِدُخُولِ لَنْ عَلَى اِنْقِطَاع الْكَلَام عَمَّا قَبْله , وَابْتِدَاء خَبَر مُسْتَأْنَف . قَالُوا : فَلَمَّا صُيِّرَ مَكَان | لَنْ | فِي قِرَاءَتنَا | لَا | وَجَبَتْ قِرَاءَته بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { وَلَا يَأْمُركُمْ } بِنَصْبِ الرَّاء عَطْفًا عَلَى قَوْله : { ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ } . وَكَانَ تَأْوِيله عِنْدهمْ : مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب , ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ وَلَا أَنْ يَأْمُركُمْ , بِمَعْنَى : وَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْمُركُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ : { وَلَا يَأْمُركُمْ } بِالنَّصْبِ عَلَى الِاتِّصَال بِاَلَّذِي قَبْله , بِتَأَوُّلِ : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيه اللَّه الْكِتَاب وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة ثُمَّ يَقُول لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه } وَلَا أَنْ يَأْمُركُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا . لِأَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَبَب الْقَوْم الَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدك ؟ فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى عِبَادَة نَفْسه , وَلَا إِلَى اِتِّخَاذ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا , وَلَكِنْ الَّذِي لَهُ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا رَبَّانِيِّينَ . فَأَمَّا الَّذِي اِدَّعَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا أَنَّهُ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَلَنْ يَأْمُركُمْ | اِسْتِشْهَادًا لِصِحَّةِ قِرَاءَته بِالرَّفْعِ , فَذَلِكَ خَبَر غَيْر صَحِيح سَنَده , وَإِنَّمَا هُوَ خَبَر رَوَاهُ حَجَّاج عَنْ هَارُون لَا يَجُوز أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه كَذَلِكَ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا صَحِيحًا سَنَده , لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمُحْتَجٍّ حُجَّة , لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى صِحَّته مِنْ الْقِرَاءَة مِنْ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وِرَاثَة عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوز تَرْكه لِتَأْوِيلِ عَلَى قِرَاءَة أُضِيفَتْ إِلَى بَعْض الصَّحَابَة بِنَقْلِ مَنْ يَجُوز فِي نَقْله الْخَطَأ وَالسَّهْو . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَأْمُر النَّاس أَنْ يَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا , يَعْنِي بِذَلِكَ آلِهَة يُعْبَدُونَ مِنْ دُون اللَّه , كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُول لَهُمْ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُون اللَّه . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَافِيًا عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُر عِبَاده بِذَلِكَ : أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ أَيّهَا النَّاس نَبِيّكُمْ بِجُحُودِ وَحْدَانِيَّة اللَّه بَعْد إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ , يَعْنِي بَعْد إِذْ أَنْتُمْ لَهُ مُنْقَادُونَ بِالطَّاعَةِ مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , أَيْ إِنَّ ذَلِكَ غَيْر كَائِن مِنْهُ أَبَدًا . وَقَدْ : 5785 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (وَلَا يَأْمُركُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا .)

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَال

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاذْكُرُوا يَا أَهْل الْكِتَاب إِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ , يَعْنِي حِين أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ , وَمِيثَاقهمْ : مَا وَثَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْل الْمِيثَاق بِاخْتِلَافِ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة . { لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق ; { لَمَا آتَيْتُكُمْ } بِفَتْحِ اللَّام مِنْ | لَمَا | , إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَة آتَيْتُكُمْ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ { آتَيْتُكُمْ } عَلَى التَّوْحِيد , وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : | آتَيْنَاكُمْ | , عَلَى الْجَمْع . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اللَّام الَّتِي مَعَ | مَا | فِي أَوَّل الْكَلَام لَام الِابْتِدَاء , نَحْو قَوْل الْقَائِل : لَزَيْد أَفْضَل مِنْك , لِأَنَّ | مَا | اِسْم , وَاَلَّذِي بَعْدهَا صِلَة لَهَا , وَاللَّام الَّتِي فِي : { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } لَام الْقَسَم , كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّه لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ , يُؤَكِّد فِي أَوَّل الْكَلَام وَفِي آخِره , كَمَا يُقَال : أَمَا وَاَللَّه أَنْ لَوْ جِئْتنِي لَكَانَ كَذَا وَكَذَا , وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا فَيُؤَكِّد فِي لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ بِاللَّامِ فِي آخِر الْكَلَام , وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا , وَيُجْعَل خَبَر | مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة | , | لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ | , مِثْل : | لَعَبْد اللَّه وَاَللَّه لَا آتِيَنَّهُ , قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْت خَبَر | مَا | | مِنْ كِتَاب | يُرِيد : لَمَا آتَيْتُكُمْ كِتَاب وَحِكْمَة , وَتَكُون | مِنْ | زَائِدَة . وَخَطَّأَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ ذَلِكَ كُلّه , وَقَالَ : اللَّام الَّتِي تَدْخُل فِي أَوَائِل الْجَزَاء لَا تُجَاب بِمَا وَلَا | لَا | فَلَا يُقَال لِمَنْ قَامَ : لَا تَتْبَعهُ , وَلَا لِمَنْ قَامَ : مَا أَحْسَنَ , فَإِذَا وَقَعَ فِي جَوَابهَا | مَا | وَ | لَا | عُلِمَ أَنَّ اللَّام لَيْسَتْ بِتَوْكِيدِ لِلْأُولَى , لِأَنَّهُ يُوضَع مَوْضِعهَا | مَا | وَ | لَا | , فَتَكُون كَالْأُولَى , وَهِيَ جَوَاب لِلْأُولَى . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : { لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } بِمَعْنَى إِسْقَاط | مِنْ | غَلَط , لِأَنَّ | مِنْ | الَّتِي تَدْخُل وَتَخْرُج لَا تَقَع مَوَاقِع الْأَسْمَاء , قَالَ : وَلَا تَقَع فِي الْخَبَر أَيْضًا , إِنَّمَا تَقَع فِي الْجَحْد وَالِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ اللَّام بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُون قَوْله : { لَمَا } بِمَعْنَى : لَمَهْمَا , وَأَنْ تَكُون | مَا | حَرْف جَزَاء أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا اللَّام , وَصُيِّرَ الْفِعْل مَعَهَا عَلَى فِعْل , ثُمَّ أُجِيبَتْ بِمَا تُجَاب بِهِ الْأَيْمَان , فَصَارَتْ اللَّام الْأُولَى يَمِينًا إِذْ تُلُقِّيَتْ بِجَوَابِ الْيَمِين . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | لِمَا آتَيْتُكُمْ | بِكَسْرِ اللَّام مِنْ | لَمَا | , وَذَلِكَ قِرَاءَة جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ , فَمَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة بِمَعْنَى : الَّذِي عِنْدهمْ . وَكَانَ تَأْوِيل الْكَلَام : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ مِنْ أَجْل الَّذِي آتَاهُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة , ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول : يَعْنِي : ثُمَّ إِنْ جَاءَكُمْ رَسُول , يَعْنِي ذِكْر مُحَمَّد فِي التَّوْرَاة , لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ , أَيْ لَيَكُونَنَّ إِيمَانكُمْ بِهِ لِلَّذِي عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ ذِكْره . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام مِنْ | لَمَا | . وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَاهُمْ مِنْ الْحِكْمَة , ثُمَّ جَعَلَ قَوْله : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ مِنْ الْأَخْذ , أَخْذ الْمِيثَاق , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَخَذْت مِيثَاقك لَتَفْعَلَنَّ لِأَنَّ أَخْذ الْمِيثَاق بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْلَاف . فَكَانَ تَأْوِيل الْكَلَام عِنْد قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَإِذَا اِسْتَحْلَفَ اللَّه النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَاهُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة , مَتَى جَاءَهُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ } بِفَتْحِ اللَّام , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخَذَ مِيثَاق جَمِيع الْأَنْبِيَاء بِتَصْدِيقِ كُلّ رَسُول لَهُ اِبْتَعَثَهُ إِلَى خَلْقه فِيمَا اِبْتَعَثَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ , كَانَ مِمَّنْ آتَاهُ كِتَابًا , أَوْ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ كِتَابًا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر جَائِز وَصْف أَحَد مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُله , بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ التَّكْذِيب بِأَحَدٍ مِنْ رُسُله . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِ الْكِتَاب , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : | لِمَا آتَيْتُكُمْ | بِكَسْرِ اللَّام , بِمَعْنَى : مِنْ أَجْل الَّذِي آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب , لَا وَجْه لَهُ مَفْهُوم إِلَّا عَلَى تَأْوِيل بَعِيد , وَانْتِزَاع عَمِيق . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ أَخَذَ مِيثَاقه بِالْإِيمَانِ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ رُسُل اللَّه مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا أَخَذَ اللَّه بِذَلِكَ مِيثَاق أَهْل الْكِتَاب , دُون أَنْبِيَائِهِمْ , وَاسْتَشْهَدُوا لِصِحَّةِ قَوْلهمْ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } قَالُوا : فَإِنَّمَا أَمَرَ الَّذِينَ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمْ الرُّسُل مِنْ الْأُمَم بِالْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللَّه , وَنُصْرَتهَا عَلَى مَنْ خَالَفَهَا . وَأَمَّا الرُّسُل فَإِنَّهُ لَا وَجْه لِأَمْرِهَا بِنُصْرَةِ أَحَد , لِأَنَّهَا الْمُحْتَاجَة إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ كَفَرَة بَنِي آدَم , فَأَمَّا هِيَ فَإِنَّهَا لَا تُعِين الْكَفَرَة عَلَى كُفْرهَا وَلَا تَنْصُرهَا . قَالُوا : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرهَا وَغَيْر الْأُمَم الْكَافِرَة , فَمَنْ الَّذِي يَنْصُر النَّبِيّ , فَيُؤْخَذ مِيثَاقه بِنُصْرَتِهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5786 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } قَالَ : هِيَ خَطَأ مِنْ الْكَاتِب , وَهِيَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5787 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ } يَقُول : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب , وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا الرَّبِيع : | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب | , إِنَّمَا هِيَ أَهْل الْكِتَاب , قَالَ : وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ الرَّبِيع : أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } يَقُول . : لَتُؤْمِنُنَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَتَنْصُرُنَّهُ , قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِينَ أَخَذَ مِيثَاقهمْ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاء دُون أُمَمهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5788 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَأَحْمَد بْن حَازِم قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِنَّمَا أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . )5789 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ } أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الْأَوَّل مِنْ الْأَنْبِيَاء لَيُصَدِّقُنَّ وَلَيُؤْمِنُنَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الْآخِر مِنْهُمْ . )5790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : (لَمْ يَبْعَث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا , آدَم فَمَنْ بَعْده , إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْد فِي مُحَمَّد : لَئِنْ بُعِثَ وَهُوَ حَيّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ , وَيَأْمُرهُ فَيَأْخُذ الْعَهْد عَلَى قَوْمه , فَقَالَ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } . .. الْآيَة . )5791 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب } . .. الْآيَة , هَذَا مِيثَاق أَخَذَهُ اللَّه عَلَى النَّبِيِّينَ أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَنْ يُبَلِّغُوا كِتَاب اللَّه وَرِسَالَاته . فَبَلَّغَتْ الْأَنْبِيَاء كِتَاب اللَّه وَرِسَالَاته إِلَى قَوْمهمْ , وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَّغَتْهُمْ رُسُلهمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ . )5792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } . .. الْآيَة . قَالَ : لَمْ يَبْعَث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا قَطُّ مِنْ لَدُنْ نُوح إِلَّا أَخَذَ مِيثَاقه : لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ , وَلَيَنْصُرَنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُوَ حَيّ , وَإِلَّا أَخَذَ عَلَى قَوْمه أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ , وَلَيَنْصُرُنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُمْ أَحْيَاء . )5793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْكَبِير بْن عَبْد الْمَجِيد أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن , عَنْ قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ : لَيُبَلِّغَنَّ آخِركُمْ أَوَّلكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ مِيثَاق النَّبِيِّينَ وَأُمَمهمْ , فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَنْبِيَاء عَنْ ذِكْر أُمَمهَا , لِأَنَّ فِي ذِكْر أَخْذ الْمِيثَاق عَلَى الْمَتْبُوع دَلَالَة عَلَى أَخْذه عَلَى التُّبَّاع , لِأَنَّ الْأُمَم هُمْ تُبَّاع الْأَنْبِيَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5794 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِمْ , يَعْنِي عَلَى أَهْل الْكِتَاب , وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاق بِتَصْدِيقِهِ , يَعْنِي بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُمْ , وَإِقْرَارهمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ , فَقَالَ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْخَبَر عَنْ أَخْذ اللَّه الْمِيثَاق مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِتَصْدِيقِ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَخْذ الْأَنْبِيَاء عَلَى أُمَمهَا , وَتُبَّاعهَا الْمِيثَاق بِنَحْوِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهَا رَبّهَا , مِنْ تَصْدِيق أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله بِمَا جَاءَتْهَا بِهِ , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام بِذَلِكَ أُرْسِلَتْ إِلَى أُمَمهَا , وَلَمْ يَدَّعِ أَحَد مِمَّنْ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ أَنَّ نَبِيًّا أُرْسِلَ إِلَى أُمَّة بِتَكْذِيبِ أَحَد مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَحُجَجه فِي عِبَاده , بَلْ كُلّهَا , وَإِنْ كَذَّبَ بَعْض الْأُمَم بَعْض أَنْبِيَاء اللَّه بِجُحُودِهَا نُبُوَّته , مُقِرّ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صِحَّة نُبُوَّته , فَعَلَيْهَا الدَّيْنُونَة بِتَصْدِيقِهِ فَذَلِكَ مِيثَاق مُقِرّ بِهِ جَمِيعهمْ . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمِيثَاق إِنَّمَا أُخِذَ عَلَى الْأُمَم دُون الْأَنْبِيَاء , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّينَ , فَسَوَاء قَالَ قَائِل : لَمْ يَأْخُذ ذَلِكَ مِنْهَا رَبّهَا , أَوْ قَالَ : لَمْ يَأْمُرهَا بِبَلَاغِ مَا أُرْسِلَتْ , وَقَدْ نَصَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِتَبْلِيغِهِ , لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا خَبَرَانِ مِنْ اللَّه عَنْهَا , أَحَدهمَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا , وَالْآخَر مِنْهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهَا , فَإِنْ جَازَ الشَّكّ فِي أَحَدهمَا جَازَ فِي الْآخَر . وَأَمَّا مَا اِسْتَشْهَدَ بِهِ الرَّبِيع بْن أَنَس عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب مِنْ قَوْله : { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر شَاهِد عَلَى صِحَّة مَا قَالَ , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء قَدْ أُمِرَ بَعْضهَا بِتَصْدِيقِ بَعْض , وَتَصْدِيق بَعْضهَا بَعْضًا , نُصْرَة مِنْ بَعْضهَا بَعْضًا . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِينَ عَنَوْا بِذَلِكَ هُمْ الْأَنْبِيَاء , أَخَذَتْ مَوَاثِيقهمْ أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَنْ يَنْصُرُوهُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب أُمِرُوا بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَهُ اللَّه وَبِنُصْرَتِهِ , وَأَخَذَ مِيثَاقهمْ فِي كُتُبهمْ بِذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ الَّذِينَ عَنَوْا بِأَخْذِ اللَّه مِيثَاقهمْ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة هُمْ الْأَنْبِيَاء , قَوْله : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ } مَعْنِيّ بِهِ أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5795 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة } قَالَ : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ : أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , ثُمَّ قَالَ : { ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } قَالَ : فَهَذِهِ الْآيَة لِأَهْلِ الْكِتَاب أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ وَيُصَدِّقُوهُ . )5796 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ قَتَادَة : (أَخَذَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقهمْ أَنْ يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَنْ يُبَلِّغُوا كِتَاب اللَّه وَرِسَالَته إِلَى عِبَاده , فَبَلَّغَتْ الْأَنْبِيَاء كِتَاب اللَّه وَرِسَالَاته إِلَى قَوْمهمْ , وَأَخَذُوا مَوَاثِيق أَهْل الْكِتَاب فِي كِتَابهمْ , فِيمَا بَلَّغَتْهُمْ رُسُلهمْ , أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدنَا فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ جَمِيع ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ بِهِ , وَأَلْزَمَهُمْ دُعَاء أُمَمهمْ إِلَيْهِ وَالْإِقْرَار بِهِ , لِأَنَّ اِبْتِدَاء الْآيَة خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ , ثُمَّ وَصَفَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِيثَاقهمْ , فَقَالَ : هُوَ كَذَا وَهُوَ كَذَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ مَوَاثِيق أَنْبِيَائِهِ مِنْ ذَلِكَ , قَدْ أَخَذَتْ الْأَنْبِيَاء مَوَاثِيق أُمَمهَا بِهِ , لِأَنَّهَا أُرْسِلَتْ لِتَدْعُوَ عِبَاد اللَّه إِلَى الدَّيْنُونَة , بِمَا أُمِرَتْ بِالدَّيْنُونَةِ بِهِ فِي أَنْفُسهَا مِنْ تَصْدِيق رُسُل اللَّه عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَان قَبْل . فَتَأْوِيل الْآيَة : وَاذْكُرُوا يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب إِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ أَيّهَا النَّبِيُّونَ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة , ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ عِنْدِي مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ , يَقُول : لَتُصَدِّقُنَّهُ وَلَتَنْصُرُنَّهُ . وَقَدْ قَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ بِمَا : 5797 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { لَمَا آتَيْتُكُمْ } يَقُول لِلْيَهُودِ : أَخَذَتْ مِيثَاق النَّبِيِّينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَاب عِنْدكُمْ . )فَتَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى قَوْل السُّدِّيّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ : وَاذْكُرُوا يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب , إِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ أَيّهَا الْيَهُود مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ السُّدِّيّ كَانَ تَأْوِيلًا لَا وَجْه غَيْره لَوْ كَانَ التَّنْزِيل | بِمَا آتَيْتُكُمْ | , وَلَكِنَّ التَّنْزِيل بِاللَّامِ لَمَا آتَيْتُكُمْ , وَغَيْر جَائِز فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْعَرَب أَنْ يُقَال : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لِمَا آتَيْتُكُمْ , بِمَعْنَى : بِمَا آتَيْتُكُمْ .|قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ بِمَا ذُكِرَ , فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : أَأَقْرَرْتُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي وَاثَقْتُمُونِي عَلَيْهِ مِنْ أَنَّكُمْ مَهْمَا أَتَاكُمْ رَسُول مِنْ عِنْدِي , مُصَدِّق لِمَا مَعَكُمْ , لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ , { وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي } يَقُول : وَأَخَذْتُمْ عَلَى مَا وَاثَقْتُمُونِي عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان بِالرُّسُلِ الَّتِي تَأْتِيكُمْ بِتَصْدِيقِ مَا مَعَكُمْ مِنْ عِنْدِي , وَالْقِيَام بِنُصْرَتِهِمْ إِصْرِي , يَعْنِي عَهْدِي وَوَصِيَّتِي , وَقَبِلْتُمْ فِي ذَلِكَ مِنِّي وَرَضِيتُمُوهُ . وَالْأَخْذ : هُوَ الْقَبُول فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَالرِّضَا مِنْ قَوْلهمْ : أَخَذَ الْوَالِي عَلَيْهِ الْبَيْعَة , بِمَعْنَى : بَايَعَهُ , وَقَبِلَ وِلَايَته , وَرَضِيَ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِصْر بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ , وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَحُذِفَتْ الْفَاء مِنْ قَوْله : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ } لِأَنَّهُ اِبْتِدَاء كَلَام عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي نَظَائِره فِيمَا مَضَى وَأَمَّا قَوْله : { قَالُوا أَقْرَرْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : قَالَ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة : أَقْرَرْنَا بِمَا أَلْزَمْتنَا مِنْ الْإِيمَان بِرُسُلِك الَّذِينَ تُرْسِلهُمْ مُصَدِّقِينَ لِمَا مَعَنَا مِنْ كُتُبك وَبِنُصْرَتِهِمْ .|قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , قَالَ اللَّه : فَاشْهَدُوا أَيّهَا النَّبِيُّونَ بِمَا أَخَذْت بِهِ مِيثَاقكُمْ مِنْ الْإِيمَان بِتَصْدِيقِ رُسُلِي الَّتِي تَأْتِيكُمْ بِتَصْدِيقِ مَا مَعَكُمْ مِنْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة , وَنُصْرَتهمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَعَلَى أَتْبَاعكُمْ مِنْ الْأُمَم إِذْ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ مِيثَاقهمْ عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ . كَمَا : 5798 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي قَوْله : ( { قَالَ فَاشْهَدُوا } يَقُول : فَاشْهَدُوا عَلَى أُمَمكُمْ بِذَلِكَ , { وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ .)

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَوَلَّى بَعْد ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْإِيمَان بِرُسُلِي الَّذِينَ أَرْسَلْتهمْ بِتَصْدِيقِ مَا كَانَ مَعَ أَنْبِيَائِي مِنْ الْكُتُب وَالْحِكْمَة , وَعَنْ نُصْرَتهمْ , فَأَدْبَرَ وَلَمْ يُؤْمِن بِذَلِكَ , وَلَمْ يَنْصُر , وَنَكَثَ عَهْده وَمِيثَاقه بَعْد ذَلِكَ , يَعْنِي بَعْد الْعَهْد وَالْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَيْهِ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَلِّينَ عَنْ الْإِيمَان بِالرُّسُلِ الَّذِينَ وَصَفَ أَمْرهمْ وَنُصْرَتهمْ بَعْد الْعَهْد وَالْمِيثَاق اللَّذَيْنِ أُخِذَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , هُمْ الْفَاسِقُونَ , يَعْنِي بِذَلِكَ : الْخَارِجُونَ مِنْ دِين اللَّه , وَطَاعَة رَبّهمْ . كَمَا : 5799 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : (فَمَنْ تَوَلَّى عَنْك يَا مُحَمَّد بَعْد هَذَا الْعَهْد مِنْ جَمِيع الْأُمَم , فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ , هُمْ الْعَاصُونَ فِي الْكُفْر . )5800 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ - قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي الرَّازِيّ - : ( { فَمَنْ تَوَلَّى بَعْد ذَلِكَ } يَقُول : بَعْد الْعَهْد وَالْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ . )5801 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ وَإِنْ كَانَ مَخْرَج الْخَبَر فِيهِمَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ شَهِدَ , وَأَخَذَ بِهِ مِيثَاق مَنْ أَخَذَ مِيثَاقه بِهِ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , فَإِنَّهُ مَقْصُود بِهِ إِخْبَار مَنْ كَانَ حَوَالَيْ مَهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل أَيَّام حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَمَّا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَهْد فِي الْإِيمَان بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَعْنَى تَذْكِيرهمْ مَا كَانَ اللَّه آخِذًا عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ مِنْ الْمَوَاثِيق وَالْعُهُود , وَمَا كَانَتْ أَنْبِيَاء اللَّه عَرَفَتْهُمْ وَتَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمْ فِي تَصْدِيقه وَاتِّبَاعه وَنُصْرَته عَلَى مَنْ خَالَفَهُ , وَكَذَّبَهُ , وَتَعْرِيفهمْ مَا فِي كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ الَّتِي ابْتَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ صِفَته وَعَلَامَته .

أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَغَيْر دِين اللَّه يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز مِنْ مَكَّة وَالْمَدِينَة وَقُرَّاء الْكُوفَة : | أَفَغَيْر دِين اللَّه تَبْغُونَ | , | وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ | , عَلَى وَجْه الْخِطَاب . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز : { أَفَغَيْر دِين اللَّه يَبْغُونَ . .. وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } بِالْيَاءِ كِلْتَيْهِمَا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة : { أَفَغَيْر دِين اللَّه يَبْغُونَ } عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , | وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ | بِالتَّاءِ , عَلَى وَجْه الْمُخَاطَبَة . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : | أَفَغَيْر دِين اللَّه تَبْغُونَ | عَلَى وَجْه الْخِطَاب | وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ | بِالتَّاءِ , لِأَنَّ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا خِطَاب لَهُمْ , فَإِتْبَاع الْخِطَاب نَظِيره أَوْلَى مِنْ صَرْف الْكَلَام إِلَى غَيْر نَظِيره , وَإِنْ كَانَ الْوَجْه الْآخَر جَائِزًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل مِنْ أَنَّ الْحِكَايَة يَخْرُج الْكَلَام مَعَهَا أَحْيَانًا عَلَى الْخِطَاب كُلّه , وَأَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , وَأَحْيَانًا بَعْضه عَلَى الْخِطَاب , وَبَعْضه عَلَى الْغَيْبَة , فَقَوْله : | تَبْغُونَ . .. وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ | فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ ذَلِكَ . وَتَأْوِيل الْكَلَام : يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب : | أَفَغَيْر دِين اللَّه تَبْغُونَ | يَقُول : أَفَغَيْر طَاعَة اللَّه تَلْتَمِسُونَ وَتُرِيدُونَ { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول : وَلَهُ خَشَعَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَخَضَعَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَأَقَرَّ لَهُ بِإِفْرَادِ الرُّبُوبِيَّة , وَانْقَادَ لَهُ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد وَالْأُلُوهِيَّة { طَوْعًا وَكَرْهًا } يَقُول : أَسْلَمَ لِلَّهِ طَائِعًا , مَنْ كَانَ إِسْلَامه مِنْهُمْ لَهُ طَائِعًا , وَذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسَلِينَ , فَإِنَّهُمْ أَسْلَمُوا لِلَّهِ طَائِعِينَ , وَكَرْهًا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَارِهًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى إِسْلَام الْكَارِه الْإِسْلَام . وَصِفَته , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِسْلَامه : إِقْرَاره بِأَنَّ اللَّه خَالِقه وَرَبّه , وَإِنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَة غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5802 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : هُوَ كَقَوْلِهِ : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه } [39 38 ])* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قَالَ : كُلّ آدَمِيّ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسه بِأَنَّ اللَّه رَبِّي وَأَنَا عَبْده , فَمَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَته فَهَذَا الَّذِي أَسْلَمَ كَرْهًا , وَمَنْ أَخْلَصَ لَهُ الْعُبُودِيَّة فَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ طَوْعًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِسْلَام الْكَارِه مِنْهُمْ كَانَ حِين أُخِذَ مِنْهُ الْمِيثَاق , فَأَقَرَّ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5804 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } قَالَ : حِين أُخِذَ الْمِيثَاق . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِإِسْلَامِ الْكَارِه مِنْهُمْ : سُجُود ظِلّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5805 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } قَالَ : الطَّائِع : الْمُؤْمِن , وَكَرْهًا : ظِلّ الْكَافِر . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { طَوْعًا وَكَرْهًا } قَالَ : سُجُود الْمُؤْمِن طَائِعًا , وَسُجُود الْكَافِر وَهُوَ كَارِه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { كَرْهًا } قَالَ : سُجُود الْمُؤْمِن طَائِعًا , وَسُجُود ظِلّ الْكَافِر وَهُوَ كَارِه . )5806 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (سُجُود وَجْهه وَظِلّه طَائِعًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِسْلَامه بِقَلْبِهِ فِي مَشِيئَة اللَّه وَاسْتِقَادَته لِأَمْرِهِ , وَإِنْ أَنْكَرَ أُلُوهَته بِلِسَانِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5807 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : اِسْتَقَادَ كُلّهمْ لَهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ إِسْلَام مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاس كَرْهًا حَذَر السَّيْف عَلَى نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5808 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } . .. الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ : أُكْرِهَ أَقْوَام عَلَى الْإِسْلَام , وَجَاءَ أَقْوَام طَائِعِينَ . )5809 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن قَزَعَة الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عَطَاء , عَنْ مَطَر الْوَرَّاق فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة طَوْعًا , وَالْأَنْصَار طَوْعًا , وَبَنُو سُلَيْم وَعَبْد الْقَيْس طَوْعًا , وَالنَّاس كُلّهمْ كَرْهًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْإِيمَان أَسْلَمُوا طَوْعًا , وَأَنَّ الْكَافِر أَسْلَمَ فِي حَال الْمُعَايَنَة حِين لَا يَنْفَعهُ إِسْلَام كَرْهًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5810 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( أَفَغَيْر دِين اللَّه يَبْغُونَ | . .. الْآيَة , فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَأَسْلَمَ طَائِعًا , فَنَفَعَهُ ذَلِكَ , وَقُبِلَ مِنْهُ ; وَأَمَّا الْكَافِر فَأَسْلَمَ كَارِهًا , حِين لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ , وَلَا يُقْبَل مِنْهُ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } قَالَ : أَمَّا الْمُؤْمِن فَأَسْلَمَ طَائِعًا , وَأَمَّا الْكَافِر فَأَسْلَمَ حِين رَأَى بَأْس اللَّه { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا } [40 85 ])وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فِي عِبَادَة الْخَلْق لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5811 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : | أَفَغَيْر دِين اللَّه يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا | قَالَ : عِبَادَتهمْ لِي أَجْمَعِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا , وَهُوَ قَوْله : { وَلِلَّهِ يَسْجُد مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } [13 15 ]وَأَمَّا قَوْله : | وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ | فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَإِلَيْهِ يَا مَعْشَر مَنْ يَبْتَغِي غَيْر الْإِسْلَام دِينًا مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ! وَسَائِر النَّاس . | تُرْجَعُونَ | يَقُول : إِلَيْهِ تَصِيرُونَ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَمُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . وَهَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَحْذِير خَلْقه أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِ أَحَد مِنْهُمْ , فَيَصِير إِلَيْهِ بَعْد وَفَاته عَلَى غَيْر مِلَّة الْإِسْلَام .

قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَفَغَيْر دِين اللَّه تَبْغُونَ يَا مَعْشَر الْيَهُود , وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا , وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ , فَإِنْ اِبْتَغَوْا غَيْر دِين اللَّه يَا مُحَمَّد , فَقُلْ لَهُمْ : آمَنَّا بِاَللَّهِ . فَتَرَكَ ذِكْر قَوْله : | فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ | , وَذِكْر قَوْله : | فَإِنْ اِبْتَغَوْا غَيْر دِين اللَّه | , لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَقَوْله : { قُلْ آمَنَّا بِاَللَّهِ } يَعْنِي بِهِ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : صَدَّقْنَا بِاَللَّهِ أَنَّهُ رَبّنَا وَإِلَهنَا , لَا إِلَه غَيْره , وَلَا نَعْبُد أَحَدًا سِوَاهُ ; { وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا } يَقُول : وَقُلْ : وَصَدَّقْنَا أَيْضًا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مِنْ وَحْيه وَتَنْزِيله , فَأَقْرَرْنَا بِهِ ; { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيم } يَقُول : وَصَدَّقْنَا أَيْضًا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه ; { وَ } عَلَى اِبْنَيْهِ { إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق } وَابْن اِبْنه { يَعْقُوب } وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَسْبَاط , وَهُمْ وَلَد يَعْقُوب الِاثْنَا عَشَر , وَقَدْ بَيَّنَّا أَسْمَاءَهُمْ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى } يَقُول : وَصَدَّقْنَا أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى وَعِيسَى مِنْ الْكُتُب وَالْوَحْي , وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ عِنْده . وَاَلَّذِي آتَى اللَّه مُوسَى وَعِيسَى , مِمَّا أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا بِتَصْدِيقِهِمَا فِيهِ وَالْإِيمَان بِهِ التَّوْرَاة الَّتِي آتَاهَا مُوسَى , وَالْإِنْجِيل الَّذِي أَتَاهُ عِيسَى .|لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ| { لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ } يَقُول : لَا نُصَدِّق بَعْضهمْ وَنُكَذِّب بَعْضهمْ , وَلَا نُؤْمِن بِبَعْضِهِمْ وَنَكْفُر بِبَعْضِهِمْ , كَمَا كَفَرَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِبَعْضِ أَنْبِيَاء اللَّه , وَصَدَّقَتْ بَعْضًا , وَلَكِنَّا نُؤْمِن بِجَمِيعِهِمْ , وَنُصَدِّقهُمْ.|وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ| { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } يَعْنِي : وَنَحْنُ نَدِين لِلَّهِ بِالْإِسْلَامِ , لَا نَدِين غَيْره , بَلْ نُتَبَرَّأ إِلَيْهِ مِنْ كُلّ دِين سِوَاهُ , وَمِنْ كُلّ مِلَّة غَيْره . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } : وَنَحْنُ لَهُ مُنْقَادُونَ بِالطَّاعَةِ , مُتَذَلِّلُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ , مُقِرُّونَ لَهُ بِالْأُلُوهَةِ وَالرُّبُوبِيَّة , وَأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَكَرِهْنَا إِعَادَته .

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يَطْلُب دِينًا غَيْر دِين الْإِسْلَام لِيَدِينَ بِهِ , فَلَنْ يَقْبَل اللَّه مِنْهُ , { وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } , يَقُول : مِنْ الْبَاخِسِينَ أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَذُكِرَ أَنَّ أَهْل كُلّ مِلَّة اِدَّعَوْا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِالْحَجِّ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ , لِأَنَّ مِنْ سُنَّة الْإِسْلَام الْحَجّ , فَامْتَنَعُوا , فَأَدْحَضَ اللَّه بِذَلِكَ حُجَّتهمْ . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 5812 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : (زَعَمَ عِكْرِمَة : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } فَقَالَتْ الْمِلَل : نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } [3 97 ]فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ , وَقَعَدَ الْكُفَّار . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْقَعْنَبِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : ( { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ } قَالَتْ الْيَهُود : فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُجّهُمْ أَنَّ { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } [3 97 ])5813 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَتْ الْيَهُود : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنَّ { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } مِنْ أَهْل الْمِلَل { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } [3 97 ])وَقَالَ آخَرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَة بِمَا : 5814 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [2 62 ]فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعْد هَذَا : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ } )

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُول حَقّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , وَفِيمَنْ نَزَلَتْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي الْحَارِث بْن سُوَيْد الْأَنْصَارِيّ , وَكَانَ مُسْلِمًا , فَارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَسْلَمَ , ثُمَّ اِرْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ , ثُمَّ نَدِمَ , فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمه : أَرْسِلُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ لِي مِنْ تَوْبَة ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } إِلَى قَوْله : { وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَات وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمه , فَأَسْلَمَ . )5816 - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة بِنَحْوِهِ , وَلَمْ يَرْفَعهُ إِلَى اِبْن عَبَّاس , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَوْمه , فَقَالَ : مَا كَذَّبَنِي قَوْمِي , فَرَجَعَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَكِيم عَنْ جُمَيْع , عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : اِرْتَدَّ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , فَذَكَرَ نَحْوه . 5817 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (جَاءَ الْحَارِث بْن سُوَيْد , فَأَسْلَمَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ كَفَرَ الْحَارِث فَرَجَعَ إِلَى قَوْمه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْقُرْآن : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } إِلَى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُل مِنْ قَوْمه , فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ , فَقَالَ الْحَارِث : إِنَّك وَاَللَّه مَا عَلِمْت لَصَدُوق , وَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَصْدَق مِنْك , وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَأَصْدَق الثَّلَاثَة ! قَالَ : فَرَجَعَ الْحَارِث فَأَسْلَمَ , فَحَسُنَ إِسْلَامه . )5818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُول حَقّ } قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي الْحَارِث بْن سُوَيْد الْأَنْصَارِيّ كَفَرَ بَعْد إِيمَانه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَات , إِلَى : { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ثُمَّ تَابَ وَأَسْلَمَ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُ , قَالَ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } )5819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُول حَقّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } قَالَ رَجُل مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف كَفَرَ بَعْد إِيمَانه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5820 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُوَ رَجُل مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف كَفَرَ بَعْد إِيمَانه . قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَحِقَ بِأَرْضِ الرُّوم فَتَنَصَّرَ , ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قَوْمه : أَرْسِلُوا هَلْ لِي مِنْ تَوْبَة ؟ قَالَ : فَحَسِبْت أَنَّهُ آمَنَ ثُمَّ رَجَعَ . قَالَ : اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : نَزَلَتْ فِي أَبِي عَامِر الرَّاهِب , وَالْحَارِث بْن سُوَيْد بْن الصَّامِت , وَوَحْوَح بْن الْأَسْلَت فِي اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا رَجَعُوا عَنْ الْإِسْلَام , وَلَحِقُوا بِقُرَيْشٍ , ثُمَّ كَتَبُوا إِلَى أَهْلهمْ : هَلْ لَنَا مِنْ تَوْبَة ؟ فَنَزَلَتْ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ } . .. الْآيَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة أَهْل الْكِتَاب , وَفِيهِمْ نَزَلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5821 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } فَهُمْ أَهْل الْكِتَاب عَرَفُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ . )5822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . )5823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } . .. الْآيَة , هُمْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , رَأَوْا نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ , وَأَقَرُّوا بِهِ , وَشَهِدُوا أَنَّهُ حَقّ , فَلَمَّا بُعِثَ مِنْ غَيْرهمْ حَسَدُوا الْعَرَب عَلَى ذَلِكَ , فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بَعْد إِقْرَارهمْ حَسَدًا لِلْعَرَبِ حِين بُعِثَ مِنْ غَيْرهمْ . )5824 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب ; كَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ , وَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ , فَكَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَشْبَه الْقَوْلَيْنِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيل مَا قَالَ الْحَسَن , مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا أَهْل الْكِتَاب عَلَى مَا قَالَ . غَيْر أَنَّ الْأَخْبَار بِالْقَوْلِ الْآخَر أَكْثَر , وَالْقَائِلِينَ بِهِ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن , وَجَائِز أَنْ يَكُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَات بِسَبَبِ الْقَوْم الَّذِينَ ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , فَجَمَعَ قِصَّتهمْ وَقِصَّة مَنْ كَانَ سَبِيله سَبِيلهمْ فِي اِرْتِدَاده عَنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَات , ثُمَّ عَرَّفَ عِبَاده سُنَّته فِيهِمْ , فَيَكُون دَاخِلًا فِي ذَلِكَ كُلّ مَنْ كَانَ مُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يُبْعَث , ثُمَّ كَفَرَ بِهِ بَعْد أَنْ بُعِثَ , وَكُلّ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَى عَهْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اِرْتَدَّ وَهُوَ حَيّ عَنْ إِسْلَامه , فَيَكُون مَعْنِيًّا بِالْآيَةِ جَمِيع هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ وَغَيْرهمَا مِمَّنْ كَانَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُمَا , بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ } يَعْنِي : كَيْفَ يُرْشِد اللَّه لِلصَّوَابِ , وَيُوَفِّق لِلْإِيمَانِ , قَوْمًا جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَعْد إِيمَانهمْ : أَيْ بَعْد تَصْدِيقهمْ إِيَّاهُ , وَإِقْرَارهمْ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه . { وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُول حَقّ } يَقُول : وَبَعْد أَنْ أَقَرُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَلْقه حَقًّا . { وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي : وَجَاءَهُمْ الْحُجَج مِنْ عِنْد اللَّه , وَالدَّلَائِل بِصِحَّةِ ذَلِكَ .|وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ| { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق لِلْحَقِّ وَالصَّوَاب الْجَمَاعَة الظَّلَمَة , وَهُمْ الَّذِينَ بَدَّلُوا الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , فَاخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الظُّلْم , وَأَنَّهُ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

{ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ , وَبَعْد أَنْ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُول حَقّ ,|جَزَاؤُهُمْ| { جَزَاؤُهُمْ } ثَوَابهمْ مِنْ عَمَلهمْ الَّذِي عَمِلُوهُ .|أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ| { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه } يَعْنِي أَنْ حَلَّ بِهِمْ مِنْ اللَّه الْإِقْصَاء وَالْبُعْد , وَمِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّاس إِلَّا مِمَّا يَسُوءهُمْ مِنْ الْعِقَاب { أَجْمَعِينَ } يَعْنِي مِنْ جَمِيعهمْ : لَا بَعْض مَنْ سَمَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّاس , وَلَكِنْ مِنْ جَمِيعهمْ , وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثَوَاب عَمَلهمْ , لِأَنَّ عَمَلهمْ كَانَ بِاَللَّهِ كُفْرًا . وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَة لَعْنَة النَّاس الْكَافِر فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ

{ خَالِدِينَ فِيهَا } يَعْنِي : مَاكِثِينَ فِيهَا , يَعْنِي : فِي عُقُوبَة اللَّه.|لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ| { لَا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب } لَا يُنْقَصُونَ مِنْ الْعَذَاب شَيْئًا فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال وَلَا يُنَفَّسُونَ فِيهِ .|وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ| { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } يَعْنِي : وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ لِمَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ , وَذَلِكَ كُلّه : أَعْنِي الْخُلُود فِي الْعُقُوبَة فِي الْآخِرَة .

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ثُمَّ اِسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } يَعْنِي : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد اِرْتِدَادهمْ عَنْ إِيمَانهمْ , فَرَاجَعُوا الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد رَبّهمْ .|وَأَصْلَحُوا| { وَأَصْلَحُوا } يَعْنِي : وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال .|فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ| { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي فَإِنَّ اللَّه لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد كُفْره { غَفُور } يَعْنِي : سَاتِر عَلَيْهِ ذَنْبه الَّذِي كَانَ مِنْهُ مِنْ الرِّدَّة , فَتَارِك عُقُوبَته عَلَيْهِ , وَفَضِيحَته بِهِ يَوْم الْقِيَامَة , غَيْر مُؤَاخَذه بِهِ إِذَا مَاتَ عَلَى التَّوْبَة مِنْهُ , رَحِيم مُتَعَطِّف عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ بِبَعْضِ أَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ بُعِثُوا قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد إِيمَانهمْ . { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ . { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } عِنْد حُضُور الْمَوْت وَحَشْرَجَته بِنَفَسِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5825 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ عِنْد الْمَوْت . )5826 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , كَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَبِعِيسَى , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُرْقَان . )5827 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : اِزْدَادُوا كُفْرًا حَتَّى حَضَرَهُمْ الْمَوْت , فَلَمْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ حِين حَضَرَهُمْ الْمَوْت . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } وَقَالَ : هُمْ الْيَهُود كَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا حِين بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْكَرُوهُ , وَكَذَّبُوا بِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِمُحَمَّدٍ بَعْد إِيمَانهمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ , { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } : يَعْنِي ذُنُوبًا , { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } مِنْ ذُنُوبهمْ , وَهُمْ عَلَى الْكُفْر مُقِيمُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5828 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رُفَيْع : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } اِزْدَادُوا ذُنُوبًا وَهُمْ كُفَّار , { فَلَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } مِنْ تِلْكَ الذُّنُوب مَا كَانُوا عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ . )5829 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , قَالَ : (سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَة , قَالَ : قُلْت : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } ؟ قَالَ : إِنَّمَا هُمْ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى وَالْيَهُود الَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا , فَهُمْ يَتُوبُونَ مِنْهَا فِي كُفْرهمْ . )* - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , قَالَ : سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَة عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا , فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , قَالَ : (سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , أَصَابُوا ذُنُوبًا فِي كُفْرهمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَتُوبُوا مِنْهَا , وَلَنْ يَتُوبُوا مِنْ الْكُفْر , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } ؟ )5830 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } قَالَ : تَابُوا مِنْ بَعْض , وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْ الْأَصْل . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى يُصِيبُونَ الذُّنُوب فَيَقُولُونَ نَتُوب وَهُمْ مُشْرِكُونَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : لَنْ تُقْبَل التَّوْبَة فِي الضَّلَالَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا , يَعْنِي بِزِيَادَتِهِمْ الْكُفْر : تَمَامهمْ عَلَيْهِ حَتَّى هَلَكُوا وَهُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ , لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ : لَنْ تَنْفَعهُمْ تَوْبَتهمْ الْأُولَى , وَإِيمَانهمْ لِكُفْرِهِمْ الْآخَر وَمَوْتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5831 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : تَمُّوا عَلَى كُفْرهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } يَقُول : إِيمَانهمْ أَوَّل مَرَّة لَنْ يَنْفَعهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } مَاتُوا كُفَّارًا , فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ زِيَادَتهمْ مِنْ كُفْرهمْ . وَقَالُوا : مَعْنَى { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } : لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ عِنْد مَوْتهمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5832 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } أَمَّا اِزْدَادُوا كُفْرًا : فَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار , وَأَمَّا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ : فَعِنْد مَوْته إِذَا تَابَ لَمْ تُقْبَل تَوْبَته . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهَا الْيَهُود , وَأَنْ يَكُون تَأْوِيله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْيَهُود بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مَبْعَثه بَعْد إِيمَانهمْ بِهِ قَبْل مَبْعَثه , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِمَا أَصَابُوا مِنْ الذُّنُوب فِي كُفْرهمْ وَمُقَامهمْ عَلَى ضَلَالَتهمْ , لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ مِنْ ذُنُوبهمْ الَّتِي أَصَابُوهَا فِي كُفْرهمْ , حَتَّى يَتُوبُوا مِنْ كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُرَاجِعُوا التَّوْبَة مِنْهُ بِتَصْدِيقِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا وَبَعْدهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ , فَأَوْلَى أَنْ تَكُون هِيَ فِي مَعْنَى مَا قَبْلهَا وَبَعْدهَا إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاق وَاحِد . وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى اِزْدِيَادهمْ الْكُفْر مَا أَصَابُوا فِي كُفْرهمْ مِنْ الْمَعَاصِي , لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ } إِنَّمَا هُوَ مَعْنِيّ بِهِ : لَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ مِمَّا اِزْدَادُوا مِنْ الْكُفْر عَلَى كُفْرهمْ بَعْد إِيمَانهمْ , لَا مِنْ كُفْرهمْ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَعَدَ أَنْ يَقْبَل التَّوْبَة مِنْ عِبَاده , فَقَالَ : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده } [42 25 ]فَمُحَال أَنْ يَقُول عَزَّ وَجَلَّ أَقْبَل , وَلَا أَقْبَلَ فِي شَيْء وَاحِد . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مِنْ حُكْم اللَّه فِي عِبَاده أَنَّهُ قَابِل تَوْبَة كُلّ تَائِب مِنْ كُلّ ذَنْب , وَكَانَ الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان أَحَد تِلْكَ الذُّنُوب الَّتِي وَعَدَ قَبُول التَّوْبَة مِنْهَا بِقَوْلِهِ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لَا تُقْبَل التَّوْبَة مِنْهُ , غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تُقْبَل التَّوْبَة مِنْهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي لَا تُقْبَل مِنْهُ التَّوْبَة هُوَ الِازْدِيَاد عَلَى الْكُفْر بَعْد الْكُفْر , لَا يَقْبَل اللَّه تَوْبَة صَاحِبه مَا أَقَامَ عَلَى كُفْره , لِأَنَّ اللَّه لَا يَقْبَل مِنْ مُشْرِك عَمَلًا مَا أَقَامَ عَلَى شِرْكه وَضَلَاله , فَأَمَّا إِنْ تَابَ مِنْ شِرْكه وَكُفْره وَأَصْلَحَ , فَإِنَّ اللَّه كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه , غَفُور رَحِيم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا يُنْكِر أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِكَ , كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ : فَلَنْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ مِنْ كُفْرهمْ عِنْد حُضُور أَجَله , أَوْ تَوْبَته الْأُولَى ؟ قِيلَ : أَنْكَرْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْبَة مِنْ الْعَبْد غَيْر كَائِنَة إِلَّا فِي حَال حَيَاته , فَأَمَّا بَعْد مَمَاته فَلَا تَوْبَة , وَقَدْ وَعَدَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده قَبُول التَّوْبَة مِنْهُمْ مَا دَامَتْ أَرْوَاحهمْ فِي أَجْسَادهمْ , وَلَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْحُجَّة فِي أَنَّ كَافِرًا لَوْ أَسْلَمَ قَبْل خُرُوج نَفْسه بِطَرْفَةِ عَيْن أَنَّ حُكْمه حُكْم الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْمُوَارَثَة , وَسَائِر الْأَحْكَام غَيْرهمَا , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ تَوْبَته فِي تِلْكَ الْحَال لَوْ كَانَتْ غَيْر مَقْبُولَة , لَمْ يَنْتَقِل حُكْمه مِنْ حُكْم الْكُفَّار إِلَى حُكْم أَهْل الْإِسْلَام , وَلَا مَنْزِلَة بَيْن الْمَوْت وَالْحَيَاة يَجُوز أَنْ يُقَال لَا يَقْبَل اللَّه فِيهَا تَوْبَة الْكَافِر , فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي حَال حَيَاته مَقْبُولَة , وَلَا سَبِيل بَعْد الْمَمَات إِلَيْهَا , بَطَلَ قَوْل الَّذِي زَعَمَ أَنَّهَا غَيْر مَقْبُولَة عِنْد حُضُور الْأَجَل . وَأَمَّا قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ التَّوْبَة الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْكُفْر فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَصِف الْقَوْم بِإِيمَانٍ كَانَ مِنْهُمْ بَعْد كُفْر , ثُمَّ كُفْر بَعْد إِيمَان , بَلْ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِكُفْرٍ بَعْد إِيمَان , فَلَمْ يَتَقَدَّم ذَلِكَ الْإِيمَان كُفْر كَانَ لِلْإِيمَانِ لَهُمْ تَوْبَة مِنْهُ , فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِل ذَلِكَ , وَتَأْوِيل الْقُرْآن عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي ظَاهِر التِّلَاوَة إِذَا لَمْ تَكُنْ حُجَّة تَدُلّ عَلَى بَاطِن خَاصّ أَوْلَى مِنْ غَيْره وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْجِيهه إِلَى غَيْره .|وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا , هُمْ الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيل الْحَقّ , فَأَخْطَئُوا مَنْهَجه , وَتَرَكُوا مَنْصَف السَّبِيل وَهُدَى اللَّه الدِّين , حِيرَة مِنْهُمْ وَعَمًى عَنْهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الضَّلَال بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ أَهْل كُلّ مِلَّة يَهُودِهَا وَنَصَارَاهَا وَمَجُوسهَا وَغَيْرهمْ . { وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار } يَعْنِي : وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جُحُود نُبُوَّته , وَجُحُود مَا جَاءَ بِهِ . { فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } يَقُول : فَلَنْ يُقْبَل مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَة فِي الْآخِرَة جَزَاء وَلَا رِشْوَة عَلَى تَرْك عُقُوبَته عَلَى كُفْره , وَلَا جَعْل عَلَى الْعَفْو عَنْهُ , وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الذَّهَب قَدْر مَا يَمْلَأ الْأَرْض مِنْ مَشْرِقهَا إِلَى مَغْرِبهَا , فَرَشَا وَجَزَى عَلَى تَرْك عُقُوبَته وَفِي الْعَفْو عَنْهُ عَلَى كُفْره عِوَضًا مِمَّا اللَّه مُحِلّ بِهِ مِنْ عَذَابه , لِأَنَّ الرِّشَا إِنَّمَا يَقْبَلهَا مَنْ كَانَ ذَا حَاجَة إِلَى مَا رُشِيَ , فَأَمَّا مَنْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَكَيْفَ يَقْبَل الْفِدْيَة , وَهُوَ خَلَّاق كُلّ فِدْيَة اِفْتَدَى بِهَا مُفْتَدٍ عَنْ نَفْسه أَوْ غَيْره ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْفِدْيَة ; الْعِوَض وَالْجَزَاء مِنْ الْمُفْتَدَى مِنْهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا لَهُمْ عِنْده , فَقَالَ : { أُولَئِكَ } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي الْآخِرَة عَذَاب مُوجِع , { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَعْنِي : وَمَا لَهُمْ مِنْ قَرِيب وَلَا حَمِيم وَلَا صَدِيق يَنْصُرهُ , فَيَسْتَنْقِذهُ مِنْ اللَّه وَمِنْ عَذَابه , كَمَا كَانُوا يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ حَاوَلَ أَذَاهُ وَمَكْرُوهه . وَقَدْ : 5833 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : ( يُجَاء بِالْكَافِرِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا , أَكُنْت مُفْتَدِيًا بِهِ ؟ فَيَقُول نَعَمْ , قَالَ : فَيُقَال لَقَدْ سُئِلْت مَا هُوَ أَيْسَر مِنْ ذَلِكَ | , فَذَلِكَ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } )5834 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا } قَالَ : هُوَ كُلّ كَافِر . )وَنُصِبَ قَوْله | ذَهَبًا | عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْمِقْدَار الَّذِي قَبْله وَالتَّفْسِير مِنْهُ , وَهُوَ قَوْله : | مِلْء الْأَرْض | , كَقَوْلِ الْقَائِل : عِنْدِي قَدْر زِقّ سَمْنًا وَقَدْر رِطْل عَسَلًا , فَالْعَسَل مُبَيَّن بِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِقْدَار , وَهُوَ نَكِرَة مَنْصُوبَة عَلَى التَّفْسِير لِلْمِقْدَارِ وَالْخُرُوج مِنْهُ . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَة , فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ نُصِبَ الذَّهَب لِاشْتِغَالِ الْمِلْء بِالْأَرْضِ , وَمَجِيء الذَّهَب بَعْدهمَا , فَصَارَ نَصْبهَا نَظِير نَصْب الْحَال , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَال يَجِيء بَعْد فِعْل قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ فَيُنْصَب , كَمَا يُنْصَب الْمَفْعُول الَّذِي يَأْتِي بَعْد الْفِعْل الَّذِي قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ , قَالُوا : وَنَظِير قَوْله : { مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا } فِي نَصْب الذَّهَب فِي الْكَلَام : لِي مِثْلك رَجُلًا , بِمَعْنَى : لِي مِثْلك مِنْ الرِّجَال . وَزَعَمُوا أَنَّ نَصْب الرَّجُل لِاشْتِغَالِ الْإِضَافَة بِالِاسْمِ , فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَب الْمَفْعُول بِهِ لِاشْتِغَالِ الْفِعْل بِالْفَاعِلِ , وَأُدْخِلَتْ كَالْوَاوِ فِي قَوْله : { وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } لِمَحْذُوفٍ مِنْ الْكَلَام بَعْده دَلَّ عَلَيْهِ دُخُول الْوَاو , كَالْوَاوِ فِي قَوْله : { وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } . [6 75 ]وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ , أَرَيْنَاهُ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام وَاو , لَكَانَ الْكَلَام صَحِيحًا , وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَتْرُوك وَكَانَ : فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا لَوْ اِفْتَدَى بِهِ .

لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَنْ تُدْرِكُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْبِرّ , وَهُوَ الْبِرّ مِنْ اللَّه الَّذِي يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتهمْ لَهُ , وَيَرْجُونَهُ مِنْهُ , وَذَلِكَ تَفَضُّله عَلَيْهِمْ بِإِدْخَالِهِ جَنَّته , وَصَرْف عَذَابه عَنْهُمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِير مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : الْبِرّ : الْجَنَّة , لِأَنَّ بِرّ الرَّبّ بِعَبْدِهِ فِي الْآخِرَة وَإِكْرَامه إِيَّاهُ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 5835 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } قَالَ : الْجَنَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } قَالَ : الْبِرّ : الْجَنَّة . )5836 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } أَمَّا الْبِرّ . فَالْجَنَّة . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَنْ تَنَالُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ جَنَّة رَبّكُمْ , حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ , يَقُول : حَتَّى تَتَصَدَّقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَتَهْوُونَ أَنْ يَكُون لَكُمْ مِنْ نَفِيس أَمْوَالكُمْ . كَمَا : 5837 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } يَقُول : لَنْ تَنَالُوا بِرّ رَبّكُمْ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا يُعْجِبكُمْ وَمِمَّا تَهْوُونَ مِنْ أَمْوَالكُمْ . )5838 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ : مِنْ الْمَال . )وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَمَهْمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَتَتَصَدَّقُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالكُمْ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِمَا يَتَصَدَّق بِهِ الْمُتَصَدِّق مِنْكُمْ , فَيُنْفِقهُ مِمَّا يُحِبّ مِنْ مَاله فِي سَبِيل اللَّه , وَغَيْر ذَلِكَ عَلِيم , يَقُول : هُوَ ذُو عِلْم بِذَلِكَ كُلّه , لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء مِنْهُ حَتَّى يُجَازِي صَاحِبه عَلَيْهِ جَزَاءَهُ فِي الْآخِرَة . كَمَا : 5839 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده : ( { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } يَقُول : مَحْفُوظ لَكُمْ ذَلِكَ اللَّه بِهِ عَلِيم شَاكِر لَهُ . )وَبِنَحْوِ التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5840 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنْ يَبْتَاع لَهُ جَارِيَة مِنْ جَلُولَاء يَوْم فُتِحَتْ مَدَائِن كِسْرَى فِي قِتَال سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , فَدَعَا بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فَأَعْتَقَهَا عُمَر . وَهِيَ مِثْل قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [76 8 ] { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة } [59 9 ])* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله سَوَاء . 5841 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } أَوْ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } [2 245 ]قَالَ أَبُو طَلْحَة : يَا رَسُول اللَّه حَائِطِي الَّذِي بِكَذَا وَكَذَا صَدَقَة , وَلَوْ اِسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلهُ سِرًّا لَمْ أَجْعَلهُ عَلَانِيَة . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء أَهْلِك . )5842 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ أَبُو طَلْحَة : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ اللَّه يَسْأَلنَا مِنْ أَمْوَالنَا , اِشْهَدْ أَنِّي قَدْ جَعَلْت أَرْضِيّ بِأَرِيحَا لِلَّهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِجْعَلْهَا فِي قَرَابَتك | . فَجَعَلَهَا بَيْن حَسَّان بْن ثَابِت وَأُبَيّ بْن كَعْب . )5843 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا ذَرّ أَيّ الْأَعْمَال أَفْضَل ؟ قَالَ : الصَّلَاة عِمَاد الْإِسْلَام , وَالْجِهَاد : سَنَام الْعَمَل , وَالصَّدَقَة شَيْء عَجِيب . فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرّ لَقَدْ تَرَكْت شَيْئًا هُوَ أَوْثَق عَمَلِي فِي نَفْسِي لَا أَرَاك ذَكَرْته ! فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : الصِّيَام , فَقَالَ : قُرْبَة , وَلَيْسَ هُنَاكَ ! وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } . )5844 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي دَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حُسَيْن , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } جَاءَ زَيْد بِفَرَسٍ لَهُ يُقَال لَهَا : | سَبَل | إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذِهِ يَا رَسُول اللَّه ! فَأَعْطَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنَة أُسَامَة بْن زَيْد بْن حَارِثَة , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّق بِهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتك . )5845 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب وَغَيْره : (أَنَّهَا حِين نَزَلَتْ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } جَاءَ زَيْد بْن حَارِثَة بِفَرَسٍ لَهُ كَانَ يُحِبّهَا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه هَذِهِ فِي سَبِيل اللَّه ! فَحَمَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا أُسَامَة بْن زَيْد , فَكَأَنَّ زَيْدًا وَجَدَ فِي نَفْسه , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | أَمَا إِنَّ اللَّه قَدْ قَبِلَهَا | .)

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل - وَهُمْ وَلَد يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن - شَيْئًا مِنْ الْأَطْعِمَة مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , بَلْ كَانَ ذَلِكَ كُلّه لَهُمْ حَلَالًا , إِلَّا مَا كَانَ يَعْقُوب حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه , فَإِنَّ وَلَده حَرَّمُوهُ اِسْتِنَانًا بِأَبِيهِمْ يَعْقُوب , مِنْ غَيْر تَحْرِيم اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي وَحْي وَلَا تَنْزِيل وَلَا عَلَى لِسَان رَسُول لَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْل نُزُول التَّوْرَاة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَحْرِيم ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , هَلْ نَزَلَ فِي التَّوْرَاة أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التَّوْرَاة , حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ قَبْل نُزُولهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5846 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّمَا نُحَرِّم مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , وَإِنَّمَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل الْعُرُوق , كَانَ يَأْخُذهُ عِرْق النَّسَا , كَانَ يَأْخُذهُ بِاللَّيْلِ وَيَتْرُكهُ بِالنَّهَارِ , فَحَلَفَ لَئِنْ اللَّه عَافَاهُ مِنْهُ لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } : مَا حَرَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ غَيْرِي بِبَغْيِكُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَات أُحِلَّتْ لَهُمْ } [4 160 ])فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَإِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه فِي التَّوْرَاة , بِبَغْيِهِمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَظُلْمهمْ لَهَا . قُلْ يَا مُحَمَّد : فَأْتُوا أَيّهَا الْيَهُود إِنْ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ , فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة , وَأَنَّكُمْ إِنَّمَا تُحَرِّمُونَهُ لِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى نَفْسه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَا كَانَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَرَامًا , لَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة , وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسهمْ اِتِّبَاعًا لِأَبِيهِمْ , ثُمَّ أَضَافُوا تَحْرِيمه إِلَى اللَّه . فَكَذَّبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي إِضَافَتهمْ ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا , حَتَّى نَنْظُر هَلْ ذَلِكَ فِيهَا , أَمْ لَا ؟ لِيَتَبَيَّن كَذِبهمْ لِمَنْ يَجْهَل أَمْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5847 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } إِسْرَائِيل : هُوَ يَعْقُوب , أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَثْبُت اللَّيْل مِنْ وَجَعه , وَكَانَ لَا يُؤْذِيه بِالنَّهَارِ . فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , وَذَلِكَ قَبْل نُزُول التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى . فَسَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود مَا هَذَا الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه ؟ فَقَالُوا : نَزَلَتْ التَّوْرَاة بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل فَقَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَكَذَّبُوا وَافْتَرَوْا , لَمْ تَنْزِل التَّوْرَاة بِذَلِكَ . )وَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة وَبَعْد نُزُولهَا , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , بِمَعْنَى : لَكِنْ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة بَعْض ذَلِكَ . وَكَأَنَّ الضَّحَّاك وَجَّهَ قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } إِلَى الِاسْتِثْنَاء الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيُّونَ : الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع . وَقَالَ آخَرُونَ تَأْوِيل ذَلِكَ : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَام عَلَى وَلَده بِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى وَلَده , مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون اللَّه حَرَّمَهُ عَلَى إِسْرَائِيل وَلَا عَلَى وَلَده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5848 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } فَإِنَّهُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسه الْعُرُوق , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَنَام اللَّيْل , فَقَالَ : وَاَللَّه لَئِنْ عَافَانِي اللَّه مِنْهُ لَا يَأْكُلهُ لِي وَلَد ! وَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة . وَسَأَلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ | مَا شَأْن هَذَا حَرَامًا ؟ | فَقَالُوا : هُوَ حَرَام عَلَيْنَا مِنْ قَبْل الْكِتَاب . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } . .. إِلَى : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : (أَخَذَهُ - يَعْنِي إِسْرَائِيل - عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَثْبُت بِاللَّيْلِ مِنْ شِدَّة الْوَجَع , وَكَانَ لَا يُؤْذِيه بِالنَّهَارِ , فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَقَالَ الْيَهُود لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَزَلَتْ التَّوْرَاة بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه . قَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَكَذَبُوا , لَيْسَ فِي التَّوْرَاة )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ غَيْر تَحْرِيم اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيل ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , مِنْ غَيْر أَنْ يُحَرِّمهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي تَنْزِيل وَلَا بِوَحْيٍ قَبْل التَّوْرَاة , حَتَّى نَزَلَتْ التَّوْرَاة , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ , وَأَحَلَّ لَهُمْ فِيهَا مَا أَحَبَّ . وَهَذَا قَوْل قَالَتْهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5849 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة } وَإِسْرَائِيل : هُوَ يَعْقُوب . { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة . إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه التَّوْرَاة حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ . وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا شَاءَ . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة بِنَحْوِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الَّذِي حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه الْعُرُوق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5850 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ يُوسُف بْن مَاهِك , قَالَ : (جَاءَ أَعْرَابِيّ إِلَى اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : إِنَّهُ جَعَلَ اِمْرَأَته عَلَيْهِ حَرَامًا . قَالَ : لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ قَالَ : فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَلِمَ وَاَللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } ؟ قَالَ : فَضَحِكَ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ : وَمَا يُدْرِيك مَا كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْم يُحَدِّثهُمْ , فَقَالَ : إِسْرَائِيل عَرَضَتْ لَهُ الْأَنْسَاء فَأَضْنَتْهُ , فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ اللَّه مِنْهَا لَا يَطْعَم عِرْقًا . قَالَ : فَلِذَلِكَ الْيَهُود تَنْزِع الْعُرُوق مِنْ اللَّحْم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَمِعْت يُوسُف بْن مَاهِك يُحَدِّث : (أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرَ رَجُلًا حَرَّمَ اِمْرَأَته , فَقَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } ؟ فَقَالَ : إِنَّ إِسْرَائِيل كَانَ بِهِ عِرْق النَّسَا , فَحَلَفَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّه أَنْ لَا يَأْكُل الْعُرُوق مِنْ اللَّحْم , وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ . )5851 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : إِنَّ يَعْقُوب أَخَذَهُ وَجَع عِرْق النَّسَا , فَجَعَلَ اللَّه عَلَيْهِ - أَوْ أَقْسَمَ , أَوْ قَالَ - لَا يَأْكُلهُ مِنْ الدَّوَابّ . قَالَ : وَالْعُرُوق كُلّهَا تَبَع لِذَلِكَ الْعِرْق . )5852 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , أَنَّ الْأَنْسَاء أَخَذَتْهُ ذَات لَيْلَة , فَأَسْهَرَتْهُ , فَتَأَلَّى إِنْ اللَّه شَفَاهُ لَا يَطْعَم نَسًا أَبَدًا فَتَتَبَّعَتْ بَنُوهُ الْعُرُوق بَعْد ذَلِكَ يُخْرِجُونَهَا مِنْ اللَّحْم . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ : (فَتَأَلَّى لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , فَجَعَلَ بَنُوهُ بَعْد ذَلِكَ يَتَتَبَّعُونَ الْعُرُوق , فَيُخْرِجُونَهَا مِنْ اللَّحْم , وَكَانَ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة الْعُرُوق . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : اِشْتَكَى إِسْرَائِيل عِرْق النَّسَا , فَقَالَ : إِنْ اللَّه شَفَانِي لَأُحَرِّمَنَّ الْعُرُوق , فَحَرَّمَهَا . )5853 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ إِسْرَائِيل أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت وَلَهُ زُقَاء , فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ أَنْ لَا يَأْكُل الْعُرُوق . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ سُفْيَان : لَهُ زُقَاء : يَعْنِي صِيَاح . )5854 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : كَانَ يَشْتَكِي عِرْق النَّسَا , فَحَرَّمَ الْعُرُوق . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة } قَالَ : كَانَ إِسْرَائِيل يَأْخُذهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت وَلَهُ زُقَاء , فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسه أَنْ يَأْكُل عِرْقًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه : لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5855 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : (سَمِعْنَا أَنَّهُ اِشْتَكَى شَكْوًى , فَقَالُوا : إِنَّهُ عِرْق النَّسَا , فَقَالَ : رَبّ إِنَّ أَحَبّ الطَّعَام إِلَيَّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا , فَإِنْ شَفَيْتنِي فَإِنِّي أُحَرِّمهَا عَلَيَّ ! قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل . )5856 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل , وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة تَحْرِيم إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل , وَإِنَّمَا كَانَ حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَقَالَ اللَّه : { فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَقَالَ : لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة تَحْرِيم إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه إِلَّا لَحْم الْإِبِل . )5857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان قَالَ : ثنا حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ إِسْرَائِيل أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت بِاللَّيْلِ لَهُ زُقَاء - يَعْنِي صِيَاح - قَالَ : فَجَعَلَ عَلَى نَفْسه لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه مِنْهُ لَا يَأْكُلهُ - يَعْنِي لُحُوم الْإِبِل - قَالَ : فَحَرَّمَهُ الْيَهُود . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ : إِنَّ هَذَا قَبْل التَّوْرَاة . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي : ( { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : حَرَّمَ الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل . قَالَ : كَانَ بِهِ عِرْق النَّسَا , فَأَكَلَ مِنْ لُحُومهَا فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ يَزْقُو , فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلهُ أَبَدًا . )5858 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : حَرَّمَ لُحُوم الْأَنْعَام . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد , عَنْهُ , أَنَّ ذَلِكَ الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل , لِأَنَّ الْيَهُود مُجْمِعَة إِلَى الْيَوْم عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمهَا , كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوَائِلهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ خَبَر , وَهُوَ مَا : 5859 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ عِصَابَة مِنْ الْيَهُود حَضَرَتْ رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم أَخْبِرْنَا أَيّ الطَّعَام حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنْشُدكُمْ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيل يَعْقُوب مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا , فَطَالَ سَقَمه مِنْهُ , فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ عَافَاهُ اللَّه مِنْ سَقَمه لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبّ الطَّعَام وَالشَّرَاب إِلَيْهِ , وَكَانَ أَحَبّ الطَّعَام إِلَيْهِ لُحْمَان الْإِبِل , وَأَحَبّ الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا ؟ | فَقَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ . )وَأَمَّا قَوْله : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلزَّاعِمِينَ مِنْ الْيَهُود أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا , اِئْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا ! يَقُول : قُلْ لَهُمْ : جِيئُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا , حَتَّى يَتَبَيَّن لِمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ كَذِبهمْ وَقِيلهمْ الْبَاطِل عَلَى اللَّه مِنْ أَمْرهمْ , أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا أَنْزَلَتْهُ فِي التَّوْرَاة { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } , يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ تَحْرِيم ذَلِكَ فِي التَّوْرَاة , فَأَتُونَا بِهَا , فَاتْلُوَا تَحْرِيم ذَلِكَ عَلَيْنَا مِنْهَا . وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ كَذِبهمْ , لِأَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ بِذَلِكَ أَبَدًا عَلَى صِحَّته , فَأَعْلَمَ اللَّه بِكَذِبِهِمْ عَلَيْهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ إِعْلَامه إِيَّاهُ ذَلِكَ حُجَّة لَهُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَخْفَى عَلَى كَثِير مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ , فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أُمِّيّ مِنْ غَيْر مِلَّتهمْ , لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعْلَمَهُ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْده , كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَعْلَمهُ . فَكَانَ فِي ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَار أَوَائِلهمْ كَانَ مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ الَّذِي لَا يَعْلَمهُ غَيْر خَاصَّة مِنْهُمْ , إِلَّا مَنْ أَعْلَمَهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة مِنْ نَبِيّ أَوْ رَسُول , أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّه عَلَى عِلْمه مِمَّنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه .

فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب مِنْ بَعْد ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : فَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه مِنَّا وَمِنْكُمْ مِنْ بَعْد مَجِيئِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ , وَتِلَاوَتكُمْ إِيَّاهَا , وَعَدَمكُمْ مَا اِدَّعَيْتُمْ مِنْ تَحْرِيم اللَّه الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا فِيهَا , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ { فَأُولَئِكَ } يَعْنِي فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ , { هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي فَهُمْ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل . كَمَا : 5860 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : ( { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود .)

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ صَدَقَ اللَّه فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد : صَدَقَ اللَّه فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } وَأَنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم عَلَى إِسْرَائِيل وَلَا عَلَى وَلَده الْعُرُوق وَلَا لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا . وَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه وَوَلَده بِغَيْرِ تَحْرِيم اللَّه إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة , وَفِي كُلّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عِبَاده مِنْ خَبَر دُونكُمْ وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود الْكَذَبَة فِي إِضَافَتكُمْ تَحْرِيم ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة , الْمُفْتَرِيَة عَلَى اللَّه الْبَاطِل فِي دَعْوَاكُمْ عَلَيْهِ غَيْر الْحَقّ { فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : فَإِنْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْيَهُود مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّكُمْ عَلَى الدِّين الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه , فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه مِنْ خَلْقه دِينًا , اِلْبَكْ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , وَذَلِكَ الْحَنِيفِيَّة , يَعْنِي الِاسْتِقَامَة عَلَى الْإِسْلَام وَشَرَائِعه , دُون الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة وَالْمُشْرِكَة .|وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ|وَقَوْله : { وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : لَمْ يَكُنْ يُشْرِك فِي عِبَادَته أَحَدًا مِنْ خَلْقه , فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا أَيّهَا الْيَهُود , فَلَا يَتَّخِذ بَعْضكُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه , تُطِيعُونَهُمْ كَطَاعَةِ إِبْرَاهِيم رَبّه . وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر عَبَدَة الْأَوْثَان , فَلَا تَتَّخِذُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام أَرْبَابًا , وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا مِنْ دُون اللَّه . فَإِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ دِينه إِخْلَاص الْعِبَادَة لِرَبِّهِ وَحْده , مِنْ غَيْر إِشْرَاك أَحَد مَعَهُ فِيهِ , فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا , فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي الْعِبَادَة أَحَدًا , فَإِنَّ جَمِيعكُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ عَلَى حَقّ وَهُدًى مُسْتَقِيم , فَاتَّبِعُوا مَا قَدْ أَجْمَعَ جَمِيعكُمْ عَلَى تَصْوِيبه مِنْ مِلَّته الْحَنِيفِيَّة , وَدَعُوا مَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ سَائِر الْمِلَل غَيْرهَا أَيّهَا الْأَحْزَاب . فَإِنَّهَا بِدَع أَبْدَعْتُمُوهَا إِلَى مَا قَدْ أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَقّ , فَإِنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَوَاب وَحَقّ مِنْ مِلَّة إِبْرَاهِيم هُوَ الْحَقّ الَّذِي اِرْتَضَيْته وَابْتَعَثْتُ بِهِ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي وَسَائِر ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِل الَّذِي لَا أَقْبَلهُ مِنْ أَحَد مِنْ خَلْقِي جَاءَنِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَعْنِي بِهِ : وَمَا كَانَ مِنْ عَدَدهمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي التَّظَاهُر عَلَى كُفْرهمْ , وَنُصْرَة بَعْضهمْ بَعْضًا , فَبَرَّأَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيله أَنْ يَكُون مِنْهُمْ أَوْ مِنْ نُصَرَائِهِمْ وَأَهْل وِلَايَتهمْ . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْمُشْرِكِينَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَسَائِر الْأَدْيَان غَيْر الْحَنِيفِيَّة , قَالَ : لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيم مِنْ أَهْل هَذِهِ الْأَدْيَان الْمُشْرِكَة , وَلَكِنَّهُ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا .

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ

الْقَوْل مِنْ تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمَيْنِ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ يُعْبَد اللَّه فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , الَّذِي بِبَكَّةَ . قَالُوا : وَلَيْسَ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَتْ قَبْله بُيُوت كَثِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5861 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عَرْعَرَة , قَالَ : (قَامَ رَجُل إِلَى عَلِيّ , فَقَالَ : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ الْبَيْت , أَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ : لَا , وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْبَرَكَة مَقَام إِبْرَاهِيم , وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَمِعْت خَالِد بْن عَرْعَرَة قَالَ : (سَمِعْت عَلِيًّا , وَقِيلَ لَهُ : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } هُوَ أَوَّل بَيْت كَانَ فِي الْأَرْض ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَأَيْنَ كَانَ قَوْم نُوح ؟ وَأَيْنَ كَانَ قَوْم هُود ؟ قَالَ : وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى . )5862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (سَأَلَ حَفْص الْحَسَن وَأَنَا أَسْمَع , عَنْ قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : هُوَ أَوَّل مَسْجِد عُبِدَ اللَّهُ فِيهِ فِي الْأَرْض . )5863 - حَدَّثَنَا عَبْد الْجَبَّار بْن يَحْيَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا ضَمْرَة , عَنْ اِبْن شَوْذَب , عَنْ مَطَر فِي قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ } قَالَ : قَدْ كَانَتْ قَبْله بُيُوت , وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ . )5864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ } يُعْبَد اللَّه فِيهِ { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } )5865 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي صِفَة وَضْعه أَوَّل , فَقَالَ بَعْضهمْ : خُلِقَ قَبْل جَمِيع الْأَرَضِينَ , ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرَضُونَ مِنْ تَحْته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5866 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَيْبَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : (خَلَقَ اللَّه الْبَيْت قَبْل الْأَرْض بِأَلْفَيْ سَنَة , وَكَانَ إِذَا كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , زُبْدَة بَيْضَاء , فَدُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْته . )5867 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : (إِنَّ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْكَعْبَة , ثُمَّ دَحَى الْأَرْض مِنْ تَحْتهَا . )5868 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو : قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ } كَقَوْلِهِ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [3 110 ])5869 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } أَمَّا أَوَّل بَيْت , فَإِنَّهُ يَوْم كَانَتْ الْأَرْض مَاء , وَكَانَ زُبْدَة عَلَى الْأَرْض , فَلَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَرْض , خَلَقَ الْبَيْت مَعَهَا , فَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض . )5870 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَطَافَ بِهِ آدَم وَمَنْ بَعْده . )وَقَالَ آخَرُونَ مَوْضِع الْكَعْبَة , مَوْضِع أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه فِي الْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5871 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْبَيْت هَبَطَ مَعَ آدَم حِين هَبَطَ , قَالَ : اِهْبِطْ مَعَك بَيْتِي يُطَاف حَوْله كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي . فَطَافَ حَوْله آدَم وَمَنْ كَانَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَن الطُّوفَان زَمَن أَغْرَقَ اللَّه قَوْم نُوح رَفَعَهُ اللَّه وَطَهَّرَهُ مِنْ أَنْ يُصِيبهُ عُقُوبَة أَهْل الْأَرْض , فَصَارَ مَعْمُورًا فِي السَّمَاء . ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيم تَتَبَّعَ مِنْهُ أَثَرًا بَعْد ذَلِكَ , فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاس قَدِيم كَانَ قَبْله . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : مَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ : إِنَّ أَوَّل بَيْت مُبَارَك وَهُدًى وُضِعَ لِلنَّاسِ , لَلَّذِي بِبَكَّةَ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ : أَيْ لِعِبَادَةِ اللَّه فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى , يَعْنِي بِذَلِكَ وَمَآبًا لِنُسُكِ النَّاسِكِينَ وَطَوَاف الطَّائِفِينَ , تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَإِجْلَالًا لَهُ ; لَلَّذِي بِبَكَّةَ ; لِصِحَّةِ الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مَا : 5872 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي ذَرّ , قَالَ : (قُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَيّ مَسْجِد وُضِعَ أَوَّل ؟ قَالَ : | الْمَسْجِد الْحَرَام | قَالَ : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : | الْمَسْجِد الْأَقْصَى | قَالَ : كَمْ بَيْنهمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَة . )فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ أَوَّل مَسْجِد وَضَعَهُ اللَّه فِي الْأَرْض عَلَى مَا قُلْنَا , فَأَمَّا فِي وَضْعه بَيْتًا بِغَيْرِ مَعْنَى بَيْت لِلْعِبَادَةِ وَالْهُدَى وَالْبَرَكَة , فَفِيهِ مِنْ الِاخْتِلَاف مَا قَدْ ذَكَرْت بَعْضه فِي هَذَا الْمَوْضِع وَبَعْضه فِي سُورَة الْبَقَرَة وَغَيْرهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن وَبَيَّنْت الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي لَلْبَيْت الَّذِي بِمُزْدَحَمِ النَّاس لِطَوَافِهِمْ فِي حَجّهمْ وَعُمَرهمْ . وَأَصْل الْبَكّ : الزَّحْم , يُقَال مِنْهُ : بَكَّ فُلَان فُلَانًا : إِذَا زَحَمَهُ وَصَدَمَهُ , فَهُوَ . يَبُكّهُ بَكًّا , وَهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهِ : يَعْنِي بِهِ : يَتَزَاحَمُونَ وَيَتَصَادَمُونَ فِيهِ , فَكَانَ بَكَّة : | فَعْلَة | مِنْ بَكَّ فُلَان فُلَانًا : زَحَمَهُ , سُمِّيَتْ الْبُقْعَة بِفِعْلِ الْمُزْدَحِمِينَ بِهَا . فَإِذَا كَانَتْ بَكَّة مَا وَصَفْنَا , وَكَانَ مَوْضِع اِزْدِحَام النَّاس حَوْل الْبَيْت , وَكَانَ لَا طَوَاف يَجُوز خَارِج الْمَسْجِد , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُون مَا حَوْل الْكَعْبَة مِنْ دَاخِل الْمَسْجِد , وَأَنَّ مَا كَانَ خَارِج الْمَسْجِد فَمَكَّة لَا بَكَّة ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى خَارِجه يُوجِب عَلَى النَّاس التَّبَاكّ فِيهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيْنًا بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ بَكَّة : اِسْم لِبَطْنِ مَكَّة , وَمَكَّة : اِسْم لِلْحَرَمِ . ذِكْر مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا , مِنْ أَنَّ بَكَّة - مَوْضِع مُزْدَحَم النَّاس لِلطَّوَافِ : 5873 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : بَكَّة : مَوْضِع الْبَيْت , وَمَكَّة : مَا سِوَى ذَلِكَ . )5874 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 5875 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي جَعْفَر قَالَ : (مَرَّتْ اِمْرَأَة بَيْن يَدَيْ رَجُل وَهُوَ يُصَلِّي , وَهِيَ تَطُوف بِالْبَيْتِ , فَدَفَعَهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : إِنَّهَا بَكَّة يَبُكّ بَعْضهَا بَعْضًا . )5876 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّة , لِأَنَّ النَّاس يَتَبَاكُّونَ فِيهَا , الرِّجَال وَالنِّسَاء . )5877 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (قُلْت أَيّ شَيْء سُمِّيَتْ بَكَّة ؟ قَالَ : لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْن فِيهَا , قَالَ : يَعْنِي يَتَزَاحَمُونَ . )5878 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّة لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَهَا حُجَّاجًا . )5879 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَإِنَّ اللَّه بَكَّ بِهِ النَّاس جَمِيعًا , فَيُصَلِّي النِّسَاء قُدَّام الرِّجَال , وَلَا يَصْلُح بِبَلَدٍ غَيْره . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( بَكَّة | : بَكَّ النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا , الرِّجَال وَالنِّسَاء يُصَلِّي بَعْضهمْ بَيْن يَدَيْ بَعْض , لَا يَصْلُح ذَلِكَ إِلَّا بِمَكَّةَ . )5880 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , قَالَ : ( بَكَّة | : مَوْضِع الْبَيْت , وَ | مَكَّة | : مَا حَوْلهَا . )5881 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَزْهَر , عَنْ غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه (أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن شِهَاب عَنْ بَكَّة . قَالَ : | بَكَّة | الْبَيْت وَالْمَسْجِد . وَسَأَلَهُ عَنْ مَكَّة . فَقَالَ اِبْن شِهَاب : | مَكَّة | : الْحَرَم كُلّه . )5882 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن . قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج . عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد , قَالَا ( بَكَّة | : بَكَّ فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء . )5883 - حَدَّثَنِي عَبْد الْجَبَّار بْن يَحْيَى الرَّمْلِيّ . قَالَ : قَالَ ضَمْرَة بْن رَبِيعه ( بَكَّة | : الْمَسْجِد . وَ | مَكَّة | : الْبُيُوت . )وَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 5884 - حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب . قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } قَالَ : هِيَ مَكَّة . )وَقِيلَ : { مُبَارَكًا } لِأَنَّ الطَّوَاف بِهِ مَغْفِرَة لِلذُّنُوبِ , فَأَمَّا نَصْب قَوْله : { مُبَارَكًا } فَإِنَّهُ عَلَى الْخُرُوج مِنْ قَوْله : { وُضِعَ } ; لِأَنَّ فِي | وُضِعَ | ذِكْرًا مِنْ الْبَيْت هُوَ بِهِ مَشْغُول وَهُوَ مَعْرِفَة , وَ | مُبَارَك | نَكِرَة لَا يَصْلُح أَنْ يَتْبَعهُ فِي الْإِعْرَاب . وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله , فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْلهمْ : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ , الْبَيْت بِبَكَّةَ مُبَارَكًا . فَالْبَيْت عِنْدهمْ مِنْ صِفَته | الَّذِي بِبَكَّةَ | , وَ | الَّذِي | بِصِلَتِهِ مَعْرِفَة , وَ | الْمُبَارَك | نَكِرَة ; فَنُصِبَ عَلَى الْقَطْع مِنْهُ فِي قَوْل بَعْضهمْ . وَعَلَى الْحَال فِي قَوْل بَعْضهمْ . وَ | هُدًى | فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْعَطْف عَلَى قَوْله | مُبَارَكًا | .

فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } عَلَى جِمَاع آيَة , بِمَعْنَى : فِيهِ عَلَامَات بَيِّنَات . وَقَرَأَ ذَلِكَ اِبْن عَبَّاس . | فِيهِ آيَة بَيِّنَة | يَعْنِي بِهَا : مَقَام إِبْرَاهِيم , يُرَاد بِهَا عَلَامَة وَاحِدَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } وَمَا تِلْكَ الْآيَات . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَقَام إِبْرَاهِيم وَالْمَشْعَر الْحَرَام , وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5885 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } : مَقَام إِبْرَاهِيم , وَالْمَشْعَر . )5886 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَمُجَاهِد : ( { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } قَالَا : مَقَام إِبْرَاهِيم مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَات الْبَيِّنَات { مَقَام إِبْرَاهِيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5887 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } قَالَ : { مَقَام إِبْرَاهِيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَات الْبَيِّنَات : هُوَ مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5888 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } أَمَّا الْآيَات الْبَيِّنَات : فَمَقَام إِبْرَاهِيم . )وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ : | فِيهِ آيَة بَيِّنَة | عَلَى التَّوْحِيد , فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِالْآيَةِ الْبَيِّنَة : مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5889 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } قَالَ : قَدَمَاهُ فِي الْمَقَام آيَة بَيِّنَة . يَقُول : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : هَذَا شَيْء آخَر . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد ( فِيهِ آيَة بَيِّنَة مَقَام إِبْرَاهِيم | قَالَ : أَثَر قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَام آيَة بَيِّنَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَات الْبَيِّنَات مِنْهُنَّ مَقَام إِبْرَاهِيم , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة وَمُجَاهِد الَّذِي رَوَاهُ مَعْمَر عَنْهُمَا , فَيَكُون الْكَلَام مُرَادًا فِيهِنَّ | مِنْهُنَّ | , فَتَرَكَ ذِكْره اِكْتِفَاء بِدَلَالِهِ الْكَلَام عَلَيْهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَذَا الْمَقَام مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات , فَمَا سَائِر الْآيَات الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ : { آيَات بَيِّنَات } ؟ قِيلَ : مِنْهُنَّ : الْمَقَام , وَمِنْهُنَّ الْحِجْر , وَمِنْهُنَّ الْحَطِيم , وَأَصَحّ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } عَلَى الْجِمَاع , لِإِجْمَاع قُرَّاء أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة دُون غَيْرهَا . وَأَمَّا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل : { مَقَام إِبْرَاهِيم } فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَة الْبَقَرَة , وَبَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِيهِ هُنَالِكَ وَأَنَّهُ عِنْدنَا : الْمَقَام الْمَعْرُوف بِهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , لَلَّذِي بِبَكَّةَ , فِيهِ عَلَامَات مِنْ قُدْرَة اللَّه وَآثَار خَلِيله إِبْرَاهِيم مِنْهُنَّ أَثَر قَدَم خَلِيله إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجَر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ .|وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } </subtitle>وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله الْخَبَر عَنْ أَنَّ كُلّ مَنْ جَرَّ فِي الْجَاهِلِيَّة جَرِيرَة ثُمَّ عَاذَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَأْخُوذًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5890 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَهَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , كَانَ الرَّجُل لَوْ جَرَّ كُلّ جَرِيرَة عَلَى نَفْسه ثُمَّ أَلْجَأَ إِلَى حَرَم اللَّه , لَمْ يُتَنَاوَل وَلَمْ يُطْلَب ; فَأَمَّا فِي الْإِسْلَام , فَإِنَّهُ لَا يَمْنَع مِنْ حُدُود اللَّه , مَنْ سَرَقَ فِيهِ قُطِعَ , وَمَنْ زَنَى فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ , مَنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ , وَعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : إِنَّ الْحَرَم لَا يَمْنَع مِنْ حُدُود اللَّه , لَوْ أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْر الْحَرَم فَلَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , وَرَأَى قَتَادَة مَا قَالَهُ الْحَسَن . )5891 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَمَّا الْيَوْم فَإِنْ سَرَقَ فِيهِ أَحَد قُطِعَ , وَإِنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ , وَلَوْ قُدِرَ فِيهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قُتِلُوا . )5892 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : ثنا خُصَيْف عَنْ مُجَاهِد (فِي الرَّجُل يَقْتُل , ثُمَّ يَدْخُل الْحَرَم , قَالَ : يُؤْخَذ فَيُخْرَج مِنْ الْحَرَم , ثُمَّ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . يَقُول : الْقَتْل . )5893 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , مِثْل قَوْل مُجَاهِد . 5894 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ الْحَسَن وَعَطَاء (فِي الرَّجُل يُصِيب الْحَدّ , وَيَلْجَأ إِلَى الْحَرَم : يُخْرَج مِنْ الْحَرَم فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . )فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم , وَاَلَّذِي دَخَلَهُ مِنْ النَّاس كَانَ آمِنًا بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ يَدْخُلهُ يَكُنْ آمِنًا بِهَا , بِمَعْنَى الْجَزَاء , كَنَحْوِ قَوْل الْقَائِل . مَنْ قَامَ لِي أَكْرَمْته : بِمَعْنَى مَنْ يَقُمْ لِي أُكْرِمهُ . وَقَالُوا : هَذَا أَمْر كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , كَانَ الْحَرَم مَفْزَع كُلّ خَائِف , وَمَلْجَأ كُلّ جَانٍ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهَاج لَهُ ذُو جَرِيرَة , وَلَا يَعْرِض الرَّجُل فِيهِ لِقَاتِلِ أَبِيهِ وَابْنه بِسُوءٍ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْإِسْلَام زَادَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ ثنا مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (إِذَا أَصَابَ الرَّجُل الْحَدّ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ , فَدَخَلَ الْحَرَم , وَلَمْ يُبَايَع وَلَمْ يُؤْوَ حَتَّى يَتَبَرَّم فَيُخْرَج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . قَالَ . فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاس : وَلَكِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ , أَرَى أَنْ يُؤْخَذ بِرُمَّتِهِ , ثُمَّ يُخْرَج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , فَإِنَّ الْحَرَم لَا يَزِيدهُ إِلَّا شِدَّة . )5896 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (أَخَذَ اِبْن الزُّبَيْر سَعْدًا مَوْلَى مُعَاوِيَة , وَكَانَ فِي قَلْعَة بِالطَّائِفِ , فَأَرْسَلَ إِلَى اِبْن عَبَّاس مَنْ يُشَاوِرهُ فِيهِمْ , إِنَّهُمْ لَنَا عَيْن , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : لَوْ وَجَدْت قَاتِل أَبِي لَمْ أَعْرِض لَهُ . قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن الزُّبَيْر : أَلَا نُخْرِجهُمْ مِنْ الْحَرَم ؟ قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : أَفَلَا قَبْل أَنْ تُدْخِلهُمْ الْحَرَم ؟ زَادَ أَبُو السَّائِب فِي حَدِيثه فَأَخْرَجَهُمْ فَصَلَبَهُمْ , وَلَمْ يُصْغِ إِلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . )5897 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي غَيْر الْحَرَم ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم وَلَمْ يُعْرَض لَهُ وَلَمْ يُبَايَع وَلَمْ يَكَلَّم وَلَمْ يُؤْوَ حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَم أُخِذَ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . قَالَ : وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الْحَرَم حَدَثًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن نَصْر السُّلَمِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي حَبِيبَة , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس (أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ثُمَّ اِسْتَجَارَ بِالْبَيْتِ فَهُوَ آمِن , وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَاقِبُوهُ عَلَى شَيْء إِلَى أَنْ يَخْرُج , فَإِذَا خَرَجَ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدّ . )5898 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (لَوْ وَجَدْت قَاتِل عُمَر فِي الْحَرَم مَا هِجْتُهُ . )5899 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ عَطَاء : (أَنَّ الْوَلِيد بْن عُتْبَة أَرَادَ أَنْ يُقِيم الْحَدّ فِي الْحَرَم , فَقَالَ لَهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر : لَا تُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدّ فِي الْحَرَم إِلَّا أَنْ يَكُون أَصَابَهُ فِيهِ . )5900 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف , عَنْ عَامِر , قَالَ : (إِذَا أَصَابَ الْحَدّ , ثُمَّ هَرَبَ إِلَى الْحَرَم , فَقَدْ أَمِنَ , فَإِذَا أَصَابَهُ فِي الْحَرَم أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ فِي الْحَرَم . )5901 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فِرَاس , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَم وَمَنْ أَصَابَهُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَم ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم , لَمْ يَكَلَّم وَلَمْ يُبَايَع حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ )5902 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَعَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح (فِي الرَّجُل يَقْتُل , ثُمَّ يَدْخُل الْحَرَم , قَالَ : لَا يَبِيعهُ أَهْل مَكَّة , وَلَا يَشْتَرُونَ مِنْهُ , وَلَا يَسْقُونَهُ وَلَا يُطْعِمُونَهُ , وَلَا يُؤْوُونَهُ - عَدَّ أَشْيَاء كَثِيرَة - حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَيُؤْخَذ بِذَنْبِهِ . )5903 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم أَنَّهُ لَا يُطْعَم , وَلَا يُسْقَى , وَلَا يُؤْوَى , وَلَا يُكَلَّم , وَلَا يُنْكَح , وَلَا يُبَايَع , فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِذَا أَحْدَثَ الرَّجُل حَدَثًا , ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم , لَمْ يُؤْوَ , وَلَمْ يُجَالَس , وَلَمْ يُبَايَع , وَلَمْ يُطْعَم , وَلَمْ يُسْقَ , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 5904 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : ( { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } : فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا , ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَة فَعَاذَ بِهَا , ثُمَّ لَقِيَهُ أَخُو الْمَقْتُول لَمْ يَحِلّ لَهُ أَبَدًا أَنْ يَقْتُلهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ دَخَلَهُ يَكُنْ آمِنًا مِنْ النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5905 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا رُزَيْق بْن مُسْلِم الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : ثنا زِيَاد بْن أَبِي عِيَاض , عَنْ يَحْيَى بْن جَعْدَة , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : آمِنًا مِنْ النَّار . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَالْحَسَن , وَمَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ غَيْره مِمَّنْ لَجَأَ إِلَيْهِ عَائِذًا بِهِ كَانَ آمِنًا مَا كَانَ فِيهِ , وَلَكِنَّهُ يُخْرَج مِنْهُ فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ إِنْ كَانَ أَصَابَ مَا يَسْتَوْجِبهُ فِي غَيْره ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم , وَمَنْ يَدْخُلهُ مِنْ النَّاس مُسْتَجِيرًا بِهِ يَكُنْ آمِنًا مِمَّا اِسْتَجَارَ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ , حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَنَعَك مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِيهِ ؟ قِيلَ : لِاتِّفَاقِ جَمِيع السَّلَف عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ جَرِيرَته فِي غَيْره ثُمَّ عَاذَ بِهِ , فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِجَرِيرَتِهِ فِيهِ . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة إِخْرَاجه مِنْهُ لِأَخْذِهِ بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : صِفَة ذَلِكَ مَنْعه الْمَعَانِي الَّتِي يُضْطَرّ مَعَ مَنْعه وَفَقْده إِلَى الْخُرُوج مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا صِفَة لِذَلِكَ غَيْر إِخْرَاجه مِنْهُ بِمَا أَمْكَنَ إِخْرَاجه مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُوَصِّل إِلَى إِقَامَة حَدّ اللَّه مَعَهَا , فَلِذَلِكَ قُلْنَا : غَيْر جَائِز إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا بَعْد إِخْرَاجه مِنْهُ . فَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الْحَدّ فِيهِ , فَإِنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِي أَنَّهُ يُقَام عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدّ , فَكِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ أَصْل مُجْمَع عَلَى حُكْمهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا دَلَالَتك عَلَى أَنَّ إِخْرَاج الْعَائِذ بِالْبَيْتِ إِذَا أَتَاهُ مُسْتَجِيرًا بِهِ مِنْ جَرِيرَة جَرَّهَا أَوْ مِنْ حَدّ أَصَابَهُ مِنْ الْحَرَم جَائِز لِإِقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهِ وَأَخْذه بِالْجَرِيرَةِ , وَقَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ مَنْ دَخَلَهُ آمِنًا , وَمَعْنَى الْآمِن غَيْر مَعْنَى الْخَائِف , فِيمَا هُمَا فِيهِ مُخْتَلِفَانِ ؟ قِيلَ : قُلْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاء الْأُمَّة , عَلَى أَنَّ إِخْرَاج الْعَائِذ بِهِ مِنْ جَرِيرَة أَصَابَهَا أَوْ فَاحِشَة أَتَاهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِهِ عُقُوبَة مِنْهُ بِبَعْضِ مَعَانِي الْإِخْرَاج لِأَخْذِهِ بِمَا لَزِمَهُ , وَاجِب عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْإِسْلَام مَعَهُ . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي يُخْرَج بِهِ مِنْهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : السَّبَب الَّذِي يَجُوز إِخْرَاجه بِهِ مِنْهُ تَرْك جَمِيع الْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَته وَإِطْعَامه وَسَقْيه وَإِيوَاءَهُ وَكَلَامه وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا قَرَار لِلْعَائِذِ بِهِ فِيهِ مَعَ بَعْضهَا , فَكَيْفَ مَعَ جَمِيعهَا ؟ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ إِخْرَاجه لِإِقَامَةِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْعُقُوبَة وَاجِب بِكُلِّ مَعَانِي الْإِخْرَاج . فَلَمَّا كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حُكْم اللَّه - فِيمَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ مِنْ حَدّ أَصَابَهُ أَوْ جَرِيرَة جَرَّهَا - إِخْرَاجه مِنْهُ لِإِقَامَةِ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِقَامَته عَلَيْهِ , ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي يَجُوز إِخْرَاجه بِهِ مِنْهُ كَانَ اللَّازِم لَهُمْ وَلِإِمَامِهِمْ إِخْرَاجه مِنْهُ بِأَيِّ مَعْنًى أَمْكَنَهُمْ إِخْرَاجه مِنْهُ حَتَّى يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدّ الَّذِي لَزِمَهُ خَارِجًا مِنْهُ إِذَا كَانَ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ خَارِج عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل . وَبَعْد : فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَع حَدًّا مِنْ حُدُوده عَنْ أَحَد مِنْ خَلْقه مِنْ أَجْل بُقْعَة وَمَوْضِع صَارَ إِلَيْهَا مَنْ لَزِمَهُ ذَلِكَ . وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | إِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيم مَكَّة | . وَلَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْأُمَّة أَنَّ عَائِذًا لَوْ عَاذَ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ بِحَرَمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَاخَذ بِالْعُقُوبَةِ فِيهِ . وَلَوْلَا مَا ذَكَرْت مِنْ إِجْمَاع السَّلَف عَلَى أَنَّ حَرَم إِبْرَاهِيم لَا يُقَام فِيهِ عَلَى مَنْ عَاذَ بِهِ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ مَا لَزِمَهُ , لَكَانَ أَحَقّ الْبِقَاع أَنْ تُؤَدَّى فِيهِ فَرَائِض اللَّه الَّتِي أَلْزَمَهَا عِبَاده مِنْ قَتْل أَوْ غَيْره , أَعْظَم الْبِقَاع إِلَى اللَّه كَحَرَمِ اللَّه وَحَرَم رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّا أُمِرْنَا بِإِخْرَاجِ مَنْ أَمَرْنَا بِإِخْرَاجِهِ مِنْ حَرَم اللَّه لِإِقَامَةِ الْحَدّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْل الْأُمَّة ذَلِكَ وِرَاثَة . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا مَا كَانَ فِيهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ عَائِذًا بِهِ , فَهُوَ آمِن مَا كَانَ بِهِ حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ . وَإِنَّمَا يَصِير إِلَى الْخَوْف بَعْد الْخُرُوج أَوْ الْإِخْرَاج مِنْهُ , فَحِينَئِذٍ هُوَ غَيْر دَاخِله , وَلَا هُوَ فِيهِ .|وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَفَرْض وَاجِب لِلَّهِ عَلَى مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيف السَّبِيل إِلَى حَجّ بَيْته الْحَرَام الْحَجّ إِلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحَجّ وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَاهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } , وَمَا السَّبِيل الَّتِي يَجِب مَعَ اِسْتَطَاعَتِهَا فَرْض الْحَجّ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الزَّاد وَالرَّاحِلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5907 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَمْرو بْن دِينَار : (الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5908 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي جَنَاب , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالْبَعِير . )5909 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } وَالسَّبِيل : أَنْ يَصِحّ بَدَن الْعَبْد , وَيَكُون لَهُ ثَمَن زَاد وَرَاحِلَة مِنْ غَيْر أَنْ يُجْحَف بِهِ . )5910 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ , قَالَ : (سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ مَلَكَ ثَلَثمِائَةِ دِرْهَم , فَهُوَ السَّبِيل إِلَيْهِ . )5911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ إِسْحَاق بْن عُثْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : (السَّبِيل : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5912 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , فَإِنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : السَّبِيل : رَاحِلَة وَزَاد . )5913 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَأَحْمَد بْن حَازِم , قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5914 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيع بْن صَبِيح , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5915 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : | الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 5916 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد الْخُوزِيّ , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر , يُحَدِّث عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (قَامَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : | الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم الْخُوزِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد , عَنْ اِبْن عُمَر , (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : | السَّبِيل إِلَى الْحَجّ الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا يُونُس , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل ؟ قَالَ . | الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )5917 - حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان الْمُقَدِّمِيّ , وَالْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هِلَال بْن عُبَيْد اللَّه مَوْلَى رَبِيعَة بْن عَمْرو بْن مُسْلِم الْبَاهِلِيّ , قَالَ . ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ الْحَرْث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَة تُبَلِّغهُ إِلَى بَيْت اللَّه فَلَمْ يَحُجّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوت يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول فِي كِتَابه : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } . .. | الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ قَائِل , أَوْ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل إِلَيْهِ ؟ قَالَ : | مَنْ وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَة . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن التِّرْمِذِيّ , قَالَ : ثنا شَاذّ بْن فَيَّاض الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا هِلَال بْن هِشَام , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَة فَلَمْ يَحُجّ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } . .. | الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَتَادَة وَحُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , (أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل إِلَيْهِ ؟ قَالَ : | الزَّاد وَالرَّاحِلَة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّبِيل الَّتِي إِذَا اِسْتَطَاعَهَا الْمَرْء كَانَ عَلَيْهِ الْحَجّ : الطَّاقَة لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ . قَالَ : وَذَلِكَ قَدْ يَكُون بِالْمَشْيِ وَبِالرُّكُوبِ , وَقَدْ يَكُون مَعَ وُجُودهمَا الْعَجْز عَنْ الْوُصُول إِلَيْهِ , بِامْتِنَاعِ الطَّرِيق مِنْ الْعَدُوّ الْحَائِل , وَبِقِلَّةِ الْمَاء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . قَالُوا : فَلَا بَيَان فِي ذَلِكَ أَبْيَن مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَكُون مُسْتَطِيعًا إِلَيْهِ السَّبِيل , وَذَلِكَ الْوُصُول إِلَيْهِ بِغَيْرِ مَانِع وَلَا حَائِل بَيْنه وَبَيْنه , وَذَلِكَ قَدْ يَكُون بِالْمَشْيِ وَحْده , وَإِنْ أَعْوَزَهُ الْمَرْكَب , وَقَدْ يَكُون بِالْمَرْكَبِ وَغَيْر ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5918 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ خَالِد بْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَوْله : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : عَلَى قَدْر الْقُوَّة . )5919 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة , فَإِنْ كَانَ شَابًّا صَحِيحًا لَيْسَ لَهُ مَال , فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِر نَفْسه بِأَكْلِهِ وَعَقِبه حَتَّى يَقْضِي حَجَّته . فَقَالَ لَهُ قَائِل : كَلَّفَ اللَّه النَّاس أَنْ يَمْشُوا إِلَى الْبَيْت ؟ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ لِبَعْضِهِمْ مِيرَاثًا بِمَكَّةَ أَكَانَ تَارِكه ؟ وَاَللَّه لَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَلَوْ حَبْوًا ! كَذَلِكَ يَجِب عَلَيْهِ الْحَجّ . )5920 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : (مَنْ وَجَدَ شَيْئًا يُبَلِّغهُ فَقَدْ وَجَدَ سَبِيلًا , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } )5921 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , قَالَ : (سُئِلَ عَامِر عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : السَّبِيل : مَا يَسَّرَهُ اللَّه . )5922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : (مَنْ وَجَدَ شَيْئًا يُبَلِّغهُ فَقَدْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : السَّبِيل إِلَى ذَلِكَ : الصِّحَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم وَالْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِي , قَالَ : ثنا حَيْوَة بْن شُرَيْح وَابْن لَهِيعَة , قَالَا : أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيل بْن شَرِيك الْمَعَافِرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : السَّبِيل : الصِّحَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 5924 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : مَنْ وَجَدَ قُوَّة فِي النَّفَقَة وَالْجَسَد وَالْحُمْلَان , قَالَ : وَإِنْ كَانَ فِي جَسَده مَا لَا يَسْتَطِيع الْحَجّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجّ , وَإِنْ كَانَ لَهُ قُوَّة فِي مَال , كَمَا إِذَا كَانَ صَحِيح الْجَسَد وَلَا يَجِد مَالًا وَلَا قُوَّة , يَقُولُونَ : لَا يُكَلَّف أَنْ يَمْشِي . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ بِقَوْلِ اِبْن الزُّبَيْر وَعَطَاء , إِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْر الطَّاقَة , لِأَنَّ السَّبِيل فِي كَلَام الْعَرَب : الطَّرِيق , فَمَنْ كَانَ وَاجِدًا طَرِيقًا إِلَى الْحَجّ لَا مَانِع لَهُ مِنْهُ مِنْ زَمَانَة , أَوْ عَجْز , أَوْ عَدُوّ , أَوْ قِلَّة مَاء فِي طَرِيقه , أَوْ زَاد , وَضَعُفَ عَنْ الْمَشْي , فَعَلَيْهِ فَرْض الْحَجّ لَا يَجْزِيه إِلَّا أَدَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا سَبِيلًا , أَعْنِي بِذَلِكَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا الْحَجّ بِتَعَذُّرِ بَعْض هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْنَاهَا عَلَيْهِ , فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِد إِلَيْهِ طَرِيقًا , وَلَا يَسْتَطِيعهُ , لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَة إِلَى ذَلِكَ هُوَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ , وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ بِبَعْضِ الْأَسْبَاب الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ , فَهُوَ غَيْر مُطِيق وَلَا مُسْتَطِيع إِلَيْهِ السَّبِيل . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذِهِ الْمَقَالَة أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا خَالَفَهَا , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُخَصِّص إِذْ أَلْزَمَ النَّاس فَرْض الْحَجّ بَعْض مُسْتَطِيعِي السَّبِيل إِلَيْهِ بِسُقُوطِ فَرْض ذَلِكَ عَنْهُ فَذَلِكَ عَلَى كُلّ مُسْتَطِيع إِلَيْهِ سَبِيلًا بِعُمُومِ الْآيَة . فَأَمَّا الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ الزَّاد وَالرَّاحِلَة , فَإِنَّهَا أَخْبَار فِي أَسَانِيدهَا نَظَر , لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِمِثْلِهَا فِي الدِّين . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة الْحَجّ , فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق بِالْكَسْرِ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت } , وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة أُخَر مِنْهُمْ بِالْفَتْحِ : | وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حَجّ الْبَيْت | وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لِلْعَرَبِ , فَالْكَسْر لُغَة أَهْل نَجْد , وَالْفَتْح لُغَة أَهْل الْعَالِيَة , وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة اِدَّعَى فَرْقًا بَيْنهمَا فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره غَيْر مَا ذَكَرْنَا مِنْ اِخْتِلَاف اللُّغَتَيْنِ , إِلَّا مَا : 5925 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : قَالَ حُسَيْن الْجُعْفِيّ : (الْحَجّ مَفْتُوح : اِسْم , وَالْحَجّ مَكْسُور : عَمَل . )وَهَذَا قَوْل لَمْ أَرَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب وَمَعَانِي كَلَامهمْ يَعْرِفُونَهُ , بَلْ رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِذْ كَانَتَا مُسْتَفِيضَتَيْنِ فِي قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام , وَلَا اِخْتِلَاف بَيْنهمَا فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره , فَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ جَاءَتَا مَجِيء الْحُجَّة , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ - أَعْنِي بِكَسْرِ الْحَاء مِنْ الْحَجّ أَوْ فَتْحهَا - قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي قِرَاءَته . وَأَمَّا | مَنْ | الَّتِي مَعَ قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ } فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْإِبْدَال مِنْ النَّاس , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلِلَّهِ عَلَى مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْ النَّاس سَبِيلًا إِلَى حَجّ الْبَيْت حَجَّهُ ; فَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْر النَّاس قَبْل | مَنْ | بَيَّنَ بِقَوْلِهِ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } , الَّذِي عَلَيْهِ فَرْض ذَلِكَ مِنْهُمْ , لِأَنَّ فَرْض ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس دُون جَمِيعهمْ .|وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ جَحَدَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّه مِنْ فَرْض حَجّ بَيْته , فَأَنْكَرَهُ وَكَفَرَ بِهِ , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُ , وَعَنْ حَجّه وَعَمَله , وَعَنْ سَائِر خَلْقه مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس . كَمَا : 5926 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْمُجَالِد , قَالَ : سَمِعْت مِقْسَمًا , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ . )5927 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَجُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَا : مَنْ جَحَدَ الْحَجّ وَكَفَرَ بِهِ . )5928 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (مَنْ جَحَدَ بِهِ . )5929 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عِمْرَان الْقَطَّان , يَقُول : (مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَجّ لَيْسَ عَلَيْهِ . )5930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ أَنْكَرَهُ , وَلَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَقًّا , فَذَلِكَ كُفْر . )5931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ . )* - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ كَفَرَ بِاَللَّهِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ لَمْ يَرَهُ عَلَيْهِ وَاجِبًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ بِالْحَجِّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ لَا يَكُون مُعْتَقِدًا فِي حَجّه أَنَّ لَهُ الْأَجْر عَلَيْهِ , وَلَا أَنَّ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ إِثْمًا وَلَا عُقُوبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5932 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُوَ مَا إِنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا . )* - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُوَ مَا إِنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا . )5933 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ أَبِي دَاوُد نُفَيْع , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } | فَقَامَ رَجُل مِنْ هُذَيْل , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ تَرَكَهُ كَفَرَ ؟ قَالَ : | مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يَخَاف عُقُوبَته , وَمَنْ حَجَّ وَلَا يَرْجُو ثَوَابه , فَهُوَ ذَاكَ . )5934 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ , فَلَمْ يَرَ حَجّه بِرًّا , وَلَا تَرْكه مَأْثَمًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5935 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (سَأَلْته عَنْ قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } مَا هَذَا الْكُفْر ؟ قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . )5936 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْحَجّ جَمَعَ رَسُول اللَّه أَهْل الْأَدْيَان كُلّهمْ , فَقَالَ : | يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا ! | فَآمَنَتْ بِهِ مِلَّة وَاحِدَة , وَهِيَ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ , وَكَفَرَتْ بِهِ خَمْس مِلَل , قَالُوا : لَا نُؤْمِن بِهِ , وَلَا نُصَلِّي إِلَيْهِ , وَلَا نَسْتَقْبِلهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } )5937 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , قَالَ : سُئِلَ عَامِر , عَنْ قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ مِنْ الْخَلْق , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُ . )5938 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : | مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . )5939 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } [3 85 ]فَقَالَتْ الْمِلَل : نَحْنُ مُسْلِمُونَ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } فَحَجَّ الْمُؤْمِنُونَ , وَقَعَدَ الْكُفَّار . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ الْآيَات الَّتِي فِي مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5940 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } . فَقَرَأَ { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ الْآيَات , { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } . لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ : إِذَا لَمْ يَحُجّ وَكَانَ غَنِيًّا وَكَانَتْ لَهُ قُوَّة فَقَدْ كَفَرَ بِهَا . وَقَالَ قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ : فَإِنَّا نَكْفُر بِهَا وَلَا نَفْعَل , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } )وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 5941 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر الضَّرِير , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي بَقِيَّة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْبَيْتِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كُفْره بِهِ : تَرْكه إِيَّاهُ حَتَّى يَمُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5942 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثن

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر مَنْ يَنْتَحِل الدَّيَّانَة بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُتُبه , مِمَّنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَحَدَ نُبُوَّته ; لِمَ تَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّه ؟ يَقُول : لِمَ تَجْحَدُونَ حُجَج اللَّه الَّتِي آتَاهَا مُحَمَّدًا فِي كُتُبكُمْ وَغَيْرهَا , الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ عَلَيْكُمْ بِصِدْقِهِ وَنُبُوَّته وَحُجَّته . | وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ | , يَقُول : لِمَ تَجْحَدُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْره , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقه . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مُتَعَمِّدُونَ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَمَعْرِفَة مِنْ كُفْرهمْ . وَقَدْ : 5943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } أَمَّا آيَات اللَّه : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )5944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى .)

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَنْتَحِل التَّصْدِيق بِكُتُبِ اللَّه , { لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِمَ تَضِلُّونَ عَنْ طَرِيق اللَّه وَمَحَجَّته الَّتِي شَرَعَهَا لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل الْإِيمَان { مَنْ آمَنَ } يَقُول : مَنْ صَدَّقَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه { تَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَعْنِي تَبْغُونَ لَهَا عِوَجًا وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله : { تَبْغُونَهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى السَّبِيل , وَأَنَّثَهَا لِتَأْنِيثِ السَّبِيل . وَمَعْنَى قَوْله : تَبْغُونَ لَهَا عِوَجًا , مِنْ قَوْل الشَّاعِر , وَهُوَ سُحَيْم عَبْد بَنِي الْحَسَّاس : <br>بَغَاك وَمَا تَبْغِيه حَتَّى وَجَدْته .......... كَأَنَّك قَدْ وَاعَدْته أَمْسِ مَوْعِدًا <br>يَعْنِي طَلَبَك وَمَا تَطْلُبهُ . يُقَال : اِبْغِنِي كَذَا ; يُرَاد : اِبْتَغِهِ لِي , فَإِذَا أَرَادُوا : أَعِنِّي عَلَى طَلَبه , وَابْتَغِهِ مَعِي قَالُوا : أَبْغِنِي بِفَتْحِ الْأَلِف , وَكَذَلِكَ يُقَال : احْلُبْنِي , بِمَعْنَى : اِكْفِنِي الْحَلْب وَأَحْلِبْنِي : أَعِنِّي عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا النَّوْع فَعَلَى هَذَا . وَأَمَّا الْعِوَج : فَهُوَ الْأَوَد وَالْمَيْل , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الضَّلَال عَنْ الْهُدَى يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِمَ تَصُدُّونَ } عَنْ دِين اللَّه مَنْ صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله , تَبْغُونَ دِين اللَّه اِعْوِجَاجًا عَنْ سُنَنه وَاسْتِقَامَته وَخَرَجَ الْكَلَام عَلَى السَّبِيل , وَالْمَعْنَى لِأَهْلِهِ , كَأَنَّ الْمَعْنَى : تَبْغُونَ لِأَهْلِ دِين اللَّه , وَلِمَنْ هُوَ عَلَى سَبِيل الْحَقّ عِوَجًا , يَقُول : ضَلَالًا عَنْ الْحَقّ وَزَيْغًا عَنْ الِاسْتِقَامَة عَلَى الْهُدَى وَالْمَحَجَّة . وَالْعِوَج بِكَسْرِ أَوَّله : الْأَوَد فِي الدِّين وَالْكَلَام , وَالْعَوَج بِفَتْحِ أَوَّله : الْمَيْل فِي الْحَائِط وَالْقَنَاة وَكُلّ شَيْء مُنْتَصِب قَائِم . وَأَمَّا قَوْله : { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي : شُهَدَاء عَلَى أَنَّ الَّذِي تَصُدُّونَ عَنْهُ مِنْ السَّبِيل حَقّ تَعْلَمُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كُتُبكُمْ . { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يَقُول : لَيْسَ اللَّه بِغَافِلٍ عَنْ أَعْمَالكُمْ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا مِمَّا لَا يَرْضَاهُ لِعِبَادِهِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالكُمْ حَتَّى يُعَاجِلكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا مُعَجَّلَة , أَوْ يُؤَخِّر ذَلِكَ لَكُمْ , حَتَّى تَلْقَوْهُ , فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } وَالْآيَات بَعْدهمَا إِلَى قَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْيَهُود حَاوَلَ الْإِغْرَاء بَيْن الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد الْإِسْلَام , لِيُرَاجِعُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , فَعَنَّفَهُ اللَّه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَقَبَّحَ لَهُ مَا فَعَلَ وَوَبَّخَهُ عَلَيْهِ , وَوَعَظَ أَيْضًا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاق وَالِاخْتِلَاف , وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَاف . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 5945 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الثِّقَة , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , قَالَ : (مَرَّ شَاس بْن قَيْس , وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّة , عَظِيم الْكُفْر , شَدِيد الضِّغْن عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيد الْحَسَد لَهُمْ , عَلَى نَفَر مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي مَجْلِس قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ . فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ جَمَاعَتهمْ وَأُلْقَتهمْ وَصَلَاح ذَات بَيْنهمْ عَلَى الْإِسْلَام بَعْد الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ : قَدْ اِجْتَمَعَ مَلَأ بَنِي قَيْلَة بِهَذِهِ الْبِلَاد , وَاَللَّه مَا لَنَا مَعَهُمْ إِذَا اِجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَار فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ الْيَهُود وَكَانَ مَعَهُ , فَقَالَ : اِعْمِدْ إِلَيْهِمْ , فَاجْلِسْ مَعَهُمْ وَذَكِّرْهُمْ يَوْم بُعَاث وَمَا كَانَ قَبْله , وَأَنْشِدْهُمْ بَعْض مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَار . وَكَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا اِقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَكَانَ الظَّفَر فِيهِ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَج . فَفَعَلَ , فَتَكَلَّمَ الْقَوْم عِنْد ذَلِكَ , فَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكَب أَوْس بْن قَيْظِيّ أَحَد بَنِي حَارِثَة بْن الْحَارِث مِنْ الْأَوْس وَجَبَّار بْن صَخْر أَحَد بَنِي سَلِمَة مِنْ الْخَزْرَج , فَتَقَاوَلَا , ثُمَّ قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : إِنْ شِئْتُمْ وَاَللَّه رَدَدْنَاهَا الْآن جَذَعَة وَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ , وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا السِّلَاح السِّلَاح مَوْعِدكُمْ الظَّاهِرَة - وَالظَّاهِرَة : الْحَرَّة - فَخَرَجُوا إِلَيْهَا وَتَحَاوُر النَّاس , فَانْضَمَّتْ الْأَوْس بَعْضهَا إِلَى بَعْض , وَالْخَزْرَج بَعْضهَا إِلَى بَعْض عَلَى دَعْوَاهُمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابه حَتَّى جَاءَهُمْ , فَقَالَ : | يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ اللَّه اللَّه , أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَأَنَا بَيْن أَظْهُركُمْ بَعْد إِذْ هَدَاكُمْ اللَّه إِلَى الْإِسْلَام , . وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ , وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة , وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْر وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَّارًا | فَعَرَفَ الْقَوْم أَنَّهَا نَزْعَة مِنْ الشَّيْطَان , وَكَيْد مِنْ عَدُوّهُمْ , فَأَلْقَوْا السِّلَاح مِنْ أَيْدِيهمْ , وَبَكَوْا , وَعَانَقَ الرِّجَال مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْضهمْ بَعْضًا . ثُمَّ اِنْصَرَفُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ , قَدْ أَطْفَأَ اللَّه عَنْهُمْ كَيْد عَدُوّ اللَّه شَاس بْن قَيْس وَمَا صَنَعَ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَاس بْن قَيْس وَمَا صَنَعَ { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَفْعَلُونَ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا } . .. الْآيَة وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوْس بْن قَيْظِيّ وَجَبَّار بْن صَخْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمهمَا الَّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَاس بْن قَيْس مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } )وَقِيلَ : إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } جَمَاعَة يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن أَظْهُر مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات وَالنَّصَارَى , وَأَنَّ صَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَانَ بِإِخْبَارِهِمْ مَنْ سَأَلَهُمْ عَنْ أَمْر نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , هَلْ يَجِدُونَ ذِكْره فِي كُتُبهمْ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ نَعْته فِي كُتُبهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا } كَانُوا إِذَا سَأَلَهُمْ أَحَد : هَلْ تَجِدُونَ مُحَمَّدًا ؟ قَالُوا : لَا ! فَصَدُّوا عَنْهُ النَّاس , وَبَغَوْا مُحَمَّدًا عِوَجًا : هَلَاكًا . )5947 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ الْإِسْلَام , وَعَنْ نَبِيّ اللَّه وَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ , وَأَنْتُمْ شُهَدَاء فِيمَا تَقْرَءُونَ مِنْ كِتَاب اللَّه أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , وَأَنَّ الْإِسْلَام دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل غَيْره وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ , تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . )5948 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , نَحْوه . 5949 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , نَهَاهُمْ أَنْ يَصُدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَيُرِيدُونَ أَنْ يَعْدِلُوا النَّاس إِلَى الضَّلَالَة . )فَتَأْوِيل الْآيَة مَا قَالَهُ السُّدِّيّ : يَا مَعْشَر الْيَهُود لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ مُحَمَّد , وَتَمْنَعُونَ مِنْ اِتِّبَاعه الْمُؤْمِنِينَ بِكِتْمَانِكُمْ صِفَته الَّتِي تَجِدُونَهَا فِي كُتُبكُمْ . وَمُحَمَّد عَلَى هَذَا الْقَوْل : هُوَ السَّبِيل { تَبْغُونَهَا عِوَجًا } : تَبْغُونَ مُحَمَّدًا هَلَاكًا . وَأَمَّا سَائِر الرِّوَايَات غَيْره وَالْأَقْوَال فِي ذَلِكَ , فَإِنَّهُ نَحْو التَّأْوِيل الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبْل , مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّبِيل الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع الْإِسْلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد اللَّه .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَبِاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب : شَاس بْن قَيْس الْيَهُودِيّ , عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ خَبَره عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم . وَقَالَ آخَرُونَ : فِيمَنْ عُنِيَ بِاَلَّذِينَ آمَنُوا , مِثْل قَوْل زَيْد بْن أَسْلَم , غَيْر أَنَّهُمْ قَالُوا : الَّذِي جَرَى الْكَلَام بَيْنه وَبَيْن غَيْره مِنْ الْأَنْصَار حَتَّى هَمُّوا بِالْقِتَالِ وَوَجَدَ الْيَهُودِيّ بِهِ مَغْمَزًا فِيهِمْ ثَعْلَبَة بْن عَنْمَة الْأَنْصَارِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5950 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَة بْن عَنْمَة الْأَنْصَارِيّ , كَانَ بَيْنه وَبَيْن أُنَاس مِنْ الْأَنْصَار كَلَام , فَمَشَى بَيْنهمْ يَهُودِيّ مِنْ قَيْنُقَاع , فَحَمَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض حَتَّى هَمَّتْ الطَّائِفَتَانِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاح فَيُقَاتِلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } يَقُول : إِنْ حَمَلْتُمْ السِّلَاح فَاقْتَتَلْتُمْ كَفَرْتُمْ . )5951 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : كَانَ جِمَاع قَبَائِل الْأَنْصَار بَطْنَيْنِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَكَانَ بَيْنهمَا فِي الْجَاهِلِيَّة حَرْب . وَدِمَاء وَشَنَآن , حَتَّى مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَبِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَطْفَأَ اللَّه الْحَرْب الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , وَأَلَّفَ بَيْنهمْ بِالْإِسْلَامِ قَالَ : فَبَيْنَا رَجُل مِنْ الْأَوْس وَرَجُل مِنْ الْخَزْرَج قَاعِدَانِ يَتَحَدَّثَانِ , وَمَعَهُمَا يَهُودِيّ جَالِس , فَلَمْ يَزَلْ يُذَكِّرهُمَا أَيَّامهمَا وَالْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , حَتَّى اِسْتَبَّا , ثُمَّ اِقْتَتَلَا . قَالَ : فَنَادَى هَذَا قَوْمه , وَهَذَا قَوْمه , فَخَرَجُوا بِالسِّلَاحِ , وَصَفَّ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . قَالَ : وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِد يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ , فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي بَيْنهمْ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ لِيُسَكِّنهُمْ , حَتَّى رَجَعُوا وَوَضَعُوا السِّلَاح , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآن فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { عَذَاب عَظِيم } )فَتَأْوِيل الْآيَة : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه , إِنْ تُطِيعُوا جَمَاعَة مِمَّنْ يَنْتَحِل الْكِتَاب مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ مَا يَأْمُرُونَكُمْ بِهِ , يُضِلُّوكُمْ فَيَرُدُّوكُمْ بَعْد تَصْدِيقكُمْ رَسُول رَبّكُمْ وَبَعْد إِقْرَاركُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ كَافِرِينَ ; يَقُول : جَاحِدِينَ لِمَا قَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ مِنْ الْحَقّ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . فَنَهَاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَنْتَصِحُوهُمْ , وَيَقْبَلُوا مِنْهُمْ رَأْيًا أَوْ مَشُورَة , وَيُعَلِّمهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ لَهُمْ مُنْطَوُونَ عَلَى غِلّ وَغِشّ وَحَسَد وَبُغْض . كَمَا : 5952 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } : قَدْ تَقَدَّمَ اللَّه إِلَيْكُمْ فِيهِمْ كَمَا تَسْمَعُونَ , وَحَذَّرَكُمْ وَأَنْبَأَكُمْ بِضَلَالَتِهِمْ , فَلَا تَأْمَنُوهُمْ عَلَى دِينكُمْ وَلَا تَنْتَصِحُوهُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّهُمْ الْأَعْدَاء الْحَسَدَة الضُّلَّال . كَيْفَ تَأْتَمِنُونَ قَوْمًا كَفَرُوا بِكِتَابِهِمْ , وَقَتَلُوا رُسُلهمْ , وَتَحَيَّرُوا فِي دِينهمْ , وَعَجَزُوا عَنْ أَنْفُسهمْ ؟ أُولَئِكَ وَاَللَّه هُمْ أَهْل التُّهْمَة وَالْعَدَاوَة ! )5953 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْد إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , فَتَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابكُمْ { وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } يَعْنِي : حُجَج اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي كِتَابه عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَفِيكُمْ رَسُولًا } حُجَّة أُخْرَى عَلَيْكُمْ لِلَّهِ , مَعَ آي كِتَابه , يَدْعُوكُمْ جَمِيع ذَلِكَ إِلَى الْحَقّ , وَيُبَصِّركُمْ الْهُدَى وَالرَّشَاد , وَيَنْهَاكُمْ عَنْ الْغَيّ وَالضَّلَال . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : فَمَا وَجْه عُذْركُمْ عِنْد رَبّكُمْ فِي جُحُودكُمْ نُبُوَّة نَبِيّكُمْ , وَارْتِدَادكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ , وَرُجُوعكُمْ إِلَى أَمْر جَاهِلِيَّتكُمْ , إِنْ أَنْتُمْ رَاجَعْتُمْ ذَلِكَ وَكَفَرْتُمْ , وَفِيهِ هَذِهِ الْحُجَج الْوَاضِحَة , وَالْآيَات الْبَيِّنَة , عَلَى خَطَأ فِعْلكُمْ ذَلِكَ إِنْ فَعَلْتُمُوهُ . كَمَا : 5954 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } . . . الْآيَة , عَلَمَانِ بَيِّنَانِ : وِجْدَان نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكِتَاب اللَّه ; فَأَمَّا نَبِيّ اللَّه فَمَضَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَأَمَّا كِتَاب اللَّه , فَأَبْقَاهُ اللَّه بَيْن أَظْهُركُمْ رَحْمَة مِنْ اللَّه وَنِعْمَة , فِيهِ حَلَاله وَحَرَامه , وَطَاعَته وَمَعْصِيَته .)|وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ|وَأَمَّا قَوْله : { مَنْ يَعْتَصِم بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ يَتَعَلَّق بِأَسْبَابِ اللَّه , وَيَتَمَسَّك بِدِينِهِ وَطَاعَته , { فَقَدْ هُدِيَ } يَقُول : فَقَدْ وُفِّقَ لِطَرِيقٍ وَاضِح وَمَحَجَّة مُسْتَقِيمَة غَيْر مُعْوَجَّة , فَيَسْتَقِيم بِهِ إِلَى رِضَا اللَّه وَإِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه وَالْفَوْز بِجَنَّتِهِ . كَمَا : 5955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَمَنْ يَعْتَصِم بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ } قَالَ : يُؤْمِن بِاَللَّهِ . )وَأَصْل الْعَصْم : الْمَنْع , فَكُلّ مَانِع شَيْئًا فَهُوَ عَاصِمه , وَالْمُمْتَنِع بِهِ مُعْتَصِم بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : <br>أَنَا اِبْن الْعَاصِمِينَ بَنِي تَمِيم .......... إِذَا مَا أَعْظَم الْحَدَثَانِ نَابَا <br>وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْحَبْلِ : عِصَام , وَلِلسَّبَبِ الَّذِي يَتَسَبَّب بِهِ الرَّجُل إِلَى حَاجَته : عِصَام , وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : <br>إِلَى الْمَرْء قَيْس أُطِيل السُّرَى .......... وَآخُذ مِنْ كُلّ حَيّ عُصُم <br>يَعْنِي بِالْعُصُمِ : الْأَسْبَاب , أَسْبَاب الذِّمَّة وَالْأَمَان , يُقَال مِنْهُ : اِعْتَصَمْت بِحَبْلٍ مِنْ فُلَان , وَاعْتَصَمْت حَبْلًا مِنْهُ , وَاعْتَصَمْت بِهِ وَاعْتَصَمَهُ . وَأَفْصَح اللُّغَتَيْنِ : إِدْخَال الْبَاء , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } [3 103 ]وَقَدْ جَاءَ | اِعْتَصَمْته | , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا أَنْتَ جَازَيْت الْإِخَاء بِمِثْلِهِ .......... وَآسَيْتنِي ثُمَّ اِعْتَصَمْت حِبَالِيَا <br>فَقَالَ : | اِعْتَصَمْت حِبَالِيَا | , وَلَمْ يُدْخِل الْبَاء , وَذَلِكَ نَظِير قَوْلهمْ : تَنَاوَلْت الْخِطَام وَتَنَاوَلَتْ بِالْخِطَامِ , وَتَعَلَّقْت بِهِ وَتَعَلَّقْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>تَعَلَّقْت هِنْدًا نَاشِئًا ذَات مِئْزَر .......... وَأَنْتَ وَقَدْ فَارَقْت لَمْ تَدْرِ مَا الْحِلْم <br>وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْهُدَى وَالصِّرَاط وَأَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْإِسْلَام فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ , فَكَرِهْنَا إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي سَبَب تَجَاوُز الْقَبِيلَتَيْنِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , كَانَ مِنْهُ قَوْله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5956 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ الْأَغَرّ بْن الصَّبَّاح , عَنْ خَلِيفَة بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي نَصْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَيْنهمْ حَرْب فِي الْجَاهِلِيَّة كُلّ شَهْر , فَبَيْنَمَا هُمْ جُلُوس إِذْ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنهمْ حَتَّى غَضِبُوا , فَقَامَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض بِالسِّلَاحِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله } . . إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ , { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } . .. إِلَى آخِر الْآيَة .)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا مَعْشَر مَنْ صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله , { اِتَّقُوا اللَّه } خَافُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ بِطَاعَتِهِ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , { حَقّ تُقَاته } حَقّ خَوْفه , وَهُوَ أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5957 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : ( { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة بْن شَرَاحِيل الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ زُبَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ زُبَيْد الْإِيَامِيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 5958 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون : ( { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , نَحْوه . 5959 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم , قَالَ : (أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت مُرَّة الْهَمْدَانِيّ يُحَدِّث عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } فَذَكَرَ نَحْوه . 5960 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى . )5961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : حَقّ تُقَاته أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى . )5962 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ , يَعْنِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَنْصَار , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أَمَّا حَقّ تُقَاته : يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر . )5963 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , قَالَ : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ كَمَا : 5964 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : حَقّ تُقَاته أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيل اللَّه حَقّ جِهَاده , وَلَا يَأْخُذهُمْ فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم , وَيَقُومُوا لِلَّهِ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسهمْ وَآبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْآيَة , هَلْ هِيَ مَنْسُوخَة أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } إِنَّهَا لَمْ تُنْسَخ , وَلَكِنْ حَقّ تُقَاته أَنْ تُجَاهِد فِي اللَّه حَقّ جِهَاده . )ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيله الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا . 5966 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا , { فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ طَاوُس , قَوْله : ( { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : إِنْ لَمْ تَتَّقُوهُ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَنْسُوخَة , نَسَخَهَا قَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5967 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيف وَالْيُسْر , وَعَادَ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته عَلَى مَا يَعْلَم مِنْ ضَعْف خَلْقه , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَخْفِيف وَعَافِيَة وَيُسْر . )5968 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال الْأَنْمَاطِيّ , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : نَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي التَّغَابُن { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا } وَعَلَيْهَا بَايَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة فِيمَا اِسْتَطَاعُوا . )5969 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } ثُمَّ نَزَلَ بَعْدهَا : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } [64 16 ]فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي آل عِمْرَان . )5970 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَلَمْ يُطِقْ النَّاس هَذَا , فَنَسَخَهُ اللَّه عَنْهُمْ , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } [64 16 ])5971 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : جَاءَ أَمْر شَدِيد , قَالُوا : وَمَنْ يَعْرِف قَدْر هَذَا أَوْ يَبْلُغهُ ؟ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ اِشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , نَسَخَهَا عَنْهُمْ , وَجَاءَ بِهَذِهِ الْأُخْرَى , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } [64 16 ]فَنَسَخَهَا .)|تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ| { وَلَا تَمُوتُنَّ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } لِرَبِّكُمْ , مُذْعِنُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , مُخْلِصُونَ لَهُ الْأُلُوهِيَّة وَالْعِبَادَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِنَّ تَأْوِيله كَمَا : 5972 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : ( { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : عَلَى الْإِسْلَام وَعَلَى حُرْمَة الْإِسْلَام .)

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَتَعَلَّقُوا بِأَسْبَابِ اللَّه جَمِيعًا . يُرِيد بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ , وَعَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه إِلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى كَلِمَة الْحَقّ وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الِاعْتِصَام وَأَمَّا الْحَبْل , فَإِنَّهُ السَّبَب الَّذِي يُوصَل بِهِ إِلَى الْبُغْيَة وَالْحَاجَة , وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَمَان حَبْلًا , لِأَنَّهُ سَبَب يُوصَل بِهِ إِلَى زَوَال الْخَوْف وَالنَّجَاة مِنْ الْجَزَع وَالذُّعْر , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : <br>وَإِذْ تُجَوِّزهَا حِبَال قَبِيلَة .......... أَخَذْت مِنْ الْأُخْرَى إِلَيْك حِبَالهَا <br>وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } [3 112 ]وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5973 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْجَمَاعَة . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْجَمَاعَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُرْآن , وَالْعَهْد الَّذِي عَهِدَ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5974 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } حَبْل اللَّه الْمَتِين الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْتَصَم بِهِ : هَذَا الْقُرْآن . )5975 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : بِعَهْدِ اللَّه وَأَمْره . )5976 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ شَقِيق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِنَّ الصِّرَاط مُحْتَضَر تَحْضُرهُ الشَّيَاطِين , يُنَادُونَ : يَا عَبْد اللَّه هَلُمَّ هَذَا الطَّرِيق ! لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه . فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه , فَإِنَّ حَبْل اللَّه هُوَ كِتَاب اللَّه . )5977 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } أَمَّا حَبْل اللَّه : فَكِتَاب اللَّه . )5978 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بِحَبْلِ اللَّه } : بِعَهْدِ اللَّه . )5979 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : ( { بِحَبْلِ اللَّه } قَالَ : الْعَهْد . )5980 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْقُرْآن . )5981 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْقُرْآن . )5982 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كِتَاب اللَّه , هُوَ حَبْل اللَّه الْمَمْدُود مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5983 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } يَقُول : اِعْتَصِمُوا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْده )5984 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْحَبْل : الْإِسْلَام . وَقَرَأَ { وَلَا تَفَرَّقُوا } )|وَلَا تَفَرَّقُوا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَفَرَّقُوا } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَفَرَّقُوا } : وَلَا تَتَفَرَّقُوا عَنْ دِين اللَّه وَعَهْده الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع عَلَى طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره . كَمَا : 5985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَرِهَ لَكُمْ الْفُرْقَة وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِيهَا , وَحَذَّرَكُمُوهَا , وَنَهَاكُمْ عَنْهَا , وَرَضِيَ لَكُمْ السَّمْع وَالطَّاعَة وَالْأُلْفَة وَالْجَمَاعَة , فَارْضُوا لِأَنْفُسِكُمْ مَا رَضِيَ اللَّه لَكُمْ إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . )5986 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبَى الْعَالِيَة : ( { وَلَا تَفَرَّقُوا } : لَا تُعَادُوا عَلَيْهِ , يَقُول : عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ , وَكُونُوا عَلَيْهِ إِخْوَانًا . )5987 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّ يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل اِفْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهمْ فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة | . قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه , وَمَا هَذِهِ الْوَاحِدَة ؟ قَالَ : فَقَبَضَ يَده وَقَالَ : | الْجَمَاعَة | { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } )* - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ يُحَدِّث عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 5988 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : (يَا أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُمَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ , وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَة وَالطَّاعَة هُوَ خَيْر مِمَّا تَسْتَحِبُّونَ فِي الْفُرْقَة . )* - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة , قَالَ : سَمِعْت اِبْن مَسْعُود وَهُوَ يَخْطُب , وَهُوَ يَقُول : يَا أَيّهَا النَّاس , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ عَامِر , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة , فَإِنَّهَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .)|وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } : وَاذْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى الْإِسْلَام . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة فِي ذَلِكَ : اِنْقَطَعَ الْكَلَام عِنْد قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } , ثُمَّ فُسِّرَ بِقَوْلِهِ : { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } وَأَخْبَرَ بِاَلَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْل التَّأْلِيف , كَمَا تَقُول : أَمْسَكَ الْحَائِط أَنْ يَمِيل . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } تَابِع قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِعَة مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِع عَنْهُ . وَتَأْوِيل ذَلِكَ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ حِين كُنْتُمْ أَعْدَاء : أَيْ بِشِرْكِكُمْ , بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بَعْضًا , عَصَبِيَّة فِي غَيْر طَاعَة اللَّه وَلَا طَاعَة رَسُوله , فَأَلَّفَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ بَيْن قُلُوبكُمْ , فَجَعَلَ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا بَعْد إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء تَتَوَاصَلُونَ بِأُلْفَةِ الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتكُمْ عَلَيْهِ . كَمَا : 5989 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } كُنْتُمْ تَذَّابَحُونَ فِيهَا , يَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَآخَى بِهِ بَيْنكُمْ , وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ . أَمَا وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّ الْأُلْفَة لَرَحْمَة , وَإِنَّ الْفُرْقَة لَعَذَاب ! )5990 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } : يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَيَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ , وَجَمَعَ جَمْعكُمْ عَلَيْهِ , وَجَعَلَكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا . )فَالنِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَى الْأَنْصَار الَّتِي أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَذْكُرُوهَا هِيَ أُلْفَة الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ عَلَيْهَا , وَالْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَإِنَّهَا عَدَاوَة الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة قَبْل الْإِسْلَام , يَزْعُم الْعُلَمَاء بِأَيَّامِ الْعَرَب , أَنَّهَا تَطَاوَلَتْ بَيْنهمْ عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة . كَمَا : 5991 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : (كَانَتْ الْحَرْب بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة , حَتَّى قَامَ الْإِسْلَام وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَكَانَتْ حَرْبهمْ بَيْنهمْ وَهُمْ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ , فَلَمْ يُسْمَع بِقَوْمٍ كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْحَرْب مَا كَانَ بَيْنهمْ . ثُمَّ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَطْفَأَ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ , وَأَلَّفَ بَيْنهمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )فَذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ وَعَظَهُمْ عَظِيم مَا كَانُوا فِيهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ الْبَلَاء وَالشَّقَاء بِمُعَادَاةِ بَعْضهمْ بَعْضًا وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَخَوْف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَاتِّبَاع الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَان بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع , وَأَمِنَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَصِير بَعْضهمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا . وَكَأَنَّ سَبَب ذَلِكَ مَا : 5992 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة الْمَدَنِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : (قَدِمَ سُوَيْد بْن صَامِت أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف مَكَّة حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا . قَالَ : وَكَانَ سُوَيْد إِنَّمَا يُسَمِّيه قَوْمه فِيهِمْ الْكَامِل لِجَلَدِهِ وَشِعْره وَنَسَبه وَشَرَفه . قَالَ : فَتَصَدَّى لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَمِعَ بِهِ , فَدَعَاهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَام , قَالَ : فَقَالَ لَهُ سُوَيْد : فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَك مِثْل الَّذِي مَعِي ! قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَمَا الَّذِي مَعَك ؟ | قَالَ مَجَلَّة لُقْمَان - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان - فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِعْرِضْهَا بِهَا عَلَيَّ ! | فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ , فَقَالَ : | إِنَّ هَذَا الْكَلَام حَسَن , مَعِي أَفْضَل مِنْ هَذَا , قُرْآن أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيَّ هُدًى وَنُور | . قَالَ : فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام , فَلَمْ يَبْعُد مِنْهُ , وَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقَوْل حَسَن ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهُ , وَقَدِمَ الْمَدِينَة , فَلَمْ يَلْبَث أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَج , فَإِنْ كَانَ قَوْمه لَيَقُولُونَ : قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِم , وَكَانَ قَتْله قَبْل يَوْم بُعَاث . )حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل : أَنَّ مَحْمُود بْن أَسَد أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , قَالَ : (لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع مَكَّة , وَمَعَهُ فِتْيَة مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل فِيهِمْ إِيَاس بْن مُعَاذ , يَلْتَمِسُونَ الْحِلْف مِنْ قُرَيْش عَلَى قَوْم مِنْ الْخَزْرَج , سَمِعَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ | هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ؟ | قَالُوا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : | أَنَا رَسُول اللَّه بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَاد أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه أَنْ يَعْبُدُوا اللَّه وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَاب | . ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا : أَيْ قَوْم , هَذَا وَاَللَّه خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ! قَالَ : فَأَخَذَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع حَفْنَة مِنْ الْبَطْحَاء فَضَرَبَ بِهَا وَجْه إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَالَ : دَعْنَا مِنْك , فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا ! قَالَ : فَصَمَتَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ , وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَكَانَتْ وَقْعَة بُعَاث بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج . قَالَ . ثُمَّ لَمْ يَلْبَث إِيَاس بْن مُعَاذ أَنْ هَلَكَ قَالَ : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه إِظْهَار دِينه , وَإِعْزَاز نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْجَاز مَوْعِده لَهُ , خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْسِم الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَر مِنْ الْأَنْصَار يَعْرِض نَفْسه عَلَى قَبَائِل الْعَرَب كَمَا كَانَ يَصْنَع فِي كُلّ مَوْسِم . فَبَيْنَا هُوَ عِنْد الْعَقَبَة , إِذْ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَج أَرَادَ اللَّه لَهُمْ خَيْرًا . قَالَ اِبْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَحَدَّثَنِي عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : | مَنْ أَنْتُمْ ؟ | قَالُوا : نَفَر مِنْ الْخَزْرَج , قَالَ : | أَمِنْ مَوَالِي يَهُود ؟ | قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : | أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمكُمْ ؟ | قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَجَلَسُوا مَعَهُ , فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن . قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّه لَهُمْ بِهِ فِي الْإِسْلَام أَنَّ يَهُود كَانُوا مَعَهُمْ بِبِلَادِهِمْ , وَكَانُوا أَهْل كِتَاب وَعِلْم , وَكَانُوا أَهْل شِرْك , أَصْحَاب أَوْثَان , وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ , فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنهمْ شَيْء , قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ نَبِيًّا الْآنَ مَبْعُوث قَدْ أَظَلَّ زَمَانه , نَتَّبِعهُ وَنَقْتُلكُمْ مَعَهُ قَتْل عَادَ وَإِرَم . فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَر , وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم تَعْلَمُوا وَاَللَّه إِنَّهُ لَلنَّبِيّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُود , وَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ ! فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ , وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَام , وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمنَا , وَلَا قَوْم بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالشَّرّ مَا بَيْنهمْ , وَعَسَى أَنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه بِك , وَسَنَقْدُمُ عَلَيْهِمْ , فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرك , وَنَعْرِض عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاك إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّين , فَإِنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه عَلَيْهِ , فَلَا رَجُل أَعَزّ مِنْك ! ثُمَّ اِنْصَرَفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادهمْ , قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا , وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّة نَفَر . قَالَ : فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَة عَلَى قَوْمهمْ , ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , حَتَّى فَشَا فِيهِمْ , فَلَمْ يَبْقَ دَار مِنْ دُور الْأَنْصَار إِلَّا وَفِيهَا ذِكْر مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل , وَافَى الْمَوْسِم مِنْ الْأَنْصَار اِثْنَا عَشَر رَجُلًا , فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ , وَهِيَ الْعَقَبَة الْأُولَى , فَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَة النِّسَاء , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُفْتَرَض عَلَيْهِمْ الْحَرْب . )5993 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : (أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة نَفَر مِنْ الْأَنْصَار , فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ , فَأَرَادَ أَنْ يَذْهَب مَعَهُمْ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ بَيْن قَوْمنَا حَرْبًا , وَإِنَّا نَخَاف إِنْ جِئْت عَلَى حَالك هَذِهِ أَنْ لَا يَتَهَيَّأ الَّذِي تُرِيد . فَوَعَدُوهُ الْعَام الْمُقْبِل , وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه نَذْهَب , فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِح تِلْكَ الْحَرْب ! قَالَ : فَذَهَبُوا فَفَعَلُوا , فَأَصْلَحَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْحَرْب , وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا لَا تُصْلَح ; وَهُوَ يَوْم بُعَاث فَلَقَوْهُ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل سَبْعِينَ رَجُلًا قَدْ آمَنُوا , فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ النُّقَبَاء اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } )5994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَفِي حَرْب { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } بِالْإِسْلَامِ . )5995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : (فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْر عَائِشَة مَا كَانَ , فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَوْعِدكُمْ الْحَرَّة ! فَخَرَجُوا إِلَيْهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } . .. الْآيَة , فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَزَلْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى اِعْتَنَقَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَحَتَّى إِنَّ لَهُمْ لَخَنِينًا , يَعْنِي الْبُكَاء . )وَسُمَيْر الَّذِي زَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } عَنَى بِهِ حَرْبه , هُوَ سُمَيْر بْن زَيْد بْن مَالِك أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِك بْن الْعَجْلَان فِي قَوْله : <br>إِنَّ سُمَيْرًا أَرَى عَشِيرَته .......... قَدْ حَدِبُوا دُونه وَقَدْ أَنِفُوا <br><br>إِنْ يَكُنْ الظَّنّ صَادِقِي بِبَنِي النَّ .......... جَّار لَمْ يَطْعَمُوا الَّذِي عُلِفُوا <br>وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاء الْأَنْصَار أَنَّ مَبْدَأ الْعَدَاوَة الَّتِي هَيَّجَتْ الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن قَبِيلَتَيْهَا الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَأَوَّلهَا كَانَ بِسَبَبِ قَتْل مَوْلًى لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان الْخَزْرَجِيّ , يُقَال لَهُ : الْحُرّ بْن سُمَيْر , مِنْ مُزَيْنَة , وَكَانَ حَلِيفًا لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان , ثُمَّ اِتَّصَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَة بَيْنهمْ إِلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللَّه بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل السُّدِّيّ : حَرْب اِبْن سُمَيْر .|فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا|وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَصْبَحْتُمْ بِتَأْلِيفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَلِمَة الْحَقّ وَالتَّعَاوُن عَلَى نُصْرَة أَهْل الْإِيمَان , وَالتَّآزُر عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , إِخْوَانًا مُتَصَادِقِينَ لَا ضَغَائِن بَيْنكُمْ , وَلَا تَحَاسُد . كَمَا : 5996 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُود : كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ قَالَ : أَصْبَحْنَا بِنِعْمَةِ اللَّه إِخْوَانًا .)|وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } : وَكُنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج عَلَى حَرْف حُفْرَة مِنْ النَّار , وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَل لِكُفْرِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَهْدِيهِمْ اللَّه لِلْإِسْلَامِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُنْتُمْ عَلَى طَرَف جَهَنَّم بِكُفْرِكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ , قَبْل أَنْ يُنْعِم اللَّه عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ , فَتَصِيرُوا بِائْتِلَافِكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا , لَيْسَ بَيْنكُمْ وَبَيْن الْوُقُوع فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُفْركُمْ , فَتَكُونُوا مِنْ الْخَالِدِينَ فِيهَا , فَأَنْقَذَكُمْ اللَّه مِنْهَا بِالْإِيمَانِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ . وَشَفَا الْحُفْرَة : طَرَفهَا وَحَرْفهَا , مِثْل شَفَا الرَّكِيَّة وَالْبِئْر , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سَجْلَهْ .......... نَابِتَة فَوْق شَفَاهَا بَقْلَهْ <br>يَعْنِي فَوْق حَرْفهَا , يُقَال : هَذَا شَفَا هَذِهِ الرَّكِيَّة مَقْصُور , وَهُمَا شَفَوَاهَا . وَقَالَ : { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : يَعْنِي فَأَنْقَذَكُمْ مِنْ الْحُفْرَة , فَرَدَّ الْخَبَر إِلَى الْحُفْرَة , وَقَدْ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا , لِأَنَّ الشَّفَا مِنْ الْحُفْرَة , فَجَازَ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا عَلَى السَّبِيل الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة خَبَرًا عَنْ الْحُفْرَة , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : <br>رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي .......... كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال <br>فَذَكَرَ مَرَّ السِّنِينَ , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَبَر عَنْ السِّنِينَ . وَكَمَا قَالَ الْعَجَّاج : <br>طُول اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي .......... طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي <br>وَقَدْ بَيَّنْت الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5997 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته } كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أَذَلَّ النَّاس ذُلًّا , وَأَشْقَاهُ عَيْشًا , وَأَبْيَنه ضَلَالَة , وَأَعْرَاهُ جُلُودًا , وَأَجْوَعه بُطُونًا , مَكْعُومِينَ عَلَى رَأْس حَجَر بَيْن الْأَسَدَيْنِ : فَارِس , وَالرُّوم , لَا وَاَللَّه مَا فِي بِلَادهمْ يَوْمئِذٍ مِنْ شَيْء يُحْسَدُونَ عَلَيْهِ , مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا وَمَنْ مَاتَ رُدِّيَ فِي النَّار , يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ , وَاَللَّه مَا نَعْلَم قَبِيلًا يَوْمئِذٍ مِنْ حَاضِر الْأَرْض , كَانُوا فِيهَا أَصْغَر حَظًّا , وَأَدَقّ فِيهَا شَأْنًا مِنْهُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ , فَوَرَّثَكُمْ بِهِ الْكِتَاب , وَأَحَلَّ لَكُمْ بِهِ دَار الْجِهَاد , وَوَضَعَ لَكُمْ بِهِ مِنْ الرِّزْق , وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَاب النَّاس , وَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّه مَا رَأَيْتُمْ , فَاشْكُرُوا نِعَمه , فَإِنَّ رَبّكُمْ مُنْعِم يُحِبّ الشَّاكِرِينَ , وَإِنَّ أَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد اللَّه , فَتَعَالَى رَبّنَا وَتَبَارَكَ . )5998 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَوْله : ( { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : مِنْ ذَلِكَ , وَهَدَاكُمْ إِلَى الْإِسْلَام . )5999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى طَرَف النَّار مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ أُوبِقَ فِي النَّار , فَبَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْحُفْرَة . )6000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حَسَن بْن حَيّ : ( { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } قَالَ : عَصَبِيَّة .)|كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبّكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , مِنْ غِلّ الْيَهُود , الَّذِي يُضْمِرُونَهُ لَكُمْ , وَغِشّهمْ لَكُمْ , وَأَمْره إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهَا , وَنَهْيه لَكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَالْحَال الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا فِي جَاهِلِيَّتكُمْ , وَاَلَّتِي صِرْتُمْ إِلَيْهَا فِي إِسْلَامكُمْ , يُعَرِّفكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَوَاقِع نِعَمه قِبَلكُمْ , وَصَنَائِعه لَدَيْكُمْ , فَكَذَلِكَ يُبَيِّن سَائِر حُجَجه لَكُمْ فِي تَنْزِيله , وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي : لِتَهْتَدُوا إِلَى سَبِيل الرَّشَاد , وَتَسْلُكُوهَا فَلَا تَضِلُّوا عَنْهَا .

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , { أُمَّة } يَقُول : جَمَاعَة { يَدْعُونَ } النَّاس { إِلَى الْخَيْر } يَعْنِي إِلَى الْإِسْلَام وَشَرَائِعه الَّتِي شَرَعَهَا اللَّه لِعِبَادِهِ , { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } يَقُول : يَأْمُرُونَ النَّاس بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدِينه الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , { وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } : يَعْنِي وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَالتَّكْذِيب بِمُحَمَّدٍ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه بِجِهَادِهِمْ بِالْأَيْدِي وَالْجَوَارِح , حَتَّى يَنْقَادُوا لَكُمْ بِالطَّاعَةِ . وَقَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَعْنِي : الْمُنْجِحُونَ عِنْد اللَّه , الْبَاقُونَ فِي جَنَّاته وَنَعِيمه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْإِفْلَاح فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا . 6001 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن عُمَر الْقَارِئ , عَنْ أَبِي عَوْن الثَّقَفِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ صُبَيْحًا , قَالَ : (سَمِعْت عُثْمَان يَقْرَأ : | وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيَسْتَعِينُونَ اللَّه عَلَى مَا أَصَابَهُمْ . )6002 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت اِبْن الزُّبَيْر يَقْرَأ , فَذَكَرَ مِثْل قِرَاءَة عُثْمَان الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْل سَوَاء . 6003 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : هُمْ خَاصَّة أَصْحَاب رَسُول اللَّه , وَهُمْ خَاصَّة الرُّوَاة .)

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَكُونُوا يَا مَعْشَر الَّذِينَ آمَنُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَاخْتَلَفُوا فِي دِين اللَّه وَأَمْره وَنَهْيه , مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات , مِنْ حُجَج اللَّه , فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ , وَعَلِمُوا الْحَقّ فِيهِ , فَتَعَمَّدُوا خِلَافه , وَخَالَفُوا أَمْر اللَّه , وَنَقَضُوا عَهْده وَمِيثَاقه , جَرَاءَة عَلَى اللَّه , وَأُولَئِكَ لَهُمْ : يَعْنِي وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا , وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ عَذَاب مِنْ عِنْد اللَّه عَظِيم . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَا تَفَرَّقُوا يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ فِي دِينكُمْ تَفَرُّق هَؤُلَاءِ فِي دِينهمْ , وَلَا تَفْعَلُوا فِعْلهمْ , وَتَسْتَنُّوا فِي دِينكُمْ بِسُنَّتِهِمْ , فَيَكُون لَكُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه الْعَظِيم مِثْل الَّذِي لَهُمْ . كَمَا : 6004 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدَمَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , نَهَى اللَّه أَهْل الْإِسْلَام أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا , كَمَا تَفَرَّقَ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْكِتَاب , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } )6005 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا } وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ , فَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاف وَالْفُرْقَة , وَأَخْبَرَهُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَات فِي دِين اللَّه . )6006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى .)

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه . وَأَمَّا قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ , فَيُقَال لَهُمْ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } . وَلَا بُدّ لِ | أَمَّا | مِنْ جَوَاب بِالْفَاءِ , فَلَمَّا أُسْقِطَ الْجَوَاب سَقَطَتْ الْفَاء مَعَهُ , وَإِنَّمَا جَازَ تَرْك ذِكْر | فَيُقَال | لِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ عُنِيَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ أَهْل قِبْلَتنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6007 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده , قَوْله : ( { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } . .. الْآيَة , لَقَدْ كَفَرَ أَقْوَام بَعْد إِيمَانهمْ كَمَا تَسْمَعُونَ , وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : ( وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ , لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْض مِمَّنْ صَحِبَنِي أَقْوَام , حَتَّى إِذَا رُفِعُوا إِلَيَّ وَرَأَيْتهمْ اخْتُلِجُوا دُونِي , فَلَأَقُولَنَّ رَبّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي , فَلَيُقَالَنَّ إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدك . )وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ فَفِي رَحْمَة اللَّه } هَؤُلَاءِ أَهْل طَاعَة اللَّه وَالْوَفَاء بِعَهْدِ اللَّه , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَفِي رَحْمَة اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } )6008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَهَذَا مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة حِين اِقْتَتَلُوا )6009 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة وَالرَّبِيع بْن صُبَيْح , عَنْ أَبِي مُجَالِد , عَنْ أَبِي أُمَامَة : ( { فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } قَالَ : هُمْ الْخَوَارِج . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ كُلّ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ بَعْد الْإِيمَان الَّذِي آمَنَ حِين أَخَذَ اللَّه مِنْ صُلْب آدَم ذُرِّيَّته وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا بَيَّنَ فِي كِتَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْهَيْثَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } قَالَ : صَارُوا يَوْم الْقِيَامَة فَرِيقَيْنِ , فَقَالَ لِمَنْ اِسْوَدَّ وَجْهه وَغَيْرهمْ . { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قَالَ : هُوَ الْإِيمَان الَّذِي كَانَ قَبْل الِاخْتِلَاف فِي زَمَان آدَم , حِين أَخَذَ مِنْهُمْ عَهْدهمْ وَمِيثَاقهمْ , وَأَقَرُّوا كُلّهمْ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَفَطَرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَكَانُوا أُمَّة وَاحِدَة مُسْلِمِينَ , يَقُول : أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ , يَقُول بَعْد ذَلِكَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَان آدَم , وَقَالَ فِي الْآخَرِينَ : الَّذِينَ اِسْتَقَامُوا عَلَى إِيمَانهمْ ذَلِكَ , فَأَخْلَصُوا لَهُ الدِّين وَالْعَمَل , فَبَيَّضَ اللَّه وُجُوههمْ , وَأَدْخَلَهُمْ فِي رِضْوَانه وَجَنَّته . (وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } : الْمُنَافِقُونَ . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6011 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : ( { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } . .. الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا أَعْطَوْا كَلِمَة الْإِيمَان بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَأَنْكَرُوهَا بِقُلُوبِهِمْ وَأَعْمَالهمْ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ جَمِيع الْكُفَّار , وَأَنَّ الْإِيمَان الَّذِي يُوَبَّخُونَ عَلَى اِرْتِدَادهمْ عَنْهُ , هُوَ الْإِيمَان الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ يَوْم قِيلَ لَهُمْ : { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [3 172 ]وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ جَمِيع أَهْل الْآخِرَة فَرِيقَيْنِ : أَحَدهمَا سَوْدَاء وُجُوهه , وَالْآخَر بَيْضَاء وُجُوهه , فَمَعْلُوم إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إِلَّا هَذَانِ الْفَرِيقَانِ أَنَّ جَمِيع الْكُفَّار دَاخِلُونَ فِي فَرِيق مَنْ سُوِّدَ وَجْهه , وَأَنَّ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ دَاخِلُونَ فِي فَرِيق مَنْ بُيِّضَ وَجْهه , فَلَا وَجْه إِذًا لِقَوْلِ قَائِل عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } بَعْض الْكُفَّار دُون بَعْض , وَقَدْ عَمَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْهُمْ جَمِيعهمْ , وَإِذَا دَخَلَ جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لِجَمِيعِهِمْ حَالَة آمَنُوا فِيهَا , ثُمَّ اِرْتَدُّوا كَافِرِينَ بَعْد إِلَّا حَالَة وَاحِدَة , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهَا الْمُرَادَة بِذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه قَوْم , وَتَسْوَدّ وُجُوه آخَرِينَ ; فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ , فَيُقَال : أَجَحَدْتُمْ تَوْحِيد اللَّه وَعَهْده وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ , بِأَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة بَعْد إِيمَانكُمْ , يَعْنِي : بَعْد تَصْدِيقكُمْ بِهِ , { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَقُول : بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ فِي الدُّنْيَا مَا كَانَ اللَّه قَدْ أَخَذَ مِيثَاقكُمْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَالتَّصْدِيق .

وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه , فَلَمْ يُبَدِّل دِينه , وَلَمْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ بَعْد الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ , وَالشَّهَادَة لِرَبِّهِ بِالْأُلُوهَةِ , وَأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره { فَفِي رَحْمَة اللَّه } يَقُول : فَهُمْ فِي رَحْمَة اللَّه , يَعْنِي فِي جَنَّته وَنَعِيمهَا , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لِأَهْلِهَا فِيهَا , { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ بَاقُونَ فِيهَا أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَة وَلَا غَايَة .

تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { تِلْكَ آيَات اللَّه } : هَذِهِ آيَات اللَّه وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ وَضَعَتْ الْعَرَب | تِلْكَ | وَ | ذَلِكَ | مَكَان | هَذَا | وَ | هَذِهِ | فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَوْله : { آيَات اللَّه } يَعْنِي : مَوَاعِظ اللَّه , وَعِبَره وَحُجَجه . { نَتْلُوهَا عَلَيْك } نَقْرَؤُهَا عَلَيْك وَنَقُصّهَا . { بِالْحَقِّ } يَعْنِي : بِالصِّدْقِ وَالْيَقِين وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ آيَات اللَّه } هَذِهِ الْآيَات الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أُمُور الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُور يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَأَهْل الْكِتَاب , وَمَا هُوَ فَاعِل بِأَهْلِ الْوَفَاء بِعَهْدِهِ وَبِالْمُبَدِّلِينَ دِينه وَالنَّاقِضِينَ عَهْده بَعْد الْإِقْرَار بِهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتْلُو ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مَنْ عَاقَبَهُ مِنْ خَلْقه بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُعَاقِبه مِنْ تَسْوِيد وَجْهه وَتَخْلِيده فِي أَلِيم عَذَابه وَعَظِيم عِقَابه وَمَنْ جَازَاهُ مِنْهُمْ بِمَا جَازَاهُ مِنْ تَبْيِيض وَجْهه وَتَكْرِيمه وَتَشْرِيف مَنْزِلَته لَدَيْهِ بِتَخْلِيدِهِ فِي دَائِم نَعِيمه فَبِغَيْرِ ظُلْم مِنْهُ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ بَلْ لِحَقٍّ اِسْتَوْجَبُوهُ وَأَعْمَال لَهُمْ سَلَفَتْ , جَازَاهُمْ عَلَيْهَا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِتَسْوِيدِ وُجُوه هَؤُلَاءِ , وَإِذَاقَتهمْ الْعَذَاب الْعَظِيم ; وَتَبْيِيض وُجُوه هَؤُلَاءِ , وَتَنْعِيمه إِيَّاهُمْ فِي جَنَّته , طَالِبًا وَضْع شَيْء مِمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه الَّذِي هُوَ مَوْضِعه , إِعْلَامًا بِذَلِكَ عِبَاده , أَنَّهُ لَنْ يَصْلُح فِي حِكْمَته بِخَلْقِهِ , غَيْر مَا وَعَدَ أَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ , وَغَيْر مَا أَوْعَدَ أَهْل مَعْصِيَته وَالْكُفْر بِهِ , وَإِنْذَارًا مِنْهُ هَؤُلَاءِ وَتَبْشِيرًا مِنْهُ هَؤُلَاءِ .

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ يُعَاقِب الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُعَاقِبهمْ بِهِ مِنْ الْعَذَاب الْعَظِيم , وَتَسْوِيد الْوُجُوه , وَيُثِيب أَهْل الْإِيمَان بِهِ , الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى التَّصْدِيق وَالْوَفَاء بِعُهُودِهِمْ الَّتِي عَاهَدُوا عَلَيْهَا , بِمَا وَصَفَ أَنَّهُ مُثِيبهمْ بِهِ , مِنْ الْخُلُود فِي جَنَّاته , مِنْ غَيْر ظُلْم مِنْهُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا فَعَلَ , لِأَنَّهُ لَا حَاجَة بِهِ إِلَى الظُّلْم , وَذَلِكَ أَنَّ الظَّالِم إِنَّمَا يَظْلِم غَيْره لِيَزْدَادَ إِلَى عِزَّته عِزَّة بِظُلْمِهِ إِيَّاهُ , وَإِلَى سُلْطَانه سُلْطَانًا , وَإِلَى مُلْكه مُلْكًا , لِنُقْصَانٍ فِي بَعْض أَسْبَابه , يُتَمِّم بِمَا ظَلَمَ غَيْره فِيهِ مَا كَانَ نَاقِصًا مِنْ أَسْبَابه عَنْ التَّمَام , فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ جَمِيع مَا بَيْن أَقْطَار الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب , وَمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَلَا مَعْنًى لِظُلْمِهِ أَحَدًا فَيَجُوز أَنْ يَظْلِم شَيْئًا , لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابه شَيْء نَاقِص يَحْتَاج إِلَى تَمَام , فَيُتِمّ ذَلِكَ بِظُلْمِ غَيْره , تَعَالَى اللَّه عُلُوًّا كَبِيرًا ; وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَقِيب قَوْله : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَكْرِير اللَّه تَعَالَى ذِكْره اِسْمه مَعَ قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ اِسْمه ظَاهِرًا مَعَ قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } فَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة : ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : أَمَّا زَيْد فَذَهَبَ زَيْد , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَا أَرَى الْمَوْت يَسْبِق الْمَوْت شَيْء .......... نَغَّصَ الْمَوْت ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا <br>فَأَظْهَرَ فِي مَوْضِع الْإِضْمَار . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : لَيْسَ ذَلِكَ نَظِير هَذَا الْبَيْت , لِأَنَّ مَوْضِع الْمَوْت الثَّانِي فِي الْبَيْت مَوْضِع كِنَايَة , لِأَنَّهُ كَلِمَة وَاحِدَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } خَبَر لَيْسَ مِنْ قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْ الْقِصَّتَيْنِ مُفَارِق مَعْنَاهَا مَعْنَى الْأُخْرَى , مُكْتَفِيَة كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا بِنَفْسِهَا , غَيْر مُحْتَاجَة إِلَى الْأُخْرَى , وَمَا قَالَ الشَّاعِر : | لَا أَرَى | الْمَوْت مُحْتَاج إِلَى تَمَام الْخَبَر عَنْهُ . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤْخَذ مَعَانِيه , وَمَا فِيهِ مِنْ الْبَيَان إِلَى الشَّوَاذّ مِنْ الْكَلَام وَالْمَعَانِي وَلَهُ فِي الْفَصِيح مِنْ الْمَنْطِق وَالظَّاهِر مِنْ الْمَعَانِي الْمَفْهُوم وَجْه صَحِيح مَوْجُود .|وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : إِلَى اللَّه مَصِير أَمْر جَمِيع خَلْقه الصَّالِح مِنْهُمْ , وَالطَّالِح وَالْمُحْسِن وَالْمُسِيء , فَيُجَازِي كُلًّا عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ مِنْهُ الْجَزَاء بِغَيْرِ ظُلْم مِنْهُ أَحَدًا مِنْهُمْ .

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَخَاصَّة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6012 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ سِمَاك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ فِي : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ مَكَّة . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , عَنْ قَيْس , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة . )6013 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَوْ شَاءَ اللَّه لَقَالَ | أَنْتُمْ | , فَكُنَّا كُلّنَا , وَلَكِنْ قَالَ : { كُنْتُمْ } فِي خَاصَّة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ صَنَعَ مِثْل صَنِيعهمْ , كَانُوا خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . )6014 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : (نَزَلَتْ فِي اِبْن مَسْعُود , وَسَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة , وَأُبَيّ بْن كَعْب , وَمُعَاذ بْن جَبَل . )6015 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , قَالَ عُمَر : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : تَكُون لِأَوَّلِنَا , وَلَا تَكُون لِآخِرِنَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة . )6016 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ فِي حَجَّة حَجَّهَا : وَرَأَى مِنْ النَّاس رِعَة سَيِّئَة , فَقَرَأَ هَذِهِ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . .. الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس , مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُون مِنْ تِلْكَ الْأُمَّة , فَلْيُؤَدِّ شَرْط اللَّه مِنْهَا . )6017 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , يَعْنِي وَكَانُوا هُمْ الرُّوَاة الدُّعَاة الَّذِينَ أَمَرَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , إِذْ كُنْتُمْ بِهَذِهِ الشُّرُوط الَّتِي وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَا . فَكَانَ تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدهمْ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ أُخْرِجُوا لِلنَّاسِ فِي زَمَانكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6018 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يَقُول : عَلَى هَذَا الشَّرْط أَنْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ , يَقُول : لِمَنْ أَنْتُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ , كَقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اِخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } [44 32 ])* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : يَقُول : كُنْتُمْ خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ , عَلَى هَذَا الشَّرْط , أَنْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ , يَقُول لِمَنْ بَيْن ظَهْرَيْهِ كَقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اِخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } )6019 - وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَيْسَرَة , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : كُنْتُمْ خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ , تَجِيئُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِل , تُدْخِلُونَهُمْ فِي الْإِسْلَام . )6020 - حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن أَسْبَاط , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا قِيلَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } لِأَنَّهُمْ أَكْثَر الْأُمَم اِسْتِجَابَة لِلْإِسْلَامِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6021 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : لَمْ تَكُنْ أُمَّة أَكْثَر اِسْتِجَابَة فِي الْإِسْلَام مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , فَمِنْ ثَمَّ قَالَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } )وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6022 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : قَدْ كَانَ مَا تَسْمَع مِنْ الْخَيْر فِي هَذِهِ الْأُمَّة )6023 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعْد عَنْ قَتَادَة قَالَ : (كَانَ الْحَسَن يَقُول : نَحْنُ آخِرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَ الْحَسَن , وَذَلِكَ أَنَّ : 6024 - يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنِي قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( أَلَا إِنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ آخِرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , (أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : | أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه . )6025 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا (أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم , وَهُوَ مُسْنِد ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَة : | نَحْنُ نُكْمِل يَوْم الْقِيَامَة سَبْعِينَ أُمَّة نَحْنُ آخِرهَا وَخَيْرهَا . )وَأَمَّا قَوْله : { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : تَأْمُرُونَ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَالْعَمَل بِشَرَائِعِهِ , { وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } يَعْنِي : وَتَنْهَوْنَ عَنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب رَسُوله , وَعَنْ الْعَمَل بِمَا نَهَى عَنْهُ . كَمَا : 6026 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يَقُول : تَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْإِقْرَار بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَتُقَاتِلُونَهُمْ عَلَيْهِ , وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه هُوَ أَعْظَم الْمَعْرُوف , وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر , وَالْمُنْكَر : هُوَ التَّكْذِيب , وَهُوَ أَنْكَر الْمُنْكَر . )وَأَصْل الْمَعْرُوف : كُلّ مَا كَانَ مَعْرُوفًا فَفِعْله جَمِيل مُسْتَحْسَن غَيْر مُسْتَقْبَح فِي أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ طَاعَة اللَّه مَعْرُوفًا , لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْرِفهُ أَهْل الْإِيمَان وَلَا يَسْتَنْكِرُونَ فِعْله . وَأَصْل الْمُنْكَر مَا أَنْكَرَهُ اللَّه , وَرَأَوْهُ قَبِيحًا فِعْله , وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَعْصِيَة اللَّه مُنْكَرًا , لِأَنَّ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ يَسْتَنْكِرُونَ فِعْلهَا , وَيَسْتَعْظِمُونَ رُكُوبهَا . وَقَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } يَعْنِي : تُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ , فَتُخْلِصُونَ لَهُ التَّوْحِيد وَالْعِبَادَة . فَإِنْ سَأَلَ سَائِل فَقَالَ : وَكَيْفَ قِيلَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة } وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة خَيْر الْأُمَم الَّتِي مَضَتْ , وَإِنَّمَا يُقَال : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة , لِقَوْمٍ كَانُوا خِيَارًا فَتَغَيَّرُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَنْتُمْ خَيْر أُمَّة , كَمَا قِيلَ : { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل } [8 26 ]وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ } [7 86 ]فَإِدْخَال | كَانَ | فِي مِثْل هَذَا وَإِسْقَاطهَا بِمَعْنًى وَاحِد , لِأَنَّ الْكَلَام مَعْرُوف مَعْنَاهُ . وَلَوْ قَالَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ قَائِل : كُنْتُمْ بِمَعْنَى التَّمَام , كَانَ تَأْوِيله : خُلِقْتُمْ خَيْر أُمَّة , أَوْ وُجِدْتُمْ خَيْر أُمَّة , كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا , وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة عِنْد اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ اللَّذَانِ قُلْنَا , أَشْبَه بِمَعْنَى الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْل . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أَهْل طَرِيقَة , وَقَالَ : الْأُمَّة : الطَّرِيقَة .|وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ صَدَّقَ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ , وَآجِل آخِرَتهمْ . { مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , الْمُؤْمِنُونَ الْمُصَدِّقُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُمْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَأَخُوهُ , وَثَعْلَبَة بْن سُعَيَّة وَأَخُوهُ , وَأَشْبَاههمْ مِمَّنْ آمَنُوا بِاَللَّهِ , وَصَدَّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } يَعْنِي : الْخَارِجُونَ عَنْ دِينهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ دِين الْيَهُود اِتِّبَاع مَا فِي التَّوْرَاة , وَالتَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْ دِين النَّصَارَى اِتِّبَاع مَا فِي الْإِنْجِيل , وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِمَا فِي التَّوْرَاة , وَفِي كِلَا الْكِتَابَيْنِ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته , وَمَبْعَثه , وَأَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ , أَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى مُكَذِّبَة , فَذَلِكَ فِسْقهمْ وَخُرُوجهمْ عَنْ دِينهمْ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِهِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } . وَقَالَ قَتَادَة بِمَا : 6027 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } : ذَمَّ اللَّه أَكْثَر النَّاس .)

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَنْ يَضُرّكُمْ يَا أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , هَؤُلَاءِ الْفَاسِقُونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِكُفْرِهِمْ , وَتَكْذِيبهمْ نَبِيّكُمْ مُحَمَّدًا شَيْئًا إِلَّا أَذًى , يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ يُؤْذُونَكُمْ بِشِرْكِهِمْ , وَإِسْمَاعكُمْ كُفْرهمْ , وَقَوْلهمْ فِي عِيسَى وَأُمّه وَعُزَيْر , وَدُعَائِهِمْ إِيَّاكُمْ إِلَى الضَّلَالَة , وَلَا يَضُرُّونَكُمْ بِذَلِكَ , وَهَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع , الَّذِي هُوَ مُخَالِف مَعْنَى مَا قَبْله , كَمَا قِيلَ مَا اِشْتَكَى شَيْئًا إِلَّا خَيْرًا , وَهَذِهِ كَلِمَة مَحْكِيَّة عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6028 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يَقُول : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى تَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ . )6029 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } قَالَ : أَذًى تَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ . )6030 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } قَالَ : إِشْرَاكهمْ فِي عُزَيْر وَعِيسَى وَالصَّلِيب . )6031 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } . .. الْآيَة , قَالَ : تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ كَذِبًا عَلَى اللَّه , يَدْعُونَكُمْ إِلَى الضَّلَالَة .)|وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ يُقَاتِلكُمْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , يُهْزَمُوا عَنْكُمْ , فَيُوَلُّوكُمْ أَدْبَارهمْ اِنْهِزَامًا , فَقَوْله : { يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار } كِنَايَة عَنْ اِنْهِزَامهمْ , لِأَنَّ الْمُنْهَزِم يُحَوِّل ظَهْره إِلَى جِهَة الطَّالِب هَرَبًا إِلَى مَلْجَأ , وَمَوْئِل يَئِل إِلَيْهِ مِنْهُ , خَوْفًا عَلَى نَفْسه , وَالطَّالِب فِي أَثَره , فَدبر الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ يَكُون مُحَاذِي وَجْه الطَّالِب الْهَازِمَة . { ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } يَعْنِي : ثُمَّ لَا يَنْصُرهُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْكُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَإِيمَانكُمْ بِمَا آتَاكُمْ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى الرُّعْب فِي قُلُوب كَائِدكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِكُمْ . وَهَذَا وَعْد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل الْإِيمَان نَصْرهمْ عَلَى الْكَفَرَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْله : { ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } وَقَدْ جُزِمَ قَوْله : { يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار } عَلَى جَوَاب الْجَزَاء اِئْتِنَافًا لِلْكَلَامِ , لِأَنَّ رُءُوس الْآيَات قَبْلهَا بِالنُّونِ , فَأُلْحِقَ هَذِهِ بِهَا , كَمَا قَالَ : { وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [77 36 ]رَفْعًا , وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } [35 36 ]إِذْ لَمْ يَكُنْ رَأْس آيَة .

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة } أُلْزِمُوا الذِّلَّة , وَالذِّلَّة : الْفِعْلَة مِنْ الذُّلّ , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } يَعْنِي : حَيْثُمَا لَقُوا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُلْزِمَ الْيَهُود الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّلَّة أَيْنَمَا كَانُوا مِنْ الْأَرْض , وَبِأَيِّ مَكَان كَانُوا مِنْ بِقَاعِهَا مِنْ بِلَاد الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ , إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه , وَحَبْل مِنْ النَّاس كَمَا : 6032 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة } قَالَ : أَدْرَكَتْهُمْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَإِنَّ الْمَجُوس لَتَجْبِيهِمْ الْجِزْيَة . )6033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قُلْ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : أَذَلَّهُمْ اللَّه فَلَا مَنَعَة لَهُمْ وَجَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَقْدَام الْمُسْلِمِينَ . )وَأَمَّا الْحَبْل الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّهُ السَّبَب الَّذِي يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى أَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ مِنْ عَهْد وَأَمَان تَقَدَّمَ لَهُمْ عَقْده قَبْل أَنْ يُثْقَفُوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام . كَمَا : 6034 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : بِعَهْدٍ , { وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدِهِمْ . )6035 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 6036 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ عِكْرِمَة : يَقُول : ( { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . )6037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . )6038 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . )6039 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } فَهُوَ عَهْد مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس , كَمَا يَقُول الرَّجُل : ذِمَّة اللَّه , وَذِمَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ الْمِيثَاق . )6040 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : ( { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس لَهُمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ عَطَاء : الْعَهْد : حَبْل اللَّه . )6041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : إِلَّا بِعَهْدٍ وَهُمْ يَهُود , قَالَ : وَالْحَبْل : الْعَهْد . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل أَبِي الْهَيْثَم بْن التَّيْهَان لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَتَتْهُ الْأَنْصَار فِي الْعَقَبَة : أَيّهَا الرَّجُل إِنَّا قَاطِعُونَ فِيك حِبَالًا بَيْننَا وَبَيْن النَّاس , يَقُول : عُهُودًا . قَالَ : وَالْيَهُود لَا يَأْمَنُونَ فِي أَرْض مِنْ أَرْض اللَّه إِلَّا بِهَذَا الْحَبْل الَّذِي لِلَّهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَرَأَ : { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } [3 55 ]قَالَ : فَلَيْسَ بَلَد فِيهِ أَحَد مِنْ النَّصَارَى إِلَّا وَهُمْ فَوْق يَهُود فِي شَرْق وَلَا غَرْب هُمْ فِي الْبُلْدَان كُلّهَا مُسْتَذَلُّونَ , قَالَ اللَّه : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } [7 168 ]يَهُود . )6042 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . )* - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَلَبَ الْبَاء فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : الَّذِي جَلَبَ الْبَاء فِي قَوْله : { بِحَبْلٍ } فِعْل مُضْمَر قَدْ تُرِكَ ذِكْره . قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا , إِلَّا أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه , فَأَضْمَرَ ذَلِكَ . وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَة .......... وَفِي الْحَبْل رَوْعَاء الْفُؤَاد فَرُوق <br>وَقَالَ : أَرَادَ : أَقْبَلَتْ بِحَبْلَيْهَا . وَبِقَوْلِ الْآخَر : <br>حَنَتْنِي حَانِيَات الدَّهْر حَتَّى .......... كَأَنِّي خَاتِل أَحْنُو لِصَيْدِ <br>فَأَوْجَبَ إِعْمَال فِعْل مَحْذُوف وَإِظْهَار صِلَته وَهُوَ مَتْرُوك , وَذَلِكَ فِي مَذَاهِب الْعَرَبِيَّة ضَعِيف , وَمِنْ كَلَام الْعَرَب بَعِيد . وَأَمَّا مَا اِسْتَشْهَدَ بِهِ لِقَوْلِهِ مِنْ الْأَبْيَات , فَغَيْر دَالّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ , لِأَنَّ فِي قَوْل الشَّاعِر : | رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا | , دَلَالَة بَيِّنَة فِي أَنَّهَا رَأَتْهُ بِالْحَبْلِ مُمْسِكًا , فَفِي إِخْبَاره عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْهُ بِحَبْلَيْهَا إِخْبَار مِنْهُ أَنَّهَا رَأَتْهُ مُمْسِكًا بِالْحَبْلَيْنِ , فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْر الْإِمْسَاك , وَكَانَتْ الْبَاء صِلَة لِقَوْلِهِ : | رَأَتْنِي | , كَمَا فِي قَوْل الْقَائِل : أَنَا بِاَللَّهِ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ , وَمَعْرِفَة السَّامِع مَعْنَاهُ أَنْ تَكُون الْبَاء مُحْتَاجَة إِلَى كَلَام يَكُون لَهَا جَالِبًا غَيْر الَّذِي ظَهَرَ , وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَا بِاَللَّهِ مُسْتَعِين . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } اِسْتِثْنَاء خَارِج مِنْ أَوَّل الْكَلَام , قَالَ : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَشَدَّ مِنْ قَوْله : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا } [19 62 ]وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل . وَالْمَعْنَى : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا : أَيْ بِكُلِّ مَكَان , إِلَّا بِمَوْضِعِ حَبْل مِنْ اللَّه , كَمَا تَقُول : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة فِي الْأَمْكِنَة إِلَّا فِي هَذَا الْمَكَان , وَهَذَا أَيْضًا طَلَب الْحَقّ , فَأَخْطَأَ الْمُفَصِّل , وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل , وَلَوْ كَانَ مُتَّصِلًا كَمَا زَعَمَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْقَوْم إِذَا ثُقِفُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس غَيْر مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَة الْيَهُود لِأَنَّهُمْ أَيْنَمَا ثُقِفُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس , أَوْ بِغَيْرِ حَبْل مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَغَيْر حَبْل مِنْ النَّاس , فَالذِّلَّة مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَهْل التَّأْوِيل قَبْل . فَلَوْ كَانَ قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } اِسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْقَوْم إِذَا ثُقِفُوا بِعَهْدٍ وَذِمَّة , أَنْ لَا تَكُون الذِّلَّة مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ خِلَاف مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ صِفَتهمْ , وَخِلَاف مَا هُمْ بِهِ مِنْ الصِّفَة , فَقَدْ تَبَيَّنَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل هَذَا الْقَائِل أَيْضًا . وَلَكِنَّ الْقَوْل عِنْدنَا أَنَّ الْبَاء فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } أُدْخِلَتْ لِأَنَّ الْكَلَام الَّذِي قَبْل الِاسْتِثْنَاء مُقْتَضٍ فِي الْمَعْنَى الْبَاء , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلهمْ : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا } : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة بِكُلِّ مَكَان ثُقِفُوا , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } عَلَى غَيْر وَجْه الِاتِّصَال بِالْأَوَّلِ , وَلَكِنَّهُ عَلَى الِانْقِطَاع عَنْهُ , وَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ يُثْقَفُونَ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس , كَمَا قِيلَ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } [4 92 ]فَالْخَطَأ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا بِمَا عَمِلَ فِيمَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء , فَلَيْسَ قَوْله بِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِل بِالْأَوَّلِ بِمَعْنَى إِلَّا خَطَأ , فَإِنَّ لَهُ قَتْله كَذَلِكَ , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ : وَلَكِنْ قَدْ يَقْتُلهُ خَطَأ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَلَبَ الْبَاء الَّتِي بَعْد إِلَّا الْفِعْل الَّذِي يَقْتَضِيهَا قَبْل إِلَّا , فَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاء بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل بِاَلَّذِي قَبْله بِمَعْنَى أَنَّ الْقَوْم إِذَا لُقُوا , فَالذِّلَّة زَائِلَة عَنْهُمْ , بَلْ الذِّلَّة ثَابِتَة بِكُلِّ حَال , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مَا بَيَّنَّا آنِفًا .|وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } : وَتَحَمَّلُوا غَضَب اللَّه , فَانْصَرَفُوا بِهِ مُسْتَحِقِّيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْل ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ , وَمَعْنَى الْمَسْكَنَة , وَأَنَّهَا ذُلّ الْفَاقَة وَالْفَقْر وَخُشُوعهمَا , وَمَعْنَى الْغَضَب مِنْ اللَّه فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ : أَيْ بَوَّءُوهُمْ الَّذِي بَاءُوا بِهِ مِنْ غَضَب اللَّه , وَضَرَبَ الذِّلَّة عَلَيْهِمْ , بَدَل مِمَّا كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه , يَقُول : مِمَّا كَانُوا يَجْحَدُونَ أَعْلَام اللَّه وَأَدِلَّته عَلَى صِدْق أَنْبِيَائِهِ , وَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . { وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يَقُول : وَبِمَا كَانُوا يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُل اللَّه إِلَيْهِمْ , اِعْتِدَاء عَلَى اللَّه , وَجَرَاءَة عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ , وَبِغَيْرِ حَقّ اِسْتَحَقُّوا مِنْهُمْ الْقَتْل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : أُلْزِمُوا الذِّلَّة بِأَيِّ مَكَان لُقُوا , إِلَّا بِذِمَّةٍ مِنْ اللَّه وَذِمَّة مِنْ النَّاس , وَانْصَرَفُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه مُتَحَمِّلِيهِ , وَأُلْزِمُوا ذُلّ الْفَاقَة , وَخُشُوع الْفَقْر , بَدَلًا مِمَّا كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّه , وَأَدِلَّته وَحُجَجه , وَيَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُ بِغَيْرِ حَقّ ظُلْمًا وَاعْتِدَاء .|ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ , وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء , وَمَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ , وَاعْتِدَائِهِمْ أَمْر رَبّهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاعْتِدَاء فِي غَيْر مَوْضِع فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته . فَأَعْلَمَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده , مَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , مِنْ إِحْلَال الذِّلَّة وَالْخِزْي بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , مَعَ مَا اِدَّخَرَ لَهُمْ فِي الْأَجَل مِنْ الْعُقُوبَة وَالنَّكَال , وَأَلِيم الْعَذَاب , إِذْ تَعَدَّوْا حُدُود اللَّه , وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمه , تَذْكِيرًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ , وَتَنْبِيهًا عَلَى مَوْضِع الْبَلَاء الَّذِي مِنْ قِبَله أُتُوا لِيُنِيبُوا وَيَذَّكَّرُوا , وَعِظَة مِنْهُ لِأُمَّتِنَا , أَنْ لَا يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ , وَيَرْكَبُوا مِنْهَاجهمْ , فَيَسْلُك بِهِمْ مَسَالِكهمْ , وَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ نِقَم اللَّه وَمَثُلَاته مَا أَحَلَّ بِهِمْ . كَمَا : 6043 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } اِجْتَنِبُوا الْمَعْصِيَة وَالْعُدْوَان , فَإِنَّ بِهِمَا أُهْلِكَ مَنْ أُهْلِكَ قَبْلكُمْ مِنْ النَّاس)

لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَيْسُوا سَوَاء } لَيْسَ فَرِيقَا أَهْل الْكِتَاب , أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ وَالْكُفْر سَوَاء , يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ غَيْر مُتَسَاوِينَ , يَقُول : لَيْسُوا مُتَعَادِلِينَ , وَلَكِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الصَّلَاح وَالْفَسَاد وَالْخَيْر وَالشَّرّ . وَإِنَّمَا قِيلَ : لَيْسُوا سَوَاء , لِأَنَّ فِيهِ ذِكْر الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي قَوْله : { وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } [3 110 ]ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَال الْفَرِيقَيْنِ عِنْده , الْمُؤْمِنَة مِنْهُمَا وَالْكَافِرَة , فَقَالَ : { لَيْسُوا سَوَاء } : أَيْ لَيْسَ هَؤُلَاءِ سَوَاء , الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ وَالْكَافِرُونَ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ صِفَة الْفِرْقَة الْمُؤْمِنَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَمَدَحَهُمْ , وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بَعْد مَا وَصَفَ الْفِرْقَة الْفَاسِقَة مِنْهُمْ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ مِنْ الْهَلَع وَنَخْب الْجَنَان , وَمُحَالَفَة الذُّلّ وَالصَّغَار , وَمُلَازَمَة الْفَاقَة وَالْمَسْكَنَة , وَتَحَمُّل خِزْي الدُّنْيَا وَفَضِيحَة الْآخِرَة , فَقَالَ : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه أَنَاءَ اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } . .. الْآيَات الثَّلَاث , إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } فَقَوْله : | أُمَّة قَائِمَة | مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : | مِنْ أَهْل الْكِتَاب | . وَقَدْ تَوَهَّمَ جَمَاعَة مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَالْمُقَدَّمِينَ مِنْهُمْ فِي صِنَاعَتهمْ , أَنَّ مَا بَعْد سَوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ قَوْله : { أُمَّة قَائِمَة } تَرْجَمَة عَنْ سَوَاء , وَتَفْسِير عَنْهُ بِمَعْنَى : لَا يَسْتَوِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل , وَأُخْرَى كَافِرَة , وَزَعَمُوا أَنَّ ذِكْر الْفِرْقَة الْأُخْرَى تُرِكَ اِكْتِفَاء بِذِكْرِ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ , وَهِيَ الْأُمَّة الْقَائِمَة , وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ أَبِي ذُئَيْب : <br>عَصَيْت إِلَيْهَا الْقَلْب إِنِّي لِأَمْرِهَا .......... سَمِيع فَمَا أَدْرِي أَرُشْد طِلَابهَا <br>وَلَمْ يَقُلْ : | أَمْ غَيْر رُشْد | اِكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : | أَرُشْد | مِنْ ذِكْر | أَمْ غَيْر رُشْد | . وَبِقَوْلِ الْآخَر : <br>أَزَال فَلَا أَدْرِي أَهَمّ هَمَمْته .......... وَذُو الْهَمّ قِدْمًا خَاشِع مُتَضَائِل <br>وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدهمْ خَطَأ قَوْل الْقَائِل الْمَرِيد أَنْ يَقُول : سَوَاء أَقَمْت أَمْ قَعَدْت , سَوَاء أَقُمْت حَتَّى يَقُول أَمْ قَعَدْت , وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ حَذْف الثَّانِي فِيمَا كَانَ مِنْ الْكَلَام مُكْتَفِيًا بِوَاحِدٍ دُون مَا كَانَ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ , وَذَلِكَ نَحْو مَا أُبَالِي أَوْ مَا أَدْرِي , فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ مَا أُبَالِي أَقُمْت , وَهُمْ يُرِيدُونَ : مَا أُبَالِي أَقُمْت أَمْ قَعَدْت , لِاكْتِفَاءِ مَا أُبَالِي بِوَاحِدٍ , وَكَذَلِكَ فِي مَا أَدْرِي , وَأَبَوْا الْإِجَازَة فِي سَوَاء مِنْ أَجْل نُقْصَانه , وَأَنَّهُ غَيْر مُكْتَفٍ بِوَاحِدٍ , فَأَغْفَلُوا فِي تَوْجِيههمْ قَوْله : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ إِلَى مَا وَجَّهُوهُ إِلَيْهِ مَذَاهِبهمْ فِي الْعَرَبِيَّة , إِذْ أَجَازُوا فِيهِ مِنْ الْحَذْف مَا هُوَ غَيْر جَائِز عِنْدهمْ فِي الْكَلَام مَعَ سَوَاء , وَأَخْطَئُوا تَأْوِيل الْآيَة , فَسَوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى التَّمَام وَالِاكْتِفَاء , لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَات الثَّلَاث , نَزَلَتْ فِي جَمَاعَة مِنْ الْيَهُود أَسْلَمُوا , فَحَسُنَ إِسْلَامهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6044 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا أَسْلَمَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَثَعْلَبَة بْن سَعْيَة , وَأَسِيد بْن سُعَيَّة , وَأَسَد بْن عُبَيْد , وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُود مَعَهُمْ , فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَام وَمَنَحُوا فِيهِ , قَالَتْ : أَحْبَار يَهُود وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ : مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ وَلَا تَبِعَهُ إِلَّا أَشْرَارنَا , وَلَوْ كَانُوا مِنْ خِيَارنَا مَا تَرَكُوا دِين آبَائِهِمْ , وَذَهَبُوا إِلَى غَيْره , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمًا يَتْلُونَ آيَات اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَأُولَئِكَ مِنْ الصَّالِحِينَ } )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . 6045 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ كُلّ الْقَوْم هُلَّك , قَدْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ بَقِيَّة . )6046 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : ( { أُمَّة قَائِمَة } : عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَثَعْلَبَة بْن سَلَام أَخُوهُ , وَسُعَيَّة وَمُبَشِّر , وَأَسِيد وَأَسَد اِبْنَا كَعْب . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ أَهْل الْكِتَاب وَأُمَّة مُحَمَّد الْقَائِمَة بِحَقِّ اللَّه سَوَاء عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الْحَسَن بْن يَزِيد الْعِجْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : ( { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَمَّة قَائِمَة } قَالَ : لَا يَسْتَوِي أَهْل الْكِتَاب , وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6048 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَمِثْلِ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي هِيَ قَائِمَة . )وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : قَدْ تَمَّتْ الْقِصَّة عِنْد قَوْله : { لَيْسُوا سَوَاء } عَنْ إِخْبَار اللَّه يَأْمُر مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب , وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ , وَأَنَّ قَوْله : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ مَدْح مُؤْمِنِيهِمْ , وَوَصْفهمْ بِصِفَتِهِمْ , عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَابْن جُرَيْج . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُمَّة قَائِمَة } : جَمَاعَة ثَابِتَة عَلَى الْحَقّ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْأُمَّة فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا الْقَائِمَة , فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهَا : الْعَادِلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6049 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أُمَّة قَائِمَة } مَنْ قَالَ : عَادِلَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَمَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6050 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { أُمَّة قَائِمَة } يَقُول : قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَفَرَائِضه وَحُدُوده . )6051 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { أُمَّة قَائِمَة } يَقُول . قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَحُدُوده وَفَرَائِضه . )6052 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } يَقُول : أُمَّة مُهْتَدِيَة قَائِمَة عَلَى أَمْر اللَّه , لَمْ تَنْزِع عَنْهُ وَتَتْرُكهُ كَمَا تَرَكَهُ الْآخَرُونَ وَضَيَّعُوهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ . بَلْ مَعْنَى قَائِمَة : مُطِيعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6053 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { أُمَّة قَائِمَة } الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود , كَمِثْلِ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي هِيَ قَانِتَة لِلَّهِ وَالْقَانِتَة . الْمُطِيعَة . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُمْ , وَإِنْ كَانَ سَائِر الْأَقْوَال الْأُخَر مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة فِي ذَلِكَ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { قَائِمَة } مُسْتَقِيمَة عَلَى الْهُدَى , وَكِتَاب اللَّه وَفَرَائِضه , وَشَرَائِع دِينه , بِالْعَدْلِ وَالطَّاعَة , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب الْخَيْر مِنْ صِفَة أَهْل الِاسْتِقَامَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَنَظِير ذَلِكَ الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ النُّعْمَان بْن بَشِير , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | مَثَل الْقَائِم عَلَى حُدُود اللَّه وَالْوَاقِع فِيهَا , كَمَثَلِ قَوْم رَكِبُوا سَفِينَة , ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا | فَالْقَائِم عَلَى حُدُود اللَّه هُوَ الثَّابِت عَلَى التَّمَسُّك بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : مِنْ أَهْل الْكِتَاب جَمَاعَة مُعْتَصِمَة بِكِتَابِ اللَّه , مُتَمَسِّكَة بِهِ , ثَابِتَة عَلَى الْعَمَل بِمَا فِيهِ , وَمَا سَنَّ لَهُ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .|يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه } : يَقْرَءُونَ كِتَاب اللَّه آنَاء اللَّيْل , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { آيَات اللَّه } : مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابه مِنْ الْعِبَر وَالْمَوَاعِظ , يَقُول : يَتْلُونَ ذَلِكَ آنَاء اللَّيْل , يَقُول : فِي سَاعَات اللَّيْل , فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهِ . وَأَمَّا { آنَاء اللَّيْل } : فَسَاعَات اللَّيْل , وَاحِدهَا : إِنْي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>حُلْو وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْح مِرَّته .......... فِي كُلّ إنْي قُضَاة اللَّيْل يَنْتَعِل <br>وَقَدْ قِيلَ إِنَّ وَاحِد الْآنَاء : إِنًى مَقْصُور , كَمَا وَاحِد الْأَمْعَاء : مِعًى . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : سَاعَات اللَّيْل , كَمَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6054 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } : أَيْ سَاعَات اللَّيْل . )6055 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ( { آنَاء اللَّيْل } : سَاعَات اللَّيْل . )6056 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : (سَمِعْنَا الْعَرَب تَقُول : { آنَاء اللَّيْل } : سَاعَات اللَّيْل . )وَقَالَ آخَرُونَ { أَنَاءَ اللَّيْل } : جَوْف اللَّيْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } أَمَّا آنَاء اللَّيْل : فَجَوْف اللَّيْل . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاء الْأَخِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6058 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الْحَسَن بْن يَزِيد الْعِجْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْله : ( { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } : صَلَاة الْعَتَمَة , هُمْ يُصَلُّونَهَا , وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَا يُصَلِّيهَا . )6059 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن أَيُّوب , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (اِحْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة كَانَ عِنْد بَعْض أَهْله وَنِسَائِهِ , فَلَمْ يَأْتِنَا لِصَلَاةِ الْعِشَاء حَتَّى ذَهَبَ لَيْل , فَجَاءَ وَمِنَّا الْمُصَلِّي وَمِنَّا الْمُضْطَجِع , فَبَشَّرَنَا وَقَالَ : | إِنَّهُ لَا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب | , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } )6060 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ نَصْر بْن طَرِيف , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَنْتَظِر الْعِشَاء - يُرِيد الْعَتَمَة - فَقَالَ لَنَا : | مَا عَلَى الْأَرْض أَحَد مِنْ أَهْل الْأَدْيَان يَنْتَظِر هَذِهِ الصَّلَاة فِي هَذَا الْوَقْت غَيْركُمْ | قَالَ : فَنَزَلَتْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6061 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . )وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْتهَا عَلَى اِخْتِلَافهَا مُتَقَارِبَة الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , بِأَنَّهُمْ يَتْلُونَ آيَات اللَّه فِي سَاعَات اللَّيْل , وَهِيَ آنَاؤُهُ , وَقَدْ يَكُون تَالِيهَا فِي صَلَاة الْعِشَاء تَالِيًا لَهَا آنَاء اللَّيْل , وَكَذَلِكَ مَنْ تَلَاهَا فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء , وَمَنْ تَلَاهَا جَوْف اللَّيْل , فَكُلّ تَالٍ لَهُ سَاعَات اللَّيْل . غَيْر أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : تِلَاوَة الْقُرْآن فِي صَلَاة الْعِشَاء , لِأَنَّهَا صَلَاة لَا يُصَلِّيهَا أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَوَصَفَ اللَّه أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا دُون أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } فَإِنَّ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى السُّجُود فِي هَذَا الْمَوْضِع اِسْم الصَّلَاة لَا السُّجُود , لِأَنَّ التِّلَاوَة لَا تَكُون فِي السُّجُود وَلَا فِي الرُّكُوع , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يُصَلُّونَ , وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة , يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل فِي صَلَاتهمْ , وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُونَ فِيهَا , فَالسُّجُود هُوَ السُّجُود الْمَعْرُوف فِي الصَّلَاة .

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } : يُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ , وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه مُجَازِيهمْ بِأَعْمَالِهِمْ ; وَلَيْسُوا كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره , وَيُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَيُنْكِرُونَ الْمُجَازَاة عَلَى الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب .|وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ|وَقَوْله : { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } يَقُول : يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ .|وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ| { وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } يَقُول : وَيَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب مُحَمَّد , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه : يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْكُفْرِ , وَتَكْذِيب مُحَمَّد فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ , وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمَعْرُوف مِنْ الْأَعْمَال , وَهُوَ تَصْدِيق مُحَمَّد فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه .|وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ| { وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات } يَقُول : وَيَبْتَدِرُونَ فِعْل الْخَيْرَات خَشْيَة أَنْ يَفُوتهُمْ ذَلِكَ قَبْل مُعَاجَلَتهمْ مَنَايَاهُمْ . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب هُمْ مِنْ عِدَاد الصَّالِحِينَ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَاسِقًا قَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه , لِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَآيَاته , وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ , وَعِصْيَانه رَبّه , وَاعْتِدَائِهِ فِي حُدُوده .

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } </subtitle>اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } جَمِيعًا , رَدًّا عَلَى صِفَة الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة بِالتَّاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا : | وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ تُكْفَرُوهُ | بِمَعْنَى : وَمَا تَفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ خَيْر فَلَنْ يَكْفُرَكُمُوهُ رَبّكُمْ . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة يَرَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي الْحَرْفَيْنِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } بِالْيَاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا , يَعْنِي بِذَلِكَ الْخَبَر عَنْ الْأُمَّة الْقَائِمَة , التَّالِيَة آيَات اللَّه . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّ مَا قَبْل هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْآيَات خَبَر عَنْهُمْ , فَإِلْحَاق هَذِهِ الْآيَة إِذْ كَانَ لَا دَلَالَة فِيهَا تَدُلّ عَلَى الِانْصِرَاف عَنْ صِفَتهمْ بِمَعَانِي الْآيَات قَبْلهَا أَوْلَى مِنْ صَرْفهَا عَنْ مَعَانِي مَا قَبْلهَا . وَبِاَلَّذِي اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ . 6062 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , قَالَ : (بَلَغَنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا جَمِيعًا بِالْيَاءِ . )فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا عَلَى مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة : وَمَا تَفْعَل هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ خَيْر , وَتَعْمَل مِنْ عَمَل لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَلَنْ يَكْفُرهُمْ اللَّه ذَلِكَ ; يَعْنِي بِذَلِكَ : فَلَنْ يُبْطِل اللَّه ثَوَاب عَمَلهمْ ذَلِكَ , وَلَا يَدَعهُمْ بِغَيْرِ جَزَاء مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يُجْزِل لَهُمْ الثَّوَاب عَلَيْهِ , وَيُسْنِي لَهُمْ الْكَرَامَة وَالْجَزَاء . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْكُفْر فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ , وَأَنَّ أَصْله تَغْطِيَة الشَّيْء فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } : فَلَنْ يُغَطِّي عَلَى مَا فَعَلُوا مِنْ خَيْر , فَيُتْرَكُوا بِغَيْرِ مُجَازَاة , وَلَكِنَّهُمْ يُشْكَرُونَ عَلَى مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ , فَيُجْزَل لَهُمْ الثَّوَاب فِيهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل تَأَوَّلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6063 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ تُكْفَرُوهُ | يَقُول : لَنْ يَضِلّ عَنْكُمْ . )6064 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِمِثْلِهِ .|وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , وَحَافِظ أَعْمَالَهُمْ الصَّالِحَة حَتَّى يُثِيبهُمْ عَلَيْهَا , وَيُجَازِيهِمْ بِهَا تَبْشِيرًا مِنْهُ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى التَّمَسُّك بِاَلَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَالِح الْأَخْلَاق الَّتِي اِرْتَضَاهَا لَهُمْ .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا } </subtitle>وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْأُمَّةِ الْأُخْرَى الْفَاسِقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب , الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ وَأَنَّهُمْ قَدْ بَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْهُ , وَلِمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه . بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَّبُوا بِهِ , وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه ; { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَعْنِي : لَنْ تَدْفَع أَمْوَاله الَّتِي جَمَعَهَا فِي الدُّنْيَا وَأَوْلَاده الَّذِينَ رَبَّاهُمْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ عُقُوبَة اللَّه يَوْم الْقِيَامَة إِنْ أَخَّرَهَا لَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَلَا فِي الدُّنْيَا إِنْ عَجَّلَهَا لَهُمْ فِيهَا . وَإِنَّمَا خَصَّ أَوْلَاده وَأَمْوَاله , لِأَنَّ أَوْلَاد الرَّجُل أَقْرَب أَنْسِبَائِهِ إِلَيْهِ , وَهُوَ عَلَى مَاله أَقْرَب مِنْهُ عَلَى مَال غَيْره , وَأَمْره فِيهِ أَجْوَز مِنْ أَمْره فِي مَال غَيْره , فَإِذَا لَمْ يُغْنِ عَنْهُ وَلَده لِصُلْبِهِ وَمَاله الَّذِي هُوَ نَافِذ الْأَمْر فِيهِ , فَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَسَائِر أَنْسِبَائِهِ وَأَمْوَالهمْ أَبْعَد مِنْ أَنْ تُغْنِي عَنْهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا .|وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ|ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا بِقَوْلِهِ : { وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار } ; وَإِنَّمَا هُمْ أَصْحَابهَا , لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُفَارِقُونَهَا , كَصَاحِبِ الرَّجُل الَّذِي لَا يُفَارِقهُ وَقَرِينه الَّذِي لَا يُزَايِلهُ . ثُمَّ وَكَّدَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , صُحْبَتهمْ إِيَّاهَا صُحْبَة لَا اِنْقِطَاع لَهَا , إِذْ كَانَ مِنْ الْأَشْيَاء مَا يُفَارِق صَاحِبه فِي بَعْض الْأَحْوَال وَيُزَايِلهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات , وَلَيْسَ كَذَلِكَ صُحْبَة الَّذِينَ كَفَرُوا النَّار الَّتِي أُصْلُوهَا , وَلَكِنَّهَا صُحْبَة دَائِمَة لَا نِهَايَة لَهَا وَلَا اِنْقِطَاع , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْهَا وَمِمَّا قَرَّبَ مِنْهَا مِنْ قَوْل وَعَمَل .

مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْث قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : شَبَه مَا يُنْفِق الَّذِينَ كَفَرُوا : أَيْ شَبَه مَا يَتَصَدَّق بِهِ الْكَافِر مِنْ مَاله , فَيُعْطِيه مَنْ يُعْطِيه عَلَى وَجْه الْقُرْبَة إِلَى رَبّه , وَهُوَ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه جَاحِد وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّب فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْر نَافِع مَعَ كُفْره , وَأَنَّهُ مُضْمَحِلّ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ ذَاهِب بَعْد الَّذِي كَانَ يَرْجُوَا مِنْ عَائِدَة نَفْعه عَلَيْهِ , كَشَبَهِ رِيح فِيهَا بَرْد شَدِيد { أَصَابَتْ } هَذِهِ الرِّيح الَّتِي فِيهَا الْبَرْد الشَّدِيد { حَرْث قَوْم } يَعْنِي زَرْع قَوْم , قَدْ أَمَّلُوا إِدْرَاكه , وَرَجَوْا رِيعه وَعَائِدَة نَفْعه , { ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } يَعْنِي أَصْحَاب الزَّرْع , عَصَوْا اللَّه , وَتَعَدَّوْا حُدُوده { فَأَهْلَكَتْهُ } يَعْنِي فَأَهْلَكَتْ الرِّيح الَّتِي فِيهَا الصِّرّ زَرْعهمْ ذَلِكَ , بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَمَل , وَرَجَاء عَائِدَة نَفْعه عَلَيْهِمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَذَلِكَ فَعَلَ اللَّه بِنَفَقَةِ الْكَافِر وَصَدَقَته فِي حَيَاته حِين يَلْقَاهُ يُبْطِل ثَوَابهَا , وَيَقُول رَجَاءَهُ مِنْهَا . وَخَرَجَ الْمَثَل لِلنَّفَقَةِ , وَالْمُرَاد بِالْمَثَلِ : صَنِيع اللَّه بِالنَّفَقَةِ , فَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْله : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } فَهُوَ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي مِثْله مِنْ قَوْله : { مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا } [2 17 ]وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : مَثَل إِبْطَال اللَّه أَجْر مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , كَمَثَلِ رِيح صِرّ . وَإِنَّمَا جَازَ تَرْك ذِكْر إِبْطَال اللَّه أَجْر ذَلِكَ لِدَلَالَةِ آخِر الْكَلَام عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْله : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } وَلِمَعْرِفَةِ السَّامِع ذَلِكَ مَعْنَاهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّفَقَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ النَّفَقَة الْمَعْرُوفَة فِي النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6065 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : نَفَقَة الْكَافِر فِي الدُّنْيَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْله الَّذِي يَقُولهُ بِلِسَانِهِ مِمَّا لَا يُصَدِّقهُ بِقَلْبِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6066 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْث قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَهْلَكَتْهُ } يَقُول : مَثَل مَا يَقُول فَلَا يُقْبَل مِنْهُ كَمَثَلِ هَذَا الزَّرْع إِذَا زَرَعَهُ الْقَوْم الظَّالِمُونَ , فَأَصَابَهُ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَته فَأَهْلَكَتْهُ . فَكَذَلِكَ أَنْفَقُوا فَأَهْلَكَهُمْ شِرْكهمْ . )وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْل . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا تَأْوِيل الْحَيَاة الدُّنْيَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا الصِّرّ , فَإِنَّهُ شِدَّة الْبَرْد , وَذَلِكَ بِعُصُوفٍ مِنْ الشَّمَال فِي إِعْصَار الطَّلّ وَالْأَنْدَاء فِي صَبِيحَة مُعْتِمَة بِعَقِبِ لَيْلَة مُصْحِيَة . كَمَا : 6067 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : ( { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : بَرْد شَدِيد . )6068 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : بَرْد شَدِيد وَزَمْهَرِير . )6069 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { رِيح فِيهَا صِرّ } يَقُول : بَرْد . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (الصِّرّ : الْبَرْد . )6070 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } : أَيْ بَرْد شَدِيد . )6071 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 6072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ (فِي الصِّرّ : الْبَرْد الشَّدِيد . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } يَقُول : رِيح فِيهَا بَرْد . )6073 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : صِرّ بَارِدَة أَهْلَكَتْ حَرْثهمْ . قَالَ : وَالْعَرَب تَدْعُوهَا الضَّرِيب : تَأْتِي الرِّيح بَارِدَة فَتُصْبِح ضَرِيبًا قَدْ أَحْرَقَ الزَّرْع , تَقُول : | قَدْ ضُرِبَ اللَّيْلَة | أَصَابَهُ ضَرِيب تِلْكَ الصِّرّ الَّتِي أَصَابَتْهُ . )6074 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : رِيح فِيهَا بَرْد . )يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا فَعَلَ اللَّه بِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار مَا فَعَلَ بِهِمْ , مِنْ إِحْبَاطه ثَوَاب أَعْمَالهمْ , وَإِبْطَاله أُجُورهَا ظُلْمًا مِنْهُ لَهُمْ , يَعْنِي : وَضْعًا مِنْهُ لِمَا فَعَلَ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه وَعِنْد غَيْر أَهْله , بَلْ وَضَعَ فِعْله ذَلِكَ فِي مَوْضِعه , وَفَعَلَ بِهِمْ مَا هُمْ أَهْله , لِأَنَّ عَمَلهمْ الَّذِي عَمِلُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ , وَهُمْ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ دَائِنُونَ وَلِأَمْرِهِ مُتَّبِعُونَ , وَلِرُسُلِهِ مُصَدِّقُونَ . بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَهُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ , وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفُونَ , وَلِرُسُلِهِ مُكَذِّبُونَ , بَعْد تَقَدُّم مِنْهُ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا مِنْ عَامِل إِلَّا مَعَ إِخْلَاص التَّوْحِيد لَهُ , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ , وَتَصْدِيق مَا جَاءُوهُمْ بِهِ , وَتَوْكِيده الْحُجَج بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ . فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ مَا فَعَلَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْره فِي ذَلِكَ بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِ مِنْ إِحْبَاط وَافِر عَمَله لَهُ ظَالِمًا , بَلْ الْكَافِر هُوَ الظَّالِم نَفْسه لِإِكْسَابِهَا مِنْ مَعْصِيَة اللَّه وَخِلَاف أَمْره مَا أَوْرَدَهَا بِهِ نَار جَهَنَّم وَأَصْلَاهَا بِهِ سَعِير سَقَر .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِل

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } يَقُول : لَا تَتَّخِذُوا أَوْلِيَاء وَأَصْدِقَاء لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ دُونكُمْ , يَقُول : مِنْ دُون أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ , يَعْنِي مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا جَعَلَ الْبِطَانَة مَثَلًا لِخَلِيلِ الرَّجُل فَشَبَّهَهُ بِمَا وَلِيَ بَطْنه مِنْ ثِيَابه لِحُلُولِهِ مِنْهُ فِي اِطِّلَاعه عَلَى أَسْرَاره , وَمَا يَطْوِيه عَنْ أَبَاعِده وَكَثِير مِنْ أَقَارِبه , مَحَلّ مَا وَلِيَ جَسَده مِنْ ثِيَابه , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ الْكُفَّار بِهِ أَخِلَّاء وَأَصْفِيَاء ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُمْ مُنْطَوُونَ مِنْ الْغِشّ وَالْخِيَانَة , وَبَغْيهمْ إِيَّاهُمْ الْغَوَائِل , فَحَذَّرَهُمْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ عَنْ مُخَالَّتهمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } يَعْنِي لَا يَسْتَطِيعُونَ شَرًّا , مِنْ أَلَوْت أَلْوًا , يُقَال : مَا أَلَا فُلَان كَذَا , أَيْ مَا اِسْتَطَاعَ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>جَهْرَاء لَا تَأْلُو إِذَا هِيَ أَظْهَرَتْ .......... بَصَرًا وَلَا مِنْ عَيْلَة تُغْنِينِي <br>يَعْنِي لَا تَسْتَطِيع عِنْد الظُّهْر إِبْصَارًا . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } الْبِطَانَة الَّتِي نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ اِتِّخَاذهَا مِنْ دُونهمْ , فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْبِطَانَة لَا تَتْرُككُمْ طَاقَتهَا خَبَالًا : أَيْ لَا تَدَع جَهْدهَا فِيمَا أَوْرَثَكُمْ الْخَبَال . وَأَصْل الْخَبَال وَالْخَبَال : الْفَسَاد , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي مَعَادِن كَثِيرَة يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أُصِيبَ بِخَبَلٍ - أَوْ جِرَاح . )وَأَمَّا قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَدُّوا عَنَتكُمْ , يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ لَكُمْ الْعَنَت وَالشَّرّ فِي دِينكُمْ وَمَا يَسُوءكُمْ وَلَا يَسُرّكُمْ . ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل النِّفَاق مِنْهُمْ , وَيُصَادِفُونَهُمْ الْمَوَدَّة بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ فِي جَاهِلِيَّتهمْ قَبْل الْإِسْلَام , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَسْتَنْصِحُوهُمْ فِي شَيْء مِنْ أُمُورهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6075 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُود لِمَا كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْجِوَار وَالْحِلْف فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ تَخَوُّفَ الْفِتْنَة عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } إِلَى قَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } )6076 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } فِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَوَلَّوْهُمْ . )6077 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَدْخِلُوا الْمُنَافِقِينَ أَوْ يُؤَاخُوهُمْ , أَيْ يَتَوَلَّوْهُمْ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . )6078 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } هُمْ الْمُنَافِقُونَ . )6079 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار . قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } يَقُول : لَا تَسْتَدْخِلُوا الْمُنَافِقِينَ , تَتَوَلَّوْهُمْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . )6080 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ الْأَزْهَر بْن رَاشِد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْل الشِّرْك , وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ عَرَبِيًّا | )قَالَ : فَلَمْ نَدْرِ مَا ذَلِكَ حَتَّى أَتَوْا الْحَسَن فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ : نَعَمْ , أَمَّا قَوْله : | لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ عَرَبِيًّا | , فَإِنَّهُ يَقُول : لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ | مُحَمَّد | ; وَأَمَّا قَوْله : | وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْل الشِّرْك | , فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ , يَقُول : لَا تَسْتَشِيرُوهُمْ فِي شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ . قَالَ : قَالَ الْحَسَن : وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . )6081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } أَمَّا الْبِطَانَة : فَهُمْ الْمُنَافِقُونَ . )6082 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : لَا يَسْتَدْخِل الْمُؤْمِن الْمُنَافِق دُون أَخِيهِ . )6083 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , وَقَرَأَ قَوْله : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } . .. الْآيَة . )وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهُ : وَدُّوا مَا ضَلَلْتُمْ عَنْ دِينكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ . : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } يَقُول : مَا ضَلَلْتُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 6085 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } يَقُول فِي دِينكُمْ , يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ أَنْ تَعْنَتُوا فِي دِينكُمْ . )فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَجَاءَ بِالْخَبَرِ عَنْ الْبِطَانَة بِلَفْظِ الْمَاضِي فِي مَحَلّ الْحَال وَالْقَطْع بَعْد تَمَام الْخَبَر , وَالْحَالَات الَّتِي لَا تَكُون إِلَّا بِصُوَرِ الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال الْمُسْتَقْبَلَة دُون الْمَاضِيَة مِنْهَا ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ظَنَنْت مِنْ أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } حَال مِنْ الْبِطَانَة , وَإِنَّمَا هُوَ خَبَر عَنْهُمْ ثَانٍ , مُنْقَطِع عَنْ الْأَوَّل غَيْر مُتَّصِل بِهِ . وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة صِفَتهمْ كَذَا صِفَتهمْ كَذَا . فَالْخَبَر عَنْ الصِّفَة الثَّانِيَة غَيْر مُتَّصِل بِالصِّفَةِ الْأُولَى , وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ صِفَة شَخْص وَاحِد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } مِنْ صِلَة الْبِطَانَة , وَقَدْ وُصِلَتْ بِقَوْلِهِ : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } فَلَا وَجْه لِصِلَةٍ أُخْرَى بَعْد تَمَام الْبِطَانَة بِصِلَتِهِ , وَلَكِنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ الْبِطَانَة غَيْر الْخَبَر الْأَوَّل , وَغَيْر حَال مِنْ الْبِطَانَة وَلَا قُطِعَ مِنْهَا .|عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ بَدَتْ بَغْضَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ , يَعْنِي بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَاَلَّذِي بَدَا لَهُمْ مِنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ إِقَامَتهمْ عَلَى كُفْرهمْ , وَعَدَاوَتهمْ مَنْ خَالَفَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الضَّلَالَة , فَذَلِكَ مِنْ أَوْكَد الْأَسْبَاب مِنْ مُعَادَاتهمْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ ذَلِكَ عَدَاوَة عَلَى الدِّين , وَالْعَدَاوَة عَلَى الدِّين , الْعَدَاوَة الَّتِي لَا زَوَال لَهَا إِلَّا بِانْتِقَالِ أَحَد الْمُتَعَادِيَيْنِ إِلَى مِلَّة الْآخَر مِنْهُمَا , وَذَلِكَ اِنْتِقَال مِنْ هُدًى إِلَّا ضَلَالَة كَانَتْ عِنْد الْمُنْتَقِل إِلَيْهَا ضَلَالَة قَبْل ذَلِكَ , فَكَانَ فِي إِبْدَائِهِمْ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُقَامهمْ عَلَيْهِ أَبْيَن الدَّلَالَة لِأَهْلِ الْإِيمَان عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَغْضَاء وَالْعَدَاوَة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } قَدْ بَدَتْ بَغْضَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الْكُفْر بِإِطْلَاعِ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ . وَزَعَمَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة : أَهْل النِّفَاق , دُون مَنْ كَانَ مُصَرِّحًا بِالْكُفْرِ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 6086 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } يَقُول : قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاه الْمُنَافِقِينَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكُفَّار , مِنْ غِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله وَبُغْضهمْ إِيَّاهُمْ . )6087 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } يَقُول : مِنْ أَفْوَاه الْمُنَافِقِينَ . )وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَة قَوْل لَا مَعْنًى لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا بِطَانَة مِمَّنْ قَدْ عُرِفُوهُ بِالْغِشِّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله , وَالْبَغْضَاء إِمَّا بِأَدِلَّةِ ظَاهِرَة دَالَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَتهمْ , وَإِمَّا بِإِظْهَارِ الْمَوْصُوفِينَ بِذَلِكَ الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن وَالْمُنَاصَبَة لَهُمْ . فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتُوهُ مَعْرِفَة أَنَّهُ الَّذِي نَهَاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُخَالَّته وَمُبَاطَنَتِهِ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُونُوا نَهَوْا عَنْ مُخَالَّته وَمُصَادَقَته إِلَّا بَعْد تَعْرِيفهمْ إِيَّاهُمْ , إِمَّا بِأَعْيَانِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ , وَإِمَّا بِصِفَاتٍ قَدْ عَرَفُوهُمْ بِهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ إِبْدَاء الْمُنَافِقِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ بَغْضَاء الْمُؤْمِنِينَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكُفَّار , غَيْر مُدْرِك بِهِ الْمُؤْمِنُونَ مَعْرِفَة مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُمْ مَعَ إِظْهَارهمْ الْإِيمَان بِأَلْسِنَتِهِمْ لَهُمْ وَالتَّوَدُّد إِلَيْهِمْ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنُونَ عَنْ اِتِّخَاذهمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِطَانَة دُونهمْ , هُمْ الَّذِينَ قَدْ ظَهَرَتْ لَهُمْ بَغْضَاؤُهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَى مَا وَصَفَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ , فَعَرَفَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ بِالصِّفَةِ الَّتِي نَعَتَهُمْ اللَّه بِهَا , وَأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ ذِمَّة وَعَهْد مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ أَهْل الْكِتَاب , لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا الْمُنَافِقِينَ لَكَانَ الْأَمْر فِيهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا , وَلَوْ كَانُوا الْكُفَّار مِمَّنْ قَدْ نَاصَبَ الْمُؤْمِنِينَ الْحَرْب , لَمْ يَكُنْ الْمُؤْمِنُونَ مُتَّخِذِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ مَعَ اِخْتِلَاف بِلَادهمْ وَافْتِرَاق أَمْصَارهمْ , وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن أَظْهُر الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّنْ كَانَ لَهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد وَعَقْد مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل . وَالْبَغْضَاء : مَصْدَر , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : | قَدْ بَدَا الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ | , عَلَى وَجْه التَّذْكِير , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ وَلَفْظه لَفْظ الْمُؤَنَّث , لِأَنَّ الْمَصَادِر تَأْنِيثهَا لَيْسَ بِالتَّأْنِيثِ اللَّازِم , فَيَجُوز تَذْكِير مَا خَرَجَ مِنْهَا عَلَى لَفْظ الْمُؤَنَّث وَتَأْنِيثه , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة } [11 67 ]وَكَمَا قَالَ : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ } [6 157 ]وَفِي مَوْضِع آخَر : { وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة } [11 94 ] { وَجَاءَتْكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ } [7 73 , 85 ]وَقَالَ : { مِنْ أَفْوَاههمْ } وَإِنَّمَا بَدَا مَا بَدَا مِنْ الْبَغْضَاء بِأَلْسِنَتِهِمْ , لِأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ الْكَلَام الَّذِي ظَهَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مِنْ أَفْوَاههمْ , فَقَالَ : قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ .|أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَلَّذِي تُخْفِي صُدُورهمْ , يَعْنِي صُدُور هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنْ اِتِّخَاذهمْ بِطَانَة فَتُخْفِيه عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَكْبَر , يَقُول : أَكْبَر مِمَّا قَدْ بَدَا لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ أَفْوَاههمْ مِنْ الْبَغْضَاء وَأَعْظَم . كَمَا : 6088 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } يَقُول : وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر مِمَّا قَدْ أَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ . )6089 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } يَقُول : مَا تُكِنّ صُدُورهمْ أَكْبَر مِمَّا قَدْ أَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ .)|أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْآيَات , يَعْنِي بِالْآيَاتِ : الْعِبَر , قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ مِنْ أَمْر هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ نَهَيْنَاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ مَا تَعْتَبِرُونَ وَتَتَّعِظُونَ بِهِ مِنْ أَمْرهمْ , { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } يَعْنِي : إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه مَوَاعِظه وَأَمْره وَنَهْيه , وَتَعْرِفُونَ مَوَاقِع نَفْع ذَلِكَ مِنْكُمْ وَمَبْلَغ عَائِدَته عَلَيْكُمْ .

هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُو

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ , يَقُول : تُحِبُّونَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ اِتِّخَاذهمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , فَتَوَدُّونَهُمْ وَتُوَاصِلُونَهُمْ , وَهُمْ لَا يُحِبُّونَكُمْ , بَلْ يَنْتَظِرُونَ لَكُمْ الْعَدَاوَة وَالْغِشّ , وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه . وَمَعْنَى الْكِتَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَعْنَى الْجَمْع , كَمَا يُقَال : أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس , بِمَعْنَى الدَّرَاهِم , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } , إِنَّمَا مَعْنَاهُ : بِالْكُتُبِ كُلّهَا كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَكِتَابهمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى عِبَاده . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تُؤْمِنُونَ بِالْكُتُبِ كُلّهَا , وَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ , كُفَّار بِذَلِكَ كُلّه , بِجُحُودِهِمْ ذَلِكَ كُلّه مِنْ عُهُود اللَّه إِلَيْهِمْ , وَتَبْدِيلهمْ مَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , أَوْلَى بِعَدَاوَتِكُمْ إِيَّاهُمْ , وَبَغْضَائِهِمْ وَغِشّهمْ مِنْهُمْ بِعَدَاوَتِكُمْ وَبَغْضَائِكُمْ مَعَ جُحُودهمْ بَعْض الْكُتُب وَتَكْذِيبهمْ بِبَعْضِهَا . كَمَا : 6090 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } : أَيْ بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابهمْ , وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُب قَبْل ذَلِكَ , وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ , فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ . )وَقَالَ : { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ } وَلَمْ يَقُلْ : | هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ | , فَفَرْق بَيْن | هَا وَ | أُولَاءِ | بِكِنَايَةِ اِسْم الْمُخَاطَبِينَ , لِأَنَّ الْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل فِي هَذَا إِذَا أَرَادَتْ بِهِ التَّقْرِيب وَمَذْهَب النُّقْصَان لِلَّذِي يَحْتَاج إِلَى تَمَام الْخَبَر , وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يُقَال لِبَعْضِهِمْ : أَيْنَ أَنْتَ ؟ فَيُجِيب الْمَقُول ذَلِكَ لَهُ . هَا أَنَا ذَا , فَيُفَرِّق بَيْن التَّنْبِيه وَ | ذَا | بِمَكْنِيِّ اِسْم نَفْسه , وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ : هَذَا أَنَا , ثُمَّ يُثَنِّي وَيَجْمَع عَلَى ذَلِكَ , وَرُبَّمَا أَعَادُوا حَرْف التَّنْبِيه مَعَ ذَا , فَقَالُوا : هَا أَنَا هَذَا وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا كَانَ تَقْرِيبًا , فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى غَيْر التَّقْرِيب وَالنُّقْصَان , قَالُوا : هَذَا هُوَ , وَهَذَا أَنْتَ , وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ مَعَ الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة , يَقُولُونَ : هَذَا عَمْرو قَائِمًا , إِنْ كَانَ هَذَا تَقْرِيبًا . وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْمَكْنِيّ مَعَ التَّقْرِيب تَفْرِقَة بَيْن هَذَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى النَّاقِص الَّذِي يَحْتَاج إِلَى تَمَام , وَبَيْنه وَبَيْن مَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْم الصَّحِيح . وَقَوْله : { تُحِبُّونَهُمْ } خَبَر لِلتَّقْرِيبِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة إِبَانَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ حَال الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ , وَرَحْمَة أَهْل الْإِيمَان وَرَأْفَتهمْ بِأَهْلِ الْخِلَاف لَهُمْ , وَقَسَاوَة قُلُوب أَهْل الْكُفْر وَغِلْظَتهمْ عَلَى أَهْل الْإِيمَان . كَمَا : 6091 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } فَوَاَللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِن لَيُحِبّ الْمُنَافِق وَيَأْوِي لَهُ وَيَرْحَمهُ , وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِق يَقْدِر عَلَى مَا يَقْدِر عَلَيْهِ الْمُؤْمِن مِنْهُ لَأَبَادَ خَضْرَاءَهُ . )6092 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (الْمُؤْمِن خَيْر لِلْمُنَافِقِ مِنْ الْمُنَافِق لِلْمُؤْمِنِ يَرْحَمهُ , وَلَوْ يَقْدِر الْمُنَافِق مِنْ الْمُؤْمِن عَلَى مِثْل مَا يَقْدِر الْمُؤْمِن عَلَيْهِ مِنْهُ لَأَبَادَ خَضْرَاءَهُ . )وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُنَافِقِينَ . 6093 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد .|كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونهمْ , وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَعْطَوْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَقِيَّة , حَذَرًا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْهُمْ , فَقَالُوا لَهُمْ : قَدْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا هُمْ خَلَوْا فَصَارُوا فِي خَلَاء حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ الْمُؤْمِنُونَ , عَضُّوا عَلَى مَا يَرَوْنَ مِنْ اِئْتِلَاف الْمُؤْمِنِينَ , وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ , وَصَلَاح ذَات بَيْنهمْ , { أَنَامِلهمْ } وَهِيَ أَطْرَاف أَصَابِعهمْ , تَغَيُّظًا مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْمَوْجِدَة عَلَيْهِمْ , وَأَسَى عَلَى ظَهْر يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ لِمُكَاشَفَتِهِمْ الْعَدَاوَة وَمُنَاجَزَتهمْ الْمُحَارَبَة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6094 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } : إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا آمَنَّا لَيْسَ بِهِمْ إِلَّا مَخَافَة عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ , فَصَانَعُوهُمْ بِذَلِكَ . { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } يَقُول : مِمَّا يَجِدُونَ فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْغَيْظ وَالْكَرَاهَة لِمَا هُمْ عَلَيْهِ لَوْ يَجِدُونَ رِيحًا لَكَانُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَهُمْ كَمَا نَعَتَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . )6095 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مِنْ الْغَيْظ لِكَرَاهَتِهِمْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقُلْ : لَوْ يَجِدُونَ رِيحًا وَمَا بَعْده . 6096 - حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُسْلِم , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن عَمْرو بْن مَالِك الْبَكْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : (كَانَ أَبُو الْجَوْزَاء إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } قَالَ : هُمْ الْإِبَاضِيَّة . )وَالْأَنَامِل : جَمْع أَنْمُلَة , وَيُقَال أُنْمُلَة , وَرُبَّمَا جُمِعَتْ أَنْمُلًا , قَالَ الشَّاعِر : <br>أَوَدُّكُمَا مَا بَلَّ حَلْقِي رِيقَتِي .......... وَمَا حَمَلَتْ كَفَّايَ أَنْمُلِي الْعَشْرَا <br>وَهِيَ أَطْرَاف الْأَصَابِع ; كَمَا : 6097 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده , (الْأَنَامِل : أَطْرَاف الْأَصَابِع . )6098 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِمِثْلِهِ . 6099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل } : الْأَصَابِع . )6100 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَوْله : ( { عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } قَالَ : عَضُّوا عَلَى أَصَابِعهمْ .)|الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَأَخْبَرْتُك أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا أَصْحَابك , قَالُوا آمَنَّا , وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ . مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ الَّذِي بِكُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ , وَائْتِلَاف جَمَاعَتهمْ . وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر , وَهُوَ دُعَاء مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكهُمْ اللَّه كَمَدًا مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْغَيْظ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , قَبْل أَنْ يَرَوْا فِيهِمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ لَهُمْ مِنْ الْعَنَت فِي دِينهمْ , وَالضَّلَالَة بَعْد هُدَاهُمْ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , أَهْلِكُوا بِغَيْظِكُمْ , إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور , يَعْنِي بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِاَلَّذِي فِي صُدُور هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ , قَالُوا : آمَنَّا , وَمَا يَنْطَوُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْغِلّ وَالْغَمّ , وَيَعْتَقِدُونَ لَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , وَبِمَا فِي صُدُور جَمِيع خَلْقه , حَافِظ عَلَى جَمِيعهمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُنْطَوٍ مِنْ خَيْر وَشَرّ , حَتَّى يُجَازِي جَمِيعهمْ عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , وَاعْتَقَدَ مِنْ إِيمَان وَكُفْر , وَانْطَوَى عَلَيْهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصِيحَة أَوْ غِلّ وَغِمْر .

إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِيبكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ } إِنْ تَنَالُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ سُرُورًا بِظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَتَتَابُع النَّاس فِي الدُّخُول فِي دِينكُمْ , وَتَصْدِيق نَبِيّكُمْ , وَمُعَاوَنَتكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ , يَسُؤْهُمْ . وَإِنْ تَنَلْكُمْ مَسَاءَة بِإِخْفَاقِ سَرِيَّة لَكُمْ , أَوْ بِإِصَابَةِ عَدُوّ لَكُمْ مِنْكُمْ , أَوْ اِخْتِلَاف يَكُون بَيْن جَمَاعَتكُمْ يَفْرَحُوا بِهَا . كَمَا : 6101 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ تَمَسَسكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } , فَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام أُلْفَة وَجَمَاعَة وَظُهُورًا عَلَى عَدُوّهُمْ , غَاظَهُمْ ذَلِكَ وَسَاءَهُمْ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فُرْقَة وَاخْتِلَافًا أَوْ أُصِيبَ طَرَف مِنْ أَطْرَاف الْمُسْلِمِينَ سَرَّهُمْ ذَلِكَ وَأُعْجِبُوا بِهِ وَابْتَهَجُوا بِهِ , فَهُمْ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْن أَكْذَبَ اللَّه أُحْدُوثَته وَأَوْطَأَ مَحَلَّته , وَأَبْطَلَ حُجَّته , وَأَظْهَرَ عَوْرَته , فَذَاكَ قَضَاء اللَّه فِيمَنْ مَضَى مِنْهُمْ وَفِيمَنْ بَقِيَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )6102 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ إِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام جَمَاعَة وَظُهُورًا عَلَى عَدُوّهُمْ , غَاظَهُمْ ذَلِكَ غَيْظًا شَدِيدًا وَسَاءَهُمْ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فُرْقَة وَاخْتِلَافًا , أَوْ أُصِيب طَرَف مِنْ أَطْرَاف الْمُسْلِمِينَ , سَرَّهُمْ ذَلِكَ وَأُعْجِبُوا بِهِ ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } )6103 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنْ تَمَسّكُمْ حَسَنه تَسُؤْهُمْ } قَالَ : إِذَا رَأَوْا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَمَاعَة وَأُلْفَة سَاءَهُمْ ذَلِكَ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْهُمْ فُرْقَة وَاخْتِلَافًا فَرِحُوا .)|وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ تَصْبِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَاتِّبَاع أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , مِنْ اِتِّخَاذ بِطَانَة لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سَائِر مَا نَهَاكُمْ , وَتَتَّقُوا رَبّكُمْ , فَتَخَافُوا التَّقَدُّم بَيْن يَدَيْهِ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ , وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّه وَحَقّ رَسُوله , لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا : أَيْ كَيْد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . وَيَعْنِي بِكَيْدِهِمْ : غَوَائِلهمْ الَّتِي يَبْتَغُونَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَمَكْرهمْ بِهِمْ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْ الْهُدَى وَسَبِيل الْحَقّ . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | لَا يَضِرْكُمْ | مُخَفَّفَة بِكَسْرِ الضَّاد مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَارَنِي فُلَان فَهُوَ يَضِيرنِي ضَيْرًا , وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : مَا يَنْفَعنِي وَلَا يَضُورنِي . فَلَوْ كَانَتْ قُرِئَتْ عَلَى هَذِهِ اللُّغَة لَقِيلَ : لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا , وَلَكِنِّي لَا أَعْلَم أَحَدًا قَرَأَ بِهِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا } بِضَمِّ الضَّاد وَتَشْدِيد الرَّاء مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَرَّنِي فُلَان فَهُوَ يَضُرّنِي ضَرًّا . وَأَمَّا الرَّفْع فِي قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ } فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا عَلَى إِتْبَاع الرَّاء فِي حَرَكَتهَا , إِذْ كَانَ الْأَصْل فِيهَا الْجَزْم , وَلَمْ يُمْكِن جَزْمهَا لِتَشْدِيدِهَا أَقْرَب حَرَكَات الْحُرُوف الَّتِي قَبْلهَا , وَذَلِكَ حَرَكَة الضَّاد , وَهِيَ الضَّمَّة , فَأُلْحِقَتْ بِهَا حَرَكَة الرَّاء لِقُرْبِهَا مِنْهَا , كَمَا قَالُوا : مُدَّ يَا هَذَا . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْ وَجْهَيْ الرَّفْع فِي ذَلِكَ : أَنْ تَكُون مَرْفُوعَة عَلَى صِحَّة , وَتَكُون | لَا | بِمَعْنَى | لَيْسَ | , وَتَكُون الْفَاء الَّتِي هِيَ جَوَاب الْجَزَاء مَتْرُوكَة لِعِلْمِ السَّامِع بِمَوْضِعِهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ تَأْوِيل الْكَلَام : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَلَيْسَ يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا , ثُمَّ تُرِكَتْ الْفَاء مِنْ قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ } وَوُجِّهَتْ | لَا | إِلَى مَعْنَى | لَيْسَ | , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِنْ كَانَ لَا يُرْضِيك حَتَّى تَرُدّنِي .......... إِلَى قَطَرِيّ لَا إِخَالُكَ رَاضِيًا <br>وَلَوْ كَانَتْ الرَّاء مُحَرَّكَة إِلَى النَّصْب وَالْخَفْض كَانَ جَائِزًا , كَمَا قِيلَ : مُدَّ يَا هَذَا , وَمُدَّ .|إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي عِبَاده وَبِلَاده مِنْ الْفَسَاد وَالصَّدّ عَنْ سَبِيله وَالْعَدَاوَة لِأَهْلِ دِينه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , مُحِيط بِجَمِيعِهِ , حَافِظ لَهُ لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء مِنْهُ , حَتَّى يُوَفِّيهِمْ جَزَاءَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه وَيُذِيقهُمْ عُقُوبَته عَلَيْهِ .

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاَللَّه وَلِيّهمَا وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم حِين هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا . وَالطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ هَمَّتَا بِالْفَشَلِ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَنُو سَلِمَة وَبَنُو حَارِثَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6116 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } قَالَ : بَنُو حَارِثَة كَانُوا نَحْو أُحُد , وَبَنُو سَلِمَة نَحْو سَلْع , وَذَلِكَ يَوْم الْخَنْدَق . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم أُحُد فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته . 6117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , وَالطَّائِفَتَانِ : بَنُو سَلِمَة , وَبَنُو حَارِثَة , حَيَّانِ مِنْ الْأَنْصَار , هَمُّوا بِأَمْرٍ , فَعَصَمَهُمْ اللَّه مِنْ ذَلِكَ . قَالَ قَتَادَة : وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالُوا : مَا يَسُرّنَا أَنَّا لَمْ نَهُمّ بِاَلَّذِي هَمَمْنَا بِهِ , وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّه أَنَّهُ وَلِيّنَا . )6118 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , فَالطَّائِفَتَانِ : بَنُو سَلِمَة , وَبَنُو حَارِثَة , حَيَّانِ مِنْ الْأَنْصَار , )فَذَكَرَ مِثْل قَوْل قَتَادَة . 6119 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُد فِي أَلْف رَجُل , وَقَدْ وَعَدَهُمْ الْفَتْح إِنْ صَبَرُوا ; فَلَمَّا رَجَعَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول فِي ثَلَثمِائَةٍ , فَتَبِعْهُمْ أَبُو جَابِر السُّلَمِيّ يَدْعُوهُمْ , فَلَمَّا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ : مَا نَعْلَم قِتَالًا , وَلَئِنْ أَطَعْتنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا , وَقَالَ : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } وَهُمْ بَنُو سَلِمَة , وَبَنُو حَارِثَة , هَمُّوا بِالرُّجُوعِ حِين رَجَعَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , فَعَصَمَهُمْ اللَّه , وَبَقِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعمِائَةٍ . )6120 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : (نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلِمَة مِنْ الْخَزْرَج , وَبَنِي حَارِثَة مِنْ الْأَوْس , وَرَأْسِهِمْ عَبْد اللَّه بْن - أُبَيّ اِبْن سَلُول . )6121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } فَهُوَ بَنُو حَارِثَة وَبَنُو سَلِمَة . )6122 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } وَالطَّائِفَتَانِ : بَنُو سَلِمَة مِنْ جُشَم بْن الْخَزْرَج , وَبَنُو حَارِثَة بْن النِّبِّيت مِنْ الْأَوْس , وَهُمَا الْجَنَاحَانِ . )6123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } . .. الْآيَة , قَالَ : هُمَا طَائِفَتَانِ مِنْ الْأَنْصَار هُمَا أَنْ يَفْشَلَا , فَعَصَمَهُمْ اللَّه , وَهَزَمَ عَدُوّهُمْ . )6124 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } قَالَ : هُمْ بَنُو سَلِمَة , وَبَنُو حَارِثَة وَمَا نُحِبّ أَنْ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَمَّتَا لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَللَّه وَلِيّهمَا } . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . 6125 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } قَالَ : هَذَا يَوْم أُحُد . )وَأَمَّا قَوْله { أَنْ تَفْشَلَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَمَّا أَنْ يَضْعُفَا وَيَجْبُنَا عَنْ لِقَاء عَدُوّهُمَا , يُقَال مِنْهُ : فَشِلَ فُلَان عَنْ لِقَاء عَدُوّهُ يَفْشَل فَشَلًا . كَمَا : 6126 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (الْفَشَل : الْجُبْن . )وَكَانَ هَمّهمَا الَّذِي هَمَّا بِهِ مِنْ الْفَشَل : الِانْصِرَاف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ حِين اِنْصَرَفَ عَنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول بِمَنْ مَعَهُ , جُبْنًا مِنْهُمْ , مِنْ غَيْر شَكّ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَام وَلَا نِفَاق ; فَعَصَمَهُمْ اللَّه مِمَّا هَمُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَمَضَوْا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَجْهِهِ الَّذِي مَضَى لَهُ , وَتَرَكُوا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ , فَأَثْنَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِهِمَا عَلَى الْحَقّ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَلِيّهمَا وَنَاصِرهمَا عَلَى أَعْدَائِهِمَا مِنْ الْكُفَّار . كَمَا : 6127 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَللَّه وَلِيّهمَا } : أَيْ الدَّافِع عَنْهُمَا مَا هُمَا بِهِ مِنْ فَشَلهمَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْف وَوَهَن أَصَابَهُمَا مِنْ غَيْر شَكّ أَصَابَهُمَا فِي دِينهمَا , فَتَوَلَّى دَفْع ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَته , حَتَّى سَلِمَتَا مِنْ وَهَنهمَا وَضَعْفهمَا , وَلَحِقَتَا بِنَبِيِّهِمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; يَقُول : { وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْف مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ وَهَن فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَيَّ , وَلْيَسْتَعِنْ بِي , أُعِنْهُ عَلَى أَمْره , وَأَدْفَع عَنْهُ , حَتَّى أَبْلُغ بِهِ وَأُقَوِّيه عَلَى نِيَّته . )وَذُكِرَ أَنَّ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يَقْرَأ : | وَاَللَّه وَلِيّهمْ | . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقْرَأ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتَا فِي لَفْظ اِثْنَيْنِ , فَإِنَّهُمَا فِي مَعْنَى جِمَاع بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمَيْنِ وَالْحِزْبَيْنِ .

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا , لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا , وَيَنْصُركُمْ رَبّكُمْ , { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ } عَلَى أَعْدَائِكُمْ { وَأَنْتُمْ } يَوْمئِذٍ { أَذِلَّة } يَعْنِي قَلِيلُونَ , فِي غَيْر مَنَعَة مِنْ النَّاس , حَتَّى أَظْهَرَكُمْ اللَّه عَلَى عَدُوّكُمْ مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ , وَقِلَّة عَدَدكُمْ , وَأَنْتُمْ الْيَوْم أَكْثَر عَدَدًا مِنْكُمْ حِينَئِذٍ , فَإِنْ تَصْبِرُوا لِأَمْرِ اللَّه يَنْصُركُمْ كَمَا نَصَرَكُمْ ذَلِكَ الْيَوْم { فَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاتَّقُوا رَبّكُمْ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَحَارِمه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول : لِتَشْكُرُوهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى أَعْدَائِكُمْ , وَإِظْهَار دِينكُمْ , وَلِمَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ الْحَقّ الَّذِي ضَلَّ عَنْهُ مُخَالِفُوكُمْ . كَمَا : 6128 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة } يَقُول : وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا , وَأَضْعَف قُوَّة . { فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أَيْ فَاتَّقُونِ , فَإِنَّهُ شُكْر نِعْمَتِي . )وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله سُمِّيَ بَدْر بَدْرًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَاء لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا , فَسُمِّيَ بِاسْمِ صَاحِبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6129 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (كَانَتْ بَدْر لِرَجُلٍ يُقَال لَهُ بَدْر , فَسُمِّيَتْ بِهِ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ : ( { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ } قَالَ : كَانَتْ بَدْر بِئْرًا لِرَجُلٍ يُقَال لَهُ بَدْر , فَسُمِّيَتْ بِهِ . )وَأَنْكَرَ ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا : ذَلِكَ اِسْم سُمِّيَتْ بِهِ الْبُقْعَة كَمَا سُمِّيَ سَائِر الْبُلْدَان بِأَسْمَائِهَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6130 - حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا اِبْن سَعْد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُمَر الْوَاقِدِيّ , قَالَ : ثنا مَنْصُور , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَ بَدْرًا لِأَنَّهُ كَانَ مَاء لِرَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَة يُقَال لَهُ بَدْر . وَقَالَ الْحَارِث : قَالَ اِبْن سَعْد : قَالَ الْوَاقِدِيّ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّه بْن جَعْفَر وَمُحَمَّد بْن صَالِح , فَأَنْكَرَاهُ , وَقَالَا : فَلِأَيِّ شَيْء سُمِّيَتْ الصَّفْرَاء ؟ وَلِأَيِّ شَيْء سُمِّيَتْ الْحَمْرَاء ؟ وَلِأَيِّ شَيْء سُمِّيَ رَابِغ ؟ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ , إِنَّمَا هُوَ اِسْم الْمَوْضِع . قَالَ : وَذَكَرْت ذَلِكَ لِيَحْيَى بْن النُّعْمَان الْغِفَارِيّ , فَقَالَ : سَمِعْت شُيُوخنَا مِنْ بَنِي غِفَار يَقُولُونَ : هُوَ مَاؤُنَا وَمَنْزِلنَا , وَمَا مَلَكَهُ أَحَد قَطُّ يُقَال لَهُ بَدْر , وَمَا هُوَ مِنْ بِلَاد جُهَيْنَة إِنَّمَا هِيَ بِلَاد غِفَار . قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَهَذَا الْمَعْرُوف عِنْدنَا . )6131 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحَسَن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (بَدْر مَاء عَنْ يَمِين طَرِيق مَكَّة بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة . )وَأَمَّا قَوْله : { أَذِلَّة } فَإِنَّهُ جَمْع ذَلِيل , كَمَا الْأَعِزَّة جَمْع عَزِيز , وَالْأَلِبَّة جَمْع لَبِيب . وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَذِلَّة لِقِلَّةِ عَدَدهمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَثمِائَةِ نَفْس وَبِضْعَة عَشَر , وَعَدُوّهُمْ مَا بَيْن التِّسْعمِائَةِ إِلَى الْأَلْف , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى , فَجَعَلَهُمْ لِقِلَّةِ عَدَدهمْ أَذِلَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَبَدْر : مَاء بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , اِلْتَقَى عَلَيْهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ , وَكَانَ أَوَّل قِتَال قَاتَلَهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذُكِرَ لَنَا (أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمئِذٍ : | أَنْتُمْ الْيَوْم بِعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت يَوْم لَقِيَ جَالُوت | : )فَكَانُوا ثَلَثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا , وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمئِذٍ أَلْف أَوْ رَاهَقُوا ذَلِكَ . )6133 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ نَصَركُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } قَالَ : يَقُول : وَأَنْتُمْ أَذِلَّة قَلِيل , وَهُمْ يَوْمئِذٍ بِضْعَة عَشَر وَثَلَثمِائَةٍ . )6134 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , نَحْو قَوْل قَتَادَة . 6135 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة } أَقَلّ عَدَدًا وَأَضْعَف قُوَّة . )وَأَمَّا قَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فَإِنَّ تَأْوِيله كَاَلَّذِي قَدْ بَيَّنْت كَمَا : 6136 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } : أَيْ فَاتَّقُونِي , فَإِنَّهُ شُكْر نِعَمِي .)

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزِلِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة } إِذْ تَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ بِك مِنْ أَصْحَابك : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزِلِينَ } ؟ وَذَلِكَ يَوْم بَدْر . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُضُور الْمَلَائِكَة يَوْم بَدْر حَرْبهمْ , فِي أَيّ يَوْم عَدُوًّا ذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم بَدْر أَنْ يُمِدّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ إِنْ أَتَاهُمْ الْعَدُوّ مِنْ فَوْرهمْ , فَلَمْ يَأْتُوهُمْ , وَلَمْ يَمُدُّوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6137 - حَدَّثَنِي حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : (حَدَّثَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ كُرْز بْن جَابِر الْمُحَارِبِيّ يُمِدّ الْمُشْرِكِينَ , قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقِيلَ لَهُمْ : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزِلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } قَالَ : فَبَلَغَتْ كُرْزًا الْهَزِيمَة فَرَجَعَ , وَلَمْ يُمِدّهُمْ بِالْخَمْسَةِ . )* - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , بَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } : يَعْنِي كُرْزًا وَأَصْحَابه , { يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِين } قَالَ : فَبَلَغَ كُرْزًا وَأَصْحَابه الْهَزِيمَة , فَلَمْ يُمِدّهُمْ , وَلَمْ تَنْزِل الْخَمْسَة , وَأُمِدُّوا بَعْد ذَلِكَ بِأَلْفٍ , فَهُمْ أَرْبَعَة آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مَعَ الْمُسْلِمِينَ . )6138 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِذْ تَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَذَا يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (حَدَّثَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ كُرْز بْن جَابِر الْمُحَارِبِيّ يُرِيد أَنْ يُمِدّ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ , قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } قَالَ : فَبَلَغَتْهُ هَزِيمَة الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يُمِدّ أَصْحَابه , وَلَمْ يُمَدُّوا بِالْخَمْسَةِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا الْوَعْد مِنْ اللَّه لَهُمْ يَوْم بَدْر , فَصَبَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَاتَّقَوْا اللَّه , فَأَمَدَّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6139 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ بَعْض بَنِي سَاعِدَة , قَالَ : (سَمِعْت أَبَا أَسِيد مَالِك بْن رَبِيعَة بَعْد مَا أُصِيبَ بَصَره يَقُول : لَوْ كُنْت مَعَكُمْ بِبَدْرٍ الْآن وَمَعِي بَصَرِي لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَة , لَا أَشُكّ وَلَا أَتَمَارَى . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , وثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ بَعْض بَنِي سَاعِدَة , عَنْ أَبِي أَسِيد مَالِك بْن رَبِيعَة , وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُ قَالَ بَعْد إِذْ ذَهَبَ بَصَره : (لَوْ كُنْت مَعَكُمْ الْيَوْم بِبَدْرٍ , وَمَعِي بَصَرِي , لَأَرَيْتُكُمْ الشِّعْب الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَة لَا أَشُكّ وَلَا أَتَمَارَى . )6140 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ثني رَجُل مِنْ بَنِي غِفَار , قَالَ : (أَقْبَلْت أَنَا وَابْن عَمّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَل يُشْرِف بِنَا عَلَى بَدْر , وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِر الْوَقْعَة عَلَى مَنْ تَكُون الدَّبْرَة , فَنَنْتَهِب مَعَ مَنْ يَنْتَهِب . قَالَ : فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَل , إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَة , فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَة الْخَيْل , فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُول : أَقْدِمْ حَيْزُوم ! قَالَ : فَأَمَّا اِبْن عَمِّي فَانْكَشَفَ قِنَاع قَلْبه , فَمَاتَ مَكَانه , وَأَمَّا أَنَا فَكِدْت أَهْلِك , ثُمَّ تَمَاسَكْت . )6141 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : وثني الْحُسَيْن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ مِقْسَم , مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمْ تُقَاتِل الْمَلَائِكَة فِي يَوْم مِنْ الْأَيَّام سِوَى يَوْم بَدْر , وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيَّام عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ . )6142 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ رِجَال مِنْ بَنِي مَازِن بْن النَّجَّار , عَنْ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيّ , وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا , قَالَ : (إِنِّي لَأَتَّبِع رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر لِأَضْرِبهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسه قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِ سَيْفِي , فَعَرَفْت أَنْ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي . )6143 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد : ثني حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبَّاس , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو رَافِع مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كُنْت غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَكَانَ الْإِسْلَام قَدْ دَخَلَنَا أَهْل الْبَيْت , فَأَسْلَمَ الْعَبَّاس , وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْل وَأَسْلَمَتْ , وَكَانَ الْعَبَّاس يَهَاب قَوْمه , وَيَكْرَه أَنْ يُخَالِفهُمْ , وَكَانَ يَكْتُم إِسْلَامه , وَكَانَ ذَا مَال كَثِير مُتَفَرِّق فِي قَوْمه . وَكَانَ أَبُو لَهَب عَدُوّ اللَّه قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْر , وَبَعَثَ مَكَانه الْعَاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَة , وَكَذَلِكَ صَنَعُوا لَمْ يَتَخَلَّف رَجُل إِلَّا بَعَثَ مَكَانه رَجُلًا . فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَر عَنْ مُصَاب أَصْحَاب بَدْر مِنْ قُرَيْش , كَبَتَهُ اللَّه وَأَخْزَاهُ , وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسنَا قُوَّة وَعَوْنَة , قَالَ : وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا , وَكُنْت أَعْمَل الْقِدَاح أَنْحِتهَا فِي حُجْرَة زَمْزَم . فَوَاَللَّهِ إِنِّي لَجَالِس فِيهَا أَنْحِت الْقِدَاح , وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْل جَالِسَة وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَر , إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِق أَبُو لَهَب يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرٍّ , حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُب الْحُجْرَة , فَكَانَ ظَهْره إِلَى ظَهْرِي , فَبَيْنَا هُوَ جَالِس إِذْ قَالَ النَّاس : هَذَا أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , قَدْ قَدِمَ . قَالَ : قَالَ أَبُو لَهَب : هَلُمَّ إِلَيَّ يَا اِبْن أَخِي , فَعِنْدك الْخَبَر ! قَالَ : فَجَلَسَ إِلَيْهِ , وَالنَّاس قِيَام عَلَيْهِ , فَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْر النَّاس ! قَالَ لَا شَيْء وَاَللَّه إِنْ كَانَ إِلَّا أَنْ لَقِينَاهُمْ , فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافنَا يَقْتُلُونَنَا وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا وَاَيْم اللَّه مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النَّاس , لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْل بُلْق مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مَا يَلِيق لَهَا شَيْء , وَلَا يَقُوم لَهَا شَيْء , قَالَ أَبُو رَافِع : فَرَفَعْت طُنُب الْحُجْرَة بِيَدَيَّ ثُمَّ قُلْت : تِلْكَ الْمَلَائِكَة . )6144 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : ثني الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاس أَبَا الْيُسْر كَعْب بْن عَمْرو أَخَا بَنِي سَلِمَة , وَكَانَ أَبُو الْيُسْر رَجُلًا مَجْمُوعًا , وَكَانَ الْعَبَّاس رَجُلًا جَسِيمًا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الْيُسْر : | كَيْفَ أَسَرْت الْعَبَّاس أَبَا الْيُسْر ؟ | قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُل مَا رَأَيْته قَبْل ذَلِكَ وَلَا بَعْده , هَيْئَته كَذَا وَإِذَا , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَقَدْ أَعَانَك عَلَيْهِ مَلَك كَرِيم . )6145 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزَلِينَ } أُمِدُّوا بِأَلْفٍ , ثُمَّ صَارُوا ثَلَاثَة آلَاف , ثُمَّ صَارُوا خَمْسَة آلَاف . { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } وَذَلِكَ يَوْم بَدْر , أَمَدَّهُمْ اللَّه بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة . )6146 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِنَحْوِهِ . 6147 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَى أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } فَإِنَّهُمْ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَوِّمِينَ . )6148 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَمْ تُقَاتِل الْمَلَائِكَة إِلَّا يَوْم بَدْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَعَدَهُمْ يَوْم بَدْر أَنْ يُمِدّهُمْ إِنْ صَبَرُوا عِنْد طَاعَته , وَجِهَاد أَعْدَائِهِ وَاتَّقَوْهُ بِاجْتِنَابِ مَحَارِمه , أَنْ يُمِدّهُمْ فِي حُرُوبهمْ كُلّهَا , فَلَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَتَّقُوا إِلَّا فِي يَوْم الْأَحْزَاب , فَأَمَدَّهُمْ حِين حَاصَرُوا قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6149 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن زَيْد أَبُو آدَم الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى , قَالَ : (كُنَّا مُحَاصِرِي قُرَيْظَة وَالنَّضِير مَا شَاءَ اللَّه أَنْ نُحَاصِرهُمْ , فَلَمْ يُفْتَح عَلَيْنَا , فَرَجَعْنَا . فَبَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْته يَغْسِل رَأْسه , إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتكُمْ , وَلَمْ تَضَع الْمَلَائِكَة أَوْزَارهَا ! فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِرْقَةٍ , فَلَفَّ بِهَا رَأْسه وَلَمْ يَغْسِلهُ , ثُمَّ نَادَى فِينَا , فَقُمْنَا كَالزَّمِعِينَ لَا نَعْبَأ بِالسَّيْرِ شَيْئًا , حَتَّى أَتَيْنَا قُرَيْظَة وَالنَّضِير , فَيَوْمئِذٍ أَمَدَّنَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة , وَفَتَحَ اللَّه لَنَا فَتْحًا يَسِيرًا , فَانْقَلَبْنَا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل . )وَقَالَ آخَرُونَ بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى , غَيْر أَنَّهُمْ قَالُوا : لَمْ يَصْبِر الْقَوْم , وَلَمْ يَتَّقُوا , وَلَمْ يُمَدُّوا بِشَيْءٍ فِي أُحُد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6150 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , سَمِعَهُ يَقُول : ( { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } قَالَ : يَوْم بَدْر قَالَ : فَلَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَتَّقُوا , فَلَمْ يُمَدُّوا يَوْم أُحُد , وَلَوْ مُدُّوا لَمْ يُهْزَمُوا يَوْمئِذٍ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : (لَمْ يُمَدُّوا يَوْم أُحُد وَلَا بِمَلَكٍ وَاحِد - أَوْ قَالَ : إِلَّا بِمَلَكٍ وَاحِد , أَبُو جَعْفَر يَشُكّ . )6151 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : سَمِعْت عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : ( { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف } إِلَى : { خَمْسَة آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } كَانَ هَذَا مَوْعِدًا مِنْ اللَّه يَوْم أُحُد , عَرَضَهُ عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ اِتَّقَوْا وَصَبَرُوا أَمَدَّهُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ , فَفَرَّ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد , وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ , فَلَمْ يُمِدّهُمْ اللَّه . )6152 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } . .. الْآيَة كُلّهَا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَنْظُرُونَ الْمُشْرِكِينَ : يَا رَسُول اللَّه أَلَيْسَ يُمِدّنَا اللَّه كَمَا أَمَدَّنَا يَوْم بَدْر ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزَلِينَ , وَإِنَّمَا أَمَدَّكُمْ يَوْم بَدْر بِأَلْفٍ ؟ | قَالَ : فَجَاءَتْ الزِّيَادَة مِنْ اللَّه عَلَى أَنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا , قَالَ : بِشَرْطِ أَنْ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ . .. الْآيَة كُلّهَا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة } ؟ فَوَعَدَهُمْ اللَّه بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مَدَدًا لَهُمْ , ثُمَّ وَعَدَهُمْ بَعْد الثَّلَاثَة الْآلَاف , خَمْسَة آلَاف إِنْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ , وَاتَّقَوْا اللَّه . وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة عَلَى أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ آلَاف , وَلَا بِالْخَمْسَةِ آلَاف , وَلَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمَدَّهُمْ عَلَى نَحْو مَا رَوَاهُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَنَّهُ أَمَدَّهُمْ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون لَمْ يُمِدّهُمْ عَلَى نَحْو الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ , وَلَا خَبَر عِنْدنَا صَحَّ مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَثْبُت أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ الْآلَاف وَلَا بِالْخَمْسَةِ الْآلَاف . وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال فِي ذَلِكَ قَوْل إِلَّا بِخَبَرٍ تَقُوم الْحُجَّة بِهِ , وَلَا خَبَر بِهِ كَذَلِكَ فَنُسَلِّم لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ قَوْله , غَيْر أَنَّ فِي الْقُرْآن دَلَالَة عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أُمِدُّوا يَوْم بَدْر بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة وَذَلِكَ قَوْله : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } [8 9 ]فَأَمَّا فِي يَوْم أُحُد , فَالدَّلَالَة عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدُّوا أَبْيَن مِنْهَا فِي أَنَّهُمْ أُمِدُّوا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ أُمِدُّوا لَمْ يُهْزَمُوا وَيُنَال مِنْهُمْ مَا نِيلَ مِنْهُمْ . فَالصَّوَاب فِيهِ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِمْدَاد فِيمَا مَضَى , وَالْمَدَد وَمَعْنَى الصَّبْر وَالتَّقْوَى .

بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ

وَأَمَّا قَوْله : { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6153 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } قَالَ : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . )6154 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 6155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . )6156 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . )6157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ وَجْههمْ هَذَا . )6158 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ سَفَرهمْ هَذَا , وَيُقَال : يَعْنِي عَنْ غَيْر اِبْن عَبَّاس , بَلْ هُوَ مِنْ غَضَبهمْ هَذَا . )6159 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } مِنْ وَجْههمْ )هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ غَضَبهمْ هَذَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة } قَالَ : فَوْرهمْ ذَلِكَ كَانَ يَوْم أُحُد , غَضِبُوا لِيَوْمِ بَدْر مِمَّا لَقَوْا . )6161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا سَهْل بْن عَامِر , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : سَمِعْت أَبَا صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ يَقُول : ( { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ غَضَبهمْ هَذَا . )6162 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } قَالَ : غَضَب لَهُمْ , يَعْنِي الْكُفَّار , فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ عِنْد تِلْكَ السَّاعَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد . )6163 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : ( { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } قَالَ : مِنْ غَضَبهمْ هَذَا . )6164 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } يَقُول : مِنْ وَجْههمْ وَغَضَبهمْ . )وَأَصْل الْفَوْر : اِبْتِدَاء الْأَمْر يُؤْخَذ فِيهِ , ثُمَّ يُوصَل بِآخَرَ , يُقَال مِنْهُ : فَارَتْ الْقِدْر فَهِيَ تَفُور فَوْرًا وَفَوَرَانًا : إِذَا مَا اِبْتَدَأَ مَا فِيهَا بِالْغَلَيَانِ ثُمَّ اِتَّصَلَ ; وَمَضَيْت إِلَى فُلَان مِنْ فَوْرِي ذَلِكَ , يُرَاد بِهِ : مِنْ وَجْهِي الَّذِي اِبْتَدَأْت فِيهِ . فَاَلَّذِي قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : مَعْنَى قَوْله : { مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } : مِنْ وَجْههمْ هَذَا , قَصَدَ إِلَى أَنَّ تَأْوِيله : وَيَأْتِيكُمْ كُرْز بْن جَابِر وَأَصْحَابه يَوْم بَدْر , مِنْ اِبْتِدَاء مَخْرَجهمْ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ لِنُصْرَةِ أَصْحَابهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ غَضَبهمْ هَذَا , فَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : وَيَأْتِيكُمْ كُفَّار قُرَيْش وَتِبَاعهمْ يَوْم أُحُد مِنْ اِبْتِدَاء غَضَبهمْ الَّذِي غَضِبُوهُ لَقَتَلَاهُمْ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْم بَدْر بِهَا { يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف } . كَذَلِكَ مِنْ اِخْتِلَاف تَأْوِيلهمْ فِي مَعْنَى قَوْله { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي إِمْدَاد اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِأُحُدٍ بِمَلَائِكَتِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ , لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَصْبِرُوا لِأَعْدَائِهِمْ , وَلَمْ يَتَّقُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِتَرْكِ مَنْ تَرَكَ مِنْ الرُّمَاة طَاعَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثُبُوته فِي الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثُّبُوتِ فِيهِ , وَلَكِنَّهُمْ أَخَلُّوا بِهِ طَلَبًا لِلْغَنَائِمِ , فَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَنَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ مَا نَالُوا . وَإِنَّمَا كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمْدَادهمْ بِهِمْ إِنْ صَبَرُوا وَاتَّقَوْا اللَّه . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر بِسَبَبِ كُرْز بْن جَابِر , فَإِنَّ بَعْضهمْ قَالُوا : لَمْ يَأْتِ كُرْز وَأَصْحَابه إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَدَدًا لَهُمْ بِبَدْرٍ , وَلَمْ يُمِدّ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِمَلَائِكَتِهِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَعَدَهُمْ أَنْ يُمِدّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ إِنْ أَتَاهُمْ كُرْز وَمَدَد الْمُشْرِكِينَ مِنْ فَوْرهمْ , وَلَمْ يَأْتِهِمْ الْمَدَد . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَدَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَلَائِكَةِ يَوْم بَدْر , فَإِنَّهُمْ اِعْتَلُّوا بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } [8 9 ]قَالَ : فَالْأَلْف مِنْهُمْ قَدْ أَتَاهُمْ مَدَدًا , وَإِنَّمَا الْوَعْد الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشُّرُوط فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْف , فَأَمَّا الْأَلْف فَقَدْ كَانُوا أُمِدُّوا بِهِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ قَدْ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ , وَلَنْ يُخْلِف اللَّه وَعْده . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مُسَوِّمِينَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : | مُسَوَّمِينَ | بِفَتْحِ الْوَاو , بِمَعْنَى أَنَّ اللَّه سَوَّمَهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { مُسَوِّمِينَ } بِكَسْرِ الْوَاو , بِمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَة سَوَّمَتْ لِنَفْسِهَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْوَاو , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْل التَّأْوِيل مِنْهُمْ وَمِنْ التَّابِعِينَ بَعْدهمْ , بِأَنَّ الْمَلَائِكَة هِيَ الَّتِي سَوَّمَتْ أَنْفُسهَا مِنْ غَيْر إِضَافَة تَسْوِيمهَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْ إِلَى غَيْره مِنْ خَلْقه . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا كَانَ يَخْتَار الْكَسْر فِي قَوْله : { مُسَوِّمِينَ } لَوْ كَانَ فِي الْبَشَر , فَأَمَّا الْمَلَائِكَة فَوَصَفَهُمْ غَيْر ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَة غَيْر مُمْكِن فِيهَا تَسْوِيم أَنْفُسهَا إِنْ كَانُوا ذَلِكَ فِي الْبَشَر وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يَكُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَكَّنَهَا مِنْ تَسْوِيم أَنْفُسهَا بِحَقِّ تَمْكِينه الْبَشَر مِنْ تَسْوِيم أَنْفُسهمْ , فَسَوَّمُوا أَنْفُسهمْ بِحَقِّ الَّذِي سَوَّمَ الْبَشَر طَلَبًا مِنْهَا بِذَلِكَ طَاعَة رَبّهَا , فَأُضِيفَ تَسْوِيمهَا أَنْفُسهَا إِلَيْهَا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ تَسْبِيب اللَّه لَهُمْ أَسْبَابه , وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَة بِتَسْوِيمِهَا أَنْفُسهَا تَقَرُّبًا مِنْهَا إِلَى رَبّهَا , كَانَ أَبْلَغ فِي مَدْحهَا لِاخْتِيَارِهَا طَاعَة اللَّه مِنْ أَنْ تَكُون مَوْصُوفَة بِأَنَّ ذَلِكَ مَفْعُول بِهَا . ذِكْر الْأَخْبَار بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِضَافَة مَنْ أَضَافَ التَّسْوِيم إِلَى الْمَلَائِكَة دُون إِضَافَة ذَلِكَ إِلَى غَيْرهمْ , عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا فِيهِ : 6165 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : (إِنَّ أَوَّل مَا كَانَ الصُّوف لَيَوْمئِذٍ , يَعْنِي يَوْم بَدْر , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ تَسَوَّمَتْ . )6166 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُخْتَار بْن غَسَّان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْغَسِيل , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْمُنْذِر , عَنْ جَدّه أَبِي أَسِيد , وَكَانَ بَدْرِيًّا , فَكَانَ يَقُول : (لَوْ أَنَّ بَصَرِي مَعِي ثُمَّ ذَهَبْتُمْ مَعِي إِلَى أُحُد , لَأَخْبَرْتُكُمْ بِالشِّعْبِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَة فِي عَمَائِم صُفْر قَدْ طَرَحُوهَا بَيْن أَكْتَافهمْ . )6167 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } يَقُول : مُعَلَّمِينَ , مَجْزُوزَة أَذْنَاب خَيْلهمْ وَنَوَاصِيهَا , فِيهَا الصُّوف أَوْ الْعِهْن , وَذَلِكَ التَّسْوِيم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } قَالَ : مَجْزُوزَة أَذْنَابهَا وَأَعْرَافهَا , فِيهَا الصُّوف أَوْ الْعِهْن , فَذَلِكَ التَّسْوِيم . )6168 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { مُسَوِّمِينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سِيمَاهَا يَوْمئِذٍ الصُّوف بِنَوَاصِي خَيْلهمْ وَأَذْنَابهمْ , وَأَنَّهُمْ عَلَى خَيْل بُلْق . )6169 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { مُسَوِّمِينَ } قَالَ : كَانَ سِيمَاهَا صُوفًا فِي نَوَاصِيهَا . )* - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( { مُسَوِّمِينَ } قَالَ : كَانَتْ خُيُولهمْ مَجْزُوزَة الْأَعْرَاف , مُعَلَّمَة نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابهَا بِالصُّوفِ وَالْعِهْن . )6170 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : (كَانُوا يَوْمئِذٍ عَلَى خَيْل بُلْق . )6171 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , وَبَعْض أَشْيَاخنَا , عَنْ الْحَسَن , نَحْو حَدِيث مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة . 6172 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مُسَوِّمِينَ } : مُعَلَّمِينَ . )6173 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } فَإِنَّهُمْ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُسَوَّمِينَ بِالصُّوفِ , فَسَوَّمَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه أَنْفُسهمْ وَخَيْلهمْ عَلَى سِيمَاهُمْ بِالصُّوفِ . )6174 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عَبَّاد بْن حَمْزَة , قَالَ : (نَزَلَتْ الْمَلَائِكَة فِي سِيمَا الزُّبَيْر , عَلَيْهِمْ عَمَائِم صُفْر , وَكَانَتْ عِمَامَة الزُّبَيْر صَفْرَاء . )6175 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { مُسَوِّمِينَ } قَالَ : بِالصُّوفِ فِي نَوَاصِيهَا وَأَذْنَابهَا . )6176 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : (نَزَلَتْ الْمَلَائِكَة يَوْم بَدْر عَلَى خَيْل بُلْق , عَلَيْهِمْ عَمَائِم صُفْر , وَكَانَ عَلَى الزُّبَيْر يَوْمئِذٍ عِمَامَة صَفْرَاء . )6177 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يَحْيَى الصُّوفِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن شَرِيك , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : (أَنَّ الزُّبَيْر كَانَتْ عَلَيْهِ مُلَاءَة صَفْرَاء يَوْم بَدْر , فَاعْتَمَّ بِهَا , فَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة يَوْم بَدْر عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَمَّمِينَ بِعَمَائِمَ )فَهَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرنَا بَعْضهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : ( تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ تَسَوَّمَتْ | )وَقَوْل أَبِي أَسِيد : خَرَجَتْ الْمَلَائِكَة فِي عَمَائِم صُفْر قَدْ طَرَحُوهَا بَيْن أَكْتَافهمْ , وَقَوْل مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : { مُسَوِّمِينَ } مُعَلِّمِينَ , يُنْبِئ جَمِيع ذَلِكَ عَنْ صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ , وَأَنَّ التَّسْوِيم كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِأَنْفُسِهَا , عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ | مُسَوَّمِينَ | بِالْفَتْحِ , فَإِنَّهُمْ أَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ مَا : 6178 - حَدَّثَنَا بِهِ حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , عَنْ عِكْرِمَة : ( { بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } يَقُول : عَلَيْهِمْ سِيمَا الْقِتَال . )6179 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } , يَقُول : عَلَيْهِمْ سِيمَا الْقِتَال , وَذَلِكَ يَوْم بَدْر , أَمَدَّهُمْ اللَّه بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ , يَقُول : عَلَيْهِمْ سِيمَا الْقِتَال . )فَقَالُوا : كَانَ سِيمَا الْقِتَال عَلَيْهِمْ , لَا أَنَّهُمْ كَانُوا تَسَوَّمُوا بِسِيمَا فَيُضَاف إِلَيْهِمْ التَّسْوِيم , فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَرَءُوا : | مُسَوَّمِينَ | بِمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَضَافَ التَّسْوِيم إِلَى مَنْ سَوَّمَهُمْ تِلْكَ السِّيمَا . وَالسِّيمَا : الْعَلَامَة , يُقَال : هِيَ سِيمَا حَسَنَة , وَسِيمِيَاء حَسَنَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>غُلَام رَمَاهُ اللَّه بِالْحُسْنِ يَافِعًا .......... لَهُ سِيمِيَاء لَا تَشُقّ عَلَى الْبَصَر <br>يَعْنِي بِذَلِكَ عَلَامَة مِنْ حُسْن . فَإِذَا أُعْلِمَ الرَّجُل بِعَلَامَةٍ يُعْرَف بِهَا فِي حَرْب أَوْ غَيْره , قِيلَ : سَوَّمَ نَفْسه , فَهُوَ يُسَوِّمهَا تَسْوِيمًا .

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّه إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْر إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَمَا جَعَلَ اللَّه وَعْده إِيَّاكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنْ إِمْدَاده إِيَّاكُمْ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَدَدهمْ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ , يَعْنِي بُشْرَى يُبَشِّركُمْ بِهَا , { وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبكُمْ بِهِ } يَقُول : وَكَيْ تَطْمَئِنّ بِوَعْدِهِ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ قُلُوبكُمْ , فَتَسْكُن إِلَيْهِ , وَلَا تَجْزَع مِنْ كَثْرَة عَدَد عَدُوّكُمْ , وَقِلَّة عَدَدكُمْ . { وَمَا النَّصْر إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي وَمَا ظَفَركُمْ إِنْ ظَفِرْتُمْ بِعَدُوِّكُمْ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّه , لَا مِنْ قِبَل الْمَدَد الَّذِي يَأْتِيكُمْ مِنْ الْمَلَائِكَة , يَقُول : فَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا , وَبِهِ فَاسْتَعِينُوا , لَا بِالْجُمُوع وَكَثْرَة الْعَدَد , فَإِنْ نَصَرَكُمْ إِنْ كَانَ إِنَّمَا يَكُون بِاَللَّهِ وَبِعَوْنِهِ وَمَعَكُمْ مِنْ مَلَائِكَته خَمْسَة آلَاف , فَإِنَّهُ إِلَى أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّه وَبِتَقْوِيَتِهِ إِيَّاكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَإِنْ كَانَ مَعَكُمْ مِنْ الْبَشَر جُمُوع كَثِيرَة أُخْرَى , فَاتَّقُوا اللَّه وَاصْبِرُوا عَلَى جِهَاده عَدُوّكُمْ , فَإِنَّ اللَّه نَاصِركُمْ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 6180 - حَدَّثَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَا جَعَلَهُ اللَّه إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ } يَقُول : إِنَّمَا جَعَلَهُمْ لِيَسْتَبْشِرُوا بِهِمْ , وَلِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهِمْ , وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ يَوْمئِذٍ , يَعْنِي يَوْم أُحُد . قَالَ مُجَاهِد : وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ يَوْمئِذٍ وَلَا قَبْله وَلَا بَعْده إِلَّا يَوْم بَدْر . )6181 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا جَعَلَهُ اللَّه إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبكُمْ بِهِ } لِمَا أَعْرِف مِنْ ضَعْفكُمْ , وَمَا النَّصْر إِلَّا مِنْ عِنْدِي بِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي , وَذَلِكَ أَنِّي أَعْرِف الْحِكْمَة الَّتِي لَا إِلَى أَحَد مِنْ خَلْقِي . )6182 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { وَمَا النَّصْر إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه } لَوْ شَاءَ أَنْ يَنْصُركُمْ بِغَيْرِ الْمَلَائِكَة فَعَلَ الْعَزِيز الْحَكِيم .)|الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ|وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { الْعَزِيز الْحَكِيم } فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَعْنِي : الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَهْل الْكُفْر بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْل طَاعَته , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره . يَقُول : فَأَبْشِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِتَدْبِيرِي لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ , وَنَصْرِي إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُونِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَصَبَرْتُمْ لِجِهَادِ عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ .

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } وَيَعْنِي بِالطَّرَفِ : الطَّائِفَة وَالنَّفَر . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ كَمَا يُهْلِك طَائِفَة مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله فَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّة رَبّهمْ وَنُبُوَّة نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 6183 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } فَقَطَعَ اللَّه يَوْم بَدْر طَرَفًا مِنْ الْكُفَّار , وَقَتَلَ صَنَادِيدهمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ , وَقَادَتْهُمْ فِي الشَّرّ . )6184 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , نَحْوه . 6185 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَذَا يَوْم بَدْر , قَطَعَ اللَّه طَائِفَة مِنْهُمْ , وَبَقِيَتْ طَائِفَة . )6186 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ لِيَقْطَع طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِم بِهِ مِنْهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا النَّصْر إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا , وَقَالَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ قُتِلَ بِأَحَدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6187 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ذَكَرَ اللَّه قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ , يَعْنِي بِأُحُدٍ , وَكَانُوا ثَمَانِيَة عَشَر رَجُلًا , فَقَالَ : { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } ثُمَّ ذَكَرَ الشُّهَدَاء فَقَالَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا } . .. الْآيَة . [3 169])|أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ يَكْبِتهُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَوْ يُخْزِيهِمْ بِالْخَيْبَةِ بِمَا رَجَوْا مِنْ الظَّفَر بِكُمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : { أَوْ يَكْبِتهُمْ } أَوْ يَصْرَعهُمْ لِوُجُوهِهِمْ , ذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَب تَقُول : كَبَتَهُ اللَّه لِوَجْهِهِ , بِمَعْنَى صَرَعَهُ اللَّه . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه بِبَدْرٍ , لِيُهْلِكَ فَرِيقًا مِنْ الْكُفَّار بِالسَّيْفِ , أَوْ يُخْزِيهِمْ بِخَيْبَتِهِمْ مِمَّا طَمِعُوا فِيهِ مِنْ الظَّفَر , { فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } يَقُول : فَيَرْجِعُوا عَنْكُمْ خَائِبِينَ لَمْ يُصِيبُوا مِنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا رَجَوْا أَنْ يَنَالُوهُ مِنْكُمْ . كَمَا : 6188 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { أَوْ يَكْبِتهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَوْ يَرُدّهُمْ خَائِبِينَ , أَوْ يَرْجِع مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ خَائِبِينَ , لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يَأْمُلُونَ . )6189 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَوْ يَكْبِتهُمْ } يَقُول : يُخْزِيهِمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ . )6190 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتهُمْ , أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ , أَوْ يُعَذِّبهُمْ , فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ , لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء , فَقَوْله : { أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } مَنْصُوب عَطْفًا عَلَى قَوْله : { أَوْ يَكْبِتهُمْ } . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَأْوِيله : لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِمْ , فَيَكُون نَصْب | يَتُوب | بِمَعْنَى | أَوْ | الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى | حَتَّى | . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّهُ لَا شَيْء مِنْ أَمْر الْخَلْق إِلَى أَحَد سِوَى خَالِقهمْ قَبْل تَوْبه الْكُفَّار وَعِقَابهمْ وَبَعْد ذَلِكَ . وَتَأْوِيل قَوْله : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء } لَيْسَ إِلَيْك يَا مُحَمَّد مِنْ أَمْر خَلْقِي إِلَّا أَنْ تُنَفِّذ فِيهِمْ أَمْرِي , وَتَنْتَهِي فِيهِمْ إِلَى طَاعَتِي , وَإِنَّمَا أَمْرهمْ إِلَيَّ وَالْقَضَاء فِيهِمْ بِيَدِي دُون غَيْرِي أَقْضِي فِيهِمْ , وَأَحْكُم بِاَلَّذِي أَشَاء مِنْ التَّوْبَة عَلَى مَنْ كَفَرَ بِي وَعَصَانِي , وَخَالَفَ أَمْرِي , أَوْ الْعَذَاب إِمَّا فِي عَاجِل الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالنِّقَم الْمُبِيرَة , وَأَمَّا فِي آجِل الْآخِرَة بِمَا أَعْدَدْت لِأَهْلِ الْكُفْر بِي . كَمَا : 6191 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْم فِي شَيْء فِي عِبَادِي إِلَّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ , أَوْ أَتُوب عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي , فَإِنْ شِئْت فَعَلْت . أَوْ أُعَذِّبهُمْ بِذُنُوبِهِمْ , { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ قَدْ اِسْتَحَقُّوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ . وَذُكِرَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ بِأُحُدٍ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَالَ كَالْآيِسِ لَهُمْ مِنْ الْهُدَى أَوْ مِنْ الْإِنَابَة إِلَى الْحَقّ : ( كَيْفَ يُفْلِح قَوْم فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ . )ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ . 6192 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : قَالَ أَنَس : (قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ , فَجَعَلَ يَمْسَح عَنْ وَجْهه الدَّم وَيَقُول : | كَيْفَ يُفْلِح قَوْم خَضَّبُوا نَبِيّهمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبّهمْ ؟ | فَأُنْزِلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُمَيْد الطَّوِيل , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ حُمَيْد الطَّوِيل , عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين شُجَّ فِي جَبْهَته , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته : | لَا يُفْلِح قَوْم صَنَعُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ | فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } )6193 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب عَنْ اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ الْحَسَن (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْم أُحُد : | كَيْفَ يُفْلِح قَوْم أَدْمَوْا وَجْه نَبِيّهمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ | فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْو 6194 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : (( { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , وَقَدْ جُرِحَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهه , وَأُصِيبَ بَعْض رَبَاعِيَته , فَقَالَ وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَغْسِل عَنْ وَجْهه الدَّم : | كَيْفَ يُفْلِح قَوْم خَضَّبُوا وَجْه نَبِيّهمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبّهمْ | فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ))* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ مَطَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (أُصِيبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَفُرِقَ حَاجِبه , فَوَقَعَ وَعَلَيْهِ دِرْعَانِ وَالدَّم يَسِيل , فَمَرَّ بِهِ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة , فَأَجْلَسَهُ , وَمَسَحَ عَنْ وَجْهه , فَأَفَاقَ وَهُوَ يَقُول : ( كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه | فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ))6195 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَوْله : ( { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء } . .. الْآيَة , قَالَ : قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد وَقَدْ شُجَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهه , وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَته , فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : ( كَيْفَ يُفْلِح قَوْم أَدْمَوْا وَجْه نَبِيّهمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه وَهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الشَّيْطَان وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى وَيَدْعُونَهُ إِلَى الضَّلَالَة , وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّة وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّار | فَهُمْ أَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } فَكَفَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدُّعَاء عَلَيْهِمْ . ))* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } . .. الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ : جَاءَ أَبُو سُفْيَان مِنْ الْحَوْل غَضْبَان لَمَّا صَنَعَ بِأَصْحَابِهِ يَوْم بَدْر , فَقَاتَلَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد قِتَالًا شَدِيدًا , حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ بِعَدَدِ الْأُسَارَى يَوْم بَدْر , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَة عَلِمَ اللَّه أَنَّهَا قَدْ خَالَطَتْ غَضَبًا : ( كَيْفَ يُفْلِح قَوْم خَضَّبُوا وَجْه نَبِيّهمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام | فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ))* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّ رَبَاعِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصِيبَتْ يَوْم أُحُد , أَصَابَهَا عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص , وَشَجَّهُ فِي وَجْهه , وَكَانَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَغْسِل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّم , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( كَيْفَ يُفْلِح قَوْم صَنَعُوا بِنَبِيِّهِمْ هَذَا | فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ))6196 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , وَعَنْ عُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص يَوْم أُحُد حِين كَسَرَ رَبَاعِيَته , وَوَثَأَ وَجْهه , فَقَالَ : | اللَّهُمَّ لَا تُحِلْ عَلَيْهِ الْحَوْل حَتَّى يَمُوت كَافِرًا ! | قَالَ : فَمَا حَال عَلَيْهِ الْحَوْل حَتَّى مَاتَ كَافِرًا . )6197 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (شُجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَرْق حَاجِبه , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : ذُكِرَ لَنَا (أَنَّهُ لَمَّا جُرِحَ , جَعَلَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَغْسِل الدَّم عَنْ وَجْهه , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | كَيْف يُفْلِح قَوْم خَضَّبُوا وَجْه نَبِيّهمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه ؟ | . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُ دَعَا عَلَى قَوْم , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : لَيْسَ الْأَمْر إِلَيْك فِيهِمْ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 6198 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن حَبِيب بْن عَرَبِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَة نَفَر , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } قَالَ : وَهَدَاهُمْ اللَّه لِلْإِسْلَامِ . )6199 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن سُفْيَان , عَنْ عُمَر بْن حَمْزَة , عَنْ سَالِم , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ اِلْعَنْ أَبَا سُفْيَان ! اللَّهُمَّ اِلْعَنْ الْحَارِث بْن هِشَام ! اللَّهُمَّ اِلْعَنْ صَفْوَان بْن أُمَيَّة ! | فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } )6200 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , قَالَ : (صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْر , فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة , قَالَ : | اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَسَلَمَة بْن هِشَام وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد , اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتك عَلَى مُضَر , اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي آل يُوسُف ! | فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ } . .. الْآيَة . )6201 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَأَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول حِين يَفْرُغ فِي صَلَاة الْفَجْر مِنْ الْقِرَاءَة , وَيُكَبِّر وَيَرْفَع رَأْسه : | سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ , رَبّنَا وَلَك الْحَمْد | ثُمَّ يَقُول وَهُوَ قَائِم : | اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَسَلَمَة بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتك عَلَى مُضَر , وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُف , اللَّهُمَّ اِلْعَنْ لَحْيَان وَرِعْلًا وَذَكْوَان وَعُصَيَّة عَصَتْ اللَّه وَرَسُوله | . ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } .)

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ لَك يَا مُحَمَّد مِنْ الْأَمْر شَيْء , وَلِلَّهِ جَمِيع مَا بَيْن أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ مَشْرِق الشَّمْس إِلَى مَغْرِبهَا دُونك وَدُونهمْ , يَحْكُم فِيهِمْ بِمَا شَاءَ , وَيَقْضِي فِيهِمْ مَا أَحَبَّ , فَيَتُوب عَلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه الْعَاصِينَ أَمْره وَنَهْيه , ثُمَّ يَغْفِر لَهُ وَيُعَاقِب مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى جُرْمه , فَيَنْتَقِم مِنْهُ , وَهُوَ الْغَفُور الَّذِي يَسْتُر ذُنُوب مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتُر عَلَيْهِ ذُنُوبه مِنْ خَلْقه بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح , وَالرَّحِيم بِهِمْ فِي تَرْكه عُقُوبَتهمْ عَاجِلًا عَلَى عَظِيم مَا يَأْتُونَ مِنْ الْمَآثِم . كَمَا : 6202 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } أَيْ يَغْفِر الذُّنُوب , وَيَرْحَم الْعِبَاد عَلَى مَا فِيهِمْ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فِي إِسْلَامكُمْ , بَعْد إِذْ هَدَاكُمْ لَهُ , كَمَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتكُمْ . وَكَانَ أَكْلهمْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتهمْ أَنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ كَانَ يَكُون لَهُ عَلَى الرَّجُل مَال إِلَى أَجَل , فَإِذَا حَلَّ الْأَجَل طَلَبَهُ مِنْ صَاحِبه , فَيَقُول لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَال : أَخِّرْ عَنِّي دَيْنك , وَأَزِيدك عَلَى مَالِك ! فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ , فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي إِسْلَامهمْ عَنْهُ . كَمَا : 6203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (كَانَتْ ثَقِيف تُدَايِن فِي بَنِي الْمُغِيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَإِذَا حَلَّ الْأَجَل , قَالُوا : نَزِيدكُمْ وَتُؤَخِّرُونَ ! فَنَزَلَتْ : { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } )6204 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَام إِذْ هَدَاكُمْ لَهُ , مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إِذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْره مِمَّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينكُمْ . )6205 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } قَالَ : رِبَا الْجَاهِلِيَّة . )6206 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول : إِنَّمَا كَانَ الرَّبَّا فِي الْجَاهِلِيَّة فِي التَّضْعِيف وَفِي السِّنّ , يَكُون لِلرَّجُلِ فَضْل دَيْن , فَيَأْتِيه إِذَا حَلَّ الْأَجَل , فَيَقُول لَهُ : تَقْضِينِي أَوْ تَزِيدنِي ؟ فَإِنْ كَانَ عِنْده شَيْء يَقْضِيه قَضَى , وَإِلَّا حَوَّلَهُ إِلَى السِّنّ الَّتِي فَوْق ذَلِكَ , إِنْ كَانَتْ اِبْنَة مَخَاض يَجْعَلهَا اِبْنَة لَبُون فِي السَّنَة الثَّانِيَة , ثُمَّ حِقَّة , ثُمَّ جَذَعَة ثُمَّ رَبَاعِيًا , ثُمَّ هَكَذَا إِلَى فَوْق . وَفِي الْعَيْن يَأْتِيه , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده أَضْعَفه فِي الْعَام الْقَابِل , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده أَضْعَفه أَيْضًا , فَتَكُون مِائَة فَيَجْعَلهَا إِلَى قَابِل مِائَتَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده جَعَلَهَا أَرْبَعمِائَةٍ , يُضَعِّفهَا لَهُ كُلّ سَنَة , أَوْ يَقْضِيه . قَالَ : فَهَذَا قَوْله : { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة } .)|مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمْر الرِّبَا فَلَا تَأْكُلُوهُ , وَفِي غَيْره مِمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ , أَوْ نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَأَطِيعُوهُ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ , يَقُول : لِتَنْجَحُوا فَتَنْجُوا مِنْ عِقَابه , وَتُدْرِكُوا مَا رَغَّبَكُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابه , وَالْخُلُود فِي جِنَانه . كَمَا : 6207 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ فَأَطِيعُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ أَنْ تَنْجُوا مِمَّا حَذَّرَكُمْ مِنْ عَذَابه , وَتُدْرِكُوا مَا رَغَّبَكُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابه .)

وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : وَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّار أَنْ تَصْلَوْهَا بِأَكْلِكُمْ الرِّبَا بَعْد نَهْيِي إِيَّاكُمْ عَنْهُ الَّتِي أَعْدَدْتهَا لِمَنْ كَفَرَ بِي , فَتَدْخُلُوا مَدَاخِلهمْ بَعْد إِيمَانكُمْ بِي بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي , وَتَرْككُمْ طَاعَتِي . كَمَا : 6208 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاتَّقُوا النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } الَّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمَنْ كَفَرَ بِي .)

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَطِيعُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ أَكْل الرِّبَا وَغَيْره مِنْ الْأَشْيَاء , وَفِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ الرَّسُول . يَقُول : أَوْ طِيعُوا الرَّسُول أَيْضًا كَذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ , يَقُول : لِتُرْحَمُوا فَلَا تُعَذَّبُوا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مُعَاتَبَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْره يَوْم أُحُد , فَأَخَلُّوا بِمَرَاكِزِهِمْ الَّتِي أُمِرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6209 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَأَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } مُعَاتَبَة لِلَّذِينَ عَصَوْا رَسُوله حِين أَمَرَهُمْ بِاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْم وَفِي غَيْره , يَعْنِي فِي يَوْم أُحُد .)

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَسَارِعُوا } وَبَادِرُوا وَسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ , يَعْنِي : إِلَى مَا يَسْتُر عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ مِنْ رَحْمَته , وَمَا يُغَطِّيهَا عَلَيْكُمْ مِنْ عَفْوه عَنْ عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهَا { وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي سَارِعُوا أَيْضًا إِلَى جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض , ذُكِرَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَجَنَّة عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَوَات السَّبْع , وَالْأَرَضِينَ السَّبْع , إِذَا ضُمَّ بَعْضهَا إِلَى بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6210 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : تُقْرَن السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرَضُونَ السَّبْع , كَمَا تُقْرَن الثِّيَاب بَعْضهَا إِلَى بَعْض , فَذَاكَ عَرْض الْجَنَّة . )وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَوَصَفَ عَرْضهَا بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ , وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْنَا مِنْ وَصْف عَرْضهَا بِعَرْضِ السَّمَوَات وَالْأَرْض , تَشْبِيهًا بِهِ فِي السَّعَة وَالْعِظَم , كَمَا قِيلَ : { مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة } [31 28 ]يَعْنِي إِلَّا كَبَعْثِ نَفْس وَاحِدَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>كَأَنَّ عَذِيرهمْ بِجَنُوبِ سَلَّى .......... نَعَام قَاقَ فِي بَلَد قِفَار <br>أَيْ عَذِير نَعَام , وَكَمَا قَالَ الْآخَر : <br>حَسِبْت بُغَام رَاحِلَتِي عَنَاقًا .......... وَمَا هِيَ وَيْب غَيْرك بِالْعِنَاقِ <br>يُرِيد صَوْت عَنَاق . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ : هَذِهِ الْجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ : ( هَذَا النَّهَار إِذَا جَاءَ , أَيْنَ اللَّيْل ؟ . )ذِكْر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْره . 6211 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُسْلِم بْن خَالِد , عَنْ اِبْن خُثَيْم , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي رَاشِد , عَنْ يَعْلَى بْن مُرَّة , قَالَ : (لَقِيت التَّنُوخِيّ رَسُول هِرَقْل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِمْصَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أُقْعِدَ , قَالَ : قَدِمْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ هِرَقْل , فَنَاوَلَ الصَّحِيفَة رَجُلًا عَنْ يَسَاره , قَالَ : قُلْت مَنْ صَاحِبكُمْ الَّذِي يَقْرَأ ؟ قَالُوا : مُعَاوِيَة , فَإِذَا هُوَ : إِنَّك كَتَبْت تَدْعُونِي إِلَى جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ , فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَسُبْحَان اللَّه , فَأَيْنَ اللَّيْل إِذَا جَاءَ النَّهَار ؟ | )6212 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : (أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُود سَأَلُوا عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض , أَيْنَ النَّار ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِذَا جَاءَ اللَّيْل أَيْنَ يَكُون النَّهَار ؟ | فَقَالُوا : اللَّهُمَّ نَزَعْت مِثْله مِنْ التَّوْرَاة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : (أَنَّ عُمَر أَتَاهُ ثَلَاثَة نَفَر مِنْ أَهْل نَجْرَان , فَسَأَلُوهُ وَعِنْده أَصْحَابه , فَقَالُوا : أَرَأَيْت قَوْله : { وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَأَيْنَ النَّار ؟ فَأَحْجَمَ النَّاس , فَقَالَ عُمَر : | أَرَأَيْتُمْ إِذَا جَاءَ اللَّيْل , أَيْنَ يَكُون النَّهَار ؟ وَإِذَا جَاءَ النَّهَار , أَيْنَ يَكُون اللَّيْل ؟ | فَقَالُوا : نَزَعْت مِثْلهَا مِنْ التَّوْرَاة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمَثْنَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ عُمَر , بِنَحْوِهِ فِي الثَّلَاثَة الرَّهْط الَّذِينَ أَتَوْا عُمَر , فَسَأَلُوهُ عَنْ جَنَّة عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَوَات وَالْأَرْض , بِمِثْلِ حَدِيث قَيْس بْن مُسْلِم . 6213 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : (جَاءَ رَجُل مِنْ الْيَهُود إِلَى عُمَر , فَقَالَ : تَقُولُونَ : جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أَيْنَ تَكُون النَّار ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَر : أَرَأَيْت النَّهَار إِذَا جَاءَ , أَيْنَ يَكُون اللَّيْل ؟ أَرَأَيْت اللَّيْل إِذَا جَاءَ , أَيْنَ يَكُون النَّهَار ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لِمِثْلِهَا فِي التَّوْرَاة , فَقَالَ لَهُ صَاحِبه : لِمَ أَخْبَرْته ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبه : دَعْهُ إِنَّهُ بِكُلٍّ مُوقِن . )6214 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن بُرْقَان , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن الْأَصَمّ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَتَى اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : تَقُولُونَ جَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَأَيْنَ النَّار ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَرَأَيْت اللَّيْل إِذَا جَاءَ , أَيْنَ يَكُون النَّهَار ؟ وَإِذَا جَاءَ النَّهَار , أَيْنَ يَكُون اللَّيْل ؟)|أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ الْجَنَّة الَّتِي عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ السَّبْع أَعَدَّهَا اللَّه لِلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه , فَأَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ , فَلَمْ يَتَعَدَّوْا حُدُوده , وَلَمْ يُقَصِّرُوا فِي وَاجِب حَقّه عَلَيْهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ . كَمَا : 6215 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ( { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } أَيْ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي .)

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء } أُعِدَّتْ الْجَنَّة الَّتِي عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض لِلْمُتَّقِينَ , وَهُمْ الْمُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه , إِمَّا فِي صَرْفه عَلَى مُحْتَاج , وَإِمَّا فِي تَقْوِيَة مُضْعَف عَلَى النُّهُوض لِلْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { فِي السَّرَّاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فِي حَال السُّرُور بِكَثْرَةِ الْمَال , وَرَخَاء الْعَيْش وَالسَّرَّاء : مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ سَرَّنِي هَذَا الْأَمْر مَسَرَّة وَسُرُورًا ; وَالضَّرَّاء : مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ ضُرَّ فُلَان فَهُوَ يُضَرّ إِذَا أَصَابَهُ الضُّرّ , وَذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُ الضِّيق وَالْجَهْد فِي عَيْشه . 6216 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبَى , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء } يَقُول : فِي الْعُسْر وَالْيُسْر . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ صِفَتهَا لِمَنْ اِتَّقَاهُ وَأَنْفَقَ مَاله فِي حَال الرَّخَاء وَالسَّعَة وَفِي حَال الضِّيق وَالشِّدَّة فِي سَبِيله . )وَقَوْله : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ } يَعْنِي : وَالْجَارِعِينَ الْغَيْظ عِنْد اِمْتِلَاء نُفُوسهمْ مِنْهُ , يُقَال مِنْهُ : كَظَمَ فُلَان غَيْظه : إِذَا تَجَرَّعَهُ فَحَفِظَ نَفْسه مِنْ أَنْ تَمْضِي مَا هِيَ قَادِرَة عَلَى إِمْضَائِهِ بِاسْتِمْكَانِهَا مِمَّنْ غَاظَهَا وَانْتِصَارهَا مِمَّنْ ظَلَمَهَا . وَأَصْل ذَلِكَ مِنْ كَظَمَ الْقِرْبَة , يُقَال مِنْهُ : كَظَمْت الْقِرْبَة : إِذَا مَلَأْتهَا مَاء , وَفُلَان كَظِيم وَمَكْظُوم إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا غَمًّا وَحُزْنًا , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْن فَهُوَ كَظِيم } [12 84 ]يَعْنِي مُمْتَلِئ مِنْ الْحُزْن , وَمِنْهُ قِيلَ لِمَجَارِي الْمِيَاه الْكَظَائِم لِامْتِلَائِهَا بِالْمَاءِ , وَمِنْهُ قِيلَ : أَخَذْت بِكَظْمِهِ يَعْنِي بِمَجَارِي نَفْسه . وَالْغَيْظ : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : غَاظَنِي فُلَان فَهُوَ يَغِيظنِي غَيْظًا , وَذَلِكَ إِذَا أَحْفَظَهُ وَأَغْضَبَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَالصَّافِحِينَ عَنْ النَّاس عُقُوبَة ذُنُوبهمْ إِلَيْهِمْ , وَهُمْ عَلَى الِانْتِقَام مِنْهُمْ قَادِرُونَ , فَتَارِكُوهَا لَهُمْ . وَأَمَّا قَوْله { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهَذِهِ الْأُمُور الَّتِي وَصَفَ أَنَّهُ أَعَدَّ لِلْعَامِلِينَ بِهَا الْجَنَّة الَّتِي عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَالْعَامِلُونَ بِهَا هُمْ الْمُحْسِنُونَ , وَإِحْسَانهمْ هُوَ عَمَلهمْ بِهَا . كَمَا : 6217 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء } . .. الْآيَة : { وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَذَلِكَ الْإِحْسَان , وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِل بِهِ . )6218 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } قَوْم أَنْفَقُوا فِي الْعُسْر وَالْيُسْر , وَالْجَهْد وَالرَّخَاء , فَمَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَغْلِب الشَّرّ بِالْخَيْرِ فَلْيَفْعَلْ , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ , فَنِعْمَتْ وَاَللَّه يَا اِبْن آدَم الْجَرْعَة تَجْتَرِعُهَا مِنْ صَبْر وَأَنْتَ مَغِيظ وَأَنْتَ مَظْلُوم . )6219 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا مُحْرِز أَبُو رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (يُقَال يَوْم الْقِيَامَة : لِيَقُمْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّه أَجْر ! فَمَا يَقُوم إِلَّا إِنْسَان عَفَا . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } )6220 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن قَيْس , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام يُقَال لَهُ عَبْد الْجَلِيل , عَنْ عَمّ لَهُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله : ( { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ } أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِر عَلَى إِنْفَاذه مَلَأَهُ اللَّه أَمْنًا وَإِيمَانًا . )6221 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ } . .. إِلَى الْآيَة : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } , فَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ كَقَوْلِهِ : { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [42 37 ]يَغْضَبُونَ فِي الْأَمْر لَوْ وَقَعُوا بِهِ كَانَ حَرَامًا فَيَغْفِرُونَ وَيَعْفُونَ , يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه ; { وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس } كَقَوْلِهِ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } . .. إِلَى : { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَكُمْ } [24 22 ]يَقُول : لَا تَقْسِمُوا عَلَى أَنْ لَا تُعْطُوهُمْ مِنْ النَّفَقَة شَيْئًا وَاعْفُوا وَاصْفَحُوا .)

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة } أَنَّ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ صِفَتهَا أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ , الْمُنْفِقِينَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء , وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة وَجَمِيع هَذِهِ النُّعُوت مِنْ صِفَة الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } . كَمَا 6222 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : ( { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } , ثُمَّ قَرَأَ : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } . .. إِلَى { أَجْر الْعَامِلِينَ } فَقَالَ : إِنَّ هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ لِنَعْتِ رَجُل وَاحِد . )6223 - حَدَّثَنَا اِبْن حَمِيد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } قَالَ : هَذَانِ ذَنْبَانِ : الْفَاحِشَة ذَنْب , وَظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَنْب . )وَأَمَّا الْفَاحِشَة فَهِيَ صِفَة لِمَتْرُوكٍ , وَمَعْنَى الْكَلَام : وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فِعْلَة فَاحِشَة . وَمَعْنَى الْفَاحِشَة : الْفِعْلَة الْقَبِيحَة الْخَارِجَة عَمَّا أَذِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ . وَأَصْل الْفُحْش الْقُبْح وَالْخُرُوج عَنْ الْحَدّ وَالْمِقْدَار فِي كُلّ شَيْء , وَمِنْهُ قِيلَ لِلطَّوِيلِ الْمُفْرِط الطُّول : إِنَّهُ لَفَاحِش الطُّول , يُرَاد بِهِ : قَبِيح الطُّول , خَارِج عَنْ الْمِقْدَار الْمُسْتَحْسَن ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكَلَامِ الْقَبِيح غَيْر الْقَصْد : كَلَام فَاحِش , وَقِيلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ : أَفْحَشَ فِي كَلَامه : إِذَا نَطَقَ بِفُحْشٍ . وَقِيلَ : إِنَّ الْفَاحِشَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهَا الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6224 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْعَظِيم , قَالَ : ثنا حِبَّان , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ ثَابِت , عَنْ جَابِر : ( { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة } قَالَ : زَنَى الْقَوْم وَرَبّ الْكَعْبَة . )6225 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة } أَمَّا الْفَاحِشَة : فَالزِّنَا . )وَقَوْله : { أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِهِ : فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ غَيْر الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا . وَاَلَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ رُكُوبهمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه مَا أَوْجَبُوا لَهَا بِهِ عُقُوبَته . كَمَا : 6226 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } قَالَ : الظُّلْم مِنْ الْفَاحِشَة , وَالْفَاحِشَة مِنْ الظُّلْم . )وَقَوْله : { ذَكَرُوا اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ ذَكَرُوا وَعِيد اللَّه عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ . { فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } يَقُول : فَسَأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يَسْتُر عَلَيْهِمْ ذُنُوبهمْ بِصَفْحِهِ لَهُمْ عَنْ الْعُقُوبَة عَلَيْهَا . { وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه } يَقُول : وَهَلْ يَغْفِر الذُّنُوب : أَيْ يَعْفُو عَنْ رَاكِبهَا فَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ إِلَّا اللَّه ؟ { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } يَقُول : وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبهمْ الَّتِي أَتَوْهَا , وَمَعْصِيَتهمْ الَّتِي رَكِبُوهَا { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَقُول : لَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذُنُوبهمْ عَامِدِينَ لِلْمُقَامِ عَلَيْهَا , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه قَدْ تَقَدَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا , وَأَوْعَدَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَة , مَنْ رَكِبَهَا . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ خُصُوصًا بِتَخْفِيفِهَا وَيُسْرهَا أُمَّتَنَا مِمَّا كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل مُمْتَحَنَة بِهِ مِنْ عَظِيم الْبَلَاء فِي ذُنُوبهَا . 6227 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء بْن أَبَى رَبَاح : (أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه , بَنُو إِسْرَائِيل أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنَّا , كَانُوا إِذَا أَذْنَبَ أَحَدهمْ أَصْبَحَتْ كَفَّارَة ذَنْبه مَكْتُوبَة فِي عَتَبَة بَابه : اِجْدَعْ أُذُنك , اِجْدَعْ أَنْفك , اِفْعَلْ ! فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ وَجَنَّة عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا أُخْبِركُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ | فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَات . )6228 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عُمَر أَبِي خَلِيفَة الْعَبْدِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِذَا أَذْنَبُوا , أَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابه الذَّنْب وَكَفَّارَته , فَأُعْطِينَا خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة . )6229 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه } بَكَى إِبْلِيس فَزَعًا مِنْ هَذِهِ الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ إِبْلِيس حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } بَكَى . )6230 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت عُثْمَان مَوْلَى آل أَبِي عُقَيْل الثَّقَفِيّ , قَالَ : سَمِعْت عَلِيّ بْن رَبِيعَة , يُحَدِّث عَنْ رَجُل مِنْ فَزَارَة يُقَال لَهُ أَسْمَاء أَوْ اِبْن أَسْمَاء , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (كُنْت إِذَا سَمِعْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا , نَفَعَنِي اللَّه بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعنِي , فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر - وَصَدَقَ أَبُو بَكْر - عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( مَا مِنْ عَبْد | قَالَ شُعْبَة : وَأَحْسِبهُ قَالَ | مُسْلِم يُذْنِب ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه لِذَلِكَ الذَّنْب . .. | وَقَالَ شُعْبَة : وَقَرَأَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } ))* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا الْفَضْل بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ مِسْعَر وَسُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة الثَّقَفِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن رَبِيعَة الْوَالِبِيّ , عَنْ أَسْمَاء بْن الْحَكَم الْفَزَارِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ : (كُنْت إِذَا سَمِعْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّه بِمَا شَاءَ مِنْهُ , وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْره , اِسْتَحْلَفْته , فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْته ; وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر وَصَدَقَ أَبُو بَكْر أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ رَجُل يُذْنِب ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأ , ثُمَّ يُصَلِّي | , قَالَ أَحَدهمَا : | رَكْعَتَيْنِ | وَقَالَ الْآخَر : | ثُمَّ يُصَلِّي وَيَسْتَغْفِر اللَّه إِلَّا غُفِرَ لَهُ . ))* - حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بَكَّار , قَالَ : ثني سَعْد بْن سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ جَدّه عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّهُ قَالَ : (مَا حَدَّثَنِي أَحَد عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَأَلْته أَنْ يُقْسِم لِي بِاَللَّهِ لَهُوَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبَا بَكْر , فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِب . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ عَبْد يُذْنِب ذَنْبًا ثُمَّ يَقُوم عِنْد ذِكْر ذَنْبه فَيَتَوَضَّأ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , وَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ إِلَّا غَفَرَ اللَّه لَهُ . ))وَأَمَّا قَوْله { ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } فَإِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا تَأْوِيله ; وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَهْل التَّأْوِيل يَقُولُونَ . 6231 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة } أَيْ إِنْ أَتَوْا فَاحِشَة { أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا نَهْي اللَّه عَنْهَا , وَمَا حَرَّمَ اللَّه عَنْهَا , فَاسْتَغْفَرُوا لَهَا , وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا هُوَ . )وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه } فَإِنَّ اِسْم اللَّه مَرْفُوع , وَلَا جَحْد قَبْله , وَإِنَّمَا يُرْفَع مَا بَعْد إِلَّا بِإِتْبَاعِهِ مَا قَبْله إِذَا كَانَ نَكِرَة وَمَعَهُ جَحْد , كَقَوْلِ الْقَائِل : مَا فِي الدَّار أَحَد إِلَّا أَخُوك ; فَأَمَّا إِذَا قِيلَ : قَامَ الْقَوْم إِلَّا أَبَاك , فَإِنَّ وَجْه الْكَلَام فِي الْأَب النَّصْب . وَ | مَنْ | بِصِلَتِهِ فِي قَوْله : { وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه } مَعْرِفَة فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ رَفْعًا , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَهَلْ يَغْفِر الذُّنُوب أَحَد , أَوْ مَا يَغْفِر الذُّنُوب أَحَد إِلَّا اللَّه , فَرُفِعَ مَا بَعْد إِلَّا مِنْ اللَّه عَلَى تَأْوِيل الْكَلَام , لَا عَلَى لَفْظه .|وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل الْإِصْرَار وَمَعْنَى الْكَلِمَة ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَمْ يَثْبُتُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ الذُّنُوب , وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُمْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا , كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6232 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَإِيَّاكُمْ وَالْإِصْرَار , فَإِنَّمَا هَلَكَ الْمُصِرُّونَ الْمَاضُونَ قُدُمًا , لَا يَنْهَاهُمْ مَخَافَة اللَّه عَنْ حَرَام حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ ذَنْب أَصَابُوهُ , حَتَّى أَتَاهُمْ الْمَوْت وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قَالَ : قُدُمًا قُدُمًا فِي مَعَاصِي اللَّه , لَا يَنْهَاهُمْ مَخَافَة اللَّه حَتَّى جَاءَهُمْ أَمْر اللَّه . )6233 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لَا يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي , كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ كُفْر بِي . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَمْ يُوَاقِعُوا الذَّنْب إِذَا هَمُّوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6234 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } قَالَ : إِتْيَان الْعَبْد ذَنْبًا إِصْرَارًا حَتَّى يَتُوب . )6235 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } قَالُوا : لَمْ يُوَاقِعُوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْإِصْرَار : السُّكُوت عَلَى الذَّنْب , وَتَرْك الِاسْتِغْفَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6236 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَمَّا يُصِرُّوا : فَيَسْكُتُوا وَلَا يَسْتَغْفِرُوا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : الْإِصْرَار الْإِقَامَة عَلَى الذَّنْب عَامِدًا , أَوْ تَرْك التَّوْبَة مِنْهُ . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : الْإِصْرَار عَلَى الذَّنْب : هُوَ مُوَاقَعَته ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَدَحَ بِتَرْكِ الْإِصْرَار عَلَى الذَّنْب مَوَاقِع الذَّنْب , فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِر الذُّنُوب إِلَّا اللَّه وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ; وَلَوْ كَانَ الْمُوَاقِع الذَّنْب مُصِرًّا بِمُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهُ , لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِغْفَارِ وَجْه مَفْهُوم , لِأَنَّ الِاسْتِغْفَار مِنْ الذَّنْب إِنَّمَا هُوَ التَّوْبَة مِنْهُ وَالنَّدَم , وَلَا يُعْرَف لِلِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْب لَمْ يُوَاقِعهُ صَاحِبه وَجْه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا أَصَرَّ مَنْ اِسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْم سَبْعِينَ مَرَّة . )6237 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحُسَيْن بْن يَزِيد السَّبِيعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن وَاقِد , عَنْ أَبِي نَصِيرَة , عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْر , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَوْ كَانَ مُوَاقِع الذَّنْب مُصِرًّا , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ ( مَا أَصَرَّ مَنْ اِسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْم سَبْعِينَ مَرَّة | )مَعْنًى , لِأَنَّ مُوَاقَعَة الذَّنْب , إِذَا كَانَتْ هِيَ الْإِصْرَار , فَلَا يُزِيل الِاسْم الَّذِي لَزِمَهُ مَعْنَى غَيْره , كَمَا لَا يُزِيل عَنْ الزَّانِي اِسْم زَانٍ , وَعَنْ الْقَاتِل اِسْم قَاتِل تَوْبَته مِنْهُ , وَلَا مَعْنَى غَيْرهَا , وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْخَبَر أَنَّ الْمُسْتَغْفِر مِنْ ذَنْبه غَيْر مُصِرّ عَلَيْهِ , فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ الْإِصْرَار غَيْر الْمُوَاقَعَة , وَأَنَّهُ الْمُقَام عَلَيْهِ عَلَى مَا قُلْنَا قَبْل .|وَهُمْ يَعْلَمُونَ|وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْلهمْ : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6238 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا , ثُمَّ أَقَامُوا فَلَمْ يَسْتَغْفِرُوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَتَوْا مَعْصِيَة اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6239 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قَالَ : يَعْلَمُونَ مَا حَرَّمْت عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَة غَيْرِي . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ .

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ وَجَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : أُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ الْجَنَّة الَّتِي عَرْضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ الْمُتَّقِينَ , وَوَصَفَهُمْ بِهِ , ثُمَّ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ { جَزَاؤُهُمْ } يَعْنِي ثَوَابهمْ مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ عَمِلُوهَا , { مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ } يَقُول : عَفْو لَهُمْ مِنْ اللَّه عَنْ عُقُوبَتهمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبهمْ , وَلَهُمْ عَلَى مَا أَطَاعُوا اللَّه فِيهِ مِنْ أَعْمَالهمْ بِالْحُسْنِ مِنْهَا جَنَّات , وَهِيَ الْبَسَاتِين { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : تَجْرِي خِلَال أَشْجَارهَا الْأَنْهَار , وَفِي أَسَافِلهَا جَزَاء لَهُمْ عَلَى صَالِح أَعْمَالهمْ , { خَالِدِينَ فِيهَا } يَعْنِي دَائِمِي الْمُقَام فِي هَذِهِ الْجَنَّات الَّتِي وَصَفَهَا , { وَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ } يَعْنِي وَنِعْمَ جَزَاء الْعَامِلِينَ لِلَّهِ الْجَنَّات الَّتِي وَصَفَهَا كَمَا : 6240 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ وَجَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَاب الْمُطِيعِينَ .)

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن } مَضَتْ وَسَلَفَتْ مِنِّي فِيمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ , مِنْ نَحْو قَوْم عَاد وَثَمُود , وَقَوْم هُود , وَقَوْم لُوط وَغَيْرهمْ مِنْ سُلَّاف الْأُمَم قَبْلكُمْ سُنَن , يَعْنِي ثَلَاث سِيَر بِهَا فِيهِمْ وَفِيمَنْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ , بِإِمْهَالِي أَهْل التَّكْذِيب بِهِمْ , وَاسْتِدْرَاجِي إِيَّاهُمْ , حَتَّى بَلَغَ الْكِتَاب فِيهِمْ أَجَله الَّذِي أَجَّلْته لِإِدَالَةِ أَنْبِيَائِهِمْ وَأَهْل الْإِيمَان بِهِمْ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَحْلَلْت بِهِمْ عُقُوبَتِي , وَنَزَلَتْ بِسَاحَتِهِمْ نِقْمَتِي , فَتَرَكْتهمْ لِمَنْ بَعْدهمْ أَمْثَالًا وَعِبَرًا . { فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } يَقُول : فَسِيرُوا أَيّهَا الظَّانُّونَ أَنَّ إِدَالَتِي مَنْ أَدَلْت مِنْ أَهْل الشِّرْك يَوْم أُحُد عَلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه لِغَيْرِ اِسْتِدْرَاج مِنِّي لِمَنْ أَشْرَكَ بِي , وَكُفْر بِرُسُلِي , وَخَالَفَ أَمْرِي فِي دِيَار الْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا قَبْلكُمْ , مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل الَّذِي عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي , وَالْجَاحِدُونَ وَحْدَانِيّتِي , فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة تَكْذِيبهمْ أَنْبِيَائِي , وَمَا الَّذِي آلَ إِلَيْهِ عَنْ خِلَافهمْ أَمْرِي , وَإِنْكَارهمْ وَحْدَانِيّتِي , فَتَعْلَمُوا عِنْد ذَلِكَ أَنَّ إِدَالَتِي مِنْ أَدَلْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى نَبِيّ مُحَمَّد وَأَصْحَابه بِأُحُدٍ , إِنَّمَا هِيَ اِسْتِدْرَاج وَإِمْهَال , لِيَبْلُغَ الْكِتَاب أَجَله الَّذِي أَجَّلْت لَهُمْ , ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَئُول حَالهمْ إِلَى مِثْل مَا آلَ إِلَيْهِ حَال الْأُمَم الَّذِينَ سَلَفُوا قَبْلهمْ مِنْ تَعْجِيل الْعُقُوبَة عَلَيْهِمْ , أَوْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَاتِّبَاع رَسُولِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6241 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } فَقَالَ : أَلَمْ تَسِيرُوا فِي الْأَرْض , فَتَنْظُرُوا كَيْفَ عَذَّبَ اللَّه قَوْم نُوح , وَقَوْم لُوط , وَقَوْم صَالِح , وَالْأُمَم الَّتِي عَذَّبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ؟ )6242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن } يَقُول : فِي الْكُفَّار وَالْمُؤْمِنِينَ , وَالْخَيْر وَالشَّرّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن } فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّار . )6243 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (اِسْتَقْبَلَ ذِكْر الْمُصِيبَة الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ - يَعْنِي بِالْمُسْلِمِينَ يَوْم أُحُد - وَالْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُمْ , وَالتَّمْحِيص لِمَا كَانَ فِيهِمْ , وَاِتِّخَاذه الشُّهَدَاء مِنْهُمْ , فَقَالَ تَعْزِيَة لَهُمْ , وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا وَمَا هُوَ صَانِع بِهِمْ : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنِّي وَقَائِع نِقْمَة فِي أَهْل التَّكْذِيب لِرُسُلِي وَالشِّرْك بِي : عَاد وَثَمُود وَقَوْم لُوط وَأَصْحَاب مَدْيَن , فَسِيرُوا فِي الْأَرْض تَرَوْا مَثُلَات قَدْ مَضَتْ فِيهِمْ , وَلِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنِّي , وَإِنْ أَمْكَنَتْ لَهُمْ : أَيْ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ نِقْمَتِي اِنْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّهُمْ وَعَدُوِّي لِلدَّوْلَةِ الَّتِي أَدِلَّتهَا عَلَيْكُمْ بِهَا ; لِأَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ , لِأَعْلَم مَا عِنْدكُمْ . )6244 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } يَقُول : مَتَّعَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا , ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّار . )وَأَمَّا السُّنَن , فَإِنَّهَا جَمَعَ سُنَّة , وَالسُّنَّة , هِيَ الْمِثَال الْمُتَّبَع , وَالْإِمَام الْمُؤْتَمّ بِهِ , يُقَال مِنْهُ : سَنَّ فُلَان فِينَا سُنَّة حَسَنَة , وَسَنَّ سُنَّة سَيِّئَة : إِذَا عَمِلَ عَمَلًا اُتُّبِعَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْر وَشَرّ , وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد بْن رَبِيعَة : <br>مِنْ مَعْشَر سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ .......... وَلِكُلِّ قَوْم سُنَّة وَإِمَامهَا <br>وَقَوْل سُلَيْمَان بْن قتة : <br>وَإِنَّ الْأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آل هَاشِم .......... تَآسُوا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا <br>وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ مَا : 6245 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن } قَالَ : أَمْثَال .)

هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِير إِلَيْهِ بِهَذَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِقَوْلِهِ هَذَا : الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } قَالَ : هَذَا الْقُرْآن . )6247 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . قَوْله : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ } وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن جَعَلَهُ اللَّه بَيَانًا لِلنَّاسِ عَامَّة , وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ خُصُوصًا . )6248 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ فِي قَوْله : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } خَاصَّة . )6249 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } خَاصَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أُشِيرَ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى قَوْله : ( { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَن فَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ } ثُمَّ قَالَ : هَذَا الَّذِي عَرَّفْتُكُمْ يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد بَيَان لِلنَّاسِ . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6250 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق بِذَلِكَ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : قَوْله هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا تَقَدَّمَ هَذِهِ الْآيَة مِنْ تَذْكِير اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ , وَتَعْرِيفهمْ حُدُوده , وَحَضّهمْ عَلَى لُزُوم طَاعَته , وَالصَّبْر عَلَى جِهَاد أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ , لِأَنَّ قَوْله هَذَا إِشَارَة إِلَى حَاضِر , إِمَّا مَرْئِي , وَإِمَّا مَسْمُوع , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى حَاضِر مَسْمُوع مِنْ الْآيَات الْمُتَقَدِّمَة . فَمَعْنَى الْكَلَام : هَذَا الَّذِي أَوْضَحْت لَكُمْ وَعَرَّفْتُكُمُوهُ , بَيَان لِلنَّاسِ ; يَعْنِي بِالْبَيَانِ : الشَّرْح وَالتَّفْسِير . كَمَا 6251 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ } أَيْ هَذَا تَفْسِير لِلنَّاسِ إِنْ قَبِلُوهُ . )6252 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم وَالْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ : ( { هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ } قَالَ : مِنْ الْعَمَى . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُدًى وَمَوْعِظَة } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْهُدَى : الدَّلَالَة عَلَى سَبِيل الْحَقّ وَمَنْهَج الدِّين , وَبِالْمَوْعِظَةِ : التَّذْكِرَة لِلصَّوَابِ وَالرَّشَاد . كَمَا : 6253 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم وَالْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ : ( { وَهُدًى } قَالَ : مِنْ الضَّلَالَة , { وَمَوْعِظَة } مِنْ الْجَهْل . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ مِثْله . 6254 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لِلْمُتَّقِينَ } أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي .)

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } </subtitle>وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَعْزِيَة لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْقَتْل بِأُحُدٍ , قَالَ : وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا يَا أَصْحَاب مُحَمَّد , يَعْنِي وَلَا تَضْعُفُوا بِاَلَّذِي نَالَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ بِأُحُدٍ مِنْ الْقَتْل وَالْقُرُوح , عَنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ وَحَرْبهمْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَهَنَ فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر فَهُوَ يَهِن وَهْنًا : { وَلَا تَحْزَنُوا } وَلَا تَأْسَوْا فَتَجْزَعُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْمُصِيبَة يَوْمئِذٍ , فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ , يَعْنِي الظَّاهِرُونَ عَلَيْهِمْ , وَلَكُمْ الْعُقْبَى فِي الظَّفَر وَالنُّصْرَة عَلَيْهِمْ , يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيِّي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَعِدكُمْ , وَفِيمَا يُنَبِّئكُمْ مِنْ الْخَبَر عَمَّا يَئُول إِلَيْهِ أَمْركُمْ وَأَمْرهمْ . كَمَا : 6255 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (كَثُرَ فِي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْل وَالْجِرَاح , حَتَّى خَلَصَ إِلَى كُلّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ الْيَأْس , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآن , فَآسَى فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مَا آسَى بِهِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة فَقَالَ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كَنَمِّ مُؤْمِنِينَ } إِلَى قَوْله : { لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } )6256 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يُعَزِّي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَسْمَعُونَ , وَيَحُثّهُمْ عَلَى قِتَال عَدُوّهُمْ , وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْعَجْز وَالْوَهَن فِي طَلَب عَدُوّهُمْ فِي سَبِيل اللَّه . )6257 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } قَالَ : يَأْمُر مُحَمَّدًا يَقُول : وَلَا تَهِنُوا أَنْ تَمْضُوا فِي سَبِيل اللَّه . )6258 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَلَا تَهِنُوا } وَلَا تَضْعُفُوا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6259 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } يَقُول : وَلَا تَضْعُفُوا . )6260 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَلَا تَهِنُوا } قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَلَا تَضْعُفُوا فِي أَمْر عَدُوّكُمْ , { وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ } قَالَ : اِنْهَزَمَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب , فَقَالُوا : مَا فَعَلَ فُلَان ؟ مَا فَعَلَ فُلَان ؟ فَنَعَى بَعْضهمْ بَعْضًا , وَتَحَدَّثُوا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , فَكَانُوا فِي هَمّ وَحَزَن . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ عَلَا خَالِد بْن الْوَلِيد الْجَبَل بِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ فَوْقهمْ وَهُمْ أَسْفَل فِي الشِّعْب ; فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِحُوا , وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ لَا قُوَّة لَنَا إِلَّا بِك , وَلَيْسَ يَعْبُدك بِهَذِهِ الْبَلْدَة غَيْر هَؤُلَاءِ النَّفَر . )قَالَ : وَثَابَ نَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُمَاة , فَصَعِدُوا , فَرَمَوْا خَيْل الْمُشْرِكِينَ حَتَّى هَزَمَهُمْ اللَّه , وَعَلَا الْمُسْلِمُونَ الْجَبَل ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . )6261 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا تَهِنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا , { وَلَا تَحْزَنُوا } وَلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ , { وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُون الْعَاقِبَة وَالظُّهُور , { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إِنْ كُنْتُمْ صَدَّقْتُمْ نَبِيِّي , بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنِّي . )6262 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (أَقْبَلَ خَالِد بْن الْوَلِيد يُرِيد أَنْ يَعْلُو عَلَيْهِمْ الْجَبَل , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اللَّهُمَّ لَا يَعْلَوْنَ عَلَيْنَا ! | فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } )

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } </subtitle>اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } كِلَاهُمَا بِفَتْحِ الْقَاف , بِمَعْنَى : إِنْ يَمْسَسْكُمْ الْقَتْل وَالْجِرَاح يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد , فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم مِنْ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَرْح قَتْل وَجِرَاح مِثْله . وَقَرَأَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | إِنْ يَمْسَسْكُمْ قُرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قُرْح مِثْله | . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } بِفَتْحِ الْقَاف فِي الْحَرْفَيْنِ لِإِجْمَاع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْقَتْل وَالْجِرَاح , فَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة هِيَ الْفَتْح . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّ الْقَرْح وَالْقُرْح لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , وَالْمَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : إِنَّ الْقَرْح الْجِرَاح وَالْقَتْل . 6263 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } قَالَ : جِرَاح وَقَتْل . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6264 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } قَالَ : إِنْ يَقْتُلُوا مِنْكُمْ يَوْم أُحُد , فَقَدْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر . )6265 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ , ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } . وَالْقَرْح : الْجِرَاحَة , وَذَاكُمْ يَوْم أُحُد , فَشَا فِي أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ الْقَتْل وَالْجِرَاحَة , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْقَوْم قَدْ أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِثْل الَّذِي أَصَابَكُمْ , وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَكُمْ عُقُوبَة . )6266 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } قَالَ : ذَلِكَ يَوْم أُحُد , فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْجِرَاح , وَفَشَا فِيهِمْ الْقَتْل , فَذَلِكَ قَوْله : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } يَقُول . إِنْ كَانَ أَصَابَكُمْ قَرْح فَقَدْ أَصَابَ عَدُوّكُمْ مِثْله , يُعَزِّي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِثّهُمْ عَلَى الْقِتَال . )6267 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } وَالْقَرْح : هِيَ الْجِرَاحَات . )6268 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح } أَيْ جِرَاح , { فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله } أَيْ جِرَاح مِثْلهَا . )6269 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (نَامَ الْمُسْلِمُونَ وَبِهِمْ الْكُلُوم - يَعْنِي يَوْم أُحُد - قَالَ عِكْرِمَة : وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قَرْح مِثْله وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّه مَا لَا يَرْجُونَ } [4 104 ])وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْح } فَإِنَّهُ : إِنْ يُصِبْكُمْ . كَمَا : 6270 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِنْ يَمْسَسْكُمْ } إِنْ يُصِبْكُمْ .)|وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } أَيَّام بَدْر وَأُحُد , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } نَجْعَلهَا دُوَلًا بَيْن النَّاس مُصَرَّفَة , وَيَعْنِي بِالنَّاسِ : الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَدَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ , فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ , وَأَدَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ , فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ سِوَى مَنْ جَرَحُوا مِنْهُمْ , يُقَال مِنْهُ : أَدَالَ اللَّه فُلَانًا مِنْ فُلَان فَهُوَ يُدِيلهُ مِنْهُ إِدَالَة إِذَا ظَفَرَ بِهِ فَانْتَصَرَ مِنْهُ مِمَّا كَانَ نَالَ مِنْهُ الْمُدَال مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6271 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } قَالَ : جَعَلَ اللَّه الْأَيَّام دُوَلًا , أَدَالَ الْكُفَّار يَوْم أُحُد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6272 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } إِنَّهُ وَاَللَّه لَوْلَا الدُّوَل مَا أُوذِيَ الْمُؤْمِنُونَ , وَلَكِنْ قَدْ يُدَال لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِن , وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ لِيَعْلَمَ اللَّه مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَيَعْلَم الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب . )6273 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } فَأَظْهَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , وَأَظْهَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ يَوْم أُحُد . وَقَدْ يُدَال الْكَافِر مِنْ الْمُؤْمِن , وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ , لِيَعْلَمَ اللَّه مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَيَعْلَم الصَّادِق مِنْ الْكَاذِب , وَأَمَّا مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْم أُحُد , فَكَانَ عُقُوبَة بِمَعْصِيَتِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6274 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } يَوْمًا لَكُمْ , وَيَوْمًا عَلَيْكُمْ . )6275 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } قَالَ : أَدَالَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد . )6276 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } فَإِنَّهُ كَانَ يَوْم أُحُد بِيَوْمِ بَدْر , قُتِلَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أُحُد , اِتَّخَذَ اللَّه مِنْهُمْ شُهَدَاء , وَغَلَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر الْمُشْرِكِينَ , فَجَعَلَ لَهُ الدَّوْلَة عَلَيْهِمْ . )6277 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا كَانَ قِتَال أُحُد , وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ , صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَبَل , فَجَاءَ أَبُو سُفْيَان , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , يَا مُحَمَّد , أَلَا تَخْرُج , أَلَا تَخْرُج ؟ الْحَرْب سِجَال , يَوْم لَنَا , وَيَوْم لَكُمْ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : | أَجِيبُوهُ ! | فَقَالُوا : لَا سَوَاء لَا سَوَاء , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : لَنَا عُزَّى , وَلَا عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قُولُوا : اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ | . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : اُعْلُ هُبَل ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقُولُوا : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ | . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : مَوْعِدكُمْ وَمَوْعِدنَا بَدْر الصُّغْرَى . قَالَ عِكْرِمَة : وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ : { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } فَإِنَّهُ أَدَالَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد . )6278 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } أَيْ نُصَرِّفهَا لِلنَّاسِ بِالْبَلَاءِ وَالتَّمْحِيص . )6279 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْوَهَّاب الْحَجَبِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس } قَالَ : يَعْنِي الْأُمَرَاء .)|وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِيَعْلَمَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَلِيَعْلَمَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام وَاو لَكَانَ قَوْله : | لِيَعْلَمَ | مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله , وَكَانَ : وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس لِيَعْلَمَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا . وَلَكِنْ لَمَّا دَخَلَتْ الْوَاو فِيهِ آذَنَتْ بِأَنَّ الْكَلَام مُتَّصِل بِمَا قَبْلهَا , وَأَنَّ بَعْدهَا خَبَرًا مَطْلُوبًا لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْله : | وَلِيَعْلَم | , مُتَعَلِّقَة بِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } مَعْرِفَة , وَأَنْتَ لَا تَسْتَجِيز فِي الْكَلَام : قَدْ سَأَلْت فَعَلِمْت عَبْد اللَّه , وَأَنْتَ تُرِيد : عَلِمْت شَخْصه , إِلَّا أَنْ تُرِيد : عَلِمْت صِفَته وَمَا هُوَ ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَازَ مَعَ الَّذِينَ , لِأَنَّ فِي | الَّذِينَ | تَأْوِيل | مَنْ | وَ | أَيّ | , وَكَذَلِكَ جَائِز مِثْله فِي الْأَلِف وَاللَّام , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [29 3 ]لِأَنَّ فِي الْأَلِف وَاللَّام مِنْ تَأْوِيل | أَيّ | , وَ | مَنْ | مِثْل الَّذِي فِي | الَّذِي | . وَلَوْ جُعِلَ مَعَ الِاسْم الْمَعْرِفَة اِسْم فِيهِ دَلَالَة عَلَى | أَيّ | جَازَ , كَمَا يُقَال : سَأَلْت لِأَعْلَمَ عَبْد اللَّه مِنْ عَمْرو , وَيُرَاد بِذَلِكَ : لِأَعْرِفَ هَذَا مِنْ هَذَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنْكُمْ , نُدَاوِل بَيْن النَّاس , فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ : { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } عَنْ ذِكْر قَوْله : { مِنْ الَّذِينَ نَافَقُوا } لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , إِذْ كَانَ فِي قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا } تَأْوِيل | أَيّ | عَلَى مَا وَصَفْنَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَلِيَعْلَم اللَّه أَيّكُمْ الْمُؤْمِن , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لِنَعْلَم أَيّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى } [18 12 ]غَيْر أَنَّ الْأَلِف وَاللَّام وَاَلَّذِي وَمَنْ , إِذَا وُضِعَتْ مَعَ الْعِلْم مَوْضِع أَيْ نُصِبَتْ بِوُقُوع الْعِلْم عَلَيْهِ , كَمَا قِيلَ : وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ , فَأَمَّا | أَيْ | فَإِنَّهَا تُرْفَع . وَأَمَّا قَوْله : { وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا , وَلِيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء : أَيْ لِيُكْرِم مِنْكُمْ بِالشَّهَادَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمهُ بِهَا . وَالشُّهَدَاء جَمْع شَهِيد ; كَمَا : 6280 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } أَيْ لِيُمَيِّز بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ , وَلِيُكْرِم مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِالشَّهَادَةِ . )6281 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك قِرَاءَة عَلَى اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : ( { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } قَالَ : فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَبّهمْ : رَبّنَا أَرِنَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْر , نُقَاتِلْ فِيهِ الْمُشْرِكِينَ , وَنُبْلِكَ فِيهِ خَيْرًا , وَنَلْتَمِسْ فِيهِ الشَّهَادَة ! فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , فَاِتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاء . )6282 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } فَكَرَّمَ اللَّه أَوْلِيَاءَهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَيْدِي عَدُوّهُمْ , ثُمَّ تَصِير حَوَاصِل الْأُمُور وَعَوَاقِبهَا لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه . )6283 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا يَسْأَلُونَ الشَّهَادَة , فَلَقَوْا الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , فَاِتَّخَذَ مِنْهُمْ شُهَدَاء . )6284 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء } كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يُرِيهِمْ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْر , يَبْلُونَ فِيهِ خَيْرًا , وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَة , وَيُرْزَقُونَ الْجَنَّة وَالْحَيَاة وَالرِّزْق . فَلَقِيَ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد فَاِتَّخَذَ اللَّه مِنْهُمْ شُهَدَاء , وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَقَالَ : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات } . .. الْآيَة . [2 154])|وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبّهمْ . كَمَا : 6285 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الظَّالِمِينَ } : أَيْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطَّاعَة , وَقُلُوبهمْ مُصِرَّة عَلَى الْمَعْصِيَة .)

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } وَلِيَخْتَبِر اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله فَيَبْتَلِيهِمْ بِإِدَالَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّن الْمُؤْمِن مِنْهُمْ الْمُخْلِص الصَّحِيح الْإِيمَان مِنْ الْمُنَافِق . كَمَا : 6286 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , فِي قَوْله : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : لِيَبْتَلِيَ . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6287 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : لِيُمَحِّص اللَّه الْمُؤْمِن حَتَّى يَصْدُق . )6288 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : يَبْتَلِي الْمُؤْمِنِينَ . )6289 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : يَبْتَلِيهِمْ . )6290 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } فَكَانَ تَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَمَحْقًا لِلْكَافِرِينَ . )6291 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يَخْتَبِر الَّذِينَ آمَنُوا حَتَّى يُخَلِّصهُمْ بِالْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ , وَكَيْفَ صَبْرهمْ وَيَقِينهمْ . )6292 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلِيُمَحِّص اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } قَالَ : يَمْحَق مَنْ مُحِقَ فِي الدُّنْيَا , وَكَانَ بَقِيَّة مَنْ يَمْحَق فِي الْآخِرَة فِي النَّار .)|وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : أَنَّهُ يُنْقِصهُمْ وَيُفْنِيهِمْ , يُقَال مِنْهُ : مُحِقَ فُلَان هَذَا الطَّعَام : إِذَا نَقَصَهُ أَوْ أَفْنَاهُ , يَمْحَقهُ مَحْقًا , وَمِنْهُ قِيل َ لِمُحَاقِ الْقَمَر : مِحَاق , وَذَلِكَ نُقْصَانه وَفَنَاؤُهُ . كَمَا : 6293 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } قَالَ : يُنْقِصهُمْ . )6294 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } قَالَ : يَمْحَق الْكَافِر حَتَّى يُكَذِّبهُ . )6295 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِل مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ , حَتَّى يَظْهَر مِنْهُمْ كُفْرهمْ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنْكُمْ .)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَمْ حَسِبْتُمْ يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد , وَظَنَنْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة , وَتَنَالُوا كَرَامَة رَبّكُمْ , وَشَرَف الْمَنَازِل عِنْده ; { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } يَقُول : وَلَمَّا يَتَبَيَّن لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ , الْمُجَاهِد مِنْكُمْ فِي سَبِيل اللَّه , عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى قَوْله : { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه } وَلِيَعْلَم اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته وَقَوْله : { وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } يَعْنِي : الصَّابِرِينَ عِنْد الْبَأْس عَلَى مَا يَنَالهُمْ فِي ذَات اللَّه مِنْ جَرْح وَأَلَم وَمَكْرُوه . كَمَا : 6296 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة } وَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَة , وَلَمْ أَخْتَبِركُمْ بِالشِّدَّةِ , وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ , حَتَّى أَعْلَم صِدْق ذَلِكَ مِنْكُمْ الْإِيمَان بِي , وَالصَّبْر عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيَّ . )وَنَصْب { وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } عَلَى الصَّرْف , وَالصَّرْف أَنْ يَجْتَمِع فِعْلَانِ بِبَعْضِ حُرُوف النَّسَق , وَفِي أَوَّله مَا لَا يَحْسُن إِعَادَته مَعَ حَرْف النَّسَق , فَيُنْصَب الَّذِي بَعْد حَرْف الْعَطْف عَلَى الصَّرْف , لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَنْ مَعْنَى الْأَوَّل , وَلَكِنْ يَكُون مَعَ جَحْد أَوْ اِسْتِفْهَام أَوْ نَهْي فِي أَوَّل الْكَلَام , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : لَا يَسْعَنِي شَيْء وَيَضِيق عَنْك , لِأَنَّ | لَا | الَّتِي مَعَ | يَسَعنِي | لَا يَحْسُن إِعَادَتهَا مَعَ قَوْله : | وَيَضِيق عَنْك | , فَلِذَلِكَ نُصِبَ . وَالْقُرَّاء فِي هَذَا الْحَرْف عَلَى النَّصْب ; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يُقْرَأ : | وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ | فَيُكْسَر الْمِيم مِنْ | يَعْلَم | , لِأَنَّهُ كَانَ يَنْوِي جَزْمهَا عَلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى قَوْله : { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه }

وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت } وَلَقَدْ كُنْتُمْ يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد تَمَنَّوْنَ الْمَوْت يَعْنِي أَسْبَاب الْمَوْت وَذَلِكَ الْقِتَال ; { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَهُ . وَالْهَاء فِي قَوْله | رَأَيْتُمُوهُ | , عَائِدَة عَلَى الْمَوْت , وَمَعْنَى : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } يَعْنِي : قَدْ رَأَيْتُمُوهُ بِمَرْأًى مِنْكُمْ وَمَنْظَر : أَيْ بِقُرْبٍ مِنْكُمْ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّهُ قِيلَ : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } عَلَى وَجْه التَّوْكِيد لِلْكَلَامِ , كَمَا يُقَال : رَأَيْته عِيَانًا , وَرَأَيْته بِعَيْنِي , وَسَمِعْته بِأُذُنِي ; وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ } لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَد بَدْرًا , كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ قَبْل أُحُد يَوْمًا مِثْل يَوْم بَدْر , فَيُبْلُوا اللَّه مِنْ أَنْفُسهمْ خَيْرًا , وَيَنَالُوا مِنْ الْأَجْر مِثْل مَا نَالَ أَهْل بَدْر ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد فَرَّ بَعْضهمْ وَصَبَرَ بَعْضهمْ , حَتَّى أَوْفَى بِمَا كَانَ عَاهَدَ اللَّه قَبْل ذَلِكَ , فَعَاتَبَ اللَّه مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ , فَقَالَ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ } . .. الْآيَة , وَأَثْنَى عَلَى الصَّابِرِينَ مِنْهُمْ وَالْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ . ذِكْر الْأَخْبَار بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ : 6297 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ : غَابَ رِجَال عَنْ بَدْر , فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مِثْل يَوْم بَدْر أَنْ يَلْقَوْهُ , فَيُصِيبُوا مِنْ الْخَيْر وَالْأَجْر مِثْل مَا أَصَابَ أَهْل بَدْر . فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد وَلَّى مَنْ وَلَّى , فَعَاتَبَهُمْ اللَّه - أَوْ فَعَابَهُمْ , أَوْ فَعَتَبَهُمْ - عَلَى ذَلِكَ , شَكَّ أَبُو عَاصِم . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه , أَلَا أَنَّهُ قَالَ : فَعَاتَبَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَشُكّ . 6298 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } . أُنَاس مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْم بَدْر وَاَلَّذِي أَعْطَى اللَّه أَهْل بَدْر مِنْ الْفَضْل وَالشَّرَف وَالْأَجْر , فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُرْزَقُوا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا , فَسِيقَ إِلَيْهِمْ الْقِتَال حَتَّى كَانَ فِي نَاحِيَة الْمَدِينَة يَوْم أُحُد , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْمَعُونَ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت } حَتَّى بَلَغَ : { الشَّاكِرِينَ } )6299 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ } قَالَ : كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَلْقَوْا الْمُشْرِكِينَ فَيُقَاتِلُوهُمْ , فَلَمَّا لَقُوهُمْ يَوْم أُحُد وَلَّوْا . )6300 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرِّيع , قَالَ : (إِنَّ أُنَاسًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَشْهَدُوا يَوْم بَدْر وَاَلَّذِي أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْفَضْل , فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَرَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلُوا , فَسِيقَ إِلَيْهِمْ الْقِتَال , حَتَّى كَانَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَة يَوْم أُحُد , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ } . .. الْآيَة . )6301 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ : لَئِنْ لَقِينَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ ! فَابْتُلُوا بِذَلِكَ , فَلَا وَاَللَّه مَا كُلّهمْ صَدَقَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } )6302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (كَانَ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا , فَلَمَّا رَأَوْا فَضِيلَة أَهْل بَدْر , قَالُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك أَنْ تُرِينَا يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْر , نُبْلِيكَ فِيهِ خَيْرًا ! فَرَأَوْا أُحُدًا , فَقَالَ لَهُمْ : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } )6303 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْت مِنْ قَبْل أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } . أَيْ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الشَّهَادَة عَلَى الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْل أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ , يَعْنِي الَّذِينَ حَمَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُرُوجه بِهِمْ إِلَى عَدُوّهُمْ لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ الْحُضُور فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ قَبْله بِبَدْرٍ , رَغْبَة فِي الشَّهَادَة الَّتِي قَدْ فَاتَتْهُمْ بِهِ يَقُول : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْت بِالسُّيُوفِ فِي أَيْدِي الرِّجَال , قَدْ حَلَّ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ , وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ , فَصَدَدْتُمْ عَنْهُمْ .)

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول كَبَعْضِ رُسُل اللَّه الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقه دَاعِيًا إِلَى اللَّه وَإِلَى طَاعَته , الَّذِينَ حِين اِنْقَضَتْ آجَالهمْ مَاتُوا وَقَبَضَهُمْ اللَّه إِلَيْهِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا اللَّه بِهِ صَانِع مِنْ قَبْضه إِلَيْهِ عِنْد اِنْقِضَاء مُدَّة أَجَله كَسَائِرِ مُدَّة رُسُله إِلَى خَلْقه الَّذِينَ مَضَوْا قَبْله وَمَاتُوا عِنْد اِنْقِضَاء مُدَّة آجَالهمْ . ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد مُعَاتِبهمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ الْهَلَع وَالْجَزَع حِين قِيلَ لَهُمْ بِأُحُدٍ : إِنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ , وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ اِنْصِرَاف مَنْ اِنْصَرَفَ مِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهُمْ وَانْهِزَامه عَنْهُمْ : { أَفَإِنْ مَاتَ } مُحَمَّد أَيّهَا الْقَوْم لِانْقِضَاءِ مُدَّة أَجَله , أَوْ قَتَلَهُ عَدُوّكُمْ , { اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَعْنِي اِرْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينكُمْ الَّذِي بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ , وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ كُفَّارًا بِاَللَّهِ بَعْد الْإِيمَان بِهِ , وَبَعْد مَا قَدْ وَضَحَتْ لَكُمْ صِحَّة مَا دَعَاكُمْ مُحَمَّد إِلَيْهِ , وَحَقِيقَة مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه . { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه وَيَرْجِع كَافِرًا بَعْد إِيمَانه , { فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا } يَقُول : فَلَنْ يُوهِن ذَلِكَ عِزَّة اللَّه وَلَا سُلْطَانه , وَلَا يَدْخُل بِذَلِكَ نَقْص فِي مُلْكه , بَلْ نَفْسه يَضُرّ بِرِدَّتِهِ , وَحَظّ نَفْسه يَنْقُص بِكُفْرِهِ . { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } يَقُول : وَسَيُثِيبُ اللَّه مَنْ شَكَرَهُ عَلَى تَوْفِيقه وَهِدَايَته إِيَّاهُ لِدِينِهِ بِنُبُوَّتِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هُوَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَاسْتِقَامَته عَلَى مِنْهَاجه , وَتَمَسُّكه بِدِينِهِ وَمِلَّته بَعْده . كَمَا : 6304 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : ( { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } الثَّابِتِينَ عَلَى دِينهمْ أَبَا بَكْر وَأَصْحَابه . فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : كَانَ أَبُو بَكْر أَمِين الشَّاكِرِينَ وَأَمِين أَحِبَّاء اللَّه , وَكَانَ أَشْكَرهمْ وَأَحَبّهمْ إِلَى اللَّه . )6305 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الْعَلَاء بْن بَدْر , قَالَ : (إِنَّ أَبَا بَكْر أَمِين الشَّاكِرِينَ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } )6306 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ . )وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ اِنْهَزَمَ عَنْهُ بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَابه . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 6307 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } إِلَى قَوْله : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } ذَاكُمْ يَوْم أُحُد حِين أَصَابَهُمْ الْقَرْح وَالْقَتْل , ثُمَّ تَنَازَعُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَّة ذَلِكَ , فَقَالَ أُنَاس : لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا قُتِلَ . وَقَالَ أُنَاس مِنْ عِلْيَة أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّد نَبِيّكُمْ , حَتَّى يَفْتَح اللَّه لَكُمْ , أَوْ تَلْحَقُوا بِهِ . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَقُول : إِنْ مَاتَ نَبِيّكُمْ , أَوْ قُتِلَ , اِرْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْد إِيمَانكُمْ . )6308 - حَدِّثِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ الرَّبِيع : (وَذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه , فَقَالَ : يَا فُلَان أَشْعَرْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ , فَقَدْ بَلَّغَ , فَقَاتِلُوا عَنْ دِينكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَقُول : اِرْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْد إِيمَانكُمْ . )6309 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا بَرَزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد إِلَيْهِمْ - يَعْنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ - أَمَرَ الرُّمَاة فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَل فِي وَجْه خَيْل الْمُشْرِكِينَ , وَقَالَ : | لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ | وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر . ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد عَلَى الْمُشْرِكِينَ , فَهَزَمَاهُمْ , وَحَمَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَان ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِد بْن الْوَلِيد وَهُوَ عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ قَدِمَ , فَرَمَتْهُ الرُّمَاة فَانْقَمَعَ . فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي جَوْف عَسْكَر الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ , بَادَرُوا الْغَنِيمَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَتْرُك أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَانْطَلَقَ عَامَّتهمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ ; فَلَمَّا رَأَى خَالِد قِلَّة الرِّمَاح , صَاحَ فِي خَيْله , ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاة , وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلهمْ تُقَاتِل , تَبَادَرُوا فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ , فَأَتَى اِبْن قَمِئَة الْحَارِثِيّ أَحَد بَنِي الْحَارِث بْن عَبْد مَنَافٍ بْن كِنَانَة , فَرَمَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفه وَرَبَاعِيَته , وَشَجَّهُ فِي وَجْهه فَأَثْقَلَهُ , وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابه , وَدَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , وَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس : | إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! | فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا , فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْن يَدَيْهِ , فَلَمْ يَقِف أَحَد إِلَّا طَلْحَة وَسَهْل بْن حُنَيْف , فَحَمَاهُ طَلْحَة , فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَده فَيَبِسَتْ يَده , وَأَقْبَلَ أُبَيّ بْن خَلَف الْجُمَحِيّ - وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | بَلْ أَنَا أَقْتُلك | - فَقَالَ : يَا كَذَّاب أَيْنَ تَفِرّ ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنْب الدِّرْع , فَجُرِحَ جُرْحًا خَفِيفًا , فَوَقَعَ يَخُور خَوَرَان الثَّوْر , فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا : لَيْسَ بِك جِرَاحَة , قَالَ : أَلَيْسَ قَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ؟ لَوْ كَانَتْ لِجَمِيعِ رَبِيعَة وَمُضَر لَقَتَلْتُهُمْ . وَلَمْ يَلْبَث إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْح . وَفَشَا فِي النَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , فَقَالَ بَعْض أَصْحَاب الصَّخْرَة : لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , فَنَأْخُذ لَنَا أَمَنَة مِنْ أَبِي سُفْيَان ! يَا قَوْم إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمكُمْ قَبْل أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ ! قَالَ أَنَس بْن النَّضْر : يَا قَوْم إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ , فَإِنَّ رَبّ مُحَمَّد لَمْ يُقْتَل , فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! اللَّهُمَّ إِنَى أَعْتَذِر إِلَيْك مِمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ , وَأَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ . ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . وَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَصْحَاب الصَّخْرَة ; فَلَمَّا رَأَوْهُ وَضَعَ رَجُل سَهْمًا فِي قَوْسه فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيه , فَقَالَ : | أَنَا رَسُول اللَّه | , فَفَرِحُوا حِين وَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا , وَفَرِحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابه مَنْ يَمْتَنِع . فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذَهَبَ عَنْهُمْ الْحُزْن , فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْح وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابه الَّذِينَ قُتِلُوا , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمكُمْ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } )6310 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ : يَرْتَدّ . )6311 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه , فَقَالَ : يَا فُلَان أَشْعُرْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إِنْ كَانَ مُحَمَّد قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ , فَقَاتِلُوا عَنْ دِينكُمْ . )6312 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن رَافِع أَخُو بَنِي عَبْد النَّجَّار , قَالَ : (اِنْتَهَى أَنَس بْن النَّضْر عَمّ أَنَس بْن مَالِك إِلَى عُمَر وَطَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه فِي رِجَال مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ , فَقَالَ : مَا يُجْلِسكُمْ ؟ قَالُوا : قَدْ قُتِلَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه . قَالَ : فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْده ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه ! وَاسْتَقْبَلَ الْقَوْم فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . وَبِهِ سُمِّيَ أَنَس بْن مَالِك . )6313 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (نَادَى مُنَادٍ يَوْم أُحُد حِين هُزِمَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , فَارْجِعُوا إِلَى دِينكُمْ الْأَوَّل ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . )6314 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أُلْقِيَ فِي أَفْوَاه الْمُسْلِمِينَ يَوْم أُحُد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . )6315 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَزَلَ هُوَ وَعِصَابَة مَعَهُ يَوْمئِذٍ عَلَى أَكَمَة , وَالنَّاس يَفِرُّونَ , وَرَجُل قَائِم عَلَى الطَّرِيق يَسْأَلهُمْ : مَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلهُمْ , فَيَقُولُونَ : وَاَللَّه مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ ! فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِل لَنُعْطِيَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا , إِنَّهُمْ لَعَشَائِرُنَا وَإِخْوَاننَا ! وَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُهْزَم , وَلَكِنَّهُ قَدْ قُتِلَ , فَتَرَخَّصُوا فِي الْفِرَار حِينَئِذٍ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } . .. الْآيَة : نَاس مِنْ أَهْل الِارْتِيَاب وَالْمَرَض وَالنِّفَاق , قَالُوا يَوْم فَرَّ النَّاس عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشُجَّ فَوْق حَاجِبه , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته : قُتِلَ مُحَمَّد , فَالْحَقُوا بِدِينِكُمْ الْأَوَّل ! فَذَلِكَ قَوْله : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } )6316 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } ؟ قَالَ : مَا بَيْنكُمْ وَبَيْن أَنْ تَدَّعُوا الْإِسْلَام وَتَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابكُمْ , إِلَّا أَنْ يَمُوت مُحَمَّد أَوْ يُقْتَل , فَسَوْفَ يَكُون أَحَد هَذَيْنِ , فَسَوْفَ يَمُوت أَوْ يُقْتَل . )6317 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } إِلَى قَوْله : { وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النَّاس قُتِلَ مُحَمَّد , وَانْهِزَامهمْ عِنْد ذَلِكَ وَانْصِرَافهمْ عَنْ عَدُوّهُمْ , أَيْ أَفَإِنْ مَاتَ نَبِيّكُمْ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ , وَتَرَكْتُمْ جِهَاد عَدُوّكُمْ وَكِتَاب اللَّه , وَمَا قَدْ خَلَّفَ نَبِيّه مِنْ دِينه مَعَكُمْ وَعِنْدكُمْ ; وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ عَنِّي أَنَّهُ مَيِّت وَمُفَارِقكُمْ ؟ { وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِع عَنْ دِينه , { فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا } أَيْ لَنْ يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ عِزّ اللَّه وَلَا مُلْكه وَلَا سُلْطَانه . )6318 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : (قَالَ : أَهْل الْمَرَض وَالِارْتِيَاب وَالنِّفَاق , حِين فَرَّ النَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قُتِلَ مُحَمَّد , فَالْحَقُوا بِدِينِكُمْ الْأَوَّل ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل , أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابكُمْ إِنْ مَاتَ مُحَمَّد أَوْ قُتِلَ ؟ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا ! فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَام فِي حَرْف الْجَزَاء , وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُون فِي جَوَابه خَبَر وَكَذَلِكَ كُلّ اِسْتِفْهَام دَخَلَ عَلَى جَزَاء , فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُون فِي جَوَابه خَبَر لِأَنَّ الْجَوَاب خَبَر يَقُوم بِنَفْسِهِ وَالْجَزَاء شَرْط لِذَلِكَ الْخَبَر ثُمَّ يُجْزَم جَوَابه وَهُوَ كَذَلِكَ , وَمَعْنَاهُ الرَّفْع لِمَجِيئِهِ بَعْد الْجَزَاء , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>حَلَفْت لَهُ أَنْ تُدْلِج اللَّيْل لَا يَزَلْ .......... أَمَامك بَيْت مِنْ بُيُوتِي سَائِر <br>فَمَعْنَى | لَا يَزَلْ | رَفْع , وَلَكِنَّهُ جُزِمَ لِمَجِيئِهِ بَعْد الْجَزَاء فَصَارَ كَالْجَوَابِ . وَمِثْله : { أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ } [21 34 ]وَ { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ } [73 17 ]وَلَوْ كَانَ مَكَان فَهُمْ الْخَالِدُونَ يَخْلُدُونَ ; وَقِيلَ : أَفَإِنْ مِتَّ يَخْلُدُوا جَازَ الرَّفْع فِيهِ وَالْجَزْم , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَان | اِنْقَلَبْتُمْ | | تَنْقَلِبُوا | جَازَ الرَّفْع وَالْجَزْم لِمَا وَصَفْت قَبْل . وَتَرَكْت إِعَادَة الِاسْتِفْهَام ثَانِيَة مَعَ قَوْله : | اِنْقَلَبْتُمْ | اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَوَّل الْكَلَام , وَأَنَّ الِاسْتِفْهَام فِي أَوَّله دَالّ عَلَى مَوْضِعه وَمَكَانه . وَقَدْ كَانَ بَعْض الْقُرَّاء يَخْتَار فِي قَوْله : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [82 23 ]تَرَكَ إِعَادَة الِاسْتِفْهَام مَعَ | أَإِنَّا | , اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْله : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا } [82 23 ]وَيُسْتَشْهَد عَلَى صِحَّة وَجْه ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى تَرْكهمْ إِعَادَة الِاسْتِفْهَام مَعَ قَوْله : | اِنْقَلَبْتُمْ | , اِكْتِفَاء بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْله : { أَفَإِنْ مَاتَ } إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَام وَمَوْضِع الِاسْتِفْهَام مِنْهُ , وَكَانَ يَفْعَل مِثْل ذَلِكَ فِي جَمِيع الْقُرْآن , وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه إِذَا اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ .

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُؤَجَّلًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَا يَمُوت مُحَمَّد وَلَا غَيْره مِنْ خَلْق اللَّه إِلَّا بَعْد بُلُوغ أَجَله الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه غَايَة لِحَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ , فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجَل الَّذِي كَتَبَهُ اللَّه لَهُ وَأُذِنَ لَهُ بِالْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ يَمُوت , فَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَلَنْ تَمُوت بِكَيْدِ كَائِد وَلَا بِحِيلَةِ مُحْتَال . كَمَا : 6319 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُؤَجَّلًا } أَيْ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ أَجَلًا هُوَ بَالِغه إِذَا أَذِنَ اللَّه لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ . )وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَتْ نَفْس لِتَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى النَّاصِب قَوْله : { كِتَابًا مُؤَجَّلًا } ; فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هُوَ تَوْكِيد , وَنَصْبه عَلَى : كَتَبَ اللَّه كِتَابًا مُؤَجَّلًا , قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ قَوْله | حَقًّا | , إِنَّمَا هُوَ : أَحَقّ ذَلِكَ حَقًّا , وَكَذَلِكَ : { وَعْد اللَّه } [4 122 ]وَ { رَحْمَة مِنْ رَبّك } [18 82 ]وَ { صُنْع اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء } [27 88 ]وَ { كِتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ } [4 24 ]إِنَّمَا هُوَ : صُنْع اللَّه هَكَذَا صُنْعًا , فَهَكَذَا تَفْسِير كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ نَحْو هَذَا , فَإِنَّهُ كَثِير . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه } مَعْنَاهُ : كَتَبَ اللَّه آجَال النُّفُوس , ثُمَّ قِيلَ : كِتَابًا مُؤَجَّلًا , فَأَخْرَجَ قَوْله : كِتَابًا مُؤَجَّلًا , نَصْبًا مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْكَلَام , إِذْ كَانَ قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه } قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى | كَتَبَ | , قَالَ : وَكَذَلِكَ سَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ , فَهُوَ عَلَى هَذَا النَّحْو . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : قَوْل الْقَائِل : زَيْد قَائِم حَقًّا , بِمَعْنَى : أَقُول زَيْد قَائِم حَقًّا , لِأَنَّ كُلّ كَلَام قَوْل , فَأَدَّى الْمَقُول عَنْ الْقَوْل , ثُمَّ خَرَجَ مَا بَعْده مِنْهُ , كَمَا تَقُول : أَقُول قَوْلًا حَقًّا , وَكَذَلِكَ ظَنًّا وَيَقِينًا , وَكَذَلِكَ وَعْد اللَّه , وَمَا أَشْبَهَهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ كُلّ ذَلِكَ مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر مِنْ مَعْنَى الْكَلَام الَّذِي قَبْله , لِأَنَّ فِي كُلّ مَا قَبْل الْمَصَادِر الَّتِي هِيَ مُخَالِفَة أَلْفَاظهَا أَلْفَاظ مَا قَبْلهَا مِنْ الْكَلَام مَعَانِي أَلْفَاظ الْمَصَادِر وَإِلَّا خَالَفَهَا فِي اللَّفْظ فَنَصْبهَا مِنْ مَعَانِي مَا قَبْلهَا دُون أَلْفَاظه .|وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الْآخِرَة نُؤْتِهِ مِنْهَا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعَمَلِهِ جَزَاء مِنْهُ بَعْض أَعْرَاض الدُّنْيَا دُون مَا عِنْد اللَّه مِنْ الْكَرَامَة , لِمَنْ اِبْتَغَى بِعَمَلِهِ مَا عِنْده { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يَقُول : نُعْطِهِ مِنْهَا , يَعْنِي : مِنْ الدُّنْيَا , يَعْنِي : أَنَّهُ يُعْطِيه مِنْهَا مَا قَسَمَ لَهُ فِيهَا مِنْ رِزْق أَيَّام حَيَاته , ثُمَّ لَا نَصِيب لَهُ فِي كَرَامَة اللَّه الَّتِي أَعَدَّهَا لِمَنْ أَطَاعَهُ , وَطَلَبَ مَا عِنْده فِي الْآخِرَة . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الْآخِرَة } يَقُول : وَمَنْ يُرِدْ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ جَزَاء مِنْهُ ثَوَاب الْآخِرَة , يَعْنِي مَا عِنْد اللَّه مِنْ كَرَامَته الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْعَامِلِينَ لَهُ فِي الْآخِرَة , { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يَقُول : نُعْطِهِ مِنْهَا , يَعْنِي مِنْ الْآخِرَة ; وَالْمَعْنَى : مِنْ كَرَامَة اللَّه الَّتِي خَصَّ بِهَا أَهْل طَاعَته فِي الْآخِرَة . فَخَرَجَ الْكَلَام عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَالْمَعْنَى مَا فِيهِمَا . كَمَا : 6320 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الْآخِرَة نُؤْتِهِ مِنْهَا } أَيْ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيد الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَة فِي الْآخِرَة , نُؤْتِهِ مَا قُسِمَ لَهُ مِنْهَا مِنْ رِزْق , وَلَا حَظّ لَهُ فِي الْآخِرَة , وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب الْآخِرَة نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا وَعَدَهُ مَعَ مَا يُجْرَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقه فِي دُنْيَاهُ .)|وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } يَقُول : وَسَأُثِيبُ مَنْ شَكَرَ لِي مَا أَوْلَيْته مِنْ إِحْسَانِي إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّايَ وَانْتِهَائِهِ إِلَى أَمْرِي وَتَجَنُّبه مَحَارِمِي فِي الْآخِرَة , مِثْل الَّذِي وَعَدْت أَوْلِيَائِي مِنْ الْكَرَامَة عَلَى شُكْرهمْ إِيَّايَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 6321 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } أَيْ ذَلِكَ جَزَاء الشَّاكِرِينَ , يَعْنِي بِذَلِكَ : إِعْطَاء اللَّه إِيَّاهُ مَا وَعَدَهُ فِي الْآخِرَة مَعَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ الرِّزْق فِي الدُّنْيَا .)

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَكَأَيِّنْ } بِهَمْزِ الْأَلِف وَتَشْدِيد الْيَاء وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : بِمَدِّ الْأَلِف وَتَخْفِيف الْيَاء . وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ , وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لَا اِخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُمَا , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ قَارِئ فَمُصِيب , لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ وَشُهْرَتهمَا فِي كَلَام الْعَرَب . وَمَعْنَاهُ : وَكَمْ مِنْ نَبِيّ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير } ; فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : | قُتِلَ | بِضَمِّ الْقَاف , وَقَرَأَهُ جَمَاعَة أُخْرَى بِفَتْحِ الْقَاف وَبِالْأَلِفِ , وَهِيَ قِرَاءَة جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة . فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ { قَاتَلَ } فَإِنَّهُ اِخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : لَوْ قُتِلُوا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { فَمَا وَهَنُوا } وَجْه مَعْرُوف , لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْد مَا قُتِلُوا . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ : | قُتِلَ | , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيّ وَبَعْض مَنْ مَعَهُ مِنْ الرِّبِّيِّينَ دُون جَمِيعهمْ , وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهَن وَالضَّعْف عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ الرِّبِّيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَل . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْقَاف : | قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا عَاتَبَ بِهَذِهِ الْآيَة , وَالْآيَات الَّتِي قَبْلهَا مِنْ قَوْله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } الَّذِينَ اِنْهَزَمُوا يَوْم أُحُد , وَتَرَكُوا الْقِتَال , أَوْ سَمِعُوا الصَّائِح يَصِيح : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , فَعَذَلَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فِرَارهمْ وَتَرْكِهِمْ الْقِتَال , فَقَالَ : أَفَإِنْ مَاتَ مُحَمَّد أَوْ قُتِلَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ اِرْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينكُمْ , وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ ؟ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنْ فِعْل كَثِير مِنْ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء قَبْلهمْ وَقَالَ لَهُمْ : هَلَّا فَعَلْتُمْ كَمَا كَانَ أَهْل الْفَضْل وَالْعِلْم مِنْ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء قَبْلكُمْ يَفْعَلُونَهُ إِذَا قُتِلَ نَبِيّهمْ مِنْ الْمُضِيّ عَلَى مِنْهَاج نَبِيّهمْ وَالْقِتَال عَلَى دِينه أَعْدَاء دِين اللَّه عَلَى نَحْو مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ مَعَ نَبِيّهمْ , وَلَمْ تَهِنُوا وَلَمْ تَضْعُفُوا كَمَا لَمْ يَضْعُف الَّذِينَ كَانُوا قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْبَصَائِر مِنْ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء إِذَا قُتِلَ نَبِيّهمْ , وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ حَتَّى حَكَمَ اللَّه بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ ! وَبِذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل جَاءَ تَأْوِيل الْمُتَأَوِّل . وَأَمَّا | الرِّبِّيُّونَ | , فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ : | مَعَهُ | , لَا بِقَوْلِهِ : | قُتِلَ | . وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير , فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه . وَفِي الْكَلَام إِضْمَار وَاو , لِأَنَّهَا وَاو تَدُلّ عَلَى مَعْنَى حَال قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , غَيْر أَنَّهُ اِجْتَزَأَ بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا مِنْ ذِكْرهَا , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل فِي الْكَلَام : قُتِلَ الْأَمِير مَعَهُ جَيْش عَظِيم , بِمَعْنَى : قُتِلَ وَمَعَهُ جَيْش عَظِيم . وَأَمَّا الرِّبِّيُّونَ , فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هُمْ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الرَّبّ وَاحِدهمْ رِبِّيّ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : لَوْ كَانُوا مَنْسُوبِينَ إِلَى عِبَادَة الرَّبّ لَكَانُوا | رَبِّيُّونَ | بِفَتْحِ الرَّاء , وَلَكِنَّهُ الْعُلَمَاء وَالْأُلُوف , وَالرِّبِّيُّونَ عِنْدنَا : الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة , وَاحِدهمْ رِبِّيّ , وَهُمْ جَمَاعَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ مِثْل مَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6322 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : (الرِّبِّيُّونَ : الْأُلُوف . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ وَابْن عُيَيْنَة , عَنْ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 6323 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { رِبِّيُّونَ كَثِير } قَالَ : جُمُوع كَثِيرَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : جُمُوع . )* - حَدَّثَنِي حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : الْأُلُوف . )وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 6324 - حَدَّثَنِي بِهِ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : عُلَمَاء كَثِير . )6325 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : فُقَهَاء عُلَمَاء . )6326 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة . عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : الْجُمُوع الْكَثِيرَة . قَالَ يَعْقُوب : وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا إِسْمَاعِيل : | قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير . )6327 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | يَقُول : جُمُوع كَثِيرَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : عُلَمَاء كَثِيرَة . وَقَالَ قَتَادَة : جُمُوع كَثِيرَة . )6328 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { رِبِّيُّونَ كَثِير } قَالَ : جُمُوع كَثِيرَة . )* - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 6329 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : جُمُوع كَثِيرَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6330 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | يَقُول : جُمُوع كَثِيرَة . )6331 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | يَقُول : جُمُوع كَثِيرَة قُتِلَ نَبِيّهمْ . )6332 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جَعْفَر بْن حِبَّان , وَالْمُبَارَك عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير } قَالَ جَعْفَر : عُلَمَاء صَبَرُوا . وَقَالَ اِبْن الْمُبَارَك : أَتْقِيَاء صَبَرُوا . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | يَعْنِي الْجُمُوع الْكَثِيرَة قُتِلَ نَبِيّهمْ . )6333 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير } يَقُول : جُمُوع كَثِيرَة . )6334 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : وَكَأَيِّنْ مِنْ بَنِي أَصَابَهُ الْقَتْل , وَمَعَهُ جَمَاعَات . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | الرِّبِّيُّونَ : الْجُمُوع الْكَثِيرَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : الرِّبِّيُّونَ : الِاتِّبَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6335 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير | قَالَ : الرِّبِّيُّونَ : الْأَتْبَاع , وَالرَّبَّانِيُّونَ : الْوُلَاة , وَالرِّبِّيُّونَ : الرَّعِيَّة . وَبِهَذَا عَاتَبَهُمْ اللَّه حِين اِنْهَزَمُوا عَنْهُ , حِين صَاحَ الشَّيْطَان إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ , قَالَ : كَانَتْ الْهَزِيمَة عِنْد صِيَاحه فِي سَنِينَة صَاحَ : أَيّهَا النَّاس إِنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه قَدْ قُتِلَ , فَارْجِعُوا إِلَى عَشَائِركُمْ يُؤَمِّنُوكُمْ .)|فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اِسْتَكَانُوا وَاَللَّه يُحِبّ الصَّابِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه } فَمَا عَجَزُوا لِمَا نَالَهُمْ مِنْ أَلَم الْجِرَاح الَّذِي نَالَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَا لِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَنْ حَرْب أَعْدَاء اللَّه , وَلَا نَكَلُوا عَنْ جِهَادهمْ . { وَمَا ضَعُفُوا } يَقُول : وَمَا ضَعُفَتْ قُوَاهُمْ لِقَتْلِ نَبِيّهمْ . { وَمَا اِسْتَكَانُوا } يَعْنِي : وَمَا ذَلُّوا فَيَتَخَشَّعُوا لِعَدُوِّهِمْ بِالدُّخُولِ فِي دِينهمْ , وَمُدَاهَنَتهمْ فِيهِ , خِيفَة مِنْهُمْ , وَلَكِنْ مَضَوْا قُدُمًا عَلَى بَصَائِرهمْ وَمِنْهَاج نَبِيّهمْ , صَبْرًا عَلَى أَمْر اللَّه وَأَمْر نَبِيّهمْ وَطَاعَة اللَّه , وَاتِّبَاعًا لِتَنْزِيلِهِ وَوَحْيه . { وَاَللَّه يُحِبّ الصَّابِرِينَ } يَقُول : وَاَللَّه يُحِبّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالهمْ مِنْ الصَّابِرِينَ لِأَمْرِهِ وَطَاعَته , وَطَاعَة رَسُوله فِي جِهَاد عَدُوّهُ , لَا مَنْ فَشِلَ فَفَرَّ عَنْ عَدُوّهُ , وَلَا مَنْ اِنْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَذَلَّ لِعَدُوِّهِ لِأَنْ قُتِلَ نَبِيّه أَوْ مَاتَ , وَلَا مَنْ دَخَلَهُ وَهَن عَنْ عَدُوّهُ وَضَعْف لِفَقْدِ نَبِيّه . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6336 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اِسْتَكَانُوا } يَقُول : مَا عَجَزُوا , وَمَا تَضَعْضَعُوا لِقَتْلِ نَبِيّهمْ , { وَمَا اِسْتَكَانُوا } يَقُول : مَا اِرْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتهمْ وَلَا عَنْ دِينهمْ , بَلْ قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيّ اللَّه حَتَّى لَحِقُوا بِاَللَّهِ . )6337 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه وَمَا ضَعُفُوا } يَقُول : مَا عَجَزُوا , وَمَا ضَعُفُوا لِقَتْلِ نَبِيّهمْ , { وَمَا اِسْتَكَانُوا } يَقُول : وَمَا اِرْتَدُّوا عَنْ نُصْرَتهمْ , قَاتَلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقُوا بِاَللَّهِ . )6338 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَمَا وَهَنُوا } فَمَا وَهَنَ الرِّبِّيُّونَ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيل اللَّه , مِنْ قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; { وَمَا ضَعُفُوا } يَقُول : مَا ضَعُفُوا فِي سَبِيل اللَّه لِقَتْلِ النَّبِيّ ; { وَمَا اِسْتَكَانُوا } يَقُول : مَا ذَلُّوا حِين قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا | ), { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } )6339 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَمَا وَهَنُوا } لِفَقْدِ نَبِيّهمْ , { وَمَا ضَعُفُوا } عَنْ عَدُوّهُمْ , { وَمَا اِسْتَكَانُوا } لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَاد عَنْ اللَّه , وَعَنْ دِينهمْ , وَذَلِكَ الصَّبْر { وَاَللَّه يُحِبّ الصَّابِرِينَ } )6340 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَا اِسْتَكَانُوا } قَالَ : تَخَشَّعُوا . )6341 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { وَمَا اِسْتَكَانُوا } قَالَ : مَا اِسْتَكَانُوا لِعَدُوِّهِمْ ; { وَاَللَّه يُحِبّ الصَّابِرِينَ } )

وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ } وَمَا كَانَ قَوْل الرِّبِّيِّينَ . وَالْهَاء وَالْمِيم مِنْ ذِكْر أَسْمَاء الرِّبِّيِّينَ . { إِلَّا أَنْ قَالُوا } يَعْنِي مَا كَانَ لَهُمْ قَوْل سِوَى هَذَا الْقَوْل إِذْ قُتِلَ نَبِيّهمْ . وَقَوْله : { رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } يَقُول : لَمْ يَعْتَصِمُوا إِذْ قُتِلَ نَبِيّهمْ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ , وَمُجَاهِدَة عَدُوّهُمْ , وَبِمَسْأَلَةِ رَبّهمْ الْمَغْفِرَة وَالنَّصْر عَلَى عَدُوّهُمْ . وَمَعْنَى الْكَلَام : { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } . وَأَمَّا الْإِسْرَاف : فَإِنَّهُ الْإِفْرَاط فِي الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : أَسْرَفَ فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر إِذَا تَجَاوَزَ مِقْدَاره فَأَفْرَطَ , وَمَعْنَاهُ هَهُنَا : اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا الصِّغَار مِنْهَا وَمَا أَسْرَفْنَا فِيهِ مِنْهَا فَتَخَطَّيْنَا إِلَى الْعِظَام . وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا , الصَّغَائِر مِنْهَا وَالْكَبَائِر . كَمَا : 6342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : ( { وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا } قَالَ : خَطَايَانَا . )6343 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا } خَطَايَانَا وَظَلَمْنَا أَنْفُسنَا . )6344 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا } يَعْنِي : الْخَطَايَا الْكِبَار . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : (الْكَبَائِر . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا } قَالَ : خَطَايَانَا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا } يَقُول : خَطَايَانَا . )وَأَمَّا قَوْله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا } فَإِنَّهُ يَقُول : اِجْعَلْنَا مِمَّنْ يَثْبُت لِحَرْبِ عَدُوّك وَقِتَالهمْ , وَلَا تَجْعَلنَا مِمَّنْ يَنْهَزِم فَيَفِرّ مِنْهُمْ , وَلَا يَثْبُت قَدَمه فِي مَكَان وَاحِد لِحَرْبِهِمْ . { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَانْصُرْنَا عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيّتك وَنُبُوَّة نَبِيّك . وَإِنَّمَا هَذَا تَأْنِيب مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده الَّذِينَ فَرُّوا عَنْ الْعَدُوّ يَوْم أُحُد وَتَرَكُوا قِتَالهمْ , وَتَأْدِيب لَهُمْ , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : هَلَّا فَعَلْتُمْ إِذْ قِيلَ لَكُمْ : قُتِلَ نَبِيّكُمْ , كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الرِّبِّيُّونَ , الَّذِينَ كَانُوا قَبْلكُمْ مِنْ أَتْبَاع الْأَنْبِيَاء , إِذْ قُتِلَتْ أَنْبِيَاؤُهُمْ , فَصَبَرْتُمْ لِعَدُوِّكُمْ صَبْرهمْ , وَلَمْ تَضْعُفُوا وَتَسْتَكِينُوا لِعَدُوِّكُمْ , فَتُحَاوِلُوا الِارْتِدَاد عَلَى أَعْقَابكُمْ , كَمَا لَمْ يَضْعُف هَؤُلَاءِ الرِّبِّيُّونَ وَلَمْ يَسْتَكِينُوا لِعَدُوِّهِمْ , وَسَأَلْتُمْ رَبّكُمْ النَّصْر وَالظَّفَر كَمَا سَأَلُوا , فَيَنْصُركُمْ اللَّه عَلَيْهِمْ كَمَا نُصِرُوا , فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ مَنْ صَبَرَ لِأَمْرِهِ وَعَلَى جِهَاد عَدُوّهُ , فَيُعْطِيه النَّصْر وَالظَّفَر عَلَى عَدُوّهُ . كَمَا : 6345 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } أَيْ فَقُولُوا كَمَا قَالُوا , وَاعْلَمُوا أَنَّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبٍ مِنْكُمْ , وَاسْتَغْفِرُوا كَمَا اِسْتَغْفَرُوا , وَامْضُوا عَلَى دِينكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينهمْ , وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابكُمْ رَاجِعِينَ , وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبِّت أَقْدَامكُمْ , وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اِسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ . فَكُلّ هَذَا مِنْ قَوْلهمْ قَدْ كَانَ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهمْ , فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ . )وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ } النَّصْب لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى ذَلِكَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وِرَاثَة عَنْ الْحُجَّة . وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ النَّصْب فِي الْقَوْل , لِأَنَّ | إِلَّا أَنْ | لَا تَكُون إِلَّا مَعْرِفَة , فَكَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تَكُون هِيَ الِاسْم دُون الْأَسْمَاء الَّتِي قَدْ تَكُون مَعْرِفَة أَحْيَانًا وَنَكِرَة أَحْيَانًا , وَلِذَلِكَ اُخْتِيرَ النَّصْب فِي كُلّ اِسْم وَلِيَ | كَانَ | إِذَا كَانَ بَعْده | أَنْ | الْخَفِيفَة , كَقَوْلِهِ : { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } [29 24 ]وَقَوْله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا } [6 23 ]فَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي يَلِي كَانَ اِسْمًا مَعْرِفَة , وَاَلَّذِي بَعْده مِثْله , فَسَوَاء الرَّفْع وَالنَّصْب فِي الَّذِي وَلِيَ | كَانَ | , فَإِنْ جَعَلْت الَّذِي وَلِيَ | كَانَ | هُوَ الِاسْم رَفَعْته وَنَصَبْت الَّذِي بَعْده , وَإِنْ جَعَلْت الَّذِي وَلِيَ | كَانَ | هُوَ الْخَبَر نَصَبْته وَرَفَعْت الَّذِي بَعْده , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى } [30 10 ]إِنْ جَعَلْت | الْعَاقِبَة | الِاسْم رَفَعْتهَا , وَجَعَلْت | السُّوأَى | هِيَ الْخَبَر مَنْصُوبَة , وَإِنْ جَعَلْت | الْعَاقِبَة | الْخَبَر نَصَبْت , فَقُلْت : وَكَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى , وَجَعَلْت السُّوأَى هِيَ الِاسْم , فَكَانَتْ مَرْفُوعَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَام مَا كَانَ دَاءَهَا .......... بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْي مِمَّنْ يَقُودهَا <br>رُوِيَ أَيْضًا : | مَا كَانَ دَاؤُهَا بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْي | , نَصْبًا وَرَفْعًا , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت , وَلَوْ فُعِلَ مِثْل ذَلِكَ مَعَ | أَنْ | كَانَ جَائِزًا , غَيْر أَنَّ أَفْصَح الْكَلَام مَا وَصَفْت عِنْد الْعَرَب .

فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآتَاهُمْ اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا وَحُسْن ثَوَاب الْأَخِرَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : فَأَعْطَى اللَّه الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ مِنْ الصَّبْر عَلَى طَاعَة اللَّه بَعْد مَقْتَل أَنْبِيَائِهِمْ , وَعَلَى جِهَاد عَدُوّهُمْ , وَالِاسْتِعَانَة بِاَللَّهِ فِي أُمُورهمْ , وَاقْتِفَائِهِمْ مَنَاهِج إِمَامهمْ , عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي اللَّه { ثَوَاب الدُّنْيَا } يَعْنِي : جَزَاء فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ النَّصْر عَلَى عَدُوّهُمْ وَعَدُوّ اللَّه , وَالظَّفَر وَالْفَتْح عَلَيْهِمْ , وَالتَّمْكِين لَهُمْ فِي الْبِلَاد ; { وَحُسْن ثَوَاب الْآخِرَة } يَعْنِي : وَخَيْر جَزَاء الْآخِرَة , عَلَى مَا أَسْلَفُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , وَذَلِكَ الْجَنَّة وَنَعِيمهَا . كَمَا : 6346 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَاَللَّه لَآتَاهُمْ اللَّه الْفَتْح وَالظُّهُور وَالتَّمْكِين وَالنَّصْر عَلَى عَدُوّهُمْ فِي الدُّنْيَا , { وَحُسْن ثَوَاب الْآخِرَة } يَقُول : حُسْن الثَّوَاب فِي الْآخِرَة : هِيَ الْجَنَّة . )6347 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { وَمَا كَانَ قَوْلهمْ } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 6348 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { فَآتَاهُمْ اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا } قَالَ : النَّصْر وَالْغَنِيمَة , { وَحُسْن ثَوَاب الْآخِرَة } قَالَ : رِضْوَان اللَّه وَرَحْمَته . )6349 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَآتَاهُمْ اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا } حُسْن الظُّهُور عَلَى عَدُوّهُمْ , { وَحُسْن ثَوَاب الْآخِرَة } الْجَنَّة , وَمَا أُعِدَّ فِيهَا .)|وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ|وَقَوْله : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِإِحْسَانِهِمْ , فَإِنَّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْل الَّذِي وَصَفَ عَنْهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ حِين قُتِلَ نَبِيّهمْ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , فِي وَعْد اللَّه وَوَعِيده وَأَمْره وَنَهْيه { إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا } , يَعْنِي : الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّة نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فِيمَا يَأْمُرُونَكُمْ بِهِ , وَفِيمَا يَنْهَوْنَكُمْ عَنْهُ , فَتَقْبَلُوا رَأْيهمْ فِي ذَلِكَ , وَتَنْتَصِحُوهُمْ فِيمَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَكُمْ فِيهِ نَاصِحُونَ , { يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } يَقُول : يَحْمِلُوكُمْ عَلَى الرِّدَّة بَعْد الْإِيمَان وَالْكُفْر بِاَللَّهِ وَآيَاته وَبِرَسُولِهِ بَعْد الْإِسْلَام , { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } يَقُول : فَتَرْجِعُوا عَنْ إِيمَانكُمْ وَدِينكُمْ الَّذِي هَدَاكُمْ اللَّه لَهُ خَاسِرِينَ , يَعْنِي : هَالِكِينَ , قَدْ خَسِرْتُمْ أَنْفُسكُمْ , وَضَلَلْتُمْ عَنْ دِينكُمْ , وَذَهَبَتْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ . يَنْهَى بِذَلِكَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ أَنْ يُطِيعُوا أَهْل الْكُفْر فِي آرَائِهِمْ , وَيَنْتَصِحُوهُمْ فِي أَدْيَانهمْ . كَمَا : 6350 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ دِينكُمْ : فَتَذْهَب دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ . )6351 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَقُول : لَا تَنْتَصِحُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَلَى دِينكُمْ , وَلَا تُصَدِّقُوهُمْ بِشَيْءٍ فِي دِينكُمْ . )6352 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } يَقُول : إِنْ تُطِيعُوا أَبَا سُفْيَان يَرُدّكُمْ كُفَّارًا .)

بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ اللَّه مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْر النَّاصِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : أَنَّ اللَّه مُسَدِّدكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَمُنْقِذكُمْ مِنْ طَاعَة الَّذِينَ كَفَرُوا . وَإِنَّمَا قِيلَ : { بَلْ اللَّه مَوْلَاكُمْ } لِأَنَّ قَوْله : { إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ } نَهْي لَهُمْ عَنْ طَاعَتهمْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا , فَيَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ , ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر , فَقَالَ : { بَلْ اللَّه مَوْلَاكُمْ } فَأَطِيعُوهُ دُون الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُوَ خَيْر مَنْ نَصَرَ , وَلِذَلِكَ رُفِعَ اِسْم اللَّه , وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى : بَلْ أَطِيعُوا اللَّه مَوْلَاكُمْ دُون الَّذِينَ كَفَرُوا , كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بَلْ اللَّه مَوْلَاكُمْ } وَلِيّكُمْ وَنَاصِركُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا , . { وَهُوَ خَيْر النَّاصِرِينَ } لَا مَنْ فَرَرْتُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ , فَبِاَللَّهِ الَّذِي هُوَ نَاصِركُمْ وَمَوْلَاكُمْ فَاعْتَصِمُوا وَإِيَّاهُ فَاسْتَنْصِرُوا دُون غَيْره مِمَّنْ يَبْغِيكُمْ الْغَوَائِل وَيَرْصُدكُمْ بِالْمَكَارِهِ . كَمَا : 6353 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { بَلْ اللَّه مَوْلَاكُمْ } إِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبكُمْ , { وَهُوَ خَيْر النَّاصِرِينَ } أَيْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ , وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابكُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينكُمْ .)

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : سَيُلْقِي اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ , وَجَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حَارَبَكُمْ بِأُحُدٍ الرُّعْب , وَهُوَ الْجَزَع وَالْهَلَع بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ , يَعْنِي بِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتهمْ الْأَصْنَام , وَطَاعَتهمْ الشَّيْطَان الَّتِي لَمْ أَجْعَل لَهُمْ بِهَا حُجَّة , وَهِيَ السُّلْطَان الَّتِي أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَمْ يُنَزِّلهُ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكهمْ , وَهَذَا وَعْد مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ , وَالْفَلَج عَلَيْهِمْ مَا اِسْتَقَامُوا عَلَى عَهْده , وَتَمَسَّكُوا بِطَاعَتِهِ , ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ مَا هُوَ فَاعِل بِأَعْدَائِهِمْ بَعْد مَصِيرهمْ إِلَيْهِ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَأْوَاهُمْ النَّار } يَعْنِي : وَمَرْجِعهمْ الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّار { وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَبِئْسَ مَقَام الظَّالِمِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ بِاكْتِسَابِهِمْ مَا أَوْجَبَ لَهَا عِقَاب اللَّه النَّار . كَمَا : 6354 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } إِنِّي سَأُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب الَّذِي بِهِ كُنْت أَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ , بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَل لَهُمْ بِهِ حُجَّة , أَيْ فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ لَهُمْ عَاقِبَة نَصْر , وَلَا ظُهُور عَلَيْكُمْ مَا اِعْتَصَمْتُمْ وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي , لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ , خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي , وَعَصَيْتُمْ فِيهَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6355 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا اِرْتَحَلَ أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ يَوْم أُحُد مُتَوَجِّهِينَ نَحْو مَكَّة , اِنْطَلَقَ أَبُو سُفْيَان حَتَّى بَلَغَ بَعْض الطَّرِيق , ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا فَقَالُوا : بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ , إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشِّرِّير تَرَكْتُمُوهُمْ , اِرْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ , فَقَذَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَانْهَزَمُوا , فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا , فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا , وَقَالُوا لَهُ : إِنْ لَقِيت مُحَمَّدًا فَأَخْبِرْهُ بِمَا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ ! فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ , فَذَكَرَ أَبَا سُفْيَان حِين أَرَادَ أَنْ يَرْجِع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى وَمَا قُذِفَ فِي قَلْبه مِنْ الرُّعْب , قَالَ : { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ } )

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ وَعْده الَّذِي وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْوَعْد الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانه بِأُحُدٍ قَوْله لِلرُّمَاةِ : ( اُثْبُتُوا مَكَانكُمْ وَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ | )وَكَانَ وَعَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصْر يَوْمئِذٍ إِنْ اِنْتَهَوْا إِلَى أَمْره ; كَاَلَّذِي : 6356 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا بَرَزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ , أَمَرَ الرُّمَاة , فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَل فِي وُجُوه خَيْل الْمُشْرِكِينَ , وَقَالَ : | لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ | وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر , ثُمَّ إِنَّ طَلْحَة بْن عُثْمَان صَاحِب لِوَاء الْمُشْرِكِينَ قَامَ فَقَالَ : يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد , إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه يُعَجِّلنَا بِسُيُوفِكُمْ إِلَى النَّار , وَيُعَجِّلكُمْ بِسُيُوفِنَا إِلَى الْجَنَّة , فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَد يُعَجِّلهُ اللَّه بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّة , أَوْ يُعَجِّلنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّار ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا أُفَارِقك حَتَّى يُعَجِّلك اللَّه بِسَيْفِي إِلَى النَّار , أَوْ يُعَجِّلنِي بِسَيْفِك إِلَى الْجَنَّة ! فَضَرَبَهُ عَلِيّ , فَقَطَعَ رِجْله فَسَقَطَ , فَانْكَشَفَتْ عَوْرَته , فَقَالَ : أَنْشُدك اللَّه وَالرَّحِم يَا اِبْن عَمّ ! فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَصْحَابه : مَا مَنَعَك أَنْ تُجْهِز عَلَيْهِ ؟ قَالَ : إِنَّ اِبْن عَمِّي نَاشَدَنِي حِين اِنْكَشَفَتْ عَوْرَته فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ . ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد عَلَى الْمُشْرِكِينَ , فَهَزَمَاهُمْ , وَحَمَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَصْحَابه , فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَان , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِد بْن الْوَلِيد وَهُوَ عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ حَمَلَ , فَرَمَتْهُ الرُّمَاة , فَانْقَمَعَ ; فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي جَوْف عَسْكَر الْمُشْرِكِينَ يَنْهَبُونَهُ , بَادَرُوا الْغَنِيمَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَتْرُك أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَانْطَلَقَ عَامَّتهمْ , فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ ; فَلَمَّا رَأَى خَالِد قِلَّة الرُّمَاة , صَاحَ فِي خَيْله , ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاة , ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلهمْ تُقَاتِل , تَنَادَوْا , فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . )6357 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد وَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ , أَجْلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا بِإِزَاءِ الرُّمَاة , وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر , وَقَالَ لَهُمْ : | لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ ! إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا , وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا | فَلَمَّا اِلْتَقَى الْقَوْم , هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى رَأَيْت النِّسَاء قَدْ رَفَعْنَ عَنْ سُوقهنَّ , وَبَدَتْ خَلَاخِلهنَّ , فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : الْغَنِيمَة الْغَنِيمَة ! قَالَ عَبْد اللَّه : مَهْلًا , أَمَا عَلِمْتُمْ مَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَبَوْا , فَانْطَلَقُوا , فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صَرَفَ اللَّه وُجُوههمْ , فَأُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ قَتِيلًا . )* - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , بِنَحْوِهِ . 6358 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } فَإِنَّ أَبَا سُفْيَان أَقْبَلَ فِي ثَلَاث لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّال , حَتَّى نَزَلَ أُحُدًا , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى , فَأَذَّنَ فِي النَّاس , فَاجْتَمَعُوا , وَأَمَّرَ عَلَى الْخَيْل الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام , وَمَعَهُ يَوْمئِذٍ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد الْكِنْدِيّ , وَأَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاء رَجُلًا مِنْ قُرَيْش يُقَال لَهُ مُصْعَب بْن عُمَيْر , وَخَرَجَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب بِالْحُسَّرِ , وَبَعَثَ حَمْزَة بَيْن يَدَيْهِ , وَأَقْبَلَ خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ وَمَعَهُ عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر , وَقَالَ : | اِسْتَقْبِلْ خَالِد بْن الْوَلِيد فَكُنْ بِإِزَائِهِ حَتَّى أُوذِنَك ! | وَأَمَرَ بِخَيْلٍ أُخْرَى , فَكَانُوا مِنْ جَانِب آخَر , فَقَالَ : | لَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ ! | وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان يَحْمِل اللَّاتَ وَالْعُزَّى , فَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْر أَنْ يَحْمِل , فَحَمَلَ عَلَى خَالِد بْن الْوَلِيد , فَهَزَمَهُ وَمَنْ مَعَهُ , كَمَا قَالَ : { لَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ اللَّه وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرهُمْ , وَأَنَّهُ مَعَهُمْ . )6359 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه الزُّهْرِيّ , أَنَّ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي قِصَّة ذَكَرَهَا عَنْ أُحُد , ذَكَرَ أَنَّ كُلّهمْ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِهَا , وَأَنَّ حَدِيثهمْ اِجْتَمَعَ فِيمَا سَاقَ مِنْ الْحَدِيث , فَكَانَ فِيمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الشِّعْب مِنْ أُحُد فِي عُدْوَة الْوَادِي إِلَى الْجَبَل , فَجَعَلَ ظَهْره وَعَسْكَره إِلَى أُحُد , وَقَالَ : | لَا تُقَاتِلُوا حَتَّى نَأْمُر بِالْقِتَالِ | , وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْش الظَّهْر وَالْكُرَاع فِي زُرُوع كَانَتْ بِالصَّمْغَةِ مِنْ قَنَاة لِلْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار حِين نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِتَال : أَتُرْعَى زُرُوع بَنِي قَيْلَة وَلَمَّا نُضَارِب ! وَصَفَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ , وَهُوَ فِي سَبْعمِائَةِ رَجُل , وَتَصَافَّ قُرَيْش وَهُمْ ثَلَاثَة آلَاف , وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَس قَدْ جَنَّبُوهَا , فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَة الْخَيْل خَالِد بْن الْوَلِيد , وَعَلَى مَيْسَرَتهَا عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل . وَأَمَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاة عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُعَلَّم بِثِيَابٍ بِيض , وَالرُّمَاة خَمْسُونَ رَجُلًا , وَقَالَ : | اِنْضَحْ عَنَّا الْخَيْل بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفنَا ! إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَك , لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلَك ! | فَلَمَّا اِلْتَقَى النَّاس , وَدَنَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَاقْتَتَلُوا حَتَّى حَمِيَتْ الْحَرْب , وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَة حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاس , وَحَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَعَلِيّ بْن أَبَى طَالِب فِي رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَصْره , وَصَدَقَهُمْ وَعْده , فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ , وَكَانَتْ الْهَزِيمَة لَا شَكّ فِيهَا . )6360 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى اِبْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : قَالَ الزُّبَيْر : (وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُر إِلَى خَدَم هِنْد بِنْت عُتْبَة وَصَوَاحِبهَا مُشَمِّرَات هَوَازِم , مَا دُون إِحْدَاهُنَّ قَلِيل وَلَا كَثِير , إِذْ مَالَتْ الرُّمَاة إِلَى الْعَسْكَر حِين كَشَفْنَا الْقَوْم عَنْهُ , يُرِيدُونَ النَّهْب , وَخَلَّوْا ظُهُورنَا لِلْخَيْلِ , فَأُتِينَا مِنْ أَدْبَارنَا , وَصَرَخَ صَارِخ : أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ! فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْم بَعْد أَنْ هَزَمْنَا أَصْحَاب اللِّوَاء , حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَد مِنْ الْقَوْم . )6361 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } أَيْ لَقَدْ وَفَّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى عَدُوّكُمْ . )6362 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , قَالَ لَهُمْ : | إِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ فَلَا تَأْخُذُوا مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمهمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا | فَتَرَكُوا أَمْر نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَصَوْا , وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِم , وَنَسَوْا عَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَخَالَفُوا إِلَى غَيْر مَا أَمَرَهُمْ بِهِ .)|إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلَقَدْ وَفَّى اللَّه لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى عَدُوّكُمْ بِأُحُدٍ , حِين تَحُسُّونَهُمْ , يَعْنِي : حِين تَقْتُلُونَهُمْ . يُقَال مِنْهُ : حَسَّهُ يَحُسّهُ حَسًّا : إِذَا قَتَلَهُ . كَمَا : 6363 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عِيسَى , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي قَوْله : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } قَالَ : الْحَسّ : الْقَتْل . )6364 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَمِعْت عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } قَالَ : الْقَتْل . )6365 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } قَالَ : تَقْتُلُونَهُمْ . )6366 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أَيْ قَتْلًا بِإِذْنِهِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } يَقُول : إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ . )6367 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } وَالْحَسّ الْقَتْل . )6368 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَقُول : تَقْتُلُونَهُمْ . )6369 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } بِالسُّيُوفِ : أَيْ بِالْقَتْلِ . )6370 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَعْنِي : الْقَتْل . )6371 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِية , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَقُول : تَقْتُلُونَهُمْ . )وَأَمَّا قَوْله : { بِإِذْنِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بِحُكْمِي وَقَضَائِي لَكُمْ بِذَلِكَ وَتَسْلِيطِي إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 6372 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ , وَكَفِّي أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ .)|حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } حَتَّى إِذَا جَبُنْتُمْ وَضَعُفْتُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } بِقَوْلٍ : وَاخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْر اللَّه ; يَقُول : وَعَصَيْتُمْ وَخَالَفْتُمْ نَبِيّكُمْ , فَتَرَكْتُمْ أَمْره , وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاة الَّذِينَ كَانَ أَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ مَرْكَزهمْ وَمَقْعَدهمْ مِنْ فَم الشِّعْب بِأُحُدٍ , بِإِزَاءِ خَالِد بْن الْوَلِيد وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ فُرْسَان الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْل أَمْرهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ بَعْد الَّذِي أَرَاكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ مِنْ النَّصْر وَالظَّفَر بِالْمُشْرِكِينَ , وَذَلِكَ هُوَ الْهَزِيمَة الَّتِي كَانُوا هَزَمُوهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ قَبْل تَرْك الرُّمَاة مَقَاعِدهمْ الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُمْ فِيهَا , وَقَبْل خُرُوج خَيْل الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ مَضَى ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ , وَسَنَذْكُرُ قَوْل بَعْض مَنْ لَمْ يَذْكُر قَوْله فِيمَا مَضَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6373 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي الْأَمْر , { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَذَاكُمْ يَوْم أُحُد , عَهِدَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ , فَنَسَوْا الْعَهْد وَجَاوَزُوا وَخَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ بَعْد مَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ مَا يُحِبُّونَ . )6374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ نَاسًا مِنْ النَّاس - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - فَكَانُوا مِنْ وَرَائِهِمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | كُونُوا هَهُنَا فَرُدُّوا وَجْه مَنْ قَدِمَنَا , وَكُونُوا حَرَسًا لَنَا مِنْ قِبَل ظُهُورنَا | وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَزَمَ الْقَوْم هُوَ وَأَصْحَابه , اِخْتَلَفَ الَّذِينَ كَانُوا جَعَلُوا مِنْ وَرَائِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ لَمَّا رَأَوْا النِّسَاء مُصْعِدَات فِي الْجَبَل , وَرَأَوْا الْغَنَائِم , قَالُوا : اِنْطَلِقُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى فَأَدْرِكُوا الْغَنِيمَة قَبْل أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهَا ! وَقَالَتْ طَائِفَة أُخْرَى : بَلْ نُطِيع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَثْبُت مَكَاننَا . فَذَلِكَ قَوْله : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } لِلَّذِينَ أَرَادُوا الْغَنِيمَة , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } لِلَّذِينَ قَالُوا : نُطِيع رَسُول اللَّه وَنَثْبُت مَكَاننَا . فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فَشَلًا حِين تَنَازَعُوا بَيْنهمْ ; يَقُول : { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } كَانُوا قَدْ رَأَوْا الْفَتْح وَالْغَنِيمَة . )6375 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } يَقُولَا : جَبُنْتُمْ عَنْ عَدُوّكُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } يَقُول : اِخْتَلَفْتُمْ وَعَصَيْتُمْ , { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , قَالَ لَهُمْ : ( إِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمهمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا | )فَتَرَكُوا أَمْر نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَوْا , وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِم , وَنَسَوْا عَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَخَالَفُوا إِلَى غَيْر مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاهُمْ فِيهِمْ مَا يُحِبُّونَ . )6376 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْفَشَل : الْجُبْن . )6377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } مِنْ الْفَتْح . )6378 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي , { وَعَصَيْتُمْ } أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْر نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ , يَعْنِي : الرُّمَاة . { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } أَيْ الْفَتْح لَا شَكّ فِيهِ , وَهَزِيمَة الْقَوْم عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ . )6379 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } يَعْنِي : مِنْ الْفَتْح . )وَقِيلَ : مَعْنَى قَوْله : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر فَشِلْتُمْ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , وَإِنَّ الْوَاو دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ , وَمَعْنَاهَا : السُّقُوط كَمَا قُلْنَا فِي : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ } [37 103 : 104 ]مَعْنَاهُ : نَادَيْنَاهُ , وَهَذَا مَقُول فِي | حَتَّى إِذَا | وَفِي | فَلَمَّا أَنْ | , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج } ثُمَّ قَالَ : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ } [21 96 : 97 ]وَمَعْنَاهُ : اِقْتَرَبَ , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>حَتَّى إِذَا قَمِلَتْ بُطُونكُمْ .......... وَرَأَيْتُمْ أَبْنَاءَكُمْ شَبُّوا <br><br>وَقَلَبْتُمْ ظَهْر الْمِجَنّ لَنَا .......... إِنَّ اللَّئِيم الْعَاجِز الْخَبّ<br>|مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } الَّذِينَ تَرَكُوا مَقْعَدهمْ الَّذِي أَقْعَدَهُمْ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب مِنْ أُحُد لِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَحِقُوا بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ طَلَب النَّهْب إِذْ رَأَوْا هَزِيمَة الْمُشْرِكِينَ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } يَعْنِي بِذَلِكَ : الَّذِينَ ثَبَتُوا مِنْ الرُّمَاة فِي مَقَاعِدهمْ الَّتِي أَقْعَدَهُمْ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعُوا أَمْره , مُحَافَظَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَابْتِغَاء مَا عِنْد اللَّه مِنْ الثَّوَاب بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ , وَالدَّار الْآخِرَة . كَمَا : 6380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَاَلَّذِينَ اِنْطَلَقُوا يُرِيدُونَ الْغَنِيمَة , هُمْ أَصْحَاب الدُّنْيَا وَاَلَّذِينَ بَقَوْا , وَقَالُوا : لَا نُخَالِف قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادُوا الْآخِرَة . )6381 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . 6382 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَإِنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْم أُحُد طَائِفَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ : | كُونُوا مَسْلَحَة لِلنَّاسِ | بِمَنْزِلَةِ أَمْرهمْ أَنْ يَثْبُتُوا بِهَا , وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَكَانهمْ حَتَّى يَأْذَن لَهُمْ , فَلَمَّا لَقِيَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , هَزَمَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَمَّا رَأَى الْمَسْلَحَة أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَزَمَ الْمُشْرِكِينَ , اِنْطَلَقَ بَعْضهمْ وَهُمْ يَتَنَادَوْنَ : الْغَنِيمَة الْغَنِيمَة لَا تَفُتْكُمْ ! وَثَبَتَ بَعْضهمْ مَكَانهمْ , وَقَالُوا : لَا نَرِيم مَوْضِعنَا حَتَّى يَأْذَن لَنَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَكَانَ اِبْن مَسْعُود يَقُول : مَا شَعُرْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْم أُحُد . )6383 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (لَمَّا هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , قَالَ الرُّمَاة : أَدْرَكُوا النَّاس وَنَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْبِقُوكُمْ إِلَى الْغَنَائِم فَتَكُون لَهُمْ دُونكُمْ ! وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَرِيم حَتَّى يَأْذَن لَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ . )6384 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحُوزُونَ الْغَنَائِم , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } الَّذِينَ يَتْبَعُونَهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ . )6385 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ عَنْ عَبْد خَيْر , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد الدُّنْيَا , حَتَّى نَزَلَ فِينَا يَوْم أُحُد : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَبْد خَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : (مَا كُنْت أَظُنّ أَنَّ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ أَحَدًا يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى قَالَ اللَّه مَا قَالَ . )6386 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود لَمَّا رَآهُمْ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِم : مَا كُنْت أَحْسَب أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى كَانَ الْيَوْم . )6387 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ اِبْن مَسْعُود يَقُول : (مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ . )6388 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق ( { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } أَيْ الَّذِينَ أَرَادُوا النَّهْب رَغْبَة فِي الدُّنْيَا وَتَرْك مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطَّاعَة الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَاب الْآخِرَة , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّه لَمْ يُخَالِفُوا إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا رَغْبَة فِي رَجَاء مَا عِنْد اللَّه مِنْ حُسْن ثَوَابه فِي الْآخِرَة .)|ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ صَرَفَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ فِيهِمْ , وَفِي أَنْفُسكُمْ مِنْ هَزِيمَتكُمْ إِيَّاهُمْ , وَظُهُوركُمْ عَلَيْهِمْ , فَرَدَّ وُجُوهكُمْ عَنْهُمْ لِمَعْصِيَتِكُمْ أَمْر رَسُولِي , وَمُخَالَفَتكُمْ طَاعَته , وَإِيثَاركُمْ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة , عُقُوبَة لَكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ , لِيَبْتَلِيَكُمْ , يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ , فَيَتَمَيَّز الْمُنَافِق مِنْكُمْ مِنْ الْمُخْلِص , الصَّادِق فِي إِيمَانه مِنْكُمْ . كَمَا : 6389 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (ثُمَّ ذَكَرَ حِين مَالَ عَلَيْهِمْ خَالِد بْن الْوَلِيد : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } )6390 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } قَالَ : صَرَفَ الْقَوْم عَنْهُمْ , فَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعِدَّةِ مَنْ أَسَرُوا يَوْم بَدْر , وَقُتِلَ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه , وَكَانَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه , وَيَقُول : | كَيْفَ يُفْلِح قَوْم فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبّهمْ ؟ | ; فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء } . .. [3 128 ]الْآيَة , فَقَالُوا : أَلَيْسَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنَا النَّصْر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } إِلَى قَوْله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } )6391 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } أَيْ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ , وَذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبكُمْ .)|وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } وَلَقَدْ عَفَا اللَّه أَيّهَا الْمُخَالِفُونَ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالتَّارِكُونَ طَاعَته , فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ مِنْ لُزُوم الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرَكُمْ بِلُزُومِهِ عَنْكُمْ , فَصَفَحَ لَكُمْ مِنْ عُقُوبَة ذَنْبكُمْ الَّذِي أَتَيْتُمُوهُ عَمَّا هُوَ أَعْظَم مِمَّا عَاقَبَكُمْ بِهِ مِنْ هَزِيمَة أَعْدَائِكُمْ إِيَّاكُمْ , وَصَرْف وُجُوهكُمْ عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يَسْتَأْصِل جَمْعكُمْ . كَمَا : 6392 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ : وَكَيْفَ عَفَا عَنْهُمْ وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ , وَقُتِلَ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه ؟ قَالَ : ثُمَّ يَقُول : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ عَفَوْت عَنْكُمْ إِذْ عَصَيْتُمُونِي أَنْ لَا أَكُون اِسْتَأْصَلْتُكُمْ . قَالَ : ثُمَّ يَقُول الْحَسَن : هَؤُلَاءِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي سَبِيل اللَّه غِضَاب لِلَّهِ , يُقَاتِلُونَ أَعْدَاء اللَّه , نَهَوْا عَنْ شَيْء فَصَنَعُوهُ , فَوَاَللَّهِ مَا تَرَكُوا حَتَّى غُمُّوا بِهَذَا الْغَمّ , فَأَفْسَق الْفَاسِقِينَ الْيَوْم يَتَجَرَّأ عَلَى كُلّ كَبِيرَة , وَيَرْكَب كُلّ دَاهِيَة , وَيَسْحَب عَلَيْهَا ثِيَابه , وَيَزْعُم أَنْ لَا بَأْس عَلَيْهِ , فَسَوْفَ يَعْلَم . )6393 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قَالَ : لَمْ يَسْتَأْصِلكُمْ . )6394 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْ عَظِيم ذَلِكَ لَمْ يُهْلِككُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَة نَبِيّكُمْ , وَلَكِنْ عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ . )وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو طَوْل عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْ كَثِير مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْعُقُوبَة عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبهمْ , فَإِنَّ عَاقَبَهُمْ عَلَى بَعْض ذَلِكَ , فَذُو إِحْسَان إِلَيْهِمْ بِجَمِيلِ أَيَادِيه عِنْدهمْ . كَمَا : 6395 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَكَذَلِكَ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ عَاقَبَهُمْ بِبَعْضِ الذُّنُوب فِي عَاجِل الدُّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَة , فَإِنَّهُ غَيْر مُسْتَأْصِل لِكُلِّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ , لِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَته , رَحْمَة لَهُمْ , وَعَائِدَة عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَان .)

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذْ لَمْ يَسْتَأْصِلكُمْ , إِهْلَاكًا مِنْهُ جَمْعكُمْ بِذُنُوبِكُمْ , وَهَرَبكُمْ ; { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام سِوَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ : { إِذْ تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , وَبِهِ الْقِرَاءَة عِنْدنَا لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى الْقِرَاءَة بِهِ , وَاسْتِنْكَارهمْ مَا خَالَفَهُ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | إِذْ تَصْعَدُونَ | بِفَتْحِ التَّاء وَالْعَيْن . 6396 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا : { تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْقَوْم حِين اِنْهَزَمُوا عَنْ عَدُوّهُمْ أَخَذُوا فِي الْوَادِي هَارِبِينَ . وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : | إِذْ تُصْعِدُونَ فِي الْوَادِي | . 6397 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون . قَالُوا : الْهَرَب فِي مُسْتَوَى الْأَرْض , وَبُطُون الْأَوْدِيَة وَالشِّعَاب , إِصْعَاد لَا صُعُود , قَالُوا وَإِنَّمَا يَكُون الصُّعُود عَلَى الْجِبَال وَالسَّلَالِيم وَالدَّرَج , لِأَنَّ مَعْنَى الصُّعُود : الِارْتِقَاء وَالِارْتِفَاع عَلَى الشَّيْء عُلُوًّا . قَالُوا : فَأَمَّا الْأَخْذ فِي مُسْتَوَى الْأَرْض الْهُبُوط , فَإِنَّمَا هُوَ إِصْعَاد , كَمَا يُقَال : أَصْعَدْنَا مِنْ مَكَّة , إِذَا اِبْتَدَأْت فِي السَّفَر مِنْهَا وَالْخُرُوج , وَأَصْعَدْنَا مِنْ الْكُوفَة إِلَى خُرَاسَان , بِمَعْنَى خَرَجْنَا مِنْهَا سَفَرًا إِلَيْهَا , وَابْتَدَأْنَا مِنْهَا الْخُرُوج إِلَيْهَا . قَالُوا : وَإِنَّمَا جَاءَ تَأْوِيل أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل بِأَنَّ الْقَوْم أَخَذُوا عِنْد اِنْهِزَامهمْ عَنْ عَدُوّهُمْ فِي بَطْن الْوَادِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6398 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } ذَاكُمْ يَوْم أُحُد أَصْعَدُوا فِي الْوَادِي فِرَارًا , وَنَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ , قَالَ : | إِلَى عِبَاد اللَّه , إِلَى عِبَاد اللَّه . )وَأَمَّا الْحَسَن فَإِنِّي أَرَاهُ ذَهَبَ فِي قِرَاءَته : | إِذْ تَصْعَدُونَ | بِفَتْحِ التَّاء وَالْعَيْن إِلَى أَنَّ الْقَوْم حِين اِنْهَزَمُوا عَنْ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا الْجَبَل . وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عَدَد مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا شَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ فَهَزَمُوهُمْ , دَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , وَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس : | إِلَيَّ عِبَاد اللَّه , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! | فَذَكَرَ اللَّه صُعُودهمْ عَلَى الْجَبَل , ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاء نَبِيّ اللَّه إِيَّاهُمْ , فَقَالَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } )6400 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (اِنْحَازُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى , فَجَعَلُوا يَصْعَدُونَ فِي الْجَبَل , وَالرَّسُول يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ . )* -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6401 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } قَالَ : صَعِدُوا فِي أُحُد فِرَارًا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , بِمَعْنَى السَّبْق وَالْهَرَب فِي مُسْتَوَى الْأَرْض , أَوْ فِي الْمَهَابِط , لِإِجْمَاع الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة . فَفِي إِجْمَاعهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : اِصْعَدُوا فِي الْوَادِي , وَمَضَوْا فِيهِ , دُون قَوْل مَنْ قَالَ : صَعِدُوا عَلَى الْجَبَل . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا تَعْطِفُونَ عَلَى أَحَد مِنْكُمْ , وَلَا يَلْتَفِت بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض هَرَبًا مِنْ عَدُوّكُمْ مُصْعِدِينَ فِي الْوَادِي . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ أَصْحَابه فِي أُخْرَاكُمْ , يَعْنِي أَنَّهُ يُنَادِيكُمْ مِنْ خَلْفكُمْ : | إِلَيَّ عِبَاد اللَّه , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! | . كَمَا : 6402 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } إِلَيَّ عِبَاد اللَّه اِرْجِعُوا , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه اِرْجِعُوا ! . )6403 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } رَأَوْا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ : إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! )6404 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , مِثْله . 6405 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (أَنَّبَهُمْ اللَّه بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ يَدْعُوهُمْ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ , فَقَالَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } )6406 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } هَذَا يَوْم أُحُد حِين اِنْكَشَفَ النَّاس عَنْهُ .)|فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَثَابكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } يَعْنِي : فَجَازَاكُمْ بِفِرَارِكُمْ عَنْ نَبِيّكُمْ , وَفَشَلكُمْ عَنْ عَدُوّكُمْ , وَمَعْصِيَتكُمْ رَبّكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , يَقُول : غَمًّا عَلَى غَمّ . وَسَمَّى الْعُقُوبَة الَّتِي عَاقَبَهُمْ بِهَا مِنْ تَسْلِيط عَدُوّهُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى نَالَ مِنْهُمْ مَا نَالَ ثَوَابًا , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلهمْ الَّذِي سَخِطَهُ وَلَمْ يَرْضَهُ مِنْهُمْ , فَدَلَّ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ كُلّ عِوَض كَالْمُعَوَّضِ مِنْ شَيْء مِنْ الْعَمَل , خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا , أَوْ الْعِوَض الَّذِي بَذَلَهُ رَجُل لِرَجُلٍ أَوْ يَد سَلَفَتْ لَهُ إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ مُسْتَحِقّ اِسْم ثَوَاب كَانَ ذَلِكَ الْعِوَض تَكْرِمَة أَوْ عُقُوبَة , وَنَظِير ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : <br>أَخَاف زِيَادًا أَنْ يَكُون عَطَاؤُهُ .......... أَدَاهِم سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَة سُمْرًا <br>فَجَعَلَ الْعَطَاء الْعُقُوبَة , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل لِآخَرَ سَلَفَ إِلَيْهِ مِنْهُ مَكْرُوه : لَأُجَازِيَنَّكَ عَلَى فِعْلك , وَلَأُثِيبَنَّكَ ثَوَابك . وَأَمَّا قَوْله : { غَمًّا بِغَمٍّ } فَإِنَّهُ قِيلَ : غَمًّا بِغَمٍّ , مَعْنَاهُ : غَمًّا عَلَى غَمّ , كَمَا قِيلَ : { وَلَأُصَلِّبَنَّكم فِي جُذُوع النَّخْل } [20 71 ]بِمَعْنَى : وَلَأُصَلِّبَنَّكم عَلَى جُذُوع النَّخْل . وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : أَثَابَك اللَّه غَمًّا عَلَى غَمّ : جَزَاك اللَّه غَمًّا بَعْد غَمّ تَقَدَّمَهُ , فَكَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى : فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَجَزَاكُمْ اللَّه غَمًّا بِعَقِبِ غَمّ تَقَدَّمَهُ , وَهُوَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : نَزَلَتْ بِبَنِي فُلَان , وَنَزَلَتْ عَلَى بَنِي فُلَان , وَضَرَبْته بِالسَّيْفِ , وَعَلَى السَّيْف . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْغَمّ الَّذِي أُثِيبَ الْقَوْم عَلَى الْغَمّ , وَمَا كَانَ غَمّهمْ الْأَوَّل وَالثَّانِي , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَّا الْغَمّ الْأَوَّل , فَكَانَ مَا تَحَدَّثَ بِهِ الْقَوْم أَنَّ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . وَأَمَّا الْغَمّ الْآخَر , فَإِنَّهُ كَانَ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } كَانُوا تَحَدَّثُوا يَوْمئِذٍ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصِيبَ , وَكَانَ الْغَمّ الْآخَر قَتْل أَصْحَابهمْ وَالْجِرَاحَات الَّتِي أَصَابَتْهُمْ ; قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة وَسِتُّونَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , وَأَرْبَعَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . وَقَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } يَقُول : مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنِيمَة الْقَوْم , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاحَات . )6408 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : فَرَّة بَعْد فَرَّة , الْأُولَى : حِين سَمِعُوا الصَّوْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ; وَالثَّانِيَة : حِين رَجَعَ الْكُفَّار فَضَرَبُوهُمْ مُدْبِرِينَ , حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا , ثُمَّ اِنْحَازُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلُوا يَصْعَدُونَ فِي الْجَبَل , وَالرَّسُول يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ غَمّهمْ الْأَوَّل كَانَ قَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَجَرْح مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ ; وَالْغَمّ الثَّانِي : كَانَ مِنْ سَمَاعهمْ صَوْت الْقَائِل : قُتِلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6409 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : الْغَمّ الْأَوَّل : الْجِرَاح وَالْقَتْل ; وَالْغَمّ الثَّانِي : حِين سَمِعُوا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخَر مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْقَتْل وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ الْغَنِيمَة , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } )6410 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : الْغَمّ الْأَوَّل : الْجِرَاح وَالْقَتْل ; وَالْغَمّ الْآخَر : حِين سَمِعُوا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخَر مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْقَتْل , وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ الْغَنِيمَة , وَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْغَمّ الْأَوَّل مَا كَانَ فَاتَهُمْ مِنْ الْفَتْح وَالْغَنِيمَة ; وَالثَّانِي إِشْرَاف أَبِي سُفْيَان عَلَيْهِمْ فِي الشِّعْب . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان فِيمَا زَعَمَ بَعْض أَهْل السِّيَر لَمَّا أَصَابَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ , وَهَرَبَ الْمُسْلِمُونَ , جَاءَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِعْب أُحُد الَّذِي كَانُوا وَلَّوْا إِلَيْهِ عِنْد الْهَزِيمَة , فَخَافُوا أَنْ يَصْطَلِمَهُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه. ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 6411 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ يَدْعُو النَّاس حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَصْحَاب الصَّخْرَة , فَلَمَّا رَأَوْهُ , وَضَعَ رَجُل سَهْمًا فِي قَوْسه , فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيه , فَقَالَ : | أَنَا رَسُول اللَّه | فَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِين وَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا , وَفَرِحَ رَسُول اللَّه حِين رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابه مَنْ يَمْتَنِع . فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَهَبَ عَنْهُمْ الْحُزْن , فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْح وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ , وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابهمْ الَّذِينَ قُتِلُوا . فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ; فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ , نَسُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ , وَهَمَّهُمْ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا , اللَّهُمَّ إِنْ تُقْتَل هَذِهِ الْعِصَابَة لَا تُعْبَد | ثُمَّ نَدَبَ أَصْحَابه فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ , فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَوْمئِذٍ : اُعْلُ هُبَل ! حَنْظَلَة بِحَنْظَلَةَ , وَيَوْم بِيَوْمِ بَدْر . وَقَتَلُوا يَوْمئِذٍ حَنْظَلَة بْن الرَّاهِب وَكَانَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَة , وَكَانَ حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان قُتِلَ يَوْم بَدْر ; قَالَ أَبُو سُفْيَان : لَنَا الْعُزَّى , وَلَا عُزَّى لَكُمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : | قُلْ اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ | . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : فِيكُمْ مُحَمَّد ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : أَمَا إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِيكُمْ مُثْلَة , مَا أَمَرْت بِهَا , وَلَا نَهَيْت عَنْهَا , وَلَا سَرَّتْنِي , وَلَا سَاءَتْنِي . فَذَكَرَ اللَّه إِشْرَاف أَبِي سُفْيَان عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } الْغَمّ الْأَوَّل : مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَة وَالْفَتْح ; وَالْغَمّ الثَّانِي : إِشْرَاف الْعَدُوّ عَلَيْهِمْ , لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الْغَنِيمَة , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْقَتْل حِين تَذْكُرُونَ , فَشَغَلَهُمْ أَبُو سُفْيَان . )6412 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ , وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ حَدِيث أُحُد , قَالُوا : (كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِمَا أَصَابَهُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة الْبَلَاء أَثْلَاثًا : ثُلُث قَتِيل , وَثُلُث جَرِيح , وَثُلُث مُنْهَزِم , وَقَدْ بَلَغَتْهُ الْحَرْب حَتَّى مَا يَدْرِي مَا يَصْنَع , وَحَتَّى خَلَصَ الْعَدُوّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُثَّ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ , وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه , وَكُلِمَتْ شَفَته , وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص . وَقَاتَلَ مُصْعَب بْن عُمَيْر دُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ لِوَاؤُهُ حَتَّى قُتِلَ , وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ اِبْن قَمِئَة اللَّيْثِيّ , وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْش فَقَالَ : قَتَلْت مُحَمَّدًا . )6413 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (فَكَانَ أَوَّل مَنْ عَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْهَزِيمَة , وَقَوْل النَّاس : قُتِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )كَمَا حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ عَنْ كَعْب بْن مَالِك أَخِي بَنِي سَلِمَة , قَالَ : (عَرَفْت عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ تَحْت الْمِغْفَر , فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا , هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُول اللَّه أَنْ أَنْصِتْ . فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ نَحْو الشِّعْب مَعَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب , وَطَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه , وَالزُّبَيْر بْن الْعَوَّام , وَالْحَارِث بْن الصَّامِت فِي رَهْط مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ : فَبَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب وَمَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ أَصْحَابه , إِذْ عَلَتْ عَالِيَة مِنْ قُرَيْش الْجَبَل , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا | فَقَاتَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَرَهْط مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ , حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنْ الْجَبَل . وَنَهَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَخْرَة مِنْ الْجَبَل لِيَعْلُوَهَا , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَدَّنَ , فَظَاهَرَ بَيْن دِرْعَيْنِ , فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَض , فَلَمْ يَسْتَطِعْ , جَلَسَ تَحْته طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه , فَنَهَضَ حَتَّى اِسْتَوَى عَلَيْهَا ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَان حِين أَرَادَ الِانْصِرَاف , أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَل , ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْته أَنْعَمْت فَعَالِ , إِنَّ الْحَرْب سِجَال , يَوْم بِيَوْمِ بَدْر , اُعْلُ هُبَل ! أَيْ أَظْهِرْ دِينك . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : | قُمْ فَأَجِبْهُ فَقُلْ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , لَا سَوَاء , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار | فَلَمَّا أَجَابَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَبَا سُفْيَان , قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان : هَلُمَّ إِلَيَّ يَا عُمَر ! فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِئْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنه ! | فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان : أَنْشُدك اللَّه يَا عُمَر , أَقَتَلْنَا مُحَمَّدًا ؟ فَقَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ لَا , وَإِنَّهُ لَيَسْمَع كَلَامك الْآن . فَقَالَ : أَنْتَ أَصْدَق عِنْدِي مِنْ اِبْن قَمِئَة , وَأَشَارَ لِقَوْلِ اِبْن قَمِئَة لَهُمْ : إِنِّي قَتَلْت مُحَمَّدًا . ثُمَّ نَادَى أَبُو سُفْيَان , فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ . مُثْلَة , وَاَللَّه مَا رَضِيت , وَلَا سَخِطْت , وَلَا نَهَيْت , وَلَا أَمَرْت . )6414 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق : ( { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْد كَرْب قُتِلَ مَنْ قُتِلَ . مِنْ إِخْوَانكُمْ , وَعُلُوّ عَدُوّكُمْ عَلَيْكُمْ , وَمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : قُتِلَ نَبِيّكُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ظُهُوركُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ بَعْد أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْل إِخْوَانكُمْ ; حَتَّى فَرَّجْت بِذَلِكَ الْكَرْب عَنْكُمْ , وَاَللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ . وَكَانَ الَّذِي فَرَّجَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْب وَالْغَمّ الَّذِي أَصَابَهُمْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَدَّ عَنْهُمْ كَذْبَة الشَّيْطَان بِقَتْلِ نَبِيّهمْ , فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا بَيْن أَظْهُرهمْ , هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْم , فَهَانَ الظُّهُور عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إِخْوَانهمْ , حِين صَرَفَ اللَّه الْقَتْل عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6415 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : أَصَابَ النَّاس حُزْن وَغَمّ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ فِي أَصْحَابهمْ الَّذِينَ قُتِلُوا , فَلَمَّا تَوَلَّجُوا فِي الشِّعْب يَتَصَافُّونَ وَقَفَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه بِبَابِ الشِّعْب , فَظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ سَوْفَ يَمِيلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ أَيْضًا , فَأَصَابَهُمْ حُزْن فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنْسَاهُمْ حُزْنهمْ فِي أَصْحَابهمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { عَلَى مَا فَاتَكُمْ } يَقُول : عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنَائِم الْقَوْم { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } فِي أَنْفُسكُمْ . )6416 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : (جَاءَ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَمَنْ مَعَهُ , حَتَّى وَقَفَ بِالشِّعْبِ , ثُمَّ نَادَى : أَفِي الْقَوْم اِبْن أَبِي كَبْشَة ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة , ثُمَّ قَالَ : أَفِي الْقَوْم اِبْن أَبِي قُحَافَة ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة ! ثُمَّ قَالَ : أَفِي الْقَوْم عُمَر بْن الْخَطَّاب ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة ! ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان : اُعْلُ هُبَل , يَوْم بِيَوْمِ بَدْر , وَحَنْظَلَة بِحَنْظَلَة , وَأَنْتُمْ وَاجِدُونَ فِي الْقَوْم مُثُلًا لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْي سَرَاتنَا وَخِيَارنَا , وَلَمْ نَكْرَههُ حِين رَأَيْنَاهُ ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَر بْن الْخَطَّاب : | قُمْ فَنَادِ فَقُلْ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , نَعَمْ هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا أَبُو بَكْر , وَهَا أَنَا ذَا ; لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجَنَّة , أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ الْفَائِزُونَ , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 6417 -حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } فَرَجَعُوا فَقَالُوا : وَاَللَّه لَنَأْتِيَنَّهُمْ , ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُمْ , قَدْ خَرَجُوا مِنَّا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَهْلًا فَإِنَّمَا أَصَابَكُمْ الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ عَصَيْتُمُونِي | . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ أَتَاهُمْ الْقَوْم , قَدْ أَنِسُوا , وَقَدْ اخْتَرَطُوا سُيُوفهمْ , فَكَانَ غَمّ الْهَزِيمَة وَغَمّهمْ حِين أَتَوْهُمْ ; { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ الْقَتْل { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ الْجِرَاحَة { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا } . .. الْآيَة , وَهُوَ يَوْم أُحُد . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّه إِيَّاكُمْ غَنِيمَة الْمُشْرِكِينَ , وَالظَّفَر بِهِمْ , وَالنَّصْر عَلَيْهِمْ , وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاح يَوْمئِذٍ بَعْد الَّذِي كَانَ قَدْ أَرَاكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبّكُمْ , وَخِلَافكُمْ أَمْر نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , غَمّ ظَنّكُمْ أَنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , وَمَيْل الْعَدُوّ عَلَيْكُمْ بَعْد فُلُولكُمْ مِنْهُمْ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِمَّا خَالَفَهُ , قَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } وَالْفَائِت لَا شَكّ أَنَّهُ هُوَ مَا كَانُوا رَجَوْا الْوُصُول إِلَيْهِ مِنْ غَيْرهمْ , إِمَّا مِنْ ظُهُور عَلَيْهِمْ بِغَلَبِهِمْ , وَإِمَّا مِنْ غَنِيمَة يَحْتَازُونَهَا , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } هُوَ مَا أَصَابَهُمْ إِمَّا فِي أَبْدَانهمْ , وَإِمَّا فِي إِخْوَانهمْ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الْغَمّ الثَّانِي هُوَ مَعْنًى غَيْر هَذَيْنِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ ثَابَهُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِئَلَّا يُحْزِنهُمْ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْغَمّ النَّاشِئ عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ , وَلَا مَا أَصَابَهُمْ قَبْل ذَلِكَ فِي أَنْفُسهمْ , وَهُوَ الْغَمّ الْأَوَّل عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل . وَأَمَّا قَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } فَإِنَّ تَأْوِيله عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت مِنْ أَنَّهُ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ فَلَمْ تُدْرِكُوهُ مِمَّا كُنْتُمْ تَرْجُونَ إِدْرَاكه مِنْ عَدُوّكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَالظُّهُور وَحِيَازَة غَنَائِمهمْ , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ جَرْح مَنْ جُرِحَ وَقَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ قَبْل عَلَى السَّبِيل الَّتِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ , كَمَا : 6418 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } قَالَ : عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الْغَنِيمَة الَّتِي كُنْتُمْ تَرْجُونَ , { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ الْهَزِيمَة .)|وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه بِاَلَّذِي تَعْمَلُونَ - أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ إِصْعَادكُمْ فِي الْوَادِي هَرَبًا مِنْ عَدُوّكُمْ , وَانْهِزَامكُمْ مِنْهُمْ , وَتَرْككُمْ نَبِيّكُمْ وَهُوَ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ , وَحُزْنكُمْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ , وَمَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسهمْ - ذُو خِبْرَة وَعِلْم , وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , أَوْ يَعْفُو عَنْهُ .

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْد الْغَمّ الَّذِي أَثَابَكُمْ رَبّكُمْ بَعْد غَمّ يَقْدُمهُ قَبْله أَمَنَة , وَهِيَ الْأَمَان عَلَى أَهْل الْإِخْلَاص مِنْكُمْ وَالْيَقِين , دُون أَهْل النِّفَاق وَالشَّكّ . ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْأَمَنَة الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : نُعَاسًا , بِنَصْبِ النُّعَاس عَلَى الْإِبْدَال مِنْ الْأَمَنَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَغْشَى } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ بِالتَّذْكِيرِ بِالْيَاءِ : { يَغْشَى } وَقَرَأَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ بِالتَّأْنِيثِ : | تَغْشَى | بِالتَّاءِ وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ إِلَى أَنَّ النُّعَاس هُوَ الَّذِي يَغْشَى الطَّائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُون الْأَمَنَة , فَذَكَّرَهُ بِتَذْكِيرِ النُّعَاس . وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى أَنَّ الْأَمَنَة هِيَ الَّتِي تَغْشَاهُمْ , فَأَنَّثُوهُ لِتَأْنِيثِ الْأَمَنَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره , لِأَنَّ الْأَمَنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع هِيَ النُّعَاس , وَالنُّعَاس : هُوَ الْأَمَنَة . وَسَوَاء ذَلِكَ , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب الْحَقّ فِي قِرَاءَته , وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِره مِنْ نَحْو قَوْله : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُون } [44 43 : 45 ]وَ { أَلَمْ يَكُ نُطْفَة مِنْ مِنِّي يُمْنَى } [75 37 ] { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْع النَّخْلَة تُسَاقِط } [19 25 ]فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله اِفْتَرَقَتْ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا اِفْتَرَقَتَا فِيهِ مِنْ صِفَتهمَا , فَآمَنَتْ إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِهَا حَتَّى نَعَسَتْ , وَأَهَمَّتْ الْأُخْرَى نَفْسهَا حَتَّى ظَنَّتْ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة ؟ قِيلَ : كَانَ سَبَب ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , كَمَا : 6419 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اِنْصَرَفُوا يَوْم أُحُد بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرهمْ وَأَمْر الْمُسْلِمِينَ ; فَوَاعَدُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا مِنْ قَابِل , فَقَالَ لَهُمْ : | نَعَمْ | فَتَخَوَّفَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْزِلُوا الْمَدِينَة , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا , فَقَالَ : | اُنْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتهمْ قَعَدُوا عَلَى أَثْقَالهمْ وَجَنَبُوا خُيُولهمْ , فَإِنَّ الْقَوْم ذَاهِبُونَ , وَإِنْ رَأَيْتهمْ قَدْ قَعَدُوا عَلَى خُيُولهمْ وَجَنَبُوا عَلَى أَثْقَالهمْ , فَإِنَّ الْقَوْم يَنْزِلُونَ الْمَدِينَة , فَاتَّقُوا اللَّه وَاصْبِرُوا ! | وَوَطَّنَهُمْ عَلَى الْقِتَال ; فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ الرَّسُول تَعَدَّوْا عَلَى الْأَثْقَال سِرَاعًا عِجَالًا , نَادَى بِأَعْلَى صَوْته بِذَهَابِهِمْ ; فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ صَدَّقُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَامُوا , وَبَقِيَ أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الْقَوْم يَأْتُونَهُمْ , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ يَذْكُر حِين أَخْبَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْأَثْقَال فَإِنَّهُمْ مُنْطَلِقُونَ فَنَامُوا : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } )6420 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (أَمَّنَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ غَشَاهُمْ , وَإِنَّمَا يَنْعُس مَنْ يَأْمَن ; { يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } )6421 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة , قَالَ : (كُنْت فِيمَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ النُّعَاس يَوْم أُحُد أَمَنَة , حَتَّى سَقَطَ مِنْ يَدِي مِرَارًا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : (يَعْنِي : سَوْطه , أَوْ سَيْفه . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس , عَنْ أَبِي طَلْحَة , قَالَ : (رَفَعْت رَأْسِي يَوْم أُحُد , فَجَعَلْت مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ الْقَوْم إِلَّا تَحْت حَجَفَته يَمِيد مِنْ النُّعَاس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا عِمْرَان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , عَنْ أَبِي طَلْحَة قَالَ : (كُنْت فِيمَنْ صُبَّ عَلَيْهِ النُّعَاس يَوْم أُحُد . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة : (أَنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاس , قَالَ : كَانَ السَّيْف يَسْقُط مِنْ يَدِي ثُمَّ آخُذهُ مِنْ النُّعَاس . )6422 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : (ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم عَنْ أَنَس أَنَّ أَبَا طَلْحَة حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاس , قَالَ : فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُط مِنْ يَدِي وَآخُذهُ , وَيَسْقُط وَآخُذهُ وَيَسْقُط , وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ , لَيْسَ لَهُمْ هِمَّة إِلَّا أَنْفُسهمْ { يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } . .. الْآيَة كُلّهَا . )6423 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن التِّرْمِذِيّ , قَالَ : ثنا ضِرَار بْن صُرَد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : (سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيْنَا النَّوْم يَوْم أُحُد . )6424 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } . .. الْآيَة , وَذَاكُمْ يَوْم أُحُد , كَانُوا يَوْمئِذٍ فَرِيقَيْنِ ; فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَغَشَاهُمْ اللَّه النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ وَرَحْمَة . )6425 -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , نَحْوه . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ النُّعَاس , فَكَانَ ذَلِكَ أَمَنَة لَهُمْ . )6426 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (النُّعَاس فِي الْقِتَال أَمَنَة , وَالنُّعَاس فِي الصَّلَاة مِنْ الشَّيْطَان . )6427 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُنْزِلَ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ عَلَى أَهْل الْيَقِين بِهِ , فَهُمْ نِيَام لَا يَخَافُونَ . )6428 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أَلْقَى اللَّه عَلَيْهِمْ النُّعَاس , فَكَانَ أَمَنَة لَهُمْ . وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا طَلْحَة قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيَّ النُّعَاس يَوْمئِذٍ , فَكُنْت أَنْعَس حَتَّى يَسْقُط سَيْفِي مِنْ يَدِي . )6429 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا ثَابِت , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة , وَهِشَام بْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر أَنَّهُمَا قَالَا : (لَقَدْ رَفَعْنَا رُءُوسنَا يَوْم أُحُد , فَجَعَلْنَا نَنْظُر , فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَمِيل بِجَنْبِ حَجَفَته قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } )<subtitle>الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَطَائِفَة مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ , يَقُول : هُمْ الْمُنَافِقُونَ لَا هَمّ لَهُمْ غَيْر أَنْفُسهمْ , فَهُمْ مِنْ حَذَر الْقَتْل عَلَى أَنْفُسهمْ , وَخَوْف الْمَنِيَّة عَلَيْهَا فِي شُغْل , قَدْ طَارَ عَنْ أَعْيُنهمْ الْكَرَى , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ الظُّنُون الْكَاذِبَة , ظَنّ الْجَاهِلِيَّة مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , شَكًّا فِي أَمْر اللَّه , وَتَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَحْسَبَةً مِنْهُمْ أَنَّ اللَّه خَاذِل نَبِيّه , وَمُعْلٍ عَلَيْهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ , يَقُولُونَ : هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء . كَاَلَّذِي : 6430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ , لَيْسَ لَهُمْ هَمّ إِلَّا أَنْفُسهمْ , أَجْبَن قَوْم وَأَرْعَبُهُ , وَأَخْذَله لِلْحَقِّ , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظُنُونًا كَاذِبَة , إِنَّمَا هُمْ أَهْل شَكّ وَرِيبَة فِي أَمْر اللَّه , يَقُولُونَ : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } )6431 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هِمَّة إِلَّا أَنْفُسهمْ , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة , يَقُولُونَ : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } . .. الْآيَة . )6432 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : أَهْل النِّفَاق قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ تَخَوُّف الْقَتْل , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَة . )6433 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ . )وَأَمَّا قَوْله : { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَهْل الشِّرْك . كَاَلَّذِي : 6434 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } قَالَ : ظَنّ أَهْل الشِّرْك . )6435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } قَالَ : ظَنّ أَهْل الشِّرْك . )وَفِي رَفْع قَوْله : { وَطَائِفَة } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون مَرْفُوعَة بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرهَا فِي قَوْله : { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ } , وَالْآخَر بِقَوْلِهِ : { يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ } وَلَوْ كَانَتْ مَنْصُوبَة كَانَ جَائِزًا , وَكَانَتْ الْوَاو فِي قَوْله : { وَطَائِفَة } ظَرْفًا لِلْفِعْلِ , بِمَعْنَى : وَأَهَمَّتْ طَائِفَة أَنْفُسهمْ , كَمَا قَالَ : { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } [51 47]|يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ : الطَّائِفَة الْمُنَافِقَة الَّتِي قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ , يَقُولُونَ : لَيْسَ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء , قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ , وَلَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا خَرَجْنَا لِقِتَالِ مَنْ قَاتَلْنَا فَقَتَلُونَا . كَمَا : 6436 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (قِيلَ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ : قُتِلَ بَنُو الْخَزْرَج الْيَوْم ! قَالَ : وَهَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء ؟ قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ . )وَهَذَا أَمْر مُبْتَدَأ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ , يُصَرِّفهُ كَيْفَ يَشَاء وَيُدَبِّرهُ كَيْفَ يُحِبّ , ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَر عَنْ ذِكْر نِفَاق الْمُنَافِقِينَ , فَقَالَ : { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك } يَقُول : يُخْفِي يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُفْر وَالشَّكّ فِي اللَّه مَا لَا يُبْدُونَ لَك , ثُمَّ أَظْهَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ بَيْنهمْ مِنْ نِفَاقهمْ , وَالْحَسْرَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ عَلَى حُضُورهمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَشْهَدهمْ بِأُحُدٍ , فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ قِيلهمْ الْكُفْر , وَإِعْلَانهمْ النِّفَاق بَيْنهمْ , يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ الْخُرُوج إِلَى حَرْب مَنْ خَرَجْنَا لِحَرْبِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْنَا , مَا خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ , وَلَا قُتِلَ مِنَّا أَحَد فِي الْمَوْضِع الَّذِي قُتِلُوا فِيهِ بِأُحُدٍ . وَذُكِرَ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 6437 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثني يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ الزُّبَيْر , قَالَ : (وَاَللَّه إِنِّي لَأَسْمَع قَوْل مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَخِي بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَالنُّعَاس يَغْشَانِي مَا أَسْمَعهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ حِين قَالَ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا . )* - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , بِمِثْلِهِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه } بِنَصْبِ الْكُلّ عَلَى وَجْه النَّعْت لِلْأَمْرِ وَالصِّفَة لَهُ . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة : | قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ | بِرَفْع الْكُلّ عَلَى تَوْجِيه الْكُلّ إِلَى أَنَّهُ اِسْم , وَقَوْله | لِلَّهِ | خَبَره , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنَّ الْأَمْر بَعْضه لِعَبْدِ اللَّه . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْكُلّ فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالنَّصْبِ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَل . وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا النَّصْب فِي الْكُلّ لِإِجْمَاع أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَيْهِ , مِنْ غَيْر أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة الْأُخْرَى خَطَأ فِي مَعْنًى أَوْ عَرَبِيَّة . وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة بِالرَّفْع فِي ذَلِكَ مُسْتَفِيضَة فِي الْقُرَّاء , لَكَانَتْ سَوَاء عِنْدِي الْقِرَاءَة بِأَيِّ ذَلِكَ قُرِئَ لِاتِّفَاقِ مَعَانِي ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهَيْهِ قُرِئَ .|هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ : لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَمْ تَشْهَدُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْهَدهمْ , وَلَمْ تَحْضُرُوا مَعَهُمْ حَرْب أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَيَظْهَر لِلْمُؤْمِنِينَ مَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ مِنْ نِفَاقكُمْ , وَتَكْتُمُونَهُ مِنْ شِرْككُمْ فِي دِينكُمْ , لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل , يَقُول : لَظَهَرَ لِلْمَوْضِع الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ مَصْرَعه فِيهِ مَنْ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْقَتْل مِنْهُمْ , وَيَخْرُج مِنْ بَيْته إِلَيْهِ , حَتَّى يُصْرَع فِي الْمَوْضِع الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْرَع فِيهِ . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ كُنْتُمْ تَبْرُزُونَ مِنْ بُيُوتكُمْ إِلَى مَضَاجِعكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ } وَلِيُخْتَبَرَ اللَّه الَّذِي فِي صُدُوركُمْ مِنْ الشَّكّ , فَيُمَيِّزكُمْ بِمَا يُظْهِرهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِفَاقكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعَانِي نَظَائِر قَوْله : { لِيَبْتَلِيَ اللَّه } { وَلِيَعْلَمَ اللَّه } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِر الْكَلَام مُضَافًا إِلَى اللَّه الْوَصْف بِهِ , فَمُرَاد بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْل طَاعَته ; وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلِيُخْتَبَر أَوْلِيَاء اللَّه , وَأَهْل طَاعَته , الَّذِي فِي صُدُوركُمْ مِنْ الشَّكّ وَالْمَرَض , فَيَعْرِفُوكُمْ مِنْ أَهْل الْإِخْلَاص وَالْيَقِين . { وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ } يَقُول : وَلِيَتَبَيَّنُوا مَا فِي قُلُوبكُمْ مِنْ الِاعْتِقَاد لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَدَاوَة أَوْ الْوِلَايَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول . 6438 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة . عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (ذَكَرَ اللَّه تَلَاوُمهمْ , يَعْنِي : تَلَاوُم الْمُنَافِقِينَ وَحَسْرَتهمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْضِع الَّذِي أَظْهَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِركُمْ , لَأَخْرَجَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَوْطِن غَيْره يُصْرَعُونَ فِيهِ , حَتَّى يَبْتَلِي بِهِ مَا فِي صُدُوركُمْ ; وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ , وَاَللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور , أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا فِي صُدُورهمْ مِمَّا اِسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ . )6439 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ بَحْر السَّقَّاء , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (سُئِلَ عَنْ قَوْله : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } قَالَ : كَتَبَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيله , وَلَيْسَ كُلّ مَنْ يُقَاتِل يُقْتَل , وَلَكِنْ يُقْتَل مَنْ كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِ الْقَتْل .)|قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ| { وَاَللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِاَلَّذِي فِي صُدُور خَلْقه مِنْ خَيْر وَشَرّ وَإِيمَان وَكُفْر , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُورهمْ , سَرَائِرهَا وَعَلَانِيَتهَا , وَهُوَ لِجَمِيع ذَلِكَ حَافِظ , حَتَّى يُجَازِي جَمِيعهمْ جَزَاءَهُمْ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ .

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ وَلَّوْا عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد وَانْهَزَمُوا عَنْهُمْ , وَقَوْله : { تَوَلَّوْا } تَفَعَّلُوا , مِنْ قَوْلهمْ : وَلَّى فُلَان ظَهْره . وَقَوْله : { يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَعْنِي : يَوْم اِلْتَقَى جَمْع الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ , { إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان } أَيْ إِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الزَّلَّة الشَّيْطَان . وَقَوْله اِسْتَزَلَّ : اِسْتَفْعَلَ , مِنْ الزَّلَّة , وَالزَّلَّة : هِيَ الْخَطِيئَة . { بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } يَعْنِي : بِبَعْضِ مَا عَمِلُوا مِنْ الذُّنُوب . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَان الْقَوْم الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا كُلّ مَنْ وَلَّى الدُّبُر عَنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6440 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (خَطَبَ عُمَر يَوْم الْجُمُعَة , فَقَرَأَ آل عِمْرَان , وَكَانَ يُعْجِبهُ إِذَا خَطَبَ أَنْ يَقْرَأهَا , فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد هَزَمْنَاهُمْ , فَفَرَرْت حَتَّى صَعِدْت الْجَبَل , فَلَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْزُو كَأَنَّنِي أَرْوَى , وَالنَّاس يَقُولُونَ : قُتِلَ مُحَمَّد ! فَقُلْت : لَا أَجِد أَحَدًا يَقُول قُتِلَ مُحَمَّد إِلَّا قَتَلْته . حَتَّى اِجْتَمَعْنَا عَلَى الْجَبَل , فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة كُلّهَا . )6441 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّوْا عَنْ الْقِتَال وَعَنْ نَبِيّ اللَّه يَوْمئِذٍ , وكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْر الشَّيْطَان وَتَخْوِيفه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ , وَعَفَا عَنْهُمْ . )1 6442 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْو قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنِّي بِذَلِكَ خَاصّ مِمَّنْ وَلَّى الدُّبُر يَوْمئِذٍ , قَالُوا : وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ مِنْهُمْ دُون غَيْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6443 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا اِنْهَزَمُوا يَوْمئِذٍ تَفَرَّقَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه , فَدَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , فَذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ اِنْهَزَمُوا , فَدَخَلُوا الْمَدِينَة , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رِجَال بِأَعْيَانِهِمْ مَعْرُوفِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6444 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَافِع بْن الْمُعَلَّى وَغَيْره مِنْ الْأَنْصَار وَأَبِي حُذَيْفَة بْن عُتْبَة , وَرَجُل آخَر . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَوْله : ( { إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } إِذْ لَمْ يُعَاقِبهُمْ . )6445 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (فَرَّ عُثْمَان بْن عَفَّانَ , وَعُقْبَة بْن عُثْمَان , وَسَعْد بْن عُثْمَان - رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَار - حَتَّى بَلَغُوا الْجَلَعْب , جَبَل بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي الْأَعْوَص . فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثًا , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ : | لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَة . )6446 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } . .. الْآيَة , وَاَلَّذِينَ اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان : عُثْمَان بْن عَفَّانَ , وَسَعْد بْن عُثْمَان , وَعُقْبَة بْن عُثْمَان الْأَنْصَارِيَّانِ , ثُمَّ الزُّرَقِيَّانِ .)|وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّه عَنْ عُقُوبَة ذُنُوبهمْ فَصَفَّحَ لَهُمْ عَنْهُ . مَعْنَاهُ : وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّه عَنْ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ , أَنْ يُعَاقِبهُمْ , بِتَوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوّهُمْ . كَمَا : 6447 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : ( { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يُعَاقِبهُمْ . )6448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : (قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله فِي تُوَلِّيهِمْ يَوْم أُحُد : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ الْعَفْو عَنْ تِلْكَ الْعِصَابَة , أَمْ عَفْو عَنْ الْمُسْلِمِينَ كُلّهمْ .)|إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ| { إِنَّ اللَّه غَفُور } يَعْنِي بِهِ : مُغَطٍّ عَلَى ذُنُوب مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رَسُوله بِعَفْوِهِ عَنْ عُقُوبَته إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا . { حَلِيم } يَعْنِي : أَنَّهُ ذُو أَنَاة , لَا يَعْجَل عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره بِالنِّقْمَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ اللَّه غَفُور حَلِيم } فِيمَا مَضَى .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَل اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه , لَا تَكُونُوا كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , فَجَحَدَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } فَخَرَجُوا مِنْ بِلَادهمْ سَفْرًا فِي تِجَارَة , { أَوْ كَانُوا غُزًّى } يَقُول : أَوْ كَانَ خُرُوجهمْ مِنْ بِلَادهمْ غَزَاة , فَهَلَكُوا فَمَاتُوا فِي سَفَرهمْ , أَوْ قُتِلُوا فِي غَزْوهمْ , { لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } يُخْبِر بِذَلِكَ عَنْ قَوْل هَؤُلَاءِ الْكُفَّار , أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ غَزَا مِنْهُمْ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فِي سَفَر خَرَجَ فِيهِ فِي طَاعَة اللَّه أَوْ تِجَارَة : لَوْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ عِنْدنَا , وَكَانُوا أَقَامُوا فِي بِلَادهمْ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا . { لِيَجْعَلَ اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ , كَيْ يَجْعَل اللَّه قَوْلهمْ ذَلِكَ حُزْنًا فِي قُلُوبهمْ وَغَمًّا , وَيَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَبِيَدِهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ سُوء الْيَقِين بِاَللَّهِ , هُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَأَصْحَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُو لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } . .. الْآيَة . قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . )6450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى } قَوْل الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ : هُمْ جَمِيع الْمُنَافِقِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6451 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد . قَالَ : ثنا مَسْلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } . .. الْآيَة : أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِي يَنْهَوْنَ إِخْوَانهمْ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَالضَّرْب فِي الْأَرْض فِي طَاعَة اللَّه , وَطَاعَة رَسُوله , وَيَقُولُونَ إِذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا , وَمَا قُتِلُوا . )وَأَمَّا قَوْله : { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ السَّفَر فِي التِّجَارَة , وَالسَّيْر فِي الْأَرْض لِطَلَبِ الْمَعِيشَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6452 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } وَهِيَ التِّجَارَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ السَّيْر فِي طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6453 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } الضَّرْب فِي الْأَرْض فِي طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله . )وَأَصْل الضَّرْب فِي الْأَرْض : الْإِبْعَاد فِيهَا سَيْرًا . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ كَانُوا غُزًّى } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَوْ كَانُوا غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه . وَالْغُزَّى : جَمْع غَازٍ , جُمِع عَلَى فُعَّل كَمَا يُجْمَع شَاهِد : شُهَّد , وَقَائِل : قُوَّل . وَقَدْ يُنْشَد بَيْت رُؤْبَة : <br>فَالْيَوْم قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي .......... وَأَوَّل حِلْم لَيْسَ بِالْمُسَفِّهِ <br><br>وَقُوَّل إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ <br>وَيُنْشَد أَيْضًا : <br>وَقَوْلهمْ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ <br>وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى } بِإِصْحَابِ مَاضِي الْفِعْل الْحَرْف الَّذِي لَا يُصْحَب مَعَ الْمَاضِي مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَل , فَقِيلَ : وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ثُمَّ قِيلَ : إِذَا ضَرَبُوا . وَإِنَّمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَكْرَمْتُك إِذْ زُرْتنِي , وَلَا يُقَال : أَكْرَمْتُك إِذَا زُرْتنِي , لِأَنَّ الْقَوْل الَّذِي فِي قَوْله : { وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظ الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَذْهَب بِاَلَّذِينَ مَذْهَب الْجَزَاء , وَتُعَامِلهَا فِي ذَلِكَ مُعَامَلَة | مَنْ | وَ | مَا | , لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ فِي كَثِير مِنْ الْأَشْيَاء , وَإِنْ جَمَعَهُنَّ أَشْيَاء مَجْهُولَات غَيْر مُؤَقَّتَات تَوْقِيت عَمْرو وَزَيْد . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ صَحِيحًا فِي الْكَلَام فَصِيحًا أَنْ يُقَال لِلرِّجَالِ : أَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك , وَأَكْرِمْ كُلّ رَجُل أَكْرَمَك , فَيَكُون الْكَلَام خَارِجًا بِلَفْظِ الْمَاضِي مَعَ مَنْ وَكُلّ مَجْهُول , وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال , إِذْ كَانَ الْمَوْصُوف بِالْفِعْلِ غَيْر مُوَقِّت , وَكَانَ | الَّذِينَ | فِي قَوْله : { لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } غَيْر مُوَقَّتَيْنِ , أُجْرِيَتْ مَجْرَى | مَنْ | وَ | مَا | فِي تَرْجَمَتهَا الَّتِي تَذْهَب مَذْهَب الْجَزَاء وَإِخْرَاج صِلَاتهَا بِأَلْفَاظِ الْمَاضِي مِنْ الْأَفْعَال وَهِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , كَمَا قَالَ الشَّاعِر فِي | مَا | : <br>وَإِنِّي لَآتِيكُمْ تَشَكُّر مَا مَضَى .......... مِنْ الْأَمْر وَاسْتِيجَاب مَا كَانَ فِي غَد <br>فَقَالَ : مَا كَانَ فِي غَد , وَهُوَ يُرِيد : مَا يَكُون فِي غَد , وَلَوْ كَانَ أَرَادَ الْمَاضِي لَقَالَ : مَا كَانَ فِي أَمْس , وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقُول : مَا كَانَ فِي غَد . وَلَوْ كَانَ الَّذِي مُوَقَّتًا , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : ذَلِكَ خَطَأ أَنْ يُقَال لَك : مَنْ هَذَا الَّذِي أَكْرَمَك إِذَا زُرْته ؟ لِأَنَّ الَّذِي هَهُنَا مُوَقَّت , فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاء , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام هَذَا , لَكَانَ جَائِزًا فَصِيحًا , لِأَنَّ الَّذِي يَصِير حِينَئِذٍ مَجْهُولًا غَيْر مُوَقَّت , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } [22 25 ]فَرُدَّ | يَصُدُّونَ | عَلَى | كَفَرُوا | , لِأَنَّ | الَّذِينَ | غَيْر مُوَقَّتَة , فَقَوْله : { كَفَرُوا } وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظ مَاضٍ , فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال , وَكَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } [19 60 ]وَقَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } مَعْنَاهُ : إِلَّا الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ , وَإِلَّا مَنْ يَتُوب وَيُؤْمِن , وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام كَثِير ; وَالْعِلَّة فِي كُلّ ذَلِكَ وَاحِدَة . وَأَمَّا قَوْله : { لِيَجْعَل اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : حُزْنًا فِي قُلُوبهمْ . كَمَا : 6454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : يُحْزِنهُمْ قَوْلهمْ لَا يَنْفَعهُمْ شَيْئًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6455 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لِيَجْعَلَ اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } لِقِلَّةِ الْيَقِين بِرَبِّهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ .)|قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } وَاَللَّه الْمُعَجِّل الْمَوْت لِمَنْ يَشَاء مِنْ حَيْثُ يَشَاء , وَالْمُمِيت مَنْ يَشَاء كُلَّمَا شَاءَ دُون غَيْره مِنْ سَائِر خَلْقه . وَهَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَرْغِيب لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُ , وَالصَّبْر عَلَى قِتَالهمْ , وَإِخْرَاج هَيْبَتهمْ مِنْ صُدُورهمْ , وَإِنْ قَلَّ عَدَدهمْ , وَكَثُرَ عَدَد أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاء اللَّه , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَة وَالْإِحْيَاء بِيَدِهِ , وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوت أَحَد وَلَا يُقْتَل إِلَّا بَعْد فَنَاء أَجَله الَّذِي كُتِبَ لَهُ , وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَجْزَعُوا لِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي حَرْب الْمُشْرِكِينَ .|وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ|ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه يَرَى مَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَاتَّقُوهُ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّهُ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه , حَتَّى يُجَازِي كُلّ عَامِل بِعَمَلِهِ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6456 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } أَيْ يُعَجِّل مَا يَشَاء وَيُؤَخِّر مَا يَشَاء مِنْ آجَالهمْ بِقُدْرَتِهِ .)

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } </subtitle>يُخَاطِب جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ يَقُول لَهُمْ : لَا تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي شَكّ مِنْ أَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِ اللَّه , وَأَنَّ إِلَيْهِ الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة , كَمَا شَكّ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ , وَلَكِنْ جَاهِدُوا فِي سَبِيل اللَّه , وَقَاتِلُوا أَعْدَاء اللَّه عَلَى يَقِين مِنْكُمْ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَل فِي حَرْب , وَلَا يَمُوت فِي سَفَر إِلَّا مَنْ بَلَغَ أَجَله وَحَانَتْ وَفَاته . ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى جِهَادهمْ فِي سَبِيله الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَوْتًا فِي سَبِيل اللَّه وَقَتْلًا فِي اللَّه خَيْر لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُطَامهَا وَرَغِيد عَيْشهَا الَّذِي مِنْ أَجْله يَتَثَاقَلُونَ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَيَتَأَخَّرُونَ عَنْ لِقَاء الْعَدُوّ . كَمَا : 6457 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إِنَّ الْمَوْت كَائِن لَا بُدّ مِنْهُ , فَمَوْت فِي سَبِيل اللَّه أَوْ قَتْل خَيْر لَوْ عَلِمُوا فَأَيْقَنُوا مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الْجِهَاد , تَخَوُّفًا مِنْ الْمَوْت وَالْقَتْل لَمَا جَمَعُوا مِنْ زَهِيد الدُّنْيَا وَزَهَادَة فِي الْآخِرَة . )وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَابْتَدَأَ الْكَلَام : | وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ | بِحَذْفِ جَزَاء | لَئِنْ | لِأَنَّ فِي قَوْله : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } مَعْنَى جَوَاز لِلْجَزَاءِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعْد خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ , لَيَغْفِرَنَّ اللَّه لَكُمْ وَلَيَرْحَمَنَّكُم , فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَجَمَعَ مَعَ الدَّلَالَة بِهِ عَلَيْهِ الْخَبَر عَنْ فَضْل ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤْثِرُونَهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَمَا يَجْمَعُونَ فِيهَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّهُ إِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُون : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة } جَوَابًا لِقَوْلِهِ : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ } فَإِنَّ الْقَوْل فِيهِ أَنْ يُقَال فِيهِ : كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ , فَذَكَرَ لَهُمْ رَحْمَة مِنْ اللَّه وَمَغْفِرَة , إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّبِيل , فَقَالَ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة } يَقُول : لِذَلِكَ { خَيْر مِمَّا تَجْمَعُونَ } يَعْنِي لَتِلْكَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة خَيْر مِمَّا تَجْمَعُونَ . وَدَخَلَتْ اللَّام فِي قَوْله : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه } لِدُخُولِهَا فِي قَوْله : | وَلَئِنْ | , كَمَا قِيلَ : { وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار } [59 12]

وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَمَحْشَركُمْ , فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ , فَآثِرُوا مَا يُقَرِّبكُمْ مِنْ اللَّه , وَيُوجِب لَكُمْ رِضَاهُ , وَيُقَرِّبكُمْ مِنْ الْجَنَّة , مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ عَلَى الرُّكُون إِلَى . الدُّنْيَا , وَمَا تَجْمَعُونَ فِيهَا مِنْ حُطَامهَا الَّذِي هُوَ غَيْر بَاقٍ لَكُمْ , بَلْ هُوَ زَائِل عَنْكُمْ , وَعَلَى تَرْك طَاعَة اللَّه وَالْجِهَاد , فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِدكُمْ عَنْ رَبّكُمْ , وَيُوجِب لَكُمْ سَخَطه , وَيُقَرِّبكُمْ مِنْ النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أَيّ ذَلِكَ كَانَ , { لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } أَيْ أَنَّ إِلَى اللَّه الْمَرْجِع , فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا , وَلْيَكُنْ الْجِهَاد وَمَا رَغَّبَكُمْ اللَّه فِيهِ مِنْهُ آثَر عِنْدكُمْ مِنْهَا . )وَأُدْخِلَتْ اللَّام فِي قَوْله : { لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } لِدُخُولِهَا فِي قَوْله | وَلَئِنْ | , وَلَوْ كَانَتْ اللَّام مُؤَخَّرَة , إِلَى قَوْله : | تُحْشَرُونَ | , لَأَحْدَثَتْ النُّون الثَّقِيلَة فِيهِ , كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام : لَئِنْ أَحْسَنْت إِلَيَّ لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْك , بِنُونٍ مُثَقَّلَة , فَكَانَ كَذَلِكَ قَوْله : | وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَتُحْشَرُنَّ إِلَى اللَّه | , وَلَكِنْ لَمَّا حِيزَ بَيْن اللَّام وَبَيْن تُحْشَرُونَ بِالصِّفَةِ أُدْخِلَتْ فِي الصِّفَة , وَسَلِمَتْ | تُحْشَرُونَ | , فَلَمْ تَدْخُلهَا النُّون الثَّقِيلَة , كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام : لَئِنْ أَحْسَنْت إِلَيَّ لِإِلَيْك أُحْسِن , بِغَيْرِ نُون مُثَقَّلَة .

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه } فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه وَ | مَا | صِلَة , وَقَدْ بَيَّنْت وَجْه دُخُولهَا فِي الْكَلَام فِي قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } [2 26 ]وَالْعَرَب تَجْعَل | مَا | صِلَة فِي الْمَعْرِفَة وَالنَّكِرَة , كَمَا قَالَ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } [4 155 ]وَالْمَعْنَى : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ . وَهَذَا فِي الْمَعْرِفَة , وَقَالَ فِي النَّكِرَة : { عَمَّا قَلِيل لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } [23 40 ]وَالْمَعْنَى : عَنْ قَلِيل . وَرُبَّمَا جُعِلَتْ اِسْمًا وَهِيَ فِي مَذْهَب صِلَة , فَيُرْفَع مَا بَعْدهَا أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الصِّلَة , وَيُخْفَض عَلَى إِتْبَاع الصِّلَة مَا قَبْلهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرنَا .......... حُبّ النَّبِيّ مُحَمَّد إِيَّانَا <br>إِذَا جُعِلَتْ غَيْر صِلَة رُفِعَتْ بِإِضْمَارِ هُوَ , وَإِنْ خُفِضَتْ أُتْبِعَتْ مِنْ فَأَعْرَبَتْهُ , فَذَلِكَ حُكْمه عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ النَّكِرَات , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ الصِّلَة مَعْرِفَة , كَانَ الْفَصِيح مِنْ الْكَلَام الْإِتْبَاع , كَمَا قِيلَ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } [4 155 ]وَالرَّفْع جَائِز فِي الْعَرَبِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْله : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } يَقُول : فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ .)|وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْفَظِّ : الْجَافِي , وَبِالْغَلِيظِ الْقَلْب : الْقَاسِي الْقَلْب غَيْر ذِي رَحْمَة وَلَا رَأْفَة , وَكَذَلِكَ صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا وَصَفَهُ اللَّه : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم } [9 128 ]فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَبِرَحْمَةِ اللَّه يَا مُحَمَّد وَرَأْفَته بِك , وَبِمَنْ آمَنَ بِك مِنْ أَصْحَابك , لِنْت لَهُمْ لِتُبَّاعِك وَأَصْحَابك فَسَهَّلْت لَهُمْ خَلَائِقك , وَحَسَّنْت لَهُمْ أَخْلَاقك , حَتَّى اِحْتَمَلْت أَذَى مَنْ نَالَك مِنْهُمْ أَذَاهُ , وَعَفَوْت عَنْ ذِي الْجُرْم مِنْهُمْ جُرْمه , وَأَغْضَبْت عَنْ كَثِير مِمَّنْ لَوْ جَفَوْت بِهِ , وَأَغْلَظْت عَلَيْهِ , لَتَرَكَك فَفَارَقَك , وَلَمْ يَتَّبِعك , وَلَا مَا بُعِثْت بِهِ مِنْ الرَّحْمَة , وَلَكِنَّ اللَّه رَحِمَهُمْ وَرَحِمَك مَعَهُمْ , فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ . كَمَا : 6460 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } إِي وَاَللَّه , لَطَهَّرَهُ اللَّه مِنْ الْفَظَاظَة وَالْغِلْظَة , وَجَعَلَهُ قَرِيبًا رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة : | لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ وَلَا صَخُوب فِي الْأَسْوَاق , وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا , وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح . )6461 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِنَحْوِهِ . 6462 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِي قَوْله : ( { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } قَالَ : ذَكَرَ لِينَهُ لَهُمْ , وَصَبْره عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ , وَقِلَّة صَبْرهمْ عَلَى الْغِلْظَة لَوْ كَانَتْ مِنْهُ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا فِيهِ مِمَّا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَة نَبِيّهمْ . )وَأَمَّا قَوْله : { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَتَفَرَّقُوا عَنْك . كَمَا : 6463 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } قَالَ : اِنْصَرَفُوا عَنْك . )6464 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } أَيْ لَتَرَكُوك .)|فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } فَتَجَاوَزْ يَا مُحَمَّد عَنْ تُبَّاعك وَأَصْحَابك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِك , وَبِمَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْدِي , مَا نَالَك مِنْ أَذَاهُمْ وَمَكْرُوه فِي نَفْسك . { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } وَادْعُ رَبّك لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا أَتَوْا مِنْ جُرْم , وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ عُقُوبَة مِنْهُ . كَمَا : 6465 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَاعْفُ عَنْهُمْ } : أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ , { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ذُنُوب مَنْ فَارَقَ مِنْ أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله أَمَرَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرهُمْ , وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرهُمْ فِيهِ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه فِي مَكَايِد الْحَرْب وَعِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , تَطْيِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ أَنْفُسهمْ , وَتَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَلِيَرَوْا أَنَّهُ يَسْمَع مِنْهُمْ وَيَسْتَعِين بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَغْنَاهُ بِتَدْبِيرِهِ لَهُ أُمُوره وَسِيَاسَته إِيَّاهُ وَتَقْوِيمه أَسْبَابه عَنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6466 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ } أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِر أَصْحَابه فِي الْأُمُور , وَهُوَ يَأْتِيه وَحْي السَّمَاء , لِأَنَّهُ أَطْيَب لِأَنْفُسِ الْقَوْم , وَإِنَّ الْقَوْم إِذَا شَاوَرَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَرَادُوا بِذَلِكَ وَجْه اللَّه عَزَمَ لَهُمْ عَلَى أَرْشَده . )6467 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى أَنْ يُشَاوِر أَصْحَابه فِي الْأُمُور , وَهُوَ يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء لِأَنَّهُ أَطْيَب لِأَنْفُسِهِمْ . )6468 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ لِتُرِيهِمْ أَنَّك تَسْمَع مِنْهُمْ وَتَسْتَعِين بِهِمْ وإِنْ كُنْت عَنْهُمْ غَنِيًّا , تُؤَلِّفهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لَهُ الرَّأْي وَأَصْوَب الْأُمُور فِي التَّدْبِير , لِمَا عَلِمَ فِي الْمَشُورَة تَعَالَى ذِكْره مِنْ الْفَضْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6469 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَوْله : ( { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : مَا أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْفَضْل . )6470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ إِيَاس بْن دَغْفَل , عَنْ الْحَسَن : (مَا شَاوَرَ قَوْم قَطُّ , إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّه بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه فِيمَا أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِيهِ , مَعَ إِغْنَائِهِ بِتَقْوِيمِهِ إِيَّاهُ , وَتَدْبِيره أَسْبَابه عَنْ آرَائِهِمْ , لِيَتَّبِعَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْده , فِيمَا حَزَبَهُمْ مِنْ أَمْر دِينهمْ , وَيَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ , وَيَحْتَذُوا الْمِثَال الَّذِي رَأَوْهُ يَفْعَلهُ فِي حَيَاته مِنْ مُشَاوَرَته فِي أُمُوره مَعَ الْمَنْزِلَة الَّتِي هُوَ بِهَا مِنْ اللَّه أَصْحَابه وَتُبَّاعه فِي الْأَمْر , يَنْزِل بِهِمْ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , فَيَتَشَاوَرُوا بَيْنهمْ , ثُمَّ يُصْدِرُوا عَمَّا اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلَؤُهُمْ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَشَاوَرُوا فِي أُمُور دِينهمْ مُتَّبِعِينَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ , لَمْ يُخَلِّهِمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ لُطْفه , وَتَوْفِيقه لِلصَّوَابِ مِنْ الرَّأْي وَالْقَوْل فِيهِ . قَالُوا : وَذَلِكَ نَظِير قَوْله عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي مَدَحَ بِهِ أَهْل الْإِيمَان : { وَأَمْرهمْ شُورَى بَيْنهمْ } [42 38 ]ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6471 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فِي قَوْله : ( { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَاوَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِهِمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَثَر . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه , فِيمَا حَزَبَهُ مِنْ أَمْر عَدُوّهُ وَمَكَايِد حَرْبه , تَأَلُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ تَكُنْ بَصِيرَته بِالْإِسْلَامِ الْبَصِيرَة الَّتِي يُؤْمَن عَلَيْهِ مَعَهَا فِتْنَة الشَّيْطَان , وَتَعْرِيفًا مِنْهُ أُمَّته مَا فِي الْأُمُور الَّتِي تَحْزُبهُمْ مِنْ بَعْده وَمَطْلَبهَا , لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ عِنْد النَّوَازِل الَّتِي تَنْزِل بِهِمْ , فَيَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنهمْ , كَمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ . فَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ اللَّه كَانَ يُعَرِّفهُ مَطَالِب وُجُوه مَا حَزَبَهُ مِنْ الْأُمُور بِوَحْيِهِ أَوْ إِلْهَامه إِيَّاهُ صَوَاب ذَلِكَ . وَأَمَّا أُمَّته , فَإِنَّهُمْ إِذَا تَشَاوَرُوا مُسْتَنِّينَ بِفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى تَصَادُق وَتَأَخٍّ لِلْحَقِّ وَإِرَادَة جَمِيعهمْ لِلصَّوَابِ , مِنْ غَيْر مَيْل إِلَى هَوًى , وَلَا حَيْد عَنْ هُدًى ; فَاَللَّه مُسَدِّدهمْ وَمُوَفِّقهمْ .|فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَإِذَا صَحَّ عَزْمك بِتَثْبِيتِنَا إِيَّاكَ وَتَسْدِيدنَا لَك فِيمَا نَابَك وَحَزَبَك مِنْ أَمْر دِينك وَدُنْيَاك , فَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاك بِهِ عَلَى مَا أَمَرْنَاك بِهِ , وَافَقَ ذَلِكَ آرَاء أَصْحَابك وَمَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْك أَوْ خَالَفَهَا , وَتَوَكَّلْ فِيمَا تَأْتِي مِنْ أُمُورك وَتَدَع وَتُحَاوِل أَوْ تُزَاوِل عَلَى رَبّك , فَثِقْ بِهِ فِي كُلّ ذَلِكَ , وَارْضَ بِقَضَائِهِ فِي جَمِيعه دُون آرَاء سَائِر خَلْقه وَمَعُونَتهمْ , فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ , وَهُمْ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ , وَالْمُسْتَسْلِمُونَ لِحُكْمِهِ فِيهِمْ , وَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُمْ هَوًى أَوْ خَالَفَهُ . كَمَا : 6472 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ } فَإِذَا عَزَمْت : أَيْ عَلَى أَمْر جَاءَك مِنِّي , أَوْ أَمْر مِنْ دِينك فِي جِهَاد عَدُوّك , لَا يُصْلِحك وَلَا يُصْلِحهُمْ إِلَّا ذَلِكَ , فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ , عَلَى خِلَاف مَنْ خَالَفَك , وَمُوَافَقَة مَنْ وَافَقَك , وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه : أَيْ اِرْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَاد , إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ . )6473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْر أَنْ يَمْضِي فِيهِ , وَيَسْتَقِيم عَلَى أَمْر اللَّه , وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه . )6474 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } . .. الْآيَة , أَمَرَهُ اللَّه إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْر أَنْ يَمْضِي فِيهِ وَيَتَوَكَّل عَلَيْهِ .)

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه فَلَا غَالِب لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , عَلَى مَنْ نَاوَأَكُمْ وَعَادَاكُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ , وَالْكَافِرِينَ بِهِ , فَلَا غَالِب لَكُمْ مِنْ النَّاس , يَقُول : فَلَنْ يَغْلِبكُمْ مَعَ نَصْره إِيَّاكُمْ أَحَد , وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَيْن أَقْطَارهَا مِنْ خَلْقه , فَلَا تَهَابُوا أَعْدَاء اللَّه لِقِلَّةِ عَدَدكُمْ , وَكَثْرَة عَدَدهمْ , مَا كُنْتُمْ عَلَى أَمْره , وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله , فَإِنَّ الْغَلَبَة لَكُمْ وَالظَّفَر دُونهمْ . { وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده } يَعْنِي : إِنْ يَخْذُلكُمْ رَبّكُمْ , بِخِلَافِكُمْ أَمْره , وَتَرْككُمْ طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله , فَيَكِلكُمْ إِلَى أَنْفُسكُمْ , فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده , يَقُول : فَأْيِسُوا مِنْ نُصْرَة النَّاس , فَإِنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ أَمْرًا مِنْ بَعْد خِذْلَان اللَّه إِيَّاكُمْ إِنْ خَذَلَكُمْ , يَقُول : فَلَا تَتْرُكُوا أَمْرِي , وَطَاعَتِي وَطَاعَة رَسُولِي , فَتَهْلِكُوا بِخِذْلَانِي إِيَّاكُمْ . { وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : وَلَكِنْ عَلَى رَبّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَتَوَكَّلُوا دُون سَائِر خَلْقه , وَبِهِ فَارْضَوْا مِنْ جَمِيع مَنْ دُونه , وَلِقَضَائِهِ فَاسْتَسْلِمُوا , وَجَاهِدُوا فِيهِ أَعْدَاءَهُ , يَكْفِكُمْ بِعَوْنِهِ , وَيُمْدِدْكُمْ بِنَصْرِهِ . كَمَا : 6475 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه فَلَا غَالِب لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ إِنْ يَنْصُرك اللَّه فَلَا غَالِب لَك مِنْ النَّاس , لَنْ يَضُرّك خِذْلَان مَنْ خَذَلَك , وَإِنْ يَخْذُلك , فَلَنْ يَنْصُرك النَّاس , فَمَنْ الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده : أَيْ لَا تَتْرُك أَمْرِي لِلنَّاسِ , وَارْفُضْ ( أَمْر ) النَّاس لِأَمْرِي { وَعَلَى اللَّه } ( لَا عَلَى النَّاس ) { فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } )

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } بِمَعْنَى : أَنْ يَخُون أَصْحَابه فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَال أَعْدَائِهِمْ . وَاحْتَجَّ بَعْض قَارِئِي هَذِهِ الْقِرَاءَة , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَطِيفَة فُقِدَتْ مِنْ مَغَانِم الْقَوْم يَوْم بَدْر , فَقَالَ بَعْض مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَعَلَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا . وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَات . فَمِنْهَا مَا : 6476 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : ثنا مِقْسَم , قَالَ : ثني اِبْن عَبَّاس , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة : ( { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } نَزَلَتْ فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , قَالَ : فَقَالَ بَعْض النَّاس : أَخَذَهَا ! قَالَ : فَأَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } )6477 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : (سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر : كَيْفَ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } أَوَ يَغُلّ ؟ قَالَ : لَا , بَلْ يَغُلّ , فَقَدْ كَانَ النَّبِيّ وَاَللَّه يَغُلّ وَيَقْتُل . )6478 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ فِي غَزْوَة بَدْر , فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى : فَلَعَلَّ النَّبِيّ أَخَذَهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ سَعِيد : بَلْ وَاَللَّه إِنَّ النَّبِيّ لَيَغُلّ وَيَقْتُل . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَلَّاد , عَنْ زُهَيْر , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ قَطِيفَة فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , فَقَالُوا : أَخَذَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا زُهَيْر , قَالَ : ثنا خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَا : يَغُلّ , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة أَوْ غَيْره , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ قَطِيفَة فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , فَقَالُوا : أَخَذَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } )6479 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ 0 ثنا قَزَعَة بْن سُوَيْد الْبَاهِلِيّ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ يَوْم بَدْر مِنْ الْغَنِيمَة . )6480 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش , قَالَ : (كَانَ اِبْن مَسْعُود يَقْرَأ : | مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ | فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بَلَى , وَيَقْتُل . قَالَ : فَذَكَرَ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي قَطِيفَة , قَالُوا : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , غَلَّهَا يَوْم بَدْر , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } )وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْغَيْن : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي طَلَائِع كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْههمْ فِي وَجْه , ثُمَّ غَنِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَقْسِم لِلطَّلَائِع , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُعْلِمهُ فِيهَا أَنَّ فِعْله الَّذِي فَعَلَهُ خَطَأ , وَأَنَّ الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْحُكْم أَنْ يَقْسِم لِلطَّلَائِعِ مِثْل مَا قَسَمَ لِغَيْرِهِمْ , وَيَعْرِفهُ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْم فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْغَنَائِم , وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدًا مِمَّنْ شَهِدَ الْوَقْعَة أَوْ مِمَّنْ كَانَ رِدْءًا لَهُمْ فِي غَزْوهمْ دُون أَحَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6481 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَقْسِم لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَتْرُك طَائِفَة وَيَجُور فِي الْقَسْم , وَلَكِنْ يَقْسِم بِالْعَدْلِ , وَيَأْخُذ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّه , وَيَحْكُم فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه . يَقُول : مَا كَانَ اللَّه لِيَجْعَلَ نَبِيًّا يَغُلّ مِنْ أَصْحَابه , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اِسْتَنُّوا بِهِ . )6482 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : أَنْ يُعْطِي بَعْضًا , وَيَتْرُك بَعْضًا , إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا . )6483 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَائِع , فَغَنِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَقْسِم لِلطَّلَائِع , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } يَقُول : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْسِم لِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابه , وَيَتْرُك طَائِفَة , وَلَكِنْ يَعْدِل , وَيَأْخُذ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَيَحْكُم فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه . )* - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : مَا كَانَ لَهُ إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا أَنْ يَقْسِم لِبَعْضِ أَصْحَابه وَيَدَع بَعْضًا , وَلَكِنْ يَقْسِم بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ . )وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْغَيْن : إِنَّمَا أُنْزِلَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلنَّاسِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا يَكْتُم مِنْ وَحْي اللَّه شَيْئًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6484 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُم النَّاس مَا بَعَثَهُ اللَّه بِهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَة مِنْ النَّاس وَلَا رَغْبَة , وَمَنْ يَعْمَل ذَلِكَ يَأْتِ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . )فَتَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون غَالًّا , بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَال الْأَنْبِيَاء خِيَانَة أُمَمهمْ . يُقَال مِنْهُ : غَلَّ الرَّجُل فَهُوَ يَغُلّ , إِذَا خَانَ , غُلُولًا , وَيُقَال أَيْضًا مِنْهُ : أَغَلَّ الرَّجُل فَهُوَ يُغِلّ إِغْلَالًا , كَمَا قَالَ شُرَيْح : لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِير غَيْر الْمُغَلّ ضَمَان , يَعْنِي : غَيْر الْخَائِن ; وَيُقَال مِنْهُ : أَغَلَّ الْجَازِر : إِذَا سَرَقَ مِنْ اللَّحْم شَيْئًا مَعَ الْجِلْد . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } يَقُول : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُون , فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُون فَلَا تَخُونُوا . )6486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : أَنْ يَخُون . )وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْغَيْن , وَهِيَ قِرَاءَة عُظْم قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة . وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه . ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَصْحَاب , فَبَقِيَ الْفِعْل غَيْر مُسَمَّى فَاعِله ; وَتَأْوِيله : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6487 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنْ الْحَسَن (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : | وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | قَالَ عَوْف : قَالَ الْحَسَن : أَنْ يُخَان . )6488 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | يَقُول : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , وَقَدْ غَلَّ طَوَائِف مِنْ أَصْحَابه . )6489 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | قَالَ : أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه . )6490 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , يَقُول : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه الَّذِينَ مَعَهُ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , وَقَدْ غَلَّ طَوَائِف مِنْ أَصْحَابه . )وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُتَّهَم بِالْغُلُولِ فَيَخُون وَيَسْرِق . وَكَأَنَّ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا قَوْله : | وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ | إِلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ يُغَلَّل , ثُمَّ خُفِّفَتْ الْعَيْن مِنْ يُفَعَّل فَصَارَتْ يُفْعَل , كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ قَوْله : | فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَك | [6 33 ]بِتَأَوُّلِ يُكَذِّبُونَك . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } بِمَعْنَى : مَا الْغُلُول مِنْ صِفَات الْأَنْبِيَاء , وَلَا يَكُون نَبِيًّا مَنْ غَلَّ . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْعَدَ عَقِيبَ قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } أَهْل الْغُلُول , فَقَالَ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } . .. الْآيَة , وَاَلَّتِي بَعْدهَا , فَكَانَ فِي وَعِيده عَقِيبَ ذَلِكَ أَهْل الْغُلُول , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنْ الْغُلُول , وَأَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ الْغُلُول لَيْسَ مِنْ صِفَات أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّهِمُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُلُولِ , لَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التُّهْمَة , وَسُوء الظَّنّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول , وَفِي تَعْقِيبه ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول بَيَان بَيِّن , أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَّفَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرهمْ مِنْ عِبَاده أَنَّ الْغُلُول مُنْتَفٍ مِنْ صِفَة الْأَنْبِيَاء وَأَخْلَاقهمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ جُرْم عَظِيم , وَالْأَنْبِيَاء لَا تَأْتِي مِثْله . فَإِنْ قَالَ قَائِل مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَأَوْلَى مِنْهُ : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونهُ أَصْحَابه إِنَّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْت , وَلَمْ يُعَقِّب اللَّه قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } إِلَّا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول , وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْم بِالصِّحَّةِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : | يُغَلّ | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْغَيْن , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه , فَيَخُونُوهُ فِي الْغَنَائِم ; قِيلَ لَهُ : أَفَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَغُلُّوا غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخُونُوهُ , حَتَّى خُصُّوا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , خَرَجُوا مِنْ قَوْل أَهْل الْإِسْلَام , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يُبِحْ خِيَانَة أَحَد فِي قَوْل أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام قَطُّ . إِنْ قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فِي نَبِيّ وَلَا غَيْره ؟ قِيلَ : فَمَا وَجْه خُصُوصهمْ إِذَا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُلُوله وَغُلُول بَعْض الْيَهُود , بِمَنْزِلَةٍ فِيمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْغَالّ مِنْ أَمْوَالهمَا , وَمَا يَلْزَم الْمُؤْمِن مِنْ أَدَاء الْأَمَانَة إِلَيْهِمَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُون الْغُلُول وَالْخِيَانَة مِنْ صِفَات أَنْبِيَائِهِ , نَاهِيًا بِذَلِكَ عِبَاده عَنْ الْغُلُول , وَآمِرًا لَهُمْ 0 بِالِاسْتِنَانِ بِمِنْهَاجِ نَبِيّهمْ , كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ رِوَايَة عَطِيَّة ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى ذِكْره نَهْيهمْ عَنْ الْغُلُول بِالْوَعِيدِ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة }... الْآيَتَيْنِ مَعًا .|وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخُنْ مِنْ غَنَائِم الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا , وَفَيْئِهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ , يَأْتِ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْمَحْشَر . كَمَا : 6491 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَبِي حَيَّان , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا , فَوَعَظَ وَذَكَّرَ , ثُمَّ قَالَ : | أَلَا عَسَى رَجُل مِنْ مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته شَاة لَهَا ثُغَاء , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا , قَدْ أَبْلَغْتُك أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته فَرَس لَهَا حَمْحَمَة , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك . أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته صَامِت , فَيَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك . أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته بَقَرَة لَهَا خُوَار , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته رِقَاع تَخْفِق , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ أَبَى زُرْعَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْل هَذَا , زَادَ فِيهِ : ( عَلَى رَقَبَته بَعِير لَهُ رُغَاء , لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدكُمْ عَلَى رَقَبَته نَفْس لَهَا صِيَاح . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو حَيَّان , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ عَمْرو بْن جَرِير , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا يَوْمًا , فَذَكَرَ الْغُلُول , فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْره , فَقَالَ : | لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته بَعِير لَهُ رُغَاء , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي | ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن . )6492 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن بِشْر , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل شَاة لَهَا ثُغَاء , يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل جَمَلًا لَا رُغَاء , يَقُول : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَة , يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل قِشْعًا مِنْ أَدَم يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك . )6493 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِي حُمَيْد , قَالَ : (بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا , فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِير , قَالَ : فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَقْبِضهُ مِنْهُ ; فَلَمَّا أَتَوْهُ , جَعَلَ يَقُول : هَذَا لِي , وَهَذَا لَكُمْ ; قَالَ : فَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا ؟ قَالَ : أُهْدِيَ إِلَيَّ , فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ , فَخَرَجَ فَخَطَبَ , فَقَالَ : | أَيّهَا النَّاس , مَا بَالِي أَبْعَث قَوْمًا إِلَى الصَّدَقَة , فَيَجِيء أَحَدهمْ بِالسَّوَادِ الْكَثِير , فَإِذَا بَعَثْت مَنْ يَقْبِضهُ قَالَ : هَذَا لِي , وَهَذَا لَكُمْ ! فَإِنْ كَانَ صَادِقًا أَفَلَا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِي بَيْت أَبِيهِ , أَوْ فِي بَيْت أُمّه ؟ | ثُمَّ قَالَ : | أَيّهَا النَّاس , مَنْ بَعَثْنَاهُ عَلَى عَمَل فَغَلَّ شَيْئًا , جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه يَحْمِلهُ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ يَأْتِي أَحَدكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه بَعِير لَهُ رُغَاء , أَوْ بَقَرَة تَخُور , أَوْ شَاة تَثْغُو . )6494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَابْن نُمَيْر وَعَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ , قَالَ : (اِسْتَعْمَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْد , يُقَال لَهُ اِبْن الْأُتْبِيَّة عَلَى صَدَقَات بَنِي سُلَيْم ; فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ , وَهَذَا هَدِيَّة أُهْدِيَتْ لِي . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَفَلَا يَجْلِس أَحَدكُمْ فِي بَيْته فَتَأْتِيه هَدِيَّتُهُ ! | ثُمَّ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : | أَمَّا بَعْد فَإِنِّي أَسْتَعْمِل رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُور مِمَّا وَلَّانِي اللَّه , فَيَقُول أَحَدهمْ : هَذَا الَّذِي لَكُمْ , وَهَذَا هَدِيَّة أُهْدِيَتْ إِلَيَّ أَفَلَا يَجْلِس فِي بَيْت أَبِيهِ أَوْ بَيْت أُمّه فَتَأْتِيه هَدِيَّته ! وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا يَأْخُذ أَحَدكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِلهُ عَلَى عُنُقه , فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ رَجُل يَحْمِل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء , أَوْ بَقَرَة لَهَا خُوَار , أَوْ شَاة تَثْغُو | . ثُمَّ رَفَعَ يَده فَقَالَ : | أَلَا هَلْ بَلَّغْت . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي حُمَيْد , حَدَّثَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث , قَالَ : ( أَفَلَا جَلَسْت فِي بَيْت أَبِيك وَأُمّك حَتَّى تَأْتِيك هَدِيَّتك ؟ | ثُمَّ رَفَعَ يَده حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُر إِلَى بَيَاض إِبْطَيْهِ , ثُمَّ قَالَ | اللَّهُمَّ بَلَّغْت | )قَالَ أَبُو حُمَيْد : بَصُرَ عَيْنِي , وَسَمِعَ أُذُنِي . 6495 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ مُوسَى بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُبَاب الْأَنْصَارِيّ , حَدَّثَهُ (أَنَّ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس حَدَّثَهُ : أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُمَر يَوْمًا الصَّدَقَة , فَقَالَ : أَلَمْ تَسْمَع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَكَرَ غُلُول الصَّدَقَة : | مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أَوْ شَاة فَإِنَّهُ يَحْمِلهُ يَوْم الْقِيَامَة | ؟ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس : بَلَى . )* - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعْد بْن عُبَادَة مُصَدِّقًا , فَقَالَ : | إِيَّاكَ يَا سَعْد أَنْ تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة بِبَعِيرٍ تَحْمِلهُ لَهُ رُغَاء ! | قَالَ : لَا آخُذهُ وَلَا أَجِئْ بِهِ فَأَعْفَاهُ . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة الْحِمْصِيّ أَبُو حُمَيْد , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن رَوْح , قَالَ : ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن حَفْص , عَنْ نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَنَّهُ اِسْتَعْمَلَ سَعْد بْن عُبَادَة , فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِيَّاكَ يَا سَعْد أَنْ تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة تَحْمِل عَلَى عُنُقك بَعِيرًا لَهُ رُغَاء ! | فَقَالَ سَعْد : فَإِنْ فَعَلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِن ؟ قَالَ : | نَعَمْ | , قَالَ سَعْد : قَدْ عَلِمْت يَا رَسُول اللَّه أَنِّي أُسْأَل فَأُعْطِي , فَأَعْفِنِي ! فَأَعْفَاهُ . )6496 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حِبَّان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , قَالَ : ثني جَدِّي عُبَيْد بْن أَبِي عُبَيْد , وَكَانَ أَوَّل مَوْلُود بِالْمَدِينَةِ , قَالَ : (اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَة دَوْس , فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَة فِي الْيَوْم الَّذِي خَرَجْت فِيهِ , فَسَلَّمَ , فَخَرَجْت إِلَيْهِ , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ , فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَعِير ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَقَر ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْغَنَم ؟ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت حِبِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | مَنْ أَخَذَ بَعِيرًا بِغَيْرِ حَقّه جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة لَهُ رُغَاء , وَمَنْ أَخَذَ بَقَرَة بِغَيْرِ حَقّهَا جَاءَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة لَهَا خُوَار , وَمَنْ أَخَذَ شَاة بِغَيْرِ حَقّهَا جَاءَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه لَهَا ثُغَاء فَإِيَّاكَ وَالْبَقَر فَإِنَّهَا أَحَدُّ قُرُونًا وَأَشَدُّ أَظْلَافًا ! . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثني مُحَمَّد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , عَنْ جَدّه عُبَيْد بْن أَبِي عُبَيْد , قَالَ : (اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَة دَوْس ; فَلَمَّا قَضَيْت الْعَمَل قَدِمْت , فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَة فَسَلَّمَ عَلَيَّ , فَقَالَ : أَخْبِرْنِي كَيْفَ أَنْتَ وَالْإِبِل ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيثه عَنْ زَيْد , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : | جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه لَهُ رُغَاء . )6497 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ قَتَادَة : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا , بَعَثَ مُنَادِيًا : | أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل مِخْيَطًا فَمَا دُونه ! أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْره يَوْم الْقِيَامَة لَهُ رُغَاء ! أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل فَرَسًا , فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْره يَوْم الْقِيَامَة لَهُ حَمْحَمَة ! | .)|ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس } ثُمَّ تُعْطَى كُلّ نَفْس جَزَاء مَا كَسَبَتْ بِكَسْبِهَا وَافِيًا غَيْر مَنْقُوص مَا اِسْتَحَقَّهُ وَاسْتَوْجَبَهُ مِنْ ذَلِكَ : { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَقُول : لَا يَفْعَل بِهِمْ إِلَّا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَل بِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِمْ , فَيُنْقَصُوا عَمَّا اِسْتَحَقُّوهُ . كَمَا : 6498 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ثُمَّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْر مَظْلُوم وَلَا مُعْتَدَى عَلَيْهِ .)

أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه فِي تَرْك الْغُلُول كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه بِغُلُولِهِ مَا غَلَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6499 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ طَرِيف , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } قَالَ : مَنْ لَمْ يَغُلّ . { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } كَمَنْ غَلَّ . )6500 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ مُطَرِّف بْن مُطَرِّف , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : ( { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } قَالَ : مَنْ أَدَّى الْخَمْس . { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } فَاسْتَوْجَبَ سَخَطًا مِنْ اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 6501 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } عَلَى مَا أَحَبَّ النَّاس وَسَخِطُوا , { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } لِرِضَا النَّاس وَسَخَطهمْ ؟ يَقُول : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي , فَثَوَابه الْجَنَّة وَرِضْوَان مِنْ رَبّه , كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه , فَاسْتَوْجَبَ غَضَبه , وَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير ؟ أَسْوَأ الْمَثَلَانِ ؟ أَيْ فَاعْرِفُوا . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي , قَوْل الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ وَعِيد اللَّه عَلَى الْغُلُول وَنَهْيه عِبَاده عَنْهُ , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْد نَهْيه عَنْ ذَلِكَ وَوَعِيده , أَسَوَاء الْمُطِيع لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ , وَالْعَاصِي لَهُ فِي ذَلِكَ : أَيْ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ وَلَا تَسْتَوِي حَالَتَاهُمَا عِنْده , لِأَنَّ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ : الْجَنَّة , وَلِمَنْ عَصَاهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ : النَّار . فَمَعْنَى قَوْله : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } إِذا : أَفَمَنْ تَرَكَ الْغُلُول وَمَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ عَنْ مَعَاصِيه وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه فِي تَرْكه ذَلِكَ وَفِي غَيْره مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ مِنْ فَرَائِضه , مُتَّبِعًا فِي كُلّ ذَلِكَ رِضَا اللَّه , وَمُجْتَنِبًا سَخَطه , { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي : كَمَنْ اِنْصَرَفَ مُتَحَمِّلًا سَخَط اللَّه وَغَضَبه , فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ سُكْنَى جَهَنَّم , يَقُول : لَيْسَا سَوَاء . وَأَمَّا قَوْله : { وَبِئْسَ الْمَصِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَبِئْسَ الْمَصِير الَّذِي يَصِير إِلَيْهِ وَيَئُوب إِلَيْهِ مَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه جَهَنَّم .

هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّ مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه , وَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه مُخْتَلِفُو الْمَنَازِل عِنْد اللَّه , فَلِمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه الْكَرَامَة وَالثَّوَاب الْجَزِيل , وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه الْمَهَانَة وَالْعِقَاب الْأَلِيم . كَمَا : 6502 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } أَيْ لِكُلٍّ دَرَجَات مِمَّا عَمِلُوا فِي الْجَنَّة وَالنَّار , إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْل طَاعَته مِنْ أَهْل مَعْصِيَته . 6503 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } يَقُول : بِأَعْمَالِهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه , يَعْنِي : لِمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه مَنَازِل عِنْد اللَّه كَرِيمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6504 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } قَالَ : هِيَ كَقَوْلِهِ لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه . )6505 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } يَقُول : لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه . )وَقِيلَ قَوْله : { هُمْ دَرَجَات } كَقَوْلِ الْقَائِل : هُمْ طَبَقَات , كَمَا قَالَ اِبْن هَرْمَة : <br>إِنْ حُمَّ الْمَنُون يَكُون قَوْم .......... لِرَيْبِ الدَّهْر أَمْ دَرَج السُّيُول<br>|وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَعْمَل أَهْل طَاعَته وَمَعْصِيَته , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالهمْ شَيْء , يُحْصِي عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَعْمَالهمْ , حَتَّى تُوَفَّى كُلّ نَفْس مِنْهُمْ جَزَاء مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ . كَمَا : 6506 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْل طَاعَته مِنْ أَهْل مَعْصِيَته .)

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

{ لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَقَدْ تَطَوَّلَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا , حِين أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ , نَبِيًّا مِنْ أَهْل لِسَانهمْ , وَلَمْ يَجْعَلهُ مِنْ غَيْر أَهْل لِسَانهمْ فَلَا يَفْقَهُوا عَنْهُ مَا يَقُول { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته } يَقُول : يَقْرَأ عَلَيْهِمْ آيَ كِتَابه وَتَنْزِيله . { وَيُزَكِّيهِمْ } يَعْنِي : يُطَهِّرهُمْ مِنْ ذُنُوبهمْ بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ , وَطَاعَتهمْ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } يَعْنِي : وَيُعَلِّمهُمْ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ , وَيُبَيِّن لَهُمْ تَأْوِيله وَمَعَانِيه , وَالْحِكْمَة وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ : السُّنَّة الَّتِي سَنَّهَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانه لَهُمْ { وَإِذْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } يَعْنِي : إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل أَنْ يَمُنّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِهِ رَسُوله الَّذِي هَذِهِ صِفَته , لَفِي ضَلَال مُبِين , يَقُول : فِي جَهَالَة جَهْلَاء , وَفِي حَيْرَة عَنْ الْهُدَى عَمْيَاء , لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا , وَلَا يُبْطِلُونَ بَاطِلًا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْل الضَّلَالَة فِيمَا مَضَى , وَأَنَّهُ الْأَخْذ عَلَى غَيْر هُدًى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع وَالْمُبِين : الَّذِي يُبَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلِهِ وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة وَلَا هُدًى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6507 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ } مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْر دَعْوَة وَلَا رَغْبَة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , جَعَلَهُ اللَّه رَحْمَة لَهُمْ , لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم قَوْله : { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } الْحِكْمَة : السُّنَّة . { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } لَيْسَ وَاَللَّه كَمَا تَقُول أَهْل حَرُورَاء : مِحْنَة غَالِبَة مَنْ أَخْطَأَهَا أُهْرِيقَ دَمه , وَلَكِنَّ اللَّه بَعَثَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْم لَا يَعْلَمُونَ فَعَلَّمَهُمْ , وَإِلَى قَوْم لَا أَدَب لَهُمْ فَأَدَّبَهُمْ . )6508 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ( { لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } إِلَى قَوْله { لَفِي ضَلَال مُبِين } أَيْ لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْإِيمَان إِذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسكُمْ , يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاته , وَيُزَكِّيكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ , وَفِيمَا عَلِمْتُمْ , وَيُعَلِّمكُمْ الْخَيْر وَالشَّرّ , لِتَعْرِفُوا الْخَيْر فَتَعْمَلُوا بِهِ , وَالشَّرّ فَتَتَّقُوهُ , وَيُخْبِركُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إِذْ أَطَعْتُمُوهُ , لِتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَته , وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَته , فَتَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَته , وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابه مِنْ جَنَّته . { وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } أَيْ فِي عَمْيَاء مِنْ الْجَاهِلِيَّة لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَة , وَلَا تَسْتَغِيثُونَ مِنْ سَيِّئَة , صُمّ عَنْ الْحَقّ , عُمْي عَنْ الْهُدَى .)

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَوَ حِين أَصَابَتْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُصِيبَة , وَهِيَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ يَوْم أُحُد , وَالْجَرْحَى الَّذِينَ جُرِحُوا مِنْهُمْ بِأُحُدٍ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَتَلُوا مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ نَفَرًا . { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : قَدْ أَصَبْتُمْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ هَذِهِ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابُوا هُمْ مِنْكُمْ , وَهِيَ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } يَعْنِي : قُلْتُمْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَتكُمْ بِأُحُدٍ : { أَنَّى هَذَا } مِنْ أَيّ وَجْه هَذَا , وَمِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا , وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَفِينَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء , وَعَدُوّنَا أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَشِرْك ؟ قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُؤْمِنِينَ بِك مِنْ أَصْحَابك : { هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ : أَصَابَكُمْ هَذَا الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ , بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي , وَتَرْككُمْ طَاعَتِي , لَا مِنْ عِنْد غَيْركُمْ , وَلَا مِنْ قِبَل أَحَد سِوَاكُمْ . { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى جَمِيع مَا أَرَادَ بِخَلْقِهِ مِنْ عَفْو وَعُقُوبَة وَتَفَضُّل وَانْتِقَام قَدِير , يَعْنِي : ذُو قُدْرَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل سَائِر الْآيَة عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ , بِخِلَافِكُمْ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ أَشَارَ عَلَيْكُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوج إِلَى عَدُوّكُمْ وَالْإِصْحَار لَهُمْ , حَتَّى يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ مَدِينَتكُمْ , وَيَصِيرُوا بَيْن آطَامكُمْ , فَأَبَيْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَقُلْتُمْ : اُخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نُصْحِر لَهُمْ فَنُقَاتِلهُمْ خَارِج الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6509 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أُصِيبُوا يَوْم أُحُد , قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ يَوْمئِذٍ , وَأَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْم بَدْر , قَتَلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } ذُكِرَ لَنَا (أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم أُحُد حِين قَدِمَ أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : | إِنَّا فِي جُنَّة حَصِينَة | - يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمَدِينَة - | فَدَعُوا الْقَوْم أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْنَا نُقَاتِلهُمْ | فَقَالَ نَاس لَهُ مِنْ أَصْحَابه مِنْ الْأَنْصَار : يَا نَبِيّ اللَّه : إِنَّا نَكْرَه أَنْ نَقْتُل فِي طُرُق الْمَدِينَة , وَقَدْ كُنَّا نَمْتَنِع فِي الْغَزْو فِي الْجَاهِلِيَّة , فَبِالْإِسْلَامِ أَحَقّ أَنْ نَمْتَنِع فِيهِ , فَابْرُزْ بِنَا إِلَى الْقَوْم ! فَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَبِسَ لَأْمَته , فَتَلَاوَمَ الْقَوْم , فَقَالُوا عَرَّضَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ , وَعَرَّضْتُمْ بِغَيْرِهِ , اِذْهَبْ يَا حَمْزَة فَقُلْ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْرنَا لِأَمْرِك تَبَع ! فَأَتَى حَمْزَة فَقَالَ لَهُ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّ الْقَوْم قَدْ تَلَاوَمُوا , وَقَالُوا : أَمْرنَا لِأَمْرِك تَبَع . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَته أَنْ يَضَعهَا حَتَّى يُنَاجِز , وَإِنَّهُ سَتَكُونُ فِيكُمْ مُصِيبه | قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه خَاصَّة أَوْ عَامَّة ؟ قَالَ : | سَتَرَوْنَهَا . )ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّ بَقَرًا تُنْحَر , فَتَأَوَّلَهَا قَتْلًا فِي أَصْحَابه . وَرَأَى أَنَّ سَيْفه ذَا الْفَقَار اِنْقَصَمَ , فَكَانَ قَتْل عَمّه حَمْزَة , قُتِلَ يَوْمئِذٍ , وَكَانَ يُقَال لَهُ أَسَد اللَّه . وَرَأَى أَنَّ كَبْشًا عُتِرَ , فَتَأَوَّلَهُ كَبْش الْكَتِيبَة عُثْمَان بْن أَبِي طَلْحَة أُصِيبَ يَوْمئِذٍ , وَكَانَ مَعَهُ لِوَاء الْمُشْرِكِينَ . )6510 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : ( { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : مِثْلَيْ مَا أُصِيبَ مِنْكُمْ , { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } يَقُول : بِمَا عَصَيْتُمْ . )6511 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد مُصِيبَة , وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْم بَدْر مِمَّنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } )6512 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عُمَر بْن عَطَاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ; وَقَتَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْم أُحُد مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } إِذْ نَحْنُ مُسْلِمُونَ نُقَاتِل غَضَبًا لِلَّهِ , وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ ; { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } عُقُوبَة لَكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ مَا قَالَ . )6513 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { أَوَلَمَّاأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } قَالُوا : فَإِنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا , لِأَنَّا قَبِلْنَا الْفِدَاء يَوْم بَدْر مِنْ الْأُسَارَى , وَعَصَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيدًا , وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا كَانَ مُطَهَّرًا , رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا . )6514 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن وَابْن جُرَيْج , قَالَا : (مَعْصِيَتهمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : لَا تَتَّبِعُوهُمْ يَوْم أُحُد فَاتَّبَعُوهُمْ . )6515 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , (ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , يَعْنِي بِأُحُدٍ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ إِنْسَانًا ; { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } كَانُوا يَوْم بَدْر أَسَرُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَقَتَلُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أَيْ مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } أَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ . )6516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : إِنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْم أُحُد . )6517 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : (ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ , فَقَالَ : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } أَيْ إِنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة فِي إِخْوَانكُمْ فَبِذُنُوبِكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَتْلًا مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ قَبْله بِبَدْرٍ , قَتْلَى وَأَسْرَى , وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتكُمْ وَخِلَافكُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنَّكُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ . { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } : أَيْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَة أَوْ عَفْو قَدِير . )6518 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } . .. الْآيَة , يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْم أُحُد . )وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ بِإِسَارَتِكُمْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , وَأَخْذكُمْ مِنْهُمْ الْفِدَاء , وَتَرْككُمْ قَتْلهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6519 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : (أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ , وَقَتَلُوا سَبْعِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاء فَتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ أَوْ تَقْتُلُوهُمْ | فَقَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَيُقْتَل مِنَّا سَبْعُونَ . قَالَ : فَأَخَذُوا الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ ; قَالَ عَبِيدَة : وَطَلَبُوا الْخِيرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة (أَنَّهُ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْر : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ | . قَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدَاء فَنَسْتَمْتِع بِهِ , وَيُسْتَشْهَد مِنَّا بِعِدَّتِهِمْ . )6520 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إِسْمَاعِيل , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ ; وَحَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ جَرِير , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد إِنَّ اللَّه قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمك فِي أَخْذهمْ الْأُسَارَى , وَقَدْ أَمَرَك أَنْ تُخَيِّرهُمْ بَيْن أَمْرَيْنِ , أَنْ يُقَدَّمُوا فَتُضْرَب أَعْنَاقهمْ , وَبَيْن أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاء عَلَى أَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ عِدَّتهمْ . قَالَ : فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , عَشَائِرنَا وَإِخْوَاننَا , لَا بَلْ نَأْخُذ فَدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَال عَدُوّنَا وَيُسْتَشْهَد مِنَّا عِدَّتهمْ , فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَه ! قَالَ : فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم أُحُد سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّة أُسَارَى أَهْل بَدْر .)

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَلَّذِي أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ , وَهُوَ يَوْم أُحُد حِين اِلْتَقَى جَمْع الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ . وَيَعْنِي بِاَلَّذِي أَصَابَهُمْ : مَا نَالَ مِنْ الْقَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَمِنْ الْجِرَاح مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ { فَبِإِذْنِ اللَّه } يَقُول : فَهُوَ بِإِذْنِ اللَّه كَانَ , يَعْنِي : بِقَضَائِهِ وَقَدَره فِيكُمْ . وَأَجَابَ | مَا | بِالْفَاءِ , لِأَنَّ | مَا | حَرْف جَزَاء , وَقَدْ بَيَّنْت نَظِير ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } بِمَعْنَى : وَلِيَعْلَمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا , أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ بِأُحُدٍ , لِيَمِيزَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْرِفُونَهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَمْر الْفَرِيقَيْنِ . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } فِيمَا مَضَى وَمَا وَجْه ذَلِكَ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6521 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِين اِلْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي , كَانَ ذَلِكَ حِين فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْد أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي وَصَدَّقْتُمْ وَعْدِي , لِيَمِيزَ بَيْن الْمُنَافِقِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ , { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ , أَيْ لِيُظْهِرُوا مَا فِيهِمْ .)

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُل

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمئِذٍ أَقْرَب مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابه , حِين سَارَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ لِقِتَالِهِمْ , فَقَالَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ : تَعَالَوْا قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ مَعَنَا , أَوْ اِدْفَعُوا بِتَكْثِيرِكُمْ سَوَادنَا ! فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ إِلَيْهِمْ , وَلَكِنَّا مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ , وَلَكِنْ لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُون بَيْنكُمْ وَبَيْن الْقَوْم قِتَال . فَأَبْدَوْا مِنْ نِفَاق أَنْفُسهمْ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ , وَأَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } غَيْر مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَيُخْفُونَهُ , مِنْ عَدَاوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ . كَمَا : 6522 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَيَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا كُلّهمْ , قَدْ حَدَّثَ , قَالَ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : حِين خَرَجَ إِلَى أُحُد - فِي أَلْف رَجُل مِنْ أَصْحَابه , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْن أُحُد وَالْمَدِينَة اِنْخَزَلَ عَنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول بِثُلُثِ النَّاس , فَقَالَ أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي , وَاَللَّه مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسنَا هَهُنَا أَيّهَا النَّاس ; فَرَجَعَ بِمَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ النَّاس مِنْ قَوْمه مِنْ أَهْل النِّفَاق وَأَهْل الرَّيْب , وَاتَّبَعَهُمْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام أَخُو بَنِي سَلِمَة , يَقُول : يَا قَوْم أُذَكِّركُمْ اللَّه أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيّكُمْ وَقَوْمكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهُمْ , فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ , وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُون قِتَال . فَلَمَّا اِسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ , وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَاف عَنْهُمْ , قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللَّه أَعْدَاء اللَّه , فَسَيُغْنِي اللَّه عَنْكُمْ ! وَمَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا } يَعْنِي : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَأَصْحَابه , الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين سَارَ إِلَى عَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ . وَقَوْله { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } يَقُول : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ , وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ , وَلَكِنْ لَا نَظُنّ أَنْ يَكُون قِتَال , فَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمئِذٍ أَقْرَب مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ } وَلَيْسَ فِي قُلُوبهمْ { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ يُخْفُونَ . )6524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - فِي أَلْف رَجُل , وَقَدْ وَعَدَهُمْ الْفَتْح إِنْ صَبَرُوا ; فَلَمَّا خَرَجُوا رَجَعَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول فِي ثَلَثمِائَةٍ , فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِر السُّلَمِيّ يَدْعُوهُمْ , فَلَمَّا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ : مَا نَعْلَم قِتَالًا , وَلَئِنْ أَطَعْتنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا . . قَالَ : فَذَكَرَ اللَّه أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَقَوْل عَبْد اللَّه بْن جَابِر بْن أَبِي عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ حِين دَعَاهُمْ , فَقَالُوا : مَا نَعْلَم قِتَالًا , وَلَئِنْ أَطَعْتُمُونَا لَتَرْجِعُنَّ مَعَنَا , فَقَالَ : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسكُمْ الْمَوْت } [3 168 ])6525 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : ( { قَالُوا لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد ( { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا } قَالَ : لَوْ نَعْلَم أَنَّا وَاجِدُونَ مَعَكُمْ قِتَالًا , لَوْ نَعْلَم مَكَان قِتَال لَاتَّبَعْنَاكُمْ . )وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { أَوْ اِدْفَعُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَوْ كَثِّرُوا , فَإِنَّكُمْ إِذَا كَثَّرْتُمْ دَفَعْتُمْ الْقَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6526 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { أَوْ اِدْفَعُوا } يَقُول : أَوْ كَثِّرُوا . )6527 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { أَوْ اِدْفَعُوا } قَالَ : بِكَثْرَتِكُمْ الْعَدُوّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَال . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْ رَابِطُوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6528 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْآمُلِيّ وَعَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَا : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن ضَمْرَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَوْن الْأَنْصَارِيّ فِي قَوْله : ( { قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا } قَالَ : رَابِطُوا .)|وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يَكْتُمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَاَللَّه أَعْلَم مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْ الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن , وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا قِتَالًا مَا تَبِعُوهُمْ , وَلَا دَافَعُوا عَنْهُمْ , وَهُوَ تَعَالَى ذِكْره مُحِيط بِمَا يُخْفُونَهُ مِنْ ذَلِكَ , مُطَّلِع عَلَيْهِ , وَمُحْصِيه عَلَيْهِمْ حَتَّى يَهْتِك أَسْتَارهمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , فَيَفْضَحهُمْ بِهِ , وَيُصْلِيهِمْ بِهِ الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة .

الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : . { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسكُمْ الْمَوْت إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ نَافَقُوا , الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا . فَمَوْضِع | الَّذِينَ | نَصْب عَلَى الْإِبْدَال مِنْ | الَّذِينَ نَافَقُوا | , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى التَّرْجَمَة عَمَّا فِي قَوْله : { يَكْتُمُونَ } مِنْ ذِكْر | الَّذِينَ نَافَقُوا | فَمَعْنَى الْآيَة : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبهمْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ يَوْم أُحُد , فَقُتِلُوا هُنَالِكَ مِنْ عَشَائِرهمْ وَقَوْمهمْ , { وَقَعَدُوا } يَعْنِي : وَقَعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْقَائِلُونَ مَا قَالُوا مِمَّا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ عَنْ الْجِهَاد مَعَ إِخْوَانهمْ وَعَشَائِرهمْ فِي سَبِيل اللَّه : { لَوْ أَطَاعُونَا } يَعْنِي : لَوْ أَطَاعَنَا مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ إِخْوَاننَا وَعَشَائِرنَا { مَا قُتِلُوا } يَعْنِي : مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ . قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ : فَادْرَءُوا , يَعْنِي : فَادْفَعُوا مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَرَأْت عَنْ فُلَان الْقَتْل , بِمَعْنَى : دَفَعْت عَنْهُ , أَدْرَؤُهُ دَرْءًا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>تَقُول وَقَدْ دَرَأْت لَهَا وَضِينِي .......... أَهَذَا دِينه أَبَدًا وَدِينِي <br>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لَهُمْ : فَادْفَعُوا إِنْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ صَادِقِينَ فِي قِيلكُمْ : لَوْ أَطَاعَنَا إِخْوَاننَا فِي تَرْك الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِتَالهمْ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْش , مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ بِالسَّيْفِ , وَلَكَانُوا أَحْيَاء بِقُعُودِهِمْ مَعَكُمْ وَتَخَلُّفهمْ عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُهُود جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مَعَهُ ; الْمَوْت , فَإِنَّكُمْ قَدْ قَعَدْتُمْ عَنْ حَرْبهمْ , وَقَدْ تَخَلَّفْتُمْ عَنْ جِهَادهمْ , وَأَنْتُمْ لَا مَحَالَة مَيِّتُونَ . كَمَا : 6529 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرهمْ وَقَوْمهمْ : { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة : أَيْ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْت , فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسكُمْ فَافْعَلُوا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , حِرْصًا عَلَى الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْت . )ذِكْر مَنْ قَالَ : الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ هَذَا الْقَوْل هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : { وَلِيَعْلَم الَّذِينَ نَافَقُوا } . 6530 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَدُوّ اللَّه عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . )6531 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (هُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَصْحَابه . )6532 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ الَّذِي قَعَدَ وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد : { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . )6533 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : ( { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا } . .. الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَدُوّ اللَّه عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ .)

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره { وَلَا تَحْسَبَنَّ } وَلَا تَظُنَّنَّ . كَمَا : 6534 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا تَحْسَبَنَّ } وَلَا تَظُنَّنَّ . )وَقَوْله : { الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي : الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمْوَاتًا } يَقُول : وَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَا مُحَمَّد أَمْوَاتًا , لَا يُحِسُّونَ شَيْئًا , وَلَا يَلْتَذُّونَ , وَلَا يَتَنَعَّمُونَ , فَإِنَّهُمْ أَحْيَاء عِنْدِي , مُتَنَعِّمُونَ فِي رِزْقِي , فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ بِمَا آتَيْتهمْ مِنْ كَرَامَتِي وَفَضْلِي , وَحَبَوْتهمْ بِهِ مِنْ جَزِيل ثَوَابِي وَعَطَائِي . كَمَا : 6535 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر الْمَكِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانكُمْ بِأُحُدٍ , جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر , تَرِد أَنْهَار الْجَنَّة , وَتَأْكُل مِنْ ثِمَارهَا , وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب فِي ظِلّ الْعَرْش ; فَلَمَّا وَجَدُوا طِيب مَشْرَبهمْ وَمَأْكَلهمْ وَحُسْن مَقِيلهمْ , قَالُوا : يَا لَيْتَ إِخْوَاننَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّه بِنَا ! لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْب , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا أُبَلِّغهُمْ عَنْكُمْ | فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَات . )6536 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبَى الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق بْن الْأَجْدَع , قَالَ : (سَأَلْنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ هَذِهِ الْآيَات : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } . .. الْآيَة , قَالَ : أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا , فَقِيلَ لَنَا : | إِنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانهمْ بِأُحُدٍ , جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر تَرِد أَنْهَار الْجَنَّة وَتَأْكُل مِنْ ثِمَارهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب فِي ظِلّ الْعَرْش , فَيَطَّلِع اللَّه إِلَيْهِمْ اِطِّلَاعَة , فَيَقُول : يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا لَا فَوْق مَا أَعْطَيْتنَا الْجَنَّة , نَأْكُل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا - ثَلَاث مَرَّات - ثُمَّ يَطَّلِع فَيَقُول : يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا لَا فَوْق مَا أَعْطَيْتنَا الْجَنَّة , نَأْكُل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا , إِلَّا أَنَّا نَخْتَار أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا , ثُمَّ تَرُدّنَا إِلَى الدُّنْيَا , فَنُقَاتِل فِيك حَتَّى نُقْتَل فِيك مَرَّة أُخْرَى . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى الْعَبْدِيّ , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (سَأَلْنَا عَبْد اللَّه , عَنْ هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : | إِنِّي قَدْ قَضَيْت أَنْ لَا تَرْجِعُوا . )6537 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ أَرْوَاح الشُّهَدَاء - وَلَوْلَا عَبْد اللَّه مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحَد - قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد اللَّه فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر , فِي قَنَادِيل تَحْت الْعَرْش , تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ , ثُمَّ تَرْجِع إِلَى قَنَادِيلهَا , فَيَطَّلِع إِلَيْهَا رَبّهَا , فَيَقُول : مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : نُرِيد أَنْ نَرْجِع إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَل مَرَّة أُخْرَى . )6538 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , وَعَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشُّهَدَاء عَلَى بَارِق : نَهْر بِبَابِ الْجَنَّة فِي قُبَّة خَضْرَاء | وَقَالَ عَبْدَة : | فِي رَوْضَة خَضْرَاء , يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ مِنْ الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَأَنْبَأَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : | فِي قُبَّة خَضْرَاء | وَقَالَ : | يَخْرُج عَلَيْهِمْ فِيهَا | . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَأَنْبَأَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن الْفُضَيْل الْأَنْصَارِيّ عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشُّهَدَاء عَلَى بَارِق نَهْر بِبَابِ الْجَنَّة فِي قُبَّة خَضْرَاء يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ مِنْ الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني أَيْضًا , يَعْنِي : إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث بْن الْفُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 6539 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : وَحَدَّثَنِي بَعْض أَصْحَابِي , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : (قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا أُبَشِّرك يَا جَابِر ؟ | قَالَ : قُلْت : بَلَى يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : | إِنَّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللَّه , ثُمَّ قَالَ لَهُ : مَا تُحِبّ يَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنْ أَفْعَل بِك ؟ قَالَ : يَا رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِل فِيك فَأُقْتَل مَرَّة أُخْرَى . )6540 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : يَا لَيْتَنَا نَعْلَم مَا فَعَلَ إِخْوَاننَا الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْم أُحُد ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ الْقُرْآن : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } . كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء تَعَارَف فِي طَيْر بِيض تَأْكُل مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَأَنَّ مَسَاكِنهمْ السِّدْرَة . )6541 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , وَأَنْبَأَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (تَعَارَف فِي طَيْر خُضْر وَبِيض وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا : وَذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضهمْ فِي قَوْله : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء } قَالَ : هُمْ قَتْلَى بَدْر وَأُحُد . )6542 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس بْن مَخْرَمَة قَالَ : (قَالُوا : يَا رَبّ ! أَلَا رَسُول لَنَا يُخْبِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا بِمَا أَعْطَيْتنَا ؟ فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا رَسُولكُمْ , فَأَمَرَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } . .. الْآيَتَيْنِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ هَذِهِ الْآيَات : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد اللَّه كَطَيْرٍ خُضْر , لَهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ , تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ , قَالَ : فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبّك اِطِّلَاعَة فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا أَلَسْنَا نَسْرَح فِي الْجَنَّة فِي أَيّهَا شِئْنَا ثُمَّ اِطَّلَعَ عَلَيْهِمْ الثَّالِثَة , فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : تُعِيد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا , فَنُقَاتِل فِي سَبِيلك مَرَّة أُخْرَى ! فَسَكَتَ عَنْهُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه : (أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الثَّالِثَة حِين قَالَ لَهُمْ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : تُقْرِئ نَبِيّنَا عَنَّا السَّلَام , وَتُخْبِرهُ أَنْ قَدْ رَضِينَا وَرُضِيَ عَنَّا ! )6543 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّب الْمُؤْمِنِينَ فِي ثَوَاب الْجَنَّة وَيُهَوِّن عَلَيْهِمْ الْقَتْل : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ , فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْح الْجَنَّة وَفَضْلهَا , مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ ثَوَابه عَلَى جِهَادهمْ عَنْهُ . )6544 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , قَالَ : (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يُرِيهِمْ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْر , يُبْلُونَ فِيهِ خَيْرًا , وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَة , وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الْجَنَّة , وَالْحَيَاة فِي الرِّزْق . فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , فَاِتَّخَذَ اللَّه مِنْهُمْ شُهَدَاء , وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فَقَالَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا } . .. الْآيَة . )6545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ذُكِرَ الشُّهَدَاء , فَقَالَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . زَعَمَ أَنَّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر فِي قَنَادِيل مِنْ ذَهَب مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ , فَهِيَ تَرْعَى بُكْرَة وَعَشِيَّة فِي الْجَنَّة , تَبِيت فِي الْقَنَادِيل , فَإِذَا سَرَحْنَ نَادَى مُنَادٍ : مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ مَاذَا تَشْتَهُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا نَحْنُ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسنَا ! فَيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ أَيْضًا : مَاذَا تَشْتَهُونَ ؟ وَمَاذَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسنَا ! فَيَسْأَلُونَ الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ مَا قَالُوا : وَلَكِنَّا نُحِبّ أَنْ تُرَدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا ! لِمَا يَرَوْنَ مِنْ فَضْل الثَّوَاب . )6546 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عَبَّاد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (مَا زَالَ اِبْن آدَم يَتَحَمَّد حَتَّى صَارَ حَيًّا مَا يَمُوت ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } )6547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا عُمَر بْن يُونُس , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن أَبِي طَلْحَة , قَالَ : (ثني أَنَس بْن مَالِك فِي أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْل بِئْر مَعُونَة , قَالَ : لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ , أَوْ سَبْعِينَ , قَالَ : وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاء عَامِر بْن الطُّفَيْل الْجَعْفَرِيّ , فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوْا غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاء قَعَدُوا فِيهِ , ثُمَّ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَيّكُمْ يُبَلِّغ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل هَذَا الْمَاء ؟ فَقَالَ - أُرَاهُ أَبُو مِلْحَان الْأَنْصَارِيّ - : أَنَا أُبَلِّغ رِسَالَة رَسُول اللَّه ! فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حَيًّا مِنْهُمْ , فَاحْتَبَى أَمَام الْبُيُوت , ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْل بِئْر مَعُونَة , إِنِّي رَسُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ , إِنِّي أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , فَآمِنُوا . بِاَللَّهِ وَرَسُوله ! فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ كِسْر الْبَيْت بِرُمْحٍ , فَضَرَبَ بِهِ فِي جَنْبه حَتَّى خَرَجَ مِنْ الشِّقّ الْآخَر , فَقَالَ : اللَّه أَكْبَر , فُزْت وَرَبّ الْكَعْبَة ! فَاتَّبَعُوا أَثَره حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابه , فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ عَامِر بْن الطُّفَيْل . قَالَ : قَالَ إِسْحَاق : حَدَّثَنِي أَنَس بْن مَالِك : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا رُفِعَ بَعْد مَا قَرَأْنَاهُ زَمَانًا , وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } )6548 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (لَمَّا أُصِيبَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْم أُحُد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَقُوا رَبّهمْ , فَأَكْرَمَهُمْ , فَأَصَابُوا الْحَيَاة وَالشَّهَادَة وَالرِّزْق الطَّيِّب , قَالُوا : يَا لَيْتَ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا مَنْ يُبَلِّغهُمْ أَنَّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ! فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا رَسُولكُمْ إِلَى نَبِيّكُمْ وَإِخْوَانكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } , فَهَذَا النَّبَأ الَّذِي بَلَّغَ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ مَا قَالَ الشُّهَدَاء . )وَفِي نَصْب قَوْله : { فَرِحِينَ } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْخُرُوج مِنْ قَوْله : { عِنْد رَبّهمْ } وَالْآخَر مِنْ قَوْله : { يُرْزَقُونَ } . وَلَوْ كَانَ رَفْعًا بِالرَّدِّ عَلَى قَوْله : | بَلْ أَحْيَاء فَرِحُونَ | كَانَ جَائِزًا .

فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ أَنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَيَفْرَحُونَ بِمَنْ لَمْ يَلْحَق بِهِمْ مِنْ إِخْوَانهمْ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ وَهُمْ أَحْيَاء فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجهمْ , مِنْ جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مَعَ رَسُوله , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ اُسْتُشْهِدُوا فَلَحِقُوا بِهِمْ , صَارُوا مِنْ كَرَامَة اللَّه إِلَى مِثْل الَّذِي صَارُوا هُمْ إِلَيْهِ , فَهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَبْشِرُونَ بِهِمْ , فَرِحُونَ أَنَّهُمْ إِذَا صَارُوا كَذَلِكَ , { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَا خَوْف عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا عِقَاب اللَّه , وَأَيْقَنُوا بِرِضَاهُ عَنْهُمْ , فَقَدْ أَمِنُوا الْخَوْف الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ أَسْبَاب الدُّنْيَا , وَنَكِد عَيْشهَا , لِلْخَفْضِ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ وَالدَّعَة وَالزُّلْفَة , وَنَصْب أَنْ لَا بِمَعْنَى : يَسْتَبْشِرُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } . .. الْآيَة , يَقُول : لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ عَلَى دِينهمْ وَأَمْرهمْ لِمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَامَة وَالْفَضْل وَالنَّعِيم الَّذِي أَعْطَاهُمْ . )6550 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } . .. الْآيَة , قَالَ يَقُول : إِخْوَاننَا يُقْتَلُونَ كَمَا قُتِلْنَا , يَلْحَقُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ كَرَامَة اللَّه تَعَالَى مَا أَصَبْنَا . )6551 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضهمْ فِي قَوْله : ( { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } قَالَ : هُمْ قَتْلَى بَدْر وَأُحُد , زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا قَبَضَ أَرْوَاحهمْ , وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة , جُعِلَتْ أَرْوَاحهمْ فِي طَيْر خُضْر تَرْعَى فِي الْجَنَّة , وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب تَحْت الْعَرْش . فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْكَرَامَة , قَالُوا : لَيْتَ إِخْوَاننَا الَّذِينَ بَعْدنَا يَعْلَمُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ ! فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا تَعَجَّلُوا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : إِنِّي مُنْزِل عَلَى نَبِيّكُمْ وَمُخْبِر إِخْوَانكُمْ بِاَلَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ! فَفَرِحُوا بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا , وَقَالُوا : يُخْبِر اللَّه نَبِيّكُمْ وَإِخْوَانكُمْ بِاَلَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ , فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا أَتَوْكُمْ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . .. إِلَى قَوْل : { أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } )6552 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } أَيْ وَيُسَرَّوْنَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانهمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادهمْ , لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَاب اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُمْ , وَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ الْخَوْف وَالْحَزَن . )6553 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَ اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } قَالَ : هُمْ إِخْوَانهمْ مِنْ الشُّهَدَاء مِمَّنْ يُسْتَشْهَد مِنْ بَعْدهمْ , { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } حَتَّى بَلَغَ : { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } )6554 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا { يَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } , فَإِنَّ الشَّهِيد يُؤْتَى بِكِتَابٍ فِيهِ مَنْ يَقْدَم عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانه وَأَهْله , فَيُقَال : يَقْدَم عَلَيْك فُلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا , وَيَقْدَم عَلَيْك فُلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا ! فَيَسْتَبْشِر حِين يَقْدَم عَلَيْهِ , كَمَا يَسْتَبْشِر أَهْل الْغَائِب بِقُدُومِهِ فِي الدُّنْيَا .)

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَسْتَبْشِرُونَ } يَفْرَحُونَ , { بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي بِمَا حَبَاهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مِنْ عَظِيم كَرَامَته عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ , { وَفَضْل } يَقُول : وَبِمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضْل وَجَزِيل الثَّوَاب عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِهَاد أَعْدَائِهِ . { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } . كَمَا : 6555 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق : ( { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } . . الْآيَة , لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاء الْمَوْعُود وَعَظِيم الثَّوَاب . )وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } , فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضهمْ بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ | أَنَّ | بِمَعْنَى يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل , وَبِأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ . وَبِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى الِاسْتِئْنَاف ; وَاحْتَجَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَفَضْل وَاَللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ | قَالُوا : فَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : | وَإِنَّ اللَّه | مُسْتَأْنَف غَيْر مُتَّصِل بِالْأَوَّلِ . وَمَعْنَى قَوْله : { لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } لَا يُبْطِل جَزَاء أَعْمَال مَنْ صَدَّقَ رَسُوله وَاتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ عِنْد اللَّه . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَأَنَّ اللَّه } بِفَتْحِ الْأَلِف , لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى ذَلِكَ .

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ , الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَالرَّسُول , مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْجَرْح وَالْكُلُوم ; وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد فِي طَلَب الْعَدُوّ أَبِي سُفْيَان , وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش مُنْصَرَفهمْ عَنْ أُحُد ; وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان لَمَّا اِنْصَرَفَ عَنْ أُحُد خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَره حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَة أَمْيَال مِنْ الْمَدِينَة , لِيُرِيَ النَّاس أَنَّ بِهِ وَأَصْحَابه قُوَّة عَلَى عَدُوّهُمْ . كَاَلَّذِي . 6556 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني حَسَّان بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَ يَوْم أُحُد السَّبْت لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّال ; فَلَمَّا كَانَ الْغَد مِنْ يَوْم أُحُد , يَوْم الْأَحَد لِسِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَة مَضَتْ مِنْ شَوَّال أَذَّنَ مُؤَذِّن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس بِطَلَبِ الْعَدُوّ , وَأَذَّنَ مُؤَذِّنه أَنْ لَا يَخْرُجْنَ مَعَنَا أَحَد إِلَّا مَنْ حَضَرَ يَوْمنَا بِالْأَمْسِ , فَكَلَّمَهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبِي كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَات لِي سَبْع وَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُك هَؤُلَاءِ النِّسْوَة لَا رَجُل فِيهِنَّ , وَلَسْت بِاَلَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي , فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتك ! فَتَخَلَّفْت عَلَيْهِنَّ . فَأَذِنَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجَ مَعَهُ . وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ , لِيُبَلِّغهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبهمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّة , وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِهِمْ عَنْ عَدُوّهُمْ . )6557 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : فَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن خَارِجَة بْن زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ أَبِي السَّائِب مَوْلَى عَائِشَة بِنْت عُثْمَان : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل كَانَ شَهِدَ أُحُدًا , قَالَ : شَهِدْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا أَنَا وَأَخ لِي , فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ ; فَلَمَّا أَذِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَب الْعَدُوّ , قُلْت لِأَخِي , أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَاَللَّه مَا لَنَا مِنْ دَابَّة نَرْكَبهَا وَمَا مِنَّا إِلَّا جَرِيح ثَقِيل ! فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُنْت أَيْسَر جُرْحًا مِنْهُ , فَكُنْت إِذَا غَلَبَ حَمَلْته عُقْبَة وَمَشَى عُقْبَة , حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى مَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ , فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد , وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَة عَلَى ثَمَانِيَة أَمْيَال , فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا : الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة . )6558 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } أَيْ الْجِرَاح , وَهُمْ الَّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَد مِنْ يَوْم أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمْ الْجِرَاح { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } )6559 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد بَعْد الْقَتْل وَالْجِرَاح , وَبَعْد مَا اِنْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا عِصَابَة تَشُدّ لِأَمْرِ اللَّه تَطْلُب عَدُوّهَا ؟ فَإِنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ , وَأَبْعَد لِلسَّمْعِ | فَانْطَلَقَ عِصَابَة مِنْهُمْ عَلَى مَا يَعْلَم اللَّه تَعَالَى مِنْ الْجَهْد . )6560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (اِنْطَلَقَ أَبُو سُفْيَان مُنْصَرِفًا مِنْ أُحُد حَتَّى بَلَغَ بَعْض الطَّرِيق . ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا , وَقَالُوا : بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّرِيد تَرَكْتُمُوهُمْ , اِرْجِعُوا وَاسْتَأْصِلُوهُمْ ! فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَهُزِمُوا . فَأَخْبَرَ اللَّه رَسُوله , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } )6561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَذَفَ فِي قَلْب أَبِي سُفْيَان الرُّعْب - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - بَعْد مَا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ , فَرَجَعَ إِلَى مَكَّة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ أَبَا سُفْيَان قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّه فِي قَلْبه الرُّعْب | . وَكَانَتْ وَقْعَة أُحُد فِي شَوَّال , وَكَانَ التُّجَّار يَقْدَمُونَ الْمَدِينَة فِي ذِي الْقَعْدَة , فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلّ سَنَة مَرَّة . وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْد وَقْعَة أُحُد , وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْح , وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَصَابَهُمْ . وَإِنَّ رَسُول اللَّه نَدَبَ النَّاس لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ , وَيَتْبَعُوا مَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ , وَقَالَ | إِنَّمَا يَرْتَجِلُونَ الْآن فَيَأْتُونَ الْحَجّ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلهَا حَتَّى عَام مُقْبِل | فَجَاءَ الشَّيْطَان فَخَوَّفَ أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ . فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاس أَنْ يَتَّبِعُوهُ , فَقَالَ : | إِنِّي ذَاهِب وَإِنْ لَمْ يَتْبَعنِي أَحَد لِأُحَضِّضَ النَّاس | فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَالزُّبَيْر وَسَعْد وَطَلْحَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَأَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح فِي سَبْعِينَ رَجُلًا . فَسَارُوا فِي طَلَب أَبِي سُفْيَان , فَطَلَبُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الصَّفْرَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } )6562 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو سَعِيد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة (أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن الزُّبَيْر : يَا اِبْن أُخْتِي , أَمَا وَاَللَّه إِنَّ أَبَاك وَجَدّك - تَعْنِي : أَبَا بَكْر وَالزُّبَيْر - مِمَّنْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } )6563 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (أُخْبِرْت أَنَّ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب لَمَّا رَاحَ هُوَ وَأَصْحَابه يَوْم أُحُد قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَة , فَقَالَ : | إِنْ رَكِبُوا الْخَيْل وَتَرَكُوا الْأَثْقَال فَإِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَة , وَإِنْ جَلَسُوا عَلَى الْأَثْقَال وَتَرَكُوا الْخَيْل فَقَدْ أَرْعَبَهُمْ اللَّه وَلَيْسُوا بِعَامِدِيهَا | , فَرَكِبُوا الْأَثْقَال , فَرَعَبَهُمْ اللَّه . ثُمَّ نَدَبَ نَاسًا يَتَّبِعُونَهُمْ لِيَرَوْا أَنَّ بِهِمْ قُوَّة , فَاتَّبَعُوهُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَنَزَلَتْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } )* - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (قَالَتْ لِي عَائِشَة : إِنْ كَانَ أَبَوَاك لَمِنْ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح . تَعْنِي : أَبَا بَكْر وَالزُّبَيْر . )6564 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (كَانَ عَبْد اللَّه مِنْ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول . )فَوَعَدَ تَعَالَى ذِكْره مُحْسِن مَنْ ذَكَرْنَا أَمْره مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } إِذَا اِتَّقَى اللَّه فَخَافَهُ , فَأَدَّى فَرَائِضه وَأَطَاعَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمْره أَجْرًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ الثَّوَاب الْجَزِيل , وَالْجَزَاء الْعَظِيم , عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ صَالِح أَعْمَاله فِي الدُّنْيَا .

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , وَاَلَّذِينَ فِي مَوْضِع خَفْض مَرْدُود عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَهَذِهِ الصِّفَة مِنْ صِفَة الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول وَالنَّاس الْأُوَل هُمْ قَوْم فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , كَانَ أَبُو سُفْيَان سَأَلَهُمْ أَنْ يُثَبِّطُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبه بَعْد مُنْصَرَفه عَنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد ; وَالنَّاس الثَّانِي : هُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِأُحُدٍ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } قَدْ جَمَعُوا الرِّجَال لِلِقَائِكُمْ , وَالْكَرَّة إِلَيْكُمْ لِحَرْبِكُمْ { فَاخْشَوْهُمْ } يَقُول : فَاحْذَرُوهُمْ , وَاتَّقُوا لِقَاءَهُمْ , فَإِنَّهُ لَا طَاقَة لَكُمْ بِهِمْ , { فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } يَقُول : فَزَادَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَخْوِيف مَنْ خَوَّفَهُمْ أَمْر أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَقِينًا إِلَى يَقِينهمْ , وَتَصْدِيقًا لِلَّهِ وَلِوَعْدِهِ وَوَعْد رَسُوله إِلَى تَصْدِيقهمْ , وَلَمْ يُثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ وَجْههمْ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْرِ فِيهِ , وَلَكِنْ سَارُوا حَتَّى بَلَغُوا رِضْوَان اللَّه مِنْهُ , وَقَالُوا ثِقَة بِاَللَّهِ , وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ , إِذْ خَوَّفَهُمْ مَنْ خَوَّفَهُمْ أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : حَسْبنَا اللَّه : كَفَانَا اللَّه , يَعْنِي : يَكْفِينَا اللَّه ; وَنِعْمَ الْوَكِيل , يَقُول : وَنِعْمَ الْمَوْلَى لِمَنْ وَلِيَهُ وَكَفَلَهُ ; وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيل فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْمُسْنَد إِلَيْهِ الْقِيَام بِأَمْرِ مَنْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ الْقِيَام بِأَمْرِهِ ; فَلَمَّا كَانَ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَات قَدْ كَانُوا فَوَّضُوا أَمْرهمْ إِلَى اللَّه , وَوَثِقُوا بِهِ , وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ إِلَيْهِ وَصَفَ نَفْسه بِقِيَامِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ , وَتَفْوِيضهمْ أَمْرهمْ إِلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ , فَقَالَ : وَنِعْمَ الْوَكِيل اللَّه تَعَالَى لَهُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ مَنْ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي وَجْههمْ الَّذِي خَرَجُوا فِيهِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد فِي طَلَب أَبِي سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَذِكْر السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ ذَلِكَ , وَمَنْ قَائِله : 6565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم , قَالَ : (مَرَّ بِهِ , يَعْنِي بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْبَد الْخُزَاعِيّ بِحَمْرَاءَ الْأَسَد , وَكَانَتْ خُزَاعَة مُسْلِمهمْ وَمُشْرِكهمْ عَيْبَة نُصْح لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِهَامَةَ صَفْقَتهمْ مَعَهُ , لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ بِهَا , وَمَعْبَد يَوْمئِذٍ مُشْرِك , فَقَالَ : وَاَللَّه يَا مُحَمَّد , أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك فِي أَصْحَابك , وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّه كَانَ أَعْفَاك فِيهِمْ ! ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ , قَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَقَالُوا : أَصَبْنَا فِي أُحُد أَصْحَابه وَقَادَتهمْ وَأَشْرَافهمْ , ثُمَّ نَرْجِع قَبْل أَنْ نَسْتَأْصِلهُمْ ! لَنَكِرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتهمْ فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ . فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَان مَعْبَدًا , قَالَ : مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَد ؟ قَالَ : مُحَمَّد قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابه يَطْلُبكُمْ فِي جَمْع لَمْ أَرَ مِثْله قَطُّ , يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا , قَدْ اِجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمكُمْ , وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا , فَهُمْ مِنْ الْحَنَق عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ لَمْ أَرَ مِثْله قَطُّ . قَالَ : وَيَلِك مَا تَقُول ؟ قَالَ : وَاَللَّه مَا أَرَاك تَرْتَحِل حَتَّى تَرَى نَوَاصِي الْخَيْل . قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّة عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتهمْ . قَالَ : فَإِنِّي أَنْهَاك عَنْ ذَلِكَ ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت عَلَى أَنْ قُلْت فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْر , قَالَ : وَمَا قُلْت ؟ قَالَ , قُلْت , <br>كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَات رَاحِلَتِي .......... إِذْ سَالَتْ الْأَرْض بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيل <br><br>تُرْدِي بِأَسَدٍ كِرَام لَا تَنَابِلَة .......... عِنْد اللِّقَاء وَلَا مِيل مَعَازِيل <br><br>فَظَلْت عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْض مَائِلَة .......... لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْر مَخْذُول <br><br>فَقُلْت وَيْل اِبْن حَرْب مِنْ لِقَائِكُمْ .......... إِذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاء بِالْجِيلِ <br><br>إِنِّي نَذِير لِأَهْلِ الْبَسْل ضَاحِيَة .......... لِكُلِّ ذِي إِرْبَة مِنْهُمْ وَمَعْقُول <br><br>مِنْ جَيْش أَحْمَد لَا وَخْش تَنَابِلَة .......... وَلَيْسَ يُوصَف مَا أَنْذَرْت بِالْقِيلِ <br>قَالَ : فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ , وَمَرَّ بِهِ رَكْب مِنْ عَبْد الْقَيْس . فَقَالَ , أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيد الْمَدِينَة . قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيد الْمِيرَة . قَالَ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا رِسَالَة أُرْسِلكُمْ بِهَا , وَأُحَمِّل لَكُمْ إِبِلكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إِذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَإِذَا جِئْتُمُوهُ , فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا لِلسَّيْرِ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابه لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتهمْ ! فَمَرَّ الرَّكْب بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَد , فَأَخْبَرُوهُ بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَان , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل . )6566 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (فَقَالَ اللَّه : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } . وَالنَّاس الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالُوا : النَّفَر مِنْ عَبْد الْقَيْس , الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَان مَا قَالَ , إِنَّ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إِلَيْكُمْ , يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } . .. الْآيَة . )6567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا نَدِمُوا - يَعْنِي : أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه - عَلَى الرُّجُوع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَقَالُوا : اِرْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ ! فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَهُزِمُوا , فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا , فَحَمَلُوا لَهُ جُعْلًا : إِنْ لَقِيت مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه , فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , فَلَقُوا الْأَعْرَابِيّ فِي الطَّرِيق , فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَر , فَقَالُوا : | حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل | ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي الْأَعْرَابِيّ الَّذِي لَقِيَهُمْ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } )6568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (اِسْتَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان فِي مُنْصَرَفه مِنْ أَحَد عِيرًا وَارِدَة الْمَدِينَة بِبِضَاعَةٍ لَهُمْ وَبَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِبَال , فَقَالَ : إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ رِضَاكُمْ إِنْ أَنْتُمْ رَدَدْتُمْ عَنِّي مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ إِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمُوهُ فِي طَلَبِي وَأَخْبَرْتُمُوهُ أَنِّي قَدْ جَمَعْت لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَة ! فَاسْتَقْبَلَتْ الْعِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّد إِنَّا نُخْبِرك أَنَّ أَبَا سُفْيَان قَدْ جَمَعَ لَك جُمُوعًا كَثِيرَة , وَأَنَّهُ مُقْبِل إِلَى الْمَدِينَة , وَإِنْ شِئْت أَنْ تَرْجِع فَافْعَلْ . وَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا يَقِينًا , { وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } . .. الْآيَة . )6569 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِصَابَة مِنْ أَصْحَابه بَعْدَمَا اِنْصَرَفَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ أُحُد خَلْفهمْ , حَتَّى كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَة , فَجَعَلَ الْأَعْرَاب وَالنَّاس يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : هَذَا أَبُو سُفْيَان مَائِل عَلَيْكُمْ بِالنَّاسِ , فَقَالُوا : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى وَذَلِكَ فِي مَسِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام قَابِل مِنْ وَقْعَة أُحُد لِلِقَاءِ عَدُوّهُ أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه لِلْمَوْعِدِ الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ الِالْتِقَاء بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6570 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } قَالَ : هَذَا أَبُو سُفْيَان , قَالَ لِمُحَمَّدٍ : مَوْعِدكُمْ بَدْر حَيْثُ قَتَلْتُمْ أَصْحَابنَا ! فَقَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | عَسَى ! | فَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْعِدِهِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا , فَوَافَقُوا السُّوق فِيهَا , وَابْتَاعُوا ; فَذَلِكَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } وَهِيَ غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى . )6571 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : وَهِيَ بَدْر الصُّغْرَى . قَالَ اِبْن جُرَيْج : (لَمَّا عَمَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَان , فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ , وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْش , فَيَقُولُونَ : { قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } يَكِيدُونَهُمْ بِذَلِكَ , يُرِيدُونَ أَنْ يُرْعِبُوهُمْ , فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } حَتَّى قَدِمُوا بَدْرًا , فَوَجَدُوا أَسْوَاقهَا عَافِيَة لَمْ يُنَازِعهُمْ فِيهَا أَحَد . قَالَ : وَقَدِمَ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَخْبَرَ أَهْل مَكَّة بِخَيْلِ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ فِي ذَلِكَ : <br>نَفَرَتْ قُلُوصِي عَنْ خُيُول مُحَمَّد .......... وَعَجْوَة مَنْثُورَة كَالْعَنْجَدِ <br><br>وَاِتَّخَذَتْ مَاء قُدَيْد مَوْعِدِي <br>قَالَ أَبُو جَعْفَر : هَكَذَا أَنْشَدَنَا الْقَاسِم , وَهُوَ خَطَأ , وَإِنَّمَا هُوَ : <br>قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّد .......... وَعَجْوَة مِنْ يَثْرِب كَالْعَنْجَدِ <br><br>تَهْوِي عَلَى دِين أَبِيهَا الْأَتْلَد .......... قَدْ جَعَلَ مَاء قُدَيْد مَوْعِدِي <br><br>وَمَاء ضَجْنَان لَهَا ضُحَى الْغَد <br>)6572 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَتْ بَدْر مَتْجَرًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَخَرَجَ نَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَهُ , وَلَقِيَهُمْ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا لَهُمْ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } , فَأَمَّا الْجَبَان فَرَجَعَ , وَأَمَّا الشُّجَاع فَأَخَذَ الْأُهْبَة لِلْقِتَالِ وَأُهْبَة التِّجَارَة , { وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَتَوْهُمْ فَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } )قَالَ اِبْن يَحْيَى , قَالَ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ اِبْن عُيَيْنَة : وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : (هِيَ كَلِمَة إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُلْقِيَ فِي النَّار , فَقَالَ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الَّذِي قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ أَنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ , كَانَ فِي حَال خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخُرُوج مَنْ خَرَجَ مَعَهُ فِي أَثَر أَبِي سُفْيَان , وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش مُنْصَرَفهمْ عَنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا مَدَحَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقِيلِهِمْ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ , بَعْد الَّذِي قَدْ كَانَ نَالَهُمْ مِنْ الْقُرُوح وَالْكُلُوم , بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصِّفَة إِلَّا صِفَة مَنْ تَبِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَرْحَى أَصْحَابه بِأُحُدٍ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد . وَأَمَّا قَوْل الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى , فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ جَرِيح , إِلَّا جَرِيح قَدْ تَقَادَمَ اِنْدِمَال جُرْحه , وَبَرَأَ كَلْمه , وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى بَدْر الْخَرْجَة الثَّانِيَة إِلَيْهَا لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَان الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ اللِّقَاء بِهَا بَعْد سَنَة مِنْ غَزْوَة أُحُد فِي شَعْبَان سَنَة أَرْبَع مِنْ الْهِجْرَة , وَذَلِكَ أَنَّ وَقْعَة أُحُد كَانَتْ فِي النِّصْف مِنْ شَوَّال مِنْ سَنَة ثَلَاث , وَخُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ بَدْر الصُّغْرَى إِلَيْهَا فِي شَعْبَان مِنْ سَنَة أَرْبَع , وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن ذَلِكَ وَقْعَة مَعَ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ بَيْنهمْ فِيهَا حَرْب جُرِحَ فِيهَا أَصْحَابه , وَلَكِنْ قَدْ كَانَ قُتِلَ فِي وَقْعَة الرَّجِيع مِنْ أَصْحَابه جَمَاعَة لَمْ يَشْهَد أَحَد مِنْهُمْ غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى , وَكَانَتْ وَقْعَة الرَّجِيع فِيمَا بَيْن وَقْعَة أُحُد وَغَزْوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْر الصُّغْرَى .

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } فَانْصَرَفَ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح مِنْ وَجْههمْ الَّذِي تَوَجَّهُوا فِيهِ , وَهُوَ سَيْرهمْ فِي أَثَر عَدُوّهُمْ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد . { بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي : بِعَافِيَةٍ مِنْ رَبّهمْ لَمْ يَلْقَوْا بِهَا عَدُوًّا . { وَفَضْل } يَعْنِي : أَصَابُوا فِيهَا مِنْ الْأَرْبَاح بِتِجَارَتِهِمْ الَّتِي اِتَّجَرُوا بِهَا , وَالْأَجْر الَّذِي اِكْتَسَبُوهُ . { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } يَعْنِي : لَمْ يَنَلْهُمْ بِهَا مَكْرُوه مِنْ عَدُوّهُمْ وَلَا أَذًى . { وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرْضَوْا اللَّه بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَاتِّبَاعهمْ رَسُوله إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ اِتِّبَاع أَثَر الْعَدُوّ وَطَاعَتهمْ . { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو إِحْسَان وَطَوْل عَلَيْهِمْ بِصَرْفِ عَدُوّهُمْ الَّذِي كَانُوا قَدْ هَمُّوا بِالْكَرَّةِ إِلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَيَادِيه عِنْدهمْ , وَعَلَى غَيْرهمْ بِنِعَمِهِ , عَظِيم عِنْد مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6573 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } قَالَ : وَالْفَضْل : مَا أَصَابُوا مِنْ التِّجَارَة وَالْأَجْر . )6574 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (وَافَقُوا السُّوق فَابْتَاعُوا , وَذَلِكَ قَوْله : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } قَالَ : الْفَضْل مَا أَصَابُوا مِنْ التِّجَارَة وَالْأَجْر . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : (مَا أَصَابُوا مِنْ الْبَيْع نِعْمَة مِنْ اللَّه وَفَضْل , أَصَابُوا عَفَوْهُ وَعِزَّته , لَا يُنَازِعهُمْ فِيهِ أَحَد . قَالَ : وَقَوْله : { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } قَالَ : قَتْل , { وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } قَالَ : طَاعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )6575 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } لِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاء عَدُوّهُمْ . )6576 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَطَاعُوا اللَّه , وَابْتَغَوْا حَاجَتهمْ , وَلَمْ يُؤْذِهِمْ أَحَد . { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } )6577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ((أُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : حِين خَرَجَ إِلَى غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى - بِبَدْرٍ دَرَاهِم اِبْتَاعُوا بِهَا مَوْسِم بَدْر , فَأَصَابُوا تِجَارَة ; فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } )أَمَّا النِّعْمَة : فَهِيَ الْعَافِيَة , وَأَمَّا الْفَضْل : فَالتِّجَارَة , وَالسُّوء : الْقَتْل .)

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا الَّذِي قَالَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , فَخَوَّفُوكُمْ بِجُمُوع عَدُوّكُمْ , وَمَسِيرهمْ إِلَيْكُمْ , مِنْ فِعْل الشَّيْطَان , أَلْقَاهُ عَلَى أَفْوَاه مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَكُمْ , يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش , لِتَرْهَبُوهُمْ , وَتَجَنَّبُوا عَنْهُمْ . كَمَا : 6578 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يُخَوِّف وَاَللَّه الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ , وَيُرْهِب الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ . )6579 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : ( { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : يُخَوِّف الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُفَّارِ . )6580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يَقُول : الشَّيْطَان يُخَوِّف الْمُؤْمِنِينَ بِأَوْلِيَائِهِ . )6581 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } : أَيْ أُولَئِكَ الرَّهْط , يَعْنِي : النَّفَر مِنْ عَبْد الْقَيْس الَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا , وَمَا أَلْقَى الشَّيْطَان عَلَى أَفْوَاههمْ , { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يُرْهِبكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ . )6582 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ عَتَّاب بْن بَشِير , مَوْلَى قُرَيْش , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُعَظِّم أَمْر الْمُشْرِكِينَ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ فِي أَنْفُسكُمْ فَتَخَافُونَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ذِكْر أَمْر الْمُشْرِكِينَ وَعِظَمهمْ فِي أَعْيُن الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يُعَظِّم أَوْلِيَاءَهُ فِي صُدُوركُمْ فَتَخَافُونَهُمْ . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } وَهَلْ يُخَوِّف الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ ؟ قِيلَ : إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ . قِيلَ ذَلِكَ نَظِير قَوْله : { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا } [18 2 ]بِمَعْنَى : لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسه الشَّدِيد , وَذَلِكَ أَنَّ الْبَأْس لَا يُنْذِر , وَإِنَّمَا يُنْذَر بِهِ . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : يُخَوِّف النَّاس أَوْلِيَاءَهُ , كَقَوْلِ الْقَائِل : هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِم , وَيَكْسُو الثِّيَاب , بِمَعْنَى : هُوَ يُعْطِي النَّاس الدَّرَاهِم , وَيَكْسُوهُمْ الثِّيَاب , فَحُذِفَ ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ . وَلَيْسَ الَّذِي شَبَّهَ ذَلِكَ بِمُشَبِّهٍ , لِأَنَّ الدَّرَاهِم فِي قَوْل الْقَائِل : هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِم مَعْلُوم أَنَّ الْمُعْطَى هِيَ الدَّرَاهِم , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَوْلِيَاء فِي قَوْله : { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } مُخَوِّفِينَ , بَلْ التَّخْوِيف مِنْ الْأَوْلِيَاء لِغَيْرِهِمْ , فَلِذَلِكَ اِفْتَرَقَا .|فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَقُول : فَلَا تَخَافُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ , وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكُمْ أَمْرهمْ , وَلَا تَرْهَبُوا جَمْعهمْ مَعَ طَاعَتكُمْ إِيَّايَ , مَا أَطَعْتُمُونِي , وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي , وَإِنِّي مُتَكَفِّل لَكُمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَر , وَلَكِنْ خَافُونِ , وَاتَّقُوا أَنْ تَعْصُونِي وَتُخَالِفُوا أَمْرِي , فَتَهْلِكُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . يَقُول : وَلَكِنْ خَافُونِي دُون الْمُشْرِكِينَ , وَدُون جَمِيع خَلْقِي أَنْ تُخَالِفُوا أَمْرِي إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي رَسُولِي وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي .

وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَحْزُنك يَا مُحَمَّد كُفْر الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهمْ مِنْ أَهْل النِّفَاق , فَإِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه بِمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْر شَيْئًا , كَمَا أَنَّ مُسَارَعَتهمْ لَوْ سَارَعُوا إِلَى الْإِيمَان لَمْ تَكُنْ بِنَافِعَتِهِ , كَذَلِكَ مُسَارَعَتهمْ إِلَى الْكُفْر غَيْر ضَارَّته . كَمَا : 6584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } يَعْنِي : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . )6585 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } أَيْ الْمُنَافِقُونَ .)|يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيد اللَّه أَلَّا يَجْعَل لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُرِيد اللَّه أَنْ لَا يَجْعَل لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر نَصِيبًا فِي ثَوَاب الْآخِرَة , فَلِذَلِكَ خَذَلَهُمْ , فَسَارَعُوا فِيهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَعَ حِرْمَانهمْ مَا حُرِمُوا مِنْ ثَوَاب الْآخِرَة , لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي الْآخِرَة , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 6586 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يُرِيد اللَّه أَنْ لَا يَجْعَل لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَة } أَنْ يَحْبَط أَعْمَالهمْ .)

إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الْكُفْر بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , أَنْ لَا يَحْزُنهُ مُسَارَعَتهمْ إِلَى الْكُفْر , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِبْتَاعُوا الْكُفْر بِإِيمَانِهِمْ , فَارْتَدُّوا عَنْ إِيمَانهمْ بَعْد دُخُولهمْ فِيهِ , وَرَضُوا بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , عِوَضًا مِنْ الْإِيمَان , لَنْ يَضُرُّوا اللَّه بِكُفْرِهِمْ وَارْتِدَادهمْ , عَنْ إِيمَانهمْ شَيْئًا , بَلْ إِنَّمَا يَضُرُّونَ بِذَلِكَ أَنْفُسهمْ بِإِيجَابِهِمْ بِذَلِكَ لَهَا مِنْ عِقَاب اللَّه مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ . وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه } إِلَى هَذِهِ الْآيَة عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِخْلَاص الْيَقِين , وَالِانْقِطَاع إِلَيْهِ فِي أُمُورهمْ , وَالرِّضَا بِهِ نَاصِرًا وَحْده دُون غَيْره مِنْ سَائِر خَلْقه , وَرَغَّبَ بِهَا فِي جِهَاد أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاء دِينه , وَشَجَّعَ بِهَا قُلُوبهمْ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ وَلِيَهُ بِنَصْرِهِ فَلَنْ يُخْذَل وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ جَمِيع مَنْ خَالَفَهُ وَحَادَّهُ , وَأَنَّ مَنْ خَذَلَهُ فَلَنْ يَنْصُرهُ نَاصِر يَنْفَعهُ نَصْره وَلَوْ كَثُرَتْ أَعْوَانه أَوْ نُصَرَاؤُهُ . كَمَا : 6587 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنَّ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الْكُفْر بِالْإِيمَانِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } أَيْ مُوجِع . )6588 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُمْ الْمُنَافِقُونَ .)

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَاب مُهِين } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَظُنَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , أَنَّ إِمْلَاءَنَا لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ . وَيَعْنِي بِالْإِمْلَاءِ : الْإِطَالَة فِي الْعُمُر وَالْإِنْسَاء فِي الْأَجَل ; وَمِنْهُ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } [19 46 ]أَيْ حِينًا طَوِيلًا ; وَمِنْهُ قِيلَ : عِشْت طَوِيلًا وَتَمَلَّيْت حِينًا وَالْمَلَا نَفْسه : الدَّهْر , وَالْمَلَوَانِ : اللَّيْل وَالنَّهَار , وَمِنْهُ قَوْل تَمِيم بْن مُقْبِل : <br>أَلَا يَا دِيَار الْحَيّ بِالسَّبُعَانِ .......... أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ <br>يَعْنِي بِالْمَلَوَانِ : اللَّيْل وَالنَّهَار . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : | وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ | فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْهُمْ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ } بِالْيَاءِ وَفَتْح الْأَلِف مِنْ قَوْله { أَنَّمَا } عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ تَأْوِيله . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : | وَلَا تَحْسَبَنَّ | بِالتَّاءِ وَ { أَنَّمَا } أَيْضًا بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ | أَنَّمَا | , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا الَّذِي مِنْ أَجْله فُتِحَتْ الْأَلِف مِنْ قَوْله : { أَنَّمَا } فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ فَقَدْ أَعْمَلْت تَحْسَبَنَّ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا , وَإِذَا أَعْمَلْتهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَقَع عَلَى | أَنَّمَا | لِأَنَّ | أَنَّمَا | إِنَّمَا يَعْمَل فِيهَا عَامِل يَعْمَل فِي شَيْئَيْنِ نَصْبًا ؟ قِيلَ : أَمَّا الصَّوَاب فِي الْعَرَبِيَّة وَوَجْه الْكَلَام الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب كَسْر إِنَّ إِذَا قُرِئَتْ تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ , لِأَنَّ تَحْسَبَنَّ إِذَا قُرِئَتْ بِالتَّاءِ , فَإِنَّهَا قَدْ نَصَبَتْ الَّذِينَ كَفَرُوا , فَلَا يَجُوز أَنْ تَعْمَل وَقَدْ نَصَبَتْ اِسْمًا فِي أَنَّ , وَلَكِنِّي أَظُنّ أَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ فِي تَحْسَبَنَّ وَفَتْح الْأَلِف مِنْ أَنَّمَا , إِنَّمَا أَرَادَ تَكْرِير تَحْسَبَنَّ عَلَى أَنَّمَا , كَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد أَنْتَ الَّذِينَ كَفَرُوا , لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة } [47 18 ]بِتَأْوِيلِ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة , هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة ؟ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّة , فَوَجْه كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا قَبْل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِالْيَاءِ مِنْ | يَحْسَبَنَّ | , وَبِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ وَأَنَّمَا | , عَلَى مَعْنَى الْحُسْبَان لِلَّذِينَ كَفَرُوا دُون غَيْرهمْ , ثُمَّ يَعْمَل فِي | أَنَّمَا | نَصْبًا ; لِأَنَّ | يَحْسَبَنَّ | حِينَئِذٍ لَمْ يُشْغَل بِشَيْءٍ عَمِلَ فِيهِ , وَهِيَ تَطْلُب مَنْصُوبَيْنِ . وَإِنَّمَا أَخْتَرْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاع الْقُرَّاء عَلَى فَتْح الْأَلِف مِنْ | أَنَّمَا | الْأُولَى , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة فِي | يَحْسَبَنَّ | بِالْيَاءِ لِمَا وَصَفْنَا ; وَأَمَّا أَلِف | إِنَّمَا | الثَّانِيَة فَالْكَسْر عَلَى الِابْتِدَاء بِالْإِجْمَاع مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَتَأْوِيل قَوْله : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } إِنَّمَا نُؤَخِّر آجَالهمْ فَنُطِيلهَا لِيَزْدَادُوا إِثْمًا , يَقُول : يَكْتَسِبُوا الْمَعَاصِي فَتَزْدَاد آثَامهمْ وَتَكْثُر { وَلَهُمْ عَذَاب مُهِين } يَقُول : وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي الْآخِرَة عُقُوبَة لَهُمْ مُهِينَة مُذِلَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر . 6589 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ الْأَسْوَد , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهَا , وَقَرَأَ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } وَقَرَأَ : { نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } [3 198])

مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ } مَا كَانَ اللَّه لِيَدَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ اِلْتِبَاس الْمُؤْمِن مِنْكُمْ بِالْمُنَافِقِ , فَلَا يُعْرَف هَذَا مِنْ هَذَا { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يُعْنَى بِذَلِكَ : حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث , وَهُوَ الْمُنَافِق الْمُسْتَسِرّ لِلْكُفْرِ , مِنْ الطَّيِّب , وَهُوَ الْمُؤْمِن الْمُخْلِص الصَّادِق الْإِيمَان بِالْمِحَنِ وَالِاخْتِبَار , كَمَا مَيَّزَ بَيْنهمْ يَوْم أُحُد عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ عِنْد خُرُوجهمْ إِلَيْهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْخَبِيث الَّذِي عَنَى اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ مِثْل قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6590 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ : مَيَّزَ بَيْنهمْ يَوْم أُحُد , الْمُنَافِق مِنْ الْمُؤْمِن . )6591 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَقُول : لِيُبَيِّنَ الصَّادِق بِإِيمَانِهِ مِنْ الْكَاذِب . )قَالَ : اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : (يَوْم أُحُد مَيَّزَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , الْمُنَافِق عَنْ الْمُؤْمِن . )6592 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } أَيْ الْمُنَافِق . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى يَمِيز الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } يَعْنِي : الْكُفَّار . يَقُول : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَدَع الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَمِيز بَيْنهمْ فِي الْجِهَاد وَالْهِجْرَة . )6594 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ : حَتَّى يَمِيز الْفَاجِر مِنْ الْمُؤْمِن . )6595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالُوا : إِنْ كَانَ مُحَمَّد صَادِقًا فَلْيُخْبِرْنَا بِمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَنْ يَكْفُر ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } حَتَّى يُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر . )وَالتَّأْوِيل الْأَوَّل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ وَهَذِهِ فِي سِيَاقَتهَا , فَكَوْنهَا بِأَنْ تَكُون فِيهِمْ أَشْبَه مِنْهَا بِأَنْ تَكُون فِي غَيْرهمْ .|وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 6596 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِع مُحَمَّدًا عَلَى الْغَيْب , وَلَكِنَّ اللَّه اِجْتَبَاهُ فَجَعَلَهُ رَسُولًا . )وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 6597 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } أَيْ فِيمَا يُرِيد أَنْ يَبْتَلِيكُمْ بِهِ , لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُل عَلَيْكُمْ فِيهِ : { وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } يُعَلِّمهُ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى ضَمَائِر قُلُوب عِبَاده , فَتَعْرِفُوا الْمُؤْمِن مِنْهُمْ مِنْ الْمُنَافِق وَالْكَافِر , وَلَكِنَّهُ يُمَيِّز بَيْنهمْ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاء كَمَا مَيَّزَ بَيْنهمْ بِالْبَأْسَاءِ يَوْم أُحُد , وَجِهَاد عَدُوّهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْمِحَن , حَتَّى تَعْرِفُوا مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ وَمُنَافِقهمْ . غَيْر أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء , فَيَصْطَفِيه , فَيُطْلِعهُ عَلَى بَعْض مَا فِي ضَمَائِر بَعْضهمْ بِوَحْيِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَرِسَالَته . كَمَا : 6598 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } قَالَ : يُخْلِصهُمْ لِنَفْسِهِ . )وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ اِبْتِدَاءَهَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر تَارِك عِبَاده , يَعْنِي بِغَيْرِ مِحَن , حَتَّى يُفَرِّق بِالِابْتِلَاءِ بَيْن مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل نِفَاقهمْ . ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } , فَكَانَ فِيمَا اِفْتَتَحَ بِهِ مِنْ صِفَة إِظْهَار اللَّه نِفَاق الْمُنَافِق وَكُفْر الْكَافِر , دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ هُوَ الْخَبَر عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُطْلِعهُمْ عَلَى مَا يَخْفَى عَنْهُمْ مِنْ بَاطِن سَرَائِرهمْ إِلَّا بِاَلَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مُمَيِّز بِهِ نَعْتهمْ إِلَّا مَنْ اِسْتَثْنَاهُ مِنْ رُسُله الَّذِي خَصَّهُ بِعِلْمِهِ .|فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تُؤْمِنُوا } وَإِنْ تُصَدِّقُوا مَنْ اِجْتَبَيْته مِنْ رُسُلِي بِعِلْمِي , وَأَطْلَعْته عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْكُمْ , وَتَتَّقُوا رَبّكُمْ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , { فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم } يَقُول : فَلَكُمْ بِذَلِكَ مِنْ إِيمَانكُمْ وَاتِّقَائِكُمْ رَبّكُمْ ثَوَاب عَظِيم . كَمَا : 6599 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا , { فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم } )

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْر لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالْيَاءِ مِنْ يَحْسَبَنَّ وَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة أُخَر : | وَلَا تَحْسَبَنَّ | بِالتَّاءِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحْسَبَنَّ الْبَاخِلُونَ الْبُخْل هُوَ خَيْرًا لَهُمْ . فَاكْتَفَى بِذِكْرِ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل , كَمَا تَقُول : قَدِمَ فُلَان فَسُرِرْت بِهِ , وَأَنْتَ تُرِيد فَسُرِرْت بِقُدُومِهِ , وَهُوَ عِمَاد . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : | وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ | لَا تَحْسَبَنَّ الْبُخْل هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , فَأَلْقَى الِاسْم الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهِ الْحُسْبَان بِهِ وَهُوَ الْبُخْل , لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْحُسْبَان , وَذَكَرَ مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , فَأَضْمَرَهُمَا إِذْ ذَكَرَهُمَا , قَالَ : وَقَدْ جَاءَ مِنْ الْحَذْف مَا هُوَ أَشَدّ مِنْ هَذَا , قَالَ : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح وَقَاتَلَ } وَلَمْ يَقُلْ : وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد الْفَتْح , لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : { أُولَئِكَ أَعْظَم دَرَجَة مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْد } كَانَ فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَنَاهُمْ . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , أَنَّ | مَنْ | فِي قَوْله : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح } فِي مَعْنَى جَمَعَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح فِي مَنَازِلهمْ وَحَالَاتهمْ , فَكَيْفَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد الْفَتْح , فَالْأَوَّل مُكْتَفٍ . وَقَالَ فِي قَوْله : { لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } مَحْذُوف , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَحْذِف إِلَّا وَفِي الْكَلَام مَا قَامَ مَقَام الْمَحْذُوف , لِأَنَّ | هُوَ | عَائِد الْبُخْل , وَ | خَيْرًا لَهُمْ | عَائِد الْأَسْمَاء , فَقَدْ دَلَّ هَذَانِ الْعَائِدَانِ عَلَى أَنَّ قَبْلهمَا اِسْمَيْنِ , وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : يَبْخَلُونَ , مِنْ الْبُخْل . قَالَ : وَهَذَا إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ , فَالْبُخْل قَبْل الَّذِينَ , وَإِذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ , فَالْبُخْل بَعْد الَّذِينَ , وَقَدْ اِكْتَفَى بِاَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا نُهِيَ السَّفِيه جَرَى إِلَيْهِ .......... وَخَالَفَ وَالسَّفِيه إِلَى خِلَاف <br>كَأَنَّهُ قَالَ : جَرَى إِلَى السَّفَه , فَاكْتَفَى عَنْ السَّفَه بِالسَّفِيهِ , كَذَلِكَ اِكْتَفَى بِاَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالتَّاءِ بِتَأْوِيلِ : وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّد بُخْل الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , ثُمَّ تَرَكَ ذِكْر الْبُخْل , إِذْ كَانَ فِي قَوْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ مُرَاد فِي الْكَلَام , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . وَإِنَّمَا قُلْنَا قِرَاءَة ذَلِكَ بِالتَّاءِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِرَاءَته بِالْيَاءِ , لِأَنَّ الْمَحْسَبَة مِنْ شَأْنهَا طَلَب اِسْم وَخَبَر , فَإِذَا قُرِئَ قَوْله : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالْيَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْسَبَةِ اِسْم يَكُون قَوْله : { هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } خَبَرًا عَنْهُ , وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } اِسْمًا لَهُ , قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى الْبُخْل الَّذِي هُوَ اِسْم الْمَحْسَبَة الْمَتْرُوك , وَكَانَ قَوْله : { هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } خَبَرًا لَهَا , فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب الْفَصِيح . فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَا الْقِرَاءَة بِالتَّاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ , وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ غَيْر خَطَأ , وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالْأَفْصَحِ وَلَا الْأَشْهَر مِنْ كَلَام الْعَرَب . وَأَمَّا تَأْوِيل الْآيَة الَّذِي هُوَ تَأْوِيلهَا عَلَى مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد , بُخْل الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَعْطَاهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَمْوَال , فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ حَقّ اللَّه الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ الزَّكَوَات هُوَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة . كَمَا : 6600 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ | : هُمْ الَّذِينَ آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , فَبَخِلُوا أَنْ يُنْفِقُوهَا فِي سَبِيل اللَّه , وَلَمْ يُؤَدُّوا زَكَاتهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْيَهُود الَّذِينَ بَخِلُوا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي التَّوْرَاة مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . .. إِلَى { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُمْ بَخِلُوا بِالْكِتَابِ أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ . )6602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله | قَالَ : هُمْ يَهُود , إِلَى قَوْله : { وَالْكِتَاب الْمُنِير } )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة التَّأْوِيل الْأَوَّل وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِالْبُخْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَنْع الزَّكَاة لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : الْبَخِيل الَّذِي مَنَعَ حَقّ اللَّه مِنْهُ أَنَّهُ يَصِير ثُعْبَانًا فِي عُنُقه , وَلِقَوْلِ اللَّه عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَة : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } فَوَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْل الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ زَعَمُوا عِنْد أَمْر اللَّه إِيَّاهُمْ بِالزَّكَاةِ أَنَّ اللَّه فَقِير .|سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { سَيُطَوَّقُونَ } سَيَجْعَلُ اللَّه مَا بَخِلَ بِهِ الْمَانِعُونَ الزَّكَاة طَوْقًا فِي أَعْنَاقهمْ , كَهَيْئَةِ الْأَطْوَاق الْمَعْرُوفَة . كَاَلَّذِي : 6603 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن قَزَعَة , قَالَ : ثنا مُسْلِمَة بْن عَلْقَمَة , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي قَزَعَة , عَنْ أَبِي مَالِك الْعَبْدِيّ , قَالَ : (مَا مِنْ عَبْد يَأْتِيه ذُو رَحِم لَهُ يَسْأَلهُ مِنْ فَضْل عِنْده فَيَبْخَل عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ عَلَيْهِ شُجَاعًا أَقْرَع . وَقَالَ : وَقَرَأَ : | وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة | . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )6604 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبَى قَزَعَة , عَنْ رَجُل , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ ذِي رَحِم يَأْتِي رَحِمَهُ فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل جَعَلَهُ اللَّه عِنْده فَيَبْخَل بِهِ عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ مِنْ جَهَنَّم شُجَاع يَتَلَمَّظ حَتَّى يُطَوِّقهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بْن خَازِم , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي قَزَعَة حُجْر بْن بَيَان , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ ذِي رَحِم يَأْتِي ذَا رَحِمه فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل أَعْطَاهُ اللَّه إيَّاهُ فَيَبْخَل بِهِ عَلَيْهِ , إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاع مِنْ النَّار يَتَلَمَّظ حَتَّى يُطَوِّقهُ | ثُمَّ قَرَأَ : | وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله | حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } )6605 - حَدَّثَنِي زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الْمُرِّيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْكِلَابِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر السَّهْمِيّ , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن وَاصِل أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , وَاللَّفْظ لِيَعْقُوبَ جَمِيعًا , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم بْن مُعَاوِيَة بْن حَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( لَا يَأْتِي رَجُل مَوْلَاهُ فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل مَال عِنْده فَيَمْنَعهُ إِيَّاهُ إِلَّا دَعَا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا يَتَلَمَّظ فَضْله الَّذِي مَنَعَ . )6606 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : ثُعْبَان يَنْقُر رَأْس أَحَدهمْ , يَقُول : أَنَا مَالُك الَّذِي بَخِلْت بِهِ . )6607 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِل يُحَدِّث أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه , (قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : شُجَاع يَلْتَوِي بِرَأْسِ أَحَدهمْ . )* - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثنا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا : قَالَ شُجَاع أَسْوَد . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : (يَجِيء مَاله يَوْم الْقِيَامَة ثُعْبَانًا , فَيَنْقُر رَأْسه فَيَقُول : أَنَا مَالُك الَّذِي بَخِلْت بِهِ , فَيَنْطَوِي عَلَى عُنُقه . )6608 - حَدَّثَنَا عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا جَامِع بْن شَدَّاد وَعَبْد الْمَلِك بْن أَعْيَن , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَحَد لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا مُثِّلَ لَهُ شُجَاع أَقْرَع يُطَوِّقهُ | ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ | . .. الْآيَة . )6609 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَمَّا { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ } فَإِنَّهُ يُجْعَل مَاله يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا أَقْرَع يُطَوِّقهُ , فَيَأْخُذ بِعُنُقِهِ , فَيَتْبَعهُ حَتَّى يَقْذِفهُ فِي النَّار . )6610 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : (هُوَ الرَّجُل الَّذِي يَرْزُقهُ اللَّه مَالًا , فَيَمْنَع قَرَابَته الْحَقّ الَّذِي جَعَلَ اللَّه لَهُمْ فِي مَاله , فَيُجْعَل حَيَّة فَيُطَوَّقُهَا , فَيَقُول : مَا لِي وَلَك ؟ فَيَقُول : أَنَا مَالك . )6611 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : يُطَوَّقُونَ شُجَاعًا أَقْرَع , يَنْهَش رَأْسه . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } فَيُجْعَل فِي أَعْنَاقهمْ طَوْقًا مِنْ نَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6612 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْقًا مِنْ النَّار . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْقًا مِنْ نَار . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { سَيُطَوَّقُونَ } قَالَ : طَوْقًا مِنْ نَار . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْق مِنْ نَار . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَيَحْمِلُ الَّذِينَ كَتَمُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْبَار الْيَهُود مَا كَتَمُوا مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6613 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ قَالَ : { يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبُخْلِ } [4 37 ]يَعْنِي : أَهْل الْكِتَاب , يَقُول : يَكْتُمُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْكِتْمَانِ . )قَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَيُكَلَّفُونَ يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ , إِلَى قَوْله : { وَالْكِتَاب الْمُنِير } )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { سَيُطَوَّقُونَ } سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا بَخِلُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالهمْ يَوْم الْقِيَامَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي مَبْدَأ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ } لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا أَحَد أَعْلَم بِمَا عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَنْزِيلِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام .|وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , وَالْبَاقِي بَعْد فَنَاء جَمِيع خَلْقه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى قَوْله : { لَهُ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَالْمِيرَاث الْمَعْرُوف : هُوَ مَا اِنْتَقَلَ مِنْ مِلْك مَالِك إِلَى وَارِثه بِمَوْتِهِ وَلِلَّهِ الدُّنْيَا قَبْل فَنَاء خَلْقه وَبَعْده ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وَصْفه نَفْسه بِالْبَقَاءِ , وَإِعْلَام خَلْقه أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ الْفَنَاء . وَذَلِكَ أَنَّ مِلْك الْمَالِك إِنَّمَا يَصِير مِيرَاثًا بَعْد وَفَاته , فَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض } إِعْلَامًا بِذَلِكَ مِنْهُ عِبَاده أَنَّ أَمْلَاك جَمِيع خَلْقه مُنْتَقِلَة عَنْهُمْ بِمَوْتِهِمْ , وَأَنَّهُ لَا أَحَد إِلَّا وَهُوَ فَانٍ سَوَاء , فَإِنَّهُ الَّذِي إِذَا هَلَكَ جَمِيع خَلْقه , فَزَالَتْ أَمْلَاكهمْ عَنْهُمْ لَمْ يَبْقَ أَحَد يَكُون لَهُ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ غَيْره . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَة : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِي يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ , سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة , بَعْد مَا يَهْلِكُونَ , وَتَزُول عَنْهُمْ أَمْلَاكهمْ فِي الْحِين الَّذِي لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا , وَصَارَ لِلَّهِ مِيرَاثه وَمِيرَاث غَيْره مِنْ خَلْقه . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْل , وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر خَلْقه , ذُو خِبْرَة وَعِلْم , مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , حَتَّى يُجَازِي كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه , الْمُحْسِن بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء عَلَى مَا يَرَى تَعَالَى ذِكْره .

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } </subtitle>ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة وَآيَات بَعْدهَا نَزَلَتْ فِي بَعْض الْيَهُود , الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الْآثَار بِذَلِكَ : 6615 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (دَخَلَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْت الْمِدْرَاس , فَوَجَدَ مِنْ يَهُود نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اِجْتَمَعُوا إِلَى رَجُل مِنْهُمْ يُقَال لَهُ فِنْحَاص , كَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ , وَمَعَهُ حَبْر يُقَال لَهُ : أشيع . فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِفِنْحَاصَ : وَيْحَك يَا فِنْحَاص , اِتَّقِ اللَّه وَأَسْلِمْ ! فَوَاَللَّهِ إِنَّك لَتَعْلَم أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد اللَّه , تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ! قَالَ فِنْحَاص : وَاَللَّه يَا أَبَا بَكْر مَا بِنَا إِلَى اللَّه مِنْ فَقْر , وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِير , وَمَا نَتَضَرَّع إِلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّع إِلَيْنَا , وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاء , وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اِسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُم صَاحِبكُمْ , يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا وَيُعْطِينَاهُ , وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا . فَغَضِبَ أَبُو بَكْر , فَضَرَبَ وَجْه فِنْحَاص ضَرْبَة شَدِيدَة , وَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْلَا الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبَيْنك لَضَرَبْت عُنُقك يَا عَدُوّ اللَّه , فَأَكْذِبُونَا مَا اِسْتَطَعْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ! فَذَهَبَ فِنْحَاص إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبك ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْر : وَمَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ | فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ عَدُوّ اللَّه قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا , زَعَمَ أَنَّ اللَّه فَقِير , وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاء , فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْت لِلَّهِ مِمَّا قَالَ , فَضَرَبْت وَجْهه . فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاص , وَقَالَ : مَا قُلْت ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاص رَدًّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْر : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُول ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } وَفِي قَوْل أَبِي بَكْر وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَب : { لَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } [3 186 ])* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْر , فَذَكَرَ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاء , وَمَا هُوَ عَنَّا بِغَنِيٍّ , وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا ; ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث نَحْوه . 6616 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قَالَهَا فِنْحَاص الْيَهُودِيّ مِنْ بَنِي مَرْثَد , لَقِيَهُ أَبُو بَكْر فَكَلَّمَهُ , فَقَالَ لَهُ : يَا فِنْحَاص , اِتَّقِ اللَّه وَآمِنْ وَصَدِّقْ , وَأَقْرِضْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا ! فَقَالَ فِنْحَاص : يَا أَبَا بَكْر , تَزْعُم أَنَّ رَبّنَا فَقِير , يَسْتَقْرِضنَا أَمْوَالنَا , وَمَا يَسْتَقْرِض إِلَّا الْفَقِير مِنْ الْغَنِيّ , إِنْ كَانَ مَا تَقُول حَقًّا , فَإِنَّ اللَّه إِذًا لَفَقِير . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذَا , فَقَالَ أَبُو بَكْر : فَلَوْلَا هُدْنَة كَانَتْ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن بَنِي مَرْثَد لَقَتَلْته . )6617 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (صَكَّ أَبُو بَكْر رَجُلًا مِنْهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء لِمَ يَسْتَقْرِضنَا وَهُوَ غَنِيّ وَهُمْ يَهُود . )6618 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , (قَالَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , لَمْ يَسْتَقْرِضنَا وَهُوَ غَنِيّ ؟ قَالَ شِبْل : بَلَغَنِي أَنَّهُ فِنْحَاص الْيَهُودِيّ , وَهُوَ الَّذِي قَالَ : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , وَيَد اللَّه مَغْلُولَة . )6619 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حُدِّثْت عَنْ عَطَاء , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } [2 245 ]قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّ رَبّكُمْ يَسْتَقْرِض مِنْكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } قَالَ : عَجِبَتْ الْيَهُود فَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه فَقِير يَسْتَقْرِض , فَنَزَلَتْ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } )6620 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُيَيّ بْن أَخْطَب لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض : اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } قَالَ : يَسْتَقْرِضنَا رَبّنَا , إِنَّمَا يَسْتَقْرِض الْفَقِير الْغَنِيّ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } [2 245 ]قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّمَا يَسْتَقْرِض الْفَقِير مِنْ الْغَنِيّ , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } )6621 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْيَهُود . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا مِنْ الْيَهُود : إِنَّ اللَّه فَقِير إِلَيْنَا وَنَحْنُ أَغْنِيَاء عَنْهُ , سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا مِنْ الْإِفْك وَالْفِرْيَة عَلَى رَبّهمْ وَقَتْلهمْ أَنْبِيَاءَهُمْ بِغَيْرِ حَقّ .)|سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ|وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَعَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } بِالنُّونِ , { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } بِنَصْبِ الْقَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ | بِالْيَاءِ مِنْ سَيَكْتُبُ , وَبِضَمِّهَا وَرَفْع الْقَتْل عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَةٍ يُذْكَر أَنَّهَا مِنْ قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِي قَوْله : | وَنَقُول ذُوقُوا | , يُذْكَر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَيُقَال | ; فَأَغْفَلَ قَارِئ ذَلِكَ وَجْه الصَّوَاب فِيمَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ تَأْوِيل الْقِرَاءَة الَّتِي تُنْسَب إِلَى عَبْد اللَّه , وَخَالَفَ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْإِسْلَام . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ : | سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء | عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَنْ يَقْرَأ : وَيُقَال , لِأَنَّ قَوْله : | وَنَقُول | عَطْف عَلَى قَوْله : | سَنَكْتُبُ | . فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة أَنْ يُوَفَّق بَيْنهمَا فِي الْمَعْنَى بِأَنْ يَقْرَآ جَمِيعًا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَوْ عَلَى مَذْهَب مَا يُسَمَّى فَاعِله , فَأَمَّا أَنْ يُقْرَأ أَحَدهمَا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَالْآخَر عَلَى وَجْه مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِله مِنْ غَيْر مَعْنًى أَلْجَأَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَاخْتِيَار خَارِج عَنْ الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { سَنَكْتُبُ } بِالنُّونِ { وَقَتْلهمْ } بِالنَّصْبِ لِقَوْلِهِ : | وَنَقُول | , وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة فِي | سَيَكْتُبُ | بِالْيَاءِ وَضَمّهَا , لَقِيلَ : | وَيُقَال | , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } وَقَدْ ذُكِرَتْ الْآثَار الَّتِي رُوِيَتْ , أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير } بَعْض الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أُولَئِكَ أَحَد قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه فَيَقْتُلُوهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا رَاضِينَ بِمَا فَعَلَ أَوَائِلهمْ مِنْ قَتْل مَنْ قَتَلُوا مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَكَانُوا مِنْهُمْ , وَعَلَى مِنْهَاجهمْ , مِنْ اِسْتِحْلَال ذَلِكَ وَاسْتِجَازَته . فَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِعْل مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجه وَطَرِيقَته إِلَى جَمِيعهمْ , إِذْ كَانُوا أَهْل مِلَّة وَاحِدَة , وَنِحْلَة وَاحِدَة , وَبِالرِّضَا مِنْ جَمِيعهمْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَاعِل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ نَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل .|وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَنَقُول ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَنَقُول لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , الْقَاتِلِينَ أَنْبِيَاء اللَّه بِغَيْرِ حَقّ , يَوْم الْقِيَامَة : ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق , يَعْنِي بِذَلِكَ : عَذَاب نَار مُحْرِقَة مُلْتَهِبَة , وَالنَّار اِسْم جَامِع لِلْمُلْتَهِبَةِ مِنْهَا وَغَيْر الْمُلْتَهِبَة , وَإِنَّمَا الْحَرِيق صِفَة لَهَا , يُرَاد أَنَّهَا مُحْرِقَة , كَمَا قِيلَ : | عَذَاب أَلِيم | يَعْنِي : مُؤْلِم , وَ | وَجِيع | يَعْنِي : مُوجِع .

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أَيْ قَوْلنَا لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة : ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق بِمَا أَسْلَفَتْ أَيْدِيكُمْ , وَاكْتَسَبَتْهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَبِأَنَّ اللَّه عَدْل لَا يَجُور , فَيُعَاقِب عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق مِنْهُ الْعُقُوبَة , وَلَكِنَّهُ يُجَازِي كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ , وَيُوَفِّي كُلّ عَامِل جَزَاء مَا عَمِلَ , فَجَازَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ , بِمَا جَازَاهُمْ بِهِ مِنْ عَذَاب الْحَرِيق , بِمَا اِكْتَسَبُوا مِنْ الْآثَام , وَاجْتَرَحُوا مِنْ السَّيِّئَات , وَكَذَبُوا عَلَى اللَّه بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ , فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى ذِكْره بِمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ مِنْ إِذَاقَتهمْ عَذَاب الْحَرِيق ظَالِمًا وَلَا وَاضِعًا عُقُوبَته فِي غَيْر أَهْلهَا , وَكَذَلِكَ هُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ غَيْر ظَلَّام أَحَدًا مِنْ خَلْقه , وَلَكِنَّهُ الْعَادِل بَيْنهمْ , وَالْمُتَفَضِّل عَلَى جَمِيعهمْ بِمَا أَحَبَّ مِنْ فَوَاضِله وَنِعَمه .

الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُل مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِاَلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ . وَقَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه } فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ } أَوْصَانَا وَتَقَدَّمَ إِلَيْنَا فِي كُتُبه وَعَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِهِ , أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ . يَقُول : أَنْ لَا نُصَدِّق رَسُولًا فِيمَا يَقُول إِنَّهُ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ أَمْر وَنَهْي وَغَيْر ذَلِكَ { حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } يَقُول : يَجِيئنَا بِقُرْبَانٍ , وَهُوَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْعَبْد إِلَى رَبّه مِنْ صَدَقَة , وَهُوَ مَصْدَر مِثْل الْعُدْوَان وَالْخُسْرَان مِنْ قَوْلك : قَرَّبْت قُرْبَانًا . وَإِنَّمَا قَالَ : | تَأْكُلهُ النَّار | , لِأَنَّ أَكْل النَّار مَا قَرَّبَهُ أَحَدهمْ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَان كَانَ دَلِيلًا عَلَى قَبُول اللَّه مِنْهُ مَا قَرَّبَ لَهُ , وَدَلَالَة عَلَى صِدْق الْمُقَرِّب فِيمَا اِدَّعَى أَنَّهُ مُحِقّ فِيمَا نَازَعَ أَوْ قَالَ , كَمَا : 6622 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } كَانَ الرَّجُل يَتَصَدَّق , فَإِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ نَار مِنْ السَّمَاء فَأَكَلَتْهُ . )6623 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } كَانَ الرَّجُل إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ , فَتُقُبِّلَتْ مِنْهُ بَعَثَ اللَّه نَارًا مِنْ السَّمَاء , فَنَزَلَتْ عَلَى الْقُرْبَانِ فَأَكَلَتْهُ . )فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُل مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ } يَعْنِي : بِالْحُجَجِ الدَّالَّة عَلَى صِدْق نُبُوَّتهمْ وَحَقِيقَة قَوْلهمْ ; { وَبِاَلَّذِي قُلْتُمْ } يَعْنِي : وَبِاَلَّذِي اِدَّعَيْتُمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِهِ لَزِمَكُمْ تَصْدِيقه , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ مِنْ أَكْل النَّار قُرْبَانه إِذَا قَرَّبَ لِلَّهِ دَلَالَة عَلَى صِدْقه ; { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول لَهُ : قُلْ لَهُمْ : قَدْ جَاءَتْكُمْ الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِي بِاَلَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ , فَقَتَلْتُمُوهُمْ , فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَنْ أَتَاكُمْ مِنْ رُسُله بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار حُجَّة لَهُ عَلَى نُبُوَّته ؟ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ اللَّه عِبَاده بِهَذِهِ الْآيَة , أَنَّ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَنْ يَفِرُّوا , وَأَنْ يَكُونُوا فِي كَذِبهمْ عَلَى اللَّه , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى رَبّهمْ , وَتَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ صَادِقًا مُحِقًّا , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي عَهْد اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِمْ أَنَّهُ رَسُوله إِلَى خَلْقه , مَفْرُوضَة طَاعَته إِلَّا كَمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافهمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاء اللَّه بَعْد قَطْع اللَّه عُذْرهمْ بِالْحُجَجِ الَّتِي أَيَّدَهُمْ اللَّه بِهَا , وَالْأَدِلَّة الَّتِي أَبَانَ صِدْقهمْ بِهَا , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه , وَاسْتِخْفَافًا بِحُقُوقِهِ .

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كَذَّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُر وَالْكِتَاب الْمُنِير } </subtitle>وَهَذَا تَعْزِيَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَذَى الَّذِي كَانَ يَنَالهُ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ مِنْ سَائِر أَهْل الْمِلَل . يَقُول اللَّه تَعَالَى لَهُ : لَا يَحْزُنك يَا مُحَمَّد كَذِب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير , وَقَالُوا : إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار , وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى رَبّهمْ اِغْتِرَارًا بِإِمْهَالِ اللَّه إِيَّاهُمْ , وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ , وَادِّعَاؤُهُمْ الْأَبَاطِيل مِنْ عُهُود اللَّه إِلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِك فَكَذَّبُوك , كَذَبُوا عَلَى اللَّه , فَقَدْ كُذِّبَتْ أَسْلَافهمْ مِنْ رُسُل اللَّه قَبْلك مَنْ جَاءَهُمْ بِالْحُجَجِ الْقَاطِعَة الْعُذْر , وَالْأَدِلَّة الْبَاهِرَة الْعَقْل , وَالْآيَات الْمُعْجِزَة الْخَلْق , وَذَلِكَ هُوَ الْبَيِّنَات . وَأَمَّا الزُّبُر : فَإِنَّهُ جَمْع زَبُور : وَهُوَ الْكِتَاب , وَكُلّ كِتَاب فَهُوَ زَبُور , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : <br>لِمَنْ طَلَل أَبْصَرْته فَشَجَانِي .......... كَخَطِّ زَبُور فِي عَسِيب يَمَانِي <br>وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود كَذَّبَتْ عِيسَى وَمَا جَاءَ بِهِ وَحَرَّفَتْ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَدَّلَتْ عَهْده إِلَيْهِمْ فِيهِ , وَأَنَّ النَّصَارَى جَحَدَتْ مَا فِي الْإِنْجِيل مِنْ نَعْته وَغَيَّرَتْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي أَمْره . وَأَمَّا قَوْله : { الْمُنِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي يُنِير فَيُبَيِّن الْحَقّ لِمَنْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ وَيُوَضِّحهُ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ النُّور وَالْإِضَاءَة , يُقَال : قَدْ أَنَارَ لَك هَذَا الْأَمْر , بِمَعْنَى : أَضَاءَ لَك وَتَبَيَّنَ , فَهُوَ يُنِير إِنَارَة , وَالشَّيْء الْمُنِير . وَقَدْ : 6624 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } قَالَ : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6625 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج . قَوْله : ( { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } قَالَ : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَهَذَا الْحَرْف فِي مَصَاحِف أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق : | وَالزُّبُر | بِغَيْرِ بَاء , وَهُوَ فِي مَصَاحِف أَهْل الشَّام : | وَبِالزُّبُرِ | بِالْبَاءِ مِثْل الَّذِي فِي سُورَة فَاطِر . [35 25]

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : أَنَّ مَصِير هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه مِنْ الْيَهُود الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِهِ , الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ جَرَاءَتهمْ عَلَى رَبّهمْ , وَمَصِير غَيْرهمْ مِنْ جَمِيع خَلْقه تَعَالَى ذِكْره , وَمَرْجِع جَمِيعهمْ إِلَيْهِ , لِأَنَّهُ قَدْ حَتَّمَ الْمَوْت عَلَى جَمِيعهمْ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك تَكْذِيب مَنْ كَذَّبَك يَا مُحَمَّد مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَغَيْرهمْ , وَافْتِرَاء مَنْ اِفْتَرَى عَلَيَّ , فَقَدْ كُذِّبَ قَبْلك رُسُل جَاءُوا مِنْ الْآيَات وَالْحُجَج مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ بِمِثْلِ الَّذِي جِئْت مَنْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ , فَلَك فِيهِمْ أُسْوَة تَتَعَزَّى بِهِمْ , وَمَصِير مَنْ كَذَّبَك , وَافْتَرَى عَلَيَّ وَغَيْرهمْ , وَمَرْجِعهمْ إِلَيَّ , فَأُوَفِّي كُلّ نَفْس مِنْهُمْ جَزَاء عَمَله يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي أُجُور أَعْمَالكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْر , وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار } , يَقُول : فَمَنْ نُحِّيَ عَنْ النَّار وَأُبْعِدَ مِنْهَا , { فَقَدْ فَازَ } يَقُول : فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِحَاجَتِهِ , يُقَال مِنْهُ : فَازَ فُلَان بِطِلْبَتِهِ يَفُوز فَوْزًا وَمَفَازًا وَمَفَازَة : إِذَا ظَفِرَ بِهَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ نُحِّيَ عَنْ النَّار فَأُبْعِدَ مِنْهَا , وَأُدْخِلَ الْجَنَّة , فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِعَظِيمِ الْكَرَامَة . { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } يَقُول : وَمَا لَذَّات الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا , وَمَا فِيهَا مِنْ زِينَتهَا وَزَخَارِفهَا , إِلَّا مَتَاع الْغُرُور , يَقُول : إِلَّا مُتْعَة يُمَتِّعُكُمُوهَا الْغُرُور وَالْخِدَاع الْمُضْمَحِلّ , الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ عِنْد الِامْتِحَان , وَلَا صِحَّة لَهُ عِنْد الِاخْتِبَار , فَأَنْتُمْ تَلْتَذُّونَ بِمَا مَتَّعَكُمْ الْغُرُور مِنْ دُنْيَاكُمْ , ثُمَّ هُوَ عَائِد عَلَيْكُمْ بِالْفَجَائِع وَالْمَصَائِب وَالْمَكَارِه , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَتَسْكُنُوا إِلَيْهَا , فَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْهَا فِي غُرُور تُمَتَّعُونَ , ثُمَّ أَنْتُمْ عَنْهَا بَعْد قَلِيل رَاحِلُونَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 6626 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط فِي قَوْله : ( { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } قَالَ : كَزَادِ الرَّاعِي , تُزَوِّدهُ الْكَفّ مِنْ التَّمْر , أَوْ الشَّيْء مِنْ الدَّقِيق , أَوْ الشَّيْء يَشْرَب عَلَيْهِ اللَّبَن . )فَكَأَنَّ اِبْن سَابِط ذَهَبَ فِي تَأْوِيله هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع قَلِيل , لَا يُبَلِّغ مَنْ تَمَتَّعَهُ وَلَا يَكْفِيه لِسَفَرِهِ . وَهَذَا التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ وُجُوه التَّأْوِيل , فَإِنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ هُوَ مَا قُلْنَا , لِأَنَّ الْغُرُور إِنَّمَا هُوَ الْخِدَاع فِي كَلَام الْعَرَب , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِصَرْفِهِ إِلَى مَعْنَى الْقِلَّة , لِأَنَّ الشَّيْء قَدْ يَكُون قَلِيلًا وَصَاحِبه مِنْهُ فِي غَيْر خِدَاع وَلَا غُرُور ; وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي غُرُور فَلَا الْقَلِيل يَصِحّ لَهُ وَلَا الْكَثِير مِمَّا هُوَ مِنْهُ فِي غُرُور . وَالْغُرُور مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : غَرَّنِي فُلَان , فَهُوَ يَغُرّنِي غُرُورًا بِضَمِّ الْغَيْن ; وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتْ الْغَيْن مِنْ الْغُرُور فَهُوَ صِفَة لِلشَّيْطَانِ الْغَرُور الَّذِي يَغُرّ اِبْن آدَم حَتَّى يُدْخِلهُ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه فِيمَا يَسْتَوْجِب بِهِ عُقُوبَته . وَقَدْ : 6627 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَعَبْد الرَّحِيم , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } |)

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ } لَتُخْتَبَرُنَّ بِالْمَصَائِبِ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ , يَعْنِي : وَبِهَلَاكِ الْأَقْرِبَاء وَالْعَشَائِر مِنْ أَهْل نُصْرَتكُمْ وَمِلَّتكُمْ , { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : مِنْ الْيَهُود وَقَوْلهمْ { إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } وَقَوْلهمْ { يَد اللَّه مَغْلُولَة } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اِفْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه . { وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا } يَعْنِي النَّصَارَى , { أَذًى كَثِيرًا } وَالْأَذَى مِنْ الْيَهُود مَا ذَكَرْنَا , وَمِنْ النَّصَارَى قَوْلهمْ : الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ . { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } يَقُول : وَإِنْ تَصْبِرُوا لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ مِنْ طَاعَته وَتَتَّقُوا , يَقُول : وَتَتَّقُوا اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , فَتَعْمَلُوا فِي ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ . { فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : فَإِنَّ ذَلِكَ الصَّبْر وَالتَّقْوَى مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ . وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كُلّه نَزَلَ فِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ سَيِّد بَنِي قَيْنُقَاع . كَاَلَّذِي : 6628 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله : (( { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي أَبِي بَكْر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , وَفِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ سَيِّد بَنِي قَيْنُقَاع , قَالَ : بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَحِمَهُ اللَّه إِلَى فِنْحَاص يَسْتَمِدّهُ , وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ , وَقَالَ لِأَبِي بَكْر : | لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِع | فَجَاءَ أَبُو بَكْر وَهُوَ مُتَوَشِّح بِالسَّيْفِ , فَأَعْطَاهُ الْكِتَاب , فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ : قَدْ اِحْتَاجَ رَبّكُمْ أَنْ نُمِدّهُ ! فَهَمَّ أَبُو بَكْر أَنْ يَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ , ثُمَّ ذَكَرَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِع | فَكَفَّ ; وَنَزَلَتْ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ } وَمَا بَيْن الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْله : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ } )نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي بَنِي قَيْنُقَاع , إِلَى قَوْله : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } . قَالَ اِبْن جُرَيْج : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ } قَالَ : أَعْلَمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَيَبْتَلِيهِمْ فَيَنْظُر كَيْفَ صَبْرهمْ عَلَى دِينهمْ , ثُمَّ قَالَ : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْمَعُونَ مِنْ الْيَهُود قَوْلهمْ : عُزَيْر اِبْن اللَّه , وَمِنْ النَّصَارَى : الْمَسِيح اِبْن اللَّه , فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَنْصِبُونَ لَهُمْ الْحَرْب , وَيَسْمَعُونَ إِشْرَاكهمْ , فَقَالَ اللَّه : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : مِنْ الْقُوَّة مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي كَعْب بْن الْأَشْرَف , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَشَبَّب بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6629 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : ( { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } قَالَ : هُوَ كَعْب بْن الْأَشْرَف , وَكَانَ يُحَرِّض الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي شِعْره , وَيَهْجُو النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ خَمْسَة نَفَر مِنْ الْأَنْصَار فِيهِمْ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة , وَرَجُل يُقَال لَهُ أَبُو عَبْس . فَأَتَوْهُ وَهُوَ فِي مَجْلِس قَوْمه بِالْعَوَالِي ; فَلَمَّا رَآهُمْ ذُعِرَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرَ شَأْنهمْ , وَقَالُوا : جِئْنَاك لِحَاجَةٍ , قَالَ : فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضكُمْ , فَلِيُحَدِّثنِي بِحَاجَتِهِ ! فَجَاءَهُ رَجُل مِنْهُمْ فَقَالَ : جِئْنَاك لِنَبِيعَك أَدْرَاعًا عِنْدنَا لِنَسْتَنْفِقَ بِهَا , فَقَالَ : وَاَللَّه لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ جَهَدْتُمْ مُنْذُ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا الرَّجُل ! فَوَاعَدُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاء حِين هَدَأَ عَنْهُمْ النَّاس . فَأَتَوْهُ , فَنَادَوْهُ , فَقَالَتْ اِمْرَأَته : مَا طَرَقَك هَؤُلَاءِ سَاعَتهمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبّ ! قَالَ : إِنَّهُمْ حَدَّثُونِي بِحَدِيثِهِمْ وَشَأْنهمْ . قَالَ مَعْمَر : فَأَخْبَرَنِي أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ , فَقَالَ : أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ وَأَرَادُوا أَنْ يَبِيعهُمْ تَمْرًا , قَالَ : فَقَالُوا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ تُعَيَّر أَبْنَاؤُنَا فَيُقَال هَذَا رَهِينَة وَسْق , وَهَذَا رَهِينَة وَسْقَيْنِ ! فَقَالَ : أَتَرْهَنُونَنِي نِسَائِكُمْ ؟ قَالُوا : أَنْتَ أَجْمَل النَّاس , وَلَا نَأْمَنك , وَأَيّ اِمْرَأَة تَمْتَنِع مِنْك لِجَمَالِك ؟ وَلَكِنَّا نَرْهَنك سِلَاحنَا , فَقَدْ عَلِمْت حَاجَتنَا إِلَى السِّلَاح الْيَوْم . فَقَالَ : اِئْتُونِي بِسِلَاحِكُمْ , وَاحْتَمِلُوا مَا شِئْتُمْ ! قَالُوا : فَانْزِلْ إِلَيْنَا نَأْخُذ عَلَيْك , وَتَأْخُذ عَلَيْنَا . فَذَهَبَ يَنْزِل , فَتَعَلَّقَتْ بِهِ اِمْرَأَته وَقَالَتْ : أَرْسِلْ إِلَى أَمْثَالهمْ مِنْ قَوْمك يَكُونُوا مَعَك . قَالَ : لَوْ وَجَدَنِي هَؤُلَاءِ نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي . قَالَتْ : فَكَلَّمَهُمْ مِنْ فَوْق الْبَيْت , فَأَبَى عَلَيْهَا , فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ يَفُوح رِيحه , قَالُوا : مَا هَذِهِ الرِّيح يَا فُلَان ؟ قَالَ : هَذَا عِطْر أُمّ فُلَان ! اِمْرَأَته . فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضهمْ يَشَمّ رَائِحَته , ثُمَّ اِعْتَنَقَهُ , ثُمَّ قَالَ : اُقْتُلُوا عَدُوّ اللَّه ! فَطَعَنَهُ أَبُو عَبْس فِي خَاصِرَته , وَعَلَاهُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة بِالسَّيْفِ , فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ رَجَعُوا . فَأَصْبَحَتْ الْيَهُود مَذْعُورِينَ , فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : قُتِلَ سَيِّدنَا غِيلَة ! فَذَكَّرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعه , وَمَا كَانَ يَحُضّ عَلَيْهِمْ , وَيُحَرِّض فِي قِتَالهمْ , وَيُؤْذِيهِمْ , ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَكْتُب بَيْنه وَبَيْنهمْ صُلْحًا , فَقَالَ : فَكَانَ ذَلِكَ الْكِتَاب مَعَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ .)

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ أَيْضًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد إِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ , لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْرك الَّذِي أَخَذَ مِيثَاقهمْ عَلَى بَيَانه لِلنَّاسِ فِي كِتَابهمْ الَّذِي فِي أَيْدِيهمْ , وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَأَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل بِالْحَقِّ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْيَهُود خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6630 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } إِلَى قَوْله : { عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي : فِنْحَاص وأشيع وَأَشْبَاههمَا مِنْ الْأَحْبَار . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 6631 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } كَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته , وَقَالَ : { اِتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [7 158 ]فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [2 40 ]عَاهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَقَالَ حِين بَعَثَ مُحَمَّدًا : صَدِّقُوهُ , وَتَلْقَوْنَ الَّذِي أَحْبَبْتُمْ عِنْدِي . )6632 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } . . الْآيَة , قَالَ : إِنَّ اللَّه أَخَذَ مِيثَاق الْيَهُود لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ , وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . )6633 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي الْجَحَّاف , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , قَالَ : (سَأَلَ الْحَجَّاج بْن يُوسُف جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } فَقَامَ رَجُل إِلَى سَعِيد بْن جُبَيْر فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق أَهْل الْكِتَاب يَهُود , | لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ | مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْتُمُونَهُ , فَنَبَذُوهُ . )6634 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ | قَالَ : وَكَانَ فِيهِ إِنَّ الْإِسْلَام دِين اللَّه الَّذِي اِفْتَرَضَهُ عَلَى عِبَاده , وَإِنَّ مُحَمَّدًا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا بِأَمْرِ الدِّين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6635 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ | . .. الْآيَة , هَذَا مِيثَاق أَخَذَ اللَّه عَلَى أَهْل الْعِلْم , فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ وَإِيَّاكُمْ , وَكِتْمَان الْعِلْم , فَإِنَّ كِتْمَان الْعِلْم هَلَكَة , وَلَا يَتَكَلَّفَنَّ رَجُل مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ , فَيَخْرُج مِنْ دِين اللَّه , فَيَكُون مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ , كَانَ يُقَال : مَثَل عِلْم لَا يُقَال بِهِ كَمَثَلِ كَنْز لَا يُنْفَق مِنْهُ , وَمَثَل حِكْمَة لَا تَخْرُج كَمَثَلِ صَنَم قَائِم لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب . وَكَانَ يُقَال : طُوبِي لِعَالِمٍ نَاطِق , وَطُوبِي لِمُسْتَمِعٍ وَاعٍ . هَذَا رَجُل عَلِمَ عِلْمًا فَعَلَّمَهُ وَبَذَلَهُ وَدَعَا إِلَيْهِ , وَرَجُل سَمِعَ خَيْرًا فَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ , وَانْتَفَعَ بِهِ . )6636 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى قَوْم فِي الْمَسْجِد وَفِيهِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فَقَالَ : إِنَّ أَخَاكُمْ كَعْبًا يُقْرِئكُمْ السَّلَام , وَيُبَشِّركُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة لَيْسَتْ فِيكُمْ : | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ | فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : وَأَنْتَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَام , وَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بِنَحْوِهِ , عَنْ عَبْد اللَّه وَكَعْب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6637 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : إِنَّ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ : | وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِيثَاقهمْ | قَالَ : مِنْ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : إِنَّ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ | قَالَ : فَقَالَ : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . )وَأَمَّا قَوْله : | لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ | . فَإِنَّهُ كَمَا : 6638 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ذَكْوَان , قَالَ : ثنا أَبُو نَعَامَة السَّعْدِيّ , قَالَ : (كَانَ الْحَسَن يُفَسِّر قَوْله : | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ | لَيَتَكَلَّمُنَّ بِالْحَقِّ وَلَيُصَدِّقُنَّهُ بِالْعَمَلِ . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } بِالتَّاءِ , وَهِيَ قِرَاءَة عُظْم قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة عَلَى وَجْه الْمُخَاطَب , بِمَعْنَى : قَالَ لَهُمْ : لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ | بِالْيَاءِ جَمِيعًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , لِأَنَّهُمْ فِي وَقْت إِخْبَار اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ كَانُوا غَيْر مَوْجُودِينَ , فَصَارَ الْخَبَر عَنْهُمْ كَالْخَبَرِ عَنْ الْغَائِب . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَة وُجُوههمَا , مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْإِسْلَام , غَيْر مُخْتَلِفَتَيْ الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقّ وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ . غَيْر أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَبّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا : | لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ | بِالْيَاءِ جَمِيعًا اِسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ : { فَنَبَذُوهُ } أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْغَائِب عَلَى سَبِيل قَوْله : { فَنَبَذُوهُ } حَتَّى يَكُون مُتَّسِقًا كُلّه عَلَى مَعْنًى وَاحِد وَمِثَال وَاحِد , وَلَوْ كَانَ الْأَوَّل بِمَعْنَى الْخِطَاب لَكَانَ أَنْ يُقَال : فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاء ظُهُوركُمْ , أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَال : فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ .|فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ|يَقُول : فَتَرَكُوا أَمْر اللَّه وَضَيَّعُوهُ , وَنَقَضُوا مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , فَكَتَمُوا أَمْرك , وَكَذَّبُوا بِك وَأَمَّا قَوْله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } فَإِنَّهُ مَثَل لِتَضْيِيعِهِمْ الْقِيَام بِالْمِيثَاقِ , وَتَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَكَرِهْنَا إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6639 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب الْبَجَلِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ إِنَّمَا نَبَذُوا الْعَمَل بِهِ . )6640 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : نَبَذُوا الْمِيثَاق . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : نُبِّئْت عَنْ الشَّعْبِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : قَذَفُوهُ بَيْن أَيْدِيهمْ , وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ .)|وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا|يَقُول : وَابْتَاعُوا بِكِتْمَانِهِمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ مِنْ أَمْر نُبُوَّتك , عِوَضًا مِنْهُ , خَسِيسًا قَلِيلًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَخْذهمْ مَا أَخَذُوا عَلَى كِتْمَانهمْ الْحَقّ وَتَحْرِيفهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6641 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } أَخَذُوا طَمَعًا , وَكَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)|فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ|ثُمَّ ذَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شِرَاءَهُمْ مَا اِشْتَرَوْا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } وَقَوْله : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } يَقُول : فَبِئْسَ الشِّرَاء يَشْتَرُونَ فِي تَضْيِيعهمْ الْمِيثَاق وَتَبْدِيلهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6642 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } قَالَ : تَبْدِيل الْيَهُود التَّوْرَاة .)

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ أَهْل النِّفَاق كَانُوا يَقْعُدُونَ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا الْعَدُوّ , فَإِذَا اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ , وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6643 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر وَابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : ثني زَيْد بْن أَسْلَم , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : (أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْو تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه , وَإِذَا قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّفَر اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة . )6644 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قَدْ خَرَجْت لَخَرَجْنَا مَعَك , فَإِذَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفُوا وَكَذَبُوا , وَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ , وَيَرَوْنَ أَنَّهَا حِيلَة اِحْتَالُوا بِهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ أَحْبَار الْيَهُود كَانُوا يَفْرَحُونَ بِإِضْلَالِهِمْ النَّاس , وَنِسْبَة النَّاس إِيَّاهُمْ إِلَى الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6645 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } إِلَى قَوْله { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي : فِنْحَاصًا وأشيع وَأَشْبَاههمَا مِنْ الْأَحْبَار الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَا زَيَّنُوا لِلنَّاسِ مِنْ الضَّلَالَة { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } أَنْ يَقُول لَهُمْ النَّاس عُلَمَاء وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْم , لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا خَيْر , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَقُول لَهُمْ النَّاس : قَدْ فَعَلُوا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِ ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْم , لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود فَرِحُوا بِاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ عَلَى تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِأَنْ يُقَال لَهُمْ أَهْل صَلَاة وَصِيَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6646 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : ( { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } فَإِنَّهُمْ فَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : قَدْ جَمَعَ اللَّه كَلِمَتنَا , وَلَمْ يُخَالِف أَحَد مِنَّا أَحَدًا أَنَّهُ نَبِيّ , وَقَالُوا : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , وَنَحْنُ أَهْل الصَّلَاة وَالصِّيَام . وَكَذَبُوا , بَلْ هُمْ أَهْل كُفْر وَشِرْك وَافْتِرَاء عَلَى اللَّه , قَالَ اللَّه : { يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } )* - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود أَمَرَ بَعْضكُمْ بَعْضًا , فَكَتَبَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ , فَأَجْمِعُوا كَلِمَتكُمْ , وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ وَكِتَابكُمْ الَّذِي مَعَكُمْ . فَفَعَلُوا وَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِين اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ , وَكَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسهمْ , فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْل الصِّيَام وَأَهْل الصَّلَاة وَأَهْل الزَّكَاة , وَنَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } مِنْ كِتْمَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } أَحَبُّوا أَنْ تَحْمَدهُمْ الْعَرَب بِمَا يُزَكُّونَ بِهِ أَنْفُسهمْ , وَلَيْسُوا كَذَلِكَ . )6649 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي الْجَحَّاف , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , قَالَ : (سَأَلَ الْحَجَّاج جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : بِكِتْمَانِهِمْ مُحَمَّدًا , { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : هُوَ قَوْلهمْ : نَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . )6650 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } هُمْ أَهْل الْكِتَاب أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْكِتَاب , فَحَكَمُوا بِغَيْرِ الْحَقّ , وَحَرَّفُوا الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , وَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَرِحُوا بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّه , وَيَصُومُونَ , وَيُصَلُّونَ , وَيُطِيعُونَ اللَّه ; فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } مِنْ الصَّلَاة وَالصَّوْم , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ تَبْدِيلهمْ كِتَاب اللَّه , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس عَلَى ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } قَالَ : يَهُود , فَرِحُوا بِإِعْجَابِ النَّاس بِتَبْدِيلِهِمْ الْكِتَاب وَحَمْدهمْ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ , وَلَا تَمْلِك يَهُود ذَلِكَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّه تَعَالَى آل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6652 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : الْيَهُود يَفْرَحُونَ بِمَا آتَى اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْعَطَّار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (هُمْ الْيَهُود , فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّه تَعَالَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود سَأَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء , فَكَتَمُوهُ , فَفَرِحُوا بِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6653 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي مُلَيْكَة أَنَّ عَلْقَمَة بْن أَبِي وَقَّاص أَخْبَرَهُ : (أَنَّ مَرْوَان قَالَ لِرَافِعٍ : اِذْهَبْ يَا رَافِع إِلَى اِبْن عَبَّاس فَقُلْ لَهُ : لَئِنْ كَانَ كُلّ اِمْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَد بِمَا لَمْ يَفْعَل مُعَذَّبًا , لَيُعَذِّبَنَا اللَّه أَجْمَعِينَ ! فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُود , فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ , فَأَرَوْهُ أَنْ قَدْ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ مِمَّا سَأَلَهُمْ , وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ إِيَّاهُ . ثُمَّ قَالَ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } . .. الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة , أَنَّ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَان بْن الْحَكَم قَالَ لِبَوَّابِهِ : (يَا رَافِع اِذْهَبْ إِلَى اِبْن عَبَّاس , فَقُلْ لَهُ : لَئِنْ كَانَ كُلّ اِمْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَد بِمَا لَمْ يَفْعَل مُعَذَّبًا , لَنُعَذَّبَنَّ جَمِيعًا فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَة ؟ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . ثُمَّ تَلَا اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } إِلَى قَوْله : { أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ , وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْهُ , فَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ , وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ يَهُود أَظْهَرُوا النِّفَاق لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّة مِنْهُمْ لِلْحَمْدِ , وَاَللَّه عَالِم مِنْهُمْ خِلَاف ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6654 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود يَهُود خَيْبَر أَتَوْا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَاضُونَ بِاَلَّذِي جَاءَ بِهِ , وَأَنَّهُمْ مُتَابِعُوهُ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ , وَأَرَادُوا أَنْ يَحْمَدهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } . .. الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (إِنَّ أَهْل خَيْبَر أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَقَالُوا : إِنَّا عَلَى رَأْيكُمْ وَهَيْئَتكُمْ , وَإِنَّا لَكُمْ رِدْء , فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَتَيْنِ . )6655 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : إِنَّ كَعْبًا يَقْرَأ عَلَيْك السَّلَام , وَيَقُول : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة لَمْ تَنْزِل فِيكُمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : أَخْبَرُوهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيّ . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ , لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , لِأَنَّ قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , وَهُوَ شَبِيه بِقِصَّتِهِمْ مَعَ اِتِّفَاق أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِذَلِكَ , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ النَّاس أَمْرك , وَأَنَّك لِي رَسُول مُرْسَل بِالْحَقِّ , وَهُمْ يَجِدُونَك مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي كُتُبهمْ , وَقَدْ أَخَذْت عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِك , وَبَيَان أَمْرك لِلنَّاسِ , وَأَنْ لَا يَكْتُمُوهُمْ ذَلِكَ , وَهُمْ مَعَ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْت عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , يَفْرَحُونَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ فِي ذَلِكَ , وَمُخَالَفَتهمْ أَمْرِي , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس بِأَنَّهُمْ أَهْل طَاعَة لِلَّهِ وَعِبَادَة وَصَلَاة وَصَوْم , وَاتِّبَاع لِوَحْيِهِ , وَتَنْزِيله الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ , وَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَبْرِيَاء أَخْلِيَاء لِتَكْذِيبِهِمْ رَسُوله , وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقه الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ , لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس عَلَيْهِ , فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب , وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم . وَقَوْله : { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب } فَلَا تَظُنّهُمْ بِمَنْجَاةٍ مِنْ عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَعْدَائِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالرَّجْف وَالْقَتْل , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عِقَاب اللَّه , وَلَا هُمْ بِبَعِيدٍ مِنْهُ . كَمَا : 6656 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب } قَالَ : بِمَنْجَاةٍ مِنْ الْعَذَاب . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : وَلَهُمْ عَذَاب فِي الْآخِرَة أَيْضًا مُؤْلِم , مَعَ الَّذِي لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُعَجَّل .

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } </subtitle>وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ قَالُوا : { إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ : لِلَّهِ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَيْفَ يَكُون أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّه مَنْ كَانَ مُلْك ذَلِكَ لَهُ فَقِيرًا ! ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ الْقَادِر عَلَى تَعْجِيل الْعُقُوبَة لِقَائِلِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ مُكَذِّب بِهِ وَمُفْتَرٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ وَأَحَبَّ , وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِحِلْمِهِ عَلَى خَلْقه , فَقَالَ : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَعْنِي : مِنْ إِهْلَاك قَائِل ذَلِكَ , وَتَعْجِيل عُقُوبَته لَهُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور .

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب } </subtitle>وَهَذَا اِحْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى قَائِل ذَلِكَ وَعَلَى سَائِر خَلْقه بِأَنَّهُ الْمُدَبِّر الْمُصَرِّف الْأَشْيَاء , وَالْمُسَخِّر مَا أَحَبَّ , وَإِنَّ الْإِغْنَاء وَالْإِفْقَار إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : تَدَبَّرُوا أَيّهَا النَّاس , وَاعْتَبِرُوا فَفِيمَا أَنْشَأْته فَخَلَقْته مِنْ السَّمَوَات وَالْأَرْض لِمَعَاشِكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَأَرْزَاقكُمْ , وَفِيمَا عَقَّبْت بَيْنه مِنْ اللَّيْل وَالنَّهَار , فَجَعَلْتهمَا يَخْتَلِفَانِ وَيَعْتَقِبَانِ عَلَيْكُمْ , تَتَصَرَّفُونَ فِي هَذَا لِمَعَاشِكُمْ , وَتَسْكُنُونَ فِي هَذَا رَاحَة لِأَجْسَادِكُمْ , مُعْتَبَر وَمُدَّكَر , وَآيَات وَعِظَات . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا لُبّ وَعَقْل , يَعْلَم أَنَّ مَنْ نَسَبَنِي إِلَى أَنِّي فَقِير وَهُوَ غَنِيّ كَاذِب مُفْتَرٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه بِيَدِي أُقَلِّبهُ وَأَصْرِفهُ , وَلَوْ أَبْطَلْت ذَلِكَ لَهَلَكْتُمْ , فَكَيْفَ يُنْسَب فَقْر إِلَى مَنْ كَانَ كُلّ مَا بِهِ عَيْش مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ ! أَمْ كَيْفَ يَكُون غَنِيًّا مَنْ كَانَ رِزْقه بِيَدِ غَيْره , إِذَا شَاءَ رَزَقَهُ , وَإِذَا شَاءَ حَرَمَهُ ! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَاب .

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } </subtitle>وَقَوْله : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا } مِنْ نَعْت | أُولِي الْأَلْبَاب | , وَ | الَّذِينَ | فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : | لِأُولِي الْأَلْبَاب | . وَمَعْنَى الْآيَة : إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لَآيَات لِأُولِي الْأَلْبَاب , الذَّاكِرِينَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ , يَعْنِي بِذَلِكَ : قِيَامًا فِي صَلَاتهمْ وَقُعُودًا فِي تَشَهُّدهمْ وَفِي غَيْر صَلَاتهمْ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ نِيَامًا . كَمَا : 6657 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا } . .. الْآيَة , قَالَ : هُوَ ذِكْر اللَّه فِي الصَّلَاة وَفِي غَيْر الصَّلَاة , وَقِرَاءَة الْقُرْآن . )6658 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } وَهَذِهِ حَالَاتك كُلّهَا يَا اِبْن آدَم , فَاذْكُرْهُ وَأَنْتَ عَلَى جَنْبك يُسْرًا مِنْ اللَّه وَتَخْفِيفًا . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } فَعُطِفَ بِ | عَلَى | , وَهِيَ صِفَة عَلَى الْقِيَام وَالْقُعُود وَهُمَا اِسْمَانِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ قَوْله : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } فِي مَعْنَى الِاسْم , وَمَعْنَاهُ : وَنِيَامًا أَوْ مُضْطَجِعِينَ عَلَى جُنُوبِهِمْ ; فَحَسُنَ عَطْف ذَلِكَ عَلَى الْقِيَام وَالْقُعُود لِذَلِكَ الْمَعْنَى , كَمَا قِيلَ : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضُّرّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } فَعَطَفَ بِقَوْلِهِ : { أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } [10 12 ]عَلَى قَوْله : { لِجَنْبِهِ } , لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله : لِجَنْبِهِ مُضْطَجِعًا , فَعُطِفَ بِالْقَاعِدِ وَالْقَائِم عَلَى مَعْنَاهُ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } |وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِصَنْعَةِ صَانِع ذَلِكَ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَمَنْ هُوَ مَالِك كُلّ شَيْء وَرَازِقه , وَخَالِق كُلّ شَيْء وَمُدَبِّره , مَنْ هُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , وَبِيَدِهِ الْإِغْنَاء وَالْإِفْقَار , وَالْإِعْزَاز وَالْإِذْلَال , وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة , وَالشَّقَاء وَالسَّعَادَة .|رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , قَائِلِينَ : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } فَتَرَكَ ذِكْر قَائِلِينَ , إِذْ كَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام دَلَالَة عَلَيْهِ ; وَقَوْله : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } يَقُول : لَمْ تَخْلُق هَذَا الْخَلْق عَبَثًا وَلَا لَعِبًا , لَمْ تَخْلُقهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيم مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب وَمُحَاسَبَة وَمُجَازَاة , وَإِنَّمَا قَالَ : مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا , وَلَمْ يَقُلْ : مَا خَلَقْت هَذِهِ , وَلَا هَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْخَلْق الَّذِي فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } وَرَغْبَتهمْ إِلَى رَبّهمْ فِي أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَاب الْجَحِيم , وَلَوْ كَانَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } السَّمَوَات وَالْأَرْض , لَمَّا كَانَ لِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ : { فَقِنَا عَذَاب النَّار } مَعْنًى مَفْهُوم , لِأَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَدِلَّة عَلَى بَارِئِهَا , لَا عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَإِنَّمَا الدَّلِيل عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب : الْأَمْر وَالنَّهْي ; وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أُولِي الْأَلْبَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا الْمَأْمُورِينَ الْمَنْهِيِّينَ , قَالُوا : يَا رَبّنَا لَمْ تَخْلُق هَؤُلَاءِ بَاطِلًا عَبَثًا سُبْحَانك , يَعْنِي : تَنْزِيهًا لَك مِنْ أَنْ تَفْعَل شَيْئًا عَبَثًا , وَلَكِنَّك خَلَقْتهمْ لِعَظِيمٍ مِنْ الْأَمْر , لِجَنَّةٍ أَوْ نَار . ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى رَبّهمْ بِالْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجِيرهُمْ مِنْ عَذَاب النَّار , وَأَنْ لَا يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره , فَيَكُونُوا مِنْ أَهْل جَهَنَّم .

رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار مِنْ عِبَادك فَتُخَلِّدهُ فِيهَا فَقَدْ أَخْزَيْته , قَالَ : وَلَا يُخْزَى مُؤْمِن مَصِيره إِلَى الْجَنَّة وَإِنْ عُذِّبَ بِالنَّارِ بَعْض الْعَذَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6659 - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْص الْجُبَيْرِيّ وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّل , أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , فِي قَوْله : ( { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : مَنْ تُخَلِّد . )6660 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب : ( { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : هِيَ خَاصَّة لِمَنْ لَا يَخْرُج مِنْهَا . )6661 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن مَرْوَان , عَنْ الْأَشْعَث الْحَمَلِيّ , قَالَ : (قُلْت لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت مَا تَذْكُر مِنْ الشَّفَاعَة حَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ حَقّ . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } وَ { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } ؟ [5 37 ]قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنَّك وَاَللَّه لَا تَسْتَطِيع عَلَى شَيْء , إِنَّ لِلنَّارِ أَهْلًا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّه . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا سَعِيد : فِيمَنْ دَخَلُوا ثُمَّ خَرَجُوا ؟ قَالَ : كَانُوا أَصَابُوا ذُنُوبًا فِي الدُّنْيَا , فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِهَا فَأَدْخَلَهُمْ بِهَا , ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ بِمَا يَعْلَم فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِهِ . )6662 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : هُوَ مَنْ يُخَلَّد فِيهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار مِنْ مُخَلَّد فِيهَا وَغَيْر مُخَلَّد فِيهَا , فَقَدْ أُخْزِيَ بِالْعَذَابِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6663 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ يَحْيَى بْن عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : (قَدِمَ عَلَيْنَا جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي عُمْرَة , فَانْتَهَيْت إِلَيْهِ أَنَا وَعَطَاء , فَقُلْت : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } ؟ قَالَ : وَمَا إِخْزَاؤُهُ حِين أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ ! وَإِنْ دُون ذَلِكَ لَخِزْيًا . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل جَابِر : إِنَّ مَنْ أُدْخِلَ النَّار فَقَدْ أُخْزِيَ بِدُخُولِهِ إِيَّاهَا , وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الْخِزْي إِنَّمَا هُوَ هَتْك سِتْر الْمُخْزَى وَفَضِيحَته , وَمَنْ عَاقَبَهُ رَبّه فِي الْآخِرَة عَلَى ذُنُوبه , فَقَدْ فَضَحَهُ بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ , وَذَلِكَ هُوَ الْخِزْي .|وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } يَقُول : وَمَا لِمَنْ خَالَفَ أَمْر اللَّه فَعَصَاهُ مِنْ ذِي نُصْرَة لَهُ يَنْصُرهُ مِنْ اللَّه فَيَدْفَع عَنْهُ عِقَابه أَوْ يُنْقِذهُ مِنْ عَذَابه .

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْمُنَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُنَادِي فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6664 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : ( { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : هُوَ الْكِتَاب , لَيْسَ كُلّهمْ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن حَكِيم , عَنْ خَارِجَة , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , فِي قَوْله : ( { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : لَيْسَ كُلّ النَّاس سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ الْمُنَادِي : الْقُرْآن . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6665 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )6666 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مُحَمَّد بْن كَعْب , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمُنَادِي الْقُرْآن ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَذِهِ الصِّفَة فِي هَذِهِ الْآيَات لَيْسُوا مِمَّنْ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَايَنَهُ , فَسَمِعُوا دُعَاءَهُ إِلَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنِدَاءَهُ , وَلَكِنَّهُ الْقُرْآن . وَهُوَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ الْجِنّ إِذْ سَمِعُوا كَلَام اللَّه يُتْلَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْد } [72 1 : 2 ]وَبِنَحْوِ ذَلِكَ : 6667 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } إِلَى قَوْله : { وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار } سَمِعُوا دَعْوَة مِنْ اللَّه فَأَجَابُوهَا , فَأَحْسَنُوا الْإِجَابَة فِيهَا , وَصَبَرُوا عَلَيْهَا , يُنَبِّئكُمْ اللَّه عَنْ مُؤْمِن الْإِنْس كَيْفَ قَالَ , وَعَنْ مُؤْمِن الْجِنّ كَيْفَ قَالَ , فَأَمَّا مُؤْمِن الْجِنّ , فَقَالَ : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْد فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِك بِرَبِّنَا أَحَدًا } ; وَأَمَّا مُؤْمِن الْإِنْس , فَقَالَ : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } . .. الْآيَة . )وَقِيلَ : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } يَعْنِي : يُنَادِي إِلَى الْإِيمَان , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } [7 43 ]بِمَعْنَى : هَدَانَا إِلَى هَذَا , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>أَوْحَى لَهَا الْقَرَار فَاسْتَقَرَّتْ .......... وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّت <br>بِمَعْنَى : أَوْحَى إِلَيْهَا , وَمِنْهُ قَوْله : { بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا } [99 5 ]وَقِيلَ : مُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا لِلْإِيمَانِ يُنَادِي أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : رَبّنَا سَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَان يَقُول إِلَى التَّصْدِيق بِك , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّتِك , وَاتِّبَاع رَسُولك وَطَاعَته , فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ , وَنَهَانَا عَنْهُ , مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدك فَآمَنَّا رَبّنَا , يَقُول : فَصَدَّقْنَا بِذَلِكَ يَا رَبّنَا , فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا , يَقُول : فَاسْتُرْ عَلَيْنَا خَطَايَانَا , وَلَا تَفْضَحنَا بِهَا فِي الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , بِعُقُوبَتِك إِيَّانَا عَلَيْهَا , وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا , وَسَيِّئَات أَعْمَالنَا فَامْحُهَا بِفَضْلِك وَرَحْمَتك إِيَّانَا , وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار , يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاقْبِضْنَا إِلَيْك إِذَا قَبَضْتنَا إِلَيْك فِي عِدَاد الْأَبْرَار , وَاحْشُرْنَا مَحْشَرهمْ وَمَعَهُمْ ; وَالْأَبْرَار جَمْع بَرّ , وَهُمْ الَّذِينَ بَرُّوا اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَخِدْمَتهمْ لَهُ , حَتَّى أَرْضَوْهُ فَرَضِيَ عَنْهُمْ .

رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّك لَا تُخْلِف الْمِيعَاد } </subtitle>إِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه مَسْأَلَة هَؤُلَاءِ الْقَوْم رَبّهمْ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ , وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّه مُنْجِز وَعْده , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْهُ إِخْلَاف مَوْعِد ؟ قِيلَ : اِخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْل الْبَحْث , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ قَوْل خَرَجَ مَخْرَج الْمَسْأَلَة , وَمَعْنَاهُ الْخَبَر , قَالُوا : وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا , رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا , وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتنَا , وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار , لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك , وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة , قَالُوا : وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ تَوَفَّيْتنَا مَعَ الْأَبْرَار فَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتنَا لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَأَنَّ مَا وَعَدَ عَلَى أَلْسِنَة رُسُله لَيْسَ يُعْطِيه بِالدُّعَاءِ , وَلَكِنَّهُ تَفَضُّل بِإِيتَائِهِ , ثُمَّ يُنْجِزهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْل مِنْ قَائِله عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء لِلَّهِ , بِأَنْ يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ آتَاهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة عَلَى أَلْسُن رُسُله , لَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ اِسْتَحَقُّوا مَنْزِلَة الْكَرَامَة عِنْد اللَّه فِي أَنْفُسهمْ , ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ بَعْد عِلْمهمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْد أَنْفُسهمْ , فَيَكُون ذَلِكَ مِنْهُمْ مَسْأَلَة لِرَبِّهِمْ أَنْ لَا يُخْلِف وَعْده , قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْقَوْم إِنَّمَا سَأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَ الْأَبْرَار , لَكَانُوا قَدْ زَكُّوا أَنْفُسهمْ , وَشَهِدُوا لَهَا أَنَّهَا مِمَّنْ قَدْ اِسْتَوْجَبَ كَرَامَة اللَّه وَثَوَابه , قَالُوا : وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَة أَهْل الْفَضْل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالُوا هَذَا الْقَوْل عَلَى وَجْه الْمَسْأَلَة , وَالرَّغْبَة مِنْهُمْ إِلَى اللَّه أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , وَالظَّفَر بِهِمْ , وَإِعْلَاء كَلِمَة الْحَقّ عَلَى الْبَاطِل , فَيُعَجِّل ذَلِكَ لَهُمْ , قَالُوا : وَمُحَال أَنْ يَكُون الْقَوْم مَعَ وَصْف اللَّه إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَتْهُمْ بِهِ كَانُوا عَلَى غَيْر يَقِين مِنْ أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , فَيَرْغَبُوا إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وُعِدُوا النَّصْر , وَلَمْ يُوَقَّت لَهُمْ فِي تَعْجِيل ذَلِكَ لَهُمْ , لِمَا فِي تَعَجُّله مِنْ سُرُور الظَّفَر وَرَاحَة الْجَسَد . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّ هَذِهِ الصِّفَة , صِفَة مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَطَنه وَدَاره , مُفَارِقًا لِأَهْلِ الشِّرْك بِاَللَّهِ إِلَى اللَّه وَرَسُوله , وَغَيْرهمْ مِنْ تُبَّاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ رَغِبُوا إِلَى اللَّه فِي تَعْجِيل نُصْرَتهمْ عَلَى أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِهِمْ , فَقَالُوا : رَبّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتنَا مِنْ نُصْرَتك عَلَيْهِمْ عَاجِلًا , فَإِنَّك لَا تُخْلِف الْمِيعَاد , وَلَكِنْ لَا صَبْر لَنَا عَلَى أَنَاتك وَحِلْمك عَنْهُمْ , فَعَجِّلْ حَرْبهمْ , وَلَنَا الظَّفَر عَلَيْهِمْ . يَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ آخِر الْآيَة الْأُخْرَى , وَهُوَ قَوْله : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } . .. الْآيَات بَعْدهَا . وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ حَكَيْت قَوْلهمْ فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : اِفْعَلْ بِنَا يَا رَبّ كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : اِفْعَلْ بِنَا لِكَذَا الَّذِي وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ , لَجَازَ أَنْ يَقُول الْقَائِل لِآخَرَ : أَقْبِلْ إِلَيَّ وَكَلِّمْنِي , بِمَعْنَى : أَقْبِلْ إِلَيَّ لِتُكَلِّمَنِي , وَذَلِكَ غَيْر مَوْجُود فِي الْكَلَام , وَلَا مَعْرُوف جَوَازه , وَكَذَلِكَ أَيْضًا غَيْر مَعْرُوف فِي الْكَلَام : آتِنَا مَا وَعَدْتنَا , بِمَعْنَى : اِجْعَلْنَا مِمَّنْ آتَيْته ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا سَنِيًّا فَقَدْ صُيِّرَ نَظِيرًا لِمَنْ كَانَ مِثْله فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُعْطِيَهُ , وَلَكِنْ لَيْسَ الظَّاهِر مِنْ مَعْنَى الْكَلَام ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ يَئُول مَعْنَاهُ إِلَيْهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : رَبّنَا أَعْطِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى أَلْسُن رُسُلك أَنَّك تُعْلِي كَلِمَتك كَلِمَة الْحَقّ , بِتَأْيِيدِنَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِك وَحَادَّك وَعَبَدَ غَيْرك , وَعَجِّلْ لَنَا ذَلِكَ , فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّك لَا تُخْلِف مِيعَادك , وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة , فَتَفْضَحنَا بِذُنُوبِنَا الَّتِي سُلِكَتْ مِنَّا , وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا وَاغْفِرْهَا لَنَا . وَقَدْ : 6668 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك } قَالَ : يُسْتَنْجَز مَوْعُود اللَّه عَلَى رُسُله .)

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : فَأَجَابَ هَؤُلَاءِ الدَّاعِينَ بِمَا وَصَفَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ دَعَوْا بِهِ رَبّهمْ , بِأَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ عَمِلَ خَيْرًا ذَكَرًا كَانَ الْعَامِل أَوْ أُنْثَى , وَذَكَر أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ الرِّجَال يُذْكَرُونَ وَلَا تُذْكَر النِّسَاء فِي الْهِجْرَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة . 6669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه , تُذْكَر الرِّجَال فِي الْهِجْرَة وَلَا نُذْكَر ؟ فَنَزَلَتْ : { أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } . .. الْآيَة . )6670 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ وَلَد أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : (قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه لَا أَسْمَع اللَّه يَذْكُر النِّسَاء فِي الْهِجْرَة بِشَيْءٍ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } )6671 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ رَجُل مِنْ وَلَد أُمّ سَلَمَة , عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا قَالَتْ : (يَا رَسُول اللَّه لَا أَسْمَع اللَّه ذَكَرَ النِّسَاء فِي الْهِجْرَة بِشَيْءٍ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض } )وَقِيلَ : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ , بِمَعْنَى : فَأَجَابَهُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيب إِلَى النَّدَى .......... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب <br>بِمَعْنَى : فَلَمْ يُجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب . وَأُدْخِلَتْ | مِنْ | فِي قَوْله : { مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } عَلَى التَّرْجَمَة وَالتَّفْسِير عَنْ قَوْله | مِنْكُمْ | , بِمَعْنَى : لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَيْسَتْ | مِنْ | هَذِهِ بِاَلَّتِي يَجُوز إِسْقَاطهَا وَحَذْفهَا مِنْ الْكَلَام فِي الْجَحْد , لِأَنَّهَا دَخَلَتْ بِمَعْنًى لَا يَصْلُح الْكَلَام إِلَّا بِهِ . وَزَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِع , كَمَا تَدْخُل فِي قَوْلهمْ : | قَدْ كَانَ مِنْ حَدِيث | قَالَ : | وَمِنْ | هَهُنَا أَحْسَن , لِأَنَّ النَّهْي قَدْ دَخَلَ فِي قَوْله : لَا أُضِيع . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَقَالَ : لَا تَدْخُل | مِنْ | وَتَخْرُج إِلَّا فِي مَوْضِع الْجَحْد ; وَقَالَ : قَوْله : { لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ } لَمْ يُدْرِكهُ الْجَحْد , لِأَنَّك لَا تَقُول : لَا أَضْرِب غُلَام رَجُل فِي الدَّار وَلَا فِي الْبَيْت فَيَدْخُل , وَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْد , وَلَكِنْ | مِنْ | مُفَسِّرَة .|بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ|وَأَمَّا قَوْله : { بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ , مِنْ بَعْض , فِي النُّصْرَة وَالْمَسْأَلَة وَالدِّين , وَحُكْم جَمِيعكُمْ فِيمَا أَنَا بِكُمْ فَاعِل عَلَى حُكْم أَحَدكُمْ فِي أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل ذَكَر مِنْكُمْ وَلَا أُنْثَى .|فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا مِنْ عِنْد اللَّه وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَعَشِيرَتهمْ فِي اللَّه , إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَالتَّصْدِيق بِرَسُولِهِ , وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ , وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش مِنْ دِيَارهمْ بِمَكَّةَ , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , يَعْنِي : وَأُوذُوا فِي طَاعَتهمْ رَبّهمْ , وَعِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , وَذَلِكَ هُوَ سَبِيل اللَّه الَّتِي آذَى فِيهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلهَا ; وَقُتِلُوا , يَعْنِي : وَقُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَقَاتَلُوا فِيهَا , لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , يَعْنِي : لَأَمْحُوَنَّهَا عَنْهُمْ , وَلَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِي وَرَحْمَتِي , وَلَأَغْفِرَنَّهَا لَهُمْ , وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , ثَوَابهَا , يَعْنِي : جَزَاء لَهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا وَأَبْلَوْا فِي اللَّه وَفِي سَبِيله ; مِنْ عِنْد اللَّه : يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه لَهُمْ ; وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب , يَعْنِي : أَنَّ اللَّه عِنْده مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ جَمِيع صُنُوفه , وَذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغهُ وَصْف وَاصِف , لِأَنَّهُ مِمَّا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . كَمَا : 6672 - حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمْرو بْن الْحَارِث : أَنَّ أَبَا عُشَّانَة الْمَعَافِرِيّ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص يَقُول : لَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : ( إِنَّ أَوَّل ثُلَّة تَدْخُل الْجَنَّة لِفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ , الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِه , إِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَة إِلَى السُّلْطَان لَمْ تُقْضَ حَتَّى يَمُوت وَهِيَ فِي صَدْره , وَإِنَّ اللَّه يَدْعُو يَوْم الْقِيَامَة الْجَنَّة , فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتهَا , فَيَقُول : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي وَقُتِلُوا , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي , اُدْخُلُوا الْجَنَّة , فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ عَذَاب , وَلَا حِسَاب , وَتَأْتِي الْمَلَائِكَة فَيَسْجُدُونَ وَيَقُولُونَ : رَبّنَا نَحْنُ نُسَبِّح لَك اللَّيْل وَالنَّهَار , وَنُقَدِّس لَك مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آثَرْتهمْ عَلَيْنَا , فَيَقُول الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , فَتَدْخُل الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب : { سَلَام عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار } | . [13 24 ])وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : | وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا | بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قُتِلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | وَقَاتَلُوا وَقُتِّلُوا | بِتَشْدِيدِ قُتِّلُوا , بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ , وَقَتَّلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بَعْضًا بَعْد بَعْض وَقَتْلًا بَعْد قَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : | وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا | بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلُوا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } بِمَعْنَى : أَنَّ بَعْضهمْ قُتِلَ , وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهَا إِحْدَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ , وَهِيَ : | وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا | بِالتَّخْفِيفِ , أَوْ { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمَنْقُولَة نَقْل وِرَاثَة , وَمَا عَدَاهُمَا فَشَاذّ . وَبِأَيِّ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ الَّتِي ذَكَرْت أَنِّي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهُمَا قَرَأَ قَارِئ فَمُصِيب فِي ذَلِكَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي قُرَّاء الْإِسْلَام مَعَ اِتِّفَاق مَعْنَيَيْهِمَا .

لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَغُرَّنَّكَ يَا مُحَمَّد تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد , يَعْنِي : تَصَرُّفهمْ فِي الْأَرْض وَضَرْبهمْ فِيهَا . كَمَا : 6673 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } يَقُول : ضَرْبهمْ فِي الْبِلَاد . )فَنَهَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاغْتِرَار بِضَرْبِهِمْ فِي الْبِلَاد , وَإِمْهَال اللَّه إِيَّاهُمْ مَعَ شِرْكهمْ وَجُحُودهمْ نِعَمه , وَعِبَادَتهمْ غَيْره . وَخَرَجَ الْخِطَاب بِذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ غَيْره مِنْ أَتْبَاعه وَأَصْحَابه , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل مِنْ أَمْر اللَّه , وَلَكِنْ كَانَ بِأَمْرِ اللَّه صَادِعًا , وَإِلَى الْحَقّ دَاعِيًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ قَتَادَة . 6674 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } وَاَللَّه مَا غَرُّوا نَبِيّ اللَّه , وَلَا وَكَّلَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْر اللَّه , حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ .)

مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

وَأَمَّا قَوْله : { مَتَاع قَلِيل } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّ تَقَلُّبهمْ فِي الْبِلَاد وَتَصَرُّفهمْ فِيهَا مُتْعَة يُمَتَّعُونَ بِهَا قَلِيلًا , حَتَّى يَبْلُغُوا آجَالهمْ , فَتَخْتَرِمَهُمْ مَنِيَّاتهمْ , ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم بَعْد مَمَاتهمْ , وَالْمَأْوَى : الْمَصِير الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَصِيرُونَ فِيهِ .|وَبِئْسَ الْمِهَادُ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَبِئْسَ الْمِهَاد } وَبِئْسَ الْفِرَاش وَالْمَضْجَع جَهَنَّم .

لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ } لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه بِطَاعَتِهِ , وَاتِّبَاع مَرْضَاته , فِي الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ .|لَهُمْ جَنَّاتٌ| { لَهُمْ جَنَّات } يَعْنِي : بَسَاتِين .|تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا| { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : بَاقِينَ فِيهَا أَبَدًا .|نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ| { نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : إِنْزَالًا مِنْ اللَّه إِيَّاهُمْ فِيهَا أَنْزَلَهُمُوهَا ; وَنُصِبَ | نُزُلًا | عَلَى التَّفْسِير , مِنْ قَوْله : لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , كَمَا يُقَال : لَك عِنْد اللَّه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا , وَكَمَا يُقَال : هُوَ لَك صَدَقَة , وَهُوَ لَك هِبَة . وَقَوْله : { مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه , وَمِنْ كَرَامَة اللَّه إِيَّاهُمْ , وَعَطَايَاهُ لَهُمْ .|وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ|وَقَوْله : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } يَقُول : وَمَا عِنْد اللَّه مِنْ الْحَيَاة وَالْكَرَامَة , وَحُسْن الْمَآب خَيْر لِلْأَبْرَارِ , مِمَّا يَتَقَلَّب فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّ الَّذِي يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ زَائِل فَانٍ , وَهُوَ قَلِيل مِنْ الْمَتَاع خَسِيس , وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ كَرَامَته لِلْأَبْرَارِ , وَهُمْ أَهْل طَاعَته , بَاقٍ غَيْر فَانٍ وَلَا زَائِل . 6675 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } قَالَ : لِمَنْ يُطِيع اللَّه . )6676 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهَا . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ } [3 178 ])6677 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ فَرَج بْن فَضَالَة , عَنْ لُقْمَان , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ , وَمَا مِنْ كَافِر إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ . وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقنِي , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَيَقُول : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } )

وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ , وَفِيهِ أُنْزِلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6678 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن زِيَاد بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اُخْرُجُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخ لَكُمْ ! | فَصَلَّى بِنَا , فَكَبَّرَ أَرْبَع تَكْبِيرَات , فَقَالَ : | هَذَا النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة | , فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : اُنْظُرُوا هَذَا يُصَلِّي عَلَى عِلْج نَصْرَانِيّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } )6679 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ ! | قَالُوا : نُصَلِّي عَلَى رَجُل لَيْسَ بِمُسْلِمٍ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } )قَالَ قَتَادَة : فَقَالُوا : فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه } [2 115 ])* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَفِي نَاس مِنْ أَصْحَابه آمَنُوا بِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقُوا بِهِ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا (أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَغْفَرَ لِلنَّجَاشِيِّ , وَصَلَّى عَلَيْهِ حِين بَلَغَهُ مَوْته , قَالَ لِأَصْحَابِهِ : | صَلُّوا عَلَى أَخ لَكُمْ قَدْ مَاتَ بِغَيْرِ بِلَادكُمْ ! | فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَهْل النِّفَاق : يُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ لَيْسَ مِنْ أَهْل دِينه ! فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } ))* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْم النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة . )6680 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّزَّاق , وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : (اِسْم النَّجَاشِيّ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة . )6681 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (لَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ , طَعَنَ فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6682 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (نَزَلَتْ - يَعْنِي هَذِهِ الْآيَة - فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ مَعَهُ . )6683 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَؤُلَاءِ يَهُود . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6684 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ } مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَهُمْ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } أَهْل الْكِتَاب جَمِيعًا , فَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ النَّصَارَى دُون الْيَهُود , وَلَا الْيَهُود دُون النَّصَارَى , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ , وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى , مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَيْت عَنْ جَابِر وَغَيْره أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه ؟ قِيلَ : ذَلِكَ خَبَر فِي إِسْنَاده نَظَر , وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا شَكّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْآيَة بِخِلَافٍ , وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالُوا : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ , وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة فِي الشَّيْء ثُمَّ يُعَمّ بِهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ . فَالْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ , فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْحُكْم الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلنَّجَاشِيِّ حُكْمًا لِجَمِيع عِبَاده الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ النَّجَاشِيّ فِي اِتِّبَاعهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْ اِتِّبَاع أَمْر اللَّه فِيمَا أَمَرَ بِهِ عِبَاده فِي الْكِتَابَيْنِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ , فَيُقِرّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , يَقُول : وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ كِتَابه وَوَحْيه , عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ , يَعْنِي : وَمَا أُنْزِلَ عَلَى أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْكُتُب , وَذَلِكَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور , خَاشِعِينَ لِلَّهِ , يَعْنِي : خَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , مُسْتَكِينِينَ لَهُ بِهَا مُتَذَلِّلِينَ . كَمَا : 6685 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { خَاشِعِينَ لِلَّهِ } قَالَ : الْخَاشِع : الْمُتَذَلِّل لِلَّهِ الْخَائِف . )وَنُصِبَ قَوْله : { خَاشِعِينَ لِلَّهِ } عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله : { لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } وَهُوَ حَال مِمَّا فِي | يُؤْمِن | مِنْ ذِكْر | مَنْ | . { لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا يُحَرِّفُونَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبه مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُبَدِّلُونَهُ , وَلَا غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَحُجَجه فِيهِ , لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا خَسِيس , يُعْطَوْنَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّبْدِيل , وَابْتِغَاء الرِّيَاسَة عَلَى الْجُهَّال , وَلَكِنْ يَنْقَادُونَ لِلْحَقِّ , فَيَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , فِيمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبه , وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ فِيهَا , وَيُؤْثِرُونَ أَمْر اللَّه تَعَالَى عَلَى هَوَى أَنْفُسهمْ .|أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ , لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ ; يَعْنِي : لَهُمْ عِوَض أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا , وَثَوَاب طَاعَتهمْ رَبّهمْ فِيمَا أَطَاعُوهُ فِيهِ عِنْد رَبّهمْ , يَعْنِي : مَذْخُور ذَلِكَ لَهُمْ لَدَيْهِ , حَتَّى يَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْقِيَامَة , فَيُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } وَسُرْعَة حِسَابه تَعَالَى ذِكْره , أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهَا , وَبَعْد مَا عَمِلُوهَا , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى إِحْصَاء عَدَد ذَلِكَ , فَيَقَع فِي الْإِحْصَاء إِبْطَاء , فَلِذَلِكَ قَالَ : { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب }

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا الْكُفَّار وَرَابِطُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6686 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول فِي قَوْل اللَّه : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى دِينهمْ , وَلَا يَدْعُوهُ لِشِدَّةٍ وَلَا رَخَاء , وَلَا سَرَّاء وَلَا ضَرَّاء , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَابِرُوا الْكُفَّار , وَأَنْ يُرَابِطُوا الْمُشْرِكِينَ . )6687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } أَيْ اِصْبِرُوا عَلَى طَاعَة اللَّه , وَصَابِرُوا أَهْل الضَّلَالَة , وَرَابِطُوا فِي سَبِيل اللَّه , { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يَقُول : صَابِرُوا الْمُشْرِكِينَ , وَرَابِطُوا فِي سَبِيل اللَّه . )6688 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { اِصْبِرُوا } عَلَى الطَّاعَة , { وَصَابِرُوا } أَعْدَاء اللَّه , { وَرَابِطُوا } فِي سَبِيل اللَّه . )6689 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : اِصْبِرُوا عَلَى مَا أُمِرْتُمْ بِهِ , وَصَابِرُوا الْعَدُوّ وَرَابِطُوهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا وَعْدِي إِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتكُمْ لِي , وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , (أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يَقُول : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا الْوَعْد الَّذِي وَعَدْتُكُمْ , وَرَابِطُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ , حَتَّى يَتْرُك دِينه لِدِينِكُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى الْجِهَاد , وَصَابِرُوا عَدُوّكُمْ وَرَابِطُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6691 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله : ( { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : اِصْبِرُوا عَلَى الْجِهَاد , وَصَابِرُوا عَدُوّكُمْ , وَرَابِطُوا عَلَى عَدُوّكُمْ . )6692 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه الْمُرِّيّ , قَالَ : ثنا مَالِك بْن أَنَس , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , قَالَ : (كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرَ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّوم وَمَا يَتَخَوَّف مِنْهُمْ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَر : أَمَّا بَعْد , فَإِنَّهُ مَهْمَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِن مَنْزِلَة شِدَّة يَجْعَل اللَّه بَعْدهَا فَرَجًا , وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِب عُسْر يُسْرَيْنِ , وَإِنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى : { وَرَابِطُوا } أَيْ رَابِطُوا عَلَى الصَّلَوَات : أَيْ اِنْتَظِرُوهَا وَاحِدَة بَعْد وَاحِدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6693 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مُصْعَب بْن ثَابِت بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : ثني دَاوُد بْن صَالِح , قَالَ : (قَالَ لِي أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن : يَا اِبْن أَخِي هَلْ تَدْرِي فِي أَيّ شَيْء نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } ؟ قَالَ : قُلْت لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَا اِبْن أَخِي لَمْ يَكُنْ فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْو يُرَابَط فِيهِ , وَلَكِنَّهُ اِنْتِظَار الصَّلَاة خَلْف الصَّلَاة . )6694 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ جَدّه , عَنْ شُرَحْبِيل عَنْ عَلِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّر اللَّه بِهِ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا ؟ إِسْبَاغ الْوُضُوء عَلَى الْمَكَارِه , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكَ الرِّبَاط . )6695 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُهَاجِر , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن زَيْد , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ شُرَحْبِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّه بِهِ الْخَطَايَا وَيُكَفِّر بِهِ الذُّنُوب ؟ | قَالَ : قُلْنَا بَلَى يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : | إِسْبَاغ الْوُضُوء فِي أَمَاكِنهَا , وَكَثْرَة الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكُمْ الرِّبَاط . )6696 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَحُطّ اللَّه بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَع بِهِ الدَّرَجَات ؟ | قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : | إِسْبَاغ الْوُضُوء عِنْد الْمَكَارِه , وَكَثْرَة الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَطَاعَة رَبّكُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَمْ يَخْصُصْ مِنْ مَعَانِي الصَّبْر عَلَى الدِّين وَالطَّاعَة شَيْئًا فَيَجُوز إِخْرَاجه مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل . فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { اِصْبِرُوا } الْأَمْر بِالصَّبْرِ عَلَى جَمِيع مَعَانِي طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , صَعْبهَا وَشَدِيدهَا , وَسَهْلهَا وَخَفِيفهَا . { وَصَابِرُوا } يَعْنِي : وَصَابِرُوا أَعْدَاءَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي الْمُفَاعَلَة , أَنْ تَكُون مِنْ فَرِيقَيْنِ , أَوْ اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا , وَلَا تَكُون مِنْ وَاحِد إِلَّا قَلِيلًا فِي أَحْرُف مَعْدُودَة , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُصَابِرُوا غَيْرهمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ , حَتَّى يُظْفِرهُمْ اللَّه بِهِمْ , وَيُعْلِي كَلِمَته , وَيُخْزِي أَعْدَاءَهُمْ , وَأَنْ لَا يَكُنْ عَدُوّهُمْ أَصْبَر مِنْهُمْ . وَكَذَلِكَ قَوْله { وَرَابِطُوا } مَعْنَاهُ : وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاء دِينكُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك فِي سَبِيل اللَّه . وَأَرَى أَنَّ أَصْل الرِّبَاط : اِرْتِبَاط الْخَيْل لِلْعَدُوِّ , كَمَا اِرْتَبَطَ عَدُوّهُمْ لَهُمْ خَيْلهمْ , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مُقِيم فِي ثُغْر , يَدْفَع عَمَّنْ وَرَاءَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ بِسُوءٍ , وَيَحْمِي عَنْهُمْ مَنْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , مِمَّنْ بَغَاهُمْ بِشَرٍّ كَانَ ذَا خَيْل قَدْ اِرْتَبَطَهَا , أَوْ ذَا رِجْلَة لَا مَرْكَب لَهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى { وَرَابِطُوا } وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاء دِينكُمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوف مِنْ مَعَانِي الرِّبَاط . وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ الْكَلَام إِلَى الْأَغْلَب الْمَعْرُوف فِي اِسْتِعْمَال النَّاس مِنْ مَعَانِيه دُون الْخَفِيّ , حَتَّى يَأْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يُوجِب صَرْفه إِلَى الْخَفِيّ مِنْ مَعَانِيه حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا مِنْ كِتَاب أَوْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ إِجْمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل .|وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاحْذَرُوهُ أَنْ تُخَالِفُوا أَمْره , أَوْ تَتَقَدَّمُوا نَهْيه , { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : لِتُفْلِحُوا فَتَبْقَوْا فِي نَعِيم الْأَبَد , وَتَنْجَحُوا فِي طِلْبَاتكُمْ عِنْده . كَمَا : 6697 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : ( { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَاتَّقُوا اللَّه فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غَدًا إِذَا لَقِيتُمُونِي . )آخِر تَفْسِير سُورَة آل عِمْرَان .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس