islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
13930

27-النمل

طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا أَمْوَالهمْ لَمْ يُسْرِفُوا فِي إِنْفَاقهَا . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي النَّفَقَة الَّتِي عَنَاهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَمَا الْإِسْرَاف فِيهَا وَالْإِقْتَار . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْإِسْرَاف مَا كَانَ مِنْ نَفَقَة فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَإِنْ قُلْت . قَالَ : وَإِيَّاهَا عَنَى اللَّه , وَسَمَّاهَا إِسْرَافًا قَالُوا : وَالْإِقْتَار الْمَنْع مِنْ حَقّ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20107 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } قَالَ : هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لَا يُسْرِفُونَ فَيُنْفِقُونَ فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَلَا يَقْتُرُونَ فَيَمْنَعُونَ حُقُوق اللَّه تَعَالَى . )20108 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَوْ أَنْفَقْت مِثْل أَبِي قُبَيْس ذَهَبًا فِي طَاعَة اللَّه مَا كَانَ سَرَفًا , وَلَوْ أَنْفَقْت صَاعًا فِي مَعْصِيَة اللَّه كَانَ سَرَفًا . )20109 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } قَالَ : فِي النَّفَقَة فِيمَا نَهَاهُمْ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا , وَلَمْ يَقْتُرُوا وَلَمْ يَقْصُرُوا عَنْ النَّفَقَة فِي الْحَقّ . )20110 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } قَالَ : لَمْ يُسْرِفُوا فَيُنْفِقُوا فِي مَعَاصِي اللَّه . كُلّ مَا أُنْفِقَ فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ إِسْرَاف , وَلَمْ يَقْتُرُوا فَيُمْسِكُوا عَنْ طَاعَة اللَّه . قَالَ : وَمَا أَمْسَكَ عَنْ طَاعَة اللَّه وَإِنْ كَثُرَ فَهُوَ إِقْتَار . )20111 -قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن نَشِيط , عَنْ عُمَر مَوْلَى غُفْرَة (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْإِسْرَاف مَا هُوَ ؟ قَالَ : كُلّ شَيْء أَنْفَقْته فِي غَيْر طَاعَة اللَّه فَهُوَ سَرَف . )وَقَالَ آخَرُونَ : السَّرَف : الْمُجَاوَزَة فِي النَّفَقَة الْحَدّ ; وَالْإِقْتَار : التَّقْصِير عَنِ الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20112 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } قَالَ : لَا يُجِيعهُمْ وَلَا يُعَرِّيهِمْ وَلَا يُنْفِق نَفَقَة يَقُول النَّاس قَدْ أَسْرَفَ . )20113 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن خُنَيْس أَبُو عَبْد اللَّه الْمَخْزُومِيّ الْمَكِّيّ , قَالَ : سَمِعْت وُهَيْب بْن الْوَرْد أَبِي الْوَرْد مَوْلَى بَنِي مَخْزُوم , قَالَ : (لَقِيَ عَالِم عَالِمًا هُوَ فَوْقه فِي الْعِلْم , فَقَالَ : يَرْحَمك اللَّه أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْبِنَاء الَّذِي لَا إِسْرَاف فِيهِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : هُوَ مَا سَتَرَك مِنَ الشَّمْس , وَأَكَنَّكَ مِنَ الْمَطَر , قَالَ : يَرْحَمك اللَّه , فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الطَّعَام الَّذِي نُصِيبهُ لَا إِسْرَاف فِيهِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : مَا سَدَّ الْجُوع وَدُون الشِّبَع , قَالَ : يَرْحَمك اللَّه , فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا اللِّبَاس الَّذِي لَا إِسْرَاف فِيهِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : مَا سَتَرَ عَوْرَتك , وَأَدْفَأَك مِنْ الْبَرْد . )20114 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَيْح , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا } ... الْآيَة , قَالَ : كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ , وَلَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلَّذَّةِ , وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ اللِّبَاس مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَتهمْ , وَيَكْتَنُّونَ بِهِ مِنَ الْحَرّ وَالْقُرّ , وَيُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَام مَا سَدَّ عَنْهُمْ الْجُوع , وَقَوَّاهُمْ عَلَى عِبَادَة رَبّهمْ . )20115 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنِ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ يَزِيد بْن مُرَّة الْجُعْفِيّ , قَالَ : (الْعِلْم خَيْر مِنْ الْعَمَل , وَالْحَسَنَة بَيْن السَّيِّئَتَيْنِ , يَعْنِي : إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا , وَخَيْر الْأَعْمَال أَوْسَاطهَا . )20116 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا كَعْب بْن فَرُّوخ , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (خَيْر هَذِهِ الْأُمُور أَوْسَاطهَا , وَالْحَسَنَة بَيْن السَّيِّئَتَيْنِ . فَقُلْت لِقَتَادَة : مَا الْحَسَنَة بَيْن السَّيِّئَتَيْنِ ؟ فَقَالَ : { الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } ... الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِسْرَاف هُوَ أَنْ تَأْكُل مَال غَيْرك بِغَيْرِ حَقّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20117 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا سَالِم بْن سَعِيد , عَنْ أَبِي مَعْدَان , قَالَ : كُنْت عِنْد عَوْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة , فَقَالَ : (لَيْسَ الْمُسْرِف مَنْ يَأْكُل مَاله , إِنَّمَا الْمُسْرِف مَنْ يَأْكُل مَال غَيْره . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْإِسْرَاف فِي النَّفَقَة الَّذِي عَنَاهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَا جَاوَزَ الْحَدّ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ إِلَى مَا فَوْقه , وَالْإِقْتَار : مَا قَصَرَ عَمَّا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالْقَوَام : بَيْن ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُسْرِف وَالْمُقْتِر كَذَلِكَ ; وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاف وَالْإِقْتَار فِي النَّفَقَة مُرَخَّصًا فِيهِمَا مَا كَانَا مَذْمُومَيْنِ , وَلَا كَانَ الْمُسْرِف وَلَا الْمُقْتِر مَذْمُومًا ; لِأَنَّ مَا أَذِنَ اللَّه فِي فِعْله فَغَيْر مُسْتَحِقّ فَاعِله الذَّمّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ حَدّ مَعْرُوف تُبَيِّنهُ لَنَا ؟ قِيلَ : نَعَمْ , ذَلِكَ مَفْهُوم فِي كُلّ شَيْء مِنَ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب وَالْمَلَابِس وَالصَّدَقَة وَأَعْمَال الْبِرّ وَغَيْر ذَلِكَ , نَكْرَه تَطْوِيل الْكِتَاب بِذِكْرِ كُلّ نَوْع مِنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا , غَيْر أَنَّ جُمْلَة ذَلِكَ هُوَ مَا بَيَّنَّا , وَذَلِكَ نَحْو أَكْل آكِل مِنَ الطَّعَام فَوْق الشِّبَع مَا يُضْعِف بَدَنه , وَيَنْهَك قُوَاهُ , وَيَشْغَلهُ عَنْ طَاعَة رَبّه , وَأَدَاء فَرَائِضه , فَذَلِكَ مِنْ السَّرَف , وَأَنْ يَتْرُك الْأَكْل وَلَهُ إِلَيْهِ سَبِيل حَتَّى يُضْعِف ذَلِكَ جِسْمه , وَيَنْهَك قُوَاهُ , وَيُضْعِفهُ عَنْ أَدَاء فَرَائِض رَبّه , فَذَلِكَ مِنَ الْإِقْتَار , وَبَيْن ذَلِكَ الْقَوَام عَلَى هَذَا النَّحْو , كُلّ مَا جَانَسَ مَا ذَكَرْنَا . فَأَمَّا اتِّخَاذ الثَّوْب لِلْجَمَالِ , يَلْبَسهُ عِنْد اجْتِمَاعه مَعَ النَّاس , وَحُضُوره الْمَحَافِل وَالْجُمَع وَالْأَعْيَاد , دُون ثَوْب مِهْنَته , أَوْ أَكْله مِنَ الطَّعَام مَا قَوَّاهُ عَلَى عِبَادَة رَبّه , مِمَّا ارْتَفَعَ عَمَّا قَدْ يَسُدّ الْجُوع , مِمَّا هُوَ دُونه مِنْ الْأَغْذِيَة , غَيْر أَنَّهُ لَا يُعِين الْبَدَن عَلَى الْقِيَام لِلَّهِ بِالْوَاجِبِ مَعُونَته , فَذَلِكَ خَارِج عَنْ مَعْنَى الْإِسْرَاف , بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَام ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِبَعْضِ ذَلِكَ , وَحَضَّ عَلَى بَعْضه , كَقَوْلِهِ : | مَا عَلَى أَحَدكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ . ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ , وَثَوْبًا لِجُمُعَتِهِ وَعِيده | وَكَقَوْلِهِ : | إِذَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى عَبْد نِعْمَة أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَره عَلَيْهِ | , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } فَإِنَّهُ النَّفَقَة بِالْعَدْلِ وَالْمَعْرُوف , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20118 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } قَالَ : الشَّطْر مِنْ أَمْوَالهمْ . )20119 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } النَّفَقَة بِالْحَقِّ . )20120 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } قَالَ : الْقَوَام : أَنْ يُنْفِقُوا فِي طَاعَة اللَّه , وَيُمْسِكُوا عَنْ مَحَارِم اللَّه . )20121 - قَالَ : أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن نَشِيط , عَنْ عُمَر مَوْلَى غُفْرَة , قَالَ : قُلْت لَهُ : (مَا الْقَوَام ؟ قَالَ : الْقَوَام : أَنْ لَا تُنْفِق فِي غَيْر حَقّ , وَلَا تُمْسِك عَنْ حَقّ هُوَ عَلَيْك . )وَالْقَوَام فِي كَلَام الْعَرَب , بِفَتْحِ الْقَاف , وَهُوَ الشَّيْء بَيْن الشَّيْئَيْنِ . تَقُول لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَدِلَة الْخَلْق : إِنَّهَا لَحَسَنَة الْقَوَام فِي اعْتِدَالهَا , كَمَا قَالَ الْحُطَيْئَة : <br>طَافَتْ أُمَامَة بِالرُّكْبَانِ آوِنَة .......... يَا حُسْنه مِنْ قَوَام مَا وَمُنْتَقَبَا <br>فَأَمَّا إِذَا كُسِرَتِ الْقَاف فَقُلْت : إِنَّهُ قِوَام أَهْله , فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : أَنَّ بِهِ يَقُوم أَمْرهمْ وَشَأْنهمْ . وَفِيهِ لُغَات أُخَر , يُقَال مِنْهُ : هُوَ قِيَام أَهْله وَقَيِّمهمْ فِي مَعْنَى قِوَامهمْ . فَمَعْنَى الْكَلَام : وَكَانَ إِنْفَاقهمْ بَيْن الْإِسْرَاف وَالْإِقْتَار قَوَامًا مُعْتَدِلًا , لَا مُجَاوَزَة عَنْ حَدّ اللَّه , وَلَا تَقْصِيرًا عَمَّا فَرَضَهُ اللَّه , وَلَكِنْ عَدْلًا بَيْن ذَلِكَ عَلَى مَا أَبَاحَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَذِنَ فِيهِ وَرَخَّصَ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَمْ يَقْتُرُوا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة | وَلَمْ يُقْتِرُوا | بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر التَّاء مِنْ : أَقْتَرَ يُقْتِر , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ { وَلَمْ يَقْتُرُوا } بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ التَّاء مِنْ : قَتَرَ يَقْتُر , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة | وَلَمْ يَقْتِرُوا | بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر التَّاء مِنْ قَتَرَ يَقْتِر . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّ كُلّ هَذِهِ الْقِرَاءَات عَلَى اخْتِلَاف أَلْفَاظهَا لُغَات مَشْهُورَات فِي الْعَرَب , وَقِرَاءَات مُسْتَفِيضَات وَفِي قُرَّاء الْأَمْصَار بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَاف وَالْإِقْتَار بِشَوَاهِدِهِمَا فِيمَا مَضَى فِي كِتَابنَا فِي كَلَام الْعَرَب , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَفِي نَصْب الْقَوَام وَجْهَانِ : أَحَدهمَا مَا ذَكَرْت , وَهُوَ أَنْ يُجْعَل فِي كَانَ اسْم الْإِنْفَاق بِمَعْنَى : وَكَانَ إِنْفَاقهمْ مَا أَنْفَقُوا بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا : أَيْ عَدْلًا , وَالْآخَر أَنْ يُجْعَل بَيْن هُوَ الِاسْم , فَتَكُون وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظَة نَصْبًا فِي مَعْنَى رَفْع , كَمَا يُقَال : كَانَ دُون هَذَا لَك كَافِيًا , يَعْنِي بِهِ : أَقَلّ مِنْ هَذَا كَانَ لَك كَافِيًا , فَكَذَلِكَ يَكُون فِي قَوْله : { وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا } لِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَكَانَ الْوَسَط مِنْ ذَلِكَ قَوَامًا.

هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , فَيُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , وَلَكِنَّهُمْ يُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَة وَيُفْرِدُونَهُ بِالطَّاعَةِ { وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه } قَتْلهَا { إِلَّا بِالْحَقِّ } إِمَّا بِكُفْرٍ بِاللَّهِ بَعْد إِسْلَامهَا , أَوْ زِنًا بَعْد إِحْصَانهَا , أَوْ قَتْل نَفْس , فَتُقْتَل بِهَا { وَلَا يَزْنُونَ } فَيَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ إِتْيَانه مِنَ الْفُرُوج { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ } يَقُول : وَمَنْ يَأْتِ هَذِهِ الْأَفْعَال , فَدَعَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , وَقَتَلَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه بِغَيْرِ الْحَقّ , وَزَنَى { يَلْقَ أَثَامًا } يَقُول : يَلْقَ مِنْ عِقَاب اللَّه عُقُوبَة وَنَكَالًا , كَمَا وَصَفَهُ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَهُوَ أَنَّهُ { يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } . وَمِنَ الْأَثَام قَوْل بَلْعَاء بْن قَيْس الْكِنَانِيّ : <br>جَزَى اللَّه ابْن عُرْوَة حَيْثُ أَمْسَى .......... عُقُوقًا وَالْعُقُوق لَهُ أَثَام <br>يَعْنِي بِالْأَثَامِ : الْعِقَاب . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل قَوْم مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام , مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ فِي شِرْكه هَذِهِ الذُّنُوب , فَخَافُوا أَنْ لَا يَنْفَعهُمْ مَعَ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِسْلَام , فَاسْتَفْتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَة , يُعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَابِل تَوْبَة مَنْ تَابَ مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20122 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : ثني يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس : (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل الشِّرْك قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا , فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ لَحَسَن , لَوْ تُخْبِرنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَة , فَنَزَلَتْ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } وَنَزَلَتْ : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } [39 53 ]إِلَى قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمُ الْعَذَاب بَغْتَة وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [39 55 ]. )قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ مُجَاهِد مِثْل قَوْل ابْن عَبَّاس سَوَاء . 20123 -حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْفِرْيَابِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْكَبَائِر ؟ قَالَ : | أَنْ تَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك وَأَنْ تَقْتُل وَلَدك مِنْ أَجْل أَنْ يَأْكُل مَعَك , وَأَنْ تَزْنِي بِحَلِيلَةِ جَارك | , وَقَرَأَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَاب اللَّه : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنِ الْأَعْمَش وَمَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَيّ الذَّنْب أَعْظَم ؟ قَالَ : | أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك | , قُلْت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : | أَنْ تَقْتُل وَلَدك خَشْيَة أَنْ يَأْكُل مَعَك | , قُلْت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : | ثُمَّ أَنْ تُزَانِي حَلِيلَة جَارك | , فَأَنْزَلَ تَصْدِيق قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } ... | )الْآيَة . * - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن قَادِم , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر الْهَمْدَانِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * -حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثني عَمِّي يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَيّ الذَّنْب أَكْبَر ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا عَامِر بْن مُدْرِك , قَالَ : ثنا السُّرِّيّ , يَعْنِي ابْن إِسْمَاعِيل قَالَ : ثنا الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم , فَاتَّبَعْته , فَجَلَسَ عَلَى نَشَز مِنَ الْأَرْض , وَقَعَدْت أَسْفَل مِنْهُ , وَوَجْهِي حِيَال رُكْبَتَيْهِ , فَاغْتَنَمْت خَلْوَته , وَقُلْت : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه , أَيّ الذُّنُوب أَكْبَر ؟ قَالَ : | أَنْ تَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك | . قُلْت : ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : | أَنْ تَقْتُل وَلَدك كَرَاهِيَة أَنْ يَطْعَم مَعَك | . قُلْت : ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : | أَنْ تُزَانِي حَلِيلَة جَارك | , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : | وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر | )إِلَى آخِر الْآيَة . 20124 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا طَلْق بْن غَنَّام , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ حُدِّثْت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , (أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَل ابْن عَبَّاس عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الَّتِي فِي النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ... [4 93 ]إِلَى آخِر الْآيَة , وَالْآيَة الَّتِي فِي الْفُرْقَان { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } إِلَى { وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } قَالَ ابْن عَبَّاس : إِذَا دَخَلَ الرَّجُل فِي الْإِسْلَام , وَعَلِمَ شَرَائِعه وَأَمْره , ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا , فَلَا تَوْبَة لَهُ . وَالَّتِي فِي الْفُرْقَان , لَمَّا أُنْزِلَتْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه بِغَيْرِ الْحَقّ , فَمَا يَنْفَعنَا الْإِسْلَام ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ { إِلَّا مَنْ تَابَ } قَالَ : فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قُبِلَ مِنْهُ . )* -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَكَم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (أَمَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى , فَقَالَ : سَلِ ابْن عَبَّاس , عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , مَا أَمْرهمَا عَنْ الْآيَة الَّتِي فِي الْفُرْقَان { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه } الْآيَة , وَالَّتِي فِي النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } فَسَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه الَّتِي فِي الْفُرْقَان , قَالَ مُشْرِكُو أَهْل مَكَّة : قَدْ قَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه , وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , فَقَالَ : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } الْآيَة . فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ . وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } ... الْآيَة , فَإِنَّ الرَّجُل إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَام , ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا , فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم , فَلَا تَوْبَة لَهُ . فَذَكَرْته لِمُجَاهِدٍ , فَقَالَ : إِلَّا مَنْ نَدِمَ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف الطَّائِيّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن خَالِد الذُّهْنِيّ , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , (قَالَ لِي سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى : سَلِ ابْن عَبَّاس عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَنْ قَوْل اللَّه : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } ... إِلَى { مَنْ تَابَ } وَعَنْ قَوْله { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ... إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : فَسَأَلْت عَنْهَا ابْن عَبَّاس , فَقَالَ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْفُرْقَان بِمَكَّة إِلَى قَوْله { وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : فَمَا يُغْنِي عَنَّا الْإِسْلَام , وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه , وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِش , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام وَعَقَلَهُ , ثُمَّ قَتَلَ , فَلَا تَوْبَة لَهُ . )20125 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ } ... الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الشِّرْك . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَمَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى أَنْ أَسْأَل ابْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } فَذَكَرَ نَحْوه . 20126 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن عُمَيْر , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن شُعَيْب بْن ثَوْبَان , مَوْلًى لِبَنِي الدِّيل مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , عَنْ فُلَيْح الشَّمَّاس , عَنْ عُبَيْد بْن أَبِي عُبَيْد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (صَلَّيْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَة , ثُمَّ انْصَرَفْت فَإِذَا امْرَأَة عِنْد بَابِي , ثُمَّ سَلَّمَتْ , فَفَتَحْت وَدَخَلَتْ , فَبَيْنَا أَنَا فِي مَسْجِدِي أُصَلِّي , إِذْ نَقَرَتِ الْبَاب , فَأَذِنْت لَهَا , فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ : إِنِّي جِئْتُك أَسْأَلك عَنْ عَمَل عَمِلْت , هَلْ لِي مِنْ تَوْبَة ؟ فَقَالَتْ : إِنِّي زَنَيْت وَوَلَدْت , فَقَتَلْته , فَقُلْت : لَا , وَلَا نَعِمَتْ الْعَيْن وَلَا كَرَامَة . فَقَامَتْ وَهِيَ تَدْعُو بِالْحَسْرَةِ تَقُول : يَا حَسْرَتَاهُ , أَخُلِقَ هَذَا الْحُسْن لِلنَّارِ ؟ قَالَ : ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْح مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَة , ثُمَّ جَلَسْنَا نَنْتَظِر الْإِذْن عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لَنَا , فَدَخَلْنَا , ثُمَّ خَرَجَ مَنْ كَانَ مَعِي , وَتَخَلَّفْت , فَقَالَ : | مَا لَك يَا أَبَا هُرَيْرَة , أَلَك حَاجَة ؟ | فَقُلْت لَهُ : يَا رَسُول اللَّه صَلَّيْت مَعَك الْبَارِحَة , ثُمَّ انْصَرَفْت . وَقَصَصْت عَلَيْهِ مَا قَالَتِ الْمَرْأَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا قُلْت لَهَا ؟ | قَالَ : قُلْت لَهَا : لَا وَاللَّه وَلَا نَعِمَتِ الْعَيْن وَلَا كَرَامَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | بِئْسَ مَا قُلْت ! أَمَا كُنْت تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ } ... الْآيَة { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَخَرَجْت , فَلَمْ أَتْرُك بِالْمَدِينَةِ حِصْنًا وَلَا دَارًا إِلَّا وَقَفْت عَلَيْهِ , فَقُلْت : إِنْ تَكُنْ فِيكُمُ الْمَرْأَة الَّتِي جَاءَتْ أَبَا هُرَيْرَة اللَّيْلَة , فَلْتَأْتِنِي وَلْتُبْشِرْ ; فَلَمَّا صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاء , فَإِذَا هِيَ عِنْد بَابِي , فَقُلْت : أَبْشِرِي , فَإِنِّي دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ , فَذَكَرْت لَهُ مَا قُلْت لِي , وَمَا قُلْت لَك , فَقَالَ : | بِئْسَ مَا قُلْت لَهَا , أَمَا كُنْت تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة ؟ | فَقَرَأْتهَا عَلَيْهَا , فَخَرَّتْ سَاجِدَة , فَقَالَتْ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مَخْرَجًا وَتَوْبَة مِمَّا عَمِلْت , إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَة وَابْنهَا حُرَّانِ لِوَجْهِ اللَّه , وَإِنِّي قَدْ تُبْت مِمَّا عَمِلْت . )20127 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , قَالَ : (اخْتَلَفْت إِلَى ابْن عَبَّاس ثَلَاث عَشْرَة سَنَة , فَمَا شَيْء مِنَ الْقُرْآن إِلَّا سَأَلْته عَنْهُ , وَرَسُولِي يَخْتَلِف إِلَى عَائِشَة , فَمَا سَمِعْته وَلَا سَمِعْت أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاء يَقُول : إِنَّ اللَّه يَقُول لِذَنْبٍ : لَا أَغْفِرهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِالَّتِي فِي النِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20128 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَرَّانِيّ , عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ خَارِجَة بْن زَيْد (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعِنْده رَجُل مِنْ أَهْل الْعِرَاق , وَهُوَ يَسْأَلهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي تَبَارَكَ الْفُرْقَان , وَالَّتِي فِي النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } [4 93 ]فَقَالَ زَيْد بْن ثَابِت : قَدْ عَرَفْت النَّاسِخَة مِنْ الْمَنْسُوخَة , نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النِّسَاء بَعْدهَا بِسِتَّةِ أَشْهُر . )20129 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : (هَذِهِ السُّورَة بَيْنهَا وَبَيْن النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ثَمَان حِجَج . )وَقَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيد بْن جُبَيْر : (هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَة ؟ فَقَالَ : لَا , فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : قَرَأْتهَا عَلَى ابْن عَبَّاس كَمَا قَرَأْتهَا عَلَيَّ , فَقَالَ : هَذِهِ مَكِّيَّة , نَسَخَتْهَا آيَة مَدَنِيَّة , الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء . )وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ الصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْأَثَام مِنْ الْقَوْل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : ذَلِكَ عِقَاب يُعَاقِب اللَّه بِهِ مَنْ أَتَى هَذِهِ الْكَبَائِر بِوَادٍ فِي جَهَنَّم يُدْعَى أَثَامًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20130 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَزْدِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : (الْأَثَام : وَادٍ فِي جَهَنَّم . )20131 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { يَلْقَ أَثَامًا } قَالَ : وَادِيًا فِي جَهَنَّم . )20132 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } قَالَ : وَادِيًا فِي جَهَنَّم فِيهِ الزُّنَاة . )20133 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا شَرْقِيّ بْن قَطَامِيّ , عَنْ لُقْمَان بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ , قَالَ : جِئْت أَبَا أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ , فَقُلْت : حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ , ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَنَّ صَخْرَة زِنَة عَشْر عَشْرَاوَات قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِير جَهَنَّم مَا بَلَغَتْ قَعْرهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا , ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيّ وَأَثَام | . قُلْت : وَمَا غَيّ وَأَثَام ؟ قَالَ : بِئْرَانِ فِي أَسْفَل جَهَنَّم يَسِيل فِيهِمَا صَدِيد أَهْل النَّار , وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [19 59 ]وَقَوْله فِي الْفُرْقَان : { وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } . )20134 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَلْقَ أَثَامًا } قَالَ : الْأَثَام الشَّرّ , وَقَالَ : سَيَكْفِيك مَا وَرَاء ذَلِكَ : { يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } . )20135 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَلْقَ أَثَامًا } قَالَ : نَكَالًا ; قَالَ : قَالَ : إِنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّم . )20136 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْن أَبِي مَرْيَم قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ يَقُول : (إِنَّ مَا بَيْن شَفِير جَهَنَّم إِلَى قَعْرهَا مَسِيرَة سَبْعِينَ خَرِيفًا بِحَجَرٍ يَهْوِي فِيهَا أَوْ بِصَخْرَةٍ تَهْوِي , عِظَمهَا كَعَشْرِ عَشْرَاوَات سِمَان , فَقَالَ لَهُ رَجُل : فَهَلْ تَحْت ذَلِكَ مِنْ شَيْء ؟ قَالَ : نَعَمْ غَيّ وَأَثَام .)

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ

قَوْله : { يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة } . اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى عَاصِم { يُضَاعَف } جَزْمًا { وَيَخْلُد } جَزْمًا . وَقَرَأَهُ عَاصِم : { يُضَاعَف } رَفْعًا { وَيَخْلُد } رَفْعًا كِلَاهُمَا عَلَى الِابْتِدَاء , وَأَنَّ الْكَلَام عِنْده قَدْ تَنَاهَى عِنْد : { يَلْقَ أَثَامًا } ثُمَّ ابْتَدَأَ قَوْله : { يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب } . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِيهِ : جَزْم الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا : يُضَاعَف , وَيَخْلُد , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَفْسِير لِلْأَثَامِ لَا فِعْل لَهُ , وَلَوْ كَانَ فِعْلًا لَهُ كَانَ الْوَجْه فِيهِ الرَّفْع , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْء نَاره .......... تَجِد خَيْر نَار عِنْدهَا خَيْر مُوقِد <br>فَرَفَعَ تَعْشُو ; لِأَنَّهُ فِعْل لِقَوْلِهِ تَأْتِهِ , مَعْنَاهُ : مَتَى تَأْتِهِ عَاشِيًا .|وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا|وَقَوْله : { وَيَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } وَيَبْقَى فِيهِ إِلَى مَا لَا نِهَايَة فِي هَوَان .

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ

وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَفْعَل هَذِهِ الْأَفْعَال الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَلْقَ أَثَامًا { إِلَّا مَنْ تَابَ } يَقُول : إِلَّا مَنْ رَاجَعَ طَاعَة اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَرْكِهِ ذَلِكَ , وَإِنَابَته إِلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّه { وَآمَنَ } يَقُول : وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه { وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } يَقُول : وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّه مِنَ الْأَعْمَال , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ .|فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ|قَوْله : { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه بِقَبَائِح أَعْمَالهمْ فِي الشِّرْك , مَحَاسِن الْأَعْمَال فِي الْإِسْلَام , فَيُبَدِّلهُ بِالْكُفْرِ إِيمَانًا , وَبِقِيلِ أَهْل الشِّرْك بِاللَّهِ قِيلَ أَهْل الْإِيمَان بِهِ , وَبِالزِّنَا عِفَّة وَإِحْصَانًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20137 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } قَالَ : هُمُ الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا قَبْل إِيمَانهمْ عَلَى السَّيِّئَات , فَرَغِبَ اللَّه بِهِمْ عَنْ ذَلِكَ , فَحَوَّلَهُمْ إِلَى الْحَسَنَات , وَأَبْدَلَهُمْ مَكَان السَّيِّئَات حَسَنَات . )20138 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يَتُوبُونَ فَيَعْمَلُونَ بِالطَّاعَةِ , فَيُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات حِين يَتُوبُونَ . )20139 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (نَزَلَتْ { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , فِي وَحْشِيّ وَأَصْحَابه , قَالُوا : كَيْفَ لَنَا بِالتَّوْبَةِ , وَقَدْ عَبَدْنَا الْأَوْثَان , وَقَتَلْنَا الْمُؤْمِنِينَ , وَنَكَحْنَا الْمُشْرِكَات , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا , فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } فَأَبْدَلَهُمْ اللَّه بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان عِبَادَة اللَّه , وَأَبْدَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ , قِتَالًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُشْرِكِينَ , وَأَبْدَلَهُمْ بِنِكَاحِ الْمُشْرِكَات نِكَاح الْمُؤْمِنَات . )20140 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } قَالَ : بِالشِّرْكِ إِيمَانًا , وَبِالْقَتْلِ إِمْسَاكًا , وَبِالزِّنَا إِحْصَانًا . )20141 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } وَهَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة نَزَلَتْ بِمَكَّة { وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ } يَعْنِي : الشِّرْك , وَالْقَتْل , وَالزِّنَا جَمِيعًا . لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ وَقَتَلَ وَزَنَى فَلَهُ النَّار , وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه خَيْر , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِلَّا مَنْ تَابَ } مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة , { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } يَقُول : يُبَدِّل اللَّه مَكَان الشِّرْك وَالْقَتْل وَالزِّنَا : الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام , وَهُوَ التَّبْدِيل فِي الدُّنْيَا . وَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } [39 53 ]يَعْنِيهِمْ بِذَلِكَ { لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } يَعْنِي مَا كَانَ فِي الشِّرْك يَقُول اللَّه لَهُمْ : أَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ , يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مَكِّيَّتَانِ , وَالَّتِي فِي النِّسَاء { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } ... [4 93 ]الْآيَة , هَذِهِ مَدَنِيَّة , نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ , وَبَيْنهَا وَبَيْن الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْفُرْقَان ثَمَان سِنِينَ , وَهِيَ مُبْهَمَة لَيْسَ مِنْهَا مَخْرَج . )20142 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَنْ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } فَقَالَ : <br>بُدِّلْنَ بَعْد حَرّه خَرِيفًا .......... وَبَعْد طُول النَّفَس الْوَجِيفَا <br>)20143 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } ... إِلَى قَوْله { يَخْلُد فِيهِ مُهَانًا } فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : وَلَا وَاللَّه مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَ مُحَمَّد إِلَّا مَعَنَا , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ } . قَالَ : تَابَ مِنَ الشِّرْك , قَالَ : وَآمَنَ بِعِقَابِ اللَّه وَرَسُوله { وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } قَالَ : صَدَّقَ , { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } قَالَ : يُبَدِّل اللَّه أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة الَّتِي كَانَتْ فِي الشِّرْك بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة حِين دَخَلُوا فِي الْإِيمَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ , فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَات لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20144 -حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا قُرَيْش بْن أَنَس أَبُو أَنَس , قَالَ : ثني صَالِح بْن رُسْتُم , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات } قَالَ : تَصِير سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة . )20145 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَازِم أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنِ الْمَعْرُور بْن سُوَيْد , عَنْ أَبِي ذَرّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْرِف آخِر أَهْل النَّار خُرُوجًا مِنَ النَّار , وَآخِر أَهْل النَّار دُخُولًا الْجَنَّة , قَالَ : يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْم الْقِيَامَة , فَيُقَال : نَحُّوا كِبَار ذُنُوبه وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارهَا , قَالَ : فَيُقَال لَهُ : عَمِلْت كَذَا وَكَذَا , وَعَمِلْت كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَيَقُول : يَا رَبّ لَقَدْ عَمِلْت أَشْيَاء مَا أَرَاهَا هَا هُنَا , قَالَ : فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه , قَالَ : فَيُقَال لَهُ : لَك مَكَان كُلّ سَيِّئَة حَسَنَة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ : أَعْمَالهمْ فِي الشِّرْك , حَسَنَات فِي الْإِسْلَام , بِنَقْلِهِمْ عَمَّا يَسْخَطهُ اللَّه مِنَ الْأَعْمَال إِلَى مَا يَرْضَى . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ الْأَعْمَال السَّيِّئَة قَدْ كَانَتْ مَضَتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْقُبْح , وَغَيْر جَائِز تَحْوِيل عَيْن قَدْ مَضَتْ بِصِفَةٍ , إِلَى خِلَاف مَا كَانَتْ عَلَيْهِ , إِلَّا بِتَغْيِيرِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتهَا فِي حَال أُخْرَى , فَيَجِب إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنْ يَصِير شِرْك الْكَافِر الَّذِي كَانَ شِرْكًا فِي الْكُفْر بِعَيْنِهِ إِيمَانًا يَوْم الْقِيَامَة بِالْإِسْلَامِ وَمَعَاصِيه كُلّهَا بِأَعْيَانِهَا طَاعَة , وَذَلِكَ مَا لَا يَقُولهُ ذُو حِجًّا.|وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا|وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه ذَا عَفْو عَنْ ذُنُوب مَنْ تَابَ مِنْ عِبَاده , وَرَاجَعَ طَاعَته , وَذَا رَحْمَة بِهِ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى ذُنُوبه بَعْد تَوْبَته مِنْهَا .

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

قَوْله : { وَمَنْ تَابَ } يَقُول : وَمَنْ تَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , فَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُوله { وَعَمِلَ صَالِحًا } يَقُول : وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّه فَأَطَاعَهُ , فَإِنَّ اللَّه فَاعِل بِهِ مِنْ إِبْدَاله سَيِّئ أَعْمَاله فِي الشِّرْك , بِحَسَنِهَا فِي الْإِسْلَام , مِثْل الَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ , بِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20146 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى اللَّه مَتَابًا } قَالَ : هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لَمَّا أُنْزِلَتْ { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر } ... إِلَى قَوْله { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَعَنَا , قَالَ : { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا } فَإِنَّ لَهُمْ مِثْل مَا لِهَؤُلَاءِ { فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى اللَّه مَتَابًا } لَمْ تَخْطُر التَّوْبَة عَلَيْكُمْ.)

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الزُّور الَّذِي وَصَفَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ الشِّرْك بِاللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20147 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { لَا يَشْهَدُونَ الزُّور } قَالَ : الشِّرْك . )20148 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ , قَالَ : وَالزُّور قَوْلهمْ لِآلِهَتِهِمْ , وَتَعْظِيمهمْ إِيَّاهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ الْغِنَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20149 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى الْمُحَارِبِيّ قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مَرْوَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور } قَالَ : لَا يَسْمَعُونَ الْغِنَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ قَوْل الْكَذِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20150 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور } قَالَ : الْكَذِب . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَصْل الزُّور تَحْسِين الشَّيْء , وَوَصْفه بِخِلَافِ صِفَته , حَتَّى يُخَيَّل إِلَى مَنْ يَسْمَعهُ أَوْ يَرَاهُ , أَنَّهُ خِلَاف مَا هُوَ بِهِ , وَالشِّرْك قَدْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مُحْسِن لِأَهْلِهِ , حَتَّى قَدْ ظَنُّوا أَنَّهُ حَقّ , وَهُوَ بَاطِل , وَيَدْخُل فِيهِ الْغِنَاء ; لِأَنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يُحْسِنهُ تَرْجِيع الصَّوْت , حَتَّى يَسْتَحْلِي سَامِعه سَمَاعه , وَالْكَذِب أَيْضًا قَدْ يَدْخُل فِيهِ , لِتَحْسِينِ صَاحِبه إِيَّاهُ , حَتَّى يَظُنّ صَاحِبه أَنَّهُ حَقّ , فَكُلّ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُل فِي مَعْنَى الزُّور . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيله أَنْ يُقَال : وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ شَيْئًا مِنَ الْبَاطِل , لَا شِرْكًا , وَلَا غِنَاء , وَلَا كَذِبًا وَلَا غَيْره , وَكُلّ مَا لَزِمَهُ اسْم الزُّور ; لِأَنَّ اللَّه عَمَّ فِي وَصْفه إِيَّاهُمْ , أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصّ مِنْ ذَلِكَ شَيْء إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , مِنْ خَبَر أَوْ عَقْل .|وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا|وَقَوْله : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى اللَّغْو الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَيُكَلِّمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَذَى . وَمُرُورهمْ بِهِ كِرَامًا : إِعْرَاضهمْ عَنْهُمْ وَصَفْحهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20151 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : صَفَحُوا . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : إِذَا أُوذُوا مَرُّوا كِرَامًا , قَالَ : صَفَحُوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَإِذَا مَرُّوا بِذِكْرِ النِّكَاح , كَفُّوا عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20152 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا النِّكَاح كَفُّوا عَنْهُ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْأَشْيَب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : كَانُوا إِذَا أَتَوْا عَلَى ذِكْر النِّكَاح كَفُّوا عَنْهُ . )20153 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِي مَخْزُوم , عَنْ سَيَّار : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } إِذَا مَرُّوا بِالرَّفَثِ كَفُّوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِذَا مَرُّوا بِمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ مِنْ الْبَاطِل مَرُّوا مُنْكِرِينَ لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20154 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ , وَاللَّغْو مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَاطِل , يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } [22 30 ])وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِاللَّغْوِ هَا هُنَا : الْمَعَاصِي كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20155 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : اللَّغْو كُلّه : الْمَعَاصِي . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا , وَاللَّغْو فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ كُلّ كَلَام أَوْ فِعْل بَاطِل لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا أَصْل , أَوْ مَا يُسْتَقْبَح ; فَسَبّ الْإِنْسَان الْإِنْسَان بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ مِنَ اللَّغْو . وَذِكْر النِّكَاح بِصَرِيحِ اسْمه مِمَّا يُسْتَقْبَح فِي بَعْض الْأَمَاكِن , فَهُوَ مِنَ اللَّغْو , وَكَذَلِكَ تَعْظِيم الْمُشْرِكِينَ آلِهَتهمْ مِنَ الْبَاطِل الَّذِي لَا حَقِيقَة لِمَا عَظَّمُوهُ عَلَى نَحْو مَا عَظَّمُوهُ , وَسَمَاع الْغِنَاء مِمَّا هُوَ مُسْتَقْبَح فِي أَهْل الدِّين , فَكُلّ ذَلِكَ يَدْخُل فِي مَعْنَى اللَّغْو , فَلَا وَجْه إِذْ كَانَ كُلّ ذَلِكَ يَلْزَمهُ اسْم اللَّغْو , أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِهِ بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض , إِذْ لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ دَلَالَة مِنْ خَبَر أَوْ عَقْل . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَإِذَا مَرُّوا بِالْبَاطِلِ فَسَمِعُوهُ أَوْ رَأَوْهُ , مَرُّوا كِرَامًا ; مُرُورهمْ كِرَامًا فِي بَعْض ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَسْمَعُوهُ , وَذَلِكَ كَالْغِنَاءِ . وَفِي بَعْض ذَلِكَ بِأَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ وَيَصْفَحُوا , وَذَلِكَ إِذَا أُوذُوا بِإِسْمَاعِ الْقَبِيح مِنَ الْقَوْل . وَفِي بَعْضه بِأَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ , وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَوْا مِنَ الْمُنْكَر مَا يُغَيَّر بِالْقَوْلِ فَيُغَيِّرُوهُ بِالْقَوْلِ . وَفِي بَعْضه بِأَنْ يُضَارِبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ , وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَوْا قَوْمًا يَقْطَعُونَ الطَّرِيق عَلَى قَوْم , فَيَسْتَصْرِخهُمُ الْمُرَاد ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَيُصْرِخُونَهُمْ , وَكُلّ ذَلِكَ مُرُورهمْ كِرَامًا . وَقَدْ : 20156 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة , قَالَ : مَرَّ ابْن مَسْعُود بِلَهْوٍ مُسْرِعًا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ أَصْبَحَ ابْن مَسْعُود لَكَرِيمًا . )وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20157 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَقُول : ( { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } قَالَ : هِيَ مَكِّيَّة , )وَإِنَّمَا عَنَى السُّدِّيّ بِقَوْلِهِ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه , أَنَّ اللَّه نَسَخَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } [9 5 ]وَأَمَرَهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ الَّذِي هُوَ شِرْك , أَنْ يُقَاتِلُوا أُمَرَاءَهُ , وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ , الَّذِي هُوَ مَعْصِيَة لِلَّهِ أَنْ يُغَيِّرُوهُ , وَلَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِذَلِكَ بِمَكَّة , وَهَذَا الْقَوْل نَظِير تَأْوِيلنَا الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي ذَلِكَ .

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ إِذَا ذَكَّرَهُمْ مُذَكِّر بِحُجَجِ اللَّه , لَمْ يَكُونُوا صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ , وَعُمْيًا لَا يُبْصِرُونَهَا . وَلَكِنَّهُمْ يِقَاظ الْقُلُوب , فُهَمَاء الْعُقُول , يَفْهَمُونَ عَنِ اللَّه مَا يُذَكِّرهُمْ بِهِ , وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يُنَبِّههُمْ عَلَيْهِ , فَيُوَعُّونَ مَوَاعِظه آذَانًا سَمِعَتْهُ , وَقُلُوبًا وَعَتْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20158 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } فَلَا يَسْمَعُونَ , وَلَا يُبْصِرُونَ , وَلَا يَفْقَهُونَ حَقًّا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } قَالَ : لَا يَفْقَهُونَ , وَلَا يَسْمَعُونَ , وَلَا يُبْصِرُونَ . )20159 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن عَوْن , قَالَ : (قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : رَأَيْت قَوْمًا قَدْ سَجَدُوا , وَلَمْ أَعْلَم مَا سَجَدُوا مِنْهُ , أَسْجُد ؟ قَالَ : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } . )20160 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ , لَمْ يَدَعُوهَا إِلَى غَيْرهَا , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } ... [8 2 ]الْآيَة . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَعْنَى قَوْله { يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } أَوَيَخِرُّ الْكَافِرُونَ صُمًّا وَعُمْيَانًا إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ اللَّه , فَيَنْفِي عَنْ هَؤُلَاءِ مَا هُوَ صِفَة لِلْكُفَّارِ ؟ قِيلَ : نَعَمْ , الْكَافِر إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ آيَات اللَّه خَرَّ عَلَيْهَا أَصَمّ وَأَعْمَى , وَخَرّه عَلَيْهَا كَذَلِكَ , إِقَامَته عَلَى الْكُفْر , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : سَبَبْت فُلَانًا , فَقَامَ يَبْكِي , بِمَعْنَى فَظَلَّ يَبْكِي , وَلَا قِيَام هُنَالِكَ , وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُون بَكَى قَاعِدًا ; وَكَمَا يُقَال : نَهَيْت فُلَانًا عَنْ كَذَا , فَقَعَدَ يَشْتُمنِي ; وَمَعْنَى ذَلِكَ : فَجَعَلَ يَشْتُمنِي , وَظَلَّ يَشْتُمنِي , وَلَا قُعُود هُنَالِكَ , وَلَكِنْ ذَلِكَ قَدْ جَرَى عَلَى أَلْسُن الْعَرَب , حَتَّى قَدْ فَهِمُوا مَعْنَاهُ . وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَب تَقُول : قَعَدَ يَشْتُمنِي , كَقَوْلِك : قَامَ يَشْتُمنِي , وَأَقْبَلَ يَشْتُمنِي ; قَالَ : وَأَنْشَدَ بَعْض بَنِي عَامِر : <br>لَا يُقْنِع الْجَارِيَة الْخِضَاب .......... وَلَا الْوِشَاحَانِ وَلَا الْجِلْبَاب <br><br>مِنْ دُون أَنْ تَلْتَقِي الْأَرْكَاب .......... وَيَقْعُد الْأَيْر لَهُ لُعَاب <br>بِمَعْنَى : يَصِير , فَكَذَلِكَ قَوْله : { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَمْ يَصَمُّوا عَنْهَا , وَلَا عَمُوا عَنْهَا , وَلَمْ يَصِيرُوا عَلَى بَاب رَبّهمْ صُمًّا وَعُمْيَانًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>وَيَقْعُد الْهَن لَهُ لُعَاب <br>بِمَعْنَى : وَيَصِير .

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَرْغَبُونَ إِلَى اللَّه فِي دُعَائِهِمْ وَمَسْأَلَتهمْ بِأَنْ يَقُولُوا : { رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا } مَا تَقَرّ بِهِ أَعْيُننَا مِنْ أَنْ تُرِينَاهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَتِك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20161 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } يَعْنُونَ : مَنْ يَعْمَل لَك بِالطَّاعَةِ , فَتَقَرّ بِهِمْ أَعْيُننَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )20162 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا حَزْم , قَالَ : (سَمِعْت كَثِيرًا سَأَلَ الْحَسَن , قَالَ : يَا أَبَا سَعِيد , قَوْل اللَّه { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , قَالَ : لَا بَلْ فِي الدُّنْيَا , قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : الْمُؤْمِن يَرَى زَوْجَته وَوَلَده يُطِيعُونَ اللَّه . )* - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا سَالِم بْن قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا حَزْم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن فَذَكَرَ نَحْوه . 20163 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (قَرَأَ حَضْرَمِيّ : { رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : وَإِنَّمَا قُرَّة أَعْيُنهمْ أَنْ يَرَوْهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَةِ اللَّه . )20164 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنِ ابْن جُرَيْج فِيمَا قَرَأْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْله : ( { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : يَعْبُدُونَك فَيُحْسِنُونَ عِبَادَتك , وَلَا يَجُرُّونَ الْجَرَائِر . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : يَعْبُدُونَك يُحْسِنُونَ عِبَادَتك , وَلَا يَجُرُّونَ عَلَيْنَا الْجَرَائِر . )20165 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } قَالَ : يَسْأَلُونَ اللَّه لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتهمْ أَنْ يَهْدِيهِمْ لِلْإِسْلَامِ . )20166 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد , فَقَالَ : (لَقَدْ بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدّ حَالَة بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيّ مِنَ الْأَنْبِيَاء فِي فَتْرَة وَجَاهِلِيَّة , مَا يَرَوْنَ دِينًا أَفْضَل مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَفَرَّقَ بَيْن الْوَالِد وَوَلَده , حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُل لَيَرَى وَلَده وَوَالِده وَأَخَاهُ كَافِرًا وَقَدْ فَتَحَ اللَّه قُفْل قَلْبه بِالْإِسْلَامِ , فَيَعْلَم أَنَّهُ إِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّار , فَلَا تَقَرّ عَيْنه , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّ حَبِيبه فِي النَّار , وَإِنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللَّه : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أَعْيُن } ... الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي ابْن عَوْن , قَالَ : ثني عَلِيّ بْن الْحَسَن الْعَسْقَلَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ صَفْوَان , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الْمِقْدَاد , نَحْوه . وَقِيلَ : هَبْ لَنَا قُرَّة أَعْيُن , وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْوَاج وَالذُّرِّيَّات وَهُمْ جَمْع , وَقَوْله : { قُرَّة أَعْيُن } وَاحِدَة ; لِأَنَّ قَوْله : قُرَّة أَعْيُن مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَرَّتْ عَيْنك قَرَّة , وَالْمَصْدَر لَا تَكَاد الْعَرَب تَجْمَعهُ .|وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا|وَقَوْله : { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : اجْعَلْنَا أَئِمَّة يَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20167 - حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثني عَوْن بْن سَلَّام , قَالَ : أَخْبَرَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنِ الضَّحَّاك , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } يَقُول : أَئِمَّة يُقْتَدَى بِنَا . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أَئِمَّة التَّقْوَى وَلِأَهْلِهِ يُقْتَدَى بِنَا . )قَالَ ابْن زَيْد : (كَمَا قَالَ لِإِبْرَاهِيم : { إِنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إِمَامًا } . [2 124 ])وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا : نَأْتَمّ بِهِمْ , وَيَأْتَمّ بِنَا مَنْ بَعْدنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20168 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَة , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أَئِمَّة نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلنَا , وَنَكُون أَئِمَّة لِمَنْ بَعْدنَا . )20169 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَة , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } قَالَ : اجْعَلْنَا مُؤْتَمِّينَ بِهِمْ , مُقْتَدِينَ بِهِمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ مَعَاصِيك , وَيَخَافُونَ عِقَابك إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِنَا فِي الْخَيْرَات ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يَجْعَلهُمْ لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّة , وَلَمْ يَسْأَلُوهُ أَنْ يَجْعَل الْمُتَّقِينَ لَهُمْ إِمَامًا , وَقَالَ { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } وَلَمْ يَقُلْ أَئِمَّة . وَقَدْ قَالُوا : وَاجْعَلْنَا وَهُمْ جَمَاعَة ; لِأَنَّ الْإِمَام مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَمَّ فُلَان فُلَانًا إِمَامًا , كَمَا يُقَال : قَامَ فُلَان قِيَامًا , وَصَامَ يَوْم كَذَا صِيَامًا . وَمَنْ جَمَعَ الْإِمَام أَئِمَّة , جَعَلَ الْإِمَام اسْمًا , كَمَا يُقَال : أَصْحَاب مُحَمَّد إِمَام , وَأَئِمَّة لِلنَّاسِ . فَمَنْ وَحَّدَ قَالَ : يَأْتَمّ بِهِمْ النَّاس . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْكُوفَة . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة : الْإِمَام فِي قَوْله : { لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } جَمَاعَة , كَمَا تَقُول : كُلّهمْ عُدُول . قَالَ : وَيَكُون عَلَى الْحِكَايَة , كَمَا يَقُول الْقَائِل - إِذَا قِيلَ لَهُ : مَنْ أَمِيركُمْ - : هَؤُلَاءِ أَمِيرنَا , وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>يَا عَاذِلَاتِي لَا تُرِدْنَ مَلَامَتِي .......... إِنَّ الْعَوَاذِل لَسْنَ لِي بِأَمِيرٍ<br>

يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّة وَسَلَامًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ مِنْ عِبَادِي , وَذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاء قَوْله : { وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } . إِلَى قَوْله : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا } ... الْآيَة { يُجْزَوْنَ } يَقُول : يُثَابُونَ عَلَى أَفْعَالهمْ هَذِهِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا { الْغُرْفَة } وَهِيَ مَنْزِلَة مِنْ مَنَازِل الْجَنَّة رَفِيعَة { بِمَا صَبَرُوا } يَقُول : بِصَبْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَال , وَمُقَاسَاة شِدَّتهَا . وَقَوْله : { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّة وَسَلَامًا } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { وَيُلَقَّوْنَ } مَضْمُومَة الْيَاء , مُشَدَّدَة الْقَاف , بِمَعْنَى : وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | وَيَلْقَوْنَ | بِفَتْحِ الْيَاء , وَتَخْفِيف الْقَاف . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ أَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا | وَيَلْقَوْنَ فِيهَا | بِفَتْحِ الْيَاء , وَتَخْفِيف الْقَاف ; لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ , قَالَتْ : فُلَان يُتَلَقَّى بِالسَّلَامِ وَبِالْخَيْرِ , وَنَحْنُ نَتَلَقَّاهُمْ بِالسَّلَامِ , قَرَنْته بِالْيَاءِ , وَقَلَّمَا تَقُول : فُلَان يُلَقَّى السَّلَام , فَكَانَ وَجْه الْكَلَام , لَوْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ , أَنْ يُقَال : وَيُتَلَقَّوْنَ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَام . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقِرَاءَة بِذَلِكَ , كَمَا تُجِيز : أَخَذْت بِالْخِطَامِ , وَأَخَذْت الْخِطَام . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّحِيَّة وَالسَّلَام فِيمَا مَضَى قَبْل , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة بِمَا صَبَرُوا , خَالِدِينَ فِي الْغُرْفَة , يَعْنِي أَنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِيهَا , لَابِثُونَ إِلَى غَيْر أَمَد , حَسُنَتْ تِلْكَ الْغُرْفَة قَرَارًا لَهُمْ وَمُقَامًا . يَقُول : وَإِقَامَة .

إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

وَقَوْله : { قُلْ مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْسِلْت إِلَيْهِمْ : أَيّ شَيْء يَعِدكُمْ , وَأَيّ شَيْء يَصْنَع بِكُمْ رَبِّي ؟ يُقَال مِنْهُ : عَبَأْت بِهِ أَعْبَأ عَبْئًا , وَعَبَأْت الطِّيب أَعْبَؤُهُ : إِذَا هَيَّأْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>كَأَنَّ بِنَحْرِهِ وَبِمَنْكِبَيْهِ .......... عَبِيرًا بَاتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوس <br>يَقُول : يُهَيِّئهُ وَيَعْمَلهُ يَعْبَؤُهُ عَبْئًا وَعُبُوءًا , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : عَبَّأْت الْجَيْش بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فَأَنَا أُعَبِّئهُ : أُهَيِّئهُ . وَالْعِبْء : الثِّقَل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20170 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { قُلْ مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي } يَصْنَع لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ . )20171 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قُلْ مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي } قَالَ : يَعْبَأ : يَفْعَل .)|لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ|وَقَوْله : { لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } يَقُول : لَوْلَا عِبَادَة مَنْ يَعْبُدهُ مِنْكُمْ , وَطَاعَة مَنْ يُطِيعهُ مِنْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20172 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } يَقُول : لَوْلَا إِيمَانكُمْ , وَأَخْبَرَ اللَّه الْكُفَّار أَنَّهُ لَا حَاجَة لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقهُمْ مُؤْمِنِينَ , وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَة لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَان كَمَا حَبَّبَهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ . )20173 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } قَالَ : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ لِتَعْبُدُوهُ وَتُطِيعُوهُ .)|فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا|وَقَوْله { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُشْرِكِي قُرَيْش قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم رَسُولكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمْر رَبّكُمْ الَّذِي أَمَرَ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ لَوْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ , كَانَ يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي , فَسَوْفَ يَكُون تَكْذِيبكُمْ رَسُول رَبّكُمْ , وَخِلَافكُمْ أَمْر بَارِئِكُمْ , عَذَابًا لَكُمْ مُلَازِمًا , قَتْلًا بِالسُّيُوفِ وَهَلَاكًا لَكُمْ مُفْنِيًا يَلْحَق بَعْضكُمْ بَعْضًا , كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذَلِيّ : <br>فَفَاجَأَهُ بِعَادِيَةٍ لِزَام .......... كَمَا يَتَفَجَّر الْحَوْض اللَّقِيف <br>يَعْنِي بِاللِّزَامِ : الْكَبِير الَّذِي يَتْبَع بَعْضه بَعْضًا , وَبِاللَّقِيفِ : الْمُتَسَاقِط الْحِجَارَة الْمُتَهَدِّم , فَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ , وَصَدَقَهُمْ وَعْده , وَقَتَلَهُمْ يَوْم بَدْر بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ , وَأَلْحَقَ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , فَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَاب اللِّزَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20174 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَوْلًى لِشَقِيقِ بْن ثَوْر أَنَّهُ سَمِعَ سَلْمَان أَبَا عَبْد اللَّه , قَالَ : (صَلَّيْت مَعَ ابْن الزُّبَيْر فَسَمِعْته يَقْرَأ : فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ . )20175 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن أَدْهَم السَّدُوسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْمَجِيد , قَالَ : سَمِعْت مُسْلِم بْن عَمَّار , قَالَ : (سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقْرَأ هَذَا الْحَرْف : فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } . )* -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { قُلْ مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } يَقُول : كَذَّبَ الْكَافِرُونَ أَعْدَاء اللَّه . )20176 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ لِزَامًا يَوْم بَدْر . )20177 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مَسْرُوق . قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن : (خَمْس قَدْ مَضَيْنَ : الدُّخَان , وَاللِّزَام , وَالْبَطْشَة , وَالْقَمَر , وَالرُّوم . )20178 - حَدَّثَنِي الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } قَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : هُوَ الْقَتْل يَوْم بَدْر . )20179 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (اللِّزَام : يَوْم بَدْر . )20180 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } قَالَ : هُوَ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } قَالَ : يَوْم بَدْر . )* -حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : (اللِّزَام , الْقَتْل يَوْم بَدْر . )20181 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } الْكُفَّار كَذَّبُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا , وَهُوَ يَوْم بَدْر . )20182 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (قَدْ مَضَى اللِّزَام , كَانَ اللِّزَام يَوْم بَدْر , أَسَرُوا سَبْعِينَ , وَقَتَلُوا سَبْعِينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى اللِّزَام : الْقِتَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20183 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } قَالَ : فَسَوْفَ يَكُون قِتَالًا ; اللِّزَام : الْقِتَال . وَقَالَ آخَرُونَ : اللِّزَام : الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20184 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { فَسَوْفَ يَكُون لِزَامًا } قَالَ : مَوْتًا . )وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب : مَعْنَى ذَلِكَ : فَسَوْفَ يَكُون جَزَاء يَلْزَم كُلّ عَامِل مَا عَمِلَ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ . وَلِلنَّصْبِ فِي اللِّزَام وَجْه آخَر غَيْر الَّذِي قُلْنَاهُ , وَهُوَ أَنْ يَكُون فِي قَوْله { يَكُون } مَجْهُول , ثُمَّ يُنْصَب اللِّزَام عَلَى الْخَبَر كَمَا قِيلَ : <br>إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنهمْ وَقِتَالًا <br>وَقَدْ كَانَ بَعْض مَنْ لَا عِلْم لَهُ بِأَقْوَالِ أَهْل الْعِلْم يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ مَا يَعْبَأ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَهَذَا قَوْل لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِهِ ; لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَال أَهْل الْعِلْم مِنْ أَهْل التَّأْوِيل .

وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { طسم } . </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا فِي اِبْتِدَاء فَوَاتِح سُوَر الْقُرْآن مِنْ حُرُوف الْهِجَاء , وَمَا اُنْتُزِعَ بِهِ كُلّ قَائِل مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ وَمَذْهَبه مِنْ الْعِلَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِيهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته , وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ الِاخْتِلَاف فِي قَوْله : طسم وطس , نَظِير الَّذِي ذُكِرَ عَنْهُمْ فِي : الم وَالمر وَالمص . وَقَدْ : 20185 -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { طسم } قَالَ : فَإِنَّهُ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه . )20186 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { طسم } قَالَ : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن .)

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ

فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالْجَمِيع : إِنَّ هَذِهِ الْآيَات الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة لَآيَات الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْهِ مِنْ قَبْلهَا الَّذِي بُيِّنَ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ بِفَهْمٍ , وَفَكَّرَ فِيهِ بِعَقْلٍ , أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه جَلَّ جَلَاله , لَمْ يَتَخَرَّصهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَتَقَوَّلهُ مِنْ عِنْده , بَلْ أَوْحَاهُ إِلَيْهِ رَبّه.

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

وَقَوْله : { لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَعَلَّك يَا مُحَمَّد قَاتِل نَفْسك وَمُهْلِكهَا إِنْ لَمْ يُؤْمِن قَوْمك بِك , وَيُصَدِّقُوك عَلَى مَا جِئْتهمْ بِهِ وَالْبَخْع : هُوَ الْقَتْل وَالْإِهْلَاك فِي كَلَام الْعَرَب ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرِّمَّة : <br>أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِع الْوَجْد نَفْسه .......... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِر <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20187 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { بَاخِع نَفْسك } : قَاتِل نَفْسك . )20188 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } قَالَ : لَعَلَّك مِنْ الْحِرْص عَلَى إِيمَانهمْ مُخْرِج نَفْسك مِنْ جَسَدك , قَالَ : ذَلِكَ الْبَخْع . )20189 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك } عَلَيْهِمْ حِرْصًا . )وَأَنَّ مِنْ قَوْله : { أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } فِي مَوْضِع نَصَب بِبَاخِعٍ , كَمَا يُقَال : زُرْت عَبْد اللَّه أَنْ زَارَنِي , وَهُوَ جَزَاء ; وَلَوْ كَانَ الْفِعْل الَّذِي بَعْد أَنَّ مُسْتَقْبِلًا لَكَانَ وَجْه الْكَلَام فِي | أَنَّ | الْكَسْر كَمَا يُقَال ; أَزُور عَبْد اللَّه إِنْ يَزُورنِي.

وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ } . </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ } الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَظَلَّ الْقَوْم الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة خَاضِعَة أَعْنَاقهمْ لَهَا مِنْ الذِّلَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20190 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قَالَ : فَظَلُّوا خَاضِعَة أَعْنَاقهمْ لَهَا . )20191 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { خَاضِعِينَ } قَالَ : لَوْ شَاءَ اللَّه لَنَزَّلَ عَلَيْهِ آيَة يَذِلُّونَ بِهَا , فَلَا يَلْوِي أَحَد عُنُقه إِلَى مَعْصِيَة اللَّه. )20192 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء آيَة } قَالَ : لَوْ شَاءَ اللَّه لَأَرَاهُمْ أَمْرًا مِنْ أَمْره لَا يَعْمَل أَحَد مِنْهُمْ بَعْده بِمَعْصِيَةٍ . )20193 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قَالَ : مُلْقِينَ أَعْنَاقهمْ . )20194 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قَالَ : الْخَاضِع : الذَّلِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَظَلَّتْ سَادَتهمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ لِلْآيَةِ خَاضِعِينَ , وَيَقُول : الْأَعْنَاق : هُمْ الْكُبَرَاء مِنْ النَّاس . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَذْكِير خَاضِعِينَ , وَهُوَ خَبَر عَنْ الْأَعْنَاق , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : يَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْله { أَعْنَاقهمْ } عَلَى الْجَمَاعَات , نَحْو : هَذَا عُنُق مِنْ النَّاس كَثِير , أَوْ ذُكِّرَ كَمَا يُذَكَّر بَعْض الْمُؤَنَّث , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>تَمَزَّزْتهَا وَالدِّيك يَدْعُو صَبَاحه .......... إِذَا مَا بَنُو نَعْش دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا <br>فَجَمَاعَات هَذَا أَعْنَاق , أَوْ يَكُون ذَكَّرَهُ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْمُذَكَّر كَمَا يُؤَنَّث لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْمُؤَنَّث , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَنَشْرَق بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْته .......... كَمَا شَرِقَتْ صَدْر الْقَنَاة مِنْ الدَّم <br>وَقَالَ الْعَجَّاج : <br>لَمَّا رَأَى رَأَى مَتْن السَّمَاء أَبْعَدَتْ <br>وَقَالَ الْفَرَزْدَق : <br>إِذَا الْقُنْبُضَات السُّود طَوَّفْنَ بِالضُّحَى .......... رَقَدْنَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَال الْمُسَجَّف <br>وَقَالَ الْأَعْشَى : <br>وَإِنَّ أَمْرَأً أَهْدَى إِلَيْك وَدُونه .......... مِنْ الْأَرْض يَهْمَاء وَبَيْدَاء خَيْفَق <br><br>لَمَحْقُوقَة أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ .......... وَأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ الْمُعَان الْمُوَفَّق <br>قَالَ : وَيَقُولُونَ : بَنَات نَعْش وَبَنُو نَعْش , وَيُقَال : بَنَات عُرْس , وَبَنُو عُرْس ; وَقَالَتْ اِمْرَأَة : أَنَا اِمْرُؤٌ لَا أُخْبِر السِّرّ , قَالَ : وَذُكِرَ لِرُؤْبَة رَجُلٌ فَقَالَ : هُوَ كَانَ أَحَد بَنَات مَسَاجِد اللَّه , يَعْنِي الْحَصَى . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْل الشَّاعِر : <br>تَرَى أَرْمَاحهمْ مُتَقَلِّدِيهَا .......... إِذَا صَدِئ الْحَدِيد عَلَى الْكُمَاة <br>فَمَعْنَاهُ عِنْده : فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ خَاضِعِيهَا هُمْ , كَمَا يُقَال : يَدك بَاسِطهَا , بِمَعْنَى : يَدك بَاسِطهَا أَنْتَ , فَاكْتَفَى بِمَا اِبْتَدَأَ بِهِ مِنْ الِاسْم أَنْ يَكُون , فَصَارَ الْفِعْل كَأَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ لِلثَّانِي , وَكَذَلِكَ قَوْله : لَمَحْقُوقَة أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ إِنَّمَا هُوَ لَمَحْقُوقَة أَنْتِ , وَالْمَحْقُوقَة : النَّاقَة , إِلَّا أَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْمَرْء لَمَّا عَادَ بِالذِّكْرِ . وَكَانَ آخَر مِنْهُمْ يَقُول : الْأَعْنَاق : الطَّوَائِف , كَمَا يُقَال : رَأَيْت النَّاس إِلَى فُلَان عُنُقًا وَاحِدَة , فَيَجْعَل الْأَعْنَاق الطَّوَائِف وَالْعَصَب ; وَيَقُول : يَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ تَكُون الْأَعْنَاق هُمْ السَّادَة وَالرِّجَال الْكُبَرَاء , فَيَكُون كَأَنَّهُ قِيلَ. فَظَلَّتْ رُءُوس الْقَوْم وَكُبَرَاؤُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ , وَقَالَ : أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يُقَال : إِنَّ الْأَعْنَاق إِذَا خَضَعَتْ فَأَرْبَابهَا خَاضِعُونَ , فَجَعَلْت الْفِعْل أَوَّلًا لِلْأَعْنَاقِ , ثُمَّ جَعَلْت خَاضِعِينَ لِلرِّجَالِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>عَلَى قَبْضَة مَرْجُوَّة ظَهْر كَفّه .......... فَلَا الْمَرْء مُسْتَحْيٍ وَلَا هُوَ طَاعِم <br>فَأَنَّثَ فِعْل الظَّهْر , لِأَنَّ الْكَفّ تَجْمَع الظَّهْر , وَتَكْفِي مِنْهُ , كَمَا أَنَّك تَكْتَفِي بِأَنْ تَقُول : خَضَعْت لَك , مِنْ أَنْ تَقُول : خَضَعَتْ لَك رَقَبَتِي , وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَرَب تَقُول : كُلّ ذِي عَيْن نَاظِر وَنَاظِرَة إِلَيْك , لِأَنَّ قَوْلك : نَظَرَتْ إِلَيْك عَيْنِي , وَنَظَرْت إِلَيْك بِمَعْنًى وَاحِد بِتَرْكِ كُلّ , وَلَهُ الْفِعْل وَبِرَدِّهِ إِلَى الْعَيْن , فَلَوْ قُلْت : فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعَة , كَانَ صَوَابًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَههَا بِمَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُون الْأَعْنَاق هِيَ أَعْنَاق الرِّجَال , وَأَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ ذَلِيلَة , لِلْآيَةِ الَّتِي يُنَزِّلهَا اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء , وَأَنْ يَكُون قَوْله | خَاضِعِينَ | مُذَكَّرًا , لِأَنَّهُ خَبَر عَنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي الْأَعْنَاق , فَيَكُون ذَلِكَ نَظِير قَوْل جَرِير : <br>أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي .......... كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال <br>وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : مَرَّ , لَوْ أُسْقِطَ مِنْ الْكَلَام , لَأَدَّى مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَام عَنْهُ وَلَمْ يُفْسِد سُقُوطه مَعْنَى الْكَلَام عَمَّا كَانَ بِهِ قَبْل سُقُوطه , وَكَذَلِكَ لَوْ أُسْقِطَتْ الْأَعْنَاق مِنْ قَوْله : فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ , لَأَدَّى مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَام عَنْهَا , وَذَلِكَ أَنَّ الرِّجَال إِذَا ذَلُّوا , فَقَدْ ذَلَّتْ رِقَابهمْ , وَإِذَا ذَلَّتْ رِقَابهمْ فَقَدْ ذَلُّوا . فَإِنْ قِيلَ فِي الْكَلَام : فَظَلُّوا لَهَا خَاضِعِينَ , كَانَ الْكَلَام غَيْر فَاسِد , لِسُقُوطِ الْأَعْنَاق , وَلَا مُتَغَيِّر مَعْنَاهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْل سُقُوطهَا , فَصُرِفَ الْخَبَر بِالْخُضُوعِ إِلَى أَصْحَاب الْأَعْنَاق , وَإِنْ كَانَ قَدْ اِبْتَدَأَ بِذِكْرِ الْأَعْنَاق لِمَا قَدْ جَرَى بِهِ اِسْتِعْمَال الْعَرَب فِي كَلَامهمْ , إِذَا كَانَ الِاسْم الْمُبْتَدَأ بِهِ , وَمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ يُؤَدِّي الْخَبَر كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَنْ الْآخَر .

وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ الرَّحْمَن مُحْدَث إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يَجِيء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَك وَيَجْحَدُونَ مَا أَتَيْتهمْ بِهِ يَا مُحَمَّد مِنْ عِنْد رَبّك مِنْ تَذْكِير وَتَنْبِيه عَلَى مَوَاضِع حِجَج اللَّه عَلَيْهِمْ عَلَى صِدْقك , وَحَقِيقَة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِمَّا يُحْدِثهُ اللَّه إِلَيْك وَيُوحِيه إِلَيْك , لِتُذَكِّرهُمْ بِهِ , إِلَّا أَعْرَضُوا عَنْ اِسْتِمَاعه , وَتَرَكُوا إِعْمَال الْفِكْر فِيهِ وَتَدَبُّره

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَدْ كَذَّبَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِالذِّكْرِ الَّذِي أَتَاهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه , وَأَعْرَضُوا عَنْهُ { فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : فَسَيَأْتِيهِمْ أَخْبَار الْأَمْر الَّذِي كَانُوا يَسْخَرُونَ , وَذَلِكَ وَعِيد مِنْ اللَّه لَهُمْ أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ عِقَابه عَلَى تَمَادِيهِمْ فِي كُفْرهمْ , وَتَمَرُّدهمْ عَلَى رَبّهمْ .

حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْض كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ وَالنَّشْر إِلَى الْأَرْض , كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا بَعْد أَنْ كَانَتْ مَيِّتَة لَا نَبَات فِيهَا { مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } يَعْنِي بِالْكَرِيمِ : الْحَسَن , كَمَا يُقَال لِلنَّخْلَةِ الطَّيِّبَة الْحِمْل : كَرِيمَة , وَكَمَا يُقَال لِلشَّاةِ أَوْ النَّاقَة إِذَا غَزُرَتَا , فَكَثُرَتْ أَلْبَانهمَا : نَاقَة كَرِيمَة , وَشَاة كَرِيمَة. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20195 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنِي أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } قَالَ : مِنْ نَبَات الْأَرْض , مِمَّا تَأْكُل النَّاس وَالْأَنْعَام . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 20196 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } قَالَ : حَسَن)

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِنْبَاتنَا فِي الْأَرْض مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم لَآيَة . يَقُول : لِدَلَالَةِ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ , عَلَى حَقِيقَته , وَأَنَّ الْقُدْرَة الَّتِي بِهَا أَنْبَتَ اللَّه فِي الْأَرْض ذَلِكَ النَّبَات بَعْد جَدُوبهَا , لَنْ يُعْجِزهُ أَنْ يُنْشَر بِهَا الْأَمْوَات بَعْد مَمَاتهمْ , أَحْيَاء مِنْ قُبُورهمْ .|وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ|وَقَوْله : { وَمَا كَانَ أَكْثَرهمْ مُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَمَا كَانَ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ , الْجَاحِدِينَ نُبُوَّتك يَا مُحَمَّد , بِمُصَدِّقِيك عَلَى مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الذِّكْر. يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , فَلَا يُؤْمِن بِك أَكْثَرهمْ لِلسَّابِقِ مِنْ عِلْمِي فِيهِمْ .

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ

وَقَوْله : { وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم } يَقُول : وَإِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد لَهُوَ الْعَزِيز فِي نِقْمَته , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ أَحَد أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنِّي إِنْ أَحْلَلْت بِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِك يَا مُحَمَّد , الْمُعْرِضِينَ عَمَّا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ عِنْدِي , عُقُوبَتِي بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ , فَلَنْ يَمْنَعهُمْ مِنِّي مَانِع , لِأَنِّي أَنَا الْعَزِيز الرَّحِيم , يَعْنِي أَنَّهُ ذُو الرَّحْمَة بِمَنْ تَابَ مِنْ خَلْقه مِنْ كُفْره وَمَعْصِيَته , أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ جُرْمه بَعْد تَوْبَته . وَكَانَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي مَعْنَى ذَلِكَ , مَا : 20197 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : (كُلّ شَيْء فِي الشُّعَرَاء مِنْ قَوْله | عَزِيز رَحِيم | فَهُوَ مَا أَهْلَكَ مِمَّنْ مَضَى مِنْ الْأُمَم , يَقُول عَزِيز , حِين اِنْتَقَمَ مِنْ أَعْدَائِهِ , رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ , حِين أَنْجَاهُمْ مِمَّا أَهْلَكَ بِهِ أَعْدَاءَهُ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّ قَوْله : { وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم } عَقِيب وَعِيد اللَّه قَوْمًا مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالتَّكْذِيب بِالْبَعْثِ , لَمْ يَكُونُوا أُهْلِكُوا , فَيُوَجَّه إِلَى أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ فِعْله بِهِمْ وَإِهْلَاكه . وَلَعَلَّ اِبْن جُرَيْج بِقَوْلِهِ هَذَا أَرَادَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقِيب خَبَر اللَّه عَنْ إِهْلَاكه مَنْ أَهْلَكَ مِنْ الْأُمَم , وَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه إِذَا كَانَ عَقِيب خَبَرهمْ كَذَلِكَ .

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِذْ نَادَى رَبّك مُوسَى بْن عِمْرَان .|أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ|يَعْنِي الْكَافِرِينَ قَوْم فِرْعَوْن , وَنَصَبَ الْقَوْم الثَّانِي تَرْجَمَة عَنْ الْقَوْم الْأَوَّل ,

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ

وَقَوْله { أَلَا يَتَّقُونَ } يَقُول : أَلَا يَتَّقُونَ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْرهمْ بِهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : قَوْم فِرْعَوْن فَقُلْ لَهُمْ : أَلَا يَتَّقُونَ . وَتَرَكَ إِظْهَار فَقُلْ لَهُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا قِيلَ : أَلَا يَتَّقُونَ بِالْيَاءِ , وَلَمْ يَقُلْ أَلَا تَتَّقُونَ بِالتَّاءِ , لِأَنَّ التَّنْزِيل كَانَ قَبْل الْخِطَاب , وَلَوْ جَاءَتْ الْقِرَاءَة فِيهَا بِالتَّاءِ كَانَ صَوَابًا , كَمَا قِيلَ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيَغْلِبُونَ } و | سَتَغْلِبُونَ |

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ إِنِّي أَخَاف أَنْ يُكَذِّبُونِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ } مُوسَى لِرَبِّهِ { رَبّ إِنِّي أَخَاف } مِنْ قَوْم فِرْعَوْن الَّذِينَ أَمَرْتنِي أَنْ آتِيَهُمْ { أَنْ يُكَذِّبُونِ } بِقِيلِي لَهُمْ : إِنَّك أَرْسَلْتنِي إِلَيْهِمْ .

وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ

{ وَيَضِيق صَدْرِي } مِنْ تَكْذِيبهمْ إِيَّايَ إِنْ كَذَّبُونِي . وَرُفِعَ قَوْله : { وَيَضِيق صَدْرِي } عَطْفًا بِهِ عَلَى أَخَاف , وَبِالرَّفْعِ فِيهِ قَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , وَمَعْنَاهُ : وَإِنِّي يَضِيق صَدْرِي .|وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي|وَقَوْله : { وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي } يَقُول : وَلَا يَنْطَلِق بِالْعِبَارَةِ عَمَّا تُرْسِلنِي بِهِ إِلَيْهِمْ , لِلْعِلَّةِ الَّتِي كَانَتْ بِلِسَانِهِ . وَقَوْله : { وَلَا يَنْطَلِق لِسَانِي } كَلَام مَعْطُوف بِهِ عَلَى يَضِيق.|فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ|وَقَوْله : { فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُون } يَعْنِي هَارُون أَخَاهُ , وَلَمْ يَقُلْ : فَأَرْسِلْ إِلَيَّ هَارُون لِيُؤَازِرنِي وَلِيُعِينَنِي , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَام , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : لَوْ نَزَلَتْ بِنَا نَازِلَة لَفَزِعْنَا إِلَيْك , بِمَعْنَى : لَفَزِعْنَا إِلَيْك لِتُعِينَنَا .

أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ

وَقَوْله : { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب } يَقُول : وَلِقَوْمِ فِرْعَوْن عَلَيَّ دَعْوَى ذَنْب أَذْنَبْت إِلَيْهِمْ , وَذَلِكَ قَتْله النَّفْس الَّتِي قَتَلَهَا مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20198 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنِي عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِ } قَالَ : قَتْل النَّفْس الَّتِي قَتَلَ مِنْهُمْ . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (قَتْل مُوسَى النَّفْس . )20199 - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب } قَالَ : قَتْل النَّفْس.)|فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ|وَقَوْله : { فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِ } يَقُول : فَأَخَاف أَنْ يَقْتُلُونِي قَوَدًا بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتَلْت مِنْهُمْ .

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ

يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : { كَلَّا } : أَيْ لَنْ يَقْتُلك قَوْم فِرْعَوْن.|فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا|يَقُول : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك بِآيَاتِنَا , يَعْنِي بِإِعْلَامِنَا وَحُجَجنَا الَّتِي أَعْطَيْنَاك عَلَيْهِمْ.|إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ|وَقَوْله : { إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } مِنْ قَوْم فِرْعَوْن مَا يَقُولُونَ لَكُمْ , وَيُجِيبُونَكُمْ بِهِ .

قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

وَقَوْله : { فَأْتِيَا فِرْعَوْن } يَقُول : فَأْتِ أَنْتَ يَا مُوسَى وَأَخُوك هَارُون فِرْعَوْن .|فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ| { فَقُولَا إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ } إِلَيْك ب { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيل } وَقَالَ رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ , وَهُوَ يُخَاطِب اِثْنَيْنِ بِقَوْلِهِ فَقُولَا , لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَر مِنْ أَرْسَلْت , يُقَال : أَرْسَلْت رِسَالَة وَرَسُولًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ .......... بِسُوءٍ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ <br>يَعْنِى بِرِسَالَةٍ , وَقَالَ الْآخَر : <br>أَلَا مَنْ مُبَلِّغ عَنِّي خِفَافًا .......... رَسُولًا بَيْت أَهْلك مُنْتَهَاهَا <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : رَسُولًا : رِسَالَة , فَأَنَّثَ لِذَلِكَ الْهَاء .

اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ

{ فَقُولَا إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ } إِلَيْك ب { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيل } وَقَالَ رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ , وَهُوَ يُخَاطِب اِثْنَيْنِ بِقَوْلِهِ فَقُولَا , لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَر مِنْ أَرْسَلْت , يُقَال : أَرْسَلْت رِسَالَة وَرَسُولًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ .......... بِسُوءٍ وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ <br>يَعْنِى بِرِسَالَةٍ , وَقَالَ الْآخَر : <br>أَلَا مَنْ مُبَلِّغ عَنِّي خِفَافًا .......... رَسُولًا بَيْت أَهْلك مُنْتَهَاهَا <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : رَسُولًا : رِسَالَة , فَأَنَّثَ لِذَلِكَ الْهَاء .

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّك فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْت فِينَا مِنْ عُمُرك سِنِينَ } </subtitle>وَفِي هَذَا الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ : فَأْتِيَا فِرْعَوْن فَأَبْلِغَاهُ رِسَالَة رَبّهمَا إِلَيْهِ , فَقَالَ فِرْعَوْن : أَلَمْ بِك فِينَا يَا مُوسَى وَلِيدًا , وَلَبِثْت فِينَا مِنْ عُمُرك سِنِينَ ؟ مُكْثه عِنْده قَبْل قَتْل الْقَتِيل الَّذِي قَتَلَهُ مِنْ الْقِبْط .

إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَعْنِي : قَتْله النَّفْس الَّتِي قَتَلَ مِنْ الْقِبْط. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20200 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَفَعَلْت فَعْلَتك الَّتِي فَعَلْت وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ : فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ . قَالَ : قَتْل النَّفْس . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَإِنَّمَا قِيلَ { وَفَعَلْت فَعْلَتك } لِأَنَّهَا مَرَّة وَاحِدَة , وَلَا يَجُوز كَسْر الْفَاء إِذَا أُرِيدَ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى . وَذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | وَفَعَلْت فَعْلَتك | بِكَسْرِ الْفَاء , وَهِيَ قِرَاءَة لِقِرَاءَةِ الْقُرَّاء مِنْ أَهْل الْأَمْصَار مُخَالِفَة .|وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ|وَقَوْله : { وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ عَلَى دِيننَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20201 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَفَعَلْت فَعْلَتك الَّتِي فَعَلْت وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَعْنِي عَلَى دِيننَا هَذَا الَّذِي تَعِيب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ نِعْمَتنَا عَلَيْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20202 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَفَعَلْت فَعْلَتك الَّتِي فَعَلْت وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ : رَبَّيْنَاك فِينَا وَلِيدًا , فَهَذَا الَّذِي كَافَأْتنَا أَنْ قَتَلْت مِنَّا نَفْسًا , وَكَفَرْت نِعْمَتنَا ! . )20203 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ لِأَنَّ فِرْعَوْن لَمْ يَكُنْ يَعْلَم مَا الْكُفْر . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ فِرْعَوْن لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ هُوَ الرَّبّ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُول لِمُوسَى - إِنْ كَانَ مُوسَى كَانَ عِنْده عَلَى دِينه يَوْم قَتَلَ الْقَتِيل عَلَى مَا قَالَهُ السُّدِّيّ - : فَعَلْت الْفَعْلَة وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ , الْإِيمَان عِنْده : هُوَ دِينه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُوسَى عِنْده , إِلَّا أَنْ يَقُول قَائِل : إِنَّمَا أَرَادَ : وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ يَوْمئِذٍ يَا مُوسَى , عَلَى قَوْلك الْيَوْم , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا يَتَوَجَّه . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَقَتَلْت الَّذِي قَتَلْت مِنَّا وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ نِعْمَتنَا عَلَيْك , وَإِحْسَاننَا إِلَيْك فِي قَتْلك إِيَّاهُ . وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْتَ الْآن مِنْ الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِي عَلَيْك , وَتَرْبِيَتِي إِيَّاكَ .

أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن : فَعَلْت تِلْكَ الْفَعْلَة الَّتِي فَعَلْت , أَيْ قَتَلْت تِلْكَ النَّفْس الَّتِي قَتَلْت إِذَنْ وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ . يَقُول : وَأَنَا مِنْ الْجَاهِلِينَ قَبْل أَنْ يَأْتِيَنِي مِنْ اللَّه وَحْي بِتَحْرِيمِ قَتْله عَلَيَّ . وَالْعَرَب تَضَع مِنْ الضَّلَال مَوْضِع الْجَهْل , وَالْجَهْل مَوْضِع الضَّلَال , فَتَقُول : قَدْ جَهِلَ فُلَان الطَّرِيق وَضَلَّ الطَّرِيق , بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20204 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } قَالَ : مِنْ الْجَاهِلِينَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ اِبْن جُرَيْج : (وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : | وَأَنَا مِنْ الْجَاهِلِينَ |. )20205 - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } قَالَ : مِنْ الْجَاهِلِينَ . )20206 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ } فَقَالَ مُوسَى : لَمْ أَكْفُر , وَلَكِنْ فَعَلْتهَا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ. وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : | فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الْجَاهِلِينَ |. )20207 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { قَالَ فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } قَبْل أَنْ يَأْتِيَنِي مِنْ اللَّه شَيْء كَانَ قَتْلِي إِيَّاهُ ضَلَالَة خَطَأ. قَالَ : وَالضَّلَالَة هَهُنَا الْخَطَأ , لَمْ يَقُلْ ضَلَاله فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . )20208 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { قَالَ فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ } يَقُول : وَأَنَا مِنْ الْجَاهِلِينَ.)

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ

وَقَوْله { فَفَرَرْت مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } الْآيَة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيلَ مُوسَى لِفِرْعَوْن : { فَفَرَرْت مِنْكُمْ } مَعْشَر الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن { لَمَّا خِفْتُكُمْ } أَنْ تَقْتُلُونِي بِقَتْلِي الْقَتِيل مِنْكُمْ .|فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا|يَقُول : فَوَهَبَ لِي رَبِّي نُبُوَّة وَهِيَ الْحُكْم . كَمَا . 20209 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا } وَالْحُكْم : النُّبُوَّة .)|وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ|وَقَوْله : { وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول : وَأَلْحَقَنِي بِعِدَادِ مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَى خَلْقه , مُبَلِّغًا عَنْهُ رِسَالَته إِلَيْهِمْ بِإِرْسَالِهِ إِيَّايَ إِلَيْك يَا فِرْعَوْن .

قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيلَ نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِرْعَوْن { وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَتِلْكَ تَرْبِيَة فِرْعَوْن إِيَّاهُ , يَقُول : وَتَرْبِيَتك إِيَّايَ , وَتَرْكك اِسْتِعْبَادِي , كَمَا اِسْتَعْبَدْت بَنِي إِسْرَائِيل نِعْمَة مِنْك تَمُنّهَا عَلَيَّ بِحَقٍّ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ , وَهُوَ : وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل وَتَرَكْتنِي , فَلَمْ تَسْتَعْبِدنِي , فَتَرَكَ ذِكْر | وَتَرَكْتنِي | لِدَلَالَةِ قَوْله { أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } عَلَيْهِ , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ اِخْتِصَارًا لِلْكَلَامِ , وَنَظِير ذَلِكَ فِي الْكَلَام أَنْ يَسْتَحِقّ رَجُلَانِ مِنْ ذِي سُلْطَان عُقُوبَة , فَيُعَاقِب أَحَدهمَا , وَيَعْفُو عَنْ الْآخَر , فَيَقُول الْمَعْفُوّ عَنْهُ هَذِهِ نِعْمَة عَلَيَّ مِنْ الْأَمِير أَنْ عَاقَبَ فُلَانًا , وَتَرَكَنِي , ثُمَّ حَذَفَ | وَتَرَكَنِي | لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , وَلِأَنَّ فِي قَوْله : { أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا النَّصْب , لِتَعَلُّقِ | تَمُنّهَا | بِهَا , وَإِذَا كَانَتْ نَصْبًا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ لِتَعَبُّدِك بَنِي إِسْرَائِيل. وَالْآخَر : الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا رَدّ عَلَى النِّعْمَة . وَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ تَعْبِيدك بَنِي إِسْرَائِيل . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } : أَنْ اِتَّخَذْتهمْ عَبِيدًا لَك . يُقَال مِنْهُ : عَبَّدْت الْعَبِيد وَأَعْبَدْتهمْ , قَالَ الشَّاعِر : <br>عَلَامَ يُعَبِّدنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ .......... فِيهَا أَبَاعِر مَا شَاءُوا وَعُبْدَان <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20210 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { تَمُنّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : قَهَرْتهمْ وَاسْتَعْمَلْتهمْ. )20211 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (تَمُنّ عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : قَهَرْت وَغَلَبْت وَاسْتَعْمَلْت بَنِي إِسْرَائِيل . )20212 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } وَرَبَّيْتنِي قَبْل وَلِيدًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا اِسْتِفْهَام كَانَ مِنْ مُوسَى لِفِرْعَوْن , كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَمُنُّ عَلَيَّ أَنْ اِتَّخَذْت بَنِي إِسْرَائِيل عَبِيدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20213 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ } قَالَ : يَقُول مُوسَى لِفِرْعَوْن : أَتَمُنَّ عَلَيَّ أَنْ اِتَّخَذْت أَنْتَ بَنِي إِسْرَائِيل عَبِيدًا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : وَتِلْكَ نِعْمَة تَمُنّهَا عَلَيَّ , فَيُقَال : هَذَا اِسْتِفْهَام كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَمُنُّهَا عَلَيَّ ؟ ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ : { أَنْ عَبَّدْت بَنِي إِسْرَائِيل } وَجَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ النِّعْمَة. وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُنْكِر هَذَا الْقَوْل , وَيَقُول : هُوَ غَلَط مِنْ قَائِله لَا يَجُوز أَنْ يَكُون هَمْز الِاسْتِفْهَام يُلْقِي , وَهُوَ يَطْلُب , فَيَكُون الِاسْتِفْهَام كَالْخَبَرِ , قَالَ : وَقَدْ اُسْتُقْبِحَ وَمَعَهُ أَمْ , وَهِيَ دَلِيل عَلَى الِاسْتِفْهَام وَاسْتَقْبَحُوا : <br>تَرُوح مِنْ الْحَيّ أَمْ تَبْتَكِر .......... وَمَاذَا يَضُرّك لَوْ تَنْتَظِر ؟ <br>قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَتَرُوحُ مِنْ الْحَيّ , وَحُذِفَ الِاسْتِفْهَام أَوَّلًا اِكْتِفَاء بِأَمْ . وَقَالَ أَكْثَرهمْ : بَلْ الْأَوَّل خَبَر , وَالثَّانِي اِسْتِفْهَام , وَكَأَنَّ | أَمْ | إِذَا جَاءَتْ بَعْد الْكَلَام فَهِيَ الْأَلِف , فَأَمَّا وَلَيْسَ مَعَهُ أَمْ , فَلَمْ يَقُلْهُ إِنْسَان . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا . وَقَالَ : مَعْنَى الْكَلَام : وَفَعَلْت فَعْلَتك الَّتِي فَعَلْت وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِي : أَيْ لِنِعْمَةِ تَرْبِيَتِي لَك , فَأَجَابَهُ فَقَالَ : نَعَمْ هِيَ نِعْمَة عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْت النَّاس وَلَمْ تَسْتَعْبِدنِي .

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ

وَقَوْل { قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : وَأَيّ شَيْء رَبّ الْعَالَمِينَ ؟

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ

{ قَالَ } مُوسَى هُوَ { رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَمَالِكهنَّ { وَمَا بَيْنهمَا } يَقُول : وَمَالك مَا بَيْن السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ شَيْء .|إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ|يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أَنَّ مَا تُعَايِنُونَهُ كَمَا تُعَايِنُونَهُ , فَكَذَلِكَ فَأَيْقِنُوا أَنَّ رَبّنَا هُوَ رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا .

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لِمَنْ حَوْله أَلَا تَسْتَمِعُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { قَالَ لِمَنْ حَوْله أَلَا تَسْتَمِعُونَ } قَالَ فِرْعَوْن لِمَنْ حَوْله مِنْ قَوْمه : أَلَا تَسْتَمِعُونَ لِمَا يَقُول مُوسَى , فَأَخْبَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْقَوْم بِالْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَة فِرْعَوْن إِيَّاهُ وَقِيله لَهُ { وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ } لِيَفْهَم بِذَلِكَ قَوْم فِرْعَوْن مَقَالَته لِفِرْعَوْن , وَجَوَابه إِيَّاهُ عَمَّا سَأَلَهُ , إِذْ قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْن { أَلَا تَسْتَمِعُونَ } إِلَى قَوْل مُوسَى ,

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ

فَقَالَ لَهُمْ الَّذِي دَعَوْته إِلَيْهِ وَإِلَى عِبَادَته { رَبّكُمْ } الَّذِي خَلَقَكُمْ { وَرَبّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ }

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

فَقَالَ فِرْعَوْن لَمَّا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ عَمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ فِرْعَوْن وَقَوْمه : { إِنَّ رَسُولكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون } يَقُول : إِنَّ رَسُولكُمْ هَذَا الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَغْلُوب عَلَى عَقْله , لِأَنَّهُ يَقُول قَوْلًا لَا نَعْرِفهُ وَلَا نَفْهَمهُ , وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ وَنَسَبَ مُوسَى عَدُوّ اللَّه إِلَى الْجَنَّة , لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده وَعِنْد قَوْمه أَنَّهُ لَا رَبّ غَيْره يُعْبَد , وَأَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ مُوسَى بَاطِل لَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَة , فَقَالَ مُوسَى عِنْد ذَلِكَ مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ , وَمُعَرِّفهمْ رَبّهمْ بِصِفَتِهِ وَأَدِلَّته , إِذْ كَانَ عِنْد قَوْم فِرْعَوْن أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ رَبًّا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت هُوَ فِرْعَوْن , وَأَنَّ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ لِآبَائِهِمْ أَرْبَابًا مُلُوك أُخَر , كَانُوا قَبْل فِرْعَوْن , قَدْ مَضَوْا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ أَنَّ مُوسَى أَخْبَرَهُمْ بِشَيْءٍ لَهُ مَعْنَى يَفْهَمُونَهُ وَلَا يَعْقِلُونَهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْن : إِنَّهُ مَجْنُون , لِأَنَّ كَلَامه كَانَ عِنْدهمَا كَلَامًا لَا يَعْقِلُونَ مَعْنَاهُ .

قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ

الَّذِي أَدْعُوكُمْ وَفِرْعَوْن إِلَى عِبَادَته رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَمَا بَيْنهمَا - يَعْنِي مَلِك مَشْرِق الشَّمْس وَمَغْرِبهَا , وَمَا بَيْنهمَا مِنْ شَيْء - لَا إِلَى عِبَادَة مُلُوك مِصْر الَّذِينَ كَانُوا مُلُوكهَا قَبْل فِرْعَوْن لِآبَائِكُمْ فَمَضَوْا , وَلَا إِلَى عِبَادَة فِرْعَوْن الَّذِي هُوَ مَلِكهَا .|إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ|يَقُول : إِنْ كَانَ لَكُمْ عُقُول تَعْقِلُونَ بِهَا مَا يُقَال لَكُمْ , وَتَفْهَمُونَ بِهَا مَا تَسْمَعُونَ مِمَّا يُعَيَّن لَكُمْ.

قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِ

فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَام بِالْأَمْرِ الَّذِي عَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقّ الْوَاضِح , إِذْ كَانَ فِرْعَوْن وَمَنْ قَبْله مِنْ مُلُوك مِصْر لَمْ يُجَاوِز مُلْكهمْ عَرِيش مِصْر , وَتَبَيَّنَ لِفِرْعَوْن وَمَنْ حَوْله مِنْ قَوْمه أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُمْ مُوسَى إِلَى عِبَادَته , هُوَ الْمَلِك الَّذِي يَمْلِك الْمُلُوك . قَالَ فِرْعَوْن حِينَئِذٍ اِسْتِكْبَارًا عَنْ الْحَقّ , وَتَمَادِيًا فِي الْغَيّ لِمُوسَى : { لَئِنْ اِتَّخَذْت إِلَهًا غَيْرِي } يَقُول : لَئِنْ أَقْرَرْت بِمَعْبُودٍ سِوَايَ { لِأَجْعَلَنك مِنْ الْمَسْجُونِينَ } يَقُول : لَأَسْجُنَنك مَعَ مَنْ فِي السِّجْن مِنْ أَهْله.

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُك بِشَيْءٍ مُبِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن لَمَّا عَرَّفَهُ رَبّه , وَأَنَّهُ رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , وَدَعَاهُ إِلَى عِبَادَته وَإِخْلَاص الْأُلُوهَة لَهُ , وَأَجَابَهُ فِرْعَوْن بِقَوْلِهِ { لَئِنْ اِتَّخَذْت إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنك مِنْ الْمَسْجُونِينَ } : أَتَجْعَلُنِي مِنْ الْمَسْجُونِينَ { وَلَوْ جِئْتُك بِشَيْءٍ مُبِين } يُبَيِّن لَك صِدْق مَا أَقُول يَا فِرْعَوْن وَحَقِيقَة مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ ؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُ , لِأَنَّ مِنْ أَخْلَاق النَّاس السُّكُون لِلْإِنْصَافِ , وَالْإِجَابَة إِلَى الْحَقّ بَعْد الْبَيَان .

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ

فَلَمَّا قَالَ مُوسَى لَهُ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ لَهُ فِرْعَوْن : فَأْتِ بِالشَّيْءِ الْمُبِين حَقِيقَة مَا تَقُول , فَإِنَّا لَنْ نَسْجُنك حِينَئِذٍ إِنْ اِتَّخَذْت إِلَهًا غَيْرِي إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ : يَقُول : إِنْ كُنْت مُحِقًّا فِيمَا تَقُول , وَصَادِقًا فِيمَا تَصِف وَتُخْبِر.

وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَتَحَوَّلَتْ ثُعْبَانًا , وَهِيَ الْحَيَّة الذَّكَر كَمَا قَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل مِنْ صِفَته وَقَوْله { مُبِين } يَقُول : يُبِين لِفِرْعَوْن وَالْمَلَأ مِنْ قَوْمه أَنَّهُ ثُعْبَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20214 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } يَقُول : مُبِين لَهُ خَلْق حَيَّة .)

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وَقَوْله : { وَنَزَعَ يَده فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء } يَقُول : وَأَخْرَجَ مُوسَى يَده مِنْ جَيْبه فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء تَلْمَع { لِلنَّاظِرِينَ } لِمَنْ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَرَاهَا . 20215 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عَثَّام بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , قَالَ : (اِرْتَفَعَتْ الْحَيَّة فِي السَّمَاء قَدْر مِيل , ثُمَّ سَفْلَتَ حَتَّى صَارَ رَأْس فِرْعَوْن بَيْن نَابِيهَا , فَجَعَلَتْ تَقُول : يَا مُوسَى مُرْنِي بِمَا شِئْت , فَجَعَلَ فِرْعَوْن يَقُول : يَا مُوسَى أَسْأَلك . بِاَلَّذِي أَرْسَلَك , قَالَ : فَأَخَذَهُ بَطْنه.)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْله } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ فِرْعَوْن لَمَّا أَرَاهُ مُوسَى مِنْ عَظِيم قُدْرَة اللَّه وَسُلْطَانه حُجَّة عَلَيْهِ لِمُوسَى بِحَقِيقَةِ مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ , وَصِدْق مَا أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه { لِلْمَلَإِ حَوْله } يَعْنِي لِأَشْرَافِ قَوْمه الَّذِينَ كَانُوا حَوْله .|إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ|يَقُول : إِنَّ مُوسَى سَحَرَ عَصَاهُ حَتَّى أَرَاكُمُوهَا ثُعْبَانًا { عَلِيم } , يَقُول : ذُو عِلْم بِالسِّحْرِ وَبَصَر بِهِ .

قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

يَقُول : يُرِيد أَنْ يُخْرِج بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ أَرْضكُمْ إِلَى الشَّأْم بِقَهْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالسِّحْرِ . وَإِنَّمَا قَالَ : يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ فَجَعَلَ الْخِطَاب لِلْمَلَإِ حَوْله مِنْ الْقِبْط , وَالْمَعْنَى بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل , لِأَنَّ الْقِبْط كَانُوا قَدْ اِسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيل , وَاِتَّخَذُوهُمْ خَدَمًا لِأَنْفُسِهِمْ وَمُهَّانًا , فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ : { يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ } وَهُوَ يُرِيد : أَنْ يُخْرِج خَدَمَكُمْ وَعَبِيدكُمْ مِنْ أَرْض مِصْر إِلَى الشَّأْم . وَإِنَّمَا قُلْت مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَرْسَلَ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن يَأْمُرهُ بِإِرْسَالِ بَنِي إِسْرَائِيل مَعَهُ , فَقَالَ لَهُ وَلِأَخِيهِ { فَأْتِيَا فِرْعَوْن فَقُولَا إِنَّا رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيل } . |فَمَاذَا تَأْمُرُونَ|وَقَوْله : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يَقُول : فَأَيّ شَيْء تَأْمُرُونَ فِي أَمْر مُوسَى وَمَا بِهِ تُشِيرُونَ مِنْ الرَّأْي فِيهِ ؟

قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَجَابَ فِرْعَوْن الْمَلَأ حَوْله بِأَنْ قَالُوا لَهُ : أَخِّرْ مُوسَى وَأَخَاهُ وَأَنْظِرْهُ , وَابْعَثْ فِي بِلَادك وَأَمْصَار مِصْر حَاشِرِينَ يَحْشِرُونَ إِلَيْك كُلّ سَحَّار عَلِيم بِالسِّحْرِ .

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَجَابَ فِرْعَوْن الْمَلَأ حَوْله بِأَنْ قَالُوا لَهُ : أَخِّرْ مُوسَى وَأَخَاهُ وَأَنْظِرْهُ , وَابْعَثْ فِي بِلَادك وَأَمْصَار مِصْر حَاشِرِينَ يَحْشِرُونَ إِلَيْك كُلّ سَحَّار عَلِيم بِالسِّحْرِ .

قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَجُمِعَ السَّحَرَة لِمِيقَاتِ يَوْم مَعْلُوم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَجُمِعَ الْحَاشِرُونَ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ فِرْعَوْن بِحَشْرِ السَّحَرَة { لِمِيقَاتِ يَوْم مَعْلُوم } يَقُول : لِوَقْتٍ وَاعَدَ فِرْعَوْن لِمُوسَى الِاجْتِمَاع مَعَهُ فِيهِ مِنْ يَوْم مَعْلُوم , وَذَلِكَ يَوْم الزِّينَة { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } . [20 59]

وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

وَقِيلَ لِلنَّاسِ : هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لِتَنْظُرُوا إِلَى مَا يَفْعَل الْفَرِيقَانِ , وَلِمَنْ تَكُون الْغَلَبَة , لِمُوسَى أَوْ لِلسَّحَرَةِ ؟ وَقِيلَ : إِنَّ اِجْتِمَاعهمْ لِلْمِيقَاتِ الَّذِي اِتَّعَدَ لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ فِرْعَوْن وَمُوسَى كَانَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20216 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ } قَالَ : كَانُوا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ , قَالَ : وَيُقَال : بَلَغَ ذَنَب الْحَيَّة مِنْ وَرَاء الْبُحَيْرَة يَوْمئِذٍ , قَالَ : وَهَرَبُوا وَأَسْلَمُوا فِرْعَوْن وَهَمَّتْ بِهِ , فَقَالَ : فَخُذْهَا يَا مُوسَى , قَالَ : فَكَانَ فِرْعَوْن مِمَّا يَلِي النَّاس مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَضَع عَلَى الْأَرْض شَيْئًا , قَالَ : فَأَحْدَثَ يَوْمئِذٍ تَحْته , قَالَ : وَكَانَ إِرْسَاله الْحَيَّة فِي الْقُبَّة الْحَمْرَاء .)

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ

فَلَعَلَّنَا نَتَّبِع السَّحَرَة. وَمَعْنَى لَعَلَّ هُنَا : كَيْ . يَقُول : كَيْ نَتَّبِع السَّحَرَة إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ مُوسَى . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ مَعْنَاهَا , لِأَنَّ قَوْم فِرْعَوْن كَانُوا عَلَى دِين فِرْعَوْن , فَغَيْر مَعْقُول أَنْ يَقُول مَنْ كَانَ عَلَى دِين : أَنْظُر إِلَى حُجَّة مَنْ هُوَ عَلَى خِلَافِي لَعَلِّي أَتَّبِع دِينِي , وَإِنَّمَا يُقَال : أَنْظُر إِلَيْهَا كَيْ أَزْدَاد بَصِيرَة بِدِينِي , فَأُقِيم عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ قَوْم فِرْعَوْن , فَإِيَّاهَا عَنَوْا بِقِيلِهِمْ : لَعَلَّنَا نَتَّبِع السَّحَرَة إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ.

فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لِفِرْعَوْن أَئِنّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة } فِرْعَوْن لِوَعْدِ مُوسَى وَمَوْعِد فِرْعَوْن { قَالُوا لِفِرْعَوْن أَئِنّ لَنَا لَأَجْرًا } سِحْرنَا قِبَلك { إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } مُوسَى .

وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

{ قَالَ } فِرْعَوْن لَهُمْ { نَعَمْ } لَكُمْ الْأَجْر عَلَى ذَلِكَ { وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } مِنَّا .

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ

فَقَالُوا عِنْد ذَلِكَ لِمُوسَى : إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ , وَإِمَّا أَنْ نَكُون نَحْنُ الْمُلْقِينَ , وَتُرِكَ ذِكْر قِيلهمْ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ خَبَر اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ ف { قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ } مِنْ حِبَالكُمْ وَعِصِيّكُمْ.

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ

{ فَأَلْقَوْا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ } مِنْ أَيْدِيهمْ { وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْن } يَقُول : أَقْسَمُوا بِقُوَّةِ فِرْعَوْن وَشِدَّة سُلْطَانه , وَمَنَعَة مَمْلَكَته { إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } مُوسَى .

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ } حِين أَلْقَتْ السَّحَرَة حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ.|فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ|يَقُول : فَإِذَا عَصَا مُوسَى تَزْدَرِد مَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْفِرْيَة وَالسِّحْر الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ مَخَايِيل وَخُدْعَة .

فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ

يَقُول : فَلَمَّا تَبَيَّنَ السَّحَرَة أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى حَقّ لَا سِحْر , وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ غَيْر اللَّه الَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ غَيْر أَصْل , خَرُّوا لِوُجُوهِهِمْ سُجَّدًا لِلَّهِ , مُذْعِنِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , مُقِرِّينَ لِمُوسَى بِاَلَّذِي أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَنَّهُ هُوَ الْحَقّ , وَأَنَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنْ السِّحْر بَاطِل ,

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ

قَائِلِينَ : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } الَّذِي دَعَانَا مُوسَى إِلَى عِبَادَته دُون فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ.

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ

لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنِّف لِهَذِهِ الْآيَة بِالتَّفْسِيرِ

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ فِرْعَوْن لِلَّذِينَ كَانُوا سَحَرَته فَآمَنُوا : آمَنْتُمْ لِمُوسَى بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقّ قَبْل أَنْ آذَن لَكُمْ فِي الْإِيمَان بِهِ .|إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ|يَقُول : إِنَّ مُوسَى لَرَئِيسكُمْ فِي السِّحْر , وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَكُمُوهُ , وَلِذَلِكَ آمَنْتُمْ بِهِ .|فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ|عِنْد عِقَابِي إِيَّاكُمْ وَبَال مَا فَعَلْتُمْ , وَخَطَأ مَا صَنَعْتُمْ مِنْ الْإِيمَان بِهِ .|لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَأَقْطَعَن أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلكُمْ مِنْ خِلَاف وَلَأُصَلِّبَنكُمْ أَجْمَعِينَ } </subtitle>يَقُول { لَأَقْطَعَن أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلكُمْ } مُخَالِفًا فِي قَطْع ذَلِكَ مِنْكُمْ بَيْن قَطْع الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل , وَذَلِكَ أَنْ أَقْطَع الْيَد الْيُمْنَى وَالرِّجْل الْيُسْرَى , ثُمَّ الْيَد الْيُسْرَى وَالرِّجْل الْيُمْنَى , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ قَطْع الْيَد مِنْ جَانِب , ثُمَّ الرِّجْل مِنْ الْجَانِب الْآخَر , وَذَلِكَ هُوَ الْقَطْع مِنْ خِلَاف { وَلَأُصَلِّبَنكُمْ أَجْمَعِينَ } فَوَكَّدَ ذَلِكَ بِأَجْمَعِينَ إِعْلَامًا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَبْقٍ مِنْهُمْ أَحَدًا .

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ السَّحَرَة : لَا ضَيْر عَلَيْنَا ; وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ ضَارَ فُلَان فُلَانًا فَهُوَ يَضِير ضَيْرًا , وَمَعْنَاهُ : لَا ضَرَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20217 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَا ضَيْر } قَالَ : يَقُول : لَا يَضُرّنَا الَّذِي تَقُول , وَإِنْ صَنَعْته بِنَا وَصَلَبْتنَا .)|إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ|يَقُول : إِنَّا إِلَى رَبّنَا رَاجِعُونَ , وَهُوَ مُجَازِينَا بِصَبْرِنَا عَلَى عُقُوبَتك إِيَّانَا , وَثَبَاتنَا عَلَى تَوْحِيده , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْكُفْر بِهِ .

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا نَطْمَع أَنْ يَغْفِر لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل السَّحَرَة : إِنَّا نَطْمَع : إِنَّا نَرْجُو أَنْ يَصْفَح لَنَا رَبّنَا عَنْ خَطَايَانَا الَّتِي سَلَفَتْ مِنَّا قَبْل إِيمَاننَا بِهِ , فَلَا يُعَاقِبنَا بِهَا . كَمَا : 20218 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّا نَطْمَع أَنْ يَغْفِر لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَا } قَالَ : السِّحْر وَالْكُفْر الَّذِي كَانُوا فِيهِ.)|أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ|يَقُول : لِأَنْ كُنَّا أَوَّل مَنْ آمَنَ بِمُوسَى وَصَدَّقَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَتَكْذِيب فِرْعَوْن فِي اِدِّعَائِهِ الرُّبُوبِيَّة فِي دَهْرنَا هَذَا وَزَمَاننَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : * -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { أَنْ كُنَّا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : كَانُوا كَذَلِكَ يَوْمئِذٍ أَوَّل مَنْ آمَنَ بِآيَاتِهِ حِين رَأَوْهَا .)

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

وَقَوْله : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْر بِعِبَادِي } يَقُول : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ تَمَادَى فِرْعَوْن فِي غَيّه وَأَبَى إِلَّا الثَّبَات عَلَى طُغْيَانه بَعْد مَا أَرَيْنَاهُ آيَاتنَا , أَنْ أَسْر بِعِبَادِي : يَقُول : أَنْ سِرْ بِبَنِي إِسْرَائِيل لَيْلًا مِنْ أَرْض مِصْر.|إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ|إِنَّ فِرْعَوْن وَجُنْده مُتَّبِعُوك وَقَوْمك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , لِيَحُولُوا بَيْنكُمْ وَبَيْن الْخُرُوج مِنْ أَرْضهمْ , أَرْض مِصْر .

أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن يَحْشُر لَهُ جُنْده وَقَوْمه .

قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

وَيَقُول لَهُمْ { إِنَّ هَؤُلَاءِ } يَعْنِي بِهَؤُلَاءِ : بَنِي إِسْرَائِيل { لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } يَعْنِي بِالشِّرْذِمَةِ : الطَّائِفَة وَالْعُصْبَة الْبَاقِيَة مِنْ عَصَب جبيرة , وَشِرْذِمَة كُلّ شَيْء : بَقِيَّته الْقَلِيلَة ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>جَاءَ الشِّتَاء وَقَمِيصِي أَخْلَاق .......... شَرَاذِم يَضْحَك مِنْهُ التَّوَّاق <br>وَقِيلَ : قَلِيلُونَ , لِأَنَّ كُلّ جَمَاعَة مِنْهُمْ كَانَ يَلْزَمهَا مَعْنَى الْقِلَّة ; فَلَمَّا جُمِعَ جَمْع جَمَاعَاتهمْ قِيلَ : قَلِيلُونَ , كَمَا قَالَ الْكُمَيْت : <br>فَرَدَّ قَوَاصِي الْأَحْيَاء مِنْهُمْ .......... فَقَدْ صَارُوا كَحَيٍّ وَاحِدِينَا <br>وَذُكِرَ أَنَّ الْجَمَاعَة الَّتِي سَمَّاهَا فِرْعَوْن شِرْذِمَة قَلِيلِينَ , كَانُوا سِتّ مِائَة أَلْف وَسَبْعِينَ أَلْفًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20219 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة : ( { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } , قَالَ : كَانُوا سِتّ مِائَة وَسَبْعِينَ أَلْفًا . )20220 - قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (الشِّرْذِمَة : سِتّ مِائَة أَلْف وَسَبْعُونَ أَلْفًا. )20221 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد , قَالَ : (اِجْتَمَعَ يَعْقُوب وَوَلَده إِلَى يُوسُف , وَهُمْ اِثْنَانِ وَسَبْعُونَ , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ سِتّ مِائَة أَلْف , فَقَالَ فِرْعَوْن { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } , وَخَرَجَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس أَدْهَم حِصَان عَلَى لَوْن فَرَسه فِي عَسْكَره ثَمَان مِائَة أَلْف . )20222 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَكْثَر النَّاس أَوْ أَحْدَث النَّاس عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : فَحَدَّثَنَا (أَنَّ الشِّرْذِمَة الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِرْعَوْن مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا سِتّ مِائَة أَلْف , قَالَ : وَكَانَ مُقَدِّمَة فِرْعَوْن سَبْعَة مِائَة أَلْف , كُلّ رَجُل مِنْهُمْ عَلَى حِصَان عَلَى رَأْسه بَيْضَة , وَفِي يَده حَرْبَة , وَهُوَ خَلْفهمْ فِي الدُّهْم . فَلَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَى الْبَحْر , قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل . يَا مُوسَى أَيْنَ مَا وَعَدْتنَا , هَذَا الْبَحْر بَيْن أَيْدِينَا , وَهَذَا فِرْعَوْن وَجُنُوده قَدْ دَهَمَنَا مِنْ خَلْفنَا , فَقَالَ مُوسَى لِلْبَحْرِ : اِنْفَلِقْ أَبَا خَالِد , قَالَ : لَا لَنْ أَنْفَلِق لَك يَا مُوسَى , أَنَا أَقْدَم مِنْك خَلْقًا ; قَالَ : فَنُودِيَ أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر , فَضَرَبَهُ , فَانْفَلَقَ الْبَحْر , وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر سِبْطًا . قَالَ الْجُرَيْرِيّ . فَأَحْسَبهُ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ لِكُلِّ سِبْط طَرِيق , قَالَ : فَلَمَّا اِنْتَهَى أَوَّل جُنُود فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر , هَابَتْ الْخَيْل اللَّهَب ; قَالَ : وَمُثِّلَ لِحِصَانٍ مِنْهَا فَرَس وَدِيق , فَوَجَدَ رِيحهَا فَاشْتَدَّ , فَاتَّبَعَهُ الْخَيْل ; قَالَ : فَلَمَّا تَتَامَّ آخِر جُنُود فِرْعَوْن فِي الْبَحْر , وَخَرَجَ آخِر بَنِي إِسْرَائِيل , أُمِرَ الْبَحْر فَانْصَفَقَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : مَا مَاتَ فِرْعَوْن وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ أَبَدًا , فَسَمِعَ اللَّه تَكْذِيبهمْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ : فَرَمَى بِهِ عَلَى السَّاحِل , كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل . )20223 -حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيل. )20224 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } قَالَ : هُمْ يَوْمئِذٍ سِتّ مِائَة أَلْف , وَلَا يُحْصَى عَدَد أَصْحَاب فِرْعَوْن . )20225 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْر بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ } قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اِجْمَعْ بَنِي إِسْرَائِيل , كُلّ أَرْبَعَة أَبْيَات فِي بَيْت , ثُمَّ اِذْبَحُوا أَوْلَاد الضَّأْن , فَاضْرِبُوا بِدِمَائِهَا عَلَى الْأَبْوَاب , فَإِنِّي سَآمُرُ الْمَلَائِكَة أَنْ لَا تَدْخُل بَيْتًا عَلَى بَابه دَم , وَسَآمُرُهُمْ بِقَتْلِ أَبْكَار آل فِرْعَوْن مِنْ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ , ثُمَّ اِخْبِزُوا خُبْزًا فَطِيرًا , فَإِنَّهُ أَسْرَع لَكُمْ , ثُمَّ أَسْر بِعِبَادِي حَتَّى تَنْتَهِيَ لِلْبَحْرِ , فَيَأْتِيك أَمْرِي , فَفَعَلَ ; فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ فِرْعَوْن : هَذَا عَمَل مُوسَى وَقَوْمه قَتَلُوا أَبْكَارنَا مِنْ أَنْفُسنَا وَأَمْوَالنَا , فَأَرْسَلَ فِي أَثَرهمْ أَلْف أَلْف وَخَمْس مِائَة أَلْف وَخَمْس مِائَة مَلَك مُسَوَّر , مَعَ كُلّ مَلَك أَلْف رَجُل , وَخَرَجَ فِرْعَوْن فِي الْكَرِش الْعُظْمَى , وَقَالَ { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } قَالَ : قِطْعَة , وَكَانُوا سِتّ مِائَة أَلْف , مِئَتَا أَلْف مِنْهُمْ أَبْنَاء عِشْرِينَ سَنَة إِلَى أَرْبَعِينَ . )20226 - قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ مَعَ فِرْعَوْن يَوْمئِذٍ أَلْف جَبَّار , كُلّهمْ عَلَيْهِ تَاج , وَكُلّهمْ أَمِير عَلَى خَيْل . )20227 -قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (كَانُوا ثَلَاثِينَ مَلَكًا سَاقَة خَلْف فِرْعَوْن يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ وَجِبْرَائِيل أَمَامهمْ , يَرُدّ أَوَائِل الْخَيْل عَلَى أَوَاخِرهَا , فَأَتْبَعَهُمْ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر .)

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ

وَقَوْله : { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يَقُول : وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الشِّرْذِمَة لَنَا لَغَائِظُونَ , فَذُكِرَ أَنَّ غَيْظهمْ إِيَّاهُمْ كَانَ قَتْل الْمَلَائِكَة مَنْ قَتَلَتْ مِنْ أَبْكَارهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20228 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يَقُول : بِقَتْلِهِمْ أَبْكَارنَا مِنْ أَنْفُسنَا وَأَمْوَالنَا . )وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ بِذَهَابِهِمْ مِنْهُمْ بِالْعَوَارِي الَّتِي كَانُوا اِسْتَعَارُوهَا مِنْهُمْ مِنْ الْحُلِيّ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِفِرَاقِهِمْ إِيَّاهُمْ , وَخُرُوجهمْ مِنْ أَرْضهمْ بِكُرْهٍ لَهُمْ لِذَلِكَ .

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ

وَقَوْله { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ مُعَدُّونَ مُؤَدُّونَ ذَوُو أَدَاة وَقُوَّة وَسِلَاح . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | وَإِنَّا لَجَمِيع حَذِرُونَ | بِغَيْرِ أَلِف . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : كَأَنَّ الْحَاذِر الَّذِي يُحَذِّرك الْآن , وَكَأَنَّ الْحَذِر الْمَخْلُوق حَذِرًا لَا تَلْقَاهُ إِلَّا حَذِرًا ; وَمِنْ الْحَذَر قَوْل اِبْن أَحْمَر : <br>هَلْ أُنْسَأَن يَوْمًا إِلَى غَيْره .......... إِنِّي حَوَالِيّ وَإِنِّي حَذِر <br>وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ , فَمُصِيب الصَّوَاب فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20229 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْأَسْوَد بْن زَيْد يَقْرَأ : ( { إِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } قَالَ : مُقَوُّونَ مُؤَدُّونَ . )20230 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عِيسَى بْن عُبَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي الْعَرْجَاء , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } يَقُول : مُؤَدُّونَ . )20231 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } يَقُول : حَذِرْنَا , قَالَ : جَمَعْنَا أَمْرنَا . )20232 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } قَالَ : مُؤَدُّونَ مُعَدُّونَ فِي السِّلَاح وَالْكُرَاع . )20233 - ثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس قَالَ : (كَانَ مَعَ فِرْعَوْن سِتّ مِائَة أَلْف حِصَان أَدْهَم سِوَى أَلْوَان الْخَيْل . )20234 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثَنَا سُلَيْمَان بْن مُعَاذ الضَّبِّيّ , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَهَا : ( { وَإِنَّا لَجَمِيع حَاذِرُونَ } قَالَ : مُؤَدُّونَ مُقَوُّونَ .)

لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَخْرَجْنَا فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ بَسَاتِين وَعُيُون مَاء ,

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ

وَكُنُوز ذَهَب وَفِضَّة , وَمَقَام كَرِيم . قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ الْمَقَام الْكَرِيم : الْمَنَابِر.

وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ

وَقَوْله { كَذَلِكَ } يَقُول : هَكَذَا أَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْت لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا .|وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ| { وَأَوْرَثْنَاهَا } يَقُول : وَأَوْرَثْنَا تِلْكَ الْجَنَّات الَّتِي أَخْرَجْنَاهُمْ مِنْهَا وَالْعُيُون وَالْكُنُوز وَالْمَقَام الْكَرِيم عَنْهُمْ بِهَلَاكِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيل .

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

وَقَوْله : { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } فَأَتْبَعَ فِرْعَوْن وَأَصْحَابه بَنِي إِسْرَائِيل , مُشْرِقِينَ حِين أَشْرَقَتْ الشَّمْس , وَقِيلَ حِين أَصْبَحُوا . 20235 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنِي أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } قَالَ : خَرَجَ مُوسَى لَيْلًا , فَكَسَفَ الْقَمَر وَأَظْلَمَتْ الْأَرْض , وَقَالَ أَصْحَابه : إِنَّ يُوسُف أَخْبَرَنَا أَنَّا سَنُنَجَّى مِنْ فِرْعَوْن , وَأَخَذَ عَلَيْنَا الْعَهْد لَنَخْرُجَنَّ بِعِظَامِهِ مَعَنَا , فَخَرَجَ مُوسَى لَيْلَته يَسْأَل عَنْ قَبْره , فَوَجَدَ عَجُوزًا بَيْتهَا عَلَى قَبْره , فَأَخْرَجَتْهُ لَهُ بِحُكْمِهَا , وَكَانَ حُكْمهَا أَوْ كَلِمَة تُشْبِه هَذَا , أَنْ قَالَتْ : اِحْمِلْنِي فَأَخْرِجْنِي مَعَك , فَجَعَلَ عِظَام يُوسُف فِي كِسَائِهِ , ثُمَّ حَمَلَ الْعَجُوز عَلَى كِسَائِهِ , فَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَته , وَخَيْل فِرْعَوْن هِيَ مِلْء أَعِنَّتهَا حَضَرًا فِي أَعْيُنهمْ , وَلَا تَبْرَح , حُبِسَتْ عَنْ مُوسَى وَأَصْحَابه حَتَّى تَوَارَوْا . )20236 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } قَالَ : فِرْعَوْن وَأَصْحَابه , وَخَيْل فِرْعَوْن فِي مِلْء أَعِنَّتهَا فِي رَأْي عُيُونهمْ , وَلَا تَبْرَح , حُبِسَتْ عَنْ مُوسَى وَأَصْحَابه حَتَّى تَوَارَوْا .)

قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَنَاظَرَ الْجَمْعَانِ : جَمْع مُوسَى وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَجَمْع فِرْعَوْن وَهُمْ الْقِبْط { قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أَيْ إِنَّا لَمُلْحَقُونَ , الْآن يَلْحَقنَا فِرْعَوْن وَجُنُوده فَيَقْتُلُونَنَا , وَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ لِمُوسَى , تَشَاؤُمًا بِمُوسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20237 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَن { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } قَالَ : تَشَاءَمُوا بِمُوسَى , وَقَالُوا : أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا , وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا . )20238 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ } فَنَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى فِرْعَوْن قَدْ رَمَقَهُمْ قَالُوا { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }. { قَالُوا } يَا مُوسَى { أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا } الْيَوْم يُدْرِكنَا فِرْعَوْن فَيَقْتُلنَا , إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ; الْبَحْر بَيْن أَيْدِينَا , وَفِرْعَوْن مِنْ خَلْفنَا . )20239 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى إِلَى الْبَحْر , وَهَاجَتْ الرِّيح الْعَاصِف , فَنَظَرَ أَصْحَاب مُوسَى خَلْفهمْ إِلَى الرِّيح , وَإِلَى الْبَحْر أَمَامهمْ { قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى الْأَعْرَج { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } , وَقَرَأَهُ الْأَعْرَج : | وَإِنَّا لَمُدْرَكُونَ | كَمَا يُقَال نَزَلَتْ , وَأُنْزِلَتْ . وَالْقِرَاءَة عِنْدنَا الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ

وَقَوْله : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْتُمْ , كَلَّا لَنْ تُدْرَكُوا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ , يَقُول : سَيَهْدِينِ لِطَرِيقٍ أَنْجُو فِيهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه . كَمَا : 20240 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَاد , قَالَ : (لَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ فِرْعَوْن فِي طَلَب مُوسَى عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ دُهْم الْخَيْل , سِوَى مَا فِي جُنْده مِنْ شِيَة الْخَيْل , وَخَرَجَ مُوسَى حَتَّى إِذَا قَابِله الْبَحْر , وَلَمْ يَكُنْ عَنْهُ مُنْصَرَف , طَلَعَ فِرْعَوْن فِي جُنْده مِنْ خَلْفهمْ { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } أَيْ لِلنَّجَاةِ , وَقَدْ وَعَدَنِي ذَلِكَ , وَلَا خُلْف لِمَوْعُودِهِ. )20241 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } يَقُول : سَيَكْفِينِي , وَقَالَ : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ } . [7 129])

وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ

وَقَوْله { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَانْفَلَقَ } ذُكِرَ أَنَّ اللَّه كَانَ قَدْ أَمَرَ الْبَحْر أَنْ لَا يَنْفَلِق حَتَّى يَضْرِبهُ مُوسَى بِعَصَاهُ . 20242 -حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (فَتَقَدَّمَ هَارُون فَضَرَبَ الْبَحْر , فَأَبَى أَنْ يَنْفَتِح , وَقَالَ : مَنْ هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يَضْرِبنِي , حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى فَكَنَّاهُ أَبَا خَالِد , وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ. )20243 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : (أَوْحَى اللَّه فِيمَا ذُكِرَ إِلَى الْبَحْر : إِذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ , قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر يَضْرِب بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه , وَانْتِظَار أَمْره , وَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر , فَضَرَبَهُ بِهَا وَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ , فَانْفَلَقَ . )20244 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , ظَنَّ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , قَالَ : (لَمَّا ضَرَبَ مُوسَى بِعَصَاهُ الْبَحْر , قَالَ : إِيه أَبَا خَالِد , فَأَخَذَهُ أَفْكَلٌ . )20245 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَجَّاج عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه وَغَيْره , قَالُوا : (لَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى إِلَى الْبَحْر وَهَاجَتْ الرِّيح وَالْبَحْر يَرْمِي بِنِيَارِهِ , وَيَمُوج مِثْل الْجِبَال , وَقَدْ أَوْحَى اللَّه إِلَى الْبَحْر أَنْ لَا يَنْفَلِق حَتَّى يَضْرِبهُ مُوسَى بِالْعَصَا , فَقَالَ لَهُ يُوشَع : يَا كَلِيم اللَّه أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : هَهُنَا , قَالَ : فَجَازَ الْبَحْر مَا يُوَارِي حَافِره الْمَاء , فَذَهَبَ الْقَوْم يَصْنَعُونَ مِثْل ذَلِكَ , فَلَمْ يَقْدِرُوا , وَقَالَ لَهُ الَّذِي يَكْتُم إِيمَانه : يَا كَلِيم اللَّه أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : هَهُنَا , فَكَبَحَ فَرَسه بِلِجَامِهِ حَتَّى طَارَ الزَّبَد مِنْ شِدْقَيْهِ , ثُمَّ قَحَمَهُ الْبَحْر فَأَرْسَبَ فِي الْمَاء , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر , فَضَرَبَ بِعَصَاهُ مُوسَى الْبَحْر فَانْفَلَقَ , فَإِذَا الرَّجُل وَاقِف عَلَى فَرَسه لَمْ يَبْتَلّ سَرْجه وَلَا لِبْده .)|فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ|وَقَوْله : { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَانَ كُلّ طَائِفَة مِنْ الْبَحْر لَمَّا ضَرَبَهُ مُوسَى كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . وَذُكِرَ أَنَّهُ اِنْفَلَقَ اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِلْقَة عَلَى عَدَد الْأَسْبَاط , لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ فِرْق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20246 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , فَدَخَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل , وَكَانَ فِي الْبَحْر اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا , فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ الطَّرِيق كَمَا إِذَا اِنْفَلَقَتْ الْجُدْرَان , فَقَالَ : كُلّ سِبْط قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا قَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , فَنَظَرَ آخِرهمْ إِلَى أَوَّلهمْ حَتَّى خَرَجُوا جَمِيعًا. )20247 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه وَغَيْره قَالُوا : (اِنْفَلَقَ الْبَحْر , فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , اِثْنَا عَشَر طَرِيقًا فِي كُلّ طَرِيق سِبْط , وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيل اِثْنَيْ عَشَر سَبْطَا , وَكَانَتْ الطُّرُق بِجُدْرَانٍ , فَقَالَ كُلّ سِبْط : قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى , دَعَا اللَّه فَجَعَلَهَا لَهُمْ بِقَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان , يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض , وَعَلَى أَرْض يَابِسَة كَأَنَّ الْمَاء لَمْ يُصِبْهَا قَطُّ حَتَّى عَبَرَ . )20248 - قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (لَمَّا اِنْفَلَقَ الْبَحْر لَهُمْ صَارَ فِيهِ كُوًى يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . )20249 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : ( { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } أَيْ كَالْجَبَلِ عَلَى نَشَز مِنْ الْأَرْض . )20250 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } يَقُول : كَالْجَبَلِ . )20251 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } قَالَ : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . )وَمِنْهُ قَوْل الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : <br>حَلُّوا بِأَنْقِرَةٍ يَسِيل عَلَيْهُمُ .......... مَاء الْفُرَات يَجِيء مِنْ أَطْوَاد <br>يَعْنِي بِالْأَطْوَادِ : جَمَعَ طَوْد , وَهُوَ الْجَبَل .

وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِ تَعَالَى ذِكْره : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } : وَقَرَّبْنَا هُنَالِكَ آل فِرْعَوْن مِنْ الْبَحْر , وَقَدَّمْنَاهُمْ إِلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْله : { وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة لِلْمُتَّقِينَ } [26 90 ]بِمَعْنَى : قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ ; وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : <br>طَيّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفًا .......... سَمَاوَة الْهِلَال حَتَّى اِحْقَوْقَفَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20252 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } قَالَ : قَرَّبْنَا . )20253 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } قَالَ : هُمْ قَوْم فِرْعَوْن قَرَّبَهُمْ اللَّه حَتَّى أَغْرَقَهُمْ فِي الْبَحْر . )20254 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (دَنَا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه بَعْد مَا قَطَعَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل الْبَحْر مِنْ الْبَحْر ; فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر مُنْفَلِقًا , قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي , قَدْ تَفْتَح لِي حَتَّى أُدْرِك أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } يَقُول : قَرَّبْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ هُمْ آل فِرْعَوْن ; فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن عَلَى الطُّرُق , وَأَبَتْ خَيْله أَنْ تَتَقَحَّم , فَنَزَلَ جِبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَاذِيَانَة , فَتَشَامَّتْ الْحُصُن رِيح الْمَاذِيَانَة فَاقْتَحَمَتْ فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُج وَدَخَلَ آخِرهمْ , أُمِرَ الْبَحْر أَنْ يَأْخُذهُمْ , فَالْتَطَمَ عَلَيْهِمْ , وَتَفَرَّدَ جِبْرَائِيل بِمُقْلَةٍ مِنْ مُقَل الْبَحْر , فَجَعَلَ يَدُسّهَا فِي فِيهِ . )20255 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (أَقْبَلَ فِرْعَوْن فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَاء , قَالَ أَصْحَاب مُوسَى : يَا مُكَلِّم اللَّه إِنَّ الْقَوْم يَتَّبِعُونَنَا فِي الطَّرِيق , فَاضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَاخْلِطْهُ , فَأَرَادَ مُوسَى أَنْ يَفْعَل , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : أَنْ اُتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا يَقُول : أَمْره عَلَى سَكَنَاته { إِنَّهُمْ جُنْد مُغْرَقُونَ } [44 24 ]إِنَّمَا أَمْكُر بِهِمْ , فَإِذَا سَلَكُوا طَرِيقكُمْ غَرَّقْتهمْ ; فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي حَتَّى تَفَتَّحَ لِي , حَتَّى أُدْرِك أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ ; فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى أَفْوَاه الطُّرُق وَهُوَ عَلَى حِصَان , فَرَأَى الْحِصَان الْبَحْر فِيهِ أَمْثَال الْجِبَال هَابَ وَخَافَ , وَقَالَ فِرْعَوْن : أَنَا رَاجِع , فَمَكَرَ بِهِ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَس أُنْثَى , فَأَدْنَاهَا مِنْ حِصَان فِرْعَوْن , فَطَفِقَ فَرَسه لَا يَقَرّ , وَجَعَلَ جِبْرَائِيل يَقُول : تَقَدَّمْ , وَيَقُول : لَيْسَ أَحَد أَحَقّ بِالطَّرِيقِ مِنْك , فَتَشَامَّتْ الْحُصُن الْمَاذِيَانَة , فَمَا مَلَك فِرْعَوْن فَرَسه أَنْ وَلَجَ عَلَى أَثَره ; فَلَمَّا اِنْتَهَى فِرْعَوْن إِلَى وَسَط الْبَحْر , أَوْحَى اللَّه إِلَى الْبَحْر : خُذْ عَبْدِي الظَّالِم وَعِبَادِي الظُّلْمَة , سُلْطَانِي فِيك , فَإِنِّي قَدْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَتَغَطْغَطَتْ تِلْكَ الْفِرَق مِنْ الْأَمْوَاج كَأَنَّهَا الْجِبَال , وَضَرَبَ بَعْضهَا بَعْضًا ; فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } [10 90 ]وَكَانَ جِبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيد الْأَسَف عَلَيْهِ لِمَا رَدَّ مِنْ آيَات اللَّه , وَلِطُولِ عِلَاج مُوسَى إِيَّاهُ , فَدَخَلَ فِي أَسْفَل الْبَحْر , فَأَخْرَجَ طِينًا , فَحَشَاهُ فِي فَم فِرْعَوْن لِكَيْلَا يَقُولهَا الثَّانِيَة , فَتُدْرِكهُ الرَّحْمَة , قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِ مِيكَائِيل يُعَيِّرهُ : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْلُ وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } [10 91 ]وَقَالَ جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد مَا أَبْغَضْت أَحَدًا مِنْ خَلْق اللَّه مَا أَبْغَضْت اِثْنَيْنِ أَحَدهمَا مِنْ الْجِنّ وَهُوَ إِبْلِيس , وَالْآخَر فِرْعَوْن { قَالَ أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى } [79 24 ]وَلَقَدْ رَأَيْتنِي يَا مُحَمَّد , وَأَنَا أَحْشُو فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ يَقُول كَلِمَة يَرْحَمهُ اللَّه بِهَا . )وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } وَجَمَعْنَا , قَالَ : وَمِنْهُ لَيْلَة الْمُزْدَلِفَة , قَالَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا لَيْلَة جَمْع . وَقَالَ بَعْضهمْ : وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ وَأَهْلَكْنَا .

إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

وَقَوْله : { وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْجَيْنَا مُوسَى مِمَّا أَتْبَعَنَا بِهِ فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ الْغَرَق فِي الْبَحْر وَمَنْ مَعَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَجْمَعِينَ .

وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

وَقَوْله : { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ } يَقُول : ثُمَّ أَغْرَقْنَا فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْ الْقِبْط فِي الْبَحْر بَعْد أَنْ أَنْجَيْنَا مُوسَى مِنْهُ وَمَنْ مَعَهُ .

إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ

وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِيمَا فَعَلْت بِفِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ تَغْرِيقِي إِيَّاهُمْ فِي الْبَحْر إِذْ كَذَّبُوا رَسُولِي مُوسَى , وَخَالَفُوا أَمْرِي بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ , وَالْإِنْذَار لِدَلَالَةِ بَيِّنَة يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّتِي فِيمَنْ سَلَكَ سَبِيلهمْ مِنْ تَكْذِيب رُسُلِي , وَعِظَة لَهُمْ وَعِبْرَة أَنْ اِدَّكَرُوا وَاعْتَبَرُوا أَنْ يَفْعَلُوا مِثْل فِعْلهمْ مِنْ تَكْذِيبك مَعَ الْبُرْهَان وَالْآيَات الَّتِي قَدْ أَتَيْتهمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة نَظِير مَا حَلَّ بِهِمْ , وَلَك آيَة فِي فِعْلِي بِمُوسَى , وَتَنْجِيَتِي إِيَّاهُ بَعْد طُول عِلَاجه فِرْعَوْن وَقَوْمه مِنْهُ , وَإِظْهَارِي إِيَّاهُ وَتَوْرِيثه وَقَوْمه دُورهمْ وَأَرْضهمْ وَأَمْوَالهمْ , عَلَى أَنِّي سَالِك فِيك سَبِيله , إِنْ أَنْتَ صَبَرْت صَبْره , وَقُمْت مِنْ تَبْلِيغ الرِّسَالَة إِلَى مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِ قِيَامه , وَمُظْهِرك عَلَى مُكَذِّبِيك , وَمُعْلِيك عَلَيْهِمْ .|وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ|يَقُول : وَمَا كَانَ أَكْثَر قَوْمك يَا مُحَمَّد مُؤْمِنِينَ بِمَا أَتَاك اللَّه مِنْ الْحَقّ الْمُبِين , فَسَابِق فِي عِلْمِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ

{ الْعَزِيز } فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُله مِنْ أَعْدَائِهِ , { الرَّحِيم } بِمَنْ أَنْجَى مِنْ رُسُله , وَأَتْبَاعهمْ مِنْ الْغَرَق وَالْعَذَاب الَّذِي عُذِّبَ بِهِ الْكَفَرَة .

إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ إِبْرَاهِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد خَبَر إِبْرَاهِيم حِين قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه : أَيّ شَيْء تَعْبُدُونَ ؟

وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد خَبَر إِبْرَاهِيم حِين قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه : أَيّ شَيْء تَعْبُدُونَ ؟

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ

{ قَالُوا } لَهُ : { نَعْبُد أَصْنَامًا فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ } يَقُول : فَنَظَلّ لَهَا خَدَمًا مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتهَا وَخِدْمَتهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعُكُوف بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ يَقُول فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا . 20256 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قَالُوا نَعْبُد أَصْنَامًا فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ } قَالَ : الصَّلَاة لِأَصْنَامِهِمْ .)

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لَهُمْ : هَلْ تَسْمَع دُعَاءَكُمْ هَؤُلَاءِ الْآلِهَة إِذْ تَدْعُونَهُمْ ؟ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى ذَلِكَ : فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة مَعْنَاهُ : هَلْ يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ أَوْ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ . فَحُذِفَ الدُّعَاء , كَمَا قَالَ زُهَيْر : <br>الْقَائِد الْخَيْل مَنْكُوبًا دَوَابِرهَا .......... قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا <br>وَقَالَ : يُرِيد أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْأَبَق , فَأَلْقَى الْحَكَمَات وَأَقَامَ الْأَبَق مَقَامهَا . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة : الْفَصِيح مِنْ الْكَلَام فِي ذَلِكَ هُوَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : سَمِعْت زَيْدًا مُتَكَلِّمًا , يُرِيدُونَ : سَمِعْت كَلَام زَيْد , ثُمَّ تَعْلَم أَنَّ السَّمْع لَا يَقَع عَلَى الْأَنَاسِيّ. إِنَّمَا يَقَع عَلَى كَلَامهمْ ثُمَّ يَقُولُونَ : سَمِعْت زَيْدًا : أَيْ سَمِعْت كَلَامه . قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَقْدَم فِي بَيْت زُهَيْر حَكَمَات الْقِدّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْبَق بِالْأَبَقِ عَلَيْهَا , لِأَنَّهُ لَا يُقَال : رَأَيْت الْأَبَق , وَهُوَ يُرِيد الْحَكَمَة .

حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

وَقَوْله : { أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } يَقُول : أَوْ تَنْفَعكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَام , فَيَرْزُقُونَكُمْ شَيْئًا عَلَى عِبَادَتِكُمُوهَا , أَوْ يَضُرُّونَكُمْ فَيُعَاقِبُونَكُمْ عَلَى تَرْككُمْ عِبَادَتهَا بِأَنْ يَسْلُبُوكُمْ أَمْوَالكُمْ , أَوْ يُهْلِكُوكُمْ إِذَا هَلَكْتُمْ وَأَوْلَادكُمْ { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ , وَذَلِكَ جَوَابهمْ إِبْرَاهِيم عَنْ مَسْأَلَته إِيَّاهُمْ : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } فَكَانَ جَوَابهمْ إِيَّاهُ : لَا , مَا يَسْمَعُونَنَا إِذَا دَعَوْنَاهُمْ , وَلَا يَنْفَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَ , يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ.

وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ

قَوْلهمْ : { بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } وَذَلِكَ رُجُوع عَنْ مَجْحُود , كَقَوْلِ الْقَائِل : مَا كَانَ كَذَا بَلْ كَذَا وَكَذَا , وَمَعْنَى قَوْلهمْ : { وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } وَجَدْنَا مِنْ قَبْلنَا وَلَا يَضُرُّونَ , يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ. قَوْلهمْ مِنْ آبَائِنَا يَعْبُدُونَهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا لِخِدْمَتِهَا وَعِبَادَتهَا , فَنَحْنُ نَفْعَل ذَلِكَ اِقْتِدَاء بِهِمْ , وَاتِّبَاعًا لِمِنْهَاجِهِمْ .

أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ , يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ : الْأَقْدَمِينَ مِنْ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيم يُخَاطِبهُمْ , وَهُمْ الْأَوَّلُونَ قَبْلهمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيم مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام

وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ , يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ : الْأَقْدَمِينَ مِنْ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيم يُخَاطِبهُمْ , وَهُمْ الْأَوَّلُونَ قَبْلهمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيم مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ

فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ . يَقُول قَائِل : وَكَيْفَ يُوصَف الْخَشَب وَالْحَدِيد وَالنُّحَاس بِعَدَاوَةِ اِبْن آدَم ؟ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي لَوْ عَبَّدْتهمْ يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه آلِهَة لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } [19 81 : 82 ]. وَقَوْله : { إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ } نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَالْعَدُوّ بِمَعْنَى الْجَمْع , وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَج الْمَصْدَر , مِثْل الْقُعُود وَالْجُلُوس. وَمَعْنَى الْكَلَام : أَفَرَأَيْتُمْ كُلّ مَعْبُود لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ , فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيء لَا أَعْبُدهُ , إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ .

مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } </subtitle>يَقُول : فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لِي إِلَّا رَبّ الْعَالَمِينَ { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } لِلصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل وَالْعَمَل , وَيُسَدِّدنِي لِلرَّشَادِ .

وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

يَقُول : وَاَلَّذِي يَغْذُونِي بِالطَّعَامِ وَالشَّرَاب , وَيَرْزُقنِي الْأَرْزَاق .

إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

يَقُول : وَإِذَا سَقِمَ جِسْمِي وَاعْتَلَّ , فَهُوَ يُبْرِئهُ وَيُعَافِيه.

وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي يُمِيتنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } </subtitle>يَقُول : وَاَلَّذِي يُمِيتنِي إِذَا شَاءَ ثُمَّ يُحْيِينِي إِذَا أَرَادَ بَعْد مَمَاتِي.

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

{ وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } فَرَبِّي هَذَا الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعِي وَضُرِّي , وَلَهُ الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان , وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , لَا الَّذِي لَا يَسْمَع إِذَا دُعِيَ , وَلَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْ إِبْرَاهِيم اِحْتِجَاجًا عَلَى قَوْمه , فِي أَنَّهُ لَا تَصْلُح الْأُلُوهَة , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْعُبُودَة إِلَّا لِمَنْ يَفْعَل هَذِهِ الْأَفْعَال , لَا لِمَنْ لَا يُطِيق نَفْعًا وَلَا ضُرًّا . وَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } : وَاَلَّذِي أَرْجُو أَنْ يَغْفِر لِي قَوْلِي : { إِنِّي سَقِيم } [37 89 ], وَقَوْله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } [21 63 ]وَقَوْلِي لِسَارَة إِنَّهَا أُخْتِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20257 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } قَالَ : قَوْله : { إِنِّي سَقِيم } [37 89 ]وَقَوْله { فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } [21 63 ]وَقَوْله لِسَارَة : إِنَّهَا أُخْتِي , حِين أَرَادَ فِرْعَوْن مِنْ الْفَرَاعِنَة أَنْ يَأْخُذهَا . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَاَلَّذِي أَطْمَع أَنْ يَغْفِر لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين } قَالَ : قَوْله { إِنِّي سَقِيم } [37 89 ], وَقَوْله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } [21 63 ]وَقَوْله لِسَارَة : إِنَّهَا أُخْتِي . )* - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد نَحْوه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { يَوْم الدِّين } يَوْم الْحِسَاب , يَوْم الْمُجَازَاة . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس