islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
13313

22-الحج

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ

{ إذْ رَأَى نَارًا } ؟ ذُكرَ أَنَّ ذَلكَ كَانَ في الشّتَاء لَيْلًا , وَأَنَّ مُوسَى كَانَ أَضَلَّ الطَّريق ; فَلَمَّا رَأَى ضَوْء النَّار { قَالَ لأَهْله } مَا قَالَ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18101 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , عَنْ أَبي مَالك , وَعَنْ أَبي صَالح , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل , سَارَ بأَهْله فَضَلَّ الطَّريق . قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : كَانَ في الشّتَاء , وَرُفعَتْ لَهُمْ نَار ; فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّ أَنَّهَا نَار , وَكَانَتْ منْ نُور اللَّه { قَالَ لأَهْله اُمْكُثُوا إنّي آنَسْت نَارًا } . )18102 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه الْيَمَانيّ , قَالَ : (لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل , خَرَجَ وَمَعَهُ غَنَم لَهُ , وَمَعَهُ زَنْد لَهُ , وَعَصَاهُ في يَده يَهَشّ بهَا عَلَى غَنَمه نَهَارًا , فَإذَا أَمْسَى اقْتَدَحَ بزَنْده نَارًا , فَبَاتَ عَلَيْهَا هُوَ وَأَهْله وَغَنَمه , فَإذَا أَصْبَحَ غَدَا بأَهْله وَبغَنَمه , فَتَوَكَّأَ عَلَى عَصَاهُ , فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَة الَّتي أَرَادَ اللَّه بمُوسَى كَرَامَته , وَابْتدَاءَهُ فيهَا بنُبُوَّته وَكَلَامه , أَخْطَأَ فيه الطَّريق حَتَّى لَا يَدْري أَيْنَ يَتَوَجَّه , فَأَخْرَجَ زَنْده ليَقْتَدح نَارًا لأَهْله ليَبيتُوا عَلَيْهَا حَتَّى يُصْبح , وَيَعْلَم وَجْه سَبيله , فَأَصْلَدَ زَنْده فَلَا يُوري لَهُ نَارًا , فَقَدَحَ حَتَّى أَعْيَاهُ , لَاحَتْ النَّار فَرَآهَا , ف { قَالَ لأَهْله اُمْكُثُوا إنّي آنَسْت نَارًا لَعَلّي آتيكُمْ منْهَا بقَبَسٍ أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } . )وَعُنيَ بقَوْله : { آنَسْت نَارًا } وَجَدْت , وَمنْ أَمْثَال الْعَرَب : بَعْد اطّلَاع إينَاس , وَيُقَال أَيْضًا : بَعْد طُلُوع إينَاس , وَهُوَ مَأْخُوذ منْ الْأُنْس .|لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ|وَقَوْله : { لَعَلّي آتيكُمْ منْهَا بقَبَسٍ } يَقُول : لَعَلّي أَجيئكُمْ منْ النَّار الَّتي آنَسْت بشُعْلَةٍ . وَالْقَبَس : هُوَ النَّار في طَرَف الْعُود أَوْ الْقَصَبَة . يَقُول الْقَائل لصَاحبه : أَقْبسني نَارًا , فَيُعْطيه إيَّاهَا في طَرَف عُود أَوْ قَصَبَة . وَإنَّمَا أَرَادَ مُوسَى بقَوْله لأَهْله : { لَعَلّي آتيكُمْ منْهَا بقَبَسٍ } لَعَلّي آتيكُمْ بذَلكَ لتَصْطَلُوا به , كَمَا : 18103 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه ( { لَعَلّي آتيكُمْ منْهَا بقَبَسٍ } قَالَ : بقَبَسٍ تَصْطَلُونَ .)|أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى|وَقَوْله : { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } دَلَالَة تَدُلّ عَلَى الطَّريق الَّذي أَضْلَلْنَاهُ , إمَّا منْ خَبَر هَادٍ يَهْدينَا إلَيْه , وَإمَّا منْ بَيَان وَعلْم نَتَبَيَّنهُ به وَنَعْرفهُ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18104 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } يَقُول : مَنْ يَدُلّ عَلَى الطَّريق . )18105 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْل اللَّه : ( { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } قَالَ : هَاديًا يَهْديه الطَّريق . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18106 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } أَيْ هُدَاة يَهْدُونَهُ الطَّريق . )18107 - حَدَّثَني أَحْمَد بْن الْمقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمر , قَالَ : سَمعْت أَبي يُحَدّث , عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَاحب لَهُ , عَنْ حَديث ابْن عَبَّاس , (أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهَا أَيْلَة { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } . وَقَالَ أَبي : وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهُ هُدَى الطَّريق . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله ( { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } قَالَ : مَنْ يَهْديني إلَى الطَّريق . )18108 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه ( { أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } قَالَ : هُدًى عَنْ علْم الطَّريق الَّذي أَضْلَلْنَا بنَعْتٍ منْ خَبَر . )18109 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبي سَعيد , عَنْ عكْرمَة , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس ( { لَعَلّي آتيكُمْ منْهَا بقَبَسٍ أَوْ أَجد عَلَى النَّار هُدًى } قَالَ : كَانُوا أَضَلُّوا عَنْ الطَّريق , فَقَالَ : لَعَلّي أَجد مَنْ يَدُلّني عَلَى الطَّريق , أَوْ آتيكُمْ بقَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ .)

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُوديَ يَا مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَلَمَّا أَتَى النَّار مُوسَى , نَادَاهُ رَبّه : { يَا مُوسَى إنّي رَبّك فَاخْلَعْ نَعْلَيْك } كَمَا : 18110 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (خَرَجَ مُوسَى نَحْوهَا , يَعْني نَحْو النَّار , فَإذَا هيَ في شَجَر منْ الْعَليق , وَبَعْض أَهْل الْكتَاب يَقُول في عَوْسَجَة ; فَلَمَّا دَنَا اسْتَأْخَرْت عَنْهُ ; فَلَمَّا رَأَى اسْتئْخَارهَا رَجَعَ عَنْهَا , وَأَوْجَسَ في نَفْسه منْهَا خيفَة ; فَلَمَّا أَرَادَ الرَّجْعَة , دَنَتْ منْهُ ثُمَّ كُلّمَ منْ الشَّجَرَة , فَلَمَّا سَمعَ الصَّوْت اسْتَأْنَسَ , وَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا مُوسَى اخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } فَخَلَعَهَا فَأَلْقَاهَا .)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ

وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعلْم في السَّبَب الَّذي منْ أَجْله أَمَرَ اللَّه مُوسَى بخَلْع نَعْلَيْه , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَرَهُ بذَلكَ , لأَنَّهُمَا كَانَتَا منْ جلْد حمَار مَيّت , فَكَرهَ أَنْ يَطَأ بهمَا الْوَادي الْمُقَدَّس , وَأَرَادَ أَنْ يَمَسّهُ منْ بَرَكَة الْوَادي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18111 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصم , عَنْ أَبي قلَابَةَ , عَنْ كَعْب , (أَنَّهُ رَآهُمْ يَخْلَعُونَ نعَالهمْ { اخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } فَقَالَ : كَانَتْ منْ جلْد حمَار مَيّت , فَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَمَسّهُ الْقُدُس . )18112 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزيد , عَنْ عكْرمَة , في قَوْله ( { فَاخْلَعْ نَعْلَيْك } قَالَ : كَانَتَا منْ جلْد حمَار مَيّت . )18113 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعْد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (حَدَّثَنَا , أَنَّ نَعْلَيْه كَانَتَا منْ جلْد حمَار , فَخَلَعَهُمَا ثُمَّ أَتَاهُ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله ( { فَاخْلَعْ نَعْلَيْك } قَالَ : كَانَتَا منْ جلْد حمَار , فَقيلَ لَهُ اخْلَعْهُمَا . )18114 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج . قَالَ : وَأَخْبَرَني عُمَر بْن عَطَاء عَنْ عكْرمَة وَأَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ جَابر الْجُعْفيّ , عَنْ عَليّ بْن أَبي طَالب ( { فَاخْلَعْ نَعْلَيْك } قَالَ : كَانَتَا منْ جلْد حمَار , فَقيلَ لَهُ اخْلَعْهُمَا . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة مثْل ذَلكَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتَا منْ جلْد بَقَر , وَلَكنَّ اللَّه أَرَادَ أَنْ يَطَأ مُوسَى الْأَرْض بقَدَمَيْه , ليَصل إلَيْه بَرَكَتهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18115 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ الْحَسَن : (كَانَتَا , يَعْني نَعْلَيْ مُوسَى , منْ بَقَر , وَلَكنْ إنَّمَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُبَاشر بقَدَمَيْه بَرَكَة الْأَرْض , وَكَانَ قَدْ قُدّسَ مَرَّتَيْن . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقيلَ لمُجَاهدٍ : زَعَمُوا أَنَّ نَعْلَيْه كَانَتَا منْ جلْد حمَار أَوْ مَيْتَة , قَالَ : لَا , وَلَكنَّهُ أُمرَ أَنْ يُبَاشر بقَدَمَيْه بَرَكَة الْأَرْض . )18116 - حَدَّثَني يَعْقُوب , قَالَ : قَالَ أَبُو بشْر , يَعْني ابْن عُلَيَّة , سَمعْت ابْن أَبي نَجيح , يَقُول في قَوْله : ( { فَاخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } قَالَ : يَقُول : أَفضْ بقَدَمَيْك إلَى بَرَكَة الْوَادي . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْن في ذَلكَ بالصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ : أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى ذكْره بخَلْع نَعْلَيْه ليُبَاشر بقَدَمَيْه بَرَكَة الْوَادي , إذْ كَانَ وَاديًا مُقَدَّسًا . وَإنَّمَا قُلْنَا ذَلكَ أَوْلَى التَّأْويلَيْن بالصَّوَاب , لأَنَّهُ لَا دَلَالَة في ظَاهر التَّنْزيل عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بخَلْعهمَا منْ أَجْل أَنَّهُمَا منْ جلْد حمَار وَلَا لنَجَاسَتهمَا , وَلَا خَبَر بذَلكَ عَمَّنْ يُلْزَم بقَوْله الْحُجَّة , وَإنَّ في قَوْله { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس } بعَقبه دَليلًا وَاضحًا , عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بخَلْعهمَا لمَا ذَكَرْنَا . وَلَوْ كَانَ الْخَبَر الَّذي : 18117 - حَدَّثَنَا به بشْر قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَليفَة عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارث , عَنْ ابْن مَسْعُود , عَنْ نَبيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ , قَالَ : ( يَوْم كَلَّمَ اللَّه مُوسَى , كَانَتْ عَلَيْه جُبَّة صُوف وَكسَاء صُوف , وَسَرَاويل صُوف , وَنَعْلَان منْ جلْد حمَار غَيْر مُذَكًّى | )صَحيحًا لَمْ نُعدْهُ إلَى غَيْره , وَلَكنْ في إسْنَاده نَظَر يَجب التَّثَبُّت فيه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله : { إنّي أَنَا رَبّك } فَقَرَأَ ذَلكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة : | نُوديَ يَا مُوسَى أَنّي | بفَتْح الْأَلف منْ | أَنّي | , فَأَنَّ عَلَى قرَاءَتهمْ في مَوْضع رَفْع بقَوْله : نُوديَ , فَإنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عنْدهمْ : نُوديَ هَذَا الْقَوْل . وَقَرَأَهُ بَعْض عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْكُوفَة بالْكَسْر : { نُوديَ يَا مُوسَى إنّي } عَلَى الابْتدَاء , وَأَنَّ مَعْنَى ذَلكَ قيلَ : يَا مُوسَى إنّي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْكَسْر أَوْلَى الْقرَاءَتَيْن عنْدنَا بالصَّوَاب , وَذَلكَ أَنَّ النّدَاء قَدْ حَالَ بَيْنه وَبَيْن الْعَمَل في أَنَّ قَوْله | يَا مُوسَى | , وَحَظّ قَوْله | نُوديَ | أَنْ يَعْمَل في أَنْ لَوْ كَانَتْ قَبْل قَوْله | يَا مُوسَى | , وَذَلكَ أَنْ يُقَال : نُوديَ أَنْ يَا مُوسَى إنّي أَنَا رَبّك , وَلَا حَظَّ لَهَا في | إنَّ | الَّتي بَعْد مُوسَى .|إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى|وَأَمَّا قَوْله : { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس } فَإنَّهُ يَقُول : إنَّك بالْوَادي الْمُطَهَّر الْمُبَارَك , كَمَا : 18118 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس } يَقُول : الْمُبَارَك . )18119 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهد , قَوْله ( { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } قَالَ : قُدّسَ بُوركَ مَرَّتَيْن . )18120 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , قَوْله : ( { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } قَالَ : بالْوَادي الْمُبَارَك . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { طُوًى } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إنَّك بالْوَادي الْمُقَدَّس طَوَيْته , فَعَلَى هَذَا الْقَوْل منْ قَوْلهمْ طَوَى مَصْدَر خَرَجَ منْ غَيْر لَفْظه , كَأَنَّهُ قَالَ : طَوَيْت الْوَادي الْمُقَدَّس طُوًى . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18121 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَوْله : ( { إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } يَعْني الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَذَلكَ أَنَّهُ مَرَّ بوَاديهَا لَيْلًا فَطَوَاهُ , يُقَال : طَوَيْت وَادي كَذَا وَكَذَا طُوًى منْ اللَّيْل , وَارْتَفَعَ إلَى أَعْلَى الْوَادي , وَذَلكَ نَبيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : مَرَّتَيْن , وَقَالَ : نَادَاهُ رَبّه مَرَّتَيْن ; فَعَلَى قَوْل هَؤُلَاء طَوَى مَصْدَر أَيْضًا منْ غَيْر لَفْظه , وَذَلكَ أَنَّ مَعْنَاهُ عنْدهمْ : نُوديَ يَا مُوسَى مَرَّتَيْن ندَاءَيْن . وَكَانَ بَعْضهمْ يَنْشُد شَاهدًا لقَوْله طُوًى , أَنَّهُ بمَعْنَى مَرَّتَيْن , قَوْل عَديّ بْن زَيْد الْعَبَّاديّ : <br>أَعَاذل إنَّ اللَّوْم في غَيْر كُنْهه .......... عَلَيَّ طُوًى منْ غَيّك الْمُتَرَدّد <br>وَرَوَى ذَلكَ آخَرُونَ : | عَلَيَّ ثنًى | : أَيْ مَرَّة بَعْد أُخْرَى , وَقَالُوا : طُوًى وَثنًى بمَعْنًى وَاحد . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18122 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , ( { فَاخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } كُنَّا نُحَدّث أَنَّهُ وَادٍ قُدّسَ مَرَّتَيْن , وَأَنَّ اسْمه طُوًى . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : إنَّهُ قُدّسَ طُوًى مَرَّتَيْن . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18123 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ الْحَسَن : (كَانَ قَدْ قُدّسَ مَرَّتَيْن . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ طُوًى : اسْم الْوَادي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18124 - حَدَّثَني عَليّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { طُوًى } : اسْم للْوَادي . )18125 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد : (طُوًى : قَالَ : اسْم الْوَادي . )18126 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله ( { بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } قَالَ : ذَاكَ الْوَادي هُوَ طُوًى , حَيْثُ كَانَ مُوسَى , وَحَيْثُ كَانَ إلَيْه منْ اللَّه مَا كَانَ . قَالَ : وَهُوَ نَحْو الطُّور . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ أَمْر منْ اللَّه لمُوسَى أَنْ يَطَأ الْوَادي بقَدَمَيْه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18127 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسيّ , قَالَ : ثنا صَالح بْن إسْحَاق , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( { اخْلَعْ نَعْلَيْك إنَّك بالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى } قَالَ : طَأْ الْوَادي . )18128 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا الْحَسَن , عَنْ يَزيد , عَنْ عكْرمَة , في قَوْله : ( { طُوًى } قَالَ : طَأْ الْوَادي . )18129 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , في قَوْل اللَّه ( { طُوًى } قَالَ : طَأْ الْأَرْض حَافيًا , كَمَا تَدْخُل الْكَعْبَة حَافيًا , يَقُول : منْ بَرَكَة الْوَادي . )18130 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { طُوًى } طَأْ الْأَرْض حَافيًا . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدينَة : | طُوَى | بضَمّ الطَّاء وَتَرْك التَّنْوين , كَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ اسْم الْأَرْض الَّتي بهَا الْوَادي , كَمَا قَالَ الشَّاعر : <br>نَصَرُوا نَبيّهمْ وَشَدُّوا أَزْره .......... بحُنَيْنَ حين تَوَاكُل الْأَبْطَال <br>فَلَمْ يَجُرّ حُنَيْن , لأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا للْبَلْدَة لَا للْوَادي , وَلَوْ كَانَ جَعَلَهُ اسْمًا للْوَادي لَأَجْرَاهُ كَمَا قَرَأَتْ الْقُرَّاء : { وَيَوْم حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ } [9 25 ]وَكَمَا قَالَ الْآخَر : <br>أَلَسْنَا أَكْرَم الثَّقَلَيْن رَحْلًا .......... وَأَعْظَمهمْ ببَطْن حرَاء نَارَا <br>فَلَمْ يَجُرّ حرَاء , وَهُوَ جَبَل , لأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا للْبَلْدَة , فَكَذَلكَ | طُوًى | في قرَاءَة مَنْ لَمْ يَجُرّهُ جَعَلَهُ اسْمًا للْأَرْض . وَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { طُوًى } بضَمّ الطَّاء وَالتَّنْوين ; وَقَارئُو ذَلكَ كَذَلكَ مُخْتَلفُونَ في مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْت منْ اخْتلَاف أَهْل التَّأْويل ; فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ به الْمَصْدَر منْ طَوَيْت , فَلَا مُؤْنَة في تَنْوينه , وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلهُ اسْمًا للْوَادي , فَإنَّهُ إنَّمَا يُنَوّنهُ لأَنَّهُ اسْم ذَكَر لَا مُؤَنَّث , وَأَنَّ لَامَ الْفعْل منْهُ يَاء , فَزَادَهُ ذَلكَ خفَّة فَأَجْرَاهُ كَمَا قَالَ اللَّه : { وَيَوْم حُنَيْنٍ } إذْ كَانَ حُنَيْن اسْم وَادٍ , وَالْوَادي مُذَكَّر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْن عنْدي بالصَّوَاب قرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بضَمّ الطَّاء وَالتَّنْوين , لأَنَّهُ إنْ يَكُنْ اسْمًا للْوَادي فَحَظّه التَّنْوين لمَا ذُكرَ قَبْل منْ الْعلَّة لمَنْ قَالَ ذَلكَ , وَإنْ كَانَ مَصْدَرًا أَوْ مُفَسَّرًا , فَكَذَلكَ أَيْضًا حُكْمه التَّنْوين , وَهُوَ عنْدي اسْم الْوَادي . وَإذْ كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَهُوَ في مَوْضع خَفْض رَدًّا عَلَى الْوَادي .

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنَا اخْتَرْتُك فَاسْتَمعْ لمَا يُوحَى } </subtitle>اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء الَّذينَ قَرَءُوا : | وَأَنَّا | بتَشْديد النُّون , و { أَنَّا } بفَتْح الْأَلف منْ | أَنَّا | رَدًّا عَلَى : نُوديَ يَا مُوسَى , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عنْدهمْ : نُوديَ يَا مُوسَى إنّي أَنَّا رَبّك , وَأَنَّا اخْتَرْتُك , وَبهَذه الْقرَاءَة قَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة . وَأَمَّا عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة فَقَرَءُوهُ : { وَأَنَا اخْتَرْتُك } بتَخْفيف النُّون عَلَى وَجْه الْخَبَر منْ اللَّه عَنْ نَفْسه أَنَّهُ اخْتَارَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدي أَنْ يُقَال : إنَّهُمَا قرَاءَتَان قَدْ قَرَأَ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا قُرَّاء أَهْل الْعلْم بالْقُرْآن , مَعَ اتّفَاق مَعْنَيَيْهمَا . فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب فيه . وَتَأْويل الْكَلَام : نُوديَ أَنَّا اخْتَرْنَاك . فَاجْتَبَيْنَاك لرسَالَتنَا إلَى مَنْ نُرْسلك إلَيْه { فَاسْتَمعْ إلَى مَا يُوحَى } يَقُول : فَاسْتَمعْ لوَحْينَا الَّذي نُوحيه إلَيْك وَعه , وَاعْمَلْ به .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى

{ إنَّني أَنَا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّني أَنَا الْمَعْبُود الَّذي لَا تَصْلُح الْعبَادَة إلَّا لَهُ , لَا إلَه إلَّا أَنَا فَلَا تَعْبُد غَيْري , فَإنَّهُ لَا مَعْبُود تَجُوز أَوْ تَصْلُح لَهُ الْعبَادَة سوَايَ { فَاعْبُدْني } يَقُول : فَأَخْلصْ الْعبَادَة لي دُون كُلّ مَا عُبدَ منْ دُوني { وَأَقمْ الصَّلَاة لذكْري } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل ذَلكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلكَ : أَقمْ الصَّلَاة لي فَإنَّك إذَا أَقَمْتهَا ذَكَرْتني . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18131 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَميعًا , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : ( { أَقمْ الصَّلَاة لذكْري } قَالَ : إذَا صَلَّى ذَكَرَ رَبّه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَوْله ( { وَأَقمْ الصَّلَاة لذكْري } قَالَ : إذَا ذَكَرَ عَبْد رَبّه . )قَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : وَأَقمْ الصَّلَاة حين تَذْكُرهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18132 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغيرَة , عَنْ إبْرَاهيم في قَوْله : ( { وَأَقمْ الصَّلَاة لذكْري } قَالَ : يُصَلّيهَا حين يَذْكُرهَا . )18133 - حَدَّثَني أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني يُونُس وَمَالك بْن شهَاب , قَالَ : أَخْبَرَني سَعيد بْن الْمُسَيَّب , عَنْ أَبي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نَسيَ صَلَاة فَلْيُصَلّهَا إذَا ذَكَرَهَا , قَالَ اللَّه : { أَقمْ الصَّلَاة لذَكَرَيَّ } | . وَكَانَ الزُّهْريّ يَقْرَؤُهَا : { أَقُمْ الصَّلَاة لذكْرَى } بمَنْزلَة فعْلَى . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْويلَيْن في ذَلكَ بالصَّوَاب تَأْويل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَقمْ الصَّلَاة لتَذْكُرني فيهَا , لأَنَّ ذَلكَ أَظْهَر مَعْنَيَيْه ; وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : حين تَذْكُرهَا , لَكَانَ التَّنْزيل : أَقمْ الصَّلَاة لذكْركَهَا . وَفي قَوْله : { لذكْري } دَلَالَة بَيّنَة عَلَى صحَّة مَا قَالَ مُجَاهد في تَأْويل ذَلكَ ; وَلَوْ كَانَتْ الْقرَاءَة الَّتي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الزُّهْريّ قرَاءَة مُسْتَفيضَة في قرَاءَة الْأَمْصَار , كَانَ صَحيحًا تَأْويل مَنْ تَأَوَّلَهُ بمَعْنَى : أَقمْ الصَّلَاة حين تَذْكُرهَا , وَذَلكَ أَنَّ الزُّهْريّ وَجَّهَ بقرَاءَته { أَقمْ الصَّلَاة لذكْرَى } بالْأَلف لَا بالْإضَافَة , إلَى أَقمْ لذكْرَاهَا , لأَنَّ الْهَاء وَالْأَلف حُذفَتَا , وَهُمَا مُرَادَتَان في الْكَلَام ليُوَفّق بَيْنهَا وَبَيْن سَائر رُءُوس الْآيَات , إذْ كَانَتْ بالْأَلف وَالْفَتْح . وَلَوْ قَالَ قَائل في قرَاءَة الزُّهْريّ هَذه الَّتي ذَكَرْنَا عَنْهُ , إنَّمَا قَصَدَ الزُّهْريّ بفَتْحهَا تَصْييره الْإضَافَة أَلفًا للتَّوْفيق بَيْنه وَبَيْن رُءُوس الْآيَات قَبْله وَبَعْده , لأَنَّهُ خَالَفَ بقرَاءَته ذَلكَ كَذَلكَ مَنْ قَرَأَهُ بالْإضَافَة , وَقَالَ : إنَّمَا ذَلكَ كَقَوْل الشَّاعر : <br>أُطَوّف مَا أُطَوّف ثُمَّ آوي .......... إلَى أُمَّا وَيَرْويني النَّقيع <br>وَهُوَ يُريد : إلَى أُمّي , وَكَقَوْل الْعَرَب : يَا أَبَا وَأُمَّا , وَهيَ تُريد : يَا أَبي وَأُمّي , كَانَ لَهُ بذَلكَ مَقَال .

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ السَّاعَة آتيَة أَكَاد أُخْفيهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّ السَّاعَة الَّتي يَبْعَث اللَّه فيهَا الْخَلَائق منْ قُبُورهمْ لَمَوْقف الْقيَامَة جَائيَة { أَكَاد أُخْفيهَا } فَعَلَى ضَمّ الْأَلف منْ أُخْفيهَا قرَاءَة جَميع قُرَّاء أَمْصَار الْإسْلَام , بمَعْنَى : أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي , لئَلَّا يَطَّلع عَلَيْهَا أَحَد , وَبذَلكَ جَاءَ تَأْويل أَكْثَر أَهْل الْعلْم . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18134 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَكَاد أُخْفيهَا } يَقُول : لَا أُظْهر عَلَيْهَا أَحَدًا غَيْري . )18135 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إنَّ السَّاعَة آتيَة أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : لَا تَأْتيكُمْ إلَّا بَغْتَة . )18136 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهد ( { إنَّ السَّاعَة آتيَة أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : منْ نَفْسي . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْل اللَّه : ( { أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : منْ نَفْسي . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرير , عَنْ عَطَاء بْن السَّائب , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس ( { أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : منْ نَفْسي . )18137 - حَدَّثَني عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصل , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطُّنَافسيّ , قَالَ : ثنا إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح , في قَوْله : ( { أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : يُخْفيهَا منْ نَفْسه . )18138 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَكَاد أُخْفيهَا } وَهيَ في بَعْض الْقرَاءَة : | أُخْفيهَا منْ نَفْسي | . وَلَعَمْري لَقَدْ أَخْفَاهَا اللَّه منْ الْمَلَائكَة الْمُقَرَّبينَ , وَمنْ الْأَنْبيَاء الْمُرْسَلينَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , (قَالَ : في بَعْض الْحُرُوف : | إنَّ السَّاعَة آتيَة أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي . )وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا هُوَ : | أَكَاد أَخْفيهَا | بفَتْح الْأَلف منْ أَخْفيهَا بمَعْنَى : أُظْهرهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18139 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَهْل , قَالَ : (سَأَلَني رَجُل في الْمَسْجد عَنْ هَذَا الْبَيْت . <br>دَابَ شَهْرَيْن ثُمَّ شَهْرًا دَميكَا .......... بأَريكَيْن يَخْفيَان غَميرَا <br>فَقُلْت : يُظْهرَان , فَقَالَ وَرْقَاء بْن إيَاس وَهُوَ خَلْفي : أَقْرَأَنيهَا سَعيد بْن جُبَيْر : | أَكَاد أُخْفيهَا | بنَصْب الْأَلف . )وَقَدْ رُويَ عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر وفَاق لقَوْل الْآخَرينَ الَّذينَ قَالُوا : مَعْنَاهُ : أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي . ذَكَرَ الرّوَايَة عَنْهُ بذَلكَ : 18140 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر وَمَنْصُور , عَنْ مُجَاهد , قَالَا ( { إنَّ السَّاعَة آتيَة أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَا : منْ نَفْسي . )* - حَدَّثَني عُبَيْد بْن إسْمَاعيل الْهَبَّاريّ , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء بْن السَّائب , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر ( { أَكَاد أُخْفيهَا } قَالَ : منْ نَفْسي . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بتَأْويل الْآيَة منْ الْقَوْل , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي , لأَنَّ تَأْويل أَهْل التَّأْويل بذَلكَ جَاءَ . وَاَلَّذي ذُكرَ عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر منْ قرَاءَة ذَلكَ بفَتْح الْأَلف قرَاءَة لَا أَسْتَجيزُ الْقرَاءَة بهَا لخلَافهَا قرَاءَة الْحُجَّة الَّتي لَا يَجُوز خلَافهَا فيمَا جَاءَتْ به نَقْلًا مُسْتَفيضًا . فَإنْ قَالَ قَائل : وَلمَ وَجَّهْت تَأْويل قَوْله { أَكَاد أُخْفيهَا } بضَمّ الْأَلف إلَى مَعْنَى : أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي , دُون تَوْجيهه إلَى مَعْنَى : أَكَاد أُظْهرهَا , وَقَدْ عَلمْت أَنَّ للْإخْفَاء في كَلَام الْعَرَب وَجْهَيْن : أَحَدهمَا الْإظْهَار , وَالْآخَر الْكتْمَان ; وَأَنَّ الْإظْهَار في هَذَا الْمَوْضع أَشْبَه بمَعْنَى الْكَلَام , إذْ كَانَ الْإخْفَاء منْ نَفْسه يَكَاد عنْد السَّامعينَ أَنْ يَسْتَحيل مَعْنَاهُ , إذْ كَانَ مُحَالًا أَنْ يُخْفي أَحَد عَنْ نَفْسه شَيْئًا هُوَ به عَالم , وَاَللَّه تَعَالَى ذكْره لَا يَخْفَى عَلَيْه خَافيَة ؟ قيلَ : الْأَمْر في ذَلكَ بخلَاف مَا ظَنَنْت , وَإنَّمَا وَجَّهْنَا مَعْنَى { أُخْفيهَا } بضَمّ الْأَلف إلَى مَعْنَى : أَسْتُرهَا منْ نَفْسي , لأَنَّ الْمَعْرُوف منْ مَعْنَى الْإخْفَاء في كَلَام الْعَرَب : السّتْر . يُقَال : قَدْ أَخْفَيْت الشَّيْء : إذَا سَتَرْته . وَأَنَّ الَّذينَ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إلَى الْإظْهَار , اعْتَمَدُوا عَلَى بَيْت لامْرئ الْقَيْس بْن عَابس الْكنْديّ . 18141 - حُدّثْت عَنْ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : (أَنْشَدَنيه أَبُو الْخَطَّاب , عَنْ أَهْله في بَلَده : <br>فَإنْ تَدْفنُوا الدَّاء لَا نُخْفه .......... وَإنْ تَبْعَثُوا الْحَرْب لَا نَقْعُد <br>)بضَمّ النُّون منْ لَا نُخْفه , وَمَعْنَاهُ : لَا نُظْهرهُ , فَكَانَ اعْتمَادهمْ في تَوْجيه الْإخْفَاء في هَذَا الْمَوْضع إلَى الْإظْهَار عَلَى مَا ذَكَرُوا منْ سَمَاعهمْ هَذَا الْبَيْت , عَلَى مَا وَصَفْت منْ ضَمّ النُّون منْ نُخْفه . وَقَدْ أَنْشَدَني الثّقَة عَنْ الْفَرَّاء : <br>فَإنْ تَدْفنُوا الدَّاء لَا نَخْفه <br>بفَتْح النُّون منْ نَخْفه , منْ خَفَيْته أَخْفيه , وَهُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب لأَنَّهُ الْمَعْرُوف منْ كَلَام الْعَرَب . فَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ . وَكَانَ الْفَتْح في الْأَلف منْ أَخْفيهَا غَيْر جَائز عنْدنَا لمَا ذَكَرْنَا , ثَبَتَ وَصَحَّ الْوَجْه الْآخَر , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى ذَلكَ . أَكَاد أَسْتُرهَا منْ نَفْسي . وَأَمَّا وَجْه صحَّة الْقَوْل في ذَلكَ , فَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذكْره خَاطَبَ بالْقُرْآن الْعَرَب عَلَى مَا يَعْرفُونَهُ منْ كَلَامهمْ وَجَرَى به خطَابهمْ بَيْنهمْ , فَلَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا في كَلَامهمْ أَنْ يَقُول أَحَدهمْ إذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَة في الْخَبَر عَنْ إخْفَائه شَيْئًا هُوَ لَهُ مُسرّ : قَدْ كدْت أَنْ أُخْفي هَذَا الْأَمْر عَنْ نَفْسي منْ شدَّة اسْتسْرَاري به , وَلَوْ قَدَرْت أُخْفيه عَنْ نَفْسي أَخْفَيْته , خَاطَبَهُمْ عَلَى حَسَب مَا قَدْ جَرَى به اسْتعْمَالهمْ في ذَلكَ منْ الْكَلَام بَيْنهمْ , وَمَا قَدْ عَرَفُوهُ في مَنْطقهمْ . وَقَدْ قيلَ في ذَلكَ أَقْوَال غَيْر مَا قُلْنَا , وَإنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْل عَلَى غَيْره منْ الْأَقْوَال لمُوَافَقَة أَقْوَال أَهْل الْعلْم منْ الصَّحَابَة وَالتَّابعينَ , إذْ كُنَّا لَا نَسْتَجيزُ الْخلَاف عَلَيْهمْ , فيمَا اسْتَفَاضَ الْقَوْل به منْهُمْ , وَجَاءَ عَنْهُمْ مَجيئًا يَقْطَع الْعُذْر . فَأَمَّا الَّذينَ قَالُوا في ذَلكَ غَيْر قَوْلنَا ممَّنْ قَالَ فيه عَلَى وَجْه الانْتزَاع منْ كَلَام الْعَرَب , منْ غَيْر أَنْ يَعْزُوهُ إلَى إمَام منْ الصَّحَابَة أَوْ التَّابعينَ , وَعَلَى وَجْه يَحْتَمل الْكَلَام غَيْر وَجْهه الْمَعْرُوف , فَإنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في مَعْنَاهُ بَيْنهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَحْتَمل مَعْنَاهُ : أُريد أُخْفيهَا ; قَالَ : وَذَلكَ مَعْرُوف في اللُّغَة . وَذُكرَ أَنَّهُ حُكيَ عَنْ الْعَرَب أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : أُولَئكَ أَصْحَابي أَلَذّينَ أَكَاد أَنْزل عَلَيْهمْ , وَقَالَ : مَعْنَاهُ : لَا أَنْزل إلَّا عَلَيْهمْ . قَالَ : وَحُكيَ : أَكَاد أَبْرَح مَنْزلي : أَيْ مَا أَبْرَح مَنْزلي , وَاحْتَجَّ ببَيْتٍ أَنْشَدَهُ لبَعْض الشُّعَرَاء : <br>كَادَتْ وَكدْت وَتلْكَ خَيْر إرَادَة .......... لَوْ عَادَ منْ عَهْد الصَّبَابَة مَا مَضَى <br>وَقَالَ : يُريد : بكَادَتْ : أَرَادَتْ ; قَالَ : فَيَكُون الْمَعْنَى : أُريد أُخْفيهَا لتُجْزَى كُلّ نَفْس بمَا تَسْعَى . قَالَ : وَممَّا يُشْبه ذَلكَ قَوْل زَيْد الْخَيْل : <br>سَريع إلَى الْهَيْجَاء شَاكٍ سلَاحه .......... فَمَا إنْ يَكَاد قرْنه يَتَنَفَّس <br>وَقَالَ : كَأَنَّهُ قَالَ : فَمَا يَتَنَفَّس قَرْنه , وَإلَّا ضَعُفَ الْمَعْنَى ; قَالَ : وَقَالَ ذُو الرُّمَّة : <br>إذَا غَيَّرَ النَّأْي الْمُحبّينَ لَمْ يَكَدْ .......... رَسيس الْهَوَى منْ حُبّ مَيَّة يَبْرَح <br>قَالَ : وَلَيْسَ الْمَعْنَى : لَمْ يَكَدْ يَبْرَح : أَيْ بَعْد يُسْر , وَيَبْرَح بَعْد عُسْر ; وَإنَّمَا الْمَعْنَى : لَمْ يَبْرَح , أَوْ لَمْ يُردْ يَبْرَح , وَإلَّا ضَعُفَ الْمَعْنَى ; قَالَ : وَكَذَلكَ قَوْل أَبي النَّجْم : <br>وَإنْ أَتَاك نَعيّ فَانْدُبَن أَبًا .......... قَدْ كَادَ يَضْطَلع الْأَعْدَاء وَالْخُطَبَا <br>وَقَالَ : يَكُون الْمَعْنَى : قَدْ اضْطَلَعَ الْأَعْدَاء , وَإلَّا لَمْ يَكُنْ مَدْحًا إذَا أَرَادَ كَادَ وَلَمْ يُردْ يَفْعَل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : إنَّ السَّاعَة آتيَة , أَكَاد , قَالَ : وَانْتَهَى الْخَبَر عنْد قَوْله أَكَاد لأَنَّ مَعْنَاهُ : أَكَاد أَنْ آتي بهَا ; قَالَ : ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ : وَلَكنّي أُخْفيهَا لتُجْزَى كُلّ نَفْس بمَا تَسْعَى . قَالَ : وَذَلكَ نَظير قَوْل ابْن ضَابئ : <br>هَمَمْت وَلَمْ أَفْعَل وَكدْت وَلَيْتَني .......... تَرَكْت عَلَى عُثْمَان تَبْكي أَقَاربه <br>فَقَالَ : كدْت , وَمَعْنَاهُ : كدْت أَفْعَل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى { أُخْفيهَا } : أُظْهرهَا , وَقَالُوا : الْإخْفَاء وَالْإسْرَار قَدْ تُوَجّههُمَا الْعَرَب إلَى مَعْنَى الْإظْهَار , وَاسْتَشْهَدَ بَعْضهمْ لقيله ذَلكَ ببَيْت الْفَرَزْدَق : <br>فَلَمَّا رَأَى الْحَجَّاج جَرَّدَ سَيْفه .......... أَسَرَّ الْحَرُوريّ الَّذي كَانَ أَضْمَرَا <br>وَقَالَ : عَنَى بقَوْله : أَسَرَّ : أَظْهَرَ . قَالَ : وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَة } [10 54 ]وَأَظْهَرُوهَا . قَالَ : وَذَلكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذّب بآيَات رَبّنَا } . [6 27 ]وَقَالَ جَميع هَؤُلَاء الَّذينَ حَكَيْنَا قَوْلهمْ جَائز أَنْ يَكُون قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَكَاد أُخْفيهَا منْ نَفْسي , أَنْ يَكُون أَرَادَ : أُخْفيهَا منْ قَبْلي وَمنْ عنْدي . وَكُلّ هَذه الْأَقْوَال الَّتي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا تَوْجيه منْهُمْ للْكَلَام إلَى غَيْر وَجْهه الْمَعْرُوف , وَغَيْر جَائز تَوْجيه مَعَاني كَلَام اللَّه إلَى غَيْر الْأَغْلَب عَلَيْه منْ وُجُوهه عنْد الْمُخَاطَبينَ به , فَفي ذَلكَ مَعَ خلَافهمْ تَأْويل أَهْل الْعلْم فيه شَاهد عَدْل عَلَى خَطَأ مَا ذَهَبُوا إلَيْه فيه .|لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى|وَقَوْله : { لتُجْزَى كُلّ نَفْس بمَا تَسْعَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّ السَّاعَة آتيَة لتُجْزَى كُلّ نَفْس ; يَقُول : لتُثَابَ كُلّ نَفْس امْتَحَنَهَا رَبّهَا بالْعبَادَة في الدُّنْيَا بمَا تَسْعَى , يَقُول : بمَا تَعْمَل منْ خَيْر وَشَرّ , وَطَاعَة وَمَعْصيَة .

وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ

وَقَوْله : { فَلَا يَصُدَّنَّك عَنْهَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَلَا يَرُدَّنك يَا مُوسَى عَنْ التَّأَهُّب للسَّاعَة , مَنْ لَا يُؤْمن بهَا , يَعْني : مَنْ لَا يُقرّ بقيَام السَّاعَة , وَلَا يُصَدّق بالْبَعْث بَعْد الْمَمَات , وَلَا يَرْجُو ثَوَابًا , وَلَا يَخَاف عقَابًا . وَقَوْله : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } يَقُول : اتَّبَعَ هَوَى نَفْسه , وَخَالَفَ أَمْر اللَّه وَنَهْيه { فَتَرْدَى } يَقُول : فَتَهْلَك إنْ أَنْتَ انْصَدَدْت عَنْ التَّأَهُّب للسَّاعَة , وَعَنْ الْإيمَان بهَا , وَبأَنَّ اللَّه بَاعث الْخَلْق لقيَامهَا منْ قُبُورهمْ بَعْد فَنَائهمْ بصَدّ مَنْ كَفَرَ بهَا . وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ الْهَاء وَالْأَلف منْ قَوْله { فَلَا يَصُدَّنَّك عَنْهَا } كنَايَة عَنْ ذكْر الْإيمَان , قَالَ : وَإنَّمَا قيلَ عَنْهَا وَهيَ كنَايَة عَنْ الْإيمَان كَمَا قيلَ { إنَّ رَبّك منْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحيم } يَذْهَب إلَى الْفعْلَة , وَلَمْ يَجْر للْإيمَان ذكْر في هَذَا الْمَوْضع , فَيُجْعَل ذَلكَ منْ ذكْره , وَإنَّمَا جَرَى ذكْر السَّاعَة , فَهُوَ بأَنْ يَكُون منْ ذكْرهَا أَوْلَى .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تلْكَ بيَمينك يَا مُوسَى } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَمَا هَذه الَّتي في يَمينك يَا مُوسَى ؟ فَالْبَاء في قَوْله { بيَمينك } منْ صلَة تلْكَ , وَالْعَرَب تَصل تلْكَ وَهَذه كَمَا تَصل الَّذي ; وَمنْهُ قَوْل يَزيد بْن مُفَرّع : <br>عَدَسْ مَا لعَبَّادٍ عَلَيْك إمَارَة .......... أَمنْت وَهَذَا تَحْملينَ طَليق <br>كَأَنَّهُ قَالَ : وَاَلَّذي تَحْملينَ طَليق . وَلَعَلَّ قَائلًا أَنْ يَقُول : وَمَا وَجْه اسْتخْبَار اللَّه مُوسَى عَمَّا في يَده ؟ أَلَمْ يَكُنْ عَالمًا بأَنَّ الَّذي في يَده عَصَا ؟ قيلَ لَهُ : إنَّ ذَلكَ عَلَى غَيْر الَّذي ذَهَبْت إلَيْه , وَإنَّمَا قَالَ ذَلكَ عَزَّ ذكْره لَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحَوّلهَا حَيَّة تَسْعَى , وَهيَ خَشَبَة , فَنَبَّهَهُ عَلَيْهَا , وَقَرَّرَهُ بأَنَّهَا خَشَبَة يَتَوَكَّأ عَلَيْهَا , وَيَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمه , ليُعَرّفهُ قُدْرَته عَلَى مَا يَشَاء , وَعظَم سُلْطَانه , وَنَفَاذ أَمْره فيمَا أَحَبَّ بتَحْويله إيَّاهَا حَيَّة تَسْعَى , إذَا أَرَادَ ذَلكَ به ليَجْعَل ذَلكَ لمُوسَى آيَة مَعَ سَائر آيَاته إلَى فرْعَوْن وَقَوْمه .

ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره مُخْبرًا عَنْ مُوسَى : قَالَ مُوسَى مُجيبًا لرَبّه : { هيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } يَقُول : أَضْرب بهَا الشَّجَر الْيَابس فَيَسْقُط وَرَقهَا وَتَرْعَاهُ غَنَمي , يُقَال منْهُ : هَشَّ فُلَان الشَّجَر يَهُشّ هَشًّا : إذَا اخْتَبَطَ وَرَق أَغْصَانهَا فَسَقَطَ وَرَقهَا ; كَمَا قَالَ الرَّاجز : <br>أَهُشّ بالْعَصَا عَلَى أَغْنَامي .......... منْ نَاعم الْأَرَاك وَالْبَشَام <br>وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18142 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : ( { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : أَخْبط بهَا الشَّجَر . )* - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : أَخْبط . )* - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : كَانَ نَبيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يَهُشّ عَلَى غَنَمه وَرَق الشَّجَر . )18143 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } يَقُول : أَضْرب بهَا الشَّجَر للْغَنَم , فَيَقَع الْوَرَق . )18144 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { هيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : يَتَوَكَّأ عَلَيْهَا حين يَمْشي مَعَ الْغَنَم , وَيَهُشّ بهَا , يُحَرّك الشَّجَر حَتَّى يَسْقُط الْوَرَق الْحَبَلَة وَغَيْرهَا . )18145 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا الْحَسَن , عَنْ عكْرمَة ( { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : أَضْرب بهَا الشَّجَر , فَيَسْقُط منْ وَرَقهَا عَلَيَّ . )* - حَدَّثَني عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَةَ , قَالَ : ثنا عَليّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا حُسَيْن , قَالَ : (سَمعْت عكْرمَة يَقُول { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } قَالَ : أَضْرب بهَا الشَّجَر , فَيَتَسَاقَط الْوَرَق عَلَى غَنَمي . )18146 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله { وَأَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمي } يَقُول : أَضْرب بهَا الشَّجَر حَتَّى يَسْقُط منْهُ مَا تَأْكُل غَنَمي .)|وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى|وَقَوْله : { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } يَقُول : وَليَ في عَصَايَ هَذه حَوَائج أُخْرَى , وَهيَ جَمْع مَأْرُبَة , وَفيهَا للْعَرَب لُغَات ثَلَاث : مَأْرُبَة بضَمّ الرَّاء , وَمَأْرَبَة بفَتْحهَا , وَمَأْربَة بكَسْرهَا , وَهيَ مَفْعَلَة منْ قَوْلهمْ : لَا أَرَب لي في هَذَا الْأَمْر : أَيْ لَا حَاجَة لي فيه . وَقيلَ | أُخْرَى | وَهُنَّ مَآرب جَمْع , وَلَمْ يَقُلْ أُخَر , كَمَا قيلَ : { لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } [20 8 ]وَقَدْ بَيَّنْت الْعلَّة في تَوْجيه ذَلكَ هُنَالكَ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في مَعْنَى الْمَآرب , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18147 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبّيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن جُمَيْعٍ , قَالَ : ثنا سمَاك بْن حَرْب , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله : ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَوَائج أُخْرَى قَدْ عَلمْتهَا . )* - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } يَقُول : حَاجَة أُخْرَى . )18148 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; عَنْ ابْن أَبي نَجيح عَنْ مُجَاهد ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَاجَات . )18149 - حَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَاجَات وَمَنَافع . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَاجَات . )18150 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } يَقُول : حَوَائج أُخْرَى أَحْمل عَلَيْهَا الْمزْوَد وَالسّقَاء . )18151 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَوَائج أُخْرَى . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَاجَات مَنَافع أُخْرَى . )18152 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } أَيْ مَنَافع أُخْرَى . )18153 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { وَليَ فيهَا مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَوَائج أُخْرَى سوَى ذَلكَ . )18154 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله { مَآرب أُخْرَى } قَالَ : حَاجَات أُخْرَى .)

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَلْقهَا يَا مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه لمُوسَى : أَلْق عَصَاك الَّتي بيَمينك يَا مُوسَى .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ

يَقُول اللَّه جَلَّ جَلَاله : فَأَلْقَاهَا مُوسَى , فَجَعَلَهَا اللَّه حَيَّة تَسْعَى , وَكَانَتْ قَبْل ذَلكَ خَشَبَة يَابسَة , وَعَصَا يَتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَيَهُشّ بهَا عَلَى غَنَمه , فَصَارَتْ حَيَّة بأَمْر اللَّه , كَمَا : 18155 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبّيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن جُمَيْعٍ , قَالَ : ثنا سمَاك بْن حَرْب , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : (لَمَّا قيلَ لمُوسَى : أَلْقهَا يَا مُوسَى , أَلْقَاهَا { فَإذَا هيَ حَيَّة تَسْعَى } وَلَمْ تَكُنْ قَبْل ذَلكَ حَيَّة ; قَالَ : فَمَرَّتْ بشَجَرَةٍ فَأَكَلَتْهَا , وَمَرَّتْ بصَخْرَةٍ فَابْتَلَعَتْهَا ; قَالَ : فَجَعَلَ مُوسَى يَسْمَع وَقْع الصَّخْرَة في جَوْفهَا ; قَالَ : فَوَلَّى مُدْبرًا , فَنُوديَ أَنْ يَا مُوسَى خُذْهَا , فَلَمْ يَأْخُذهَا ; ثُمَّ نُوديَ الثَّانيَة : أَنْ { خُذْهَا وَلَا تَخَفْ } , فَلَمْ يَأْخُذهَا ; فَقيلَ لَهُ في الثَّالثَة : { إنَّك منْ الْآمنينَ } [28 31 ]فَأَخَذَهَا . )18156 - حَدَّثَني مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : (قَالَ لَهُ , يَعْني لمُوسَى رَبّه : { أَلْقهَا يَا مُوسَى } يَعْني { فَأَلْقَاهَا فَإذَا هيَ حَيَّة تَسْعَى } { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزّ كَأَنَّهَا جَانّ وَلَّى مُدْبرًا وَلَمْ يُعَقّب } [27 10 ]فَنُوديَ : { يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إنّي لَا يَخَاف لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } . )[27 10 ]18157 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , ( { قَالَ أَلْقهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإذَا هيَ حَيَّة تَسْعَى } تَهْتَزّ , لَهَا أَنْيَاب وَهَيْئَة كَمَا شَاءَ اللَّه أَنْ تَكُون , فَرَأَى أَمْرًا فَظيعًا , فَوَلَّى مُدْبرًا , وَلَمْ يُعَقّب فَنَادَاهُ رَبّه : يَا مُوسَى أَقْبلْ وَلَا تَخَفْ { سَنُعيدُهَا سيرَتهَا الْأُولَى } . )

يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ

وَقَوْله : { قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ } يَقُول تَعَالَى ذكْره قَالَ اللَّه لمُوسَى : خُذْ الْحَيَّة , وَالْهَاء وَالْأَلف منْ ذكْر الْحَيَّة . { وَلَا تَخَفْ } يَقُول : وَلَا تَخَفْ منْ هَذه الْحَيَّة .|سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى|يَقُول : فَإنَّا سَنُعيدُهَا لهَيْئَتهَا الْأُولَى الَّتي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْل أَنْ نُصَيّرهَا حَيَّة , وَنَرُدّهَا عَصَا كَمَا كَانَتْ . يُقَال لكُلّ مَنْ كَانَ عَلَى أَمْر فَتَرَكَهُ , وَتَحَوَّلَ عَنْهُ ثُمَّ رَاجَعَهُ : عَادَ فُلَان سيرَته الْأُولَى , وَعَادَ لسيرَته الْأُولَى , وَعَادَ إلَى سيرَته الْأُولَى . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18158 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { سيرَتهَا الْأُولَى } يَقُول : حَالَتهَا الْأُولَى . )18159 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { سيرَتهَا الْأُولَى } قَالَ : هَيْئَتهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18160 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه ( { سَنُعيدُهَا سيرَتهَا الْأُولَى } أَيْ سَنَرُدُّهَا عَصَا كَمَا كَانَتْ . )18161 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { سَنُعيدُهَا سيرَتهَا الْأُولَى } قَالَ : إلَى هَيْئَتهَا الْأُولَى .)

يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَاضْمُمْ يَدك إلَى جَنَاحك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَاضْمُمْ يَا مُوسَى يَدك , فَضَعْهَا تَحْت عَضُدك ; وَالْجَنَاحَان هُمَا الْيَدَان , كَذَلكَ رُويَ الْخَبَر عَنْ أَبي هُرَيْرَة وَكَعْب الْأَحْبَار . وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبيَّة , فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ : هُمَا الْجَنْبَان . وَكَانَ بَعْضهمْ يَسْتَشْهد لقَوْله ذَلكَ بقَوْل الرَّاجز : <br>أَضُمّهُ للصَّدْر وَالْجَنَاح <br>وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في تَأْويل ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { إلَى جَنَاحك } قَالَ : كَفّه تَحْت عَضُده . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله .|تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ|وَقَوْله : { تَخْرُج بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء } . (ذُكرَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْه السَّلَام كَانَ رَجُلًا آدَم , فَأَدْخَلَ يَده في جَيْبه , ثُمَّ أَخْرَجَهَا بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء , منْ غَيْر بَرَص , مثْل الثَّلْج , ثُمَّ رَدَّهَا , فَخَرَجَتْ كَمَا كَانَتْ عَلَى لَوْنه . )18163 - حَدَّثَنَا بذَلكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه . 18164 - حَدَّثَنَا إسْمَاعيل بْن مُوسَى الْفَزَاريّ , قَالَ : ثنا شَريك , عَنْ يَزيد بْن أَبي زيَاد , عَنْ مقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله ( { تَخْرُج بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )18165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )18166 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله ( { بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . * - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )18167 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { تَخْرُج بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )18168 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله { منْ غَيْر سُوء } قَالَ : منْ غَيْر بَرَص . )18169 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن في قَوْل اللَّه : ( { بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء } قَالَ : أَخْرَجَهَا اللَّه منْ غَيْر سُوء , منْ غَيْر بَرَص , فَعَلمَ مُوسَى أَنَّهُ لَقيَ رَبّه .)|آيَةً أُخْرَى|وَقَوْله : { آيَة أُخْرَى } يَقُول : وَهَذه عَلَامَة وَدَلَالَة أُخْرَى غَيْر الْآيَة الَّتي أَرَيْنَاك قَبْلهَا منْ تَحْويل الْعَصَا حَيَّة تَسْعَى عَلَى حَقيقَة مَا بَعَثْنَاك به منْ الرّسَالَة لمَنْ بَعَثْنَاك إلَيْه . وَنَصَبَ آيَة عَلَى اتّصَالهَا بالْفعْل , إذْ لَمْ يَظْهَر لَهَا مَا يَرْفَعهَا منْ هَذه أَوْ هيَ .

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ

وَقَوْله : { لنُريَك منْ آيَاتنَا الْكُبْرَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَاضْمُمْ يَدك يَا مُوسَى إلَى جَنَاحك , تَخْرُج بَيْضَاء منْ غَيْر سُوء , كَيْ نُريك منْ أَدلَّتنَا الْكُبْرَى عَلَى عَظيم سُلْطَاننَا وَقُدْرَتنَا . وَقَالَ : الْكُبْرَى , فَوَحَّدَ , وَقَدْ قَالَ : { منْ آيَاتنَا } كَمَا قَالَ : { لَا الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلكَ هُنَالكَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : إنَّمَا قيلَ الْكُبْرَى , لأَنَّهُ أُريد بهَا التَّقْديم , كَأَنَّ مَعْنَاهَا عنْده : لنُريَك الْكُبْرَى منْ آيَاتنَا .

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { اذْهَبْ إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْه : { اذْهَبْ } يَا مُوسَى { إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } . يَقُول : إنَّهُ تَجَاوَزَ قَدْره , وَتَمَرَّدَ عَلَى رَبّه ; وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّغْيَان بمَا مَضَى بمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته , في هَذَا الْمَوْضع . وَفي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنيَ بفَهْم السَّامع بمَا ذُكرَ منْهُ , وَهُوَ قَوْله : { اذْهَبْ إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } فَادْعُهُ إلَى تَوْحيد اللَّه وَطَاعَته , وَإرْسَال بَني إسْرَائيل مَعَك .

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ

{ قَالَ رَبّ اشْرَحْ لي صَدْري } يَقُول : رَبّ اشْرَحْ لي صَدْري , لأَعيَ عَنْك مَا تُودعهُ منْ وَحْيك , وَأَجْتَرئ به عَلَى خطَاب فرْعَوْن .

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

{ وَيَسّرْ لي أَمْري } يَقُول : وَسَهّلْ عَلَيَّ الْقيَام بمَا تُكَلّفني منْ الرّسَالَة , وَتُحَمّلني منْ الطَّاعَة . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18170 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْل اللَّه : ( { رَبّ اشْرَحْ لي صَدْري } قَالَ : جُرْأَة لي .)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِ

وَقَوْله : { وَاحْلُلْ عُقْدَة منْ لسَاني } يَقُول : وَأَطْلقْ لسَاني بالْمَنْطق , وَكَانَتْ فيه فيمَا ذَكَرَ عُجْمَة عَنْ الْكَلَام الَّذي كَانَ منْ إلْقَائه الْجَمْرَة إلَى فيه يَوْم هَمَّ فرْعَوْن بقَتْله . ذَكَرَ الرّوَايَة بذَلكَ عَمَّنْ قَالَهُ : 18171 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , في قَوْله : ( { عُقْدَة منْ لسَاني } قَالَ : عُجْمَة لجَمْرَة نَار أَدْخَلَهَا في فيه عَنْ أَمْر امْرَأَة فرْعَوْن , تَرُدّ به عَنْهُ عُقُوبَة فرْعَوْن , حين أَخَذَ مُوسَى بلحْيَته وَهُوَ لَا يَعْقل , فَقَالَ : هَذَا عَدُوّ لي , فَقَالَتْ لَهُ . إنَّهُ لَا يَعْقل . )* - حَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح ( { وَاحْلُلْ عُقْدَة منْ لسَاني } لجَمْرَة نَار أَدْخَلَهَا في فيه عَنْ أَمْر امْرَأَة فرْعَوْن , تَدْرَأ به عَنْهُ عُقُوبَة فرْعَوْن , حين أَخَذَ مُوسَى بلحْيَته وَهُوَ لَا يَعْقل , فَقَالَ : هَذَا عَدُوّ لي , فَقَالَتْ لَهُ : إنَّهُ لَا يَعْقل , هَذَا قَوْل سَعيد بْن جُبَيْر . )18172 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { وَاحْلُلْ عُقْدَة منْ لسَاني } قَالَ : عُجْمَة الْجَمْرَة نَار أَدْخَلَهَا في فيه , عَنْ أَمْر امْرَأَة فرْعَوْن تَرُدّ به عَنْهُ عُقُوبَة فرْعَوْن حين أَخَذَ بلحْيَته . )18173 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : (لَمَّا تَحَرَّكَ الْغُلَام , يَعْني مُوسَى , أَوْرَتْهُ أُمّه آسيَة صَبيًّا , فَبَيْنَمَا هيَ تُرْقصهُ وَتَلْعَب به , إذْ نَاوَلَتْهُ فرْعَوْن , وَقَالَتْ : خُذْهُ , فَلَمَّا أَخَذَهُ إلَيْه أَخَذَ مُوسَى بلحْيَته فَنَتَفَهَا , فَقَالَ فرْعَوْن : عَلَيَّ بالذَّبَّاحينَ , قَالَتْ آسيَة : { لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعنَا أَوْ نَتَّخذهُ وَلَدًا } [28 9 ]إنَّمَا هُوَ صَبيّ لَا يَعْقل , وَإنَّمَا صَنَعَ هَذَا منْ صبَاهُ , وَقَدْ عَلمْت أَنَّهُ لَيْسَ في أَهْل مصْر أَحْلَى منّي أَنَا أَضَع لَهُ حُليًّا منْ الْيَاقُوت , وَأَضَع لَهُ جَمْرًا , فَإنَّ أَخَذَ الْيَاقُوت فَهُوَ يَعْقل فَاذْبَحْهُ , وَإنَّ أَخَذَ الْجَمْر فَإنَّمَا هُوَ صَبيّ ; فَأَخْرَجَتْ لَهُ يَاقُوتهَا وَوَضَعَتْ لَهُ طَسْتًا منْ جَمْر , فَجَاءَ جَبْرَائيل صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ , فَطَرَحَ في يَده جَمْرَة , فَطَرَحَهَا مُوسَى في فيه , فَأَحْرَقَتْ لسَانه , فَهُوَ الَّذي يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَاحْلُلْ عُقْدَة منْ لسَاني يَفْقَهُوا قَوْلي } , فَزَالَتْ عَنْ مُوسَى منْ أَجْل ذَلكَ .)

هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ

وَقَوْله : { يَفْقَهُوا قَوْلي } يَقُول : يَفْقَهُوا عَنّي مَا أُخَاطبهُمْ وَأُرَاجعهُمْ به منْ الْكَلَام .

يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ

{ وَاجْعَلْ لي وَزيرًا منْ أَهْلي } يَقُول : وَاجْعَلْ لي عَوْنًا منْ أَهْل بَيْتي { هَارُون أَخي } .

وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ

وَفي نَصْب هَارُون وَجْهَان : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون هَارُون مَنْصُوبًا عَلَى التَّرْجَمَة عَنْ الْوَزير . 18174 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ هَارُون أَكْبَر منْ مُوسَى .)

كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { اُشْدُدْ به أَزْري } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره مُخْبرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ سَأَلَ رَبّه أَنْ يُشْددَ أَزْره بأَخيه هَارُون . وَإنَّمَا يَعْني بقَوْله : { اُشْدُدْ به أَزْري } قَوّ ظَهْري , وَأَعنّي به . يُقَال منْهُ : قَدْ أَزَرَ فُلَان فُلَانًا : إذَا أَعَانَهُ وَشَدَّ ظَهْره . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18175 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اُشْدُدْ به أَزْري } يَقُول : اُشْدُدْ به ظَهْري . )18176 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { اُشْدُدْ به أَزْري } يَقُول : اُشْدُدْ به أَمْري , وَقَوّني به , فَإنَّ لي به قُوَّة .)

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

وَقَوْله : { وَأُشْركهُ في أَمْري } يَقُول : وَاجْعَلْهُ نَبيًّا مثْل مَا جَعَلَتْني نَبيًّا , وَأَرْسلْهُ مَعي إلَى فرْعَوْن . وَذُكرَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبي إسْحَاق أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : | أَشْدُدْ به أَزْري | بفَتْح الْأَلف منْ أَشْدُدْ | وَأُشْركهُ في أَمْري | بضَمّ الْأَلف منْ أُشْركهُ , بمَعْنَى الْخَبَر منْ مُوسَى عَنْ نَفْسه , أَنَّهُ يَفْعَل ذَلكَ , لَا عَلَى وَجْه الدُّعَاء . وَإذَا قُرئَ ذَلكَ كَذَلكَ جَزَمَ أَشْدُدْ وَأُشْرك عَلَى الْجَزَاء , أَوْ جَوَاب الدُّعَاء , وَذَلكَ قرَاءَة لَا أَرَى الْقرَاءَة بهَا , وَإنْ كَانَ لَهَا وَجْه مَفْهُوم , لخلَافهَا قرَاءَة الْحُجَّة الَّتي لَا يَجُوز خلَافهَا .

وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ

{ كَيْ نُسَبّحك كَثيرًا } يَقُول : كَيْ نُعَظّمك بالتَّسْبيح لَك كَثيرًا .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

{ وَنَذْكُرك كَثيرًا } فَنَحْمَدك .

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

{ إنَّك كُنْت بنَا بَصيرًا } يَقُول : إنَّك كُنْت ذَا بَصَر بنَا لَا يَخْفَى عَلَيْك منْ أَفْعَالنَا شَيْء .

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ قَدْ أُوتيت سُؤْلك يَا مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه لمُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : قَدْ أُعْطيت مَا سَأَلْت يَا مُوسَى رَبّك منْ شَرْحه صَدْرك وَتَيْسيره لَك أَمْرك , وَحَلّ عُقْدَة لسَانك , وَتَصْيير أَخيك هَارُون وَزيرًا لَك , وَشَدّ أَزْرك به , وَإشْرَاكه في الرّسَالَة مَعَك .

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ

{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْك مَرَّة أُخْرَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ تَطَوَّلْنَا عَلَيْك يَا مُوسَى قَبْل هَذه الْمَرَّة مَرَّة أُخْرَى , وَذَلكَ حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , إذْ وَلَدَتْك في الْعَام الَّذي كَانَ فرْعَوْن يَقْتُل كُلّ مَوْلُود ذَكَر منْ قَوْمك مَا أَوْحَيْنَا إلَيْهَا ; ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى ذكْرُهُ مَا أَوْحَى إلَى أُمّه , فَقَالَ : هُوَ أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت ; فَأَنْ في مَوْضع نَصْب رَدًّا عَلَى | مَا | الَّتي في قَوْله : { مَا يُوحَى } , وَتَرْجَمَة عَنْهَا .

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ تَطَوَّلْنَا عَلَيْك يَا مُوسَى قَبْل هَذه الْمَرَّة مَرَّة أُخْرَى , وَذَلكَ حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , إذْ وَلَدَتْك في الْعَام الَّذي كَانَ فرْعَوْن يَقْتُل كُلّ مَوْلُود ذَكَر منْ قَوْمك مَا أَوْحَيْنَا إلَيْهَا ; ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى ذكْره مَا أَوْحَى إلَى أُمّه , فَقَالَ : هُوَ أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت ; فَأَنْ في مَوْضع نَصْب رَدًّا عَلَى | مَا | الَّتي في قَوْله : { مَا يُوحَى } , وَتَرْجَمَة عَنْهَا .

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت فَاقْذفيه في الْيَمّ فَلْيُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْك يَا مُوسَى مَرَّة أُخْرَى حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , أَنْ اقْذفي ابْنك مُوسَى حين وَلَدَتْك في التَّابُوت { فَاقْذفيه في الْيَمّ } يَعْني بالْيَمّ : النّيل { فَلْيُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل } يَقُول : فَاقْذفيه في الْيَمّ , يُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل , وَهُوَ جَزَاء أُخْرجَ مَخْرَج الْأَمْر , كَأَنَّ الْيَمّ هُوَ الْمَأْمُور , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اتَّبعُوا سَبيلنَا وَلْنَحْملْ خَطَايَاكُمْ } [29 12 ]يَعْني : اتَّبعُوا سَبيلنَا نَحْمل عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ , فَفَعَلَتْ ذَلكَ أُمّه به فَأَلْقَاهُ الْيَمّ بمَشْرَعَة آل فرْعَوْن , كَمَا : 18177 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا وَلَدَتْ مُوسَى أُمّه أَرْضَعَتْهُ , حَتَّى إذَا أَمَرَ فرْعَوْن بقَتْل الْولْدَان منْ سَنَته تلْكَ عَمَدَتْ إلَيْه , فَصَنَعَتْ به مَا أَمَرَهَا اللَّه تَعَالَى , جَعَلَتْهُ في تَابُوت صَغير , وَمَهَّدَتْ لَهُ فيه , ثُمَّ عَمَدَتْ إلَى النّيل فَقَذَفَتْهُ فيه , وَأَصْبَحَ فرْعَوْن في مَجْلس لَهُ كَانَ يَجْلسهُ عَلَى شَفير النّيل كُلّ غَدَاة , فَبَيْنَا هُوَ جَالس , إذْ مَرَّ النّيل بالتَّابُوت فَقَذَفَ به وَآسيَة ابْنَة مُزَاحم امْرَأَته جَالسَة إلَى جَنْبه , فَقَالَ : إنَّ هَذَا لَشَيْء في الْبَحْر , فَأْتُوني به , فَخَرَجَ إلَيْه أَعْوَانه حَتَّى جَاءُوا به , فَفَتَحَ التَّابُوت فَإذَا فيه صَبيّ في مَهْده , فَأَلْقَى اللَّه عَلَيْه مَحَبَّته , وَعَطَفَ عَلَيْه نَفْسه . )18178 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , في قَوْله : ( { فَاقْذفيه في الْيَمّ } وَهُوَ الْبَحْر , وَهُوَ النّيل .)|يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ|وَعُنيَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بقَوْله : { يَأْخُذهُ عَدُوّ لي وَعَدُوّ لَهُ } فرْعَوْن هُوَ الْعَدُوّ , كَانَ للَّه وَلمُوسَى .|وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي|وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في مَعْنَى الْمَحَبَّة الَّتي قَالَ اللَّه جَلَّ , ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بذَلكَ أَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى عبَاده . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18179 - حَدَّثَني الْحُسَيْن بْن عَليّ الصُّدَائيّ وَالْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدَّوْريّ , قَالَا : ثنا حُسَيْن الْجُعْفيّ عَنْ مُوسَى بْن قَبَس الْحَضْرَميّ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , في قَوْل اللَّه : ( { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ عَبَّاس : حَبَّبْتُك إلَى عبَادي ; وَقَالَ الصُّدَائيّ : حَبَّبْتُك إلَى خَلْقي . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : أَيْ حَسَّنْت خَلْقك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18180 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إبْرَاهيم بْن مَهْديّ , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عكْرمَة , قَوْله : ( { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ : حُسْنًا وَمَلَاحَة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه أَلْقَى مَحَبَّته عَلَى مُوسَى , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَحَبَّبَهُ إلَى آسيَة امْرَأَة فرْعَوْن , حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ , وَإلَى فرْعَوْن , حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَاديَته وَشَرّه . وَقَدْ قيلَ : إنَّمَا قيلَ : وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي , لأَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى كُلّ مَنْ رَآهُ . وَمَعْنَى { أَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } حَبَّبْتُك إلَيْهمْ ; يَقُول الرَّجُل لآخَر إذَا أَحَبَّهُ : أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتي : أَيْ مَحَبَّتي .|وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي|الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَلتُغَذَّى وَتُرَبَّى عَلَى مَحَبَّتي وَإرَادَتي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18181 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : ( { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : هُوَ غذَاؤُهُ , وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني . )18182 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله ( { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : جَعَلَهُ في بَيْت الْمُلْك يَنْعَم وَيُتْرَف غذَاؤُهُ عنْدهمْ غذَاء الْمُلْك , فَتلْكَ الصَّنْعَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : وَأَنْتَ بعَيْني في أَحْوَالك كُلّهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18183 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج ( { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : أَنْتَ بعَيْني إذْ جَعَلَتْك أُمّك في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , و { إذْ تَمْشي أُخْتك } . )وَقَرَأَ ابْن نُهَيْك : | وَلتَصْنَع | بفَتْح التَّاء . وَتَأَوَّلَهُ كَمَا : 18184 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمن , قَالَ : (سَمعْت أَبَا نُهَيْك يَقْرَأ | وَلتَصْنَع عَلَى عَيْني | فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلكَ , فَقَالَ : وَلتَعْمَل عَلَى عَيْني . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقرَاءَة الَّتي لَا أَسْتَجيزُ الْقرَاءَة بغَيْرهَا { وَلتُصْنَع } بضَمّ التَّاء , لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَأَوْلَى التَّأْويلَيْن به , التَّأْويل الَّذي تَأَوَّلَهُ قَتَادَة , وَهُوَ : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني , أَلْقَيْت عَلَيْك الْمَحَبَّة منّي . وَعُنيَ بقَوْله : { عَلَى عَيْني } بمَرْأَى منّي وَمَحَبَّة وَإرَادَة .

حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ

وَقَوْله : { إذْ تَمْشي أُخْتك فَتَقُول هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ } يَقُول تَعَالَى ذكْره : حين تَمْشي أُخْتك تَتَّبعك حَتَّى وَجَدْتُك , ثُمَّ تَأْتي مَنْ يَطْلُب الْمَرَاضع لَك , فَتَقُول : هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ ؟ وَحُذفَ منْ الْكَلَام مَا ذَكَرْت بَعْد قَوْله { إذْ تَمْشي أُخْتك } اسْتغْنَاء بدَلَالَة الْكَلَام عَلَيْه . وَإنَّمَا قَالَتْ أُخْت مُوسَى ذَلكَ لَهُمْ لمَا : 18185 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : (لمَا أَلْقَتْهُ أُمّه في الْيَمّ { قَالَتْ لأُخْته قُصّيه } [28 11 ]فَلَمَّا الْتَقَطَهُ آل فرْعَوْن , وَأَرَادُوا لَهُ الْمُرْضعَات , فَلَمْ يَأْخُذ منْ أَحَد منْ النّسَاء , وَجَعَلَ النّسَاء يَطْلُبْنَ ذَلكَ ليَنْزلْنَ عنْد فرْعَوْن في الرَّضَاع , فَأَبَى أَنْ يَأْخُذ , فَقَالَتْ أُخْته : { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ } ؟ [28 12 ]فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا : بَلْ قَدْ عَرَفْت هَذَا الْغُلَام , فَدُلّينَا عَلَى أَهْله , قَالَتْ : مَا أَعْرفهُ , وَلَكنْ إنَّمَا قُلْت هُمْ للْمَلك نَاصحُونَ . )18186 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (قَالَتْ , يَعْني أُمّ مُوسَى لأُخْته : قُصّيه فَانْظُري مَاذَا يَفْعَلُونَ به , فَخَرَجَتْ في ذَلكَ { فَبَصُرَتْ به عَنْ جُنُب وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } [28 11 ]وَقَدْ احْتَاجَ إلَى الرَّضَاع وَالْتَمَسَ الثَّدْي , وَجَمَعُوا لَهُ الْمَرَاضع حين أَلْقَى اللَّه مَحَبَّتهمْ عَلَيْه , فَلَا يُؤْتَى بامْرَأَةٍ , فَيَقْبَل ثَدْيهَا , فَيَرْمضهُمْ ذَلكَ , فَيُؤْتَى بمُرْضعٍ بَعْد مُرْضع , فَلَا يَقْبَل شَيْئًا منْهُمْ , فَقَالَتْ لَهُمْ أُخْته حين رَأَتْ منْ وَجْدهمْ به وَحرْصهمْ عَلَيْه { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ } أَيْ لمَنْزلَته عنْدكُمْ وَحرْصكُمْ عَلَى مَسَرَّة الْمَلك . )وَعُنيَ بقَوْله : { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ } هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَضُمّهُ إلَيْه فَيَحْفَظهُ وَيُرْضعهُ وَيُرَبّيه . وَقيلَ : مَعْنَى { وَكَفَّلَهَا زَكَريَّا } [3 37 ]ضَمَّهَا .|فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ|وَقَوْله : { فَرَجَعْنَاك إلَى أُمّك كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا وَلَا تَحْزَن } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَرَدَدْنَاك إلَى أُمّك بَعْد مَا صرْت في أَيْدي آل فرْعَوْن , كَيْمَا تَقَرّ عَيْنهَا بسَلَامَتك وَنَجَاتك منْ الْقَتْل وَالْغَرَق في الْيَمّ , وَكَيْلَا تَحْزَن عَلَيْك منْ الْخَوْف منْ فرْعَوْن عَلَيْك أَنْ يَقْتُلك , كَمَا : 18187 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا قَالَتْ أُخْت مُوسَى لَهُمْ مَا قَالَتْ , قَالُوا : هَات , فَأَتَتْ أُمّه فَأَخْبَرَتْهَا , فَانْطَلَقَتْ مَعَهَا حَتَّى أَتَتْهُمْ , فَنَاوَلُوهَا إيَّاهُ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا أَخَذَ ثَدْيهَا , وَسُرُّوا بذَلكَ منْهُ , وَرَدَّهُ اللَّه إلَى أُمّه كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا , وَلَا تَحْزَن , فَبَلَغَ لُطْف اللَّه لَهَا وَلَهُ , أَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَلَدهَا وَعَطَفَ عَلَيْهَا نَفْع فرْعَوْن وَأَهْل بَيْته مَعَ الْأَمَنَة منْ الْقَتْل الَّذي يُتَخَوَّف عَلَى غَيْره , فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا منْ أَهْل بَيْت فرْعَوْن في الْأَمَان وَالسَّعَة , فَكَانَ عَلَى فُرُش فرْعَوْن وَسُرَره .)|وَقَتَلْتَ نَفْسًا|وَقَوْله : { وَقَتَلْت نَفْسًا } يَعْني جَلَّ ثَنَاؤُهُ بذَلكَ : قَتْله الْقبْطيّ الَّذي قَتَلَهُ حين اسْتَغَاثَهُ عَلَيْه الْإسْرَائيليّ , فَوَكَزَهُ مُوسَى .|فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ|وَقَوْله : { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَنَجَّيْنَاك منْ غَمّك بقَتْلك النَّفْس الَّتي قَتَلْت , إذْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوك بهَا فَخَلَّصْنَاك منْهُمْ , حَتَّى هَرَبْت إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَمْ يَصلُوا إلَى قَتْلك وَقَوْدك . وَكَانَ قَتْله إيَّاهُ فيمَا ذُكرَ خَطَأ , كَمَا : 18188 - حَدَّثَني وَاصل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَبيه , عَنْ سَالم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : (سَمعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُول : | إنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذي قَتَلَ منْ آل فرْعَوْن خَطَأ , فَقَالَ اللَّه لَهُ : { وَقَتَلْت نَفْسًا فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ وَفَتَنَّاك فُتُونًا } | . )18189 - حَدَّثَني زَكَريَّا بْن يَحْيَى بْن أَبي زَائدَة , وَمُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } قَالَ : منْ قَتْل النَّفْس . )18190 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } النَّفْس الَّتي قَتَلَ .)|وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا|وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : ابْتَلَيْنَاك ابْتلَاء وَاخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18191 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : اخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . )* - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثَنَى أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , ( { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : اُبْتُليت بَلَاء . )18192 - حَدَّثَني الْعَبَّاس بْن الْوَليد الْآمليّ , قَالَ : ثنا يَزيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْبَغ بْن زَيْد الْجُهَنيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْقَاسم بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , عَنْ قَوْل اللَّه لمُوسَى { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَسَأَلْته عَلَى الْفُتُون مَا هيَ ؟ فَقَالَ لي : اسْتَأْنَفَ النَّهَار يَا ابْن جُبَيْر , فَإنَّ لَهَا حَديثًا طَويلًا , قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحْت غَدَوْت عَلَى ابْن عَبَّاس لأَنْتَجزَ منْهُ مَا وَعَدَني , قَالَ : فَقَالَ ابْن عَبَّاس : (تَذَاكَرَ فرْعَوْن وَجُلَسَاؤُهُ مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنْ يَجْعَل في ذُرّيَّته أَنْبيَاء وَمُلُوكًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ بَني إسْرَائيل يَنْتَظرُونَ ذَلكَ وَمَا يَشُكُّونَ , وَلَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُف بْن يَعْقُوب ; فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا : لَيْسَ هَكَذَا كَانَ اللَّه وَعَدَ إبْرَاهيم , فَقَالَ فرْعَوْن : فَكَيْف تَرَوْنَ ؟ قَالَ : فَاتْمَرُوا بَيْنهمْ , وَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى أَنْ يَبْعَث رجَالًا مَعَهُمْ الشّفَار يَطُوفُونَ في بَني إسْرَائيل , فَلَا يَجدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إلَّا ذَبَحُوهُ ; فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكبَار منْ بَني إسْرَائيل يَمُوتُونَ بآجَالهمْ , وَأَنَّ الصّغَار يُذْبَحُونَ ; قَالُوا : يُوشك أَنْ تُفْنُوا بَني إسْرَائيل , فَتَصيرُونَ إلَى أَنْ تُبَاشرُوا منْ الْأَعْمَال وَالْخدْمَة الَّتي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ , فَاقْتُلُوا عَامًا كُلّ مَوْلُود ذَكَر , فَيَقلّ أَبْنَاؤُهُمْ , وَدَعَوْا عَامًا لَا تَقْتُلُوا منْهُمْ أَحَدًا , فَتَشبّ الصّغَار مَكَان مَنْ يَمُوت منْ الْكبَار , فَإنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بمَنْ تَسْتَحْيُونَ منْهُمْ , فَتَخَافُونَ مُكَاثَرَتهمْ إيَّاكُمْ , وَلَنْ يَقلُّوا بمَنْ تَقْتُلُونَ , فَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى ذَلكَ . فَحَمَلَتْ أُمّ مُوسَى بهَارُون في الْعَام الْمُقْبل الَّذي لَا يُذْبَح فيه الْغلْمَان , فَوَلَدَتْهُ عَلَانيَة آمنَة , حَتَّى إذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبل حَمَلَتْ بمُوسَى , فَوَقَعَ في قَلْبهَا الْهَمّ وَالْحَزَن , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , ممَّا دَخَلَ عَلَيْه في بَطْن أُمّه ممَّا يُرَاد به , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهَا { وَلَا تَخَافي وَلَا تَحْزَني إنَّا رَادُّوهُ إلَيْك وَجَاعلُوهُ منْ الْمُرْسَلينَ } [28 7 ]وَأَمَرَهَا إذَا وَلَدَتْهُ أَنْ تَجْعَلهُ في تَابُوت ثُمَّ تُلْقيه في الْيَمّ ; فَلَمَّا وَلَدَتْهُ فَعَلَتْ مَا أُمرَتْ به , حَتَّى إذَا تَوَارَى عَنْهَا ابْنهَا أَتَاهَا إبْليس , فَقَالَتْ في نَفْسهَا : مَا صَنَعْت بابْني لَوْ ذُبحَ عنْدي , فَوَارَيْته وَكَفَّنْته كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ منْ أَنْ أُلْقيه بيَدَيَّ إلَى حيتَان الْبَحْر وَدَوَابّه , فَانْطَلَقَ به الْمَاء حَتَّى أَوْفَى به عنْد فُرْضَة مُسْتَقَى جوَاري آل فرْعَوْن , فَرَأَيْنَهُ فَأَخَذْنَهُ , فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ الْبَاب , فَقَالَ بَعْضهنَّ لبَعْضٍ : إنَّ في هَذَا مَالًا , وَإنَّا إنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدّقنَا امْرَأَة فرْعَوْن بمَا وَجَدْنَا فيه , فَحَمَلْنَهُ كَهَيْئَته لَمْ يُحَرّكْنَ منْهُ شَيْئًا , حَتَّى دَفَعْنَهُ إلَيْهَا ; فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فيه الْغُلَام , فَأُلْقيَ عَلَيْه منْهَا مَحَبَّة لَمْ يُلْقَ مثْلهَا منْهَا عَلَى أَحَد منْ النَّاس { وَأَصْبَحَ فُؤَاد أُمّ مُوسَى فَارغًا } [28 10 ]منْ كُلّ شَيْء إلَّا منْ ذكْر مُوسَى . فَلَمَّا سَمعَ الذَّبَّاحُونَ بأَمْره أَقْبَلُوا إلَى امْرَأَة فرْعَوْن بشفَارهمْ . يُريدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ للذَّبَّاحينَ : انْصَرَفُوا عَنّي , فَإنَّ هَذَا الْوَاحد لَا يَزيد في بَني إسْرَائيل , فَآتي فرْعَوْن فَأَسْتَوْهبهُ إيَّاهُ , فَإنْ وَهَبَهُ لي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ , وَإنْ أَمَرَ بذَبْحه لَمْ أَلُمْكُمْ . فَلَمَّا أَتَتْ به فرْعَوْن قَالَتْ : { قُرَّة عَيْن لي وَلَك } قَالَ فرْعَوْن : يَكُون لَك , وَأَمَّا أَنَا فَلَا حَاجَة لي فيه . فَقَالَ : وَاَلَّذي يَحْلف به لَوْ أَقَرَّ فرْعَوْن أَنْ يَكُون لَهُ قُرَّة عَيْن كَمَا أَقَرَّتْ به , لَهَدَاهُ اللَّه به كَمَا هَدَى به امْرَأَته , وَلَكنَّ اللَّه حَرَمَهُ ذَلكَ . فَأَرْسَلَتْ إلَى مَنْ حَوْلهَا منْ كُلّ أُنْثَى لَهَا لَبَن , لتَخْتَارَ لَهُ ظئْرًا , فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَة منْهُمْ لتُرْضعهُ لَمْ يَقْبَل ثَدْيهَا , حَتَّى أَشْفَقَتْ امْرَأَة فرْعَوْن أَنْ يَمْتَنع منْ اللَّبَن فَيَمُوت , فَحَزَنَهَا ذَلكَ , فَأَمَرَتْ به فَأُخْرجَ إلَى السُّوق مَجْمَع النَّاس تَرْجُو أَنْ تُصيب لَهُ ظئْرًا يَأْخُذ منْهَا , فَلَمْ يَقْبَل منْ أَحَد . وَأَصْبَحَتْ أُمّ مُوسَى , فَقَالَتْ لأُخْته : قُصّيه وَاطْلُبيه , هَلْ تَسْمَعينَ لَهُ ذكْرًا , أَحَيّ ابْني , أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابّ الْبَحْر وَحيتَانه ؟ وَنَسيَتْ الَّذي كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَبَصُرَتْ به أُخْته عَنْ جُنُب وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ , فَقَالَتْ منْ الْفَرَح حين أَعْيَاهُمْ الظُّئُورَات : أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ , فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا : وَمَا يُدْريك مَا نُصْحهمْ لَهُ ؟ هَلْ يَعْرفُونَهُ ؟ حَتَّى شَكُّوا في ذَلكَ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ : نُصْحهمْ لَهُ وَشَفَقَتهمْ عَلَيْه , رَغْبَتهمْ في ظُئُورَة الْمَلك , وَرَجَاء مَنْفَعَته , فَتَرَكُوهَا ; فَانْطَلَقَتْ إلَى أُمّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَر , فَجَاءَتْ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا نَزَا إلَى ثَدْيهَا حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ , فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاء إلَى امْرَأَة فرْعَوْن يُبَشّرُونَهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنك ظئْرًا , فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا , فَأَتَيْت بهَا وَبه ; فَلَمَّا رَأَتْ مَا يُصْنَع بهَا قَالَتْ : اُمْكُثي عنْدي حَتَّى تُرْضعي ابْني هَذَا فَإنّي لَمْ أُحبّ حُبّه شَيْئًا قَطُّ ; قَالَ : فَقَالَتْ : لَا أَسْتَطيع أَنْ أَدَع بَيْتي وَوَلَدي , فَيَضيع , فَإنْ طَابَتْ نَفْسك أَنْ تُعْطينيه , فَأَذْهَب به إلَى بَيْتي فَيَكُون مَعي لَا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْت , وَإلَّا فَإنّي غَيْر تَاركَة بَيْتي وَوَلَدي ! وَذَكَرَتْ أُمّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن , وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْجز وَعْده , فَرَجَعَتْ بابْنهَا إلَى بَيْتهَا منْ يَوْمهَا , فَأَنْبَتَهُ اللَّه نَبَاتًا حَسَنًا , وَحَفظَهُ لمَا قَضَى فيه , فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إسْرَائيل وَهُمْ مُجْتَمعُونَ في نَاحيَة الْمَدينَة يَمْتَنعُونَ به منْ الظُّلْم وَالسُّخْرَة الَّتي كَانَتْ فيهمْ . فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتْ امْرَأَة فرْعَوْن لأُمّ مُوسَى : أَزيريني ابْني . فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُزيرهَا إيَّاهُ فيه , فَقَالَتْ لخَوَاصّهَا وَظُئُورَتهَا وَقَهَارمَتهَا : لَا يَبْقَيَن أَحَد منْكُمْ إلَّا اسْتَقْبَلَ ابْني بهَديَّةٍ وَكَرَامَة ليَرَى ذَلكَ , وَأَنَا بَاعثَة أَمينَة تُحْصي كُلّ مَا يَصْنَع كُلّ إنْسَان منْكُمْ ; فَلَمْ تَزَلْ الْهَديَّة وَالْكَرَامَة وَالتُّحَف تَسْتَقْبلهُ منْ حين خَرَجَ منْ بَيْت أُمّه إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا نَحَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ , وَفَرحَتْ به , وَأَعْجَبَهَا مَا رَأَتْ منْ حُسْن أَثَرهَا عَلَيْه , وَقَالَتْ : انْطَلقْنَ به إلَى فرْعَوْن , فَلْيُنْحلْهُ , وَلْيُكْرمْهُ . فَلَمَّا دَخَلُوا به عَلَيْه جَعَلَتْهُ في حجْره , فَتَنَاوَلَ مُوسَى لحْيَة فرْعَوْن حَتَّى مَدَّهَا , فَقَالَ عَدُوّ منْ أَعْدَاء اللَّه : أَلَا تَرَى مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنَّهُ سَيَصْرَعُك وَيَعْلُوك , فَأَرْسَلَ إلَى الذَّبَّاحينَ ليَذْبَحُوهُ ! وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , بَعْد كُلّ بَلَاء اُبْتُليَ به وَأُريدَ به . فَجَاءَتْ امْرَأَة فرْعَوْن تَسْعَى إلَى فرْعَوْن , فَقَالَتْ : مَا بَدَا لَك في هَذَا الصَّبيّ الَّذي قَدْ وَهَبْته لي ؟ قَالَ : أَلَا تَرَيْنَ يَزْعُم أَنَّهُ سَيَصْرَعُني وَيَعْلُوني , فَقَالَتْ : اجْعَلْ بَيْني وَبَيْنك أَمْرًا تَعْرف فيه الْحَقّ , ائْت بجَمْرَتَيْن وَلُؤْلُؤَتَيْن , فَقَرّبْهُنَّ إلَيْه , فَإنْ بَطَشَ باللُّؤْلُؤَتَيْن وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْن عَلمْت أَنَّهُ يَعْقل ; وَإنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن وَلَمْ يُردْ اللُّؤْلُؤَتَيْن , فَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْثر الْجَمْرَتَيْن عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْن وَهُوَ يَعْقل , فَقُرّبَ ذَلكَ إلَيْه , فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن , فَنَزَعُوهُمَا منْهُ مَخَافَة أَنْ تُحْرقَا يَده , فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَلَا تَرَى ؟ فَصَرَفَهُ اللَّه عَنْهُ بَعْد مَا قَدْ هَمَّ به , وَكَانَ اللَّه بَالغًا فيه أَمْره . فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ , وَكَانَ منْ الرّجَال , لَمْ يَكُنْ أَحَد منْ آل فرْعَوْن يَخْلُص إلَى أَحَد منْ بَني إسْرَائيل مَعَهُ بظُلْمٍ وَلَا سُخْرَة , حَتَّى امْتَنَعُوا كُلّ امْتنَاع . فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشي ذَات يَوْم في نَاحيَة الْمَدينَة , إذْ هُوَ برَجُلَيْن يَقْتَتلَان , أَحَدهمَا منْ بَني إسْرَائيل , وَالْآخَر منْ آل فرْعَوْن , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَغَضبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبه , لأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَم مَنْزلَة مُوسَى منْ بَني إسْرَائيل , وَحفْظه لَهُمْ , وَلَا يَعْلَم النَّاس إلَّا أَنَّمَا ذَلكَ منْ قَبْل الرَّضَاعَة غَيْر أُمّ مُوسَى , إلَّا أَنْ يَكُون اللَّه أَطْلَعَ مُوسَى منْ ذَلكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلع عَلَيْه غَيْره ; فَوَكَزَ مُوسَى الْفرْعَوْنيّ فَقَتَلَهُ , وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَد إلَّا اللَّه وَالْإسْرَائيليّ , فَقَالَ مُوسَى حين قَتَلَ الرَّجُل : { هَذَا منْ عَمَل الشَّيْطَان إنَّهُ عَدُوّ مُضلّ مُبين } [28 15 ]ثُمَّ قَالَ : { رَبّ إنّي ظَلَمْت نَفْسي فَاغْفرْ لي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحيم } [28 16 ] { فَأَصْبَحَ في الْمَدينَة خَائفًا يَتَرَقَّب } [28 18 ]الْأَخْبَار , فَأَتَى فرْعَوْن , فَقيلَ لَهُ : إنَّ بَني إسْرَائيل قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا منْ آل فرْعَوْن , فَخُذْ لَنَا بحَقّنَا وَلَا تُرَخّص لَهُمْ في ذَلكَ , فَقَالَ : ابْغُوني قَاتله وَمَنْ شَهدَ عَلَيْه , لأَنَّهُ لَا يَسْتَقيم أَنْ يَقْضي بغَيْر بَيّنَة وَلَا ثَبْت , فَطَلَبُوا لَهُ ذَلكَ ; فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجدُونَ ثَبْتًا , إذْ مَرَّ مُوسَى منْ الْغَد , فَرَأَى ذَلكَ الْإسْرَائيليّ يُقَاتل فرْعَوْنيًّا , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدمَ عَلَى مَا كَانَ منْهُ بالْأَمْس وَكَرهَ الَّذي رَأَى , فَغَضبَ مُوسَى , فَمَدّ يَده وَهُوَ يُريد أَنْ يَبْطش بالْفرْعَوْنيّ , قَالَ للْإسْرَائيليّ لَمَّا فَعَلَ بالْأَمْس وَالْيَوْم { إنَّك لَغَويّ مُبين } [28 18 ]فَنَظَرَ الْإسْرَائيليّ مُوسَى بَعْد مَا قَالَ , فَإذَا هُوَ غَضْبَان كَغَضَبه بالْأَمْس الَّذي قَتَلَ فيه الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ أَنْ يَكُون بَعْد مَا قَالَ لَهُ { إنَّك لَغَويّ مُبين } [28 18 ]أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ , وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ , وَإنَّمَا أَرَادَ الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ الْإسْرَائيليّ , فَحَاجَزَ الْفرْعَوْنيّ فَقَالَ : { يَا مُوسَى أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس } [28 19 ]وَإنَّمَا قَالَ ذَلكَ مَخَافَة أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى ليَقْتُلهُ , فَتَتَارَكَا ; فَانْطَلَقَ الْفرْعَوْنيّ إلَى قَوْمه , فَأَخْبَرَهُمْ بمَا سَمعَ منْ الْإسْرَائيليّ منْ الْخَبَر حين يَقُول : أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس ؟ فَأَرْسَلَ فرْعَوْن الذَّبَّاحينَ , فَسَلَكَ مُوسَى الطَّريق الْأَعْظَم , فَطَلَبُوهُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتهُمْ . وَجَاءَ رَجُل منْ شيعَة مُوسَى منْ أَقْصَى الْمَدينَة , فَاخْتَصَرَ طَريقًا قَريبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إلَى مُوسَى , فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر . )18193 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , (قَوْله : { فُتُونًا } قَالَ : بَلَاء , إلْقَاؤُهُ في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , ثُمَّ الْتقَاط آل فرْعَوْن إيَّاهُ , ثُمَّ خُرُوجه خَائفًا . قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , وَقَالَ أَبُو عَاصم : خَائفًا , أَوْ جَائعًا | شَكَّ أَبُو عَاصم | , وَقَالَ الْحَارث : خَائفًا يَتَرَقَّب , وَلَمْ يَشُكّ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله وَقَالَ : ( { خَائفًا يَتَرَقَّب } , وَلَمْ يَشُكّ . )18194 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : ابْتَلَيْنَاك بَلَاء . )18195 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } هُوَ الْبَلَاء عَلَى إثْر الْبَلَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَخْلَصْنَاك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18196 - حَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . )18197 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلم , قَالَ : (سَمعْت سَعيد بْن جُبَيْر , يُفَسّر هَذَا الْحَرْف : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا فيمَا مَضَى منْ كتَابنَا هَذَا مَعْنَى الْفتْنَة , وَأَنَّهَا الابْتلَاء وَالاخْتبَار بالْأَدلَّة الْمُغْنيَة عَنْ الْإعَادَة في هَذَا الْمَوْضع .|فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ|وَقَوْله : { فَلَبثْت سنينَ في أَهْل مَدْيَن } وَهَذَا الْكَلَام قَدْ حُذفَ منْهُ بَعْض مَا به تَمَامه اكْتفَاء بدَلَالَة مَا ذُكرَ عَمَّا حُذفَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَفَتَنَّاك فُتُونًا , فَخَرَجْت خَائفًا إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَبثْت سنينَ فيهمْ .|ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا|وَقَوْله : { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ جئْت للْوَقْت الَّذي أَرَدْنَا إرْسَالك إلَى فرْعَوْن رَسُولًا وَلمقْدَاره . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18198 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول : لَقَدْ جئْت لميقَاتٍ يَا مُوسَى . )18199 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ مُجَاهد , قَالَ : ( { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : مَوْعد . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَالَ : (عَليّ ذي مَوْعد . )18200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : ( { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : قَدَر الرّسَالَة وَالنُّبُوَّة . )وَالْعَرَب تَقُول : جَاءَ فُلَان عَلَى قَدَر : إذَا جَاءَ لميقَات الْحَاجَة إلَيْه ; وَمنْهُ قَوْل الشَّاعر : <br>نَالَ الْخلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا .......... كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر<br>

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَاصْطَنَعْتُك لنَفْسي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْرُهُ : { وَاصْطَنَعْتُك لنَفْسي } أَنْعَمْت عَلَيْك يَا مُوسَى هَذه النّعَم , وَمَنَنْت عَلَيْك هَذه الْمنَن , اجْتبَاء منّي لَك , وَاخْتيَارًا لرسَالَتي وَالْبَلَاغ عَنّي , وَالْقيَام بأَمْري وَنَهْيي .

لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

{ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك } هَارُون { بآيَاتي } يَقُول : بأَدلَّتي وَحُجَجي , اذْهَبَا إلَى فرْعَوْن بهَا إنَّهُ تَمَرَّدَ في ضَلَاله وَغَيّه , فَأَبْلغَاهُ رسَالَاتي .|وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي|يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في أَنْ تَذْكُرَاني فيمَا أَمَرْتُكُمَا وَنَهَيْتُكُمَا , فَإنَّ ذكْركُمَا إيَّايَ يُقَوّي عَزَائمكُمَا , وَيُثَبّت أَقْدَامكُمَا , لأَنَّكُمَا إذَا ذَكَرْتُمَاني , ذَكَرْتُمَا منّي عَلَيْكُمَا نعَمًا جَمَّة , وَمنَنًا لَا تُحْصَى كَثْرَة . يُقَال منْهُ : وَنَى فُلَان في هَذَا الْأَمْر , وَعَنْ هَذَا الْأَمْر : إذَا ضَعُفَ , وَهُوَ يَني وَنْيًا كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : <br>فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ .......... لَهُ الْإلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ <br>وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18201 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَنيَا } يَقُول : لَا تُبْطئَا . )* - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثَنْي عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في ذكْري . )18202 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { تَنيَا } تَضْعُفَا . )18203 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا في ذكْري . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : ( { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . )18204 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا . )18205 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : الْوَاني : هُوَ الْغَافل الْمُفَرّط , ذَلكَ الْوَاني .)

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ

لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنّف لهَذه الْآيَة بالتَّفْسير

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره لمُوسَى وَهَارُون : فَقُولَا لفرْعَوْن قَوْلًا لَيّنًا . ذُكرَ أَنَّ الْقَوْل اللَّيّن الَّذي أَمَرَهُمَا اللَّه أَنْ يَقُولَاهُ لَهُ , هُوَ أَنْ يُكَنّيَاهُ . 18206 - حَدَّثَني جَعْفَر ابْن ابْنَة إسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , قَالَ : ثنا سَعيد بْن مُحَمَّد الثَّقَفيّ , قَالَ : ثنا عَليّ بْن صَالح , عَنْ السُّدّيّ : ( { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا } قَالَ : كَنّيَاهُ .)|لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى|وَقَوْله : { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } اخْتَلَفَ في مَعْنَى قَوْله : { لَعَلَّهُ } في هَذَا الْمَوْضع , فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهَا هَهُنَا الاسْتفْهَام , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا , فَانْظُرَا هَلْ يَتَذَكَّر وَيُرَاجع أَوْ يَخْشَى اللَّه فَيَرْتَدع عَنْ طُغْيَانه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18207 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } يَقُول : هَلْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى لَعَلَّ هَهُنَا كَيْ . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى { اذْهَبَا إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } فَادْعُوَاهُ وَعظَاهُ ليَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى , كَمَا يَقُول الْقَائل : اعْمَلْ عَمَلك لَعَلَّك تَأْخُذ أَجْرك , بمَعْنَى : لتَأْخُذ أَجْرك , وَافْرُغْ منْ عَمَلك لَعَلَّنَا نَتَغَدَّى , بمَعْنَى : لنَتَغَدَّى , أَوْ حَتَّى نَتَغَدَّى , وَلكلَا هَذَيْن الْقَوْلَيْن وَجْه حَسَن , وَمَذْهَب صَحيح .

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ

وَقَوْله : { قَالَا رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى وَهَارُون : رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف فرْعَوْن إنْ نَحْنُ دَعَوْنَاهُ إلَى مَا أَمَرْتنَا أَنْ نَدْعُوهُ إلَيْه , أَنْ يَعْجَل عَلَيْنَا بالْعُقُوبَة ; وَهُوَ منْ قَوْلهمْ : فَرَطَ منّي إلَى فُلَان أَمَرَ : إذَا سَبَقَ منْهُ ذَلكَ إلَيْه , وَمنْهُ : فَارط الْقَوْم , وَهُوَ الْمُتَعَجّل الْمُتَقَدّم أَمَامهمْ إلَى الْمَاء أَوْ الْمَنْزل كَمَا قَالَ الرَّاجز : <br>قَدْ فَرَطَ الْعلْج عَلَيْنَا وَعَجلْ <br>وَأَمَّا الْإفْرَاط : فَهُوَ الْإسْرَاف وَالْإشْطَاط وَالتَّعَدّي . يُقَال منْهُ : أَفْرَطْت في قَوْلك : إذَا أَسْرَفَ فيه وَتَعَدَّى . وَأَمَّا التَّفْريط : فَإنَّهُ التَّوَاني . يُقَال منْهُ : فَرَطْت في هَذَا الْأَمْر حَتَّى فَاتَ : إذَا تَوَانَى فيه . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18208 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا } قَالَ : عُقُوبَة منْهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18209 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى } قَالَ : نَخَاف أَنْ يَعْجَل عَلَيْنَا إذْ نُبَلّغهُ كَلَامك أَوْ أَمْرك , يَفْرُط وَيَعْجَل . وَقَرَأَ ; { لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } . )

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } </subtitle>يَقُول اللَّه تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه لمُوسَى وَهَارُون : { لَا تَخَافَا } فرْعَوْن { إنَّني مَعَكُمَا } أُعينكُمَا عَلَيْه , وَأُبْصركُمَا { أَسْمَع } مَا يَجْري بَيْنكُمَا وَبَيْنه , فَأُفْهمَكُمَا مَا تُحَاورَانه به { وَأَرَى } مَا تَفْعَلَان وَيَفْعَل , لَا يَخْفَى عَلَيَّ منْ ذَلكَ شَيْء { فَأْتيَاهُ فَقُولَا } لَهُ { إنَّا رَسُولَا رَبّك } . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18210 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج ( { قَالَ لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } مَا يُحَاوركُمَا , فَأُوحي إلَيْكُمَا فَتُجَاوبَانه .)

إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ

وَقَوْله : { فَأْتيَاهُ فَقُولَا إنَّا رَسُولَا رَبّك } أَرْسَلْنَا إلَيْك يَأْمُرك أَنْ تُرْسل مَعَنَا بَني إسْرَائيل , فَأَرْسلْهُمْ مَعَنَا وَلَا تُعَذّبهُمْ بمَا تُكَلّفهُمْ منْ الْأَعْمَال الرَّديئَة .|قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ| { قَدْ جئْنَاك بآيَةٍ } مُعْجزَة { منْ رَبّك } عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَنَا إلَيْك بذَلكَ , إنْ أَنْتَ لَمْ تُصَدّقنَا فيمَا نَقُول لَك أَرَيْنَاكهَا ,|وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى|يَقُول : وَالسَّلَامَة لمَنْ اتَّبَعَ هُدَى اللَّه , وَهُوَ بَيَانه . يُقَال : السَّلَام عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى , وَلمَنْ اتَّبَعَ بمَعْنًى وَاحد .

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { إنَّا قَدْ أُوحيَ إلَيْنَا أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره لرَسُوله مُوسَى وَهَارُون : قُولَا لفرْعَوْن إنَّا قَدْ أَوْحَى إلَيْنَا رَبّك أَنَّ عَذَابه الَّذي لَا نَفَاد لَهُ , وَلَا انْقطَاع عَلَى مَنْ كَذَّبَ بمَا نَدْعُوهُ إلَيْه منْ تَوْحيد اللَّه وَطَاعَته , وَإجَابَة رُسُله { وَتَوَلَّى } يَقُول : وَأَدْبَرَ مُعْرضًا عَمَّا جئْنَاهُ به منْ الْحَقّ , كَمَا : 18211 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } كَذَّبَ بكتَاب اللَّه , وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَة اللَّه .)

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ

وَقَوْله : { قَالَ فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى } في هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك , تُركَ ذكْره اسْتغْنَاء بدَلَالَة مَا ذُكرَ عَلَيْه عَنْهُ , وَهُوَ قَوْله : { فَأْتيَاهُ } فَقَالَا لَهُ مَا أَمَرَهُمَا به رَبّهمَا وَأَبْلَغَاهُ رسَالَته , فَقَالَ فرْعَوْن لَهُمَا { فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى } فَخَاطَبَ مُوسَى وَحْده بقَوْله : يَا مُوسَى , وَقَدْ وَجَّهَ الْكَلَام قَبْل ذَلكَ إلَى مُوسَى وَأَخيه . وَإنَّمَا فَعَلَ ذَلكَ كَذَلكَ , لأَنَّ الْمُجَاوَبَة إنَّمَا تَكُون منْ الْوَاحد وَإنْ كَانَ الْخطَاب بالْجَمَاعَة لَا منْ الْجَميع , وَذَلكَ نَظير قَوْله : { نَسيَا حُوتهمَا } [18 61 ]وَكَانَ الَّذي يَحْمل الْحُوت وَاحد , وَهُوَ فَتَى مُوسَى , يَدُلّ عَلَى ذَلكَ قَوْله : { فَإنّي نَسيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانيهُ إلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ } . [18 63]

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ

وَقَوْله : { قَالَ رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى لَهُ مُجيبًا : رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه , يَعْني : نَظير خَلْقه في الصُّورَة وَالْهَيْئَة كَالذُّكُور منْ بَني آدَم , أَعْطَاهُمْ نَظير خَلْقهمْ منْ الْإنَاث أَزْوَاجًا , وَكَالذُّكُور منْ الْبَهَائم , أَعْطَاهَا نَظير خَلْقهَا , وَفي صُورَتهَا وَهَيْئَتهَا منْ الْإنَاث أَزْوَاجًا , فَلَمْ يُعْط الْإنْسَان خلَاف خَلْقه , فَيُزَوّجهُ بالْإنَاث منْ الْبَهَائم , وَلَا الْبَهَائم بالْإنَاث منْ الْإنْس , ثُمَّ هَدَاهُمْ للْمَأْتيّ الَّذي منْهُ النَّسْل وَالنَّمَاء كَيْف يَأْتيه , وَلسَائر مَنَافعه منْ الْمَطَاعم وَالْمَشَارب , وَغَيْر ذَلكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل ذَلكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : بنَحْو الَّذي قُلْنَا فيه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18212 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول : خَلَقَ لكُلّ شَيْء زَوْجَة , ثُمَّ هَدَاهُ لمَنْكَحه وَمَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَسْكَنه وَمَوْلده . )18213 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ : ( { قَالَ رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول : أَعْطَى كُلّ دَابَّة خَلَقَهَا زَوْجًا , ثُمَّ هَدَى للنّكَاح . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { ثُمَّ هَدَى } أَنَّهُ هَدَاهُمْ إلَى الْأُلْفَة وَالاجْتمَاع وَالْمُنَاكَحَة . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18214 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَعْني : هَدَى بَعْضهمْ إلَى بَعْض , أَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ وَهَدَاهُمْ للتَّزْويج أَنْ يُزَوّج بَعْضهمْ بَعْضًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته , وَهيَ خَلْقه الَّذي خَلَقَهُ به , ثُمَّ هَدَاهُ لمَا يُصْلحهُ منْ الاحْتيَال للْغذَاء وَالْمَعَاش . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18215 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائب , قَالَا : ثنا ابْن إدْريس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : ( { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته ثُمَّ هَدَى كُلّ شَيْء إلَى مَعيشَته . )* - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْل اللَّه : ( { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : سَوَّى خَلْق كُلّ دَابَّة , ثُمَّ هَدَاهَا لمَا يُصْلحهَا , فَعَلَّمَهَا إيَّاهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : سَوَّى خَلْق كُلّ دَابَّة ثُمَّ هَدَاهَا لمَا يُصْلحهَا وَعَلَّمَهَا إيَّاهُ , وَلَمْ يَجْعَل النَّاس في خَلْق الْبَهَائم , وَلَا خَلْق الْبَهَائم في خَلْق النَّاس , وَلَكنْ خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْديرًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد عَنْ مُجَاهد ( { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : هَدَاهُ إلَى حيلَته وَمَعيشَته . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا يُصْلحهُ , ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18216 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه } قَالَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا يُصْلحهُ . ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذي اخْتَرْنَا في تَأْويل ذَلكَ , لأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه , وَلَا يُعْطي الْمُعْطي نَفْسه , بَلْ إنَّمَا يُعْطي مَا هُوَ غَيْره , لأَنَّ الْعَطيَّة تَقْتَضي الْمُعْطي الْمُعْطَى وَالْعَطيَّة , وَلَا تَكُون الْعَطيَّة هيَ الْمُعْطَى , وَإذَا لَمْ تَكُنْ هيَ هُوَ , وَكَانَتْ غَيْره , وَكَانَتْ صُورَة كُلّ خَلْق بَعْض أَجْزَائه , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إذَا قيلَ : أَعْطَى الْإنْسَان صُورَته , إنَّمَا يَعْني أَنَّهُ أَعْطَى بَعْض الْمَعَاني الَّتي به مَعَ غَيْره دُعيَ إنْسَانًا , فَكَأَنَّ قَائله قَالَ : أَعْطَى كُلّ خَلْق نَفْسه , وَلَيْسَ ذَلكَ إذَا وُجّهَ إلَيْه الْكَلَام بالْمَعْرُوف منْ مَعَاني الْعَطيَّة , وَإنْ كَانَ قَدْ يَحْتَملهُ الْكَلَام . فَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَالْأَصْوَب منْ مَعَانيه أَنْ يَكُون مُوَجَّهًا إلَى أَنَّ كُلّ شَيْء أَعْطَاهُ رَبّه مثْل خَلْقه , فَزَوَّجَهُ به , ثُمَّ هَدَاهُ لمَا بَيَّنَّا , ثُمَّ تَرَكَ ذكْر مَثَل , وَقيلَ { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه } كَمَا يُقَال : عَبْد اللَّه مثْل الْأَسَد , ثُمَّ يُحْذَف مثْل , فَيَقُول : عَبْد اللَّه الْأَسَد .

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ فرْعَوْن لمُوسَى , إذْ وَصَفَ مُوسَى رَبّه جَلَّ جَلَاله بمَا وَصَفَهُ به منْ عَظيم السُّلْطَان , وَكَثْرَة الْإنْعَام عَلَى خَلْقه وَالْإفْضَال : فَمَا شَأْن الْأُمَم الْخَاليَة منْ قَبْلنَا لَمْ تُقرّ بمَا تَقُول , وَلَمْ تُصَدّق بمَا تَدْعُو إلَيْه , وَلَمْ تُخْلص لَهُ الْعبَادَة , وَلَكنَّهَا عَبَدَتْ الْآلهَة وَالْأَوْثَان منْ دُونه , إنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا تَصف منْ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا خَلْقه , وَأَنَّهَا في نعَمه تَتَقَلَّب , وَفي منَنه تَتَصَرَّف ؟

وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ

فَأَجَابَهُ مُوسَى فَقَالَ : علْم هَذه الْأُمَم الَّتي مَضَتْ منْ قَبْلنَا فيمَا فَعَلَتْ منْ ذَلكَ , عنْد رَبّي في كتَاب : يَعْني في أُمّ الْكتَاب , لَا علْم لي بأَمْرهَا , وَمَا كَانَ سَبَب ضَلَال مَنْ ضَلَّ منْهُمْ فَذَهَبَ عَنْ دين اللَّه { لَا يَضلّ رَبّي } يَقُول : لَا يُخْطئ رَبّي في تَدْبيره وَأَفْعَاله , فَإنْ كَانَ عَذَّبَ تلْكَ الْقُرُون في عَاجل , وَعَجَّلَ هَلَاكهَا , فَالصَّوَاب مَا فَعَلَ , وَإنْ كَانَ أَخَّرَ عقَابهَا إلَى الْقيَامَة , فَالْحَقّ مَا فَعَلَ , هُوَ أَعْلَم بمَا يَفْعَل , لَا يُخْطئ رَبّي { وَلَا يَنْسَى } فَيَتْرُك فعْل مَا فَعَلَهُ حكْمَة وَصَوَاب . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18217 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { في كتَاب لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } يَقُول : لَا يُخْطئ رَبّي وَلَا يَنْسَى . )18218 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } يَقُول فَمَا أَعْمَى الْقُرُون الْأُولَى , فَوَكَلَهَا نَبيّ اللَّه مُوكلًا فَقَالَ : { علْمهَا عنْد رَبّي } . ... الْآيَة يَقُول : أَيْ أَعْمَارهَا وَآجَالهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } وَاحد . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18219 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } قَالَ : هُمَا شَيْء وَاحد . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . وَالْعَرَب تَقُول : ضَلَّ فُلَان مَنْزله : إذَا أَخْطَأَهُ , يَضلّهُ بغَيْر أَلف , وَكَذَلكَ ذَلكَ في كُلّ مَا كَانَ منْ شَيْء ثَابت لَا يَبْرَح , فَأَخْطَأَهُ مُريده , فَإنَّهَا تَقُول : أَضَلَّهُ , فَأَمَّا إذَا ضَاعَ منْهُ مَا يَزُول بنَفْسه منْ دَابَّة وَنَاقَة وَمَا أَشْبَهَ ذَلكَ منْ الْحَيَوَان الَّذي يَنْفَلت منْهُ فَيَذْهَب , فَإنَّهَا تَقْلُو : أَضَلَّ فُلَان بَعيره أَوْ شَاته أَوْ نَاقَته يَضلّهُ بالْأَلف . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النّسْيَان فيمَا مَضَى قَبْل بمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته .

وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { الَّذي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في قرَاءَة قَوْله { مَهْدًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة : | الَّذي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مهَادًا | بكَسْر الْميم منْ الْمهَاد وَإلْحَاق أَلف فيه بَعْد الْهَاء , وَكَذَلكَ عَمَلهمْ ذَلكَ في كُلّ الْقُرْآن . وَزَعَمَ بَعْض مَنْ اخْتَارَ قرَاءَة ذَلكَ كَذَلكَ , أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَارَهُ منْ أَجْل أَنَّ الْمهَاد : اسْم الْمَوْضع , وَأَنَّ الْمَهْد الْفعْل ; قَالَ : وَهُوَ مثْل الْفُرُش وَالْفرَاش . وَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفيّينَ : { مَهْدًا } بمَعْنَى : الَّذي مَهَدَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا . وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنْ يُقَال : إنَّهُمَا قرَاءَتَان مُسْتَفيضَتَان في قرَاءَة الْأَمْصَار مَشْهُورَتَان , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب فيهَا .|وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا|وَقَوْله : { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } يَقُول : وَأَنْهَجَ لَكُمْ في الْأَرْض طُرُقًا . وَالْهَاء في قَوْله فيهَا : منْ ذكْر الْأَرْض , كَمَا : 18220 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } : أَيْ طُرُقًا .)|وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى|وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَاء } يَقُول : وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَطَرًا { فَأَخْرَجْنَا لَهُ أَزْوَاجًا منْ نَبَات شَتَّى } وَهَذَا خَبَر منْ اللَّه تَعَالَى ذكْره عَنْ إنْعَامه عَلَى خَلْقه بمَا يَحْدُث لَهُمْ منْ الْغَيْث الَّذي يُنْزلهُ منْ سَمَائه إلَى أَرْضه , بَعْد تَنَاهي خَبَره عَنْ جَوَاب مُوسَى فرْعَوْن عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَثَنَائه عَلَى رَبّه بمَا هُوَ أَهْله . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَخْرَجْنَا نَحْنُ أَيّهَا النَّاس بمَا نُنَزّل منْ السَّمَاء منْ مَاء أَزْوَاجًا , يَعْني أَلْوَانًا منْ نَبَات شَتَّى , يَعْني مُخْتَلفَة الطُّعُوم , وَالْأَرَاييح وَالْمَنْظَر . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18221 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { منْ نَبَات شَتَّى } يَقُول : مُخْتَلف .)

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامكُمْ إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لأُولي النُّهَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : كُلُوا أَيّهَا النَّاس منْ طَيّب مَا أَخْرَجْنَا لَكُمْ بالْغَيْث الَّذي أَنْزَلْنَاهُ منْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض منْ ثمَار ذَلكَ وَطَعَامه , وَمَا هُوَ منْ أَقْوَاتكُمْ وَغذَائكُمْ , وَارْعَوْا فيمَا هُوَ أَرْزَاق بَهَائمكُمْ منْهُ وَأَقْوَاتهَا أَنْعَامكُمْ .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي| { إنَّ في ذَلكَ لَآيَات } يَقُول : إنَّ فيمَا وَصَفْت في هَذه الْآيَة منْ قُدْرَة رَبّكُمْ , وَعَظيم سُلْطَانه لَآيَات : يَعْني لَدَلَالَات وَعَلَامَات تَدُلّ عَلَى وَحْدَانيَّة رَبّكُمْ , وَأَنْ لَا إلَه لَكُمْ غَيْره { أُولي النُّهَى } يَعْني : أَهْل الْحجَى وَالْعُقُول . وَالنُّهَى : جَمَعَ نُهْيَة , كَمَا الْكُشَى : جَمْع كُشْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْكُشَى : شَحْمَة تَكُون في جَوْف الضَّبّ , شَبيهَة بالسُّرَّة ; وَخَصَّ تَعَالَى ذكْره بأَنَّ ذَلكَ آيَات لأُولي النُّهَى , لأَنَّهُمْ أَهْل التَّفَكُّر وَالاعْتبَار , وَأَهْل التَّدَبُّر وَالاتّعَاظ .

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ

يَقُول تَعَالَى ذكْره : منْ الْأَرْض خَلَقْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَأَنْشَأْنَاكُمْ أَجْسَامًا نَاطقَة .|وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ|يَقُول : وَفي الْأَرْض نُعيدكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَنُصَيّركُمْ تُرَابًا , كَمَا كُنْتُمْ قَبْل إنْشَائنَا لَكُمْ بَشَرًا سَويًّا .|وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ|يَقُول : وَمنْ الْأَرْض نُخْرجكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ أَحْيَاء , فَنُنْشئكُمْ منْهَا , كَمَا أَنْشَأْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة .|تَارَةً أُخْرَى|وَقَوْله : { تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى , كَمَا : 18222 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمنْهَا نُخْرجكُمْ تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى . )18223 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { تَارَة أُخْرَى } قَالَ : مَرَّة أُخْرَى الْخَلْق الْآخَر . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ : منْ الْأَرْض أَخْرَجْنَاكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا خَلْقًا سَويًّا , وَسَنُخْرجُكُمْ منْهَا بَعْد مَمَاتكُمْ مَرَّة أُخْرَى , كَمَا أَخْرَجْنَاكُمْ منْهَا أَوَّل مَرَّة .

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتنَا كُلّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ أَرَيْنَا فرْعَوْن آيَاتنَا , يَعْني أَدلَّتنَا وَحُجَجنَا عَلَى حَقيقَة مَا أَرْسَلْنَا به رَسُولَيْنَا , مُوسَى وَهَارُون إلَيْه كُلّهَا { فَكَذَّبَ وَأَبَى } أَنْ يَقْبَل منْ مُوسَى وَهَارُون مَا جَاءَا به منْ عنْد رَبّهمَا منْ الْحَقّ اسْتكْبَارًا وَعُتُوًّا .

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَجئْتنَا لتُخْرجنَا منْ أَرْضنَا بسحْرك يَا مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ فرْعَوْن لَمَّا أَرَيْنَاهُ آيَاتنَا كُلّهَا لرَسُولنَا مُوسَى : أَجئْتنَا يَا مُوسَى لتُخْرجنَا منْ مَنَازلنَا وَدُورنَا بسحْرك هَذَا الَّذي جئْتنَا به

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

{ فَلَنَأْتيَنَّك بسحْرٍ مثْله فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعدًا } لَا نَتَعَدَّاهُ , لنَجيءَ بسحْرٍ مثْل الَّذي جئْت به , فَنَنْظُر أَيّنَا يَغْلب صَاحبه , لَا نُخْلف ذَلكَ الْمَوْعد { نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } يَقُول : بمَكَانٍ عَدْل بَيْننَا وَبَيْنك وَنَصَف . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقُرَّاته عَامَّة قُرَّاء الْحجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفيّينَ : | مَكَانًا سوًى | بكَسْر السّين , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { مَكَانًا سُوًى } بضَمّهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدنَا , أَنَّهُمَا لُغَتَان , أَعْني الْكَسْر وَالضَّمّ في السّين منْ | سُوًى | مَشْهُورَتَان في الْعَرَب . وَقَدْ قَرَأَتْ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا عُلَمَاء منْ الْقُرَّاء , مَعَ اتّفَاق مَعْنَيَيْهمَا , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب . وَللْعَرَب في ذَلكَ إذَا كَانَ بمَعْنَى الْعَدْل وَالنَّصْب لُغَة هيَ أَشْهَر منْ الْكَسْر وَالضَّمّ وَهُوَ الْفَتْح , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { تَعَالَوْا إلَى كَلمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } [3 64 ]وَإذَا فَتَحَ السّين منْهُ مَدَّ . وَإذَا كُسرَتْ أَوْ ضُمَّتْ قَصَرَ , كَمَا قَالَ الشَّاعر : <br>فَإنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ ببَلْدَةٍ .......... سُوًى بَيْن قَيْس قَيْس عَيَلَان وَالْفزْر <br>وَنَظير ذَلكَ منْ الْأَسْمَاء : طُوَى , وَطَوَى ; وَثُنَى وَثَنَى ; وَعُدَى , وَعَدَى . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18224 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : ( { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : مُنْصفًا بَيْنهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , بنَحْوه . 18225 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَكَانًا سُوًى } : أَيْ عَادلًا بَيْننَا وَبَيْنك . )18226 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : نَصَفًا بَيْننَا وَبَيْنك . )18227 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , في قَوْله : ( { فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعدًا لَا نُخْلفهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } قَالَ : يَقُول : عَدْلًا . )وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول في ذَلكَ مَا : 18228 - حَدَّثَني به يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد في قَوْله : ( { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : مَكَانًا مُسْتَويًا يَتَبَيَّن للنَّاس مَا فيه , لَا يَكُون صَوْب وَلَا شَيْء فَيَغيب بَعْض ذَلكَ عَنْ بَعْض مُسْتَوٍ حين يَرَى .)

فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى لفرْعَوْن , حين سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَل بَيْنه وَبَيْنه مَوْعدًا للاجْتمَاع : مَوْعدكُمْ للاجْتمَاع { يَوْم الزّينَة } يَعْني يَوْم عيد كَانَ لَهُمْ , أَوْ سُوق كَانُوا يَتَزَيَّنُونَ فيه { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس } يَقُول : وَأَنْ يُسَاق النَّاس منْ كُلّ فَجّ وَنَاحيَة { ضُحًى } فَذَلكَ مَوْعد مَا بَيْني وَبَيْنك للاجْتمَاع . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18229 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } فَإنَّهُ يَوْم زينَة يَجْتَمع النَّاس إلَيْه وَيُحْشَر النَّاس لَهُ . )18230 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج ( { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم زينَة لَهُمْ , وَيَوْم عيد لَهُمْ { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } إلَى عيد لَهُمْ . )18231 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعيد ( { يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم السُّوق . )18232 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { يَوْم الزّينَة } : مَوْعدهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18233 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , (قَالَ مُوسَى : { مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } وَذَلكَ يَوْم عيد لَهُمْ . )18234 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } يَوْم عيد كَانَ لَهُمْ . وَقَوْله : { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } يَجْتَمعُونَ لذَلكَ الْميعَاد الَّذي وُعدُوهُ . )18235 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم الْعيد , يَوْم يَتَفَرَّغ النَّاس منْ الْأَعْمَال , وَيَشْهَدُونَ وَيَحْضُرُونَ وَيَرَوْنَ . )18236 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق ( { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } يَوْم عيد كَانَ فرْعَوْن يَخْرُج لَهُ { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } حَتَّى يَحْضُرُوا أَمْري وَأَمْرك . )وَأَنَّ منْ قَوْله { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } رُفعَ بالْعَطْف عَلَى قَوْله { يَوْم الزّينَة } . وَذُكرَ عَنْ أَبي نُهَيْك في ذَلكَ مَا : 18237 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمن , قَالَ : (سَمعْت أَبَا نُهَيْك يَقُول : { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } يَعْني فرْعَوْن يَحْشُر قَوْمه .)

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

وَقَوْله : { فَتَوَلَّى فرْعَوْن } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَأَدْبَرَ فرْعَوْن مُعْرضًا عَمَّا أَتَاهُ به منْ الْحَقّ { فَجَمَعَ كَيْده } يَقُول : فَجَمَعَ مَكْره , وَذَلكَ جَمْعه سَحَرَته بَعْد أَخْذه إيَّاهُمْ بتَعَلُّمه , { ثُمَّ أَتَى } يَقُول : ثُمَّ جَاءَ للْمَوْعد الَّذي وَعَدَهُ مُوسَى , وَجَاءَ بسَحَرَته .

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : { قَالَ مُوسَى } للسَّحَرَة لَمَّا جَاءَ بهمْ فرْعَوْن : { وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذبًا } يَقُول : لَا تَخْتَلقُوا عَلَى اللَّه كَذبًا , وَلَا تَتَقَوَّلُوهُ .|فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ| { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } فَيَسْتَأْصلكُمْ بهَلَاكٍ فَيُبيدكُمْ . وَللْعَرَب فيه لُغَتَان : سَحَتَ , وَأَسْحَتَ , وَسَحَتَ , أَكْثَر منْ أَسْحَتَ , يُقَال منْهُ : سَحَتَ الدَّهْر , وَأَسْحَتَ مَال فُلَان : إذَا أَهْلَكَهُ فَهُوَ يُسْحتهُ سُحْتًا , وَأَسْحَتَهُ يُسْحتهُ إسْحَاتًا . وَمنْ الْإسْحَات قَوْل الْفَرَزْدَق : <br>وَعَضّ زَمَان يَا ابْن مَرْوَنَ لَمْ يَدَعْ .......... منْ الْمَال إلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّف <br>وَيُرْوَى : إلَّا مُسْحَت أَوْ مُجَلَّف . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18238 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } يَقُول : فَيُهْلككُمْ . )18239 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } يَقُول : يَسْتَأْصلكُمْ بعَذَابٍ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : ( { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } قَالَ : فَيَسْتَأْصلكُمْ بعَذَابٍ فَيُهْلككُمْ . )18240 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } قَالَ : يُهْلككُمْ هَلَاكًا لَيْسَ فيه بَقيَّة , قَالَ : وَاَلَّذي يُسْحت لَيْسَ فيه بَقيَّة . )18241 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ } يَقُول يُهْلككُمْ بعَذَابٍ . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : | فَيُسْحتَكُمْ | بفَتْح الْيَاء منْ سَحَتَ يَسْحَت . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { فَيُسْحتَكُمْ } بضَمّ الْيَاء منْ أَسْحَتَ يُسْحت . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل في ذَلكَ عنْدنَا أَنَّهُمَا قرَاءَتَان مَشْهُورَتَان , وَلُغَتَان مَعْرُوفَتَان بمَعْنًى وَاحد , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب , غَيْر أَنَّ الْفَتْح فيهَا أَعْجَب إلَيَّ لأَنَّهَا لُغَة أَهْل الْعَاليَة , وَهيَ أَفْصَح , وَالْأُخْرَى وَهيَ الضَّمّ في نَجْد .|وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى|وَقَوْله : { وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } يَقُول : وَلَمْ يَظْفَر مَنْ يَخْلُق كَذبًا وَيَقُولهُ , بكَذبه ذَلكَ , بحَاجَته الَّتي طَلَبهَا به , وَرَجَا إدْرَاكهَا به .

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَتَنَازَعَ السَّحَرَة أَمْرهمْ بَيْنهمْ . وَكَانَ تَنَازُعهمْ أَمْرهمْ بَيْنهمْ فيمَا ذُكرَ أَنْ قَالَ بَعْضهمْ لبَعْضٍ , مَا : 18242 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } قَالَ السَّحَرَة بَيْنهمْ : إنْ كَانَ هَذَا سَاحرًا فَإنَّا سَنَغْلبُهُ , وَإنْ كَانَ منْ السَّمَاء فَلَهُ أَمْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ أَنَّ بَعْضهمْ قَالَ لبَعْضٍ : مَا هَذَا الْقَوْل بقَوْل سَاحر . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18243 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (جَمَعَ كُلّ سَاحر حبَاله وَعصيّه , وَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ أَخُوهُ يَتَّكئ عَلَى عَصَاهُ , حَتَّى أَتَى الْمَجْمَع , وَفرْعَوْن في مَجْلسه , مَعَهُ أَشْرَاف أَهْل مَمْلَكَته , قَدْ اسْتَكَفَّ لَهُ النَّاس , فَقَالَ مُوسَى للسَّحَرَة حين جَاءَهُمْ : { وَيْلكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّه كَذبًا فَيُسْحتَكُمْ بعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } فَتَرَادَّ السَّحَرَة بَيْنهمْ , وَقَالَ بَعْضهمْ لبَعْضٍ : مَا هَذَا بقَوْل سَاحر . )وَقَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَأَسَرُّوا السَّحَرَة الْمُنَاجَاة بَيْنهمْ .

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعلْم في السّرَار الَّذي أَسَرُّوهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَوْل بَعْضهمْ لبَعْضٍ : إنْ كَانَ هَذَا سَاحرًا فَإنَّا سَنَغْلبُهُ , وَإنْ كَانَ منْ أَمْر السَّمَاء فَإنَّهُ سَيَغْلبُنَا . وَقَالَ آخَرُونَ في ذَلكَ مَا : 18244 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (أَشَارَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض بتَنَاجٍ : { إنَّ هَذَان لَسَاحرَان يُريدَان أَنْ يُخْرجَاكُمْ منْ أَرْضكُمْ بسحْرهمَا } . )18245 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ : { فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } منْ دُون مُوسَى وَهَارُون , قَالُوا في نَجْوَاهُمْ : { إنَّ هَذَان لَسَاحرَان يُريدَان أَنْ يُخْرجَاكُمْ منْ أَرْضكُمْ بسحْرهمَا وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالُوا : إنَّ هَذَان لَسَاحرَان , يَعْنُونَ بقَوْلهمْ : إنَّ هَذَان مُوسَى وَهَارُون , لَسَاحرَان يُريدَان أَنْ يُخْرجَاكُمْ منْ أَرْضكُمْ بسحْرهمَا , كَمَا : 18246 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إنَّ هَذَان لَسَاحرَان يُريدَان أَنْ يُخْرجَاكُمْ منْ أَرْضكُمْ بسحْرهمَا } مُوسَى وَهَارُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهمَا . )وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله : { إنَّ هَذَان لَسَاحرَان } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : | إنَّ هَذَان | بتَشْديد إنَّ وَبالْأَلف في هَذَان , وَقَالُوا : قَرَأْنَا ذَلكَ كَذَلكَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبيَّة منْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : | إنْ | خَفيفَة في مَعْنَى ثَقيلَة , وَهيَ لُغَة لقَوْمٍ يَرْفَعُونَ بهَا , وَيَدْخُلُونَ اللَّام ليُفَرّقُوا بَيْنهَا وَبَيْن الَّتي تَكُون في مَعْنَى مَا . وَقَالَ بَعْض نَحْويّي الْكُوفَة : ذَلكَ عَلَى وَجْهَيْن : أَحَدهمَا عَلَى لُغَة بَني الْحَارث بْن كَعْب وَمَنْ جَاوَرَهُمْ , يَجْعَلُونَ الاثْنَيْن في رَفْعهمَا وَنَصْبهمَا وَخَفْضهمَا بالْأَلف . وَقَدْ أَنْشَدَني رَجُل منْ الْأَسَد عَنْ بَعْض بَني الْحَارث بْن كَعْب : <br>فَأَطْرَقَ إطْرَاق الشُّجَاع وَلَوْ رَأَى .......... مَسَاغًا لنَابَاهُ الشُّجَاع لَصَمَّمَا <br>قَالَ : وَحَكَى عَنْهُ أَيْضًا : هَذَا خَطّ يَد أَخي أَعْرفهُ , قَالَ : وَذَلكَ وَإنْ كَانَ قَليلًا أَقْيَس , لأَنَّ الْعَرَب قَالُوا : مُسْلمُونَ , فَجَعَلُوا الْوَاو تَابعَة للضَّمَّة , لأَنَّهَا لَا تُعْرَب , ثُمَّ قَالُوا رَأَيْت الْمُسْلمينَ , فَجَعَلُوا الْيَاء تَابعَة لكسْرَة الْميم ; قَالُوا : فَلَمَّا رَأَوْا الْيَاء منْ الاثْنَيْن لَا يُمْكنهُمْ كَسْر مَا قَبْلهَا , وَثَبَتَ مَفْتُوحًا , تَرَكُوا الْأَلف تَتْبَعهُ , فَقَالُوا : رَجُلَان في كُلّ حَال . قَالَ . وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْعَرَب عَلَى إثْبَات الْأَلف في كلَا الرّجْلَيْن , في الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض , وَهُمَا اثْنَان , إلَّا بَني كنَانَة , فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ : رَأَيْت كلَيْ الرَّجُلَيْن , وَمَرَرْت بكَلَيْ الرَّجُلَيْن , وَهيَ قَبيحَة قَليلَة مَضَوْا عَلَى الْقيَاس . قَالَ : وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ تَقُول : وَجَدْت الْأَلف منْ هَذَا دعَامَة , وَلَيْسَتْ بلَامٍ | فَعْلَى | ; فَلَمَّا بَنَيْت زدْت عَلَيْهَا نُونًا , ثُمَّ تَرَكْت الْأَلف ثَابتَة عَلَى حَالهَا لَا تَزُول كُلّ حَال , كَمَا قَالَتْ الْعَرَب الَّذي , ثُمَّ زَادُوا نُونًا تَدُلّ عَلَى الْجَمْع , فَقَالُوا : الَّذينَ في رَفْعهمْ وَنَصْبهمْ وَخَفْضهمْ , كَمَا تَرَكُوا هَذَان في رَفْعه وَنَصْبه وَخَفْضه . قَالَ : وَكَانَ الْقيَاس أَنْ يَقُولُوا : الَّذُون . وَقَالَ آخَر منْهُمْ : ذَلكَ منْ الْجَزْم الْمُرْسَل , وَلَوْ نُصبَ لَخَرَجَ إلَى الانْبسَاط . 18247 - وَحُدّثْت عَنْ أَبي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو وَعيسَى بْن عُمَر وَيُونُس , إنَّ هَذَيْن لَسَاحرَان في اللَّفْظ , وَكَتَبَ | هَذَان | كَمَا يُريدُونَ الْكتَاب , وَاللَّفْظ صَوَاب . قَالَ : وَزَعَمَ أَبُو الْخَطَّاب أَنَّهُ سَمعَ قَوْمًا منْ بَني كنَانَة وَغَيْرهمْ , يَرْفَعُونَ الاثْنَيْن في مَوْضع الْجَرّ وَالنَّصْب . قَالَ : وَقَالَ بشْر بْن هلَال : إنَّ بمَعْنَى الابْتدَاء وَالْإيجَاب . أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعْمَل فيمَا يَليهَا , وَلَا تَعْمَل فيمَا بَعْد الَّذي بَعْدهَا , فَتَرْفَع الْخَبَر وَلَا تَنْصبهُ , كَمَا نَصَبْت الاسْم , فَكَانَ مَجَاز | إنَّ هَذَان لَسَاحرَان | , مَجَاز كَلَامَيْن , مَخْرَجه : إنَّهُ : إي نَعَمْ , ثُمَّ قُلْت : هَذَان سَاحرَان . أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ الْمُشْتَرَك كَقَوْل ضَابئ : <br>فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بالْمَدينَة رَحْله .......... فَإنّي وَقَيَّار بهَا لَغَريب <br>وَقَوْله : <br>إنَّ السُّيُوف غُدُوّهَا وَرَوَاحهَا .......... تَرَكْت هَوَازن مثْل قَرْن الْأَعْضَب <br>قَالَ : وَيَقُول بَعْضهمْ : إنَّ اللَّه وَمَلَائكَته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيّ , فَيَرْفَعُونَ عَلَى شَركَة الابْتدَاء , وَلَا يَعْمَلُونَ فيه إنَّ . قَالَ : وَقَدْ سَمعْت الْفُصَحَاء منْ الْمُحْرمينَ يَقُولُونَ : إنَّ الْحَمْد وَالنّعْمَة لَك وَالْمُلْك , لَا شَريك لَك . قَالَ : وَقَرَأَهَا قَوْم عَلَى تَخْفيف نُون إنْ وَإسْكَانهَا . قَالَ : وَيَجُوز ; لأَنَّهُمْ قَدْ أَدْخَلُوا اللَّام في الابْتدَاء وَهيَ فَصْل , قَالَ : <br>أُمّ الْحُلَيْس لَعَجُوز شَهْرَبَهْ <br>قَالَ : وَزَعَمَ قَوْم أَنَّهُ لَا يَجُوز , لأَنَّهُ إذَا خَفَّفَ نُون | إنْ | فَلَا بُدّ لَهُ منْ أَنْ يُدْخل | إلَّا | فَيَقُول : إنْ هَذَا إلَّا سَاحرَان . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقرَاءَة في ذَلكَ عنْدنَا : { إنَّ } بتَشْديد نُونهَا , وَهَذَان بالْأَلف لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْه , وَأَنَّهُ كَذَلكَ هُوَ في خَطّ الْمُصْحَف . وَوَجْهه إذَا قُرئَ كَذَلكَ مُشَابَهَته الَّذينَ إذْ زَادُوا عَلَى الَّذي النُّون , وَأَقَرَّ في جَميع الْأَحْوَال الْإعْرَاب عَلَى حَالَة وَاحدَة , فَكَذَلكَ { إنَّ هَذَان } زيدَتْ عَلَى هَذَا نُون وَأَقَرَّ في جَميع أَحْوَال الْإعْرَاب عَلَى حَال وَاحدَة , وَهيَ لُغَة الْحَارث بْن كَعْب , وَخَثْعَمَ , وَزُبَيْد , وَمَنْ وَليَهُمْ منْ قَبَائل الْيَمَن .|وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى|وَقَوْله : { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } يَقُول : وَيَغْلبَا عَلَى سَادَاتكُمْ وَأَشْرَافكُمْ , يُقَال : هُوَ طَريقَة قَوْمه وَنُظُورَة قَوْمه , وَنَظيرَتهمْ إذَا كَانَ سَيّدهمْ وَشَريفهمْ وَالْمَنْظُور إلَيْه , يُقَال ذَلكَ للْوَاحد وَالْجَمْع , وَرُبَّمَا جَمَعُوا , فَقَالُوا : هَؤُلَاء طَرَائق قَوْمهمْ ; وَمنْهُ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُنَّا طَرَائق قدَدًا } [72 11 ]وَهَؤُلَاء نَظَائر قَوْمهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { الْمُثْلَى } فَإنَّهَا تَأْنيث الْأَمْثَل , يُقَال للْمُؤَنَّث , خُذْ الْمُثْلَى منْهُمَا . وَفي الْمُذَكَّر : خُذْ الْأَمْثَل منْهُمَا , وَوَحَّدْت الْمُثْلَى , وَهيَ صفَة وَنَعْت للْجَمَاعَة , كَمَا قيلَ : { لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } [20 8 ]وَقَدْ يَحْتَمل أَنْ يَكُون الْمُثْلَى أُنّثَتْ لتَأْنيث الطَّريقَة . وَبنَحْو مَا قُلْنَا في مَعْنَى قَوْله : { بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18248 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثَنْي مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } يَقُول : أَمْثَلكُمْ وَهُمْ بَنُو إسْرَائيل . )18249 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالَ : أُولي الْعَقْل وَالشَّرَف وَالْأَنْسَاب . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالَ : أُولي الْعُقُول وَالْأَشْرَاف وَالْأَنْسَاب . )18250 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائب , قَالَا : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } وَطَريقَتهمْ الْمُثْلَى يَوْمئذٍ كَانَتْ بَنُو إسْرَائيل , وَكَانُوا أَكْثَر الْقَوْم عَدَدًا وَأَمْوَالًا وَأَوْلَادًا . قَالَ عَدُوّ اللَّه : إنَّمَا يُريدَان أَنْ يَذْهَبَا بهمْ لأَنْفُسهمَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة في قَوْله ( { بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالَ : ببَني إسْرَائيل . )18251 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } يَقُول : يَذْهَبَا بأَشْرَاف قَوْمكُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : وَيُغَيّرَا سُنَّتكُمْ وَدينكُمْ الَّذي أَنْتُمْ عَلَيْه , منْ قَوْلهمْ : فُلَان حَسَن الطَّريقَة . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18252 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } قَالَ : يَذْهَبَا باَلَّذي أَنْتُمْ عَلَيْه , يُغَيّر مَا أَنْتُمْ عَلَيْه . وَقَرَأَ : { ذَرُوني أَقْتُل مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبّه إنّي أَخَاف أَنْ يُبَدّل دينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهر في الْأَرْض الْفَسَاد } [40 26 ]قَالَ : هَذَا قَوْله : { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } وَقَالَ : يَقُول طَريقَتكُمْ الْيَوْم طَريقَة حَسَنَة , فَإذَا غُيّرَتْ ذَهَبَتْ هَذه الطَّريقَة . )وَرُويَ عَنْ عَليّ في مَعْنَى قَوْله : { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } مَا : 18253 - حَدَّثَنَا به الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إسْحَاق , عَنْ الْقَاسم , عَنْ عَليّ بْن أَبي طَالب , قَالَ : (يَصْرفَان وُجُوه النَّاس إلَيْهمَا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الَّذي قَالَهُ ابْن زَيْد في قَوْله : { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى } وَإنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْه يَحْتَملهُ الْكَلَام , فَإنَّ تَأْويل أَهْل التَّأْويل خلَافه , فَلَا أَسْتَجيزُ لذَلكَ الْقَوْل به .

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَأَجْمَعُوا كَيْدكُمْ } </subtitle>اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله : { فَأَجْمَعُوا كَيْدكُمْ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْكُوفَة { فَأَجْمَعُوا كَيْدكُمْ } بهَمْز الْأَلف منْ { فَأَجْمَعُوا } , وَوَجَّهُوا مَعْنَى ذَلكَ إلَى : فَأَحْكَمُوا كَيْدكُمْ , وَاعْزمُوا عَلَيْه ; منْ قَوْلهمْ : أَجْمَعَ فُلَان الْخُرُوج , وَأَجْمَعَ عَلَى الْخُرُوج , كَمَا يُقَال : أَزْمَعَ عَلَيْه ; وَمنْهُ قَوْل الشَّاعر : <br>يَا لَيْتَ شعْري وَالْمُنَى لَا تَنْفَع .......... هَلْ أَغْدُوَن يَوْمًا وَأَمْري مُجْمَع <br>يَعْني بقَوْله : | مُجْمَع | ; قَدْ أَحْكَمَ وَعَزَمَ عَلَيْه ; وَمنْهُ قَوْل النَّبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يُجْمع عَلَى الصَّوْم منْ اللَّيْل فَلَا صَوْم لَهُ . )وَقَرَأَ ذَلكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة : | فَأَجْمَعُوا كَيْدكُمْ | بوَصْل الْأَلف , وَتَرْك هَمْزهَا , منْ جَمَعْت الشَّيْء , كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إلَى مَعْنَى : فَلَا تَدَعُوا منْ كَيْدكُمْ شَيْئًا إلَّا جئْتُمْ به . وَكَانَ بَعْض قَارئي هَذه الْقرَاءَة يَعْتَلّ فيمَا ذُكرَ لي لقرَاءَته ذَلكَ كَذَلكَ بقَوْله : { فَتَوَلَّى فرْعَوْن فَجَمَعَ كَيْده } . [20 60 ]قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب في قرَاءَة ذَلكَ عنْدنَا هَمْز الْأَلف منْ أَجْمَعَ , لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْه , وَأَنَّ السَّحَرَة هُمْ الَّذينَ كَانُوا به مَعْرُوفينَ , فَلَا وَجْه لأَنْ يُقَال لَهُمْ : أَجْمعُوا مَا دُعيتُمْ لَهُ ممَّا أَنْتُمْ به عَالمُونَ , لأَنَّ الْمَرْء إنَّمَا يُجْمع مَا لَمْ يَكُنْ عنْده إلَى مَا عنْده , وَلَمْ يَكُنْ ذَلكَ يَوْم تَزيد في علْمهمْ بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ منْ السّحْر , بَلْ كَانَ يَوْم إظْهَاره , أَوْ كَانَ مُتَفَرّقًا ممَّا هُوَ عنْده , بَعْضه إلَى بَعْض , وَلَمْ يَكُنْ السّحْر مُتَفَرّقًا عنْدهمْ فَيَجْمَعُونَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { فَجَمَعَ كَيْده } فَغَيْر شَبيه الْمَعْنَى بقَوْله { فَجَمَعُوا كَيْدكُمْ } وَذَلكَ أَنَّ فرْعَوْن كَانَ هُوَ الَّذي يَجْمَع وَيَحْتَفل بمَا يَغْلب به مُوسَى ممَّا لَمْ يَكُنْ عنْده مُجْتَمعًا حَاضرًا , فَقيلَ : فَتَوَلَّى فرْعَوْن فَجَمَعَ كَيْده .|ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا|وَقَوْله : { ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا } يَقُول : اُحْضُرُوا وَجيئُوا صَفًّا ; وَالصَّفّ هَهُنَا مَصْدَر , وَلذَلكَ وَحَّدَ , وَمَعْنَاهُ : ثُمَّ ائْتُوا صُفُوفًا , وَللصَّفّ في كَلَام الْعَرَب مَوْضع آخَر , وَهُوَ قَوْل الْعَرَب : أَتَيْت الصَّفّ الْيَوْم , يَعْني به الْمُصَلَّى الَّذي يُصَلّي فيه .|وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى|وَقَوْله : { وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْم مَنْ اسْتَعْلَى } يَقُول : قَدْ ظَفرَ بحَاجَته الْيَوْم مَنْ عَلَا عَلَى صَاحبه فَقَهَرَهُ , كَمَا : 18254 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (جَمَعَ فرْعَوْن النَّاس لذَلكَ الْجَمْع , ثُمَّ أَمَرَ السَّحَرَة فَقَالَ : { ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْم مَنْ اسْتَعْلَى } أَيْ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَفْلَجَ الْيَوْم عَلَى صَاحبه .)

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إمَّا أَنْ تُلْقي وَإمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَأَجْمَعَتْ السَّحَرَة كَيْدهمْ , ثُمَّ أَتَوْا صَفًّا فَقَالُوا لمُوسَى : { يَا مُوسَى إمَّا أَنْ تُلْقي وَإمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى } وَتَرَكَ ذكْر ذَلكَ منْ الْكَلَام اكْتفَاء بدَلَالَة الْكَلَام عَلَيْه . وَاخْتَلَفَ في مَبْلَغ عَدَد السَّحَرَة الَّذينَ أَتَوْا يَوْمئذٍ صَفًّا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانُوا سَبْعينَ أَلْف سَاحر , مَعَ كُلّ سَاحر منْهُمْ حَبْل وَعَصَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18255 - حَدَّثَني يَعْقُوب بْن إبْرَاهيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ هشَام الدَّسْتُوَائيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسم بْن أَبي بَزَّة , قَالَ : (جَمَعَ فرْعَوْن سَبْعينَ أَلْف سَاحر , فَأَلْقَوْا سَبْعينَ أَلْف حَبْل , وَسَبْعينَ أَلْف عَصَا ; فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ , فَإذَا هيَ ثُعْبَان مُبين فَاغر به فَاهُ , فَابْتَلَعَ حبَالهمْ وَعصيّهمْ , { فَأُلْقيَ السَّحَرَة سُجَّدًا } عنْد ذَلكَ , فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهمَا , فَعنْد ذَلكَ { قَالُوا لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا نَيّفًا وَثَلَاثينَ أَلْف رَجُل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18256 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : ( { قَالُوا يَا مُوسَى إمَّا أَنْ تُلْقي وَإمَّا أَنْ نَكُون نَحْنُ الْمُلْقينَ قَالَ لَهُمْ مُوسَى } : أَلْقُوا , فَأَلْقَوْا حبَالهمْ وَعصيّهمْ , وَكَانُوا بضْعَة وَثَلَاثينَ أَلْف رَجُل لَيْسَ منْهُمْ رَجُل إلَّا وَمَعَهُ حَبْل وَعَصَا . )وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانُوا خَمْسَة عَشَرَ أَلْفًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18257 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : صَفَّ خَمْسَة عَشْر أَلْف سَاحر , مَعَ كُلّ سَاحر حبَاله وَعصيّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانُوا تسْع مائَة . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18258 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : (كَانَ السَّحَرَة ثَلَاث مائَة منْ الْعَريش , وَثَلَاث مائَة منْ فَيُّوم , وَيَشُكُّونَ في ثَلَاث مائَة منْ الْإسْكَنْدَريَّة ; فَقَالُوا لمُوسَى : إمَّا أَنْ تُلْقي مَا مَعَك قَبْلنَا , وَإمَّا أَنْ نُلْقي مَا مَعَنَا قَبْلك , وَذَلكَ قَوْله : { وَإمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى } . ) وَأَنَّ في قَوْله : { إمَّا أَنْ } في مَوْضع نَصْب , وَذَلكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : اخْتَرْ يَا مُوسَى أَحَد هَذَيْن الْأَمْرَيْن : إمَّا أَنْ تُلْقي قَبْلنَا , وَإمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى , وَلَوْ قَالَ قَائل : هُوَ رَفْع , كَانَ مَذْهَبًا , كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إلَى أَنَّهُ خَبَر , كَقَوْل الْقَائل : <br>فَسيرَا فَإمَّا حَاجَة تَقْضيَانهَا .......... وَإمَّا مُقيل صَالح وَصَديق<br>

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ

وَقَوْله : { قَالَ بَلْ أَلْقُوا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى للسَّحَرَة : بَلْ أَلْقُوا أَنْتُمْ مَا مَعَكُمْ قَبْلي .|فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى|وَقَوْله : { فَإذَا حبَالهمْ وَعصيّهمْ يُخَيَّل إلَيْه منْ سحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى } , وَفي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك , وَهُوَ : فَأَلْقَوْا مَا مَعَهُمْ منْ الْحبَال وَالْعصيّ , فَإذَا حبَالهمْ , تُركَ ذكْره اسْتغْنَاء بدَلَالَة الْكَلَام الَّذي ذُكرَ عَلَيْه عَنْهُ . وَذُكرَ أَنَّ السَّحَرَة سَحَرُوا عَيْن مُوسَى وَأَعْيُن النَّاس قَبْل أَنْ يَلْقَوْا حبَالهمْ وَعصيّهمْ , فَخُيّلَ حينَئذٍ إلَى مُوسَى أَنَّهَا تَسْعَى , كَمَا : 18259 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (قَالُوا يَا مُوسَى , { إمَّا أَنْ تُلْقي وَإمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا } فَكَانَ أَوَّل مَا اخْتَطَفُوا بسحْرهمْ بَصَر مُوسَى وَبَصَر فرْعَوْن , ثُمَّ أَبْصَار النَّاس بَعْد , ثُمَّ أَلْقَى كُلّ رَجُل منْهُمْ مَا في يَده منْ الْعصيّ وَالْحبَال , فَإذَا هيَ حَيَّات كَأَمْثَال الْحبَال , قَدْ مَلَأَتْ الْوَادي يَرْكَب بَعْضهَا بَعْضًا . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله : { يُخَيَّل إلَيْه } فَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { يُخَيَّل إلَيْه } بالْيَاء بمَعْنَى : يُخَيَّل إلَيْهمْ سَعْيهَا . وَإذَا قُرئَ ذَلكَ كَذَلكَ , كَانَتْ | أَنْ | في مَوْضع رَفَعَ . وَرُويَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْريّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | تُخَيَّل | بالتَّاء , بمَعْنَى : تُخَيَّل حبَالهمْ وَعصيّهمْ بأَنَّهَا تَسْعَى . وَمَنْ قَرَأَ ذَلكَ كَذَلكَ , كَانَتْ | أَنْ | في مَوْضع نَصْب لتَعَلُّق تُخَيَّل بهَا . وَقَدْ ذُكرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | تُخَيَّل إلَيْه | بمَعْنَى : تَتَخَيَّل إلَيْه . وَإذَا قُرئَ ذَلكَ كَذَلكَ أَيْضًا ف | أَنْ | في مَوْضع نَصْب بمَعْنَى : تَتَخَيَّل بالسَّعْي لَهُمْ . وَالْقرَاءَة الَّتي يَجُوز عنْدي في ذَلكَ غَيْرهَا { يُخَيَّل } بالْيَاء , لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْه .

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَأَوْجَسَ في نَفْسه خيفَة مُوسَى } </subtitle>يَعْني تَعَالَى ذكْره بقَوْله : فَأَوْجَسَ في نَفْسه خَوْفًا مُوسَى فَوَجَدَهُ .

لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ

وَقَوْله : { قُلْنَا لَا تَخَفْ إنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قُلْنَا لمُوسَى إذْ أَوْجَسَ في نَفْسه خيفَة : { لَا تَخَفْ إنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى } عَلَى هَؤُلَاء السَّحَرَة , وَعَلَى فرْعَوْن وَجُنْده , وَالْقَاهر لَهُمْ .

ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ

{ وَأَلْق مَا في يَمينك تَلْقَف مَا صَنَعُوا } يَقُول : وَأَلْق عَصَاك تَبْتَلع حبَالهمْ وَعصيّهمْ الَّتي سَحَرُوهَا حَتَّى خُيّلَ إلَيْك أَنَّهَا تَسْعَى .|إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ|وَقَوْله : { إنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحر } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة { إنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحر } برَفْع كَيْد وَبالْأَلف في سَاحر بمَعْنَى : إنَّ الَّذي صَنَعَهُ هَؤُلَاء السَّحَرَة كَيْد منْ سَاحر . وَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | إنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سحْر | برَفْع الْكَيْد وَبغَيْر الْأَلف في السّحْر بمَعْنَى إنَّ الَّذي صَنَعُوهُ كَيْد سحْر . وَالْقَوْل في ذَلكَ عنْدي أَنَّهُمَا قرَاءَتَان مَشْهُورَتَان مُتَقَاربَتَا الْمَعْنَى , وَذَلكَ أَنَّ الْكَيْد هُوَ الْمَكْر وَالْخُدْعَة , فَالسَّاحر مُكْرَه وَخُدْعَته منْ سَحَرَ يَسْحَر , وَمَكْر السّحْر وَخُدْعَته : تَخَيُّله إلَى الْمَسْحُور , عَلَى خلَاف مَا هُوَ به في حَقيقَته , فَالسَّاحر كَائد بالسّحْر , وَالسّحْر كَائد بالتَّخْييل , فَإلَى أَيّهمَا أَضَفْت الْكَيْد فَهُوَ صَوَاب . وَقَدْ ذُكرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَ : | كَيْد سحْر | بنَصْب كَيْد . وَمَنْ قَرَأَ ذَلكَ كَذَلكَ , جَعَلَ إنَّمَا حَرْفًا وَاحدًا وَأَعْمَلَ صَنَعُوا في كَيْد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذه قرَاءَة لَا أَسْتَجيزُ الْقرَاءَة بهَا لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَى خلَافهَا .|وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى|وَقَوْله : { وَلَا يُفْلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى } يَقُول : وَلَا يَظْفَر السَّاحر بسحْره بمَا طَلَبَ أَيْنَ كَانَ . وَقَدْ ذُكرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَعْنَى ذَلكَ : أَنَّ السَّاحر يُقْتَل حَيْثُ وُجدَ . وَذَكَرَ بَعْض نَحْويّي الْبَصْرَة , أَنَّ ذَلكَ في حَرْف ابْن مَسْعُود : | وَلَا يُفْلح السَّاحر أَيْنَ أَتَى | وَقَالَ : الْعَرَب تَقُول : جئْتُك منْ حَيْثُ لَا تَعْلَم , وَمنْ أَيْنَ لَا تَعْلَم . وَقَالَ غَيْره منْ أَهْل الْعَرَبيَّة الْأَوَّل : جَزَاء يُقْتَل السَّاحر حَيْثُ أَتَى وَأَيْنَ أَتَى وَقَالَ : وَأَمَّا قَوْل الْعَرَب : جئْتُك منْ حَيْثُ لَا تَعْلَم , وَمنْ أَيْنَ لَا تَعْلَم , فَإنَّمَا هُوَ جَوَاب لَمْ يُفْهَم , فَاسْتُفْهمَ كَمَا قَالُوا : أَيْنَ الْمَاء وَالْعُشْب .

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَأُلْقيَ السَّحَرَة سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا برَبّ هَارُون وَمُوسَى } </subtitle>وَفي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك قَدْ اسْتَغْنَى بدَلَالَة مَا تُركَ عَلَيْه وَهُوَ : فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ , فَتَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا { فَأُلْقيَ السَّحَرَة سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا برَبّ هَارُون وَمُوسَى } وَذُكرَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَى مَا في يَده تَحَوَّلَ ثُعْبَانًا , فَالْتَقَمَ كُلّ مَا كَانَتْ السَّحَرَة أَلْقَتْهُ منْ الْحبَال وَالْعصيّ . ذَكَرَ الرّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلكَ : 18260 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعيد , قَالَ : (لَمَّا اجْتَمَعُوا وَأَلْقَوْا مَا في أَيْديهمْ منْ السّحْر , { خُيّلَ إلَيْه منْ سحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ في نَفْسه خيفَة مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إنَّك أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْق مَا في يَمينك تَلْقَف مَا صَنَعُوا } فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإذَا هيَ ثُعْبَان مُبين , قَالَ : فُتحَتْ فَمَا لَهَا مثْل الدَّحْل , ثُمَّ وَضَعَتْ مشْفَرهَا عَلَى الْأَرْض وَرَفَعَتْ الْآخَر , ثُمَّ اسْتَوْعَبَتْ كُلّ شَيْء أَلْقَوْهُ منْ السّحْر , ثُمَّ جَاءَ إلَيْهَا فَقَبَضَ عَلَيْهَا , فَإذَا هيَ عَصَا , فَخَرَّ السَّحَرَة سُجَّدًا { قَالُوا آمَنَّا برَبّ هَارُون وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْل أَنْ آذَن لَكُمْ إنَّهُ لَكَبيركُمْ الَّذي عَلَّمَكُمْ السّحْر فَلَأُقَطّعَن أَيْديكُمْ وَأَرْجُلكُمْ منْ خلَاف } قَالَ : فَكَانَ أَوَّل مَنْ قَطَعَ الْأَيْدي وَالْأَرْجُل منْ خلَاف فرْعَوْن { وَلَأُصَلّبَنكُمْ في جُذُوع النَّخْل } قَالَ : فَكَانَ أَوَّل مَنْ صَلَّبَ في جُذُوع النَّخْل فرْعَوْن . )18261 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { فَأَوْجَسَ في نَفْسه خيفَة مُوسَى } فَأَوْحَى اللَّه إلَيْه { لَا تَخَفْ وَأَلْق مَا في يَمينك } { تَلْقَف مَا يَأْفكُونَ } [7 117 ]فَأَلْقَى عَصَاهُ فَأَكَلَتْ كُلّ حَيَّة لَهُمْ ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلكَ سَجَدُوا و { قَالُوا آمَنَّا برَبّ الْعَالَمينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون } . )[7 121 : 122 ]18262 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه { فَأَوْجَسَ في نَفْسه خيفَة مُوسَى } لَمَّا رَأَى مَا أَلْقَوْا منْ الْحبَال وَالْعصيّ وَخُيّلَ إلَيْه أَنَّهَا تَسْعَى , وَقَالَ : وَاَللَّه إنْ كَانَتْ لَعصيًّا في أَيْديهمْ , وَلَقَدْ عَادَتْ حَيَّات , وَمَا تَعْدُو عَصَايَ هَذه , أَوْ كَمَا حَدَّثَ نَفْسه , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْه أَنْ { أَلْق مَا في يَمينك تَلْقَف مَا صَنَعُوا إنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحر وَلَا يُفْلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى } وَفَرحَ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ منْ يَده , فَاسْتَعْرَضَتْ مَا أَلْقَوْا منْ حبَالهمْ وَعصيّهمْ , وَهيَ حَيَّات في عَيْن فرْعَوْن وَأَعْيُن النَّاس تَسْعَى , فَجَعَلَتْ تَلْقَفهَا , تَبْتَلعهَا حَيَّة حَيَّة , حَتَّى مَا يُرَى بالْوَادي قَليل وَلَا كَثير ممَّا أَلْقَوْا , ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإذَا هيَ عَصَا في يَده كَمَا كَانَتْ , وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا , قَالُوا : آمَنَّا برَبّ هَارُون وَمُوسَى , لَوْ كَانَ هَذَا سحْر مَا غَلَبَنَا .)

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

وَقَوْله : { قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْل أَنْ آذَن لَكُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ فرْعَوْن للسَّحَرَة : أَصَدَّقْتُمْ وَأَقْرَرْتُمْ لمُوسَى بمَا دَعَاكُمْ إلَيْه منْ قَبْل أَنْ أُطْلق ذَلكَ لَكُمْ { إنَّهُ لَكَبيركُمْ } يَقُول : إنَّ مُوسَى لَعَظيمكُمْ { الَّذي عَلَّمَكُمْ السّحْر } . كَمَا : 18263 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه , قَالَ : (لَمَّا قَالَتْ السَّحَرَة : { آمَنَّا برَبّ هَارُون وَمُوسَى } قَالَ لَهُمْ فرْعَوْن , وَأَسفَ وَرَأَى الْغَلَبَة وَالْبَيّنَة : { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْل أَنْ آذَن لَكُمْ إنَّهُ لَكَبيركُمْ الَّذي عَلَّمَكُمْ السّحْر } : أَيْ لَعَظيم السُّحَّار الَّذي عَلَّمَكُمْ .)|فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ|وَقَوْله : { فَلَأُقَطّعَن أَيْديكُمْ وَأَرْجُلكُمْ منْ خلَاف } يَقُول : فَلَأُقَطّعَن أَيْديكُمْ وَأَرْجُلكُمْ مُخَالفًا بَيْن قَطْع ذَلكَ , وَذَلكَ أَنْ يَقْطَع يُمْنَى الْيَدَيْن وَيُسْرَى الرّجْلَيْن , أَوْ يُسْرَى الْيَدَيْن , وَيُمْنَى الرّجْلَيْن , فَيَكُون ذَلكَ قَطْعًا منْ خلَاف , وَكَانَ فيمَا ذُكرَ أَوَّل مَنْ فَعَلَ ذَلكَ فرْعَوْن , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرّوَايَة بذَلكَ . وَقَوْله : { وَلَأُصَلّبَنكُمْ في جُذُوع النَّخْل } يَقُول : وَلَأُصَلّبَنكُمْ عَلَى جُذُوع النَّخْل , كَمَا قَالَ الشَّاعر : <br>هُمْ صَلَبُوا الْعَبْديّ في جذْع نَخْلَة .......... فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَان إلَّا بأَجْدَعَا <br>يَعْني عَلَى , جذْع نَخْلَة , وَإنَّمَا قيلَ : في جُذُوع , لأَنَّ الْمَصْلُوب عَلَى الْخَشَبَة يُرْفَع في طُولهَا , ثُمَّ يَصير عَلَيْهَا , فَيُقَال : صُلبَ عَلَيْهَا . 18264 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَأُصَلّبَنكُمْ في جُذُوع النَّخْل } لَمَّا رَأَى السَّحَرَة مَا جَاءَ به عَرَفُوا أَنَّهُ منْ اللَّه فَخَرُّوا سُجَّدًا , وَآمَنُوا عنْد ذَلكَ , قَالَ عَدُوّ اللَّه : { فَلَأُقَطّعَن أَيْديكُمْ وَأَرْجُلكُمْ منْ خلَاف } . )الْآيَة . 18265 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , (قَالَ فرْعَوْن : { لَأُقَطّعَن أَيْديكُمْ وَأَرْجُلكُمْ منْ خلَاف وَلَأُصَلّبَنكُمْ في جُذُوع النَّخْل } فَقَتَلَهُمْ وَقَطَّعَهُمْ , كَمَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس حين قَالُوا : { رَبّنَا أَفْرغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلمينَ } [7 126 ]وَقَالَ : كَانُوا في أَوَّل النَّهَار سَحَرَة , وَفي آخر النَّهَار شُهَدَاء .)|وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى|وَقَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا أَشَدّ عَذَابًا وَأَبْقَى } يَقُول : وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّهَا السَّحَرَة أَيّنَا أَشَدّ عَذَابًا لَكُمْ , وَأَدْوَم , أَنَا أَوْ مُوسَى .

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَتْ السَّحَرَة لفرْعَوْن لَمَّا تَوَعَّدَهُمْ بمَا تَوَعَّدَهُمْ به : { لَنْ نُؤْثرك } فَنَتَّبعك وَنُكَذّب منْ أَجْلك مُوسَى { عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات } يَعْني منْ الْحُجَج وَالْأَدلَّة عَلَى حَقيقَة مَا دَعَاهُمْ إلَيْه مُوسَى . { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } يَقُول : قَالُوا : لَنْ نُؤْثرك عَلَى الَّذي جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات , وَعَلَى الَّذي فَطَرَنَا . وَيَعْني بقَوْله : { فَطَرَنَا } خَلَقَنَا ; فَاَلَّذي منْ قَوْله : { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } خُفضَ عَلَى قَوْله : { مَا جَاءَنَا } , وَقَدْ يَحْتَمل أَنْ يَكُون قَوْله : { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } خَفْضًا عَلَى الْقَسَم , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَللَّه . وَقَوْله : { فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ } يَقُول : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانع , وَاعْمَلْ بنَا مَا بَدَا لَك { إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : إنَّمَا تَقْدر أَنْ تُعَذّبنَا في هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا الَّتي تَفْنَى . وَنَصَبَ الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْوَقْت وَجُعلَتْ إنَّمَا حَرْفًا وَاحدًا . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18266 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه { لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا } أَيْ عَلَى اللَّه عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْحُجَج مَعَ بَيّنَة { فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ } : أَيْ اصْنَعْ مَا بَدَا لَك { إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } أَيْ لَيْسَ سُلْطَان إلَّا فيهَا , ثُمَّ لَا سُلْطَان لَك بَعْده .)

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

وَقَوْله : { إنَّا آمَنَّا برَبّنَا ليَغْفر لَنَا خَطَايَانَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّا أَقْرَرْنَا بتَوْحيد رَبّنَا , وَصَدَّقْنَا بوَعْده وَوَعيده . وَأَنَّ مَا جَاءَ به مُوسَى حَقّ { ليَغْفر لَنَا خَطَايَانَا } يَقُول : ليَعْفُوَ لَنَا عَنْ ذُنُوبنَا فَيَسْتُرهَا عَلَيْنَا .|وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ|قَالَ : أَمَرْتنَا أَنْ نَتَعَلَّمهُ . يَقُول : ليَغْفر لَنَا ذُنُوبنَا , وَتُعَلّمنَا مَا تَعَلَّمْنَاهُ منْ السّحْر , وَعَملْنَا به الَّذي أَكْرَهْتنَا عَلَى تَعَلُّمه وَالْعَمَل به . وَذُكرَ أَنَّ فرْعَوْن كَانَ أَخَذَهُمْ بتَعْليم السّحْر . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18267 - حَدَّثَني مُوسَى بْن سَهْل , قَالَ : ثنا نُعَيْم بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبي سَعيد , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( { وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْه منْ السّحْر } قَالَ : غلْمَان دَفَعَهُمْ فرْعَوْن إلَى السَّحَرَة , تُعَلّمهُمْ السّحْر بالْفَرَمَا . )18268 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { وَمَا أَكْرَهْتنَا عَلَيْه منْ السّحْر } قَالَ : أَمَرَهُمْ بتَعَلُّم السّحْر , قَالَ : تَرَكُوا كتَاب اللَّه , وَأَمَرُوا قَوْمهمْ بتَعْليم السّحْر .)|وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى|وَقَوْله : { وَاَللَّه خَيْر وَأَبْقَى } يَقُول : وَاَللَّه خَيْر منْك يَا فرْعَوْن جَزَاء لمَنْ أَطَاعَهُ , وَأَبْقَى عَذَابًا لمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره , كَمَا : 18269 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق ( { وَاَللَّه خَيْر وَأَبْقَى } : خَيْر منْك ثَوَابًا , وَأَبْقَى عَذَابًا . )18270 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , وَمُحَمَّد بْن قَيْس في قَوْل اللَّه : ( { وَاَللَّه خَيْر وَأَبْقَى } قَالَا : خَيْرًا منْك إنْ أُطيعَ , وَأَبْقَى منْك عَذَابًا إنْ عُصيَ .)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { إنَّهُ مَنْ يَأْت رَبّه مُجْرمًا فَإنَّ لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فيهَا وَلَا يَحْيَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره مُخْبرًا عَنْ قيل السَّحَرَة لفرْعَوْن : { إنَّهُ مَنْ يَأْت رَبّه } منْ خَلْقه { مُجْرمًا } يَقُول : مُكْتَسبًا الْكُفْر به , { فَإنَّ لَهُ جَهَنَّم } يَقُول : فَإنَّ لَهُ جَهَنَّم مَأْوَى وَمَسْكَنًا , جَزَاء لَهُ عَلَى كُفْره { لَا يَمُوت فيهَا } فَتَخْرُج نَفْسه { وَلَا يَحْيَا } فَتَسْتَقرّ نَفْسه في مَقَرّهَا فَتَطْمَئنّ , وَلَكنَّهَا تَتَعَلَّق بالْحَنَاجر منْهُمْ .

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ

مُوَحّدًا لَا يُشْرك به .|قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ|يَقُول : قَدْ عَملَ مَا أَمَرَهُ به رَبّه , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ .|فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا|يَقُول : فَأُولَئكَ الَّذينَ لَهُمْ دَرَجَات الْجَنَّة الْعُلَى .

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { جَنَّات عَدْن تَجْري منْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالدينَ فيهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : { وَمَنْ يَأْته مُؤْمنًا قَدْ عَملَ الصَّالحَات فَأُولَئكَ لَهُمْ الدَّرَجَات الْعُلَى } . ثُمَّ بَيَّنَ تلْكَ الدَّرَجَات الْعُلَى مَا هيَ , فَقَالَ : هُنَّ { جَنَّات عَدْن } يَعْني : جَنَّات إقَامَة لَا ظَعْن عَنْهَا وَلَا نَفَاد لَهَا وَلَا فَنَاء { تَجْري منْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : تَجْري منْ تَحْت أَشْجَارهَا الْأَنْهَار { خَالدينَ فيهَا } يَقُول : مَاكثينَ فيهَا إلَى غَيْر غَايَة مَحْدُودَة ; فَالْجَنَّات منْ قَوْله { جَنَّات عَدْن } مَرْفُوعَة بالرَّدّ عَلَى الدَّرَجَات , كَمَا : 18271 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , في قَوْله : ( { وَمَنْ يَأْته مُؤْمنًا قَدْ عَملَ الصَّالحَات فَأُولَئكَ لَهُمْ الدَّرَجَات الْعُلَى } قَالَ : عَدْن .)|وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى|وَقَوْله : { وَذَلكَ جَزَاء مَنْ تَزَكَّى } يَقُول : وَهَذه الدَّرَجَات الْعُلَى الَّتي هيَ جَنَّات عَدْن عَلَى مَا وَصَفَ جَلَّ جَلَاله ثَوَاب مَنْ تَزَكَّى , يَعْني : مَنْ تَطَهَّرَ منْ الذُّنُوب , فَأَطَاعَ اللَّه فيمَا أَمَرَهُ , وَلَمْ يُدَنّس نَفْسه بمَعْصيَته فيمَا نَهَاهُ عَنْهُ .

وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَسْر بعبَادي فَاضْربْ لَهُمْ طَريقًا في الْبَحْر يَبَسًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلَى } نَبيّنَا { مُوسَى } إذْ تَابَعْنَا لَهُ الْحُجَج عَلَى فرْعَوْن , فَأَبَى أَنْ يَسْتَجيب لأَمْر رَبّه , وَطَغَى وَتَمَادَى في طُغْيَانه { أَنْ أَسْر } لَيْلًا { بعبَادي } يَعْني بعبَادي منْ بَني إسْرَائيل .|فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا|يَقُول : فَاتَّخذْ لَهُمْ في الْبَحْر طَريقًا يَابسًا . وَالْيَبَس وَالْيَبْس : يُجْمَع أَيْبَاس , تَقُول : وَقَفُوا في أَيْبَاس منْ الْأَرْض . وَالْيَبْس الْمُخَفَّف : يَجْمَع يُبُوس . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18272 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله ( { يَبَسًا } قَالَ : يَابسًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله .|لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى|وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } فَإنَّهُ يَعْني : لَا تَخَاف منْ فرْعَوْن وَجُنُوده أَنْ يُدْركُوك منْ وَرَائك , وَلَا تَخْشَى غَرَقًا منْ بَيْن يَدَيْك وَوَحْلًا . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في تَأْويل ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18273 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثَنْي مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله : ( { لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } يَقُول : { لَا تَخَاف } منْ آل فرْعَوْن { دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } منْ الْبَحْر غَرَقًا . )18274 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } يَقُول : لَا تَخَاف أَنْ يُدْركك فرْعَوْن منْ بَعْدك وَلَا تَخْشَى الْغَرَق أَمَامك . )18275 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : (قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : هَذَا فرْعَوْن قَدْ أَدْرَكَنَا , وَهَذَا الْبَحْر قَدْ غَشيَنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَا تَخَاف دَرَكًا } أَصْحَاب فرْعَوْن { وَلَا تَخْشَى } منْ الْبَحْر وَحْلًا . )18276 - حَدَّثَني أَحْمَد بْن الْوَليد الرَّمْليّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , في قَوْله : ( { لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } قَالَ : الْوَحْل . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله { لَا تَخَاف دَرَكًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر الْأَعْمَش وَحَمْزَة : { لَا تَخَاف دَرَكًا } عَلَى الاسْتئْنَاف بلَا , كَمَا قَالَ : { وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلك رزْقًا } [20 132 ]فَرَفَعَ , وَأَكْثَر مَا جَاءَ في هَذَا الْأَمْر الْجَوَاب مَعَ | لَا | . وَقَرَأَ ذَلكَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة | لَا تَخَفْ دَرَكًا | فَجَزَمَا لَا تَخَاف عَلَى الْجَزَاء , وَرَفَعَا { وَلَا تَخْشَى } عَلَى الاسْتئْنَاف , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } [3 111 ]فَاسْتَأْنَفَ بثُمَّ , وَلَوْ نَوَى بقَوْله : { وَلَا تَخْشَى } الْجَزْم , وَفيه الْيَاء , كَانَ جَائزًا , كَمَا قَالَ الرَّاجز : <br>هُزّي إلَيْك الْجذْع يَجْنيك الْجَنَى <br>وَأَعْجَب الْقرَاءَتَيْن إلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بهَا : { لَا تَخَاف } عَلَى وَجْه الرَّفْع , لأَنَّ ذَلكَ أَفْصَح اللُّغَتَيْن , وَإنْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَائزَة . وَكَانَ بَعْض نَحْويّي الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى قَوْله : { لَا تَخَاف دَرَكًا } اضْربْ لَهُمْ طَريقًا لَا تَخَاف فيه دَرَكًا , قَالَ : وَحَذَفَ فيه , كَمَا تَقُول : زَيْد أَكْرَمْت , وَأَنْتَ تُريد : أَكْرَمْته , وَكَمَا تَقُول : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } [2 48 ]أَيْ لَا تُجْزَى فيه . وَأَمَّا نَحْويُّو الْكُوفَة فَإنَّهُمْ يُنْكرُونَ حَذْف فيه إلَّا في الْمَوَاقيت , لأَنَّهُ يَصْلُح فيهَا أَنْ يُقَال : قُمْت الْيَوْم وَفي الْيَوْم , وَلَا يُجيزُونَ ذَلكَ في الْأَسْمَاء .

اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَأَتْبَعَهُمْ فرْعَوْن بجُنُوده فَغَشيَهُمْ منْ الْيَمّ مَا غَشيَهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَسَرَى مُوسَى ببَني إسْرَائيل إذَا أَوْحَيْنَا إلَيْه أَنْ أَسْر بهمْ , فَأَتْبَعَهُمْ فرْعَوْن بجُنُوده حين قَطَعُوا الْبَحْر , فَغَشيَ فرْعَوْن وَجُنْده منْ الْيَمّ مَا غَشيَهُمْ , فَغَرقُوا جَميعًا .

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

{ وَأَضَلَّ فرْعَوْن قَوْمه وَمَا هَدَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَجَاوَزَ فرْعَوْن بقَوْمه عَنْ سَوَاء السَّبيل , وَأَخَذَ بهمْ عَلَى غَيْر اسْتقَامَة , وَذَلكَ أَنَّهُ سَلَكَ بهمْ طَريق أَهْل النَّار , بأَمْرهمْ بالْكُفْر باَللَّه , وَتَكْذيب رُسُله { وَمَا هَدَى } يَقُول : وَمَا سَلَكَ بهمْ الطَّريق الْمُسْتَقيم , وَذَلكَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ اتّبَاع رَسُول اللَّه مُوسَى , وَالتَّصْديق به , فَأَطَاعُوهُ , فَلَمْ يَهْدهمْ بأَمْره إيَّاهُمْ بذَلكَ , وَلَمْ يَهْتَدُوا باتّبَاعهمْ إيَّاهُ .

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَني إسْرَائيل قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ منْ عَدُوّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانب الطُّور الْأَيْمَن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَلَمَّا نَجَا مُوسَى بقَوْمه منْ الْبَحْر , وَغَشيَ فرْعَوْن قَوْمه منْ الْيَمّ مَا غَشيَهُمْ , قُلْنَا لقَوْم مُوسَى : { يَا بَني إسْرَائيل قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ منْ عَدُوّكُمْ } فرْعَوْن { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانب الطُّور الْأَيْمَن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْف كَانَتْ مُوَاعَدَة اللَّه مُوسَى وَقَوْمه جَانب الطُّور الْأَيْمَن . وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَنّ وَالسَّلْوَى باخْتلَاف الْمُخْتَلفينَ فيهمَا , وَذَكَرْنَا الشَّوَاهد عَلَى الصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ فيمَا مَضَى قَبْل , بمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته في هَذَا الْمَوْضع . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة قَوْله : { قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ } فَكَانَتْ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة يَقْرَءُونَهُ : { قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ } بالنُّون وَالْأَلف وَسَائر الْحُرُوف الْأُخَر مَعَهُ كَذَلكَ , وَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | قَدْ أَنْجَيْتُكُمْ | بالتَّاء , وَكَذَلكَ سَائر الْحُرُوف الْأُخَر , إلَّا قَوْله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } فَإنَّهُمْ وَافَقُوا الْآخَرينَ في ذَلكَ وَقَرَءُوهُ بالنُّون وَالْأَلف . وَالْقَوْل في ذَلكَ عنْدي أَنَّهُمَا قرَاءَتَان مَعْرُوفَتَان باتّفَاق الْمَعْنَى , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ ذَلكَ فَمُصيب .

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُو

وَقَوْله : { كُلُوا منْ طَيّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذكْره لَهُمْ : كُلُوا يَا بَني إسْرَائيل منْ شَهيَّات رزْقنَا الَّذي رَزَقْنَاكُمْ , وَحَلَاله الَّذي طَيَّبْنَاهُ لَكُمْ { وَلَا تَطْغَوْا فيه } يَقُول : وَلَا تَعْتَدُوا فيه , وَلَا يَظْلم فيه بَعْضكُمْ بَعْضًا , كَمَا : 18277 - حَدَّثَنَا عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثَنْي مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْل : ( { وَلَا تَطْغَوْا فيه } يَقُول : وَلَا تَظْلمُوا . )وَقَوْله : { فَيَحلّ عَلَيْكُمْ غَضَبي } يَقُول : فَيَنْزل عَلَيْكُمْ عُقُوبَتي , كَمَا : 18278 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَيَحلّ عَلَيْكُمْ غَضَبي } يَقُول : فَيَنْزل عَلَيْكُمْ غَضَبي . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحجَاز وَالْمَدينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة { فَيَحلّ عَلَيْكُمْ } بكَسْر الْحَاء { وَمنْ يَحْللْ } بكَسْر اللَّام . وَوَجَّهُوا مَعْنَاهُ إلَى : فَيَجب عَلَيْكُمْ غَضَبي . وَقَرَأَ ذَلكَ جَمَاعَة منْ أَهْل الْكُوفَة : | فَيَحُلّ عَلَيْكُمْ | بضَمّ الْحَاء , وَوَجَّهُوا تَأْويله إلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَة منْ أَنَّهُ : فَيَقَع وَيَنْزل عَلَيْكُمْ غَضَبي . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنَّهُمَا قرَاءَتَان مَشْهُورَتَان قَدْ قَرَأَ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا عُلَمَاء منْ الْقُرَّاء , وَقَدْ حَذَّرَ اللَّه الَّذينَ قيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْل منْ بَني إسْرَائيل وُقُوع بَأْسه بهمْ وَنُزُوله بمَعْصيَتهمْ إيَّاهُ إنْ هُمْ عَصَوْهُ , وَخَوَّفَهُمْ وُجُوبه لَهُمْ , فَسَوَاء قُرئَ ذَلكَ بالْوُقُوع أَوْ بالْوُجُوب , لأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ خُوّفُوا الْمَعْنَيَيْن كلَيْهمَا .|وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى|الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَحْللْ عَلَيْه غَضَبي فَقَدْ هَوَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَمَنْ يَجب عَلَيْه غَضَبي , فَيَنْزل به . فَقَدْ هَوَى , يَقُول فَقَدْ تَرَدَّى فَشَقيَ , كَمَا : 18279 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَقَدْ هَوَى } يَقُول : فَقَدْ شَقيَ .)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ

وَقَوْله : { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ } يَقُول : وَإنّي لذُو غَفْر لمَنْ تَابَ منْ شرْكه , فَرَجَعَ منْهُ إلَى الْإيمَان لي وَآمَنَ , يَقُول : وَأَخْلَصَ لي الْأُلُوهَة , وَلَمْ يُشْرك في عبَادَته إيَّايَ غَيْري . { وَعَملَ صَالحًا } يَقُول : وَأَدَّى فَرَائضي الَّتي افْتَرَضْتهَا عَلَيْه , وَاجْتَنَبَ مَعَاصيّ . { ثُمَّ اهْتَدَى } يَقُول : ثُمَّ لَزمَ ذَلكَ , فَاسْتَقَامَ وَلَمْ يُضَيّع شَيْئًا منْهُ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في تَأْويل قَوْله { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَملَ صَالحًا ثُمَّ اهْتَدَى } قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18280 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ } منْ الشّرْك { وَآمَنَ } يَقُول : وَحَّدَ اللَّه { وَعَملَ صَالحًا } يَقُول : أَدَّى فَرَائضي . )18281 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ } منْ ذَنْبه { وَآمَنَ } به { وَعَملَ صَالحًا } فيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . )18282 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبي جَعْفَر الرَّازيّ , عَنْ الرَّبيع ( { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ } منْ الشّرْك { وَآمَنَ } يَقُول : وَأَخْلَصَ للَّه , وَعَملَ في إخْلَاصه .)|ثُمَّ اهْتَدَى|وَاخْتَلَفُوا في مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ اهْتَدَى } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَمْ يَشْكُكْ في إيمَانه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18283 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ اهْتَدَى } يَقُول : لَمْ يَشْكُكْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : ثُمَّ لَزمَ الْإيمَان وَالْعَمَل الصَّالح . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18284 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ اهْتَدَى } يَقُول : ثُمَّ لَزمَ الْإسْلَام حَتَّى يَمُوت عَلَيْه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : ثُمَّ اسْتَقَامَ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18285 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ أَبي جَعْفَر الرَّازيّ , عَنْ الرَّبيع بْن أَنَس ( { ثُمَّ اهْتَدَى } قَالَ : أَخَذَ بسُنَّة نَبيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : أَصَابَ الْعَمَل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18286 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد في قَوْله : ( { وَعَملَ صَالحًا ثُمَّ اهْتَدَى } قَالَ : أَصَابَ الْعَمَل . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : عَرَفَ أَمْر مُثيبه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18287 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْكَلْبيّ ( { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ } منْ الذَّنْب { وَآمَنَ } منْ الشّرْك { وَعَملَ صَالحًا } أَدَّى مَا افْتَرَضْت عَلَيْه { ثُمَّ اهْتَدَى } عَرَفَ مُثيبه إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإنْ شَرًّا فَشَرًّا . )وَقَالَ آخَرُونَ بمَا : 18288 - حَدَّثَنَا إسْمَاعيل بْن مُوسَى الْفَزَاريّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن شَاكر , قَالَ : (سَمعْت ثَابتًا الْبُنَانيّ يَقُول في قَوْله : { وَإنّي لَغَفَّار لمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَملَ صَالحًا ثُمَّ اهْتَدَى } قَالَ : إلَى ولَايَة أَهْل بَيْت النَّبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذي اخْتَرْنَا في ذَلكَ , منْ أَجْل أَنَّ الاهْتدَاء هُوَ الاسْتقَامَة عَلَى هُدًى , وَلَا مَعْنَى للاسْتقَامَة عَلَيْه إلَّا وَقَدْ جَمَعَهُ الْإيمَان وَالْعَمَل الصَّالح وَالتَّوْبَة , فَمَنْ فَعَلَ ذَلكَ وَثَبَتَ عَلَيْه , فَلَا شَكَّ في اهْتدَائه .

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَمَا أَعْجَلَك ؟ وَأَيّ شَيْء أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى , فَتَقَدَّمْتهمْ وَخَلَّفْتهمْ وَرَاءَك , وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ ؟ وَإنَّمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكْره لمُوسَى : مَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك ؟ لأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فيمَا بَلَغَنَا , حين نَجَّاهُ وَبَني إسْرَائيل منْ فرْعَوْن وَقَوْمه , وَقَطَعَ بهمْ الْبَحْر , وَعَدَهُمْ جَانب الطُّور الْأَيْمَن , فَتَعَجَّلَ مُوسَى إلَى رَبّه , وَأَقَامَ هَارُون في بَني إسْرَائيل , يَسير بهمْ عَلَى أَثَر مُوسَى . كَمَا : 18289 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : (وَعَدَ اللَّه مُوسَى حين أَهْلَكَ فرْعَوْن وَقَوْمه وَنَجَّاهُ وَقَوْمه , ثَلَاثينَ لَيْلَة , ثُمَّ أَتَمَّهَا بعَشْرٍ , فَتَمَّ ميقَات رَبّه أَرْبَعينَ لَيْلَة , تَلَقَّاهُ فيهَا بمَا شَاءَ , فَاسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُون في بَني إسْرَائيل , وَمَعَهُ السَّامريّ , يَسير بهمْ عَلَى أَثَر مُوسَى ليَلْحَقهُمْ به , فَلَمَّا كَلَّمَ اللَّه مُوسَى , قَالَ لَهُ { مَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَري وَعَجلْت إلَيْك رَبّ لتَرْضَى } . )

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

يَقُول : قَوْمي عَلَى أَثَري يَلْحَقُونَ بي .|وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى|يَقُول : وَعَجلْت أَنَا فَسَبَقْتهمْ رَبّ , كَيْمَا تَرْضَى عَنّي . كَمَا : 18290 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد في قَوْله : ( { وَعَجلْت إلَيْك رَبّ لتَرْضَى } قَالَ : لأُرْضيَك .)

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمك منْ بَعْدك وَأَضَلَّهُمْ السَّامريّ } </subtitle>يَقُول اللَّه تَعَالَى ذكْره قَالَ اللَّه لمُوسَى : فَإنَّا يَا مُوسَى قَدْ ابْتَلَيْنَا قَوْمك منْ بَعْدك بعبَادَة الْعجْل , وَذَلكَ كَانَ فتْنَتهمْ منْ بَعْد مُوسَى . وَيَعْني بقَوْله : { منْ بَعْدك } : منْ بَعْد فرَاقك إيَّاهُمْ .|وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ|يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَضَلَّهُمْ السَّامريّ } وَكَانَ إضْلَال السَّامريّ إيَّاهُمْ دُعَاءَهُ إيَّاهُمْ إلَى عبَادَة الْعجْل .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

وَقَوْله : { فَرَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه } يَقُول : فَانْصَرَفَ مُوسَى إلَى قَوْمه منْ بَني إسْرَائيل بَعْد انْقضَاء الْأَرْبَعينَ لَيْلَة { غَضْبَان أَسفًا } مُتَغَيّظًا عَلَى قَوْمه , حَزينًا لمَا أَحْدَثُوهُ بَعْده منْ الْكُفْر باَللَّه . كَمَا : 18291 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : ( { غَضْبَان أَسفًا } يَقُول : حَزينًا . وَقَالَ في الزُّخْرُف : { فَلَمَّا آسَفُونَا } [43 55 ]يَقُول : أَغْضَبُونَا , وَالْأَسَف عَلَى وَجْهَيْن : الْغَضَب , وَالْحُزْن . )18292 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { غَضْبَان أَسفًا } يَقُول : حَزينًا . )18293 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه غَضْبَان أَسفًا } : أَيْ حَزينًا عَلَى مَا صَنَعَ قَوْمه منْ بَعْده . )18294 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { أَسفًا } قَالَ : حَزينًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله .|قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا|وَقَوْله : { قَالَ يَا قَوْم أَلَمْ يَعدكُمْ رَبّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } يَقُول : أَلَمْ يَعدكُمْ رَبّكُمْ أَنَّهُ غَفَّار لمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَملَ صَالحًا ثُمَّ اهْتَدَى , وَيَعدكُمْ جَانب الطُّور الْأَيْمَن , وَيُنَزّل عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , فَذَلكَ وَعْد اللَّه الْحَسَن بَني إسْرَائيل الَّذي قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَلَمْ يَعدكُمُوهُ رَبّكُمْ .|حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ|وَقَوْله : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحلّ عَلَيْكُمْ غَضَب منْ رَبّكُمْ } يَقُول : أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد بي , وَبجَميل نعَم اللَّه عنْدكُمْ , وَأَيَاديه لَدَيْكُمْ , أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحلّ عَلَيْكُمْ غَضَب منْ رَبّكُمْ : يَقُول : أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَجب عَلَيْكُمْ غَضَب منْ رَبّكُمْ فَتَسْتَحقُّوهُ بعبَادَتكُمْ الْعجْل , وَكُفْركُمْ باَللَّه , فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعدي . وَكَانَ إخْلَافهمْ مَوْعده , عُكُوفهمْ عَلَى الْعجْل , وَتَرْكهمْ السَّيْر عَلَى أَثَر مُوسَى للْمَوْعد الَّذي كَانَ اللَّه وَعَدَهُمْ , وَقَوْلهمْ لهَارُون إذْ نَهَاهُمْ عَنْ عبَادَة الْعجْل , وَدَعَاهُمْ إلَى السَّيْر مَعَهُ في أَثَر مُوسَى : { لَنْ نَبْرَح عَلَيْه عَاكفينَ حَتَّى يَرْجع إلَيْنَا مُوسَى } [20 91]

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ

الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ قَوْم مُوسَى لمُوسَى : مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك , يَعْنُونَ بمَوْعده : عَهْده الَّذي كَانَ عَهدَهُ إلَيْهمْ , كَمَا : 18295 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى | ح | ; وَحَدَّثَنَا الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : () { مَوْعدي } قَالَ : عَهْدي . وَذَلكَ الْعَهْد وَالْمَوْعد هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ قَبْل .|بِمَلْكِنَا|وَقَوْله : { بمَلْكنَا } يُخْبر جَلَّ ذكْره عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسهمْ بالْخَطَأ , وَقَالُوا : إنَّا لَمْ نُطقْ حَمْل أَنْفُسنَا عَلَى الصَّوَاب , وَلَمْ نَمْلك أَمْرنَا حَتَّى وَقَعْنَا في الَّذي وَقَعْنَا فيه منْ الْفتْنَة . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة : | بمَلْكنَا | بفَتْح الْميم , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | بمُلْكنَا | بضَمّ الْميم , وَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة { بملْكنَا } بالْكَسْر . فَأَمَّا الْفَتْح وَالضَّمّ فَهُمَا بمَعْنًى وَاحد , وَهُمَا بقُدْرَتنَا وَطَاقَتنَا , غَيْر أَنَّ أَحَدهمَا مَصْدَر , وَالْآخر اسْم . وَأَمَّا الْكَسْر فَهُوَ بمَعْنَى ملْك الشَّيْء وَكَوْنه للْمَالك . وَاخْتَلَفَ أَيْضًا أَهْل التَّأْويل في تَأْويله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مَا أَخْلَفَنَا مَوْعدك بأَمْرنَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18296 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَا أَخْلَفَنَا مَوْعدك بمَلْكنَا } يَقُول : بأَمْرنَا . )18297 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { بمَلْكنَا } قَالَ : بأَمْرنَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : بطَاقَتنَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18298 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بمَلْكنَا } : أَيْ بطَاقَتنَا . )18299 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ : ( { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بمَلْكنَا } يَقُول : بطَاقَتنَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بهَوَانَا , وَلَكنَّا لَمْ نَمْلك أَنْفُسنَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18300 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بمَلْكنَا } قَالَ : يَقُول بهَوَانَا , قَالَ : وَلَكنَّهُ جَاءَتْ ثَلَاثَة , قَالَ وَمَعَهُمْ حُليّ اسْتَعَارُوهُ منْ آل فرْعَوْن , وَثيَاب . )وَقَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكُلّ هَذه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة في ذَلكَ مُتَقَاربَات الْمَعْنَى , لأَنَّ مَنْ لَمْ يُهْلك نَفْسه , لغَلَبَة هَوَاهُ عَلَى مَا أَمَرَ , فَإنَّهُ لَا يَمْتَنع في اللُّغَة أَنْ يَقُول : فَعَلَ فُلَان هَذَا الْأَمْر , وَهُوَ لَا يَمْلك نَفْسه وَفعْله , وَهُوَ لَا يَضْبطهَا وَفعْله وَهُوَ لَا يُطيق تَرْكه . فَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَسَوَاء بأَيّ الْقرَاءَات الثَّلَاث قَرَأَ ذَلكَ الْقَارئ , وَذَلكَ أَنَّ مَنْ كَسَرَ الْميم منْ الْمَلْك , فَإنَّمَا يُوَجّه مَعْنَى الْكَلَام إلَى مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك , وَنَحْنُ نَمْلك الْوَفَاء به لغَلَبَة أَنْفُسنَا إيَّانَا عَلَى خلَافه , وَجَعْله منْ قَوْل الْقَائل : هَذَا ملْك فُلَان لمَا يَمْلكهُ منْ الْمَمْلُوكَات , وَأَنَّ مَنْ فَتَحَهَا , فَإنَّهُ يُوَجّه مَعْنَى الْكَلَام إلَى نَحْو ذَلكَ , غَيْر أَنَّهُ يَجْعَلهُ مَصْدَرًا منْ قَوْل الْقَائل : مَلَكْت الشَّيْء أَمْلكهُ ملْكًا وَمَلَكَة , كَمَا يُقَال : غَلَبَتْ فُلَانًا أَغْلبهُ غُلْبًا وَغَلَبَة , وَأَنَّ مَنْ ضَمَّهَا فَإنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَاهُ إلَى مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بسُلْطَاننَا وَقُدْرَتنَا , أَيْ وَنَحْنُ نَقْدر أَنْ نَمْتَنع منْهُ , لأَنَّ كُلّ مَنْ قَهَرَ شَيْئًا فَقَدْ صَارَ لَهُ السُّلْطَان عَلَيْه . وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْض النَّاس قرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بالضَّمّ , فَقَالَ : أَيّ ملْك كَانَ يَوْمئذٍ لبَني إسْرَائيل , وَإنَّمَا كَانُوا بمصْرَ مُسْتَضْعَفينَ , فَأَغْفَلَ مَعْنَى الْقَوْم وَذَهَبَ غَيْر مُرَادهمْ ذَهَابًا بَعيدًا ; وَقَارئُو ذَلكَ بالضَّمّ لَمْ يَقْصدُوا الْمَعْنَى الَّذي ظَنَّهُ هَذَا الْمُنْكر عَلَيْهمْ ذَلكَ , وَإنَّمَا قَصَدُوا إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بسُلْطَانٍ كَانَتْ لَنَا عَلَى أَنْفُسنَا نَقْدر أَنْ نَرُدّهَا عَمَّا أَتَتْ , لأَنَّ هَوَاهَا غَلَبَنَا عَلَى إخْلَافك الْمَوْعد .|وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ|وَقَوْله : { وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا منْ زينَة الْقَوْم } يَقُول : وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَثْقَالًا وَأَحْمَالًا منْ زينَة الْقَوْم , يَعْنُونَ منْ حُليّ آل فرْعَوْن ; وَذَلكَ أَنَّ بَني إسْرَائيل لَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَسير بهمْ لَيْلًا منْ مصْر بأَمْر اللَّه إيَّاهُ بذَلكَ , أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَعيرُوا منْ أَمْتعَة آل فرْعَوْن وَحُليّهمْ , وَقَالَ : إنَّ اللَّه مُغْنمكُمْ ذَلكَ , فَفَعَلُوا , وَاسْتَعَارُوا منْ حُليّ نسَائهمْ وَأَمْتعَتهمْ , فَذَلكَ قَوْلهمْ لمُوسَى حين قَالَ لَهُمْ { أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحلّ عَلَيْكُمْ غَضَب منْ رَبّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعدي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعدك بمَلْكنَا , وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا منْ زينَة الْقَوْم } . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18301 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا منْ زينَة الْقَوْم } فَهُوَ مَا كَانَ مَعَ بَني إسْرَائيل منْ حُليّ آل فرْعَوْن , يَقُول : خَطَّئُونَا بمَا أَصَبْنَا منْ حُليّ عَدُوّنَا . )18302 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : ( { أَوْزَارًا } قَالَ : أَثْقَالًا . وَقَوْله : { منْ زينَة الْقَوْم } قَالَ : هيَ الْحُليّ الَّتي اسْتَعَارُوا منْ آل فرْعَوْن , فَهيَ الْأَثْقَال . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا } قَالَ : أَثْقَالًا { منْ زينَة الْقَوْم } قَالَ : حُليّهمْ . )18303 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ ( { وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا منْ زينَة الْقَوْم } يَقُول : منْ حُليّ الْقبْط . )18304 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { وَلَكنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا منْ زينَة الْقَوْم } قَالَ : الْحُليّ الَّذي اسْتَعَارُوهُ وَالثّيَاب لَيْسَتْ منْ الذُّنُوب في شَيْء , لَوْ كَانَتْ الذُّنُوب كَانَتْ حُمّلْنَاهَا نَحْملهَا , فَلَيْسَتْ منْ الذُّنُوب في شَيْء . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَبَعْض الْمَكّيّينَ : { حُمّلْنَا } بضَمّ الْحَاء وَتَشْديد الْميم بمَعْنَى أَنَّ مُوسَى يُحَمّلهُمْ ذَلكَ . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْمَكّيّينَ : | حَمَلْنَا | بتَخْفيف الْحَاء وَالْميم وَفَتْحهمَا , بمَعْنَى أَنَّهُمْ حَمَلُوا ذَلكَ منْ غَيْر أَنْ يُكَلّفهُمْ حَمْله أَحَد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل عنْدي في تَأْويل ذَلكَ أَنَّهُمَا قرَاءَتَان مَشْهُورَتَان مُتَقَاربَتَا الْمَعْنَى , لأَنَّ الْقَوْم حُمّلُوا , وَأَنَّ مُوسَى قَدْ أَمَرَهُمْ بحَمْله , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب .|فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ|وَقَوْله : { فَقَذَفْنَاهَا } يَقُول : فَأَلْقَيْنَا تلْكَ الْأَوْزَار منْ زينَة الْقَوْم في الْحُفْرَة { فَكَذَلكَ أَلْقَى السَّامريّ } يَقُول : فَكَمَا قَذَفْنَا نَحْنُ تلْكَ الْأَثْقَال , فَكَذَلكَ أَلْقَى السَّامريّ مَا كَانَ مَعَهُ منْ تُرْبَة حَافر فَرَس جبْريل . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18305 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد قَوْله : ( { فَقَذَفْنَاهَا } قَالَ : فَأَلْقَيْنَاهَا { فَكَذَلكَ أَلْقَى السَّامريّ } : كَذَلكَ صَنَعَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { فَقَذَفْنَاهَا } قَالَ : فَأَلْقَيْنَاهَا { فَكَذَلكَ أَلْقَى السَّامريّ } فَكَذَلكَ صَنَعَ . )18306 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَقَذَفْنَاهَا } : أَيْ فَنَبَذْنَاهَا .)


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس