وَقَوْله : { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم } بِفَتْحِ التَّاء مِنْ { لَتَرَوُنَّ } فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا , وَقَرَأَ ذَلِكَ الْكِسَائِيّ بِضَمِّ التَّاء مِنْ الْأُولَى , وَفَتْحهَا مِنْ الثَّانِيَة. وَالصَّوَاب عِنْدنَا فِي ذَلِكَ الْفَتْح فِيهِمَا كِلَيْهِمَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَتَرَوُنَّ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عِيَانًا لَا تَغِيبُونَ عَنْهَا . كَمَا : 29317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْن الْيَقِين } يَعْنِي : أَهْل الشِّرْك .
وَقَوْله : { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } يَقُول : ثُمَّ لَيَسْأَلَنَّكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ النَّعِيم الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا : مَاذَا عَمِلْتُمْ فِيهِ , مِنْ أَيْنَ وَصَلْتُمْ إِلَيْهِ , وَفِيمَ أَصَبْتُمُوهُ , وَمَاذَا عَمِلْتُمْ بِهِ ؟ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ النَّعِيم مَا هُوَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْأَمْن وَالصِّحَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29318 - حَدَّثَنِي عَبَّاد بْن يَعْقُوب , قَالَ. ثنا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : الْأَمْن وَالصِّحَّة. )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله. 29319 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ . قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مَرْوَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : الْأَمْن وَالصِّحَّة . )29320 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم . قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : بَلَغَنِي فِي قَوْله : ( { لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : الْأَمْن وَالصِّحَّة. )29321 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ يَقُول . (النَّعِيم الْمَسْئُول عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة : الْأَمْن وَالصِّحَّة. )* - قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ خَالِد الزَّيَّات , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , مِثْله . *- قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : الْأَمْن وَالصِّحَّة. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ . ثُمَّ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَمَّا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا وَهَبَ لَهُمْ مِنْ السَّمْع وَالْبَصَر وَصِحَّة الْبَدَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 29322 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : النَّعِيم : صِحَّة الْأَبْدَان وَالْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار , قَالَ : يَسْأَل اللَّه الْعِبَاد فِيمَ اِسْتَعْمَلُوهَا , وَهُوَ أَعْلَم بِذَلِكَ مِنْهُمْ , وَهُوَ قَوْله : { إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } . )29323 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن شَاكِر , عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَ يَقُول فِي قَوْله : ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : السَّمْع وَالْبَصَر , وَصِحَّة الْبَدَن . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْعَافِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29324 - حَدَّثَنِي عَبَّاد بْن يَعْقُوب , قَالَ : ثنا نُوح بْن دَرَّاج , عَنْ سَعْد بْن طَرِيف , عَنْ أَبِي جَعْفَر ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : الْعَافِيَة. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ : بَعْض مَا يَطْعَمهُ الْإِنْسَان , أَوْ يَشْرَبهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29325 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ بُكَيْر بْن عَتِيق , قَالَ : (رَأَيْت سَعِيد بْن جُبَيْر أُتِيَ بِشَرْبَةِ عَسَل , فَشَرِبَهَا , وَقَالَ : هَذَا النَّعِيم الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ . )29326 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن بِلَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : (أَتَانَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر : فَأَطْعَمْنَاهُمْ رُطَبًا , وَسَقَيْنَاهُمْ مَاء , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | هَذَا مِنْ النَّعِيم الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ | ). *- حَدَّثَنَا جَابِر بْن الْكُرْدِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : أَتَانَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 29327 -حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن الْقَاسِم , عَنْ يَزِيد بْن كَيْسَان , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (بَيْنَمَا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا جَالِسَانِ , إِذْ جَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | مَا أَجْلَسَكُمَا هَا هُنَا ؟ | قَالَا : الْجُوع , قَالَ : | وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْرَجَنِي غَيْره | , فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا بَيْت رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ الْمَرْأَة , فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَيْنَ فُلَان ؟ | فَقَالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِب لَنَا مَاء , فَجَاءَ صَاحِبهمْ يَحْمِل قِرْبَته , فَقَالَ : مَرْحَبًا , مَا زَارَ الْعِبَاد شَيْء أَفْضَل مِنْ شَيْء زَارَنِي الْيَوْم , فَعَلَّقَ قِرْبَته بِكَرَبِ نَخْلَة , وَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا كُنْت اِجْتَنَيْت ؟ | فَقَالَ : أَحْبَبْت أَنْ تَكُونُوا الَّذِينَ تَخْتَارُونَ عَلَى أَعْيُنكُمْ , ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِيَّاكَ وَالْحَلُوب | , فَذَبَحَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ , فَأَكَلُوا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْم الْقِيَامَة , أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ الْجُوع , فَلَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَبْتُمْ هَذَا , فَهَذَا مِنْ النَّعِيم | ). 29328 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْر , قَالَ ثنا شَيْبَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْر وَعُمَر : ( اِنْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَبِي الْهَيْثَم بْن التَّيْهَان الْأَنْصَارِيّ | , فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى ظِلّ حَدِيقَته , فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا , ثُمَّ اِنْطَلَقَ إِلَى نَخْلَة , فَجَاءَ بِقِنْوٍ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَهَلَّا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبه ؟ | فَقَالَ : أَرَدْت أَنْ تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبه وَبُسْره , فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ الْمَاء ; فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : | هَذَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنْ النَّعِيم , الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مَسْئُولُونَ عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة , هَذَا الظِّلّ الْبَارِد , وَالرُّطَب الْبَارِد , عَلَيْهِ الْمَاء الْبَارِد | ). * - حَدَّثَنِي صَالِح بْن مِسْمَار الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا آدَم بْن أَبِي إِيَاس , قَالَ : ثنا شَيْبَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : | ظِلّ بَارِد , وَرُطَب بَارِد , وَمَاء بَارِد | ). 29329 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عِيسَى الْبَزَّاز , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَشْرَج بْن نُبَاتَة , قَالَ : ثنا أَبُو بَصِيرَة عَنْ أَبِي عَسِيب , مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : (مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَار , فَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَائِط : | أَطْعِمْنَا بُسْرًا | , فَجَاءَ بِعِذْقٍ فَوَضَعَهُ فَأَكَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ بَارِد فَشَرِبَ , فَقَالَ : | لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْم الْقِيَامَة | , فَأَخَذَ عُمَر الْعِذْق , فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْض , حَتَّى تَنَاثَرَ الْبُسْر , ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا ؟ قَالَ : | نَعَمْ , إِلَّا مِنْ كِسْرَة يَسُدّ بِهَا جَوْعَة , أَوْ جُحْر يَدْخُل فِيهِ مِنْ الْحَرّ وَالْقَرّ | ). * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة , عَنْ حَشْرَج بْن نُبَاتَة , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَصِيرَة , عَنْ أَبِي عَسِيب مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : (مَرَّ بِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَعَانِي وَخَرَجْت وَمَعَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , فَدَخَلَ حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَار , فَأُتِيَ بِبُسْرِ عِذْق مِنْهُ , فَوُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ , فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابه , ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ بَارِد , فَشَرِبَ , ثُمَّ قَالَ : | لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْم الْقِيَامَة | , فَقَالَ عُمَر : عَنْ هَذَا يَوْم الْقِيَامَة ؟ فَقَالَ : | نَعَمْ , إِلَّا مِنْ ثَلَاثَة : خِرْقَة كَفَّ بِهَا عَوْرَته , أَوْ كِسْرَة سَدَّ بِهَا جَوْعَته , أَوْ جُحْر يَدْخُل فِيهِ مِنْ الْحَرّ وَالْقَرّ | ). 29330 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي بَصِيرَة , قَالَ : (أَكَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَاس مِنْ أَصْحَابه أَكْلَة مِنْ خُبْز شَعِير لَمْ يُنْخَل , بِلَحْمٍ سَمِين , ثُمَّ شَرِبُوا مِنْ جَدْوَل , فَقَالَ : هَذَا كُلّه مِنْ النَّعِيم الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة | ). 29331 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم , عَنْ مُحَمَّد بْن مَحْمُود بْن لَبِيد , قَالَ : ( لَمَّا نَزَلَتْ { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُر } فَقَرَأَهَا حَتَّى بَلَغَ : { لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه عَنْ أَيّ النَّعِيم نُسْأَل ; وَإِنَّمَا هُوَ الْأَسْوَدَانِ : الْمَاء , وَالتَّمْر , وَسُيُوفنَا عَلَى عَوَاتِقنَا , وَالْعَدُوّ حَاضِر , قَالَ : | إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ | ). 29332 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَا : ثنا شَبَابَة بْن سَوَّار , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن الْعَلَاء أَبُو رَزِين الشَّامِيّ , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن عَرْزَم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَوَّل مَا يُسْأَل عَنْهُ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة مِنْ النَّعِيم أَنْ يُقَال لَهُ : أَلَمْ نُصِحّ لَك جِسْمك , وَتُرْوَ مِنْ الْمَاء الْبَارِد | )؟ . 29333 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ أَبُو مَعْمَر : عَبْد اللَّه بْن سَخْبَرَة : (مَا أَصْبَحَ أَحَد بِالْكُوفَةِ إِلَّا نَاعِمًا ; وَإِنَّ أَهْوَنهمْ عَيْشًا الَّذِي يَأْكُل خُبْز الْبُرّ , وَيَشْرَب مَاء الْفُرَات , وَيَسْتَظِلّ مِنْ الظِّلّ , وَذَلِكَ مِنْ النَّعِيم . )29334 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث التَّمِيمِيّ , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( النَّعِيم : الْمَسْئُول عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة : كِسْرَة تُقَوِّيه , وَمَاء يُرْوِيه , وَثَوْب يُوَارِيه | ). 29335 - قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ بِشْر بْن عَبْد اللَّه بْن بَشَّار , قَالَ : سَمِعْت بَعْض أَهْل يَمَن يَقُول : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة يَقُول : (النَّعِيم الْمَسْئُول عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة : خُبْز الْبُرّ , وَالْمَاء الْعَذْب. )29336 - قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ بُكَيْر بْن عَتِيق الْعَامِرِيّ , قَالَ : أُتِيَ سَعِيد بْن جُبَيْر بِشَرْبَةِ عَسَل , فَقَالَ : (أَمَا إِنَّ هَذَا النَّعِيم الَّذِي نُسْأَل عَنْهُ يَوْم الْقِيَامَة { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } . )29337 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ بُكَيْر بْن عَتِيق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , (أَنَّهُ أُتِيَ بِشَرْبَةِ عَسَل , فَقَالَ : هَذَا مِنْ النَّعِيم الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ كُلّ مَا اِلْتَذَّهُ الْإِنْسَان فِي الدُّنْيَا مِنْ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29338 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : عَنْ كُلّ شَيْء مِنْ لَذَّة الدُّنْيَا . )29339 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سَائِل كُلّ عَبْد عَمَّا اِسْتَوْدَعَهُ مِنْ نِعَمه وَحَقّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { لَتُسْئَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيم } قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره سَائِل كُلّ ذِي نِعْمَة فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ . )وَكَانَ الْحَسَن وَقَتَادَة يَقُولَانِ : ثَلَاث لَا يُسْأَل عَنْهُنَّ اِبْن آدَم , وَمَا خَلَاهُنَّ فِيهِ الْمَسْأَلَة وَالْحِسَاب , إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه : كِسْوَة يُوَارِي بِهَا سَوْأَته , وَكِسْرَة يَشُدّ بِهَا صُلْبه , وَبَيْت يُظِلّهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ سَائِل هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَنْ النَّعِيم , وَلَمْ يُخَصِّص فِي خَبَره أَنَّهُ سَائِلهمْ عَنْ نَوْع مِنْ النَّعِيم دُون نَوْع , بَلْ عَمَّ بِالْخَبَرِ فِي ذَلِكَ عَنْ الْجَمِيع , فَهُوَ سَائِلهمْ كَمَا قَالَ عَنْ جَمِيع النَّعِيم , لَا عَنْ بَعْض دُون بَعْض . آخِر تَفْسِير سُورَة أَلْهَاكُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْعَصْر } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَالْعَصْر } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ رَبّنَا تَعَالَى ذِكْره بِالدَّهْرِ , فَقَالَ : الْعَصْر : هُوَ الدَّهْر. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29340 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَالْعَصْر } قَالَ : الْعَصْر : سَاعَة مِنْ سَاعَات النَّهَار . )29341 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن ( { وَالْعَصْر } قَالَ : هُوَ الْعَشِيّ. )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّ رَبّنَا أَقْسَمَ بِالْعَصْرِ { وَالْعَصْر } اِسْم لِلدَّهْرِ , وَهُوَ الْعَشِيّ وَاللَّيْل وَالنَّهَار , وَلَمْ يُخَصِّص مِمَّا شَمِلَهُ هَذَا الِاسْم مَعْنًى دُون مَعْنًى , فَكُلّ مَا لَزِمَهُ هَذَا الِاسْم , فَدَاخِل فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَقَوْله : { إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } يَقُول : إِنَّ اِبْن آدَم لَفِي هَلَكَة وَنُقْصَان. وَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ ذَلِكَ : وَإِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر , وَإِنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِر الدَّهْر . 29342 - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو ذِي مَرّ , قَالَ : (سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ هَذَا الْحَرْف : | وَالْعَصْر وَنَوَائِب الدَّهْر , إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر , وَإِنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِر الدَّهْر . )29343 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } فَفِي بَعْض الْقِرَاءَات : | وَإِنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِر الدَّهْر . )* -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو ذِي مَرّ , أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَرَأَهَا : ( وَالْعَصْر وَنَوَائِب الدَّهْر , إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر . )29344 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } إِلَّا مَنْ آمَنَ .)
{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : إِلَّا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَوَحَّدُوهُ , وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالطَّاعَة , وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , وَأَدَّوْا مَا لَزِمَهُمْ مِنْ فَرَائِضه , وَاجْتَنَبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيه , وَاسْتَثْنَى الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ الْإِنْسَان , لِأَنَّ الْإِنْسَان بِمَعْنَى الْجَمْع , لَا بِمَعْنَى الْوَاحِد .|وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ|وَقَوْله : { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } يَقُول : وَأَوْصَى بَعْضهمْ بَعْضًا بِلُزُومِ الْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه , مِنْ أَمْره , وَاجْتِنَاب مَا نَهَى عَنْهُ فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29345- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } وَالْحَقّ : كِتَاب اللَّه . )29346 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن ( { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } قَالَ : الْحَقّ كِتَاب اللَّه . )* -حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا خَطَّاب بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سِنَان أَبُو رَوْح السَّكُونِيّ , حِمْصِيّ لَقِيته بِأَرْمِينِيَة , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي ( { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } قَالَ : الْحَقّ : كِتَاب اللَّه.)|وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ|وَقَوْله : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } يَقُول : وَأَوْصَى بَعْضهمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29347- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } قَالَ : الصَّبْر : طَاعَة اللَّه . )29348 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا خَطَّاب بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سِنَان أَبُو رَوْح , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله ( { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } قَالَ : الصَّبْر : طَاعَة اللَّه. )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن ( { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } قَالَ : الصَّبْر : طَاعَة اللَّه . )آخِر تَفْسِير سُورَة وَالْعَصْر
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } الْوَادِي يَسِيل مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار وَقَيْحهمْ , { لِكُلِّ هُمَزَة } : يَقُول : لِكُلِّ مُغْتَاب لِلنَّاسِ , يَغْتَابهُمْ وَيُبْغِضهُمْ , كَمَا قَالَ زِيَاد الْأَعْجَم : <br>تُدْلِي بِوُدِّي إِذَا لَاقَيْتنِي كَذِبًا .......... وَإِنْ أُغَيَّب فَأَنْتَ الْهَامِز اللُّمَزَة <br>وَيَعْنِي بِاللُّمَزَةِ : الَّذِي يَعِيب النَّاس , وَيَطْعَن فِيهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29349 - حَدَّثَنَا مَسْرُوق بْن أَبَان , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ رَجُل لَمْ يُسَمِّهِ , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : (مَنْ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ بَدَأَهُمْ اللَّه بِالْوَيْلِ ؟ قَالَ : هُمْ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ , الْمُفَرِّقُونَ بَيْن الْأَحِبَّة , الْبَاغُونَ أَكْبَر الْعَيْب . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , قَالَ : قُلْت : لِابْنِ عَبَّاس : (مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَدَبَهُمْ اللَّه إِلَى الْوَيْل ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مَسْرُوق بْن أَبَان. )29350 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة يَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَاللُّمَزَة : الطَّعَّان. )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 29351 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة : الطَّعَّان , وَاللُّمَزَة : الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس. )* - حَدَّثَنَا مَسْرُوق بْن أَبَان الْحَطَّاب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَاف هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , وَهُوَ مَا 29352 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : أَحَدهمَا الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَالْآخَر الطَّعَّان . )وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث قَدْ كَانَ أَشْكَلَ عَلَيْهِ تَأْوِيل الْكَلِمَتَيْنِ , فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَ نَقْل الرُّوَاة عَنْهُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا ذَكَرْت . 29353 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } أَمَّا الْهُمَزَة : فَآكِل لُحُوم النَّاس , وَأَمَّا اللُّمَزَة : فَالطَّعَّان عَلَيْهِمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْهُمَزَة : (آكِل لُحُوم النَّاس : وَاللُّمَزَة : الطَّعَّان عَلَيْهِمْ . )29354 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن خُثَيْم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : وَيْل لِكُلِّ طَعَّان مُغْتَاب . )29355 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : (الْهُمَزَة : يَهْمِزهُ فِي وَجْهه , وَاللُّمَزَة : مِنْ خَلْفه. )29356 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (يَهْمِزهُ وَيَلْمِزهُ بِلِسَانِهِ وَعَيْنه , وَيَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَيَطْعَن عَلَيْهِمْ . )29357 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْهُمَزَة بِالْيَدِ , وَاللُّمَزَة بِاللِّسَانِ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 29358 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة : الَّذِي يَهْمِز النَّاس بِيَدِهِ , وَيَضْرِبهُمْ بِلِسَانِهِ , وَاللُّمَزَة : الَّذِي يَلْمِزهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَعِيبهُمْ . )وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : رَجُل مِنْ أَهْل الشِّرْك بِعَيْنِهِ , فَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل : هُوَ جَمِيل بْن عَامِر الْجُمَحِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هُوَ الْأَخْنَس بْن شَرِيق . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ مُشْرِك بِعَيْنِهِ : 29359 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : مُشْرِك كَانَ يَلْمِز النَّاس وَيَهْمِزهُمْ . 29360 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الرِّقَّة قَالَ : (نَزَلَتْ فِي جَمِيل بْن عَامِر الْجُمَحِيّ . )29361 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , فِي قَوْله ( { هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ لِأَحَدٍ , نَزَلَتْ فِي جَمِيع بَنِي عَامِر ; قَالَ وَرْقَاء : زَعَمَ الرَّقَاشِيّ . )وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : هَذَا مِنْ نَوْع مَا تَذْكُر الْعَرَب اِسْم الشَّيْء الْعَامّ , وَهِيَ تَقْصِد بِهِ الْوَاحِد , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام , إِذَا قَالَ رَجُل لِأَحَدٍ : لَا أَزُورك أَبَدًا : كُلّ مَنْ لَمْ يَزُرْنِي , فَلَسْت بِزَائِرِهِ , وَقَائِل ذَلِكَ يَقْصِد جَوَاب صَاحِبه الْقَائِل لَهُ : لَا أَزُورك أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنِيّ بِهِ , كُلّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَة صِفَته , وَلَمْ يُقْصَد بِهِ قَصْد آخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29362 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو . قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَهُ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ لِأَحَدٍ. )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ بِالْقَوْلِ كُلّ هُمَزَة لُمَزَة , كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَ هَذَا الْمَوْصُوف بِهَا , سَبِيله سَبِيله كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاس .
وَقَوْله : { الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ } يَقُول : الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَأَحْصَى عَدَده , وَلَمْ يُنْفِقهُ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَمْ يُؤَدِّ حَقّ اللَّه فِيهِ , وَلَكِنَّهُ جَمَعَهُ فَأَوْعَاهُ وَحَفِظَهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ مِنْ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة أَبُو جَعْفَر , وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة سِوَى عَاصِم : | جَمَّعَ | بِالتَّشْدِيدِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْحِجَاز , سِوَى أَبِي جَعْفَر وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة , وَمِنْ الْكُوفَة عَاصِم , | جَمَعَ | بِالتَّخْفِيفِ , وَكُلّهمْ مُجْمِعُونَ عَلَى تَشْدِيد الدَّال مِنْ { عَدَّدَهُ } عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَكَرْت مِنْ تَأْوِيله . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِسْنَادٍ غَيْر ثَابِت , أَنَّهُ قَرَأَهُ : | جَمَعَ مَالًا وَعَدَدَهُ | تَخْفِيف الدَّال , بِمَعْنَى : جَمَعَ مَالًا , وَجَمَعَ عَشِيرَته وَعَدَده . هَذِهِ قِرَاءَة لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِهَا , بِخِلَافِهَا قِرَاءَة الْأَمْصَار , وَخُرُوجهَا عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمَعَة فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله : { جَمَعَ مَالًا } فَإِنَّ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِيهِمَا صَوَابَانِ , لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قَرَأَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { يَحْسَب أَنَّ مَاله أَخْلَدَهُ } يَقُول : يَحْسَب أَنَّ مَاله الَّذِي جَمَعَهُ وَأَحْصَاهُ , وَبَخِلَ بِإِنْفَاقِهِ , مُخْلِده فِي الدُّنْيَا , فَمُزِيل عَنْهُ الْمَوْت . وَقِيلَ : أَخْلَدَهُ , وَالْمَعْنَى : يُخْلِدهُ , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الَّذِي يَأْتِي الْأَمْر الَّذِي يَكُون سَبَبًا لِهَلَاكِهِ : عَطِبَ وَاَللَّه فُلَان , هَلَكَ وَاَللَّه فُلَان , بِمَعْنَى : أَنَّهُ يَعْطَب مِنْ فِعْله ذَلِكَ , وَلَمَّا يَهْلِك بَعْد وَلَمْ يَعْطَب ; وَكَالرَّجُلِ يَأْتِي الْمُوبِقَة مِنْ الذُّنُوب : دَخَلَ وَاَللَّه فُلَان النَّار.
وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا ذَلِكَ كَمَا ظَنَّ , لَيْسَ مَاله مُخْلِده ,|لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ|ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هَالِك وَمُعَذَّب عَلَى أَفْعَاله وَمَعَاصِيه , الَّتِي كَانَ يَأْتِيهَا فِي الدُّنْيَا , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَة } يَقُول : لَيُقْذَفَنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحُطَمَة , وَالْحُطَمَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار , كَمَا قِيلَ لَهَا : جَهَنَّم وَسَقَر وَلَظَى , وَأَحْسَبهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحَطْمِهَا كُلّ مَا أُلْقِيَ فِيهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الْأَكُول : الْحُطَمَة . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | لَيُنْبَذَانِ فِي الْحُطَمَة | يَعْنِي : هَذَا الْهُمَزَة اللُّمَزَة وَمَاله , فَثَنَّاهُ لِذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَمَا أَدْرَاك مَا الْحُطَمَة } يَقُول : وَأَيّ شَيْء أَشْعَرَك يَا مُحَمَّد مَا الْحُطَمَة ,
ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مَا هِيَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هِيَ { نَار اللَّه الْمُوقَدَة الَّتِي تَطَّلِع عَلَى الْأَفْئِدَة } يَقُول : الَّتِي يَطَّلِع أَلَمهَا وَوَهَجهَا الْقُلُوب ; وَالِاطِّلَاع وَالْبُلُوغ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى . حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنَا ; وَطَلَعْتُ أَرْضِي : بَلَغْت .
ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مَا هِيَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هِيَ { نَار اللَّه الْمُوقَدَة الَّتِي تَطَّلِع عَلَى الْأَفْئِدَة } يَقُول : الَّتِي يَطَّلِع أَلَمهَا وَوَهَجهَا الْقُلُوب ; وَالِاطِّلَاع وَالْبُلُوغ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى. حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنَا ; وَطَلَعْتُ أَرْضِي : بَلَغْت.
وَقَوْله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْحُطَمَة الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا عَلَيْهِمْ , يَعْنِي : عَلَى هَؤُلَاءِ الْهَمَّازِينَ اللَّمَّازِينَ { مُؤْصَدَة } : يَعْنِي : مُطْبَقَة ; وَهِيَ تُهْمَز وَلَا تُهْمَز ; وَقَدْ قُرِئَتَا جَمِيعًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29363 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا طَلْق , عَنْ اِبْن ظُهَيْر , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي مُؤْصَدَة : (قَالَ : مُطْبَقَة . )29364 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . )29365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (فِي النَّار رَجُل فِي شِعْب مِنْ شِعَابهَا يُنَادِي مِقْدَار أَلْف عَام : يَا حَنَّان يَا مَنَّان , فَيَقُول رَبّ الْعِزَّة لِجِبْرِيل : أَخْرِجْ عَبْدِي مِنْ النَّار , فَيَأْتِيهَا فَيَجِدهَا مُطْبَقَة , فَيَرْجِع فَيَقُول : يَا رَبّ { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } فَيَقُول : يَا جِبْرِيل فُكَّهَا , وَأَخْرِجْ عَبْدِي مِنْ النَّار , فَيَفُكّهَا , وَيَخْرُج مِثْل الْخَيَال , فَيُطْرَح عَلَى سَاحِل الْجَنَّة حَتَّى يُنْبِت اللَّه لَهُ شَعْرًا وَلَحْمًا وَدَمًا . )29366 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . )29367 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ مُضَرِّس بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . )* -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : عَلَيْهِمْ مُغْلَقَة . )29368 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } : أَيْ مُطْبَقَة. )29369 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . )وَالْعَرَب تَقُول : أَوْصَدَ الْبَاب : أَغْلَقَ .
وَقَوْله : { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { فِي عَمَد } بِفَتْحِ الْعَيْن وَالْمِيم. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | فِي عُمُد | بِضَمِّ الْعَيْن وَالْمِيم. وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , وَلُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ . وَالْعَرَب تَجْمَع الْعَمُود : عُمُدًا وَعَمَدًا , بِضَمِّ الْحَرْفَيْنِ وَفَتْحهمَا , وَكَذَلِكَ تَفْعَل فِي جَمْع إِهَاب , تَجْمَعهُ : أُهُبًا , بِضَمِّ الْأَلِف وَالْهَاء , وَأَهَبًا بِفَتْحِهِمَا , وَكَذَلِكَ الْقَضْم , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة بِعَمَدٍ مُمَدَّدَة : أَيْ مُغْلَقَة مُطْبَقَة عَلَيْهِمْ , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا بَلَغَنَا. 29370 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَتَادَة , فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة بِعَمَدٍ مُمَدَّدَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّمَا دَخَلُوا فِي عَمَد , ثُمَّ مُدَّتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْعَمَد بِعِمَادٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29371 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } قَالَ : أَدْخَلَهُمْ فِي عَمَد , فَمُدَّتْ عَلَيْهِمْ بِعِمَادٍ , وَفِي أَعْنَاقهمْ السَّلَاسِل , فَسُدَّتْ بِهَا الْأَبْوَاب. )29372 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { فِي عَمَد } مِنْ حَدِيد مَغْلُولِينَ فِيهَا , وَتِلْكَ الْعَمَد مِنْ نَار قَدْ اِحْتَرَقَتْ مِنْ النَّار , فَهِيَ مِنْ نَار { مُمَدَّدَة } لَهُمْ. )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ عَمَد يُعَذَّبُونَ بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29373 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهَا عَمَد يُعَذَّبُونَ بِهَا فِي النَّار , قَالَ بِشْر : قَالَ يَزِيد : فِي قِرَاءَة قَتَادَة : { عَمَد } . )* -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } قَالَ : عَمُود يُعَذَّبُونَ بِهِ فِي النَّار . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِعَمَدٍ فِي النَّار , وَاَللَّه أَعْلَم كَيْفَ تَعْذِيبه إِيَّاهُمْ بِهَا , وَلَمْ يَأْتِنَا خَبَر تَقُوم بِهِ الْحُجَّة بِصِفَةِ تَعْذِيبهمْ بِهَا , وَلَا وُضِعَ لَنَا عَلَيْهَا دَلِيل , فَنُدْرِك بِهِ صِفَة ذَلِكَ , فَلَا قَوْل فِيهِ , غَيْر الَّذِي قُلْنَا يَصِحّ عِنْدنَا , وَاَللَّه أَعْلَم . آخِر تَفْسِير سُورَة الْهُمَزَة
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَنْظُر يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك , فَتَرَى بِهَا { كَيْفَ فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } الَّذِينَ قَدِمُوا مِنْ الْيَمَن يُرِيدُونَ تَخْرِيب الْكَعْبَة مِنْ الْحَبَشَة وَرَئِيسهمْ أَبْرَهَة الْحَبَشِيّ الْأَشْرَم
{ أَلَمْ يَجْعَل كَيْدهمْ فِي تَضْلِيل } يَقُول : أَلَمْ يَجْعَل سَعْي الْحَبَشَة أَصْحَاب الْفِيل فِي تَخْرِيب الْكَعْبَة { فِي تَضْلِيل } يَعْنِي : فِي تَضْلِيلهمْ عَمَّا أَرَادُوا وَحَاوَلُوا مِنْ تَخْرِيبهَا .
وَقَوْله : { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رَبّك طَيْرًا مُتَفَرِّقَة , يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى ; وَهِيَ جِمَاع لَا وَاحِد لَهَا , مِثْل الشَّمَاطِيط وَالْعَبَادِيد وَنَحْو ذَلِكَ . وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا يَجْعَل لَهَا وَاحِدًا . وَقَالَ الْفَرَّاء : لَمْ أَسْمَع مِنْ الْعَرَب فِي تَوْحِيدهَا شَيْئًا . قَالَ : وَزَعَمَ أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِيّ , وَكَانَ ثِقَة , أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ وَاحِدهَا : إِبَّالَة . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَقُول : سَمِعْت النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ : إِبَّوْل , مِثْل الْعِجَّوْل . قَالَ : وَقَدْ سَمِعْت بَعْض النَّحْوِيِّينَ يَقُول . وَاحِدهَا : إِبِّيل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْأَبَابِيل : قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29374 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : فِرَق . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (الْفِرَق . )29375 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : هِيَ الَّتِي يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا . )29376 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , أَنَّهُ قَالَ فِي : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : هِيَ الْأَقَاطِيع , كَالْإِبِلِ الْمُؤَبَّلَة . )29377 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : مُتَفَرِّقَة. )29378 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْفَضْل , عَنْ الْحَسَن ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : الْكَثِيرَة. )29379 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ اِبْن سَابِط , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَا : (الْأَبَابِيل : الزُّمَر . )29380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { أَبَابِيل } قَالَ : هِيَ شَتَّى مُتَتَابِعَة مُجْتَمِعَة . )29381 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : (الْأَبَابِيل : الْكَثِيرَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَالَ : (الْأَبَابِيل : الْكَثِيرَة . )29382 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } يَقُول : مُتَتَابِعَة . بَعْضهَا عَلَى إِثْر بَعْض. )29383 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ; فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : الْأَبَابِيل : الْمُخْتَلِفَة , تَأْتِي مِنْ هَا هُنَا , وَتَأْتِي مِنْ هَا هُنَا , أَتَتْهُمْ مِنْ كُلّ مَكَان . )وَذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ طَيْرًا أُخْرِجَتْ مِنْ الْبَحْر . وَقَالَ بَعْضهمْ : جَاءَتْ مِنْ قِبَل الْبَحْر . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَتهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ بَيْضَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتْ سَوْدَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتْ خَضْرَاء , لَهَا خَرَاطِيم كَخَرَاطِيم الطَّيْر , وَأَكُفّ كَأَكُفِّ الْكِلَاب . 29384- حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ طَيْر , وَكَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيم كَخَرَاطِيم الطَّيْر , وَأَكُفّ كَأَكُفِّ الْكِلَاب . )* - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن خَلَف الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع وَرَوْح بْن عُبَادَة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 29385 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : كَانَتْ طَيْرًا خَرَجَتْ خُضْرًا , خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْر , لَهَا رُءُوس كَرُءُوسِ السِّبَاع. )29386 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : هِيَ طَيْر سُود بَحْرِيَّة , فِي مَنَاقِيرهَا وَأَظْفَارهَا الْحِجَارَة . )*- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : سُود بَحْرِيَّة , فِي أَظَافِيرهَا وَمَنَاقِيرهَا الْحِجَارَة . )* - قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ خَارِجَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (لَهَا خَرَاطِيم كَخَرَاطِيم الطَّيْر , وَأَكُفّ كَأَكُفِّ الْكِلَاب . )29387 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { طَيْرًا أَبَابِيل } قَالَ : طَيْر خُضْر , لَهَا مَنَاقِير صُفْر , تَخْتَلِف عَلَيْهِمْ . )*- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : (طَيْرًا سُودًا تَحْمِل الْحِجَارَة فِي أَظَافِيرهَا وَمَنَاقِيرهَا .)
وَقَوْله : { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَرْمِي هَذِهِ الطَّيْر الْأَبَابِيل الَّتِي أَرْسَلَهَا اللَّه عَلَى أَصْحَاب الْفِيل , بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى سِجِّيل فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا , غَيْر أَنَّا نَذْكُر بَعْض مَا قِيلَ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , مِنْ أَقْوَال مَنْ لَمْ نَذْكُرهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29388- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { حِجَارَة مِنْ سِجِّيل } قَالَ : طِين فِي حِجَارَة. )29389 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الذَّارِع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل } قَالَ : مِنْ طِين . )29390 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { حِجَارَة مِنْ سِجِّيل } قَالَ : سنك و كل . )29391 -حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الذَّارِع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل } قَالَ : مِنْ طِين . )29392 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ شَرْقِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : ( { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل } قَالَ : سنك وكل . )29393 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَتْ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مَعَهَا , قَالَ : فَإِذَا أَصَابَ أَحَدهمْ خَرَجَ بِهِ الْجُدَرِيّ , قَالَ : كَانَ أَوَّل يَوْم رُئِيَ فِيهِ الْجُدَرِيّ ; قَالَ : لَمْ يُرَ قَبْل ذَلِكَ الْيَوْم , وَلَا بَعْده . )29394 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو الْكَنُود , قَالَ : (دُون الْحِمَّصَة وَفَوْق الْعَدَسَة . )29395 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , قَالَ : (كَانَتْ الْحِجَارَة الَّتِي رُمُوا بِهَا أَكْبَر مِنْ الْعَدَسَة ; وَأَصْغَر مِنْ الْحِمَّصَة . )29396 - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ عِمْرَان , مِثْله . 29397 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (سِجِّيل بِالْفَارِسِيَّةِ : سنك وكل , حَجَر وَطِين . )29398 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر بْن سَابِط , قَالَ : (هِيَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ : سنك وكل . )29399 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَتْ مَعَ كُلّ طَيْر ثَلَاثَة أَحْجَار : حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ , وَحَجَر فِي مِنْقَاره , فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ بِهَا . )29400 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { حِجَارَة مِنْ سِجِّيل } قَالَ : هِيَ مِنْ طِين . )29401 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (هِيَ طَيْر بِيض , خَرَجَتْ مِنْ قِبَل الْبَحْر , مَعَ كُلّ طَيْر ثَلَاثَة أَحْجَار : حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ , وَحَجَر فِي مِنْقَاره , وَلَا يُصِيب شَيْئًا إِلَّا هَشَّمَهُ. )29402 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث بْن يَعْقُوب (أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الطَّيْر الَّتِي رَمَتْ بِالْحِجَارَةِ , كَانَتْ تَحْمِلهَا بِأَفْوَاهِهَا , ثُمَّ إِذَا أَلْقَتْهَا نَفِطَ لَهَا الْجِلْد . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سَمَاء الدُّنْيَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29403 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيل } قَالَ : السَّمَاء الدُّنْيَا , قَالَ : وَالسَّمَاء الدُّنْيَا اِسْمهَا سِجِّيل , وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَوْم لُوط . )29404 - قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , أَنَّهُ بَلَغَهُ (أَنَّ الطَّيْر الَّتِي رَمَتْ بِالْحِجَارَةِ , أَنَّهَا طَيْر تَخْرُج مِنْ الْبَحْر , وَأَنَّ سِجِّيل : السَّمَاء الدُّنْيَا . )وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد لَا نَعْرِف لِصِحَّتِهِ وَجْهًا فِي خَبَر وَلَا عَقْل , وَلَا لُغَة , وَأَسْمَاء الْأَشْيَاء لَا تُدْرَك إِلَّا مِنْ لُغَة سَائِرَة , أَوْ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَكَانَ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله حَلَّتْ عُقُوبَة اللَّه تَعَالَى بِأَصْحَابِ الْفِيل , مَسِير أَبْرَهَة الْحَبَشِيّ بِجُنْدِهِ مَعَهُ الْفِيل , إِلَى بَيْت اللَّه الْحَرَام لِتَخْرِيبِهِ. وَكَانَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ فِيمَا : 29405 -حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , (أَنَّ أَبْرَهَة بَنَى كَنِيسَة بِصَنْعَاء , وَكَانَ نَصْرَانِيًّا , فَسَمَّاهَا الْقُلَّيْس ; لَمْ يُرَ مِثْلهَا فِي زَمَانهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْض ; وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة : إِنِّي قَدْ بَنَيْت لَك أَيّهَا الْمَلِك كَنِيسَة , لَمْ يُبْنَ مِثْلهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلك , وَلَسْت بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِف إِلَيْهَا حَاجّ الْعَرَب. فَلَمَّا تَحَدَّثَتْ الْعَرَب بِكِتَابِ أَبْرَهَة ذَلِكَ لِلنَّجَاشِيِّ , غَضِبَ رَجُل مِنْ النَّسَأَة أَحَد بْن فُقَيْم , ثُمَّ أَحَد بَنِي مَلَك , فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْس , فَقَعَدَ فِيهَا , ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ , فَأُخْبِرَ أَبْرَهَة بِذَلِكَ , فَقَالَ : مَنْ صَنَعَ هَذَا ؟ فَقِيلَ : صَنَعَهُ رَجُل مِنْ أَهْل هَذَا الْبَيْت , الَّذِي تَحُجّ الْعَرَب إِلَيْهِ بِمَكَّة , لَمَّا سَمِعَ مِنْ قَوْلك : أَصْرِف إِلَيْهِ حَاجّ الْعَرَب , فَغَضِبَ , فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا , أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ ; فَغَضِبَ عِنْد ذَلِكَ أَبْرَهَة , وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى الْبَيْت فَيَهْدِمهُ , وَعِنْد أَبْرَهَة رِجَال مِنْ الْعَرَب قَدْ قَدِمُوا عَلَيْهِ يَلْتَمِسُونَ فَضْله , مِنْهُمْ مُحَمَّد بْن خُزَاعِيّ بْن حِزَابَة الذَّكْوَانِيّ , ثُمَّ السُّلَمِيّ , فِي نَفَر مِنْ قَوْمه , مَعَهُ أَخ لَهُ يُقَال لَهُ قَيْس بْن خُزَاعِيّ ; فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْده , غَشِيَهُمْ عَبْد لِأَبْرَهَة , فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فِيهِ بِغِذَائِهِ , وَكَانَ يَأْكُل الْخُصَى ; فَلَمَّا أَتَى الْقَوْم بِغِذَائِهِ , قَالُوا : وَاَللَّه لَئِنْ أَكَلْنَا هَذَا لَا تَزَال تَسُبّنَا بِهِ الْعَرَب مَا بَقِينَا , فَقَامَ مُحَمَّد بْن خُزَاعِيّ , فَجَاءَ أَبْرَهَة فَقَالَ : أَيّهَا الْمَلِك , إِنَّ هَذَا يَوْم عِيد لَنَا , لَا نَأْكُل فِيهِ إِلَّا الْجُنُوب وَالْأَيْدِي , فَقَالَ لَهُ أَبْرَهَة : فَسَنَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَا أَحْبَبْتُمْ , فَإِنَّمَا أَكْرَمْتُكُمْ بِغِذَائِي , لِمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدِي . ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَة تَوَّجَ مُحَمَّد بْن خُزَاعِيّ , وَأَمَّرَهُ عَلَى مُضَر , أَنْ يَسِير فِي النَّاس , يَدْعُوهُمْ إِلَى حَجّ الْقُلَّيْس , كَنِيسَته الَّتِي بَنَاهَا , فَسَارَ مُحَمَّد بْن خُزَاعِيّ , حَتَّى إِذَا نَزَلَ بِبَعْضِ أَرْض بَنِي كِنَانَة , وَقَدْ بَلَغَ أَهْل تِهَامَة أَمْره , وَمَا جَاءَ لَهُ , بَعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلًا مِنْ هُذَيْل يُقَال لَهُ عُرْوَة بْن حِيَاض الملاصي , فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ; وَكَانَ مَعَ مُحَمَّد بْن خُزَاعِيّ أَخُوهُ قَيْس بْن خُزَاعِيّ , فَهَرَبَ حِين قُتِلَ أَخُوهُ , فَلَحِقَ بِأَبْرَهَة فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ , فَزَادَ ذَلِكَ أَبْرَهَة غَضَبًا وَحَنَقًا , وَحَلَفَ لَيَغْزُوَنَّ بَنِي كِنَانَة , وَلَيَهْدِمَنَّ الْبَيْت . ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَة حِين أَجْمَعَ السَّيْر إِلَى الْبَيْت , أَمَرَ الْحُبْشَان فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ , وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ , وَسَمِعَتْ الْعَرَب بِذَلِكَ , فَأَعْظَمُوهُ , وَفَظِعُوا بِهِ , وَرَأَوْا جِهَاده حَقًّا عَلَيْهِمْ , حِين سَمِعُوا أَنَّهُ يُرِيد هَدْمَ الْكَعْبَة , بَيْت اللَّه الْحَرَام , فَخَرَجَ رَجُل كَانَ مِنْ أَشْرَاف أَهْل الْيَمَن وَمُلُوكهمْ , يُقَال لَهُ ذُو نَفَر , فَدَعَا قَوْمه وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِر الْعَرَب , إِلَى حَرْب أَبْرَهَة , وَجِهَاده عَنْ بَيْت اللَّه , وَمَا يُرِيد مِنْ هَدْمه وَإِخْرَابه , فَأَجَابَهُ مَنْ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ , وَعَرَضَ لَهُ , وَقَاتَلَهُ , فَهُزِمَ وَتَفَرَّقَ أَصْحَابه , وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفَر أَسِيرًا ; فَلَمَّا أَرَادَ قَتْله , قَالَ ذُو نَفَر : أَيّهَا الْمَلِك لَا تَقْتُلنِي , فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُون بَقَائِي مَعَك خَيْرًا لَك مِنْ قَتْلِي ; فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْل , وَحَبَسَهُ عِنْده فِي وَثَاق. وَكَانَ أَبْرَهَة رَجُلًا حَلِيمًا . ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَة عَلَى وَجْهه ذَلِكَ يُرِيد مَا خَرَجَ لَهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَم , عَرَضَ لَهُ نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ فِي قَبِيلَيْ خَثْعَم : شَهْرَان , وَنَاهِس , وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب , فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَة , وَأُخِذَ لَهُ أَسِيرًا , فَأُتِيَ بِهِ ; فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ , قَالَ لَهُ نُفَيْل : أَيّهَا الْمَلِك لَا تَقْتُلنِي , فَإِنِّي دَلِيلك بِأَرْضِ الْعَرَب , وَهَاتَانِ يَدَايَ لَك عَلَى قَبِيلَيْ خَثْعَم : شَهْرَان , وَنَاهِس , بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة ; فَأَعْفَاهُ وَخَلَّى سَبِيله , وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ , يَدُلّهُ عَلَى الطَّرِيق ; حَتَّى إِذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ , خَرَجَ إِلَيْهِ مَسْعُود بْن مُعَتِّب فِي رِجَال ثَقِيف , فَقَالَ : أَيّهَا الْمَلِك , إِنَّمَا نَحْنُ عَبِيدك , سَامِعُونَ لَك مُطِيعُونَ , لَيْسَ لَك عِنْدنَا خِلَاف , وَلَيْسَ بَيْتنَا هَذَا بِالْبَيْتِ الَّذِي تُرِيد - يَعْنُونَ اللَّاتِ - إِنَّمَا تُرِيد الْبَيْت الَّذِي بِمَكَّة - يَعْنُونَ الْكَعْبَة - وَنَحْنُ نَبْعَث مَعَك مَنْ يَدُلّك , فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ , وَبَعَثُوا مَعَهُمْ أَبَا رِغَال ; فَخَرَجَ أَبْرَهَة وَمَعَهُ أَبُو رِغَال حَتَّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمَّس , فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَال هُنَاكَ , فَرَجَمَتْ الْعَرَب قَبْره , فَهُوَ الْقَبْر الَّذِي تَرْجُم النَّاس بِالْمُغَمَّسِ . وَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَة الْمُغَمَّس , بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَة , يُقَال لَهُ الْأَسْوَد بْن مَقْصُود , عَلَى خَيْل لَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَكَّة , فَسَاقَ إِلَيْهِ أَمْوَال أَهْل مَكَّة مِنْ قُرَيْش وَغَيْرهمْ , وَأَصَابَ فِيهَا مِئَتَيْ بَعِير لِعَبْدِ الْمُطَّلِب بْن هَاشِم , وَهُوَ يَوْمئِذٍ كَبِير قُرَيْش وَسَيِّدهَا ; وَهَمَّتْ قُرَيْش وَكِنَانَة وَهُذَيْل وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ بِالْحَرَمِ مِنْ سَائِر النَّاس بِقِتَالِهِ , ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَة لَهُمْ بِهِ , فَتَرَكُوا ذَلِكَ , وَبَعَثَ أَبْرَهَة حُنَاطَة الْحِمْيَرِيّ إِلَى مَكَّة , وَقَالَ لَهُ : سَلْ عَنْ سَيِّد هَذَا الْبَلَد وَشَرِيفهمْ , ثُمَّ قُلْ لَهُ : إِنَّ الْمَلِك يَقُول لَكُمْ : إِنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ , إِنَّمَا جِئْت لِهَدْمِ الْبَيْت , فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونه بِحَرْبٍ فَلَا حَاجَة فِي بِدِمَائِكُمْ , فَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ . فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَة مَكَّة , سَأَلَ عَنْ سَيِّد قُرَيْش وَشَرِيفهَا , فَقِيلَ : عَبْد الْمُطَّلِب بْن هَاشِم بْن عَبْد مَنَاف بْن قُصَيّ , فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَة , فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب : وَاَللَّه مَا نُرِيد حَرْبه , وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَة ; هَذَا بَيْت اللَّه الْحَرَام , وَبَيْت خَلِيله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام - أَوْ كَمَا قَالَ - فَإِنْ يَمْنَعهُ فَهُوَ بَيْته وَحَرَمه , وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنه وَبَيْنه , فُوَاللَّه مَا عِنْدنَا لَهُ مِنْ دَافِع عَنْهُ , أَوْ كَمَا قَالَ ; فَقَالَ لَهُ حُنَاطَة : فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَلِك , فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِك . فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْد الْمُطَّلِب , وَمَعَهُ بَعْض بَنِيهِ , حَتَّى أَتَى الْعَسْكَر , فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفَر , وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا , فَدُلَّ عَلَيْهِ , فَجَاءَهُ وَهُوَ فِي مَحْبِسه , فَقَالَ : يَا ذَا نَفَر , هَلْ عِنْدك غِنَاء فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفَر , وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا : وَمَا غِنَاء رَجُل أَسِير فِي يَدَيْ مَلِك , يَنْتَظِر أَنْ يَقْتُلهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا ! مَا عِنْدِي غِنَاء فِي شَيْء مِمَّا نَزَلَ بِك , إِلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِق الْفِيل لِي صَدِيق , فَسَأُرْسِلُ إِلَيْهِ , فَأُوصِيه بِك , وَأُعْظِم عَلَيْهِ حَقّك , وَأَسْأَلهُ أَنْ يَسْتَأْذِن لَك عَلَى الْمَلِك , فَتُكَلِّمهُ بِمَا تُرِيد , وَيَشْفَع لَك عِنْده بِخَيْرٍ , إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : حَسْبِي , فَبَعَثَ ذُو نَفَر إِلَى أُنَيْس , فَجَاءَ بِهِ , فَقَالَ : يَا أُنَيْس إِنَّ عَبْد الْمُطَّلِب سَيِّد قُرَيْش , وَصَاحِب عِير مَكَّة , يُطْعِم النَّاس بِالسَّهْلِ , وَالْوُحُوش فِي رُءُوس الْجِبَال , وَقَدْ أَصَابَ الْمَلِك لَهُ مِئَتَيْ بَعِير , فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ , وَأَنْفِعْهُ عِنْده بِمَا اِسْتَطَعْت , فَقَالَ : أَفْعَل . فَكَلَّمَ أُنَيْس أَبْرَهَة , فَقَالَ : أَيّهَا الْمَلِك , هَذَا سَيِّد قُرَيْش بِبَابِك , يَسْتَأْذِن عَلَيْك , وَهُوَ صَاحِب عِير مَكَّة , يُطْعِم النَّاس بِالسَّهْلِ , وَالْوُحُوش فِي رُءُوس الْجِبَال , فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْك , فَلْيُكَلِّمْك بِحَاجَتِهِ , وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ . قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَة , وَكَانَ عَبْد الْمُطَّلِب رَجُلًا عَظِيمًا وَسِيمًا جَسِيمًا ; فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَة أَجَلَّهُ وَأَكْرَمَهُ أَنْ يَجْلِس تَحْته , وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَة يُجْلِسهُ مَعَهُ عَلَى سَرِير مُلْكه , فَنَزَلَ أَبْرَهَة عَنْ سَرِيره , فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطه , فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إِلَى جَنْبه , ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك إِلَى الْمَلِك ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَان , فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب : حَاجَتِي إِلَى الْمَلِك أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ مِئَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي ; فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ , قَالَ أَبْرَهَة لِتُرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُ : قَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك , ثُمَّ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي , أَتُكَلِّمُنِي فِي مِئَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك , وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك , قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ فَلَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟ قَالَ لَهُ بَعْد الْمُطَّلِب : إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل , وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ , قَالَ : مَا كَانَ لِيُمْنَع مِنِّي , قَالَ : فَأَنْتَ وَذَاكَ , اُرْدُدْ إِلَيَّ إِبِلِي . وَكَانَ فِيمَا زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعِلْم قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْد الْمُطَّلِب إِلَى أَبْرَهَة , حِين بَعَثَ إِلَيْهِ حُنَاطَة , يَعْمُر بْن نُفَاثَة بْن عَدِيّ بْن الدَّيْل بْن بَكْر بْن عَبْد مَنَاف بْن كِنَانَة , وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّد بَنِي كِنَانَة , وَخُوَيْلِد بْن وَاثِلَة الْهُذَلِيّ وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّد هُذَيْل , فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَة ثُلُث أَمْوَال تِهَامَة , عَلَى أَنْ يَرْجِع عَنْهُمْ , وَلَا يَهْدِم الْبَيْت , فَأَبَى عَلَيْهِمْ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَكَانَ أَبْرَهَة , قَدْ رَدَّ عَلَى عَبْد الْمُطَّلِب الْإِبِل الَّتِي أَصَابَ لَهُ , فَلَمَّا اِنْصَرَفُوا عَنْهُ اِنْصَرَفَ عَبْد الْمُطَّلِب إِلَى قُرَيْش , فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَر , وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة , وَالتَّحَرُّز فِي شَعَف الْجِبَال وَالشِّعَاب , تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّة الْجَيْش ; ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب , فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَاب , بَاب الْكَعْبَة , وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش يَدْعُونَ اللَّه , وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَة وَجُنْده , فَقَالَ عَبْد الْمُطَّلِب , وَهُوَ آخِذ حَلْقَة بَاب الْكَعْبَة : <br>يَا رَبّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا .......... يَا رَبّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا <br><br>إِنَّ عَدُوّ الْبَيْت مَنْ عَادَاكَا .......... اِمْنَعْهُمُ أَنْ يُخْرِبُوا قُرَاكَا <br>وَقَالَ أَيْضًا : <br>لَاهُمَّ إِنَّ الْعَبْد يَمْ .......... نَع رَحْله فَامْنَعْ حِلَالكْ <br><br>لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبهمْ .......... وَمِحَالهمْ غَدْوًا مِحَالكْ <br><br>فَلَئِنْ فَعَلْت فَرُبَّمَا .......... أَوْلَى فَأَمْر مَا بَدَا لَكْ <br><br>وَلَئِنْ فَعَلْت فَإِنَّهُ .......... أَمْر تُتِمّ بِهِ فَعَالَكْ <br>وَقَالَ أَيْضًا : <br>وَكُنْت إِذَا أَتَى بَاغٍ بِسَلْمٍ .......... نُرَجِّي أَنْ تَكُون لَنَا كَذَلِكْ <br><br>فَوَلَّوْا لَمْ يَنَالُوا غَيْر خِزْي .......... وَكَانَ الْحَيْن يُهْلِكهُمْ هُنَالِكْ <br><br>وَلَمْ أَسْمَع بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَال .......... أَرَادُوا الْعِزّ فَانْتَهَكُوا حَرَامك <br><br>جَرُّوا جُمُوع بِلَادهمْ .......... وَالْفِيل كَيْ يَسْبُوا عِيَالك <br>ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْد الْمُطَّلِب حَلْقَة بَاب الْكَعْبَة , وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْش إِلَى شَعَف الْجِبَال , فَتَحَرَّزُوا فِيهَا , يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَة فَاعِل بِمَكَّة إِذَا دَخَلَهَا ; فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَة تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّة , وَهَيَّأَ فِيله , وَعَبَّأَ جَيْشه , وَكَانَ اِسْم الْفِيل مَحْمُودًا , وَأَبْرَهَة مُجْمِع لِهَدْمِ الْبَيْت , ثُمَّ الِانْصِرَاف إِلَى الْيَمَن . فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيل , أَقْبَلَ نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ , حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ , ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ : اُبْرُكْ مَحْمُود , وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْت , فَإِنَّك فِي بَلَد اللَّه الْحَرَام ; ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنه , فَبَرَكَ الْفِيل , وَخَرَجَ نُفَيْل بْن حَبِيب يَشْتَدّ حَتَّى أَصْعَد فِي الْجَبَل. وَضَرَبُوا الْفِيل لِيَقُومَ فَأَبَى , وَضَرَبُوا فِي رَأْسه بِالطَّبَرْزِين لِيَقُومَ , فَأَبَى , فَأَدْخَلُوا مَحَاجِن لَهُمْ فِي مَرَاقّه , فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ , فَأَبَى , فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إِلَى الْيَمَن , فَقَامَ يُهَرْوِل , وَوَجَّهُوهُ إِلَى الشَّام , فَفَعَلَ مِثْل ذَلِكَ , وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْمَشْرِق , فَفَعَلَ مِثْل ذَلِكَ , وَوَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّة فَبَرَكَ , وَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنْ الْبَحْر , أَمْثَال الْخَطَاطِيف , مَعَ كُلّ طَيْر ثَلَاثَة أَحْجَار يَحْمِلهَا : حَجَر فِي مِنْقَاره , وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ مِثْل الْحِمَّص وَالْعَدَس , لَا يُصِيب مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ , وَلَيْسَ كُلّهمْ أَصَابَتْ , وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيق الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا , وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْل بْن حَبِيب , لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطَّرِيق إِلَى الْيَمَن , فَقَالَ نُفَيْل بْن حَبِيب حِين رَأَى مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهِمْ مِنْ نِقْمَته : <br>أَيْنَ الْمَفَرّ وَالْإِلَه الطَّالِب .......... وَالْأَشْرَم الْمَغْلُوب غَيْر الْغَالِب <br>فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيق , وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلّ مَنْهَل , فَأُصِيبَ أَبْرَهَة فِي جَسَده , وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ , فَسَقَطَتْ أَنَامِله أُنْمُلَة أُنْمُلَة , كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَة أَتْبَعَتْهَا مِدَّة تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا , حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاء , وَهُوَ مِثْل فَرْخ الطَّيْر , فَمَا مَاتَ حَتَّى اِنْصَدَعَ صَدْره عَنْ قَلْبه فِيمَا يَزْعُمُونَ . )29406 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس , (أَنَّهُ حَدَّثَ , أَنَّ أَوَّل مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَة وَالْجُدَرِيّ بِأَرْضِ الْعَرَب ذَلِكَ الْعَام , وَأَنَّهُ أَوَّل مَا رُئِيَ بِهَا مُرَار الشَّجَر : الْحَرْمَل وَالْحَنْظَل وَالْعُشَر ذَلِكَ الْعَام . )29407 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } أَقْبَلَ أَبْرَهَة الْأَشْرَم مِنْ الْحَبَشَة يَوْمًا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عِدَاد أَهْل الْيَمَن , إِلَى بَيْت اللَّه لِيَهْدِمهُ مِنْ أَجْل بِيعَة لَهُمْ أَصَابَهَا الْعَرَب بِأَرْضِ الْيَمَن , فَأَقْبَلُوا بِفِيلِهِمْ , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصِّفَاحِ بَرَكَ ; فَكَانُوا إِذَا وَجَّهُوهُ إِلَى بَيْت اللَّه أَلْقَى بِجِرَانِهِ الْأَرْض , وَإِذَا وَجَّهُوهُ إِلَى بَلَدهمْ اِنْطَلَقَ وَلَهُ هَرْوَلَة , حَتَّى إِذَا كَانَ بِنَخْلَةَ الْيَمَانِيَّة بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ طَيْرًا بِيضًا أَبَابِيل. وَالْأَبَابِيل : الْكَثِيرَة , مَعَ كُلّ طَيْر ثَلَاثَة أَحْجَار : حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ , وَحَجَر فِي مِنْقَاره , فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ بِهَا حَتَّى جَعَلَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَعَصْفٍ مَأْكُول ; قَالَ : فَنَجَا أَبُو يَكْسُوم وَهُوَ أَبْرَهَة , فَجَعَلَ كُلَّمَا قَدِمَ أَرْضًا تَسَاقَطَ بَعْض لَحْمه , حَتَّى أَتَى قَوْمه , فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَر ثُمَّ هَلَكَ .)
وَقَوْله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : فَجَعَلَ اللَّه أَصْحَاب الْفِيل كَزَرْعِ أَكَلَتْهُ الدَّوَابّ فَرَاثَتْهُ , فَيَبِسَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ ; شَبَّهَ تَقَطُّع أَوْصَالهمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ , وَتَفَرُّق آرَاب أَبْدَانهمْ بِهَا , بِتَفَرُّقِ أَجْزَاء الرَّوْث , الَّذِي حَدَثَ عَنْ أَكْل الزَّرْع . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : الْعَصْف : هُوَ الْقِشْر الْخَارِج الَّذِي يَكُون عَلَى حَبّ الْحِنْطَة مِنْ خَارِج , كَهَيْئَةِ الْغِلَاف لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ وَرَق الزَّرْع : 29408 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : وَرَق الْحِنْطَة . )29409 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : هُوَ التِّبْن . )29410 - وَحُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } : كَزَرْعٍ مَأْكُول . )29411- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا زُرَيْق بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا هُبَيْرَة , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : هُوَ الْهَبُور بِالنَّبَطِيَّةِ , وَفِي رِوَايَة : الْمَقْهُور . )29412 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : وَرَق الزَّرْع وَوَرَق الْبَقْل , إِذَا أَكَلَتْهُ الْبَهَائِم فَرَاثَتْهُ , فَصَارَ رَوْثًا . )ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ قِشْر الْحَبّ : 29413 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : الْبُرّ يُؤْكَل وَيُلْقِي عَصْفه الرِّيح وَالْعَصْف : الَّذِي يَكُون فَوْق الْبُرّ : هُوَ لِحَاء الْبُرّ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 29414 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : ( { كَعَصْفٍ مَأْكُول } قَالَ : كَطَعَامٍ مَطْعُوم .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِإِيلَافِ قُرَيْش } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : { لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ } , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار بِيَاءٍ بَعْد هَمْز لِإِيلَافِ وَإِيلَافهمْ , سِوَى أَبِي جَعْفَر , فَإِنَّهُ وَافَقَ غَيْره فِي قَوْله { لِإِيلَافِ } فَقَرَأَهُ بِيَاءٍ بَعْد هَمْزَة , وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي قَوْله { إِيلَافهمْ } فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأهُ : | إِلْفهمْ | عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر مِنْ أَلِفَ يَأْلَف إِلْفًا , بِغَيْرِ يَاء . وَحَكَى بَعْضهمْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأهُ : | إِلَافهمْ | بِغَيْرِ يَاء مَقْصُورَة الْأَلِف . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي : مَنْ قَرَأَهُ : { لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ } بِإِثْبَاتِ الْيَاء فِيهِمَا بَعْد الْهَمْزَة , مِنْ آلَفْت الشَّيْء أُولِفُهُ إِيلَافًا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ : آلَفْت , وَأَلِفْت ; فَمَنْ قَالَ : آلَفْت بِمَدِّ الْأَلِف قَالَ : فَأَنَا أُؤَالِف إِيلَافًا ; وَمَنْ قَالَ : أَلِفْت بِقَصْرِ الْأَلِف قَالَ : فَأَنَا آلِف إِلْفًا , وَهُوَ رَجُل آلِف إِلْفًا . وَحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | لِتَأَلُّفِ قُرَيْش إِلْفهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف | . 29415 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي مَكِين , عَنْ عِكْرِمَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , مَا : 29416 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد , قَالَتْ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ : ( إِلْفهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف | ). وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الْجَالِب هَذِهِ اللَّام فِي قَوْله : { لِإِيلَافِ قُرَيْش } , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : الْجَالِب لَهَا قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول } [105 5 ]فَهِيَ فِي قَوْل هَذَا الْقَائِل صِلَة لِقَوْلِهِ جَعَلَهُمْ , فَالْوَاجِب عَلَى هَذَا الْقَوْل , أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : فَفَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْفِيل هَذَا الْفِعْل , نِعْمَة مِنَّا عَلَى أَهْل هَذَا الْبَيْت , وَإِحْسَانًا مِنَّا إِلَيْهِمْ , إِلَى نِعْمَتنَا عَلَيْهِمْ فِي رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف , فَتَكُون اللَّام فِي قَوْله { لِإِيلَافِ } بِمَعْنَى إِلَى , كَأَنَّهُ قِيلَ : نِعْمَة لِنِعْمَةٍ وَإِلَى نِعْمَة , لِأَنَّ إِلَى مَوْضِع اللَّام , وَاللَّام مَوْضِع إِلَى . وَقَدْ قَالَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْل بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29417- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { إِيلَافهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } قَالَ : إِيلَافهمْ ذَلِكَ فَلَا يَشُقّ عَلَيْهِمْ رِحْلَة شِتَاء وَلَا صَيْف . )29418 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } قَالَ : نِعْمَتِي عَلَى قُرَيْش . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْهِلَالِيّ , قَالَ : ثَنَا فَرْوَة اِبْن أَبِي الْمَغْرَاء الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 29419 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَامِر بْن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ , قَالَ : ثَنَا خَطَّاب بْن جَعْفَر اِبْن أَبِي الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } قَالَ : نِعْمَتِي عَلَى قُرَيْش . )وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : قَدْ قِيلَ هَذَا الْقَوْل , وَيُقَال : إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَجَّبَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اعْجَبْ يَا مُحَمَّد لِنِعَمِ اللَّه عَلَى قُرَيْش , فِي إِيلَافهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف . ثُمَّ قَالَ : فَلَا يَتَشَاغَلُوا بِذَلِكَ عَنْ الْإِيمَان وَاتِّبَاعك ; يُسْتَدَلّ بِقَوْلِهِ : { فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت } . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يُوَجِّه تَأْوِيل قَوْله : { لِإِيلَافِ قُرَيْش } إِلَى أُلْفَة بَعْضهمْ بَعْضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29420 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } فَقَرَأَ : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } [105 1 ])إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : هَذَا لِإِيلَافِ قُرَيْش , صَنَعْت هَذَا بِهِمْ لِأُلْفَةِ قُرَيْش , لِئَلَّا أُفَرِّق أُلْفَتهمْ وَجَمَاعَتهمْ , إِنَّمَا جَاءَ صَاحِب الْفِيل لِيَسْتَبِيدَ حَرِيمهمْ , فَصَنَعَ اللَّه ذَلِكَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ هَذِهِ اللَّام بِمَعْنَى التَّعَجُّب . وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : اِعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْش رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف , وَتَرْكهمْ عِبَادَة رَبّ هَذَا الْبَيْت , الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع , وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف , فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت , الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع , وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف . وَالْعَرَب إِذَا جَاءَتْ بِهَذِهِ اللَّام , فَأَدْخَلُوهَا فِي الْكَلَام لِلتَّعَجُّبِ اِكْتَفَوْا بِهَا دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّب مِنْ إِظْهَار الْفِعْل الَّذِي يَجْلِبهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَغَرَّك أَنْ قَالُوا لِقُرَّة شَاعِرًا .......... فَيَا لِأَبَاهُ مِنْ عَرِيف وَشَاعِر <br>فَاكْتَفَى بِاللَّامِ دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّب مِنْ إِظْهَار الْفِعْل ; وَإِنَّمَا الْكَلَام : أَغَرَّك أَنْ قَالُوا : اِعْجَبُوا لِقُرَّة شَاعِرًا ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { لِإِيلَافِ } . وَأَمَّا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله , أَنَّهُ مِنْ صِلَة قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول } [105 5 ]فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون | لِإِيلَافِ | بَعْض | أَلَمْ تَرَ | , وَأَنْ لَا تَكُون سُورَة مُنْفَصِلَة مِنْ | أَلَمْ تَرَ | ; وَفِي إِجْمَاع جَمِيع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ تَامَّتَانِ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُنْفَصِلَة عَنْ الْأُخْرَى , مَا يَبِين عَنْ فَسَاد الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ . وَلَوْ كَانَ قَوْله : { لِإِيلَافِ قُرَيْش } مِنْ صِلَة قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول } [105 5 ]لَمْ تَكُنْ | أَلَمْ تَرَ | تَامَّة حَتَّى تَوَصَّلَ بِقَوْلِهِ : { لِإِيلَافِ قُرَيْش } لِأَنَّ الْكَلَام لَا يَتِمّ إِلَّا بِانْقِضَاءِ الْخَبَر الَّذِي ذُكِرَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29421 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( إِلْفهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف | يَقُول : لُزُومهمْ. )29422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } قَالَ : نَهَاهُمْ عَنْ الرِّحْلَة , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت , وَكَفَاهُمْ الْمُؤْنَة ; وَكَانَتْ رِحْلَتهمْ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف , فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَاحَة فِي شِتَاء وَلَا صَيْف , فَأَطْعَمَهُمْ بَعْد ذَلِكَ مِنْ جُوع , وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف , وَأَلِفُوا الرِّحْلَة , فَكَانُوا إِذَا شَاءُوا اِرْتَحَلُوا , وَإِذَا شَاءُوا أَقَامُوا , فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ . )29423 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش قَدْ أَلِفُوا بُصْرَى وَالْيَمَن , يَخْتَلِفُونَ إِلَى هَذِهِ فِي الشِّتَاء , وَإِلَى هَذِهِ فِي الصَّيْف ( { فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت } فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّة . )29424 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ } قَالَ : كَانُوا تُجَّارًا , فَعَلِمَ اللَّه حُبّهمْ لِلشَّامِ . )29425 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } قَالَ : عَادَة قُرَيْش عَادَتهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف . )29426 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } كَانُوا أَلِفُوا الِارْتِحَال فِي الْقَيْظ وَالشِّتَاء .)
وَقَوْله : { إِيلَافهمْ } مَخْفُوضَة عَلَى الْإِبْدَال , كَأَنَّهُ قَالَ : لِإِيلَافِ قُرَيْش لِإِيلَافِهِمْ , رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف . وَأَمَّا الرِّحْلَة فَنُصِبَتْ بِقَوْلِهِ . { إِيلَافهمْ } , وَوُقُوعه عَلَيْهَا .|رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ|وَقَوْله : { رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } يَقُول : رِحْلَة قُرَيْش الرِّحْلَتَيْنِ , إِحْدَاهُمَا إِلَى الشَّام فِي الصَّيْف , وَالْأُخْرَى إِلَى الْيَمَن فِي الشِّتَاء . 29427 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } قَالَ : كَانَتْ لَهُمْ رِحْلَتَانِ : الصَّيْف إِلَى الشَّام , وَالشِّتَاء إِلَى الْيَمَن فِي التِّجَارَة , إِذَا كَانَ الشِّتَاء اِمْتَنَعَ الشَّام مِنْهُمْ لِمَكَانِ الْبَرْد , وَكَانَتْ رِحْلَتهمْ فِي الشِّتَاء إِلَى الْيَمَن . )29428 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان ( { رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } قَالَ : كَانُوا تُجَّارًا . )29429 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , ثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْكَلْبِيّ ( { رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } قَالَ : كَانَتْ لَهُمْ رِحْلَتَانِ : رِحْلَة فِي الشِّتَاء إِلَى الْيَمَن , وَرِحْلَة فِي الصَّيْف إِلَى الشَّام . )29430 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَامِر بْن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ , قَالَ : ثَنَا خَطَّاب بْن جَعْفَر اِبْن أَبِي الْمُغِيرَة قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { إِيلَافهمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف } قَالَ : كَانُوا يَشْتُونَ بِمَكَّة , وَيُصَيِّفُونَ بِالطَّائِفِ .)
وَقَوْله : { فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت } يَقُول : فَلْيُقِيمُوا بِمَوْضِعِهِمْ وَوَطَنهمْ مِنْ مَكَّة , وَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت , يَعْنِي بِالْبَيْتِ : الْكَعْبَة , كَمَا : 29431 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , صَلَّى الْمَغْرِب بِمَكَّة , فَقَرَأَ : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت } أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْبَيْت . )29432 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَامِر بْن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ , قَالَ : ثَنَا خَطَّاب بْن جَعْفَر اِبْن أَبِي الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْت } قَالَ الْكَعْبَة . )وَقَالَ بَعْضهمْ : أُمِرُوا أَنْ يَأْلَفُوا عِبَادَة رَبّ مَكَّة كَإِلْفِهِمْ الرِّحْلَتَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29433 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَأْلَفُوا عِبَادَة رَبّ هَذَا الْبَيْت , كَإِلْفِهِمْ رِحْلَة الشِّتَاء وَالصَّيْف .)
وَقَوْله : { الَّذِي أَطْعِمْهُمْ مِنْ جُوع } يَقُول : الَّذِي أَطْعَمَ قُرَيْشًا مِنْ جُوع , كَمَا : 29434 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع } يَعْنِي : قُرَيْشًا أَهْل مَكَّة , بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَات } . [14 37]|وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ| { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ آمَنَهُمْ مِمَّا يَخَاف مِنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْحَرَم , مِنْ الْغَارَات وَالْحُرُوب وَالْقِتَال , وَالْأُمُور الَّتِي كَانَتْ الْعَرَب يَخَاف بَعْضهَا مِنْ بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29435 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } حَيْثُ قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام : { رَبّ اِجْعَلْ هَذَا الْبَلَد آمِنًا } . [14 35 ])29436 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : آمَنَهُمْ مِنْ كُلّ عَدُوّ فِي حَرَمهمْ . )29437 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْش إِيلَافهمْ } قَالَ : كَانَ أَهْل مَكَّة تُجَّارًا , يَتَعَاوَرُونَ ذَلِكَ شِتَاء وَصَيْفًا , آمَنِينَ فِي الْعَرَب , وَكَانَتْ الْعَرَب يُغِير بَعْضهَا عَلَى بَعْض , لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ , وَلَا يَسْتَطِيعُونَهُ مِنْ الْخَوْف , حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ لَيُصَاب فِي حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب , وَإِذَا قِيلَ حَرَمِيّ خُلِّيَ عَنْهُ وَعَنْ مَاله , تَعْظِيمًا لِذَلِكَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْأَمْن . )*- حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ مِنْ حَرَم اللَّه , فَلَا يَعْرِض لَهُمْ أَحَد فِي الْجَاهِلِيَّة , يَأْمَنُونَ بِذَلِكَ , وَكَانَ غَيْرهمْ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب إِذَا خَرَجَ أُغِيرَ عَلَيْهِ . )29438 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب يُغِير بَعْضهَا عَلَى بَعْض , وَيَسْبِي بَعْضهَا بَعْضًا , فَأَمِنُوا مِنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ الْحَرَم , وَقَرَأَ : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَات كُلّ شَيْء } . [28 75 ])وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : وَآمَنَهُمْ مِنْ الْجُذَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29439 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , قَالَ : قَالَ الضَّحَّاك : ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : مِنْ خَوْفهمْ مِنْ الْجُذَام . )29440 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : مِنْ الْجُذَام وَغَيْره . )29441 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : قَالَ وَكِيع : سَمِعْت أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع , قَالَ : الْجُوع ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } الْخَوْف : الْجُذَام . )29442 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عَامِر بْن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ , قَالَ : ثَنَا خَطَّاب بْن جَعْفَر اِبْن أَبِي الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } قَالَ : الْخَوْف : الْجُذَام . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ { آمَنَهُمْ مِنْ خَوْف } وَالْعَدُوّ مَخُوف مِنْهُ , وَالْجُذَام مَخُوف مِنْهُ , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه الْخَبَر عَنْ أَنَّهُ آمَنَهُمْ مِنْ الْعَدُوّ دُون الْجُذَام , وَلَا مِنْ الْجُذَام دُون الْعَدُوّ , بَلْ عَمَّ الْخَبَر بِذَلِكَ ; فَالصَّوَاب أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَيُقَال : آمَنَهُمْ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا . آخِر تَفْسِير سُورَة قُرَيْش
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَرَأَيْت الَّذِي يُكَذِّب بِالدِّينِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَرَأَيْت الَّذِي يُكَذِّب بِالدِّينِ } أَرَأَيْت يَا مُحَمَّد الَّذِي يُكَذِّب بِثَوَابِ اللَّه وَعِقَابه , فَلَا يُطِيعهُ فِي أَمْره وَنَهْيه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29443 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أَرَأَيْت الَّذِي يُكَذِّب بِالدِّينِ } قَالَ : الَّذِي يُكَذِّب بِحُكْمِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . )29444 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { يُكَذِّب بِالدِّينِ } قَالَ : بِالْحِسَابِ . )وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | أَرَأَيْت الَّذِي يُكَذِّب الدِّين | فَالْبَاء فِي قِرَاءَته صِلَة , دُخُولهَا فِي الْكَلَام وَخُرُوجهَا وَاحِد .
وَقَوْله : { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم } يَقُول : فَهَذَا الَّذِي يُكَذِّب بِالدِّينِ , هُوَ الَّذِي يَدْفَع الْيَتِيم عَنْ حَقّه , وَيَظْلِمهُ . يُقَال مِنْهُ : دَعَعْت فُلَانًا عَنْ حَقّه , فَأَنَا أَدُعّهُ دَعًّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم } قَالَ : يَدْفَع حَقّ الْيَتِيم . )29446 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { يَدُعّ الْيَتِيم } قَالَ : يَدْفَع الْيَتِيم فَلَا يُطْعِمهُ . )29447 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم } : أَيْ يَقْهَرهُ وَيَظْلِمهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { يَدُعّ الْيَتِيم } قَالَ : يَقْهَرهُ وَيَظْلِمهُ . )29448 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { يَدُعّ الْيَتِيم } قَالَ : يَقْهَرهُ . )29449 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان فِي قَوْله : ( { يَدُعّ الْيَتِيم } قَالَ : يَدْفَعهُ .)
وَقَوْله : { وَلَا يَحُضّ عَلَى طَعَام الْمِسْكِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَحُثّ غَيْره عَلَى إِطْعَام الْمُحْتَاج مِنْ الطَّعَام .
وَقَوْله : { فَوَيْل لِلْمُصَلِّينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَالْوَادِي الَّذِي يَسِيل مِنْ صَدِيد أَهْل جَهَنَّم لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ , لَا يُرِيدُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِصَلَاتِهِمْ,
وَهُمْ فِي صَلَاتهمْ سَاهُونَ إِذَا صَلَّوْهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتهَا , فَلَا يُصَلُّونَهَا إِلَّا بَعْد خُرُوج وَقْتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29450 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سَكَن بْن نَافِع الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ خَلَف بْن حَوْشَب , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : قُلْت لِأَبِي , أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } : أَهِيَ تَرْكهَا ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنْ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثَنَا عَاصِم بْن بَهْدَلَة . عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : قُلْت لِسَعْدٍ : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } : أَهُوَ مَا يُحَدِّث بِهِ أَحَدنَا نَفْسه فِي صَلَاته ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّ السَّهْو أَنْ يُؤَخِّرهَا عَنْ وَقْتهَا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : السَّهْو : التَّرْك عَنْ الْوَقْت . )29451 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا عِمْرَان بْن تَمَام الْبُنَانِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو جَمْرَة الضُّبَعِيّ نَصْر بْن عِمْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتهَا . )29452 - وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى فَوَيْل لِلْمُصَلِّينَ ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة , حَتَّى تَخْرُج مِنْ الْوَقْت أَوْ عَنْ وَقْتهَا . )29453 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوق ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : التَّرْك لِوَقْتِهَا . )* - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنِي أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مَسْرُوق , فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : تَضْيِيع مِيقَاتهَا . )29454 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى ( { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : تَرَكَ الْمَكْتُوبَة لِوَقْتِهَا . )29455 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن زَحْر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح ( { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } الَّذِينَ يُضَيِّعُونَهَا عَنْ وَقْتهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا فَلَا يُصَلُّونَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29456 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فَوَيْل لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } فَهُمْ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يُرَاءُونَ النَّاس بِصَلَاتِهِمْ إِذَا حَضَرُوا , وَيَتْرُكُونَهَا إِذَا غَابُوا , وَيَمْنَعُونَهُمْ الْعَارِيَة بُغْضًا لَهُمْ , وَهُوَ الْمَاعُون . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاة فِي السِّرّ , وَيُصَلُّونَ فِي الْعَلَانِيَة . )29457 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : التَّرْك لَهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَهَاوَنُونَ بِهَا , وَيَتَغَافَلُونَ عَنْهَا وَيَلْهُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29458 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : لَاهُونَ . )29459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } : غَافِلُونَ . )29460 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : سَاهٍ عَنْهَا , لَا يُبَالِي صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ . )29461 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } يُصَلُّونَ , وَلَيْسَتْ الصَّلَاة مِنْ شَأْنهمْ . )29462- حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : يَتَهَاوَنُونَ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ بِقَوْلِهِ : { سَاهُونَ } : لَاهُونَ يَتَغَافَلُونَ عَنْهَا ; وَفِي اللَّهْو عَنْهَا وَالتَّشَاغُل بِغَيْرِهَا , تَضْيِيعهَا أَحْيَانًا , وَتَضْيِيع وَقْتهَا أُخْرَى . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ بِذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ تَرْك وَقْتهَا , وَقَوْل مِنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ تَرْكهَا , لِمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّ فِي السَّهْو عَنْهَا الْمَعَانِي الَّتِي ذُكِرَتْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ خَبَرَانِ يُؤَيِّدَانِ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ : أَحَدهمَا مَا : 29463- حَدَّثَنِي بِهِ زَكَرِيَّا بْن أَبَان الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن طَارِق , قَالَ : ثَنَا عِكْرِمَة بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } قَالَ : | هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا . )وَالْآخَر مِنْهُمَا مَا : 29464 - حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ شَيْبَان النَّحْوِيّ , عَنْ جَابِر الْجُعْفِيّ , قَالَ : ثَنِي رَجُل , عَنْ أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } : | اللَّه أَكْبَر هَذِهِ خَيْر لَكُمْ مِنْ أَنْ لَوْ أُعْطِيَ كُلّ رَجُل مِنْكُمْ مِثْل جَمِيع الدُّنْيَا ; هُوَ الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ خَيْر صَلَاته , وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخَفْ رَبّه . )29465 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا عَمْرو اِبْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن سُلَيْمَان يُحَدِّث عَنْ عَطَاء بْن دِينَار أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } . وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْت فِي الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَمَل عَنْ مَعْنَى السَّهْو عَنْ الصَّلَاة .)
وَقَوْله : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يَقُول : الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ النَّاس بِصَلَاتِهِمْ إِذَا صَلَّوْا , لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ رَغْبَة فِي ثَوَاب , وَلَا رَهْبَة مِنْ عِقَاب , وَإِنَّمَا يُصَلُّونَهَا لِيَرَاهُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَيَظُنُّونَهُمْ مِنْهُمْ , فَيَكُفُّونَ عَنْ سَفْك دِمَائِهِمْ , وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ , وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْر , وَيُظْهِرُونَ الْإِسْلَام , كَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29466 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر وَمُؤَمَّل , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . )* -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 29467 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَلِيّ اِبْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله : ( { يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُون } قَالَ : يُرَاءُونَ بِصَلَاتِهِمْ . )29468 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ . )29469 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (هُمْ الْمُنَافِقُونَ ; كَانُوا يُرَاءُونَ النَّاس بِصَلَاتِهِمْ إِذَا حَضَرُوا , وَيَتْرُكُونَهَا إِذَا غَابُوا . )29470 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي اِبْن زَيْد : (وَيُصَلُّونَ , وَلَيْسَ الصَّلَاة مِنْ شَأْنهمْ رِيَاء .)
قَوْله : { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } ذُكِرَ أَنَّ الْجِذْع كَانَ جِذْعًا يَابِسًا , وَأَمَرَهَا أَنْ تَهُزّهُ , وَذَلِكَ فِي أَيَّام الشِّتَاء , وَهَزّهَا إِيَّاهُ كَانَ تَحْرِيكه , كَمَا : 17822 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } قَالَ : حَرِّكِيهَا . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17823 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } قَالَ : كَانَ جِذْعًا يَابِسًا , فَقَالَ لَهَا : هُزِّيهِ { تُسَاقِط عَلَيْك رُطَبًا جَنِيًّا } )17824 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , قَالَ : (سَمِعْت أَبَا نُهَيْك يَقُول : كَانَتْ نَخْلَة يَابِسَة . )17825 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل قَالَ : (سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } فَكَانَ الرُّطَب يَتَسَاقَط عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الشِّتَاء . )17826 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } : وَكَانَ جِذْعًا مِنْهَا مَقْطُوعًا فَهَزَّتْهُ , فَإِذَا هُوَ نَخْلَة , وَأُجْرِيَ لَهَا فِي الْمِحْرَاب نَهَر , فَتَسَاقَطَتْ النَّخْلَة رُطَبًا جَنِيًّا فَقَالَ لَهَا : { كُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُزِّي إِلَيْك بِالنَّخْلَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17827 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } قَالَ : النَّخْلَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } قَالَ : الْعَجْوَة . )17828 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : ( { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة تُسَاقِط عَلَيْك رُطَبًا جَنِيًّا } قَالَ : فَقَالَ عَمْرو : مَا مِنْ شَيْء خَيْر لِلنُّفَسَاءِ مِنْ التَّمْر وَالرُّطَب . )وَأُدْخِلَتْ الْبَاء فِي قَوْله : { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة } كَمَا يُقَال : زَوَّجْتُك فُلَانَة , وَزَوَّجْتُك بِفُلَانَةٍ ; وَكَمَا قَالَ { تَنْبُت بِالدُّهْنِ } [23 20 ]بِمَعْنَى : تَنْبُت الدُّهْن . وَإِنَّمَا تَفْعَل الْعَرَب بِذَلِكَ , لِأَنَّ الْأَفْعَال تُكَنَّى عَنْهَا بِالْبَاءِ , فَيُقَال إِذَا كَنَّيْت عَنْ ضَرَبْت عَمْرًا : فَعَلْت بِهِ , وَكَذَلِكَ كُلّ فِعْل , فَلِذَلِكَ تَدْخُل الْبَاء فِي الْأَفْعَال وَتَخْرُج , فَيَكُون دُخُولهَا وَخُرُوجهَا بِمَعْنًى , فَمَعْنَى الْكَلَام : وَهُزِّي إِلَيْك جِذْع النَّخْلَة ; وَقَدْ كَانَ لَوْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ كَانُوا فَسَّرُوهُ كَذَلِكَ : وَهُزِّي . إِلَيْك رُطَبًا بِجِذْعِ النَّخْلَة , بِمَعْنَى : عَلَى جِذْع النَّخْلَة , وَجْهًا صَحِيحًا , وَلَكِنْ لَسْت أَحْفَظ عَنْ أَحَد أَنَّهُ فَسَّرَهُ كَذَلِكَ . وَمِنْ الشَّاهِد عَلَى دُخُول الْبَاء فِي مَوْضِع دُخُولهَا وَخُرُوجهَا مِنْهُ سَوَاء قَوْل الشَّاعِر : <br>بِوَادٍ يَمَان يَنْبُت السِّدْر صَدْره .......... وَأَسْفَله بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ<br>|تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا|وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { تُسَاقِط } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : | تُسَاقِط | بِالتَّاءِ مِنْ تَسَّاقَط وَتَشْدِيد السِّين , بِمَعْنَى : تَتَسَاقَط عَلَيْك النَّخْلَة رُطَبًا جَنِيًّا , ثُمَّ تُدْغَم إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى فَتُشَدَّد , وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إِلَى : وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة تُسَاقِط النَّخْلَة عَلَيْك رُطَبًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : | تُسَاقِط | بِالتَّاءِ وَتَخْفِيف السِّين , وَوَجْه مَعْنَى الْكَلَام , إِلَى مِثْل مَا وَجَّهَ إِلَيْهِ مُشَدِّدُوهَا , غَيْر أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي الْقِرَاءَة . (وَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | يُسَاقِط | بِالْيَاءِ . )17829 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء بْن عَازِب يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ , وَكَأَنَّهُ وَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى : وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَة يَتَسَاقَط الْجِذْع عَلَيْك رُطَبًا جَنِيًّا . (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نُهَيْك أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | تُسْقِط | بِضَمِّ التَّاء وَإِسْقَاط الْأَلِف . )17830 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا نُهَيْك يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ . وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَام إِلَى : تُسْقِط النَّخْلَة عَلَيْك رُطَبًا جَنِيًّا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَات الثَّلَاث , أَعْنِي { تَسَّاقَط } بِالتَّاءِ وَتَشْدِيد السِّين , وَبِالتَّاءِ وَتَخْفِيف السِّين , وَبِالْيَاءِ وَتَشْدِيد السِّين , قِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ قُرَّاء أَهْل مَعْرِفَة بِالْقُرْآنِ , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْجِذْع إِذَا تَسَاقَطَ رُطَبًا , وَهُوَ ثَابِت غَيْر مَقْطُوع , فَقَدْ تَسَاقَطَتْ النَّخْلَة رُطَبًا , وَإِذَا تَسَاقَطَتْ النَّخْلَة رُطَبًا , فَقَدْ تَسَاقَطَتْ النَّخْلَة بِأَجْمَعِهَا , جِذْعهَا وَغَيْر جِذْعهَا , وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَة مَا دَامَتْ قَائِمَة عَلَى أَصْلهَا , فَإِنَّمَا هِيَ جِذْع وَجَرِيد وَسَعَف , فَإِذَا قُطِعَتْ صَارَتْ جِذْعًا , فَالْجِذْع الَّذِي أُمِرَتْ مَرْيَم بِهَزِّهِ لَمْ يَذْكُر أَحَد نَعْلَمهُ أَنَّهُ كَانَ جِذْعًا مَقْطُوعًا غَيْر السُّدِّيّ , وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ عَادَ بِهَزِّهَا إِيَّاهُ نَخْلَة , فَقَدْ صَارَ مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَنْ قَالَ : كَانَ الْمُتَسَاقِط . عَلَيْهَا رُطَبًا نَخْلَة وَاحِدًا , فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ صِحَّة مَا قُلْنَا .|جَنِيًّا|وَقَوْله : { جَنِيًّا } يَعْنِي مَجْنِيًّا ; وَإِنَّمَا كَانَ أَصْله مَفْعُولًا فَصُرِفَ إِلَى فَعِيل ; وَالْمَجْنِيّ : الْمَأْخُوذ طَرِيًّا , وَكُلّ مَا أُخِذَ مِنْ ثَمَرَة , أَوْ نُقِلَ مِنْ مَوْضِعه بِطَرَاوَتِهِ فَقَدْ اُجْتُنِيَ , وَلِذَلِكَ قِيلَ : فُلَان يَجْتَنِي الْكَمْأَة ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن أُخْت جَذِيمَة : <br>هَذَا جَنَايَ وَخِيَاره فِيهْ .......... إِذْ كُلّ جَانٍ يَده إِلَى فِيهْ<br>
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكُلِي مِنْ الرُّطَب الَّذِي يَتَسَاقَط عَلَيْك , وَاشْرَبِي مِنْ مَاء السَّرِيّ الَّذِي جَعَلَهُ رَبّك تَحْتك , لَا تَخْشَيْ جُوعًا وَلَا عَطَشًا { وَقَرِّي عَيْنًا } يَقُول : وَطِيبِي نَفْسًا وَافْرَحِي بِوِلَادَتِك إِيَّايَ وَلَا تَحْزَنِي . وَنُصِبَتْ الْعَيْن لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَة بِالْقَرَارِ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَلْتَقْرَرْ عَيْنك بِوَلَدِك , ثُمَّ حَوَّلَ الْفِعْل عَنْ الْعَيْن إِلَى الْمَرْأَة صَاحِبَة الْعَيْن , فَنُصِبَتْ الْعَيْن إِذْ كَانَ الْفِعْل لَهَا فِي الْأَصْل عَلَى التَّفْسِير , نَظِير مَا فُعِلَ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا } [4 4 ]وَإِنَّمَا هُوَ : فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسهنَّ لَكُمْ . وَقَوْله : { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } [11 77 ]وَمِنْهُ قَوْله : | يَسَّاقَط عَلَيْك رُطَبًا جَنِيًّا | إِنَّمَا هُوَ يَسَّاقَط عَلَيْك رُطَب الْجِذْع , فَحُوِّلَ الْفِعْل إِلَى الْجِذْع , فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ . وَفِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { تَسَّاقَط } بِالتَّاءِ , مَعْنَاهُ : يَسَّاقَط عَلَيْك رُطَب النَّخْلَة , ثُمَّ حُوِّلَ الْفِعْل إِلَى النَّخْلَة . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَرِّي } . فَأَمَّا أَهْل الْمَدِينَة فَقَرَءُوهُ : { وَقَرِّي } بِفَتْحِ الْقَاف عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : قَرِرْت بِالْمَكَانِ أَقَرّ بِهِ , وَقَرِرْت عَيْنًا , أَقَرّ بِهِ قُرُورًا , وَهِيَ لُغَة قُرَيْش فِيمَا ذُكِرَ لِي وَعَلَيْهَا الْقِرَاءَة . وَأَمَّا أَهْل نَجْد فَإِنَّهَا تَقُول قَرَرْت بِهِ عَيْنًا أَقَرّ بِهِ قَرَارًا وَقَرَرْت بِالْمَكَانِ أَقَرّ بِهِ , فَالْقِرَاءَة عَلَى لُغَتهمْ : | وَقِرِّي عَيْنًا | بِكَسْرِ الْقَاف , وَالْقِرَاءَة عِنْدنَا عَلَى لُغَة قُرَيْش بِفَتْحِ الْقَاف .|فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا|وَقَوْله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنْ الْبَشَر أَحَدًا } يَقُول : فَإِنْ رَأَيْت مِنْ بَنِي آدَم أَحَدًا يُكَلِّمك أَوْ يُسَائِلك عَنْ شَيْء أَمْرك وَأَمْر وَلَدك وَسَبَب وِلَادَتِكَهُ { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } يَقُول : فَقُولِي : إِنِّي أَوْجَبْت عَلَى نَفْسِي لِلَّهِ صَمْتًا أَلَّا أُكَلِّم أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَم الْيَوْم { فَلَنْ أُكَلِّم الْيَوْم إِنْسِيًّا } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الصَّوْم , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17831 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } صَمْتًا . )* - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَة بْن عُثْمَان , قَالَ : (سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } قَالَ : صَمْتًا . )17832 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } قَالَ : يَعْنِي بِالصَّوْمِ : الصَّمْت . )17833 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , قَالَ : (سَمِعْت أَنَسًا قَرَأَ : وَإِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا وَصَمْتًا . )17834 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَمَّا قَوْله : { صَوْمًا } فَإِنَّهَا صَامَتْ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْكَلَام . )17835 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } قَالَ : كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مَنْ إِذَا اِجْتَهَدَ صَامَ مِنْ الْكَلَام كَمَا يَصُوم مِنْ الطَّعَام , إِلَّا مِنْ ذِكْر اللَّه , فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ , فَقَالَتْ : إِنِّي أَصُوم مِنْ الْكَلَام كَمَا أَصُوم مِنْ الطَّعَام , إِلَّا مِنْ ذِكْر اللَّه ; فَلَمَّا كَلَّمُوهَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ , فَقَالُوا : { كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } فَأَجَابَهُمْ فَقَالَ : { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } حَتَّى بَلَغَ { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } )وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أَمَرَهَا بِالصَّوْمِ عَنْ كَلَام الْبَشَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُجَّة عِنْد النَّاس ظَاهِرَة , وَذَلِكَ أَنَّهَا جَاءَتْ وَهِيَ أَيِّم بِوَلَدٍ بِالْكَفِّ عَنْ الْكَلَام لِيَكْفِيَهَا فَأَمَرَتْ الْكَلَام وَلَدهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17836 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ حَارِثَة , قَالَ : (كُنْت عِنْد اِبْن مَسْعُود , فَجَاءَ رَجُلَانِ فَسَلَّمَ أَحَدهمَا وَلَمْ يُسَلِّم الْآخَر , فَقَالَ : مَا شَأْنك ؟ فَقَالَ أَصْحَابه : حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّم النَّاس الْيَوْم , فَقَالَ عَبْد اللَّه : كَلِّمْ النَّاس وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ تِلْكَ اِمْرَأَة عَلِمَتْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُصَدِّقهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ غَيْر زَوْج , يَعْنِي بِذَلِكَ مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام . )17837 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : (قَالَ اِبْن زَيْد لَمَّا قَالَ عِيسَى لِمَرْيَم { لَا تَحْزَنِي } قَالَتْ : وَكَيْف لَا أَحْزَن وَأَنْتَ مَعِي , لَا ذَات زَوْج وَلَا مَمْلُوكَة , أَيّ شَيْء عُذْرِي عِنْد النَّاس { يَا لَيْتَنِي مِتّ قَبْل هَذَا وَكُنْت نَسْيًا مَنْسِيًّا } فَقَالَ لَهَا عِيسَى : أَنَا أَكْفِيك الْكَلَام { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنْ الْبَشَر أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّم الْيَوْم إِنْسِيًّا } قَالَ : هَذَا كُلّه كَلَام عِيسَى لِأُمِّهِ . )17838 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ( { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنْ الْبَصَر أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّم الْيَوْم إِنْسِيًّا } فَإِنِّي سَأَكْفِيك الْكَلَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ آيَة لِمَرْيَم وَابْنهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17839 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } قَالَ فِي بَعْض الْحُرُوف : صَمْتًا وَذَلِكَ إِنَّك لَا تَلْقَى اِمْرَأَة جَاهِلَة تَقُول : نَذَرْت كَمَا نَذَرَتْ مَرْيَم , أَلَّا تُكَلِّم يَوْمًا إِلَى اللَّيْل , وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّه تِلْكَ آيَة لِمَرْيَم وَلِابْنِهَا , وَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْذِر صَمْت يَوْم إِلَى اللَّيْل . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فَقَرَأَ : ( { إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } وَكَانَتْ تَقْرَأ فِي الْحَرْف الْأَوَّل صَمْتًا , وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَة بَعَثَهَا اللَّه لِمَرْيَم وَابْنهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَتْ صَائِمَة فِي ذَلِكَ الْيَوْم , وَالصَّائِم فِي ذَلِكَ الزَّمَان كَانَ يَصُوم عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَكَلَام النَّاس , فَأَذِنَ لِمَرْيَم فِي قَدْر هَذَا الْكَلَام ذَلِكَ الْيَوْم وَهِيَ صَائِمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17840 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنْ الْبَشَر أَحَدًا } يُكَلِّمك { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّم الْيَوْم إِنْسِيًّا } فَكَانَ مَنْ صَامَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان لَمْ يَتَكَلَّم حَتَّى يُمْسِي , فَقِيلَ لَهَا : لَا تَزِيدِي عَلَى هَذَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمهَا تَحْمِلهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عِيسَى لِأُمِّهِ اِطْمَأَنَّتْ نَفْسهَا , وَسَلَّمَتْ لِأَمْرِ اللَّه , وَحَمَلَتْهُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ قَوْمهَا . كَمَا : 17841 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : (أَنْسَاهَا يَعْنِي مَرْيَم كَرْب الْبَلَاء وَخَوْف النَّاس مَا كَانَتْ تَسْمَع مِنْ الْمَلَائِكَة مِنْ الْبِشَارَة بِعِيسَى , حَتَّى إِذَا كَلَّمَهَا , يَعْنِي عِيسَى , وَجَاءَهَا مِصْدَاق مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهَا اِحْتَمَلَتْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ بِهِ إِلَى قَوْمهَا . )وَقَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ مَا : 17842 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا وَلَدَتْهُ ذَهَبَ الشَّيْطَان , فَأَخْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّ مَرْيَم قَدْ وَلَدَتْ , فَأَقْبَلُوا يَشْتَدُّونَ , فَدَعَوْهَا { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمهَا تَحْمِلهُ } )|قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا|وَقَوْله : { قَالُوا يَا مَرْيَم لَقَدْ جِئْت شَيْئًا فَرِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا رَأَوْا مَرْيَم , وَرَأَوْا مَعَهَا الْوَلَد الَّذِي وَلَدَتْهُ , قَالُوا لَهَا : يَا مَرْيَم لَقَدْ جِئْت بِأَمْرٍ عَجِيب , وَأَحْدَثْت حَدَثًا عَظِيمًا . وَكُلّ عَامِل عَمَلًا أَجَادَهُ وَأَحْسَنَهُ فَقَدْ فَرَاهُ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلًا حُجْرِيًّا .......... وَقَدْ كُنْت تَفْرِينَ بِهِ الْفَرِيَّا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { فَرِيًّا } قَالَ : عَظِيمًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17844 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا فَرِيًّا } قَالَ : عَظِيمًا . )17845 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا فَرِيًّا } قَالَ : عَظِيمًا . )17846 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : (لَمَّا رَأَوْهَا وَرَأَوْهُ مَعَهَا , قَالُوا : يَا مَرْيَم { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا فَرِيًّا } : أَيْ الْفَاحِشَة غَيْر الْمُقَارِبَة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أُخْت هَارُون } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لَهَا : يَا أُخْت هَارُون , وَمَنْ كَانَ هَارُون هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه , وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ نَسَبُوا مَرْيَم إِلَى أَنَّهَا أُخْته , فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ لَهَا { يَا أُخْت هَارُون } نِسْبَة مِنْهُمْ لَهَا إِلَى الصَّلَاح , لِأَنَّ أَهْل الصَّلَاح فِيهِمْ كَانُوا يُسَمُّونَ هَارُون , وَلَيْسَ بِهَارُون أَخِي مُوسَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17847 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَا أُخْت هَارُون } قَالَ : كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل يُسَمَّى هَارُون , فَشَبَّهُوهَا بِهِ , فَقَالُوا : يَا شَبِيهَة هَارُون فِي الصَّلَاح . )17848 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أُخْت هَارُون مَا كَانَ أَبُوك اِمْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا } قَالَ : كَانَتْ مِنْ أَهْل بَيْت يُعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ , وَلَا يُعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ , وَآخَرُونَ يُعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ , وَكَانَ هَارُون مُصْلِحًا مُحَبَّبًا فِي عَشِيرَته , وَلَيْسَ بِهَارُون أَخِي مُوسَى , وَلَكِنَّهُ هَارُون آخَر . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ شَيَّعَ جِنَازَته يَوْم مَاتَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا , كُلّهمْ يُسَمُّونَ هَارُون مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . )17849 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي صَدَقَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : (نُبِّئْت أَنَّ كَعْبًا قَالَ : إِنَّ قَوْله : { يَا أُخْت هَارُون } لَيْسَ بِهَارُون أَخِي مُوسَى , قَالَ : فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : كَذَبْت , قَالَ : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , إِنْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَهُوَ أَعْلَم وَأَخْبَر , وَإِلَّا فَإِنِّي أَجِد بَيْنهمَا سِتّ مِائَة سَنَة , قَالَ : فَسَكَتَتْ . )17850 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أُخْت هَارُون } قَالَ : اِسْم وَاطَأَ اِسْمًا , كَمْ بَيْن هَارُون وَبَيْنهمَا مِنْ الْأُمَم أُمَم كَثِيرَة . )17851 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن الْمُثَنَّى وَسُفْيَان وَابْن وَكِيع وَأَبُو السَّائِب , قَالُوا : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس الْأَوْدِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَذْكُر عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَائِل , عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , قَالَ : (بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْل نَجْرَان , فَقَالُوا لِي : أَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَ { يَا أُخْت هَارُون } ؟ قُلْت : بَلَى وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُوسَى , فَرَجَعْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرْته , فَقَالَ : | أَلَا أَخْبَرْتهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلهمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَائِل , عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , قَالَ : (أَرْسَلَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض حَوَائِجه إِلَى أَهْل نَجْرَان , فَقَالُوا : أَلَيْسَ نَبِيّك يَزْعُم أَنَّ هَارُون أَخُو مَرْيَم هُوَ أَخُو مُوسَى ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَرُدّ عَلَيْهِمْ حَتَّى رَجَعْت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : | إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ . )وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ هَارُون أَخُو مُوسَى , وَنُسِبَتْ مَرْيَم إِلَى أَنَّهَا أُخْته لِأَنَّهَا مِنْ وَلَده , يُقَال لِلتَّمِيمِيِّ : يَا أَخَا تَمِيم , وَلِلْمُضَرِيِّ : يَا أَخَا مُضَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17852 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { يَا أُخْت هَارُون } قَالَ : كَانَتْ مِنْ بَنِي هَارُون أَخِي مُوسَى , وَهُوَ كَمَا تَقُول : يَا أَخَا بَنِي فُلَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَاسِقًا مُعْلِن الْفِسْق , فَنَسَبُوهَا إِلَيْهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , وَأَنَّهَا نُسِبَتْ إِلَى رَجُل مِنْ قَوْمهَا .|هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ|وَقَوْله : { مَا كَانَ أَبُوك اِمْرَأَ سَوْء } يَقُول : مَا كَانَ أَبُوك رَجُل سَوْء يَأْتِي الْفَوَاحِش { وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا } يَقُول : وَمَا كَانَتْ أُمّك زَانِيَة , كَمَا : 17853 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا } قَالَ : زَانِيَة . )وَقَالَ : { وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا } وَلَمْ يَقُلْ : بَغِيَّة , لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوصَف بِهِ النِّسَاء دُون الرِّجَال , فَجَرَى مَجْرَى اِمْرَأَة حَائِض وَطَالِق , وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يُشَبِّه ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : مِلْحَفَة جَدِيدَة وَامْرَأَة قَتِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا قَالَ قَوْمهَا ذَلِكَ لَهَا قَالَتْ لَهُمْ مَا أَمَرَهَا عِيسَى بِقِيلِهِ لَهُمْ , ثُمَّ أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى أَنْ كَلِّمُوهُ , كَمَا : 17854 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا قَالُوا لَهَا : { مَا كَانَ أَبُوك اِمْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمّك بَغِيًّا } قَالَتْ لَهُمْ مَا أَمَرَهَا اللَّه بِهِ , فَلَمَّا أَرَادُوهَا بَعْد ذَلِكَ عَلَى الْكَلَام أَشَارَتْ إِلَيْهِ , إِلَى عِيسَى . )17855 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } قَالَ : أَمَرَتْهُمْ بِكَلَامِهِ . )17856 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ( { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } يَقُول : أَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ كَلِّمُوهُ . )17857 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله ( { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } أَنْ كَلَّمُوهُ .)|قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا|وَقَوْله : { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ قَوْمهَا لَهَا : كَيْف نُكَلِّم مَنْ وُجِدَ فِي الْمَهْد ؟ وَكَانَ فِي قَوْله { مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } مَعْنَاهَا التَّمَام , لَا الَّتِي تَقْتَضِي الْخَبَر , وَذَلِكَ شَبِيه الْمَعْنَى بَكَانِ الَّتِي فِي قَوْله { هَلْ كُنْت إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } [17 93 ]وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : هَلْ أَنَا إِلَّا بَشَر رَسُول ؟ وَهَلْ وُجِدْت أَوْ بُعِثْت ; وَكَمَا قَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : <br>زَجَرْت عَلَيْهِ حُرَّة أَرْحَبِيَّة .......... وَقَدْ كَانَ لَوْن اللَّيْل مِثْل الْأَرَنْدَجِ <br>بِمَعْنَى : وَقَدْ صَارَ أَوْ وُجِدَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَنَى بِالْمَهْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : حِجْر أُمّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17858 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } وَالْمَهْد : الْحِجْر . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَهْد فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا قَالَ قَوْم مَرْيَم لَهَا { كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا اِسْتِهْزَاء بِهِمْ , قَالَ عِيسَى لَهَا مُتَكَلِّمًا عَنْ أُمّه : { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } . وَكَانُوا حِين أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُمْ غَضِبُوا , كَمَا : 17859 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (لَمَّا أَشَارَتْ لَهُمْ إِلَى عِيسَى غَضِبُوا , وَقَالُوا : لِسُخْرِيَّتِهَا بِنَا حِين تَأْمُرنَا أَنْ نُكَلِّم هَذَا الصَّبِيّ أَشَدّ عَلَيْنَا مِنْ زِنَاهَا { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } )17860 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ( { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } فَأَجَابَهُمْ عِيسَى عَنْهَا فَقَالَ لَهُمْ { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } . .. الْآيَة . )17861 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } قَالَ لَهُمْ : { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا لَأَمْر عَظِيم . )17862 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه } لَمْ يَتَكَلَّم عِيسَى إِلَّا عِنْد ذَلِكَ حِين { قَالُوا كَيْف نُكَلِّم مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبِيًّا } )|آتَانِيَ الْكِتَابَ|وَقَوْله : { آتَانِيَ الْكِتَاب } يَقُول الْقَائِل : أَوْ آتَاهُ الْكِتَاب وَالْوَحْي قَبْل أَنْ يُخْلَق فِي بَطْن أُمّه فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يُظَنّ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَقَضَى يَوْم قَضَى أُمُور خَلْقه إِلَيَّ أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب , كَمَا : 17863 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك , يَعْنِي اِبْن مَخْلَد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة ( { قَالَ آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : قَضَى أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب فِيمَا مَضَى . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله ( { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : الْقَضَاء . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْل اللَّه ( { إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب } قَالَ : قَضَى أَنْ يُؤْتِينِي الْكِتَاب .)|وَجَعَلَنِي نَبِيًّا|وَقَوْله : { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ , وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي مَعْنَى النَّبِيّ وَحْده مَا : 17864 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (النَّبِيّ وَحْده الَّذِي يُكَلِّم وَيُنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْي وَلَا يُرْسِل .)
وَقَوْله { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَجَعَلَنِي نَفَّاعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17865 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمَّاد الطَّلْحِيّ , قَالَ : ثنا الْعَلَاء , عَنْ عَائِشَة اِمْرَأَة لَيْث , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد ( { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا } قَالَ : نَفَّاعًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتْ بَرَكَته الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17866 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن خُنَيْس الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : سَمِعْت وُهَيْب بْن أَبِي الْوَرْد مَوْلَى بَنِي مَخْذُوم , قَالَ : (لَقِيَ عَالِم عَالِمًا لِمَا هُوَ فَوْقه فِي الْعِلْم , قَالَ لَهُ : يَرْحَمك اللَّه , مَا الَّذِي أَعْلَنَ مِنْ عِلْمِي , قَالَ : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , فَإِنَّهُ دِين اللَّه الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ إِلَى عِبَاده , وَقَدْ اِجْتَمَعَ الْفُقَهَاء عَلَى قَوْل اللَّه { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } وَقِيلَ : مَا بَرَكَته ؟ قَالَ : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر أَيْنَمَا كَانَ . )وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : جَعَلَنِي مُعَلِّم الْخَيْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17867 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان فِي قَوْله ( { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } قَالَ : مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ . )17868 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } قَالَ : مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا كُنْت .)|وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ|وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } يَقُول : وَقَضَى أَنْ يُوصِينِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة , يُعْنَى الْمُحَافَظَة عَلَى حُدُود الصَّلَاة وَإِقَامَتهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا عَلَيَّ . وَفِي الزَّكَاة مَعْنَيَانِ : أَحَدهمَا : زَكَاة الْأَمْوَال أَنْ يُؤَدِّيهَا . وَالْآخَر : تَطْهِير الْجَسَد مِنْ دَنَس الذُّنُوب ; فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَأَوْصَانِي بِتَرْكِ الذُّنُوب وَاجْتِنَاب الْمَعَاصِي .|مَا دُمْتُ حَيًّا|وَقَوْله : { مَا دُمْت حَيًّا } يَقُول : مَا كُنْت حَيًّا فِي الدُّنْيَا مَوْجُودًا , وَهَذَا يُبَيِّن عَنْ أَنَّ مَعْنَى الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع : تَطْهِير الْبَدَن مِنْ الذُّنُوب , لِأَنَّ الَّذِي يُوصَف بِهِ عِيسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِر شَيْئًا لِغَدٍ , فَتَجِب عَلَيْهِ زَكَاة الْمَال , إِلَّا أَنْ تَكُون الزَّكَاة الَّتِي كَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِكُلِّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوته , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مُخْبِرًا عَنْ قِيل عِيسَى لِلْقَوْمِ : وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا وَبَرًّا : أَيْ جَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي . وَالْبَرّ هُوَ الْبَارّ , يُقَال : هُوَ بَرّ بِوَالِدِهِ , وَبَارّ بِهِ , وَبِفَتْحِ الْبَاء قَرَأَتْ هَذَا الْحَرْف قُرَّاء الْأَمْصَار . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نُهَيْك مَا : 17869 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ أَبِي نُهَيْك أَنَّهُ قَرَأَ : ( { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } مِنْ قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ أَبُو نُهَيْك : أَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْبِرّ بِالْوَالِدَيْنِ , كَمَا أَوْصَانِي بِذَلِكَ . )فَكَأَنَّ أَبَا نُهَيْك وَجْه تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى قَوْله { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } هُوَ مِنْ خَبَر عِيسَى , عَنْ وَصِيَّة اللَّه إِيَّاهُ بِهِ , كَمَا أَنَّ قَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } مِنْ خَبَره عَنْ وَصِيَّة اللَّه إِيَّاهُ بِذَلِكَ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَجِب أَنْ يَكُون نَصْب الْبَرّ بِمَعْنَى عَمَل الْوَصِيَّة فِيهِ , لِأَنَّ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَإِنْ كَانَتَا مَخْفُوضَتَيْنِ فِي اللَّفْظ , فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى النَّصْب مِنْ أَجْل أَنَّهُ مَفْعُول بِهِمَا .|وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا|وَقَوْله : { وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } يَقُول : وَلَمْ يَجْعَلنِي مُسْتَكْبِرًا عَلَى اللَّه فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ , وَنَهَانِي عَنْهُ , شَقِيًّا , وَلَكِنْ ذَلَّلَنِي لِطَاعَتِهِ , وَجَعَلَنِي مُتَوَاضِعًا , كَمَا : 17870 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَعْنِي عِيسَى , كَانَ يَقُول : سَلُونِي , فَإِنَّ قَلْبِي لَيِّن , وَإِنِّي صَغِير فِي نَفْسِي مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ التَّوَاضُع . )17871 - وَحَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِمْرَأَة رَأَتْ اِبْن مَرْيَم يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , فِي آيَات سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِنَّ , وَأَذِنَ لَهُ فِيهِنَّ , فَقَالَتْ : طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَك , وَالثَّدْي الَّذِي أُرْضِعْت بِهِ , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه اِبْن مَرْيَم يُجِيبهَا : طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَاب اللَّه , وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ { وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا شَقِيًّا } )17872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاقِد أَبِي رَجَاء , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , قَالَ : (لَا تَجِد عَاقًّا إِلَّا وَجَدْته جَبَّارًا شَقِيًّا . ثُمَّ قَرَأَ { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } قَالَ : وَلَا تَجِد سَيِّئ الْمَلَكَة إِلَّا وَجَدْته مُخْتَالًا فَخُورًا , ثُمَّ قَرَأَ { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } )[4 36]
وَقَوْله : { وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا } يَقُول : وَالْأَمَنَة مِنْ اللَّه عَلَيَّ مِنْ الشَّيْطَان وَجُنْده يَوْم وُلِدْت أَنْ يَنَالُوا مِنِّي مَا يَنَالُونَ مِمَّنْ يُولَد عِنْد الْوِلَادَة , مِنْ الطَّعْن فِيهِ , وَيَوْم أَمُوت , مِنْ هَوْل الْمَطْلَع , وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَنَالنِي الْفَزَع الَّذِي يَنَال النَّاس بِمُعَايَنَتِهِمْ أَهْوَال ذَلِكَ الْيَوْم , كَمَا : 17873 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ( { وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا } قَالَ : يُخْبِرهُمْ فِي قِصَّة خَبَره عَنْ نَفْسه , أَنَّهُ لَا أَب لَهُ وَأَنَّهُ سَيَمُوتُ ثُمَّ يُبْعَث حَيًّا , يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } )
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي بَيَّنْت لَكُمْ صِفَته , وَأَخْبَرْتُكُمْ خَبَره , مِنْ أَمْر الْغُلَام الَّذِي حَمَلَتْهُ مَرْيَم . هُوَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَهَذِهِ الصِّفَة صِفَته , وَهَذَا الْخَبَر خَبَره , وَهُوَ { قَوْل الْحَقّ } يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْخَبَر الَّذِي قَصَصْته عَلَيْكُمْ قَوْل الْحَقّ , وَالْكَلَام الَّذِي تَلَوْته عَلَيْكُمْ قَوْل اللَّه وَخَبَره , لَا خَبَر غَيْره , الَّذِي يَقَع فِيهِ الْوَهْم وَالشَّكّ , وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان , عَلَى مَا كَانَ يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَقُولُوا فِي عِيسَى أَيّهَا النَّاس , هَذَا الْقَوْل الَّذِي أَخْبَرَكُمْ اللَّه بِهِ عَنْهُ , لَا مَا قَالَتْهُ الْيَهُود , الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لِغَيْرِ رِشْدَة , وَأَنَّهُ كَانَ سَاحِرًا كَذَّابًا , وَلَا مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى , مِنْ أَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ وَلَدًا , وَإِنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا , وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17874 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله ( { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ } قَالَ : اللَّه الْحَقّ . )17875 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (كَانُوا يَقُولُونَ فِي هَذَا الْحَرْف فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه , قَالَ : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } , قَالَ : كَلِمَة اللَّه . )وَلَوْ وَجْه تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْقَوْل الْحَقّ , بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَوْل الْحَقّ , ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِف وَاللَّام مِنْ الْقَوْل , وَأُضِيفَ إِلَى الْحَقّ . كَمَا قِيلَ : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } [56 95 ]وَكَمَا قِيلَ : { وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [46 16 ]كَانَ تَأْوِيلًا صَحِيحًا . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : | قَوْل الْحَقّ | بِرَفْعِ الْقَوْل . عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْمَعْنَى . وَجَعَلُوهُ فِي إِعْرَابه تَابِعًا لِعِيسَى , كَالنَّعْتِ لَهُ , وَلَيْسَ الْأَمْر فِي إِعْرَابه عِنْدِي عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ رُفِعَ عَلَى النَّعْت لِعِيسَى , إِلَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى الْقَوْل الْكَلِمَة , عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيم , مِنْ تَأْوِيله ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَيَصِحّ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُون نَعْتًا لِعِيسَى , وَإِلَّا فَرَفْعه عِنْدِي بِمُضْمَرٍ , وَهُوَ هَذَا قَوْل الْحَقّ عَلَى الِابْتِدَاء , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر قَدْ تَنَاهَى عَنْ قِصَّة عِيسَى وَأُمّه عِنْد قَوْله { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم } ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر بِأَنَّ الْحَقّ فِيمَا فِيهِ تَمْتَرِي الْأُمَم مِنْ أَمْر عِيسَى , هُوَ هَذَا الْقَوْل , الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه بِهِ عَنْهُ عِبَاده , دُون غَيْره . وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر بِالنَّصْبِ , وَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ الْمَصْدَر : ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْلًا حَقًّا , ثُمَّ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَته : | ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ الْحَقّ | , فَإِنَّهُ بِمَعْنَى قَوْل الْحَقّ , مِثْل الْعَاب وَالْعَيْب , وَالذَّامّ وَالذَّيْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : الرَّفْع , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .|الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ|وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي فِيهِ يَخْتَصِمُونَ وَيَخْتَلِفُونَ , مِنْ قَوْلهمْ : مَارَيْت فُلَانًا : إِذَا جَادَلْته وَخَاصَمْته : وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17876 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } اِمْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; فَأَمَّا الْيَهُود فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر كَذَّاب ; وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ اِبْن اللَّه , وَثَالِث ثَلَاثَة , وَإِلَه , وَكَذَبُوا كُلّهمْ , وَلَكِنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَكَلِمَته وَرُوحه . )17877 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } قَالَ : اِخْتَلَفُوا , فَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَنَبِيّه , فَآمَنُوا بِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ هُوَ اللَّه . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اِبْن اللَّه . تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله . { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } [19 37 ]وَاَلَّتِي فِي الزُّخْرُف . قَالَ دقيوس ونسطور وَمَارِ يَعْقُوب , قَالَ أَحَدهمْ حِين رَفَعَ اللَّه عِيسَى : هُوَ اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : اِبْن اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : كَلِمَة اللَّه وَعَبْده , فَقَالَ الْمُفْتَرِيَانِ : إِنَّ قَوْلِي هُوَ أَشْبَه بِقَوْلِك , وَقَوْلك بِقَوْلِي مِنْ قَوْل هَذَا , فَهَلُمَّ فَلْنُقَاتِلْهُمْ , فَقَاتَلُوهُمْ وَأَوْطَؤُوهُمْ إِسْرَائِيل , فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَة نَفَر , أَخْرَجَ كُلّ قَوْم عَالِمهمْ , فَامْتُرُوا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ , فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض وَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا , وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء , وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة , فَقَالَ الثَّلَاثَة : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ اِثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ , قُلْ أَنْتَ فِيهِ , قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه , وَهُمْ النُّسْطُورِيَّة , فَقَالَ الِاثْنَانِ : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ أَحَد الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ : قُلْ فِيهِ , قَالَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة : اللَّه إِلَه , وَهُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَهُمْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مُلُوك النَّصَارَى ; قَالَ الرَّابِع : كَذَبْت , هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَرُوحه وَكَلِمَته , وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ , فَكَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أَتْبَاع عَلَى مَا قَالَ , فَاقْتَتَلُوا , فَظَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } [3 21 ]قَالَ قَتَادَة : هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب } [19 37 ]اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ مِنْ وَلَد سُبْحَانه إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ كَفَّرْت الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ عِيسَى اِبْن اللَّه , وَأَعْظَمُوا الْفِرْيَة عَلَيْهِ , فَمَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا , وَلَا يَصْلُح ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَكُون , بَلْ كُلّ شَيْء دُونه فَخَلْقه , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل عَمْرو بْن أَحْمَر : <br>فِي رَأْس خَلْقَاء مِنْ عَنْقَاء مُشْرِفَة .......... لَا يُبْتَغَى دُونهَا سَهْل وَلَا جَبَل <br>وَأَنَّ مِنْ قَوْله { أَنْ يَتَّخِذ } فِي مَوْضِع رَفْع بِكَانَ . وَقَوْله : { سُبْحَانه } يَقُول : تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَة لَهُ أَنْ يَكُون لَهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ : عِيسَى اِبْن اللَّه . وَقَوْله : { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّمَا اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْق عِيسَى اِبْتِدَاء , وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاء مِنْ غَيْر فَحْل اِفْتَحَلَ أُمّه , وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهُ : { كُنْ فَيَكُون } لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَبْتَدِع الْأَشْيَاء وَيَخْتَرِعهَا , إِنَّمَا يَقُول , إِذَا قَضَى خَلْق شَيْء أَوْ إِنْشَاءَهُ : كُنْ فَيَكُون مَوْجُودًا حَادِثًا , لَا يَعْظُم عَلَيْهِ خَلْقه , لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقهُ بِمُعَانَاةٍ وَكُلْفَة , وَلَا يُنْشِئهُ بِمُعَالَجَةٍ وَشِدَّة .
وَقَوْله : { وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | وَأَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ | وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه فَتْح | أَنَّ | إِذَا فُتِحَتْ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : فُتِحَتْ رَدًّا عَلَى عِيسَى وَعَطْفًا عَلَيْهِ , بِمَعْنَى : ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَنَّ رَفْعًا , وَتَكُون بِتَأْوِيلِ خَفْض , كَمَا قَالَ : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ } [6 131 ]قَالَ : وَلَوْ فُتِحَتْ عَلَى قَوْله : { وَأَوْصَانِي } بِأَنَّ اللَّه , كَانَ وَجْهًا . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ بِالْفَتْحِ إِنَّمَا فَتَحْت أَنَّ بِتَأْوِيلِ { وَقَضَى } أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ . وَكَانَتْ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهُ : { وَإِنَّ اللَّه } بِكَسْرِ إِنَّ بِمَعْنَى النَّسَق عَلَى قَوْله : { فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ } . وَذُكِرَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ | بِغَيْرِ وَاو . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقِرَاءَة الَّتِي نَخْتَار فِي ذَلِكَ : الْكَسْر عَلَى الِابْتِدَاء . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوْضِع , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى | إِنَّ | الَّتِي مَعَ قَوْله { قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } وَلَوْ قَالَ قَائِل , مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا : نُصِبَ عَلَى الْعَطْف عَلَى الْكِتَاب , بِمَعْنَى : أَتَانِي الْكِتَاب , وَأَتَانِي أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ , كَانَ وَجْهًا حَسَنًا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِنِّي وَأَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم جَمِيعًا لِلَّهِ عَبِيد , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا دُون غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17878 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : (عَهِدَ إِلَيْهِمْ حِين أَخْبَرَهُمْ عَنْ نَفْسه وَمَوْلِده وَمَوْته وَبَعْثه { إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } أَيْ إِنِّي وَإِيَّاكُمْ عَبِيد اللَّه , فَاعْبُدُوهُ وَلَا تَعْبُدُوا غَيْره .)|هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ|وَقَوْله : { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ , وَأَخْبَرْتُكُمْ أَنْ اللَّه أَمَرَنِي بِهِ هُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ نَجَا , وَمَنْ رَكِبَهُ اِهْتَدَى , لِأَنَّهُ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى , فَصَارُوا أَحْزَابًا مُتَفَرِّقِينَ مِنْ بَيْن قَوْمه , كَمَا : 17879 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } قَالَ : أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17880 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ لَمَّا رُفِعَ اِبْن مَرْيَم , اِنْتَخَبَتْ بَنُو إِسْرَائِيل أَرْبَعَة مِنْ فُقَهَائِهِمْ , فَقَالُوا لِلْأَوَّلِ : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض , فَخَلَقَ مَا خَلَقَ , وَأَحْيَا مَا أَحْيَا , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ الْيَعْقُوبِيَّة مِنْ النَّصَارَى ; وَقَالَ الثَّلَاثَة الْآخَرُونَ : نَشْهَد أَنَّك كَاذِب , فَقَالُوا لِلثَّانِي : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ النُّسْطُورِيَّة مِنْ النَّصَارَى ; وَقَالَ الِاثْنَانِ الْآخَرَانِ : نَشْهَد أَنَّك كَاذِب , فَقَالُوا لِلثَّالِثِ : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَاَللَّه إِلَه , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مِنْ النَّصَارَى , فَقَالَ الرَّابِع : أَشْهَد أَنَّك كَاذِب , وَلَكِنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , هُوَ كَلِمَة اللَّه وَرُوحه ; فَاخْتَصَمَ الْقَوْم , فَقَالَ الْمَرْء الْمُسْلِم : أَنْشُدكُمْ اللَّه مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَطْعَم الطَّعَام , وَأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَا يَطْعَم الطَّعَام قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَام ؟ قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ فَخَصَمَهُمْ الْمُسْلِم ; قَالَ : فَاقْتَتَلَ الْقَوْم . قَالَ : فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْيَعْقُوبِيَّة ظَهَرَتْ يَوْمئِذٍ وَأُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ الْقُرْآن : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } )[3 21 ]* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا .)|فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ|وَقَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } يَقُول : فَوَادِي جَهَنَّم الَّذِي يُدْعَى وَيْلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , مِنْ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عِيسَى لِلَّهِ وَلَد , وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ شُهُودهمْ يَوْمًا عَظِيمًا شَأْنه , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا . 17881 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (قَالَ اللَّه : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } شَهِدُوا هَوْلًا إِذًا عَظِيمًا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَال الْكَافِرِينَ بِهِ , الْحَامِلِينَ لَهُ أَنْدَادًا , وَالزَّاعِمِينَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا يَوْم وُرُودهمْ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة : لَئِنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا عُمْيًا عَنْ إِبْصَار الْحَقّ , وَالنَّظَر إِلَى حُجَج اللَّه الَّتِي تَدُلّ عَلَى وَحْدَانِيّته , صُمًّا عَنْ سَمَاع آي كِتَابه , وَمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ رُسُل اللَّه فِيهَا مِنْ الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِهِ , وَمَا بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , فَمَا أَسْمَعَهُمْ يَوْم قُدُومهمْ عَلَى رَبّهمْ فِي الْآخِرَة , وَأَبْصَرَهُمْ يَوْمئِذٍ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِبْصَار وَالسَّمَاع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17882 - حَدَّثَنَا بِشْر : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } ذَاكَ وَاَللَّه يَوْم الْقِيَامَة , سَمِعُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ السَّمْع , وَأَبْصَرُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْبَصَر . )17883 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } قَالَ : أَسْمَعَ قَوْم وَأَبْصَرَهُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ ( { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } يَوْم الْقِيَامَة . )17884 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : ( { أَسْمِعْ } بِحَدِيثِهِمْ الْيَوْم { وَأَبْصِرْ } كَيْف يُصْنَع بِهِمْ { يَوْم يَأْتُونَنَا } )17885 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } قَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة , فَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَا , كَانَتْ عَلَى أَبْصَارهمْ غِشَاوَة , وَفِي آذَانهمْ وَقْر فِي الدُّنْيَا ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَبْصَرُوا وَسَمِعُوا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا , وَقَرَأَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } )[32 12]|لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ|وَقَوْله : { لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْم فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكِنْ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ الْكَذِب الْيَوْم فِي الدُّنْيَا , فِي ضَلَال مُبِين يَقُول : فِي ذَهَاب عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَأَخْذ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة , مُبِين أَنَّهُ جَائِر عَنْ طَرِيق الرُّشْد وَالْهُدَى , لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَكَّرَ فِيهِ , فَهُدِيَ لِرُشْدِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنْذِرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ يَوْم حَسْرَتهمْ وَنَدَمهمْ , عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْب اللَّه , وَأَوْرَثْت مَسَاكِنهمْ مِنْ الْجَنَّة أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالطَّاعَة لَهُ , وَأَدْخَلُوهُمْ مَسَاكِن أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ مِنْ النَّار , وَأَيْقَنَ الْفَرِيقَانِ بِالْخُلُودِ الدَّائِم , وَالْحَيَاة الَّتِي لَا مَوْت بَعْدهَا , فَيَا لَهَا حَسْرَة وَنَدَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : (مَا مِنْ نَفْس إِلَّا وَهِيَ تَنْظُر إِلَى بَيْت فِي الْجَنَّة , وَبَيْت فِي النَّار , وَهُوَ يَوْم الْحَسْرَة , فَيَرَى أَهْل النَّار الْبَيْت الَّذِي كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ اللَّه لَهُمْ لَوْ آمَنُوا , فَيُقَال لَهُمْ : لَوْ آمَنْتُمْ وَعَمِلْتُمْ صَالِحًا كَانَ لَكُمْ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْجَنَّة , فَتَأْخُذهُمْ الْحَسْرَة , وَيَرَى أَهْل الْجَنَّة الْبَيْت الَّذِي فِي النَّار , فَيُقَال : لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ . )17887 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يُجَاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقَف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح | قَالَ : | فَيُقَال : يَا أَهْل الْجَنَّة هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ : نَعَمْ , هَذَا الْمَوْت , فَيُقَال : يَا أَهْل النَّار هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ . نَعَمْ هَذَا الْمَوْت , ثُمَّ يُؤْمَر بِهِ فَيُذْبَح | قَالَ : | فَيَقُول : يَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود فَلَا مَوْت , وَيَا أَهْل النَّار خُلُود فَلَا مَوْت | قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الْأَمْر وَهُمْ فِي غَفْلَة وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَأَشَارَ بِيَدِهِ فِي الدُّنْيَا . )17888 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , (عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَة { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : | يُنَادَى : يَا أَهْل الْجَنَّة , فَيَشْرَئِبُّونَ , فَيَنْظُرُونَ , ثُمَّ يُنَادَى : يَا أَهْل النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , فَيُقَال : هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْت ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لَا , قَالَ : فَيُجَاء بِالْمَوْتِ فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح , فَيُقَال : هَذَا الْمَوْت , ثُمَّ يُؤْخَذ فَيُذْبَح , قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْل النَّار خُلُود فَلَا مَوْت , وَيَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود فَلَا مَوْت | , قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } )17889 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : يُصَوِّر اللَّه الْمَوْت فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح , فَيُذْبَح , قَالَ : فَيَيْأَس أَهْل النَّار مِنْ الْمَوْت , فَلَا يَرْجُونَهُ , فَتَأْخُذهُمْ الْحَسْرَة مِنْ أَجْل الْخُلُود فِي النَّار , وَفِيهَا أَيْضًا الْفَزَع الْأَكْبَر , وَيَأْمَن أَهْل الْجَنَّة الْمَوْت , فَلَا يَخْشَوْنَهُ , وَأَمِنُوا الْمَوْت , وَهُوَ الْفَزَع الْأَكْبَر , لِأَنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّة , قَالَ اِبْن جُرَيْج : يُحْشَر أَهْل النَّار حِين يُذْبَح الْمَوْت وَالْفَرِيقَانِ يَنْظُرُونَ , فَذَلِكَ قَوْله : { إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } قَالَ : ذُبِحَ الْمَوْت { وَهُمْ فِي غَفْلَة } )17890 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر فِي قَصَصه يَقُول : (يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ دَابَّة , فَيُذْبَح وَالنَّاس يَنْظُرُونَ . )17891 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة , وَقَرَأَ { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } )[39 56 ]17892 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } مِنْ أَسْمَاء يَوْم الْقِيَامَة , عَظَّمَهُ اللَّه , وَحَذَّرَهُ عِبَاده .)|إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ|وَقَوْله : { إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } يَقُول : إِذْ فُرِغَ مِنْ الْحُكْم لِأَهْلِ النَّار بِالْخُلُودِ فِيهَا , وَلِأَهْلِ الْجَنَّة بِمَقَامِ الْأَبَد فِيهَا , بِذَبْحِ الْمَوْت . وَقَوْله : { وَهُمْ فِي غَفْلَة } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي غَفْلَة عَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ يَوْم يَأْتُونَهُ خَارِجِينَ إِلَيْهِ مِنْ قُبُورهمْ , مِنْ تَخْلِيده إِيَّاهُمْ فِي جَهَنَّم , وَتَوْرِيثه مَسَاكِنهمْ مِنْ الْجَنَّة غَيْرهمْ { وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْث , وَمُجَازَاة اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى سَيِّئ أَعْمَالهمْ , بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهمْ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا نَحْنُ نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَك يَا مُحَمَّد فِيمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ , فَإِنَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ وَمَصِيرهمْ وَمَصِير جَمِيع الْخَلْق غَيْرهمْ , وَنَحْنُ وَارِثُو الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا مِنْ النَّاس , بِفَنَائِهِمْ مِنْهَا , وَبَقَائِهَا لَا مَالِك لَهَا غَيْرنَا , ثُمَّ عَلَيْنَا جَزَاء كُلّ عَامِل مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ , عِنْد مَرْجِعه إِلَيْنَا , الْمُحْسِن مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِبْرَاهِيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : { وَاذْكُرْ } يَا مُحَمَّد فِي كِتَاب اللَّه { إِبْرَاهِيم } خَلِيل الرَّحْمَن , فَاقْصُصْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَصَصه وَقَصَص أَبِيهِ , { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا } يَقُول : 3 كَانَ مِنْ أَهْل الصِّدْق فِي حَدِيثه وَأَخْبَاره وَمَوَاعِيده لَا يَكْذِب , وَالصِّدِّيق هُوَ الْفِعِّيل مِنْ الصِّدْق . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { نَبِيًّا } يَقُول : كَانَ اللَّه قَدْ نَبَأَهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ .
وَقَوْله : { إِذْ قَالَ أَبِيهِ } يَقُول : اُذْكُرْهُ حِين قَالَ لِأَبِيهِ { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُد مَا لَا يَسْمَع } يَقُول : مَا تَصْنَع بِعِبَادَةِ الْوَثَن الَّذِي لَا يَسْمَع { وَلَا يُبْصِر } شَيْئًا { وَلَا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا } يَقُول : وَلَا يَدْفَع عَنْك ضُرّ شَيْء , إِنَّمَا هُوَ صُورَة مُصَوَّرَة لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع . يَقُول مَا تَصْنَع بِعِبَادَةِ مَا هَذِهِ صِفَته ؟ اُعْبُدْ الَّذِي إِذَا دَعَوْته سَمِعَ دُعَاءَك , وَإِذَا أُحِيطَ بِك أَبْصَرَك فَنَصَرَك , وَإِذَا نَزَلَ بِك ضُرّ دَفَعَ عَنْك . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول الْهَاء فِي قَوْله { يَا أَبَتِ } فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا وَقَفْت عَلَيْهَا قُلْت : يَا أَبَهْ , وَهِيَ هَاء زِيدَتْ نَحْو قَوْلك : يَا أُمَّهْ , ثُمَّ يُقَال : يَا أُمّ إِذَا وَصَلَ , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَب عَلَى حَرْفَيْنِ , كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِهِ , فَصَارَتْ الْهَاء لَازِمَة , وَصَارَتْ الْيَاء كَأَنَّهَا بَعْدهَا , فَلِذَلِكَ قَالُوا : يَا أَبَةِ أَقْبِلْ , وَجَعَلَ التَّاء لِلتَّأْنِيثِ , وَيَجُوز التَّرْخِيم مِنْ يَا أَبَ أَقْبِلْ , لِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ تَدْعُو مَا تُضِيفهُ إِلَى نَفْسك فِي الْمَعْنَى مَضْمُومًا , نَحْو قَوْل الْعَرَب : يَا رَبّ اِغْفِرْ لِي , وَتَقِف فِي الْقُرْآن : يَا أَبَهْ فِي الْكِتَاب . وَقَدْ يَقِف بَعْض الْعَرَب عَلَى الْهَاء بِالتَّاءِ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : الْهَاء مَعَ أَبَةِ وَأُمَّة هَاء وَقْف , كَثُرَتْ فِي كَلَامهمْ حَتَّى صَارَتْ كَهَاءِ التَّأْنِيث , وَأَدْخَلُوا عَلَيْهَا الْإِضَافَة , فَمَنْ طَلَبَ الْإِضَافَة , فَهِيَ بِالتَّاءِ لَا غَيْر , لِأَنَّك تَطْلُب بَعْدهَا الْيَاء , وَلَا تَكُون الْهَاء حِينَئِذٍ إِلَّا تَاء , كَقَوْلِك : يَا أَبَتِ لَا غَيْر , وَمَنْ قَالَ : يَا أَبَهْ , فَهُوَ الَّذِي يَقِف بِالْهَاءِ , لِأَنَّهُ لَا يَطْلُب بَعْدهَا يَاء ; وَمَنْ قَالَ : يَا أَبَتَا , فَإِنَّهُ يَقِف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ , وَيَجُوز بِالْهَاءِ ; فَأَمَّا بِالتَّاءِ , فَلِطَلَبِ أَلِف النُّدْبَة , فَصَارَتْ الْهَاء تَاء لِذَلِكَ , وَالْوَقْف بِالْهَاءِ بَعِيد , إِلَّا فِيمَنْ قَالَ : | يَا أُمَيْمَة نَاصِب | فَجَعَلَ هَذِهِ الْفَتْحَة مِنْ فَتْحَة التَّرْخِيم , وَكَأَنَّ هَذَا طَرَف الِاسْم , قَالَ : وَهَذَا بَعِيد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يَأْتِك فَاتَّبِعْنِي أَهْدِك صِرَاطًا سَوِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ : يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ آتَانِي اللَّه مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يُؤْتِك فَاتَّبِعْنِي : يَقُول : فَاقْبَلْ مِنِّي نَصِيحَتِي { أَهْدِك صِرَاطًا سَوِيًّا } يَقُول : أُبَصِّرك هُدَى الطَّرِيق الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا تَضِلّ فِيهِ إِنْ لَزِمْته , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا . وَالْعَصِيّ هُوَ ذُو الْعِصْيَان , كَمَا الْعَلِيم ذُو الْعِلْم . وَقَدْ قَالَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة : الْعَصِيّ : هُوَ الْعَاصِي , وَالْعَلِيم هُوَ الْعَالِم , وَالْعَرِيف هُوَ الْعَارِف , وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ , بِقَوْلِ طَرِيف بْن تَمِيم الْعَنْبَرِيّ . <br>أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظ قَبِيلَة .......... بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفهمْ يَتَوَسَّم <br>وَقَالُوا : قَالَ عَرِيفهمْ وَهُوَ يُرِيد : عَارِفهمْ , وَاَللَّه أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَاف أَنْ يَمَسّك عَذَاب مِنْ الرَّحْمَن فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } </subtitle>يَقُول : يَا أَبَتِ إِنِّي أَعْلَم أَنَّك إِنْ مُتّ عَلَى عِبَادَة الشَّيْطَان أَنَّهُ يَمَسّك عَذَاب مِنْ عَذَاب اللَّه { فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } يَقُول : تَكُون لَهُ وَلِيًّا دُون اللَّه وَيَتَبَرَّأ اللَّه مِنْك , فَتَهْلَك , وَالْخَوْف فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْعِلْم , كَمَا الْخَشْيَة بِمَعْنَى الْعِلْم , فِي قَوْله : { فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا } [18 80]
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم لِإِبْرَاهِيم , حِين دَعَاهُ إِبْرَاهِيم إِلَى عِبَادَة اللَّه وَتَرْك عِبَادَة الشَّيْطَان , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام : { أَرَاغِب أَنْتَ } يَا إِبْرَاهِيم عَنْ عِبَادَة آلِهَتِي ؟ { لَئِنْ } أَنْتَ { لَمْ تَنْتَهِ } عَنْ ذِكْرهَا بِسُوءٍ { لَأَرْجُمَنك } يَقُول : لَأَرْجُمَنك بِالْكَلَامِ , وَذَلِكَ السَّبّ , وَالْقَوْل الْقَبِيح . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17893 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } بِالشَّتِيمَةِ وَالْقَوْل . )17894 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } قَالَ : بِالْقَوْلِ ; لَأَشْتُمَنك . )17895 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَأَرْجُمَنك } يَعْنِي : رَجْم الْقَوْل .)|لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي|وَأَمَّا قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي حِينًا طَوِيلًا وَدَهْرًا . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى الْمَلَاوَة مِنْ الزَّمَان , وَهُوَ الطَّوِيل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17896 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : دَهْرًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { مَلِيًّا } قَالَ حِينًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17897 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : طَوِيلًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : زَمَانًا طَوِيلًا . )17898 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : دَهْرًا , وَالدَّهْر : الْمَلِيّ . )17899 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ دَهْرًا . )17900 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : أَبَدًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا سَالِمًا مِنْ عُقُوبَتِي إِيَّاكَ , وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى قَوْل النَّاس : فُلَان مَلِيّ بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا كَانَ مُضْطَلِعًا بِهِ غَنِيًّا فِيهِ . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام كَانَ عِنْدهمْ : وَاهْجُرْنِي وَعِرْضك وَافِر مِنْ عُقُوبَتِي , وَجِسْمك مُعَافًى مِنْ أَذَايَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17901 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : اِجْتَنِبْنِي سَوِيًّا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا قَبْل أَنْ يُصِيبك مِنِّي عُقُوبَة . )17902 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 17903 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير بْن دِرْهَم أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة الْجَدَلِيّ ( { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . )17904 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا لَا يُصِيبك مِنِّي مَعَرَّة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا , سَلْمًا مِنْ عُقُوبَتِي , لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } وَذَلِكَ وَعِيد مِنْهُ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذِكْر آلِهَته بِالسُّوءِ أَنْ يَرْجُمهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئ , وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُتَّبَع ذَلِكَ التَّقَدُّم إِلَيْهِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ قَبْل أَنْ تَنَالهُ الْعُقُوبَة , فَأَمَّا الْأَمْر بِطُولِ هَجْره فَلَا وَجْه لَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ سَلَام عَلَيْك سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ حِين تَوَعَّدَهُ عَلَى نَصِيحَته إِيَّاهُ وَدُعَائِهِ إِلَى اللَّه بِالْقَوْلِ السَّيِّئ وَالْعُقُوبَة : سَلَام عَلَيْك يَا أَبَتِ , يَقُول : أَمَنَة مِنِّي لَك أَنْ أُعَاوِدك فِيمَا كَرِهْت , وَلِدُعَائِك إِلَيَّ مَا تَوَعَّدْتنِي عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَةِ , وَلَكِنِّي { سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي } يَقُول : وَلَكِنِّي سَأَسْأَلُ رَبِّي أَنْ يَسْتُر عَلَيْك ذُنُوبك بِعَفْوِهِ إِيَّاكَ عَنْ عُقُوبَتك عَلَيْهَا { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } يَقُول : إِنَّ رَبِّي عَهِدْته بِي لَطِيفًا يُجِيب دُعَائِي إِذَا دَعَوْته يُقَال مِنْهُ : تَحْفَى بِي فُلَان . وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17905 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } يَقُول : لَطِيفًا . )17906 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } قَالَ : إِنَّهُ كَانَ بِي لَطِيفًا , فَإِنَّ الْحَفِيّ : اللَّطِيف .)
وَقَوْله : { وَأَعْتَزِلكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : وَأَجْتَنِبكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام { وَأَدْعُو رَبِّي } يَقُول : وَأَدْعُو رَبِّي , بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ , وَإِفْرَاده بِالرُّبُوبِيَّةِ { عَسَى أَنْ لَا أَكُون بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } يَقُول : عَسَى أَنْ لَا أَشْقَى بِدُعَاءِ رَبِّي , وَلَكِنْ يُجِيب دُعَائِي , وَيُعْطِينِي مَا أَسْأَلهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا اِعْتَزَلَ إِبْرَاهِيم قَوْمه وَعِبَادَة مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان آنَسْنَا وَحْشَته مِنْ فِرَاقهمْ , وَأَبْدَلْنَاهُ مِنْهُمْ بِمَنْ هُوَ خَيْر مِنْهُمْ وَأَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُمْ , فَوَهَبْنَا لَهُ اِبْنه إِسْحَاق , وَابْن اِبْنه يَعْقُوب بْن إِسْحَاق { وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } يَقُول : وَجَعَلْنَاهُمْ كُلّهمْ , يَعْنِي بِالْكُلِّ إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أَنْبِيَاء وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } فَوَحَّدَ , وَلَمْ يَقُلْ أَنْبِيَاء , لِتَوْحِيدِ لَفْظ كُلّ .
{ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتنَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَزَقْنَا جَمِيعهمْ , يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مِنْ رَحْمَتنَا , وَكَانَ الَّذِي وَهَبَ لَهُمْ مِنْ رَحْمَته , مَا بُسِطَ لَهُمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا مِنْ سَعَة رِزْقه , وَأَغْنَاهُمْ بِفَضْلِهِ . وَقَوْله { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَرَزَقْنَاهُمْ الثَّنَاء الْحَسَن , وَالذِّكْر الْجَمِيل مِنْ النَّاس , كَمَا : 17907 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : لَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا } يَقُول : الثَّنَاء الْحَسَن . )وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اللِّسَان الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ بِالْعُلُوِّ , لِأَنَّ جَمِيع أَهْل الْمِلَل تُحْسِن الثَّنَاء عَلَيْهِمْ , وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ جَاءَنِي لِسَان فُلَان , تَعْنِي ثَنَاءَهُ أَوْ ذَمّه ; وَمِنْهُ قَوْل عَامِر بْن الْحَارِث : <br>إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا أُسَرّ بِهَا .......... مِنْ عَلْوَ لَا عَجَب مِنْهَا وَلَا سَخَر <br>وَيُرْوَى : لَا كَذِب فِيهَا وَلَا سَخَر . <br>جَاءَتْ مُرَجَّمَة قَدْ كُنْت أَحْذَرهَا .......... لَوْ كَانَ يَنْفَعنِي الْإِشْفَاق وَالْحَذَر <br>مُرَجَّمَة : يَظُنّ بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي كِتَابنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُوسَى بْن عِمْرَان , وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك أَنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : | إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا | بِكَسْرِ اللَّام مِنْ الْمُخْلِص , بِمَعْنَى : إِنَّهُ كَانَ يُخْلِص لِلَّهِ الْعِبَادَة , وَيُفْرِدهُ بِالْأُلُوهَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَجْعَل لَهُ فِيهَا شَرِيكًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة خَلَا عَاصِم : { إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا } بِفَتْحِ اللَّام مِنْ مُخْلَص , بِمَعْنَى : إِنَّ مُوسَى كَانَ اللَّه قَدْ أَخْلَصَهُ وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ , وَجَعَلَهُ نَبِيًّا مُرْسَلًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْلِصًا عِبَادَة اللَّه , مُخْلَصًا لِلرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . { وَكَانَ رَسُولًا } يَقُول : وَكَانَ لِلَّهِ رَسُولًا إِلَى قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل , وَمَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ نَبِيًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَيْنَا مُوسَى مِنْ نَاحِيَة الْجَبَل , وَيَعْنِي بِالْأَيْمَنِ : يَمِين مُوسَى , لِأَنَّ الْجَبَل لَا يَمِين لَهُ وَلَا شِمَال , وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا يُقَال : قَامَ عَنْ يَمِين الْقِبْلَة وَعَنْ شِمَالهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن } قَالَ : جَانِب الْجَبَل الْأَيْمَن . )وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّور وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ , وَدَلَلْنَا عَلَى الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا|وَقَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَدْنَيْنَاهُ مُنَاجِيًا , كَمَا يُقَال : فُلَان نُدِيم فُلَان وَمُنَادِمه , وَجَلِيس فُلَان وَمُجَالِسه . وَذُكِرَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَدْنَاهُ , حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17909 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . )17910 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : بَيْن السَّمَاء الرَّابِعَة , أَوْ قَالَ : السَّابِعَة , وَبَيْن الْعَرْش سَبْعُونَ أَلْف حِجَاب : حِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة , وَحِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة ; فَمَا زَالَ يَقْرَب مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنه وَبَيْنه حِجَاب , وَسَمِعَ صَرِيف الْقَلَم { قَالَ رَبّ أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْك } )17911 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : (قَرَّبَهُ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . )17912 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة ( { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم فِي اللَّوْح , وَقَالَ شُعْبَة : أَرْدَفَهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام . )وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ , مَا : 17913 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : نَجَا بِصِدْقِهِ .)
وَقَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا أَخَاهُ هَارُون } يَقُول : وَوَهَبْنَا لِمُوسَى رَحْمَة مِنَّا أَخَاهُ هَارُون { نَبِيًّا } يَقُول : أَيَّدْنَاهُ بِنُبُوَّتِهِ , وَأَعَنَّاهُ بِهَا , كَمَا : 17914 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا أَخَاهُ هَارُون نَبِيًّا } قَالَ : كَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى , وَلَكِنْ أَرَادَ وَهْب لَهُ نُبُوَّته .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , فَاقْصُصْ خَبَره إِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِب وَعْده , وَلَا يُخْلِف , وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ رَبّه , أَوْ عَبْدًا مِنْ عِبَاده وَعْدًا وَفَّى بِهِ , كَمَا : 17915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد } قَالَ : لَمْ يُعِدْ رَبّه عِدَة إِلَّا أَنْجَزَهَا . )17916 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ سَهْل بْن عُقَيْل , حَدَّثَهُ (أَنَّ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَدَ رَجُلًا مَكَانًا أَنْ يَأْتِيه , فَجَاءَ وَنَسِيَ الرَّجُل , فَظَلَّ بِهِ إِسْمَاعِيل , وَبَاتَ حَتَّى جَاءَ الرَّجُل مِنْ الْغَد , فَقَالَ : مَا بَرِحْت مِنْ هَاهُنَا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : إِنِّي نَسِيت , قَالَ : لَمْ أَكُنْ لِأَبْرَح حَتَّى تَأْتِي , فَبِذَلِكَ كَانَ صَادِقًا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَانَ عِنْد رَبّه مَرْضِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله ب } إِقَامَة { الصَّلَاة و } إِيتَاء { الزَّكَاة وَكَانَ عِنْد رَبّه مَرْضِيًّا } عَمَله , مَحْمُودًا فِيمَا كَلَّفَهُ رَبّه , غَيْر مُقَصِّر فِي طَاعَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِدْرِيس إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي كِتَابنَا هَذَا إِدْرِيس { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا } لَا يَقُول الْكَذِب , { نَبِيًّا } نُوحِي إِلَيْهِ مِنْ أَمْرنَا مَا نَشَاء .
{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } ذُكِرَ أَنَّ اللَّه رَفَعَهُ وَهُوَ حَيّ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } يَعْنِي بِهِ إِلَى مَكَان ذِي عُلُوّ وَارْتِفَاع . وَقَالَ بَعْضهمْ : رُفِعَ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الرَّابِعَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ . 17917 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي جَرِير بْن حَازِم , عَنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , قَالَ : (سَأَلَ اِبْن عَبَّاس كَعْبًا وَأَنَا حَاضِر , فَقَالَ لَهُ : مَا قَوْل اللَّه تَعَالَى لِإِدْرِيس { وَرَفَعْنَا مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ كَعْب : أَمَّا إِدْرِيس , فَإِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيْهِ : إِنِّي رَافِع لَك كُلّ يَوْم مِثْل عَمَل جَمِيع بَنِي آدَم , فَأُحِبّ أَنْ تَزْدَاد عَمَلًا , فَأَتَاهُ خَلِيل لَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ كَذَا وَكَذَا , فَكَلِّمْ لِي مَلَك الْمَوْت , فَلْيُؤَخِّرْنِي حَتَّى أَزْدَاد عَمَلًا , فَحَمَلَهُ بَيْن جَنَاحَيْهِ , ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة , تَلَقَّاهُمْ مَلَك الْمَوْت مُنْحَدِرًا , فَكَلَّمَ مَلَك الْمَوْت فِي الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ إِدْرِيس , فَقَالَ : وَأَيْنَ إِدْرِيس ؟ فَقَالَ : هُوَ ذَا عَلَى ظَهْرِي , قَالَ مَلَك الْمَوْت : فَالْعَجَب بُعِثْت أَقْبِض رُوح إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة , فَجَعَلْت أَقُول : كَيْف أَقْبِض رُوحه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهُوَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَبَضَ رُوحه هُنَاكَ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } )17918 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : إِدْرِيس رُفِعَ فَلَمْ يَمُتْ , كَمَا رُفِعَ عِيسَى . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (وَلَمْ يَمُتْ . )17919 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : رُفِعَ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة , فَمَاتَ فِيهَا . )17920 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } إِدْرِيس أَدْرَكَهُ الْمَوْت فِي السَّمَاء السَّادِسَة . )17921 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : السَّمَاء الرَّابِعَة . )17922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ ( { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : فِي السَّمَاء الرَّابِعَة . )17923 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُهَيْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره وَشَكَّ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ ( قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيل إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَهُ ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ , قَالَ : هَذَا إِدْرِيس رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا . )17924 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك أَنَّ نَبِيّ اللَّه حَدَّثَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء قَالَ : أَتَيْت عَلَى إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِقْتَصَصْت عَلَيْك أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة يَا مُحَمَّد , الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ , فَهَدَاهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَد مِنْ الْأَنْبِيَاء مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , وَمِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح فِي الْفُلْك , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل , وَمِمَّنْ هَدَيْنَا لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَاجْتَبَيْنَا : يَقُول : وَمِمَّنْ اِصْطَفَيْنَا وَاخْتَرْنَا لِرِسَالَتِنَا وَوَحْينَا , فَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم إِدْرِيس , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إِبْرَاهِيم , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل : مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَأُمّه مَرْيَم , وَلِذَلِكَ فَرَّقَ تَعَالَى ذِكْره أَنْسَابهمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَع جَمِيعهمْ آدَم لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَد مَنْ كَانَ مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة , وَهُوَ إِدْرِيس , وَإِدْرِيس جَدّ نُوح .|إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا|وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن } يَقُول : إِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ أَدِلَّة اللَّه وَحُجَجه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ فِي كُتُبه , خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا , اِسْتِكَانَة لَهُ وَتَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لِأَمْرِهِ وَانْقِيَادًا , { وَبُكِيًّا } يَقُول : خَرُّوا سُجَّدًا وَهُمْ بَاكُونَ , وَالْبُكِيّ : جَمْع بَاكٍ , كَمَا الْعُتِيّ جَمْع عَاتٍ وَالْجُثِيّ : جَمْع جَاثٍ , فَجُمِعَ وَهُوَ فَاعِل عَلَى فُعُول , كَمَا يُجْمَع الْقَاعِد قُعُودًا , وَالْجَالِس جُلُوسًا , وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يَكُون : وَبُكُوًّا وَعُتُوًّا , وَلَكِنْ كُرِهَتْ الْوَاو بَعْد الضَّمَّة فَقُلِبَتْ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي جَمْع دَلْو أَدُلٌّ . وَفِي جَمْع الْبَهْو أَبُّهٌ , وَأَصْل ذَلِكَ أَفْعُل أَدْلُو وَأَبْهُو , فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِمَجِيئِهَا بَعْد الضَّمَّة اِسْتِثْقَالًا , وَفِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء بِالْقُرْآنِ بُكِيًّا وَعُتُوًّا بِالضَّمِّ , وَبِكِيًّا وَعِتِيًّا بِالْكَسْرِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْبُكِيّ هُوَ الْبَكَّاء بِعَيْنِهِ . وَقَدْ : 17925 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب سُورَة مَرْيَم فَسَجَدَ وَقَالَ : هَذَا السُّجُود , فَأَيْنَ الْبُكِيّ ؟ )يُرِيد : فَأَيْنَ الْبُكَّاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَسَوْفَ يَلْقَى هَؤُلَاءِ الْخَلَف السُّوء الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ غَيًّا , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَرَاجَعُوا أَمْر اللَّه , وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ { وَعَمِلَ صَالِحًا } يَقُول : وَأَطَاعَ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ , وَأَدَّى فَرَائِضه , وَاجْتَنَبَ مَحَارِمه { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَقُول : فَإِنَّ أُولَئِكَ مِنْهُمْ خَاصَّة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة دُون مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْره , وَإِضَاعَته الصَّلَاة وَاتِّبَاعه الشَّهَوَات . وَقَوْله : { وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } يَقُول : وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ شَيْئًا , وَلَا يُجْمَع بَيْنهمْ وَبَيْن الَّذِينَ هَلَكُوا مِنْ الْخَلَف السُّوء مِنْهُمْ قَبْل تَوْبَتهمْ مِنْ ضَلَالهمْ , وَقَبْل إِنَابَتهمْ إِلَى طَاعَة رَبّهمْ فِي جَهَنَّم , وَلَكِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَدْخَل أَهْل الْإِيمَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عِبَاده بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْده مَأْتِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة { جَنَّات عَدْن } وَقَوْله : { جَنَّات عَدْن } نُصِبَ تَرْجَمَة عَنْ الْجَنَّة . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { جَنَّات عَدْن } : بَسَاتِين إِقَامَة . وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته . وَقَوْله : { الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عِبَاده بِالْغَيْبِ } يَقُول : هَذِهِ الْجَنَّات هِيَ الْجَنَّات الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِالْغَيْبِ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا وَلَمْ يُعَايِنُوهَا , فَهِيَ غَيْب لَهُمْ . وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْده مَأْتِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه كَانَ وَعْده , وَوَعْده فِي هَذَا الْمَوْضِع مَوْعُوده , وَهُوَ الْجَنَّة مَأْتِيًّا يَأْتِيه أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْل طَاعَته الَّذِينَ يُدْخِلهُمُوهَا اللَّه . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : خَرَجَ الْخَبَر عَلَى أَنَّ الْوَعْد هُوَ الْمَأْتِيّ , وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي , وَلَمْ يَقُلْ : وَكَانَ وَعْده آتِيًا , لِأَنَّ كُلّ مَا أَتَاك فَأَنْتَ تَأْتِيه , وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : أَتَيْت عَلَى خَمْسِينَ سَنَة , وَأَتَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ سَنَة , وَكُلّ ذَلِكَ صَوَاب , وَقَدْ بَيَّنْت الْقَوْل فِيهِ , وَالْهَاء فِي قَوْله { إِنَّهُ } مِنْ ذِكْر الرَّحْمَن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَسْمَع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة فِيهَا لَغْوًا , وَهُوَ الْهَدْي وَالْبَاطِل مِنْ الْقَوْل وَالْكَلَام { إِلَّا سَلَامًا } وَهَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع , وَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ سَلَامًا , وَهُوَ تَحِيَّة الْمَلَائِكَة إِيَّاهُمْ . وَقَوْله : { وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } يَقُول : وَلَهُمْ طَعَامهمْ وَمَا يَشْتَهُونَ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب فِي قَدْر وَقْت الْبُكْرَة وَوَقْت الْعَشِيّ مِنْ نَهَار أَيَّام الدُّنْيَا , وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الَّذِي بَيْن غَدَائِهِمْ وَعَشَائِهِمْ فِي الْجَنَّة قَدْر مَا بَيْن غَدَاء أَحَدنَا فِي الدُّنْيَا وَعَشَائِهِ , وَكَذَلِكَ مَا بَيْن الْعَشَاء وَالْغَدَاء وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا لَيْل فِي الْجَنَّة وَلَا نَهَار , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : { خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ } [41 9 ]و { خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام } [7 54 ]يَعْنِي بِهِ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , كَمَا : 17939 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : (سَأَلْت زُهَيْر بْن مُحَمَّد , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } قَالَ : لَيْسَ فِي الْجَنَّة لَيْل , هُمْ فِي نُور أَبَد , وَلَهُمْ مِقْدَار اللَّيْل وَالنَّهَار , يَعْرِفُونَ مِقْدَار اللَّيْل بِإِرْخَاءِ الْحُجُب وَإِغْلَاق الْأَبْوَاب , وَيَعْرِفُونَ مِقْدَار النَّهَار بِرَفْعِ الْحُجُب , وَفَتْح الْأَبْوَاب . )17940 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , عَنْ خُلَيْد , عَنْ الْحَسَن , (وَذَكَرَ أَبْوَاب الْجَنَّة , فَقَالَ : أَبْوَاب يُرَى ظَاهِرهَا مِنْ بَاطِنهَا , فَتَكَلَّمَ وَتَكَلَّمَ , فَتُهِمّهُمْ اِنْفَتِحِي اِنْغَلِقِي , فَتَفْعَل . )17941 - حَدَّثَنِي اِبْن حَرْب , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا عَامِر بْن يُسَاف , عَنْ يَحْيَى , قَالَ : (كَانَتْ الْعَرَب فِي زَمَانهمْ مَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ عَشَاء وَغَدَاء , فَذَاكَ النَّاعِم فِي أَنْفُسهمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } : قَدْر مَا بَيْن غَدَائِكُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى عِشَائِكُمْ . )17942 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب إِذَا أَصَابَ أَحَدهمْ الْغَدَاء وَالْعَشَاء عَجِبَ لَهُ , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه أَنَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا , قَدْر ذَلِكَ الْغَدَاء وَالْعَشَاء . )17943 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَيْسَ بُكْرَة وَلَا عَشِيّ , وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِهِ عَلَى مَا كَانُوا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا . )17944 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } فِيهَا سَاعَتَانِ بُكْرَة وَعَشِيّ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَيْسَ ثَمَّ لَيْل , إِنَّمَا هُوَ ضَوْء وَنُور .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي نُورِث مِنْ عِبَادنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس صِفَتهَا , هِيَ الْجَنَّة الَّتِي نُورِثهَا , يَقُول : نُورِث مَسَاكِن أَهْل النَّار فِيهَا { مِنْ عِبَادنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } يَقُول : مَنْ كَانَ ذَا اِتِّقَاء عَذَاب اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } </subtitle>ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ مِنْ أَجْل اِسْتِبْطَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَائِيل بِالْوَحْيِ , وَقَدْ ذَكَرْت بَعْض الرِّوَايَة , وَنَذْكُر إِنْ شَاءَ اللَّه بَاقِي مَا حَضَرَنَا ذِكْره مِمَّا لَمْ نَذْكُر قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17945 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبَانَ الْعِجْلِيّ , وَقَبِيصَة وَوَكِيع ; وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , جَمِيعًا عَنْ عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَذْكُر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , (أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ لِجَبْرَائِيلَ : | مَا يَمْنَعك أَنْ تَزُورنَا أَكْثَر مِمَّا تَزُورنَا | فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } قَالَ : هَذَا الْجَوَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَبْرَائِيلَ : وَمَا يَمْنَعك أَنْ تَزُورنَا أَكْثَر مِمَّا تَزُورنَا ؟ فَنَزَلَتْ { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } | )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } . ... إِلَى { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } قَالَ : اِحْتَبَسَ جَبْرَائِيل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَحَزِنَ , فَأَتَاهُ جَبْرَائِيل فَقَالَ : يَا مُحَمَّد { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } )17946 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (لَبِثَ جَبْرَائِيل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ النَّبِيّ اِسْتَبْطَأَهُ , فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } . ... )الْآيَة . 17947 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا } قَالَ : هَذَا قَوْل جَبْرَائِيل , اِحْتَبَسَ جَبْرَائِيل فِي بَعْض الْوَحْي , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا جِئْت حَتَّى اِشْتَقْت إِلَيْك | فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيل : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا } . )17948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } قَالَ : قَوْل الْمَلَائِكَة حِين اِسْتَرَاثَهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَاَلَّتِي فِي الضُّحَى . )17949 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (لَبِثَ جَبْرَائِيل عَنْ مُحَمَّد اِثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة , وَيَقُولُونَ : قُلِيَ , فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ : | أَيْ جَبْرَائِيل لَقَدْ رِثْت عَلَيَّ حَتَّى لَقَدْ ظَنَّ الْمُشْرِكُونَ كُلّ ظَنّ | فَنَزَلَتْ : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } )17950 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } اِحْتَبَسَ عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَكَلَّمَ الْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ , وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى نَبِيّ اللَّه , فَأَتَاهُ جَبْرَائِيل , فَقَالَ : اِشْتَدَّ عَلَيْك اِحْتِبَاسنَا عَنْك , وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ , وَإِنَّمَا أَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله , إِذَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَطَعْته { وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك } يَقُول : بِقَوْلِ رَبّك .)|لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ|ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ { مَا بَيْن أَيْدِينَا } مِنْ الدُّنْيَا , وَبِقَوْلِهِ : { وَمَا خَلْفنَا } الْآخِرَة { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } النَّفْخَتَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17951 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع ( { لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا } يَعْنِي الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفنَا } الْآخِرَة { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } النَّفْخَتَيْنِ . )17952 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ ( { مَا بَيْن أَيْدِينَا } مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفنَا } مِنْ أَمْر الْآخِرَة { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : { مَا بَيْن أَيْدِينَا } الْآخِرَة { وَمَا خَلْفنَا } الدُّنْيَا { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17953 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { بَيْن أَيْدِينَا } الْآخِرَة { وَمَا خَلْفنَا } مِنْ الدُّنْيَا . )17954 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا } مِنْ أَمْر الْآخِرَة { وَمَا خَلْفنَا } مِنْ أَمْر الدُّنْيَا { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا } مِنْ الْآخِرَة { وَمَا خَلْفنَا } مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ . )17955 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مَا بَيْن أَيْدِينَا } مِنْ الْآخِرَة { وَمَا خَلْفنَا } مِنْ الدُّنْيَا . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 17956 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { مَا بَيْن أَيْدِينَا } قَالَ : مَا مَضَى أَمَامنَا مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفنَا } مَا يَكُون بَعْدنَا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } قَالَ : مَا بَيْن مَا مَضَى أَمَامهمْ , وَبَيْن مَا يَكُون بَعْدهمْ . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَتَأَوَّل ذَلِكَ لَهُ { مَا بَيْن أَيْدِينَا } قَبْل أَنْ نُخْلَق { وَمَا خَلْفنَا } بَعْد الْفِنَاء { وَمَا بَيْن ذَلِكَ } حِين كُنَّا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا مِنْ أَمْر الْآخِرَة , لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَجِئْ وَهُوَ جَاءَ , فَهُوَ بَيْن أَيْدِيهمْ , فَإِنَّ الْأَغْلَب فِي اِسْتِعْمَال النَّاس إِذَا قَالُوا : هَذَا الْأَمْر بَيْن يَدَيْك , أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ مَا لَمْ يَجِئْ , وَأَنَّهُ جَاءَ , فَلِذَلِكَ قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ . وَمَا خَلْفنَا مِنْ أَمْر الدُّنْيَا , وَذَلِكَ مَا قَدْ خَلَّفُوهُ فَمَضَى , فَصَارَ خَلْفهمْ بِتَخْلِيفِهِمْ إِيَّاهُ , وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب لِمَا قَدْ جَاوَزَهُ الْمَرْء وَخَلَّفَهُ هُوَ خَلْفه , وَوَرَاءَهُ وَمَا بَيْن ذَلِكَ : مَا بَيْن مَا لَمْ يَمْضِ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي بَيْن ذَيْنك الْوَقْتَيْنِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِر الْأَغْلَب , وَإِنَّمَا يُحْمَل تَأْوِيل الْقُرْآن عَلَى الْأَغْلَب مِنْ مَعَانِيه , مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . فَتَأَمَّلْ الْكَلَام إِذَنْ : فَلَا تَسْتَبْطِئنَا يَا مُحَمَّد فِي تَخَلُّفنَا عَنْك , فَإِنَّا لَا نَتَنَزَّل مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَنَا بِالنُّزُولِ إِلَيْهَا , لِلَّهِ مَا هُوَ حَادِث مِنْ أُمُور الْآخِرَة الَّتِي لَمْ تَأْتِ وَهِيَ آتِيَة , وَمَا قَدْ مَضَى فَخَلَّفْنَاهُ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا , وَمَا بَيْن وَقْتنَا هَذَا إِلَى قِيَام السَّاعَة . بِيَدِهِ ذَلِكَ كُلّه , وَهُوَ مَالِكه وَمُصَرِّفه , لَا يَمْلِك ذَلِكَ غَيْره , فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُحْدِث فِي سُلْطَانه أَمْرًا إِلَّا بِأَمْرِهِ إِيَّانَا بِهِ .|وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا| { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ رَبّك ذَا نِسْيَان , فَيَتَأَخَّر نُزُولِي إِلَيْك بِنِسْيَانِهِ إِيَّاكَ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض فَتَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنَّهُ أَعْلَم بِمَا يُدَبِّر وَيَقْضِي فِي خَلْقه . جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17957 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } قَالَ : مَا نَسِيَك رَبّك .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَكُنْ رَبّك يَا مُحَمَّد رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا نَسِيًّا , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَسِيًّا لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ , وَلَهَلَكَ لَوْلَا حِفْظه إِيَّاهُ , فَالرَّبّ مَرْفُوع رَدًّا عَلَى قَوْله { رَبّك } وَقَوْله : { فَاعْبُدْهُ } يَقُول : فَالْزَمْ طَاعَته , وَذَلَّ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه { وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } يَقُول : وَاصْبِرْ نَفْسك عَلَى النُّفُوذ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , تَفُزْ بِرِضَاهُ عَنْك , فَإِنَّهُ الْإِلَه الَّذِي لَا مِثْل لَهُ وَلَا عَدْل وَلَا شَبِيه فِي جُوده وَكَرَمه وَفَضْله .|هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا| { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } يَقُول : هَلْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد لِرَبِّك هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاك بِعِبَادَتِهِ , وَالصَّبْر عَلَى طَاعَته مِثْلًا فِي كَرَمه وَجُوده , فَتَعْبُدهُ رَجَاء فَضْله وَطُوله دُونه ؟ كَلَّا , مَا ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17958 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } يَقُول : هَلْ تَعْلَم لِلرَّبِّ مِثْلًا أَوْ شَبِيهًا . )* - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عُثْمَان التَّنُوخِيّ , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن مَهْدِيّ , عَنْ عَبَّاد بْن عَوَّام , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } قَالَ : شَبِيهًا . )17959 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : لَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة ( { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } قَالَ : هَلْ تَعْلَم لَهُ شَبِيهًا , هَلْ تَعْلَم لَهُ مِثْلًا تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )17960 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } لَا سَمِيَّ لِلَّهِ وَلَا عَدْل لَهُ , كُلّ خَلْقه يُقِرّ لَهُ , وَيَعْتَرِف أَنَّهُ خَالِقه , وَيَعْرِف ذَلِكَ , تَمَّ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه } )[43 87 ]17961 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا } قَالَ : يَقُول : لَا شَرِيك لَهُ وَلَا مِثْل .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُول الْإِنْسَان أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَج حَيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَيَقُول الْإِنْسَان } الْكَافِر الَّذِي لَا يُصَدِّق بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت : أُخْرَج حَيًّا , فَأُبْعَث بَعْد الْمَمَات وَبَعْد الْبَلَاء وَالْفِنَاء ! إِنْكَارًا مِنْهُ ذَلِكَ .
يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوَلَا يَذْكُر الْإِنْسَان } الْمُتَعَجِّب مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكَر قُدْرَة اللَّه عَلَى إِحْيَائِهِ بَعْد فَنَائِهِ , وَإِيجَاده بَعْد عَدَمه فِي خَلْق نَفْسه , أَنَّ اللَّه خَلَقَهُ مِنْ قَبْل مَمَاته , فَأَنْشَأَهُ بَشَرًا سَوِيًّا مِنْ غَيْر شَيْء { وَلَمْ يَكُ } مِنْ قَبْل إِنْشَائِهِ إِيَّاهُ { شَيْئًا } فَيَعْتَبِر بِذَلِكَ وَيَعْلَم أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْر شَيْء لَا يَعْجِز عَنْ إِحْيَائِهِ بَعْد مَمَاته , وَإِيجَاده بَعْد فَنَائِهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { أَوَلَا يَذْكُر الْإِنْسَان } فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { أَوَلَا يَذْكُر } بِتَخْفِيفِ الذَّال , وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَالْحِجَاز : | أَوَلَا يَذَّكَّر | بِتَشْدِيدِ الذَّال وَالْكَاف , بِمَعْنَى : أَوَلَا يَتَذَكَّر , وَالتَّشْدِيد أَعْجَب إِلَيَّ , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَائِزَة , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَوَلَا يَذْكُر فَيَعْتَبِر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَرَبِّك لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْل جَهَنَّم جِثِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَوَرَبِّك يَا مُحَمَّد لَنَحْشُرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ : أَإِذَا مِتْنَا لَسَوْفَ نُخْرَج أَحْيَاء يَوْم الْقِيَامَة مِنْ قُبُورهمْ , مُقْرَنِينَ بِأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِين { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْل جَهَنَّم جِثِيًّا } وَالْجُثِيّ : جَمْع الْجَاثِي . كَمَا : 17962 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنْي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْل جَهَنَّم جِثِيًّا } يَعْنِي : الْقُعُود , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَتَرَى كُلّ أُمَّة جَاثِيَة } )[45 28]
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ شِيعَة أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره , ثُمَّ لَآخُذَن مِنْ كُلّ جَمَاعَة مِنْهُمْ أَشَدّهمْ عَلَى اللَّه عُتُوًّا , وَتَمَرُّدًا فَلْنَبْدَأْ بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17963 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلَى بْن الْأَقْمَر , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص ( { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ شِيعَة أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا } قَالَ : نَبْدَأ بِالْأَكَابِرِ فَالْأَكَابِر جُرْمًا . )17964 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ شِيعَة أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا } يَقُول : أَيّهمْ أَشَدّ لِلرَّحْمَنِ مَعْصِيَة , وَهِيَ مَعْصِيَته فِي الشِّرْك . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا } يَقُول : عِصِيًّا . )17965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مِنْ كُلّ شِيعَة } قَالَ : أُمَّة . وَقَوْله { عِتِيًّا } قَالَ : كُفْرًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ اِبْن جُرَيْج : (فَلَنَبْدَأَنَّ بِهِمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشِّيعَة هُمْ الْجَمَاعَة الْمُتَعَاوِنُونَ عَلَى الْأَمْر مِنْ الْأُمُور , يُقَال مِنْ ذَلِكَ : تَشَايَعَ الْقَوْم : إِذَا تَعَاوَنُوا ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ لِلرَّجُلِ الشُّجَاع : إِنَّهُ لِمُشِيعٍ : أَيْ مُعَانٍ , فَمَعْنَى الْكَلَام : ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ جَمَاعَة تَشَايَعَتْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , أَشَدّهمْ عَلَى اللَّه عُتُوًّا , فَلَنَبْدَأَنَّ بِإِصْلَائِهِ جَهَنَّم . وَالتَّشَايُع فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع : التَّفَرُّق ; وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ ذِكْره : { وَكَانُوا شِيَعًا } [6 159 ]يَعْنِي : فِرَقًا ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مَسْعُود أَوْ سَعْد . إِنِّي أَكْرَه أَنْ آتِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : شَيَّعْت بَيْن أُمَّتِي , بِمَعْنَى : فَرَّقْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَنْزِعهُمْ مِنْ كُلّ شِيعَة أَوْلَاهُمْ بِشِدَّةِ الْعَذَاب , وَأَحَقّهمْ بِعَظِيمِ الْعُقُوبَة . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 17966 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا } قَالَ : أَوْلَى بِالْخُلُودِ فِي جَهَنَّم . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن جُرَيْج , قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ يَنْزِعهُمْ مِنْ كُلّ شِيعَة مِنْ الْكَفَرَة أَشَدّهمْ كُفْرًا , وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا كَافِر بِاَللَّهِ إِلَّا مُخَلَّد فِي النَّار , فَلَا وَجْه وَجَمِيعهمْ مُخَلَّدُونَ فِي جَهَنَّم لِأَنْ يُقَال : ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَحَقّ بِالْخُلُودِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّدِينَ , وَلَكِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِبَعْضِ طَبَقَات جَهَنَّم صِلِيًّا . وَالصِّلِيّ : مَصْدَر صَلِيَتْ تَصْلِي صِلِيًّا , وَالصِّلِيّ : فَعُول , وَلَكِنَّ وَاوهَا اِنْقَلَبَتْ يَاء فَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاء الَّتِي بَعْدهَا الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل , فَصَارَتْ يَاء مُشَدَّدَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس إِلَّا وَارِد جَهَنَّم , كَانَ عَلَى رَبّك يَا مُحَمَّد إِيرَادُهُمُوهَا قَضَاء مَقْضِيًّا , قَدْ قَضَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ فِي أُمّ الْكِتَاب . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى الْوُرُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : الدُّخُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 97967 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو , قَالَ : (أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يُخَاصِم نَافِع بْن الْأَزْرَق , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوُرُود : الدُّخُول , وَقَالَ نَافِع : لَا , فَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [21 98 ]أَوُرُود هُوَ أَمْ لَا ؟ وَقَالَ : { يَقْدُم قَوْمه يَوْم الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمْ النَّار وَبِئْسَ الْوِرْد الْمَوْرُود } [11 98 ]أَوُرُود هُوَ أَمْ لَا ؟ أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَسَنَدْخُلُهَا , فَانْظُرْ هَلْ نَخْرُج مِنْهَا أَمْ لَا ؟ وَمَا أَرَى اللَّه مُخْرِجك مِنْهَا بِتَكْذِيبِك , قَالَ : فَضَحِكَ نَافِع . )17968 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ . (قَالَ أَبُو رَاشِد الْحَرُورِيّ : ذَكَرُوا هَذَا فَقَالَ الْحَرُورِيّ : لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا , قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَيْلك أَمَجْنُون أَنْتَ ؟ أَيْنَ قَوْله تَعَالَى : { يَقْدُم قَوْمه يَوْم الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمْ النَّار وَبِئْسَ الْوِرْد الْمَوْرُود } [11 98 ] { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } , [19 86 ]وَقَوْله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } وَاَللَّه إِنْ كَانَ دُعَاء مَنْ مَضَى : اللَّهُمَّ أَخْرِجْنِي مِنْ النَّار سَالِمًا , وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّة غَانِمًا . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَقُول : الْوُرُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن : الدُّخُول , لَيَرِدَنهَا كُلّ بَرّ وَفَاجِر فِي الْقُرْآن أَرْبَعَة أَوْرَاد { فَأَوْرَدَهُمْ النَّار } و { حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } , وَقَوْله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا } يَعْرِف الْبَرّ وَالْفَاجِر , أَلَمْ تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى لِفِرْعَوْن : { يَقْدُم قَوْمه يَوْم الْقِيَامَة فَأَوْرَدَهُمْ النَّار وَبِئْسَ الْوِرْد الْمَوْرُود } وَقَالَ { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } فَسَمَّى الْوُرُود فِي النَّار دُخُولًا , وَلَيْسَ بِصَادِرٍ . )17969 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ بَكَّار بْن أَبِي مَرْوَان , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان , قَالَ : (قَالَ أَهْل الْجَنَّة بَعْد مَا دَخَلُوا الْجَنَّة : أَلَمْ يَعِدنَا رَبّنَا الْوُرُود عَلَى النَّار ؟ قَالَ : قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَة . )قَالَ اِبْن عَرَفَة , قَالَ مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , قَالَ بَكَّار بْن أَبِي مَرْوَان , أَوْ قَالَ : جَامِدَة . 17970 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مَرْحُوم بْن عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني أَبُو عِمْرَان الْجَوْنِيّ , عَنْ أَبِي خَالِد قَالَ : (تَكُون الْأَرْض يَوْمًا نَارًا , فَمَاذَا أَعْدَدْتُمْ لَهَا ؟ قَالَ : فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } )17971 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ غُنَيْم بْن قَيْس , قَالَ : (ذَكَرُوا وُرُود النَّار , فَقَالَ كَعْب : تَمَسّك النَّار لِلنَّاسِ كَأَنَّهَا مَتْن إِهَالَة , حَتَّى يَسْتَوِي عَلَيْهَا أَقْدَام الْخَلَائِق بَرّهمْ وَفَاجِرهمْ , ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ : أَنْ أَمْسِكِي أَصْحَابك , وَدَعِي أَصْحَابِي , قَالَ : فَيُخْسَف بِكُلِّ وَلِيّ لَهَا , وَلَهِيَ أَعْلَم بِهِمْ مِنْ الرَّجُل بِوَلَدِهِ , وَيَخْرُج الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّة أَبْدَانهمْ . قَالَ : وَقَالَ كَعْب : مَا بَيْن مَنْكِبَيْ الْخَازِن مِنْ خَزَنَتهَا مَسِيره سَنَة , مَعَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَمُود لَهُ شُعْبَتَانِ , يَدْفَع بِهِ الدَّفْعَة , فَيَصْرَع بِهِ فِي النَّار سَبْع مِائَة أَلْف . )17972 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , (قَالَ : كَانَ أَبُو مَيْسَرَة إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشه , قَالَ : يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدنِي , ثُمَّ يَبْكِي , فَقِيلَ : وَمَا يُبْكِيك يَا أَبَا مَيْسَرَة ؟ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَّا وَارِدُوهَا , وَلَمْ يُخْبِرنَا أَنَا صَادِرُونَ عَنْهَا . )17973 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ قَيْس , قَالَ : (بَكَى عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة فِي مَرَضه , فَبَكَتْ اِمْرَأَته , فَقَالَ : مَا يُبْكِيك , قَالَتْ : رَأَيْتُك تَبْكِي فَبَكَيْت , قَالَ اِبْن رَوَاحَة : إِنِّي قَدْ عَلِمْت أَنِّي وَارِد النَّار فَمَا أَدْرِي أَنَاجٍ مِنْهَا أَنَا أَمْ لَا ؟ . )17974 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو دَاوُدُ بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَذْكُر عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } قَالَ : دَاخِلهَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } قَالَ : يَدْخُلهَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : (كَانَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة وَاضِع رَأْسه فِي حِجْر اِمْرَأَته , فَبَكَى , فَبَكَتْ اِمْرَأَته , قَالَ : مَا يُبْكِيك ؟ قَالَتْ : رَأَيْتُك تَبْكِي فَبَكَيْت , قَالَ : إِنِّي ذَكَرْت قَوْل اللَّه { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } فَلَا أَدْرِي أَنْجُو مِنْهَا , أَمْ لَا ؟ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْمَرّ عَلَيْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17975 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } يَعْنِي جَهَنَّم مَرَّ النَّاس عَلَيْهَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } قَالَ : هُوَ الْمَرّ عَلَيْهَا . )17976 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } قَالَ : الصِّرَاط عَلَى جَهَنَّم مِثْل حَدّ السَّيْف , فَتَمُرّ الطَّبَقَة الْأُولَى كَالْبَرْقِ , وَالثَّانِيَة كَالرِّيحِ , وَالثَّالِثَة كَأَجْوَد الْخَيْل , وَالرَّابِعَة كَأَجْوَد الْبَهَائِم . ثُمَّ يَمُرُّونَ وَالْمَلَائِكَة يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْوُرُود : هُوَ الدُّخُول , وَلَكِنَّهُ عَنَى الْكُفَّار دُون الْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17977 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن السَّائِب , (عَنْ رَجُل سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } يَعْنِي الْكُفَّار , قَالَ : لَا يَرِدهَا مُؤْمِن . )17978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن الْوَلِيد الشَّنِّيّ , قَالَ : (سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } يَعْنِي الْكُفَّار . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْوُرُود عَامّ لِكُلِّ مُؤْمِن وَكَافِر , غَيْر أَنَّ وُرُود الْمُؤْمِن الْمُرُور , وَوُرُود الْكَافِر الدُّخُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17979 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } وُرُود الْمُسْلِمِينَ الْمُرُور عَلَى الْجِسْر بَيْن ظَهْرَيْهَا وَوُرُود الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا , قَالَ : وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الزَّالُّونَ وَالزَّالَّات يَوْمئِذٍ كَثِير , وَقَدْ أَحَاطَ الْجِسْر سِمَاطَانِ مِنْ الْمَلَائِكَة , دَعْوَاهُمْ يَوْمئِذٍ يَا اللَّه سَلِّمْ سَلِّمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : وُرُود الْمُؤْمِن مَا يُصِيبهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُمَّى وَمَرَض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17980 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (الْحُمَّى حَظّ كُلّ مُؤْمِن مِنْ النَّار , ثُمَّ قَرَأَ : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } )17981 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن تَمِيم , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُود رَجُلًا مِنْ أَصْحَابه وَبِهِ وَعَكٌ وَأَنَا مَعَهُ , ثُمَّ قَالَ : | إِنَّ اللَّه يَقُول : هِيَ نَارِي أُسَلِّطهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِن , لِتَكُونَ حَظّه مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : يَرِدهَا الْجَمِيع , ثُمَّ يَصْدُر عَنْهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَعْمَالِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17982 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثني السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه ( { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } قَالَ : يَرِدُونَهَا ثُمَّ يُصَدُّونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَا : ثنا شُعْبَة , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , بِنَحْوِهِ . 17983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كُنْت عِنْد اِبْن عَبَّاس , فَأَتَاهُ رَجُل يُقَال لَهُ أَبُو رَاشِد , وَهُوَ نَافِع بْن الْأَزْرَق , فَقَالَ لَهُ : يَا اِبْن عَبَّاس أَرَأَيْت قَوْل اللَّه { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا } قَالَ : أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا رَاشِد فَسَنَرِدُهَا , فَانْظُرْ هَلْ نَصْدُر عَنْهَا أَمْ لَا ؟ . )17984 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَسْأَل عَنْ الْوُرُود , فَقَالَ : | نَحْنُ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كَوَى أَوْ كُرَى , فَوْق النَّاس , فَتُدْعَى الْأُمَم بِأَوْثَانِهَا , وَمَا كَانَتْ تَعْبُد الْأَوَّل فَالْأَوَّل , فَيَنْطَلِق بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ , قَالَ : وَيُعْطَى كُلّ إِنْسَان مُنَافِق وَمُؤْمِن نُورًا , وَيَغْشَى ظُلْمَة ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ , وَعَلَى جِسْر جَهَنَّم كَلَالِيب تَأْخُذ مَنْ شَاءَ اللَّه , فَيُطْفَأ نُور الْمُنَافِق , وَيَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ , فَتَنْجُو أَوَّل زُمْرَة كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر , وَسَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأ نَجْم فِي السَّمَاء , ثُمَّ كَذَلِكَ , ثُمَّ تَحِلّ الشَّفَاعَة فَيُشَفَّعُونَ , وَيَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مِمَّنْ فِي قَلْبه وَزْن شَعِيرَة مِنْ خَيْر , ثُمَّ يُلْقَوْنَ تِلْقَاء الْجَنَّة , وَيُهْرِيق عَلَيْهِمْ أَهْل الْجَنَّة الْمَاء , فَيَنْبُتُونَ نَبَات الشَّيْء فِي السَّيْل , ثُمَّ يَسْأَلُونَ فَيَجْعَل لَهُمْ الدُّنْيَا وَعَشْرَة أَمْثَالهَا . )17985 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ رَجُل لِأَخِيهِ : هَلْ أَتَاك بِأَنَّك وَارِد النَّار ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَهَلْ أَتَاك أَنَّك صَادِر عَنْهَا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَفِيمَ الضَّحِك ؟ قَالَ : فَمَا رُئِيَ ضَاحِكًا حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ . )17986 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ لِبُسْرِ بْن سَعِيد : إِنَّ فُلَانًا يَقُول : إِنَّ وُرُود النَّار الْقِيَام عَلَيْهَا . قَالَ بُسْر : أَمَّا أَبُو هُرَيْرَة فَسَمِعْته يَقُول : ( إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , يَجْتَمِع النَّاس نَادَى مُنَادٍ : لِيَلْحَق كُلّ أُنَاس بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ , فَيَقُوم هَذَا إِلَى الْحَجَر , وَهَذَا إِلَى الْفَرَس , وَهَذَا إِلَى الْخَشَبَة حَتَّى يَبْقَى الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّه , فَيَأْتِيهِمْ اللَّه , فَإِذَا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ , فَيَذْهَب بِهِمْ فَيَسْلُك بِهِمْ عَلَى الصِّرَاط , وَفِيهِ عَلِيق , فَعِنْد ذَلِكَ يُؤْذَن بِالشَّفَاعَةِ , فَيَمُرّ النَّاس , وَالنَّبِيُّونَ يَقُولُونَ . اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ | . قَالَ بُكَيْر : فَكَانَ اِبْن عُمَيْرَة يَقُول : فَنَاجٍ مُسَلَّم وَمَنْكُوس فِي جَهَنَّم وَمَخْدُوش , ثُمَّ نَاجٍ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : يَرِدهَا الْجَمِيع ثُمَّ يَصْدُر عَنْهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَيُنْجِيهِمْ اللَّه , وَيَهْوِي فِيهَا الْكُفَّار وَوُرُودُهُمُوهَا هُوَ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُرُورهمْ عَلَى الصِّرَاط الْمَنْصُوب عَلَى مَتْن جَهَنَّم , فَنَاجٍ مُسَلَّم وَمُكَدَّس فِيهَا . ذِكْر الْأَخْبَار الْمَرْوِيَّة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ : 17987 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أُمّ مُبَشِّر اِمْرَأَة زَيْد بْن حَارِثَة , قَالَتْ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْت حَفْصَة : | لَا يَدْخُل النَّار أَحَد شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة | . قَالَتْ : فَقَالَتْ حَفْصَة : يَا رَسُول اللَّه , أَلَيْسَ اللَّه يَقُول : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه : | فَمَهْ { ثُمَّ يُنَجِّي اللَّه الَّذِينَ اِتَّقَوْا } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُدْرِك , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن حَمَّاد , قَالَ . ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أُمّ مُبَشِّر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أُمّ مُبَشِّر , عَنْ حَفْصَة , قَالَتْ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . | إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُل النَّار أَحَد شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة | , قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَلَيْسَ اللَّه يَقُول { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } ؟ قَالَ : | فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُول : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } ؟ )17988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عُبَيْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة بْن مُعَيْقِب , عَنْ سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن عَبْد الْعِتْوَارِيّ , أَحَد بَنِي لَيْث , وَكَانَ فِي حِجْر أَبِي سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيّ يَقُول : (سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | يُوضَع الصِّرَاط بَيْن ظَهْرَيْ جَهَنَّم , عَلَيْهِ حَسَك كَحَسَكِ السَّعْدَان , ثُمَّ يَسْتَجِيز النَّاس , فَنَاجٍ مُسَلَّم وَمَجْرُوح بِهِ , ثنا نَاجٍ وَمُحْتَبَس وَمُكَدَّس فِيهَا , حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّه مِنْ الْقَضَاء بَيْن الْعِبَاد تَفَقَّدَ الْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا يُصَلُّونَ صَلَاتهمْ , وَيُزَكُّونَ زَكَاتهمْ وَيَصُومُونَ صِيَامهمْ , وَيَحُجُّونَ حَجّهمْ , وَيَغْزُونَ غَزْوهمْ , فَيَقُولُونَ : أَيْ رَبّنَا عِبَاد مِنْ عِبَادك كَانُوا مَعَنَا فِي الدُّنْيَا , يُصَلُّونَ صَلَاتنَا , وَيُزَكُّونَ زَكَاتنَا , وَيَصُومُونَ صِيَامنَا , وَيَحُجُّونَ حَجّنَا , وَيَغْزُونَ غَزْونَا , لَا نَرَاهُمْ , فَيَقُول : اِذْهَبُوا إِلَى النَّار , فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْهُمْ فَأَخْرِجُوهُ , فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أَخَذَتْهُمْ النَّار عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّار إِلَى قَدَمَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى نِصْف سَاقَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى ثَدْيَيْهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقه وَلَمْ تَغْشَ الْوُجُوه , فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا , فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي مَاء الْحَيَاة | قِيلَ : وَمَا مَاء الْحَيَاة يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | غُسْل أَهْل الْجَنَّة , فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُت الزَّرْعَة فِي غُثَاء السَّيْل , ثُمَّ تُشَفَّع الْأَنْبِيَاء فِي كُلّ مَنْ كَانَ يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُخْلِصًا , فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا , ثُمَّ يَتَحَنَّن اللَّه بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا , فَمَا يَتْرُك فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ الْإِيمَان إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا | )17989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبِي وَشُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ اللَّيْث بْن خَالِد , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُؤْتَى بِالْجِسْرِ - يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة - فَيُجْعَل بَيْن ظَهْرَيْ جَهَنَّم | قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه وَمَا الْجِسْر ؟ قَالَ : | مَدْحَضَة مَزَلَّة , عَلَيْهِ خَطَاطِيف وَكَلَالِيب وَحَسَكَة مُفَلْطَحَة لَهَا شَوْكَة عُقَيْفَاء تَكُون بِنَجْدٍ , يُقَال لَهَا السَّعْدَان , يَمُرّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَالْبَرْق وَكَالرِّيحِ , وَكَأَجَاوِد الْخَيْل وَالرِّكَاب , فَنَاجٍ مُسَلَّم , وَمَخْدُوش مُسَلَّم , وَمَكْدُوس فِي جَهَنَّم , ثُمَّ يَمُرّ آخِرهمْ يُسْحَب سَحْبًا , فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدّ مُنَاشَدَة لِي فِي الْحَقّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ , مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمئِذٍ لِلْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , إِذَا رَأَوْهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقِيَ إِخْوَانهمْ . )17990 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن كَثِير بْن عُفَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , قَالَ : سَأَلْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ الْوُرُود , فَقَالَ : (سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | هُوَ الدُّخُول , يَرِدُونَ النَّار حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا , فَآخِر مَنْ يَبْقَى رَجُل عَلَى الصِّرَاط يَزْحَف , فَيَرْفَع اللَّه لَهُ شَجَرَة , قَالَ : فَيَقُول : أَيْ رَبّ أَدْنِنِي مِنْهَا , قَالَ : فَيُدْنِيه اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهَا , قَالَ : ثُمَّ يَقُول : أَيْ رَبّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّة , قَالَ : فَيَقُول : سَلْ , قَالَ : فَيَسْأَل , قَالَ : فَيَقُول : ذَلِكَ لَك وَعَشْرَة أَضْعَافه أَوْ نَحْوهَا ; قَالَ : فَيَقُول : يَا رَبّ تَسْتَهْزِئ بِي ؟ قَالَ : فَيَضْحَك حَتَّى تَبْدُو لَهَوَاته وَأَضْرَاسه . )17991 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَيُّوب | ح | ; وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ رِشْدِين , جَمِيعًا عَنْ زِيَاد بْن فَائِد , عَنْ سَهْل بْن مُعَاذ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ حَرَسَ وَرَاء الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيل اللَّه مُتَطَوِّعًا , لَا يَأْخُذهُ سُلْطَان بِحَرَسٍ , لَمْ يَرَ النَّار بِعَيْنِهِ إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم | . , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } . )17992 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيَّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة لَمْ تَمَسّهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم | )يَعْنِي : الْوُرُود .|كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا|وَأَمَّا قَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهُ : كَانَ عَلَى رَبّك قَضَاء مَقْضِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { حَتْمًا } قَالَ : قَضَاء . )17994 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج ( { حَتْمًا مَقْضِيًّا } قَالَ قَضَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : كَانَ عَلَى رَبّك قَسَمًا وَاجِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو دَاوُدُ بْن الزِّبْرِقَان , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَذْكُر عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود ( { كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا } قَالَ : قَسَمًا وَاجِبًا . )17996 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا } يَقُول : قَسَمًا وَاجِبًا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنْت الْقَوْل فِي ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ نُنَجِّي مِنْ النَّار بَعْد وُرُود جَمِيعهمْ إِيَّاهَا , الَّذِينَ اِتَّقَوْا فَخَافُوهُ , بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه { وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَنَدَع الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ , فَعَبَدُوا غَيْر اللَّه , وَعَصَوْا رَبّهمْ , وَخَالَفُوا أَمْره وَنَهْيه مِنْ النَّار , جِثِيًّا , يَقُول : بُرُوكًا عَلَى رُكَبهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17997 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } عَلَى رُكَبهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } عَلَى رُكَبهمْ . )17998 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } قَالَ : الْجِثِيّ : شَرّ الْجُلُوس , لَا يَجْلِس الرَّجُل جَاثِيًا إِلَّا عِنْد كَرْب يَنْزِل بِهِ . )17999 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَنَذَر الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } إِنَّ النَّاس وَرَدُوا جَهَنَّم وَهِيَ سَوْدَاء مُظْلِمَة , فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَضَاءَتْ لَهُمْ حَسَنَاتهمْ , فَنَجَوْا مِنْهَا . وَأَمَّا الْكُفَّار فَأَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالهمْ , وَاحْتُبِسُوا بِذُنُوبِهِمْ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى النَّاس آيَاتنَا الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَى رَسُولنَا مُحَمَّد بَيِّنَات , يَعْنِي وَاضِحَات لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا أَنَّهَا أَدِلَّة عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّه أَدِلَّة عَلَيْهِ لِعِبَادِهِ , قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَآيَاته , وَهُمْ قُرَيْش , لِلَّذِينَ آمَنُوا فَصَدَّقُوا بِهِ , وَهُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد { أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا } يَعْنِي بِالْمَقَامِ : مَوْضِع إِقَامَتهمْ , وَهِيَ مَسَاكِنهمْ وَمَنَازِلهمْ { وَأَحْسَن نَدِيًّا } وَهُوَ الْمَجْلِس , يُقَال مِنْهُ : نَدَوْت الْقَوْم أَنْدُوهُمْ نَدْوًا : إِذَا جَمَعْتهمْ فِي مَجْلِس , وَيُقَال : هُوَ فِي نَدِيّ قَوْمه وَفِي نَادِيهمْ : بِمَعْنًى وَاحِد . وَمِنْ النَّدِيّ قَوْل حَاتِم : <br>وَدُعِيت فِي أُولِي النَّدِيّ وَلَمْ .......... يَنْظُر إِلَيَّ بِأَعْيُنِ خُزْر <br>وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات , قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا : أَيّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ أَوْسَع عَيْشًا , وَأَنْعَم بَالًا , وَأَفْضَل مَسْكَنًا , وَأَحْسَن مَجْلِسًا , وَأَجْمَع عَدَدًا وَغَاشِيَة فِي الْمَجْلِس , نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا } قَالَ : الْمَقَام : الْمَنْزِل , وَالنَّدِيّ : الْمَجْلِس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبَى ظَبْيَانَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِمِثْلِهِ . 18001 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا } قَالَ : الْمَقَام : الْمَسْكَن , وَالنَّدِيّ : الْمَجْلِس وَالنِّعْمَة وَالْبَهْجَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا , وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّه لِقَوْمِ فِرْعَوْن , حِين أَهْلَكَهُمْ وَقَصَّ شَأْنهمْ فِي الْقُرْآن فَقَالَ : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم وَنَعْمَة كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ } [44 25 : 27 ]فَالْمَقَام : الْمَسْكَن وَالنَّعِيم , وَالنَّدِيّ : الْمَجْلِس وَالْمَجْمَع الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ , وَقَالَ اللَّه فِيمَا قَصَّ عَلَى رَسُوله فِي أَمْر لُوط إِذْ قَالَ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } , [29 29 ]وَالْعَرَب تُسَمِّي الْمَجْلِس : النَّادِي . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَأَحْسَن نَدِيًّا } يَقُول : مَجْلِسًا . )18002 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { أَيّ الْفَرِيقَيْنِ } قَالَ : قُرَيْش تَقُولهَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَأَحْسَن نَدِيًّا } قَالَ : مَجَالِسهمْ , يَقُولُونَهُ أَيْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 18003 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا } رَأَوْا أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْشهمْ خُشُونَة , وَفِيهِمْ قَشَافَة , فَعَرَضَ أَهْل الشِّرْك بِمَا تَسْمَعُونَ قَوْله { وَأَحْسَن نَدِيًّا } يَقُول : مَجْلِسًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا } قَالَ : النَّدِيّ : الْمَجْلِس , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَلْيَدْعُ نَادِيه } [96 17 ]قَالَ : مَجْلِسه .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن هُمْ أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّد قَبْل هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ مِنْ أَهْل الْكُفْر لِلْمُؤْمِنِينَ , إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا , وَأَحْسَن نَدِيًّا , مَجَالِس مِنْ قَرْن هُمْ أَكْثَر مَتَاع مَنَازِل مِنْ هَؤُلَاءِ , وَأَحْسَن مِنْهُمْ مَنْظَرًا وَأَجْمَل صُوَرًا , فَأَهْلَكْنَا أَمْوَالهمْ , وَغَيَّرْنَا صُوَرهمْ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَلْقَمَة بْن عَبْدَة : <br>كُمَيْت كَلَوْنِ الْأُرْجُوَان نَشَرْته .......... لِبَيْعِ الرِّئْي فِي الصُّوَان الْمُكَعَّب <br>يَعْنِي بِالصُّوَانِ : التَّخْت الَّذِي تُصَان فِيهِ الثِّيَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18004 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } قَالَ : الرِّئْي : الْمَنْظَر , وَالْأَثَاث : الْمَتَاع . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ عَنْ شُعْبَة عَنْ سُلَيْمَان عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (الرِّئْي الْمَنْظَر . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } يَقُول : مَنْظَرًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } الْأَثَاث : الْمَال , وَالرِّئْي : الْمَنْظَر . )18005 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { أَثَاثًا وَرِئْيًا } قَالَ : الْأَثَاث : أَحْسَن الْمَتَاع , وَالرِّئْي : قَالَ : الْمَال . )18006 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن هُمْ أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } : أَيْ أَكْثَر مَتَاعًا وَأَحْسَن مَنْزِلَة وَمُسْتَقَرًّا , فَأَهْلَكَ اللَّه أَمْوَالهمْ , وَأَفْسَدَ صُوَرهمْ عَلَيْهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } قَالَ : أَحْسَن صُوَرًا , وَأَكْثَر أَمْوَالًا . )18007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَثَاثًا } قَالَ : الْمَتَاع { وَرِئْيًا } قَالَ : فِيمَا يَرَى النَّاس . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَبِشْر بْن مُعَاذ , قَالَا : ثنا جَرِير بْن قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (الْأَثَاث : الْمَال , وَالرِّئْي : الْمَنْظَر الْحَسَن . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَرِئْيًا } : مَنْظَرًا فِي اللَّوْن وَالْحَسَن . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { وَرِئْيًا } مَنْظَرًا فِي اللَّوْن وَالْحُسْن . )18008 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَحْسَن أَثَاثًا وَرِئْيًا } قَالَ : الرِّئْي : الْمَنْظَر , وَالْأَثَاث : الْمَتَاع , أَحْسَن مَتَاعًا , وَأَحْسَن مَنْظَرًا . )18009 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : (سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول فِي قَوْله : { أَحْسَن أَثَاثًا } يَعْنِي الْمَال { وَرِئْيًا } يَعْنِي : الْمَنْظَر الْحَسَن . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | وَرِيًّا | غَيْر مَهْمُوز , وَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ يَتَوَجَّه لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون قَارِئُهُ أَرَادَ الْهَمْزَة , فَأَبْدَلَ مِنْهَا يَاء , فَاجْتَمَعَتْ الْيَاء الْمُبْدَلَة مِنْ الْهَمْز وَالْيَاء الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل , فَأُدْغِمَتَا , فَجُعِلَتَا يَاء وَاحِدَة مُشَدَّدَة لِيَلْحَقُوا ذَلِكَ , إِذْ كَانَ رَأْس آيَة , بِنَظَائِرِهِ مِنْ سَائِر رُءُوس الْآيَات قَبْله وَبَعْده ; وَالْآخَر أَنْ يَكُون مِنْ رَوَيْت أَرْوِي رَوِيَّة وَرِيًّا , وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن , هُمْ أَحْسَن مَتَاعًا , وَأَحْسَن نَظَرًا لِمَالِهِ , وَمَعْرِفَة لِتَدْبِيرِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : مَا أَحْسَن رُؤْيَة فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر إِذَا كَانَ حَسَن النَّظَر فِيهِ وَالْمَعْرِفَة بِهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة { وَرِئْيًا } بِهَمْزِهَا , بِمَعْنَى : رُؤْيَة الْعَيْن , كَأَنَّهُ أَرَادَ : أَحْسَن مَتَاعًا وَمِرْآة . وَحُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَ : | أَحْسَن أَثَاثًا وَزِيًّا | , بِالزَّايِ , كَأَنَّهُ أَرَادَ أَحْسَن مَتَاعًا وَهَيْئَة وَمَنْظَرًا , وَذَلِكَ أَنَّ الزِّيّ هُوَ الْهَيْئَة وَالْمَنْظَر مِنْ قَوْلهمْ : زُيِّيَتْ الْجَارِيَة , بِمَعْنَى : زَيَّنْتهَا وَهَيَّأْتهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { أَثَاثًا وَرِئْيًا } بِالرَّاءِ وَالْهَمْز , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : الْمَنْظَر , وَذَلِكَ هُوَ مِنْ رُؤْيَة الْعَيْن , لَا مِنْ الرُّؤْيَة , فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَهْمُوز أَوْلَى بِهِ , فَإِنْ قَرَأَ قَارِئ ذَلِكَ بِتَرْكِ الْهَمْز , وَهُوَ يُرِيد هَذَا الْمَعْنَى , فَغَيْر مُخْطِئ فِي قِرَاءَته . وَأَمَّا قِرَاءَته بِالزَّايِ فَقِرَاءَة خَارِجَة . عَنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء , فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَة بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَتهمْ , وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي التَّأْوِيل وَجْه صَحِيح . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْأَثَاث أَجَمْع هُوَ أَمْ وَاحِد , فَكَانَ الْأَحْمَر فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ يَقُول : هُوَ جَمْع , وَاحِدَتهَا أَثَاثَة , كَمَا الْحَمَام جَمْع وَاحِدَتهَا حَمَامَة . وَالسَّحَاب جَمْع وَاحِدَتهَا سَحَابَة . وَأَمَّا الْفَرَّاء فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا وَاحِد لَهُ , كَمَا أَنَّ لِلْمَتَاعِ لَا وَاحِد لَهُ . قَالَ : وَالْعَرَب تَجْمَع الْمَتَاع : أَمْتِعَة , وَأَمَاتِيع , وَمُتَع . قَالَ : وَلَوْ جَمَعْت الْأَثَاث لَقُلْت : ثَلَاثَة آثَّة وَأُثُث . وَأَمَّا الرِّئْي فَإِنَّ جَمْعه : آرَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ , الْقَائِلِينَ : إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا , أَيّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ خَيْر مَقَامًا وَأَحْسَن نَدِيًّا . مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَة جَائِرًا عَنْ طَرِيق الْحَقّ . سَالِكًا غَيْر سَبِيل الْهُدَى , { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا } يَقُول : فَلْيُطَوِّلْ لَهُ اللَّه فِي ضَلَالَته , وَلْيُمْلِهِ فِيهَا إِمْلَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18010 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { فِي الضَّلَالَة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا } فَلْيَدَعْهُ اللَّه فِي طُغْيَانه . )* - وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا|وَقَوْله : { حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَاب وَإِمَّا السَّاعَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لَهُمْ : مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَة , فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَن فِي ضَلَالَته إِلَى أَنْ يَأْتِيهِمْ أَمْر اللَّه , إِمَّا عَذَاب عَاجِل , أَوْ يَلْقَوْا رَبّهمْ عِنْد قِيَام السَّاعَة الَّتِي وَعَدَ اللَّه خَلْقه أَنْ يَجْمَعهُمْ لَهَا , فَإِنَّهُمْ إِذَا أَتَاهُمْ وَعْد اللَّه بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا } وَمَسْكَنًا مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ { وَأَضْعَف جُنْدًا } أَهُمْ أَمْ أَنْتُمْ ؟ وَيَتَبَيَّنُونَ حِينَئِذٍ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا , وَأَحْسَن نَدِيًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَزِيد اللَّه الَّذِينَ اِهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَزِيد اللَّه مَنْ سَلَكَ قَصْد الْمَحَجَّة , وَاهْتَدَى لِسَبِيلِ الرُّشْد , فَآمَنَ بِرَبِّهِ , وَصَدَّقَ بِآيَاتِهِ , فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ هُدًى بِمَا يَتَجَدَّد لَهُ مِنْ الْإِيمَان بِالْفَرَائِضِ الَّتِي يَفْرِضهَا عَلَيْهِ . وَيُقِرّ بِلُزُومِ فَرْضهَا إِيَّاهُ , وَيَعْمَل بِهَا , فَذَلِكَ زِيَادَة مِنْ اللَّه فِي اِهْتِدَائِهِ بِآيَاتِهِ هُدًى عَلَى هُدَاهُ , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } . [9 124 ]وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل ذَلِكَ : وَيَزِيد اللَّه الَّذِينَ اِهْتَدَوْا هُدًى بِنَاسِخِ الْقُرْآن وَمَنْسُوخه , فَيُؤْمِن بِالنَّاسِخِ , كَمَا آمَنَ مِنْ قَبْل بِالْمَنْسُوخِ , فَذَلِكَ زِيَادَة هُدَى مِنْ اللَّه لَهُ عَلَى هُدَاهُ مِنْ قَبْل { وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْأَعْمَال الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِهَا عِبَاده وَرَضِيَهَا مِنْهُمْ . الْبَاقِيَات لَهُمْ غَيْر الْفَانِيَات الصَّالِحَات , خَيْر عِنْد رَبّك جَزَاء لِأَهْلِهَا { وَخَيْر مَرَدًّا } عَلَيْهِمْ مِنْ مَقَامَات هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ , وَأَنْدِيَتهمْ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى أَهْل الْإِيمَان فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْبَاقِيَات الصَّالِحَات , وَذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ , وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 18011 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن رَاشِد , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , قَالَ : (جَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم , فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا , فَحَطَّ وَرَقه ثُمَّ قَالَ : | إِنَّ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَللَّه أَكْبَر , وَالْحَمْد لِلَّهِ وَسُبْحَان اللَّه , تَحُطّ الْخَطَايَا , كَمَا تَحُطّ وَرَق هَذِهِ الشَّجَرَة الرِّيح , خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ أَنْ يُحَال بَيْنك وَبَيْنهنَّ , هُنَّ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات , وَهُنَّ مِنْ كُنُوز الْجَنَّة | , قَالَ أَبُو سَلَمَة : فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث قَالَ : لَأُهَلِّلَن اللَّه , وَلَأُكَبِّرَن اللَّه , وَلَأُسَبِّحَن اللَّه , حَتَّى إِذَا رَأْنِي الْجَاهِل حَسِبَ أَنِّي مَجْنُون .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفَرَأَيْت } يَا مُحَمَّد { الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } حَجَجْنَا فَلَمْ يُصَدِّق بِهَا , وَأَنْكَرَ وَعِيدنَا مِنْ أَهْل الْكُفْر { وَقَالَ } وَهُوَ بِاَللَّهِ كَافِر وَبِرَسُولِهِ { لَأُوتَيَنَّ } فِي الْآخِرَة { مَالًا وَوَلَدًا } . وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَات أُنْزِلَتْ فِي الْعَاص بْن وَائِل السَّهْمِيّ أَبِي عَمْرو بْن الْعَاص . ذَكَرَ الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 18012 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب وَسَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ خَبَّاب , قَالَ : (كُنْت رَجُلًا قَيْنًا , وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاص بْن وَائِل دَيْن , فَأَتَيْته أَتَقَاضَاهُ , فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَقْضِيك حَتَّى تَكْفُر بِمُحَمَّدٍ , فَقُلْت : وَاَللَّه لَا أَكْفُر بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوت ثُمَّ تُبْعَث , قَالَ : فَقَالَ : فَإِذَا أَنَا مِتّ ثُمَّ بُعِثْت كَمَا تَقُول , جِئْتنِي وَلِي مَال وَوَلَد , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْب أَمْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } . ... إِلَى قَوْله : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } )حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو السَّائِب , وَقَرَأَ فِي الْحَدِيث : وَوَلَدًا . 18013 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , (أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْعَاص بْن وَائِل السَّهْمِيّ بِدَيْنٍ , فَأَتَوْهُ يَتَقَاضَوْنَهُ , فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْجَنَّة فِضَّة وَذَهَبًا وَحَرِيرًا , وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَات ؟ قَالُوا : بَلَى , قَالَ : فَإِنَّ مَوْعِدكُمْ الْآخِرَة , فَوَاَللَّهِ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا , وَلَأُوتَيَنَّ مِثْل كِتَابكُمْ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ , فَضَرَبَ اللَّه مَثَله فِي الْقُرْآن , فَقَالَ : { أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا } . ... إِلَى قَوْله { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } )18014 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } قَالَ : الْعَاص بْن وَائِل يَقُولهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ . ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18015 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَتَوْا رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَتَقَاضَوْنَهُ دَيْنًا , فَقَالَ : أَلَيْسَ يَزْعُم صَاحِبكُمْ أَنَّ فِي الْجَنَّة حَرِيرًا وَذَهَبًا ؟ قَالُوا : بَلَى , قَالَ فَمِيعَادكُمْ الْجَنَّة , فَوَاَللَّهِ لَا أُؤْمِن بِكِتَابِكُمْ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ , اِسْتِهْزَاء بِكِتَابِ اللَّه , وَلَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا . يَقُول اللَّه : { أَطَّلَعَ الْغَيْب أَمْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } ؟ )18016 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (قَالَ خَبَّاب بْن الْأَرَتّ : كُنْت قَيْنًا بِمَكَّة , فَكُنْت أَعْمَل لِلْعَاصِ بْن وَائِل , فَاجْتَمَعَتْ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِم , فَجِئْت لِأَتَقَاضَاهُ , فَقَالَ لِي : لَا أَقْضِيك حَتَّى تَكْفُر بِمُحَمَّدٍ , قَالَ : قُلْت : لَا أَكْفُر بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوت ثُمَّ تُبْعَث , قَالَ : فَإِذَا بُعِثْت كَانَ لِي مَال وَوَلَد , قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } . ... إِلَى { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَوَلَدًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { وَوَلَدًا } بِفَتْحِ الْوَاو مِنْ الْوَلَد فِي كُلّ الْقُرْآن , غَيْر أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء خَصَّ الَّتِي فِي سُورَة نُوح بِالضَّمِّ , فَقَرَأَهَا : { مَاله وَوُلْده } . وَأَمَّا عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة غَيْر عَاصِم , فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا مِنْ هَذِهِ السُّورَة مِنْ قَوْله { مَالًا وَوَلَدًا } إِلَى آخِر السُّورَة , وَاللَّتَيْنِ فِي الزُّخْرُف , وَاَلَّتِي فِي نُوح , بِالضَّمِّ وَسُكُون اللَّام . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ وَاوه , فَقَالَ بَعْضهمْ : ضَمّهَا وَفَتْحهَا وَاحِد , وَإِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ , مِثْل قَوْلهمْ الْعَدَم وَالْعُدْم , وَالْحَزَن وَالْحُزْن . وَاسْتَشْهَدُوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْن أُمّه .......... وَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ وُلْد حِمَار <br>وَيَقُول الْحَارِث بْن حِلِّزَة : <br>وَلَقَدْ رَأَيْت مَعَاشِرًا .......... قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا وَوُلْدَا <br>وَقَوْل رُؤْبَة : <br>الْحَمْد لِلَّهِ الْعَزِيز فَرْدًا .......... لَمْ يَتَّخِذ مِنْ وُلْد شَيْء وُلْدَا <br>وَتَقُول الْعَرَب فِي مِثْلهَا : وُلْدك مَنْ دَمَّى عَقِبَيْك , قَالَ : وَهَذَا كُلّه وَاحِد , بِمَعْنَى الْوَلَد . وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ قَيْسًا تَجْعَل الْوُلْد جَمْعًا , وَالْوَلَد وَاحِدًا . وَلَعَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ فِيمَا اِخْتَارُوا فِيهِ الضَّمّ , إِنَّمَا قَرَءُوهُ كَذَلِكَ لِيُفَرِّقُوا بَيْن الْجَمْع وَالْوَاحِد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْفَتْح فِي الْوَاو مِنْ الْوَلَد وَالضَّمّ فِيهَا بِمَعْنًى وَاحِد , وَهُمَا لُغَتَانِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ الْفَتْح أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِيهَا . فَالْقِرَاءَة بِهِ أَعْجَب إِلَيَّ لِذَلِكَ .
وَقَوْله : { أَطَّلَعَ الْغَيْب } يَقُول عَزَّ ذِكْره : أَعْلَمَ هَذَا الْقَائِل هَذَا الْقَوْل عِلْم الْغَيْب , فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَة مَالًا وَوَلَدًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى عِلْم مَا غَابَ عَنْهُ { أَمْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } يَقُول : أَمْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ , فَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْد اللَّه عَهْدًا أَنْ يُؤْتِيه مَا يَقُول مِنْ الْمَال وَالْوَلَد , كَمَا : 18017 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَطَّلَعَ الْغَيْب أَمْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } بِعَمَلٍ صَالِح قَدَّمَهُ .)
وَقَوْله : { وَنَرِثهُ مَا يَقُول } يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَنَسْلُب هَذَا الْقَائِل : لَأُوتَيَنَّ فِي الْآخِرَة مَالًا وَوَلَدًا , مَاله وَوَلَده , وَيَصِير لَنَا مَاله وَوَلَده دُونه , وَيَأْتِينَا هُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَرْدًا , وَحْده لَا مَال مَعَهُ وَلَا وَلَد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18018 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى | ح | ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَنَرِثهُ مَا يَقُول } : مَاله وَوَلَده , وَذَلِكَ الَّذِي قَالَ الْعَاص بْن وَائِل . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18019 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَنَرِثهُ مَا يَقُول وَيَأْتِينَا فَرْدًا } : لَا مَال لَهُ وَلَا وَلَد . )18020 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَنَرِثهُ مَا يَقُول } قَالَ : مَا عِنْده , وَهُوَ قَوْله { لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : وَنَرِثهُ مَا عِنْده . )18021 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَنَرِثهُ مَا يَقُول } قَالَ : مَا جَمَعَ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَمِلَ فِيهَا . قَالَ : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } قَالَ : فَرْدًا مِنْ ذَلِكَ , لَا يَتْبَعهُ قَلِيل وَلَا كَثِير . )18022 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَنَرِثهُ مَا يَقُول } : نَرِثهُ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه آلِهَة لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاِتَّخَذَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك آلِهَة يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه , لِتَكُونَ هَؤُلَاءِ الْآلِهَة لَهُمْ عِزًّا , يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَيَتَّخِذُونَ عِبَادَتَهُمُوهَا عِنْد اللَّه زُلْفَى .
وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول عَزَّ ذِكْره : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ظَنُّوا وَأَمْلَوْا مِنْ هَذِهِ الْآلِهَة الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه , فِي أَنَّهَا تُنْقِذهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَتُنْجِيهِمْ مِنْهُ , وَمِنْ سُوء إِنْ أَرَادَهُ بِهِمْ رَبّهمْ . وَقَوْله : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَلَكِنْ سَيَكْفُرُ الْآلِهَة فِي الْآخِرَة بِعِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْم الْقِيَامَة إِيَّاهَا , وَكُفْرهمْ بِهَا قِيلهمْ لِرَبِّهِمْ : تَبَرَّأْنَا إِلَيْك مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ , فَجَحَدُوا أَنْ يَكُونُوا عَبَدُوهُمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِذَلِكَ , وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ , وَذَلِكَ كُفْرهمْ بِعِبَادَتِهِمْ .|وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا|وَأَمَّا قَوْله : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَكُون آلِهَتهمْ عَلَيْهِمْ عَوْنًا , وَقَالُوا : الضِّدّ : الْعَوْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18023 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } يَقُول : أَعْوَانًا . )18024 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى | ح | ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قَالَ : عَوْنًا عَلَيْهِمْ تُخَاصِمهُمْ وَتُكَذِّبهُمْ . )18025 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قَالَ : أَوْثَانهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالضِّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْقُرَنَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18026 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } يَقُول : يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ قُرَنَاء . )18027 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قُرَنَاء فِي النَّار , يَلْعَن بَعْضهمْ بَعْضًا , وَيَتَبَرَّأ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { ضِدًّا } قَالَ : قُرَنَاء فِي النَّار . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الضِّدّ هَهُنَا : الْعَدُوّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18028 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قَالَ : أَعْدَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الضِّدّ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْبَلَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18029 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قَالَ : يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ بَلَاء . )الضِّدّ : الْبَلَاء , وَالضِّدّ فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْخِلَاف , يُقَال : فُلَان يُضَادّ فُلَانًا فِي كَذَا , إِذَا كَانَ يُخَالِفهُ فِي صَنِيعه , فَيُفْسِد مَا أَصْلَحَهُ , وَيُصْلِح مَا أَفْسَدَهُ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَكَانَتْ آلِهَة هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ , وَيَنْتِفُونَ يَوْمئِذٍ , صَارُوا لَهُمْ أَضْدَادًا , فَوُصِفُوا بِذَلِكَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَوْحِيد الضِّدّ , وَهُوَ صِفَة لِجَمَاعَةٍ . فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : وَحَد لِأَنَّهُ يَكُون جَمَاعَة , وَوَاحِدًا مِثْل الرَّصَد وَالْأَرْصَاد . قَالَ : وَيَكُون الرَّصَد أَيْضًا لِجَمَاعَةٍ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَحَد , لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَوْنًا , وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا نُهَيْك كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ , كَمَا : 18030 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , قَالَ : (سَمِعْت أَبَا نُهَيْك الْأَزْدِيّ يَقْرَأ : { كَلَّا سَيَكْفُرُونَ } يَعْنِي الْآلِهَة كُلّهَا أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ { تَؤُزّهُمْ } يَقُول : تُحَرِّكهُمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَال , فَتُزْعِجهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّه , وَتُغْرِيهِمْ بِهَا حَتَّى يُوَاقِعُوهَا { أَزًّا } إِزْعَاجًا وَإِغْوَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18031 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَزًّا } يَقُول : تُغْرِيهِمْ إِغْرَاء . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيح , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (تَؤُزّ الْكَافِرِينَ إِغْرَاء فِي الشِّرْك : اِمْضِ اِمْضِ فِي هَذَا الْأَمْر , حَتَّى تُوقِعهُمْ فِي النَّار , اِمْضُوا فِي الْغَيّ اِمْضُوا . )18032 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو إِدْرِيس , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله ( { تَؤُرّهُمْ أَزًّا } قَالَ : تُغْرِيهِمْ إِغْرَاء . )18033 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { تَؤُزّهُمْ أَزًّا } قَالَ : تُزْعِجهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيَة اللَّه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه ( { تَؤُزّهُمْ أَزًّا } قَالَ : تُزْعِجهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّه إِزْعَاجًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { تَؤُزّهُمْ أَزًّا } قَالَ تُزْعِجهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعَاصِي اللَّه . )18034 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزًّا } فَقَرَأَ : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْر الرَّحْمَن نُقَيِّض لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين } [43 36 ]قَالَ : تَؤُزّهُمْ أَزًّا , قَالَ : تُشْلِيهِمْ إِشْلَاء عَلَى مَعَاصِي اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَتُغْرِيهِمْ عَلَيْهَا , كَمَا يَنْوِي الْإِنْسَان الْآخَر عَلَى الشَّيْء . )يُقَال مِنْهُ : أَزَزْت فُلَانًا بِكَذَا , إِذَا أَغْرَيْته بِهِ أَؤُزّهُ أَزًّا وَأَزِيزًا , وَسَمِعْت أَزِيز الْقِدْر : وَهُوَ صَوْت غَلَيَانهَا عَلَى النَّار ; وَمِنْهُ حَدِيث مُطَرِّف عَنْ أَبِيهِ , (أَنَّهُ اِنْتَهَى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي , وَلِجَوْفِهِ أَزِيز كَأَزِيزِ الْمِرْجَل .)
وَقَوْله : { فَلَا تَعْجَل عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدًّا } يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَلَا تَعْجَل عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِطَلَبِ الْعَذَاب لَهُمْ وَالْهَلَاك , يَا مُحَمَّد { إِنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدًّا } يَقُول : فَإِنَّمَا نُؤَخِّر إِهْلَاكهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا , وَنَحْنُ نَعُدّ أَعْمَالهمْ كُلّهَا وَنُحْصِيهَا حَتَّى أَنْفَاسهمْ لِنُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعهَا , وَلَمْ نَتْرُك تَعْجِيل هَلَاكهمْ لِخَيْرِ أَرَدْنَاهُ بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18035 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدًّا } يَقُول : أَنْفَاسهمْ الَّتِي يَتَنَفَّسُونَ فِي الدُّنْيَا , فَهِيَ مَعْدُودَة كَسِنِّهِمْ وَآجَالهمْ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَوْم نَجْمَع الَّذِينَ اِتَّقُوا فِي الدُّنْيَا فَخَافُوا عِقَابه , فَاجْتَنِبُوا لِذَلِكَ مَعَاصِيه , وَأَدَّوْا فَرَائِضه إِلَى رَبّهمْ { وَفْدًا } يَعْنِي بِالْوَفْدِ : الرُّكْبَان . يُقَال : وَفَدْت عَلَى فُلَان : إِذَا قَدِمْت عَلَيْهِ , وَأَوْفَدَ الْقَوْم وَفْدًا عَلَى أَمِيرهمْ , إِذَا بَعَثُوا قَبْلهمْ بَعْثًا . وَالْوَفْد فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْجَمْع , وَلَكِنَّهُ وَاحِد , لِأَنَّهُ مَصْدَر وَاحِدهمْ وَافِد , وَقَدْ يُجْمَع الْوَفْد : الْوُفُود , كَمَا قَالَ بَعْض بَنِي حَنِيفَة : <br>إِنِّي لَمُمْتَدِح فَمَا هُوَ صَانِع .......... رَأْس الْوُفُود مُزَاحِم بْن جِسَاس <br>وَقَدْ يَكُون الْوُفُود فِي هَذَا الْمَوْضِع جَمْع وَافِد , كَمَا الْجُلُوس جَمْع جَالِس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18036 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ النُّعْمَان بْن سَعْد , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْله : ( { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَلَدًا } قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا يُحْشَر الْوَفْد عَلَى أَرْجُلهمْ , وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا , وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِق مِثْلهَا , عَلَيْهَا رِحَال الذَّهَب , وَأَزِمَّتهَا الزَّبَرْجَد , فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَاب الْجَنَّة . )18037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ رَجُل , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ( { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } قَالَ : عَلَى الْإِبِل . )18038 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } يَقُول : رُكْبَانًا . )18039 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , قَالَ : (إِنَّ الْمُؤْمِن إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْره اِسْتَقْبَلَهُ أَحْسَن صُورَة , وَأَطْيَبهَا رِيحًا , فَيَقُول : هَلْ تَعْرِفنِي ؟ فَيَقُول : لَا إِلَّا أَنَّ اللَّه طَيَّبَ رِيحك وَحَسَّنَ صُورَتك , فَيَقُول : كَذَلِكَ كُنْت فِي الدُّنْيَا أَنَا عَمَلك الصَّالِح طَالَمَا رَكِبْتُك فِي الدُّنْيَا , فَارْكَبْنِي أَنْتَ الْيَوْم , وَتَلَا : { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } )18040 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } قَالَ : وَفْدًا إِلَى الْجَنَّة . )18041 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } قَالَ : عَلَى النَّجَائِب . )18042 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ يَقُول : ( { يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } قَالَ : عَلَى الْإِبِل النُّوق .)
وَقَوْله : { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَسُوق الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إِلَى جَهَنَّم عِطَاشًا . وَالْوِرْد : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَرَدْت كَذَا أَرِدهُ وِرْدًا , وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع , وَقَدْ وُصِفَ بِهِ الْجَمْع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18043 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } يَقُول : عِطَاشًا . )18044 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ رَجُل , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ( { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } قَالَ : عِطَاشًا . )18045 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَالْفَضْل بْن صَبَاح , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } قَالَ : عِطَاشًا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 18046 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } قَالَ : ظِمَاء إِلَى النَّار . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } سُوقُوا إِلَيْهَا وَهُمْ ظِمْء عِطَاش . )18047 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : (سَمِعْت سُفْيَان يَقُول فِي قَوْله : { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } قَالَ : عِطَاشًا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَمْلِك هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ يَا مُحَمَّد , يَوْم يَحْشُر اللَّه الْمُتَّقِينَ إِلَيْهِ وَفْدًا الشَّفَاعَة , حِين يَشْفَع أَهْل الْإِيمَان بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عِنْد اللَّه , فَيَشْفَع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ { إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ } مِنْهُمْ { عِنْد الرَّحْمَن } فِي الدُّنْيَا { عَهْدًا } بِالْإِيمَانِ بِهِ , وَتَصْدِيق رَسُوله , وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ بِهِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ بِهِ . كَمَا : 18048 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } قَالَ : الْعَهْد : شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَيَتَبَرَّأ إِلَى اللَّه مِنْ الْحَوْل وَالْقُوَّة وَلَا يَرْجُو إِلَّا اللَّه . )18049 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ شُفَعَاء { إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } قَالَ : عَمَلًا صَالِحًا . )18050 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } : [20 109 ]أَيْ بِطَاعَتِهِ , وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى : { لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة يُشَفِّع الْمُؤْمِنِينَ بَعْضهمْ فِي بَعْض , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : | إِنَّ فِي أُمَّتِي رَجُلًا لَيُدْخِلَن اللَّه بِشَفَاعَتِهِ الْجَنَّة أَكْثَر مِنْ بَنِي تَمِيم | , وَكُنَّا نُحَدِّث أَنَّ | الشَّهِيد يُشَفَّع فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْل بَيْته . )18051 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْمَلِيح , عَنْ عَوْف بْن مَالِك , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا . )و | مَنْ | فِي قَوْله : { إِلَّا مَنْ } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَلَا يَكُون خَفْضًا بِضَمِيرِ اللَّام , وَلَكِنْ قَدْ يَكُون نَصْبًا فِي الْكَلَام فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : أَرَدْت الْمُرُور الْيَوْم إِلَّا الْعَدُوّ , فَإِنِّي لَا أَمُرّ بِهِ , فَيُسْتَثْنَى الْعَدُوّ مِنْ الْمَعْنَى , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْله : { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَا يَمْلِك هَؤُلَاءِ الْكُفَّار إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ , فَالْمُؤْمِنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَعْدَاد الْكَافِرِينَ , وَمَنْ نَصَبَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِمَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَل قَوْله لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة لِلْمُتَّقِينَ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا , لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة , إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا . فَيَكُون مَعْنَاهُ عِنْد ذَلِكَ : إِلَّا لِمَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا . فَأَمَّا إِذَا جَعَلَ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة خَبَرًا عَنْ الْمُجْرِمِينَ , فَإِنَّ | مَنْ | تَكُون حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى أَنَّهُ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة , لَكِنْ مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا يَمْلِكهُ .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ { اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْقَائِلِينَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقه : لَقَدْ جِئْتُمْ أَيّهَا النَّاس شَيْئًا عَظِيمًا مِنْ الْقَوْل مُنْكَرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18052 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { شَيْئًا إِدًّا } يَقُول : قَوْلًا عَظِيمًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا } يَقُول : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا عَظِيمًا وَهُوَ الْمُنْكَر مِنْ الْقَوْل . )18053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { شَيْئًا إِدًّا } قَالَ : عَظِيمًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18054 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { شَيْئًا إِدًّا } قَالَ : عَظِيمًا . )18055 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا } قَالَ : جِئْتُمْ شَيْئًا كَبِيرًا مِنْ الْأَمْر حِين دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا .)
وَفِي الْإِدّ لُغَات ثَلَاث , يُقَال : لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِدًّا , بِكَسْرِ الْأَلِف , وَأَدًّا بِفَتْحِ الْأَلِف , وَآدًّا بِفَتْحِ الْأَلِف وَمَدّهَا , عَلَى مِثَال مَادّ فَاعِل . وَقَرَأَ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَبِهَا نَقْرَأ , وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِف , وَلَا أَرَى قِرَاءَته كَذَلِكَ لِخِلَافِهَا قِرَاءَة قُرَّاء الْأَمْصَار , وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ أَمْر عَظِيم : إِدّ , وَإِمْر , وَنُكْر ; وَمِنْهُ قَوْله الرَّاجِز : <br>قَدْ لَقِيَ الْأَعْدَاء مِنِّي نُكْرًا .......... دَاهِيَة دَهْيَاء إِدًّا إِمْرَا <br>وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : <br>فِي لَهَث مِنْهُ وَحَثْل إِدَّا<br>
وَقَوْله : { تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَكَاد السَّمَاوَات يَتَشَقَّقْنَ قَطْعًا مِنْ قِيلهمْ : { اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا } وَمِنْهُ قِيلَ : فَطَرَ نَابه : إِذَا اِنْشَقَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18056 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } قَالَ : إِنَّ الشِّرْك فَزِعَتْ مِنْهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , وَجَمِيع الْخَلَائِق إِلَّا الثَّقَلَيْنِ , وَكَادَتْ أَنْ تَزُول مِنْهُ لِعَظَمَةِ اللَّه , وَكَمَا لَا يَنْفَع مَعَ الشِّرْك إِحْسَان الْمُشْرِك , كَذَلِكَ نَرْجُو أَنْ يَغْفِر اللَّه ذُنُوب الْمُوَحِّدِينَ . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَة أَنْ إِلَه إِلَّا اللَّه , فَمَنْ قَالَهَا عِنْد مَوْته وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة | قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , فَمَنْ قَالَهَا فِي صِحَّته ؟ قَالَ : | تِلْكَ أَوْجَب وَأَوْجَب | . ثُمَّ قَالَ : | وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جِيءَ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنهنَّ وَمَا تَحْتهنَّ , فَوُضِعْنَ فِي كِفَّة الْمِيزَان , وَوُضِعَتْ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فِي الْكِفَّة الْأُخْرَى , لَرَجَحَتْ بِهِنَّ . )18057 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول : غَضِبَتْ الْمَلَائِكَة , وَاسْتَعَرَتْ جَهَنَّم , حِين قَالُوا مَا قَالُوا .)|وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا|وَقَوْله : { وَتَنْشَقّ الْأَرْض } يَقُول : وَتَكَاد الْأَرْض تَنْشَقّ , فَتَنْصَدِع مِنْ ذَلِكَ { وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا } يَقُول : وَتَكَاد الْجِبَال يَسْقُط بَعْضهَا عَلَى بَعْض سُقُوطًا . وَالْهَدّ : السُّقُوط , وَهُوَ مَصْدَر هَدَدْت , فَأَنَا أَهُدّ هَدًّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18058 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا } يَقُول : هَدْمًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا } قَالَ : الْهَدّ : الِانْقِضَاض . )18059 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا } قَالَ : غَضَبًا لِلَّهِ . قَالَ : وَلَقَدْ دَعَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ هَذَا الَّذِي غَضِبَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال مِنْ قَوْلهمْ , لَقَدْ اِسْتَتَابَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَة , فَقَالَ : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } [5 73 ]قَالُوا : هُوَ وَصَاحِبَته وَابْنه , جَعَلُوهُمَا إِلَهَيْنِ مَعَهُ { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد } . ... [5 73 ]إِلَى قَوْله : { وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } )[5 73]
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَكَاد الْجِبَال أَنْ تَخِرّ اِنْقِضَاضًا , لِأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . ف | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ , وَفِي قَوْل غَيْره فِي مَوْضِع خَفْض بِضَمِيرِ الْخَافِض - وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَالَ : { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ دَعَوْا } : أَنْ جَعَلُوا لَهُ وَلَدًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو نَصِيحًا وَإِنْ تَغِبْ .......... تَجِدهُ بِغَيْبٍ غَيْر مُنْتَصِح الصَّدْر <br>وَقَالَ اِبْن أَحْمَر : <br>أَهْوَى لَهَا مِشْقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَهَا .......... وَكُنْت أَدْعُو قَذَاهَا الْإِثْمِد الْقَرِدَا<br>
وَقَوْله : { وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا } يَقُول : وَمَا يَصْلُح لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا , لِأَنَّهُ لَيْسَ , كَالْخَلْقِ الَّذِينَ تَغْلِبهُمْ الشَّهَوَات , وَتَضْطَرّهُمْ اللَّذَّات إِلَى جِمَاع الْإِنَاث , وَلَا وَلَد يَحْدُث إِلَّا مِنْ أُنْثَى , وَاَللَّه يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُون كَخَلْقِهِ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ اِبْن أَحْمَر : <br>فِي رَأْس خَلْقَاء مِنْ عَنْقَاء مُشْرِفَة .......... مَا يَنْبَغِي دُونهَا سَهْل وَلَا جَبَل <br>يَعْنِي : لَا يَصْلُح وَلَا يَكُون .
{ إِنْ كُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا } يَقُول : مَا جَمِيع مِنْ فِي السَّمَاوَات مِنْ الْمَلَائِكَة , وَفِي الْأَرْض مِنْ الْبَشَر وَالْإِنْس وَالْجِنّ { إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا } يَقُول : إِلَّا يَأْتِي رَبّه يَوْم الْقِيَامَة عَبْدًا لَهُ , ذَلِيلًا خَاضِعًا , مُقِرًّا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , لَا نَسَب بَيْنه وَبَيْنه . وَقَوْله : { آتِي الرَّحْمَن } إِنَّمَا هُوَ فَاعِل مِنْ أَتَيْته , فَأَنَا آتِيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ أَحْصَى الرَّحْمَن خَلْقه كُلّهمْ , وَعَدَّهُمْ عَدًّا , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَبْلَغ جَمِيعهمْ , وَعَرَفَ عَدَدهمْ , فَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَد .
{ وَكُلّهمْ آتِيه يَوْم الْقِيَامَة فَرْدًا } يَقُول : وَجَمِيع خَلْقه سَوْفَ يُرَدّ عَلَيْهِ يَوْم تَقُوم السَّاعَة وَحِيدًا لَا نَاصِر لَهُ مِنْ اللَّه , وَلَا دَافِع عَنْهُ , فَيَقْضِي اللَّه فِيهِ مَا هُوَ قَاضٍ , وَيَصْنَع بِهِ مَا هُوَ صَانِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله , وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , فَعَمِلُوا بِهِ , فَأَحَلُّوا حَلَاله , وَحَرَّمُوا حَرَامه { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } فِي الدُّنْيَا , فِي صُدُور عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18060 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُسْلِم الْمُلَائِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : مَحَبَّة فِي النَّاس فِي الدُّنْيَا . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : حُبًّا . )18061 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : الْوُدّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا , و الرِّزْق الْحَسَن . وَاللِّسَان الصَّادِق . )18062 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : مَحَبَّة فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : يُحِبّهُمْ وَيُحَبِّبهُمْ إِلَى خَلْقه . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : يُحِبّهُمْ وَيُحَبِّبهُمْ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن هَاشِم , عَنْ أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (يُحِبّهُمْ وَيُحَبِّبهُمْ . )18063 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : مَا أَقْبَلَ عَبْد إِلَى اللَّه إِلَّا أَقْبَلَ اللَّه بِقُلُوبِ الْعِبَاد إِلَيْهِ وَزَادَهُ مِنْ عِنْده . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } : إِي وَاَللَّه فِي قُلُوب أَهْل الْإِيمَان . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَرَم بْن حَيَّان كَانَ يَقُول : مَا أَقْبَلَ عَبْد بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّه , إِلَّا أَقْبَلَ اللَّه بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ , حَتَّى يَرْزُقهُ مَوَدَّتهمْ وَرَحْمَتهمْ . )18064 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان كَانَ يَقُول : مَا مِنْ النَّاس عَبْد يَعْمَل خَيْرًا وَلَا يَعْمَل شَرًّا , إِلَّا كَسَاهُ اللَّه رِدَاء عَمَله . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } قَالَ : مَحَبَّة . )وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . 18065 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُمّه أُمّ إِبْرَاهِيم اِبْنَة أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , عَنْ أَبِيهَا , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , (أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة , وَجَدَ فِي نَفْسه عَلَى فِرَاق أَصْحَابه بِمَكَّة , مِنْهُمْ شَيْبَة بْن رَبِيعَة , وَعُتْبَة بْن رَبِيعَة , وَأُمَيَّة بْن خَلَف , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَن وُدًّا } )
وَقَوْله : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنَّمَا يَسَّرْنَا يَا مُحَمَّد هَذَا الْقُرْآن بِلِسَانِك تَقْرَؤُهُ , لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اِتَّقُوا عِقَاب اللَّه , بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , بِالْجَنَّةِ . { وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا } يَقُول : وَلِتُنْذِر بِهَذَا الْقُرْآن عَذَاب اللَّه قَوْمك مِنْ قُرَيْش , فَإِنَّهُمْ أَهْل لَدَد وَجَدَل بِالْبَاطِلِ , لَا يَقْبَلُونَ الْحَقّ . وَاللُّدّ : شِدَّة الْخُصُومَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18066 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لُدًّا } قَالَ : لَا يَسْتَقِيمُونَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18067 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَتُنْذِر لَهُ قَوْمًا لُدًّا } يَقُول : لِتُنْذِر بِهِ قَوْمًا ظَلَمَة . )18068 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا } : أَيْ جِدَالًا بِالْبَاطِلِ , ذَوِي لَدَد وَخُصُومَة . )18069 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا } قَالَ : فُجَّارًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { قَوْمًا لُدًّا } قَالَ : جِدَالًا بِالْبَاطِلِ . )18070 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا } قَالَ : الْأَلَدّ : الظَّلُوم , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } )[2 204 ]18071 - حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح الضِّرَارِيّ . قَالَ : ثنا الْعَلَاء بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مَهْدِيّ مَيْمُون , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا } قَالَ : صُمًّا عَنْ الْحَقّ . )* - حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ هَارُون , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَلَدّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَثِيرًا أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّد قَبْل قَوْمك مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , مِنْ قَرْن , يَعْنِي مِنْ جَمَاعَة مِنْ النَّاس , إِذَا سَلَكُوا فِي خِلَافِي وَرُكُوب مَعَاصِي مَسْلَكهمْ , هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد : يَقُول : فَهَلْ تُحِسّ أَنْتَ مِنْهُمْ أَحَدًا يَا مُحَمَّد فَتَرَاهُ وَتُعَايِنهُ { أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } يَقُول : أَوْ تَسْمَع لَهُمْ صَوْتًا , بَلْ بَادُوا وَهَلَكُوا , وَخَلَتْ مِنْهُمْ دُورهمْ , وَأَوْحَشَتْ مِنْهُمْ مَنَازِلهمْ , وَصَارُوا إِلَى دَار لَا يَنْفَعهُمْ فِيهَا إِلَّا صَالِح مِنْ عَمَل قَدَّمُوهُ , فَكَذَلِكَ قَوْمك هَؤُلَاءِ , صَائِرُونَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أُولَئِكَ , إِنْ لَمْ يُعَالِجُوا التَّوْبَة قَبْل الْهَلَاك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18072 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } قَالَ : صَوْتًا . )18073 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا ؟ } قَالَ : هَلْ تَرَى عَيْنًا , أَوْ تَسْمَع صَوْتًا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا ؟ } يَقُول : هَلْ تَسْمَع مِنْ صَوْت , أَوْ تَرَى مِنْ عَيْن ؟ . )18074 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } يَعْنِي : صَوْتًا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (رِكْز النَّاس : أَصْوَاتهمْ . قَالَ أَبُو كُرَيْب : قَالَ سُفْيَان : { هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } ؟ . )18075 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَد أَوْ تَسْمَع لَهُمْ رِكْزًا } قَالَ : أَوْ تَسْمَع لَهُمْ حِسًّا . قَالَ : وَالرِّكَز : الْحِسّ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالرِّكْز فِي كَلَام الْعَرَب : الصَّوْت الْخَفِيّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَتَوَجَّسَتْ ذِكْر الْأَنِيس فَرَاعَهَا .......... عَنْ ظَهْر غَيْب وَالْأَنِيس سَقَامهَا <br>| آخِر تَفْسِير سُورَة مَرْيَم وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ |
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { طَه } . </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرير : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله : { طَه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ يَا رَجُل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18076 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ الْحَسَن بْن وَاقد , عَنْ يَزيد النَّحْويّ , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : (طَه : بالنَّبَطيَّة : يَا رَجُل . )18077 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { طَه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } فَإنَّ قَوْمه قَالُوا : لَقَدْ شَقيَ هَذَا الرَّجُل برَبّه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذكْره { طَه } يَعْني : يَا رَجُل { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } . )18078 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَني عَبْد اللَّه بْن مُسْلم , أَوْ يَعْلَى بْن مُسْلم , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ : (طَه : يَا رَجُل بالسُّرْيَانيَّة . )* - قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَني زَمْعَة بْن صَالح , عَنْ سَلَمَة بْن وَهْرَام , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , بذَلكَ أَيْضًا . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهد , ذَلكَ أَيْضًا . 18079 - حَدَّثَنَا عمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارث بْن سَعيد , قَالَ : ثنا عُمَارَة عَنْ عكْرمَة , (في قَوْله : { طَه } قَالَ : يَا رَجُل , كَلَّمَهُ بالنَّبَطيَّة . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ عكْرمَة , في قَوْله ( { طَه } قَالَ : بالنَّبَطيَّة : يَا إنْسَان . )18080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , عَنْ قُرَّة بْن خَالد , عَنْ الضَّحَّاك , في قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل بالنَّبَطيَّة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عكْرمَة في قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل . )18081 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل , وَهيَ بالسُّرْيَانيَّة . )18082 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن في قَوْله : ( { طَه } قَالَا : يَا رَجُل . )* - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , يَعْني ابْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله { طَه } قَالَ : يَا رَجُل . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه , وَقَسَم أَقْسَمَ اللَّه به . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18083 - حَدَّثَنَا عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنَى مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله : ( { طَه } قَالَ : فَإنَّهُ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه به , وَهُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف هجَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة يَدُلّ كُلّ حَرْف منْهَا عَلَى مَعْنَى , وَاخْتَلَفُوا في ذَلكَ اخْتلَافهمْ في الم , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلكَ في مَوَاضعه , وَبَيَّنَّا ذَلكَ بشَوَاهده . وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب عنْدي منْ الْأَقْوَال فيه : قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : يَا رَجُل , لأَنَّهَا كَلمَة مَعْرُوفَة في عَكّ فيمَا بَلَغَني , وَأَنَّ مَعْنَاهَا فيهمْ : يَا رَجُل , أَنْشَدْت لمُتَمّم بْن نُوَيْرَة : <br>هَتَفْت بطَهَ في الْقتَال فَلَمْ يُجبْ .......... فَخفْت عَلَيْه أَنْ يَكُون مُوَائلَا <br>وَقَالَ آخَر : <br>إنَّ السَّفَاهَة طَه منْ خَلَائقكُمْ .......... لَا بَارَكَ اللَّه في الْقَوْم الْمَلَاعين <br>فَإذَا كَانَ ذَلكَ مَعْرُوفًا فيهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , فَالْوَاجب أَنْ يُوَجَّه تَأْويله إلَى الْمَعْرُوف فيهمْ منْ مَعْنَاهُ , وَلَا سيَّمَا إذَا وَافَقَ ذَلكَ تَأْويل أَهْل الْعلْم منْ الصَّحَابَة وَالتَّابعينَ . فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ : يَا رَجُل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى , مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك فَنُكَلّفك مَا لَا طَاقَة لَك به منْ الْعَمَل . وَذُكرَ أَنَّهُ قيلَ لَهُ ذَلكَ بسَبَب مَا كَانَ يَلْقَى منْ النَّصَب وَالْعَنَاء وَالسَّهَر في قيَام اللَّيْل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18084 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } قَالَ : هيَ مثْل قَوْله : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ } [73 20 ]فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال في صُدُورهمْ في الصَّلَاة . )18085 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } قَالَ : في الصَّلَاة كَقَوْله : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ } [73 20 ]فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال بصُدُورهمْ في الصَّلَاة . )18086 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } لَا وَاَللَّه مَا جَعَلَهُ اللَّه شَقيًّا , وَلَكنْ جَعَلَهُ رَحْمَة وَنُورًا , وَدَليلًا إلَى الْجَنَّة .)
قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرير : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله : { طَه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ يَا رَجُل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18076 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ الْحَسَن بْن وَاقد , عَنْ يَزيد النَّحْويّ , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : (طَه : بالنَّبَطيَّة : يَا رَجُل . )18077 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { طَه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } فَإنَّ قَوْمه قَالُوا : لَقَدْ شَقيَ هَذَا الرَّجُل برَبّه , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذكْره { طَه } يَعْني : يَا رَجُل { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } . )18078 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَني عَبْد اللَّه بْن مُسْلم , أَوْ يَعْلَى بْن مُسْلم , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ : (طَه : يَا رَجُل بالسُّرْيَانيَّة . )* - قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَني زَمْعَة بْن صَالح , عَنْ سَلَمَة بْن وَهْرَام , عَنْ عكْرمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , بذَلكَ أَيْضًا . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهد , ذَلكَ أَيْضًا . 18079 - حَدَّثَنَا عمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارث بْن سَعيد , قَالَ : ثنا عُمَارَة عَنْ عكْرمَة , (في قَوْله : { طَه } قَالَ : يَا رَجُل , كَلَّمَهُ بالنَّبَطيَّة . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ عكْرمَة , في قَوْله ( { طَه } قَالَ : بالنَّبَطيَّة : يَا إنْسَان . )18080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , عَنْ قُرَّة بْن خَالد , عَنْ الضَّحَّاك , في قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل بالنَّبَطيَّة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عكْرمَة في قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل . )18081 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { طَه } قَالَ : يَا رَجُل , وَهيَ بالسُّرْيَانيَّة . )18082 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَالْحَسَن في قَوْله : ( { طَه } قَالَا : يَا رَجُل . )* - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , يَعْني ابْن سُلَيْمَان , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله { طَه } قَالَ : يَا رَجُل . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه , وَقَسَمَ أَقْسَمَ اللَّه به . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18083 - حَدَّثَنَا عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنَى مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله : ( { طَه } قَالَ : فَإنَّهُ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه به , وَهُوَ اسْم منْ أَسْمَاء اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف هجَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة يَدُلّ كُلّ حَرْف منْهَا عَلَى مَعْنًى , وَاخْتَلَفُوا في ذَلكَ اخْتلَافهمْ في الم , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلكَ في مَوَاضعه , وَبَيَّنَّا ذَلكَ بشَوَاهده . وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب عنْدي منْ الْأَقْوَال فيه : قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : يَا رَجُل , لأَنَّهَا كَلمَة مَعْرُوفَة في عَكّ فيمَا بَلَغَني , وَأَنَّ مَعْنَاهَا فيهمْ : يَا رَجُل , أَنْشَدْت لمُتَمّم بْن نُوَيْرَة : <br>هَتَفْت بطَهَ في الْقتَال فَلَمْ يُجبْ .......... فَخفْت عَلَيْه أَنْ يَكُون مُوَائلَا <br>وَقَالَ آخَر : <br>إنَّ السَّفَاهَة طَه منْ خَلَائقكُمْ .......... لَا بَارَكَ اللَّه في الْقَوْم الْمَلَاعين <br>فَإذَا كَانَ ذَلكَ مَعْرُوفًا فيهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , فَالْوَاجب أَنْ يُوَجَّه تَأْويله إلَى الْمَعْرُوف فيهمْ منْ مَعْنَاهُ , وَلَا سيَّمَا إذَا وَافَقَ ذَلكَ تَأْويل أَهْل الْعلْم منْ الصَّحَابَة وَالتَّابعينَ . فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ : يَا رَجُل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى , مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك فَنُكَلّفك مَا لَا طَاقَة لَك به منْ الْعَمَل . وَذُكرَ أَنَّهُ قيلَ لَهُ ذَلكَ بسَبَب مَا كَانَ يَلْقَى منْ النَّصَب وَالْعَنَاء وَالسَّهَر في قيَام اللَّيْل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18084 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } قَالَ : هيَ مثْل قَوْله : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ } [73 20 ]فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال في صُدُورهمْ في الصَّلَاة . )18085 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } قَالَ : في الصَّلَاة كَقَوْله : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ } [73 20 ]فَكَانُوا يُعَلّقُونَ الْحبَال بصُدُورهمْ في الصَّلَاة . )18086 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتَشْقَى } لَا وَاَللَّه مَا جَعَلَهُ اللَّه شَقيًّا , وَلَكنْ جَعَلَهُ رَحْمَة وَنُورًا , وَدَليلًا إلَى الْجَنَّة .)
وَقَوْله : { إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك هَذَا الْقُرْآن إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى عقَاب اللَّه , فَيَتَّقيه بأَدَاء فَرَائض رَبّه وَاجْتنَاب مَحَارمه , كَمَا : 18087 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى } وَإنَّ اللَّه أَنْزَلَ كُتُبه , وَبَعَثَ رُسُله رَحْمَة رَحمَ اللَّه بهَا الْعبَاد , ليَتَذَكَّر ذَاكر , وَيَنْتَفع رَجُل بمَا سَمعَ منْ كتَاب اللَّه , وَهُوَ ذكْر لَهُ أَنْزَلَ اللَّه فيه حَلَاله وَحَرَامه , فَقَالَ : { تَنْزيلًا ممَّنْ خَلَقَ الْأَرْض وَالسَّمَوَات الْعُلَى } . )18088 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : ( { إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى } قَالَ : الَّذي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْك تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى . )فَمَعْنَى الْكَلَام إذَنْ : يَا رَجُل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك هَذَا الْقُرْآن لتَشْقَى به , مَا أَنْزَلْنَاهُ إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبيَّة في وَجْه نَصْب تَذْكرَة , فَكَانَ بَعْض نَحْويّي الْبَصْرَة يَقُول : قَالَ : إلَّا تَذْكرَة بَدَلًا منْ قَوْله لتَشْقَى , فَجَعَلَهُ . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن إلَّا تَذْكرَة . وَكَانَ بَعْض نَحْويّي الْكُوفَة يَقُول : نُصبَتْ عَلَى قَوْله . مَا أَنْزَلْنَاهُ إلَّا تَذْكرَة . وَكَانَ بَعْضهمْ يُنْكر قَوْل الْقَائل : نُصبَتْ بَدَلًا منْ قَوْله { لتَشْقَى } وَيَقُول : ذَلكَ غَيْر جَائز , لأَنَّ { لتَشْقَى } في الْجَحْد , و { إلَّا تَذْكرَة } في التَّحْقيق , وَلَكنَّهُ تَكْرير . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : مَعْنَى الْكَلَام : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن إلَّا تَذْكرَة لمَنْ يَخْشَى , لَا لتَشْقَى .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { تَنْزيلًا ممَّنْ خَلَقَ الْأَرْض وَالسَّمَوَات الْعُلَى } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : هَذَا الْقُرْآن تَنْزيل منْ الرَّبّ الَّذي خَلَقَ الْأَرْض وَالسَّمَوَات الْعُلَى . وَالْعُلَى : جَمْع عُلْيَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبيَّة في وَجْه نَصْب قَوْله : { تَنْزيلًا } فَقَالَ بَعْض نَحْويّي الْبَصْرَة : نُصبَ ذَلكَ بمَعْنَى : نَزَّلَ اللَّه تَنْزيلًا . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ ذَلكَ منْ قيله هَذَا منْ كَلَامَيْن , وَلَكنَّ الْمَعْنَى : هُوَ تَنْزيل , ثُمَّ أَسْقَطَ هُوَ , وَاتَّصَلَ بالْكَلَام الَّذي قَبْله , فَخَرَجَ منْهُ , وَلَمْ يَكُنْ منْ لَفْظه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْلَان جَميعًا عنْدي غَيْر خَطَأ .
وَقَوْله : { الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : الرَّحْمَن عَلَى عَرْشه ارْتَفَعَ وَعَلَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الاسْتوَاء بشَوَاهده فيمَا مَضَى وَذَكَرْنَا اخْتلَاف الْمُخْتَلفينَ فيه فَأَغْنَى ذَلكَ عَنْ إعَادَته في هَذَا الْمَوْضع . وَللرَّفْع في الرَّحْمَن وَجْهَان : أَحَدهمَا بمَعْنَى قَوْله : تَنْزيلًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : نَزَّلَهُ مَنْ خَلَقَ الْأَرْض وَالسَّمَوَات , نَزَّلَهُ الرَّحْمَن الَّذي عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى . وَالْآخَر بقَوْله : { عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى } لأَنَّ في قَوْله اسْتَوَى , ذكْرًا منْ الرَّحْمَن .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { لَهُ مَا في السَّمَوَات وَمَا في الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَمَا تَحْت الثَّرَى } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : للَّه مَا في السَّمَوَات وَمَا في الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَمَا تَحْت الثَّرَى , مُلْكًا لَهُ , وَهُوَ مُدَبّر ذَلكَ كُلّه , وَمُصَرّف جَميعه . وَيَعْني بالثَّرَى : النَّدَى . يُقَال للتُّرَاب الرَّطْب الْمُبْتَلّ : ثَرَى مَنْقُوص , يُقَال منْهُ : ثَريَتْ الْأَرْض تَثْرَى , ثَرَى مَنْقُوص , وَالثَّرَى : مَصْدَر . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18089 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا تَحْت الثَّرَى } وَالثَّرَى : كُلّ شَيْء مُبْتَلّ . )18090 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَمَا تَحْت الثَّرَى } مَا حُفرَ منْ التُّرَاب مُبْتَلًّا . )وَإنَّمَا عَنَى بذَلكَ : وَمَا تَحْت الْأَرَضينَ السَّبْع . كَاَلَّذي : 18091 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن إبْرَاهيم السُّلَيْميّ الْمَعْرُوف بابْن صَدْرَانَ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رفَاعَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب ( { وَمَا تَحْت الثَّرَى } قَالَ : الثَّرَى : سَبْع أَرَضينَ .)
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَإنْ تَجْهَر بالْقَوْل فَإنَّهُ يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَإنْ تَجْهَر يَا مُحَمَّد بالْقَوْل , أَوْ تَخْفَ به , فَسَوَاء عنْد رَبّك الَّذي لَهُ مَا في السَّمَوَات وَمَا في الْأَرْض { فَإنَّهُ يَعْلَم السّرّ } يَقُول : فَإنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْه مَا اسْتَسْرَرْتهُ في نَفْسك , فَلَمْ تُبْده بجَوَارحك وَلَمْ تَتَكَلَّم بلسَانك , وَلَمْ تَنْطق به وَأَخْفَى . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في الْمَعْنيّ بقَوْله { وَأَخْفَى } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَأَخْفَى منْ السّرّ , قَالَ : وَاَلَّذي هُوَ أَخْفَى منْ السّرّ مَا حَدَّثَ به الْمَرْء نَفْسه وَلَمْ يَعْمَلهُ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18092 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : السّرّ : مَا عَملْته أَنْتَ وَأَخْفَى : مَا قَذَفَ اللَّه في قَلْبك ممَّا لَمْ تَعْمَلهُ . )* - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثَنَى أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } يَعْني بأَخْفَى : مَا لَمْ يَعْمَلهُ , وَهُوَ عَامله ; وَأَمَّا السّرّ : فَيَعْني مَا أَسَرَّ في نَفْسه . )* - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : السّرّ : مَا أَسَرَّ ابْن آدَم في نَفْسه . وَأَخْفَى : قَالَ : مَا أَخْفَى ابْن آدَم ممَّا هُوَ فَاعله قَبْل أَنْ يَعْمَلهُ , فَاَللَّه يَعْلَم ذَلكَ , فَعلْمه فيمَا مَضَى منْ ذَلكَ , وَمَا بَقيَ علْم وَاحد , وَجَميع الْخَلَائق عنْده في ذَلكَ كَنَفْسٍ وَاحدَة , وَهُوَ قَوْله : { مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إلَّا كَنَفْسٍ وَاحدَة } . )[31 28 ]* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ سَعيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : (السّرّ : مَا أَسَرَّ الْإنْسَان في نَفْسه ; وَأَخْفَى : مَا لَا يَعْلَم الْإنْسَان ممَّا هُوَ كَائن . )18093 - حَدَّثَني زَكَريَّا بْن يَحْيَى بْن أَبي زَائدَة وَمُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصم , عَنْ عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْل اللَّه : ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : أَخْفَى : الْوَسْوَسَة . زَادَ ابْن عَمْرو وَالْحَارث في حَديثَيْهمَا : وَالسّرّ : الْعَمَل الَّذي يُسرُّونَ منْ النَّاس . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد ( { وَأَخْفَى } قَالَ : الْوَسْوَسَة . )18094 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سمَاك , عَنْ عكْرمَة , في قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : أَخْفَى حَديث نَفْسك . )18095 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن الْحَسَن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : السّرّ : مَا يَكُون في نَفْسك الْيَوْم . وَأَخْفَى : مَا يَكُون في غَد وَبَعْد غَد , لَا يَعْلَمهُ إلَّا اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَأَخْفَى منْ السّرّ مَا لَمْ تُحَدّث به نَفْسك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18096 - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَاح , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , في قَوْله : ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : السّرّ : مَا أَسْرَرْت في نَفْسك ; وَأَخْفَى منْ ذَلكَ : مَا لَمْ تُحَدّث به نَفْسك . )18097 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإنْ تَجْهَر بالْقَوْل فَإنَّهُ يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } كُنَّا نُحَدّث أَنَّ السّرّ مَا حَدَّثْت به نَفْسك , وَأَنَّ أَخْفَى منْ السّرّ : مَا هُوَ كَائن ممَّا لَمْ تُحَدّث به نَفْسك . )18098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة , في قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : يَعْلَم مَا أَسْرَرْت في نَفْسك , وَأَخْفَى : مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائن . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : أَخْفَى منْ السّرّ : مَا حَدَّثْت به نَفْسك , وَمَا لَمْ تُحَدّث به نَفْسك أَيْضًا ممَّا هُوَ كَائن . )18099 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } أَمَّا السّرّ : فَمَا أَسْرَرْت في نَفْسك . وَأَمَّا أَخْفَى منْ السّرّ : فَمَا لَمْ تَعْمَلهُ وَأَنْتَ عَامله , يَعْلَم اللَّه ذَلكَ كُلّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : إنَّهُ يَعْلَم سرّ الْعبَاد , وَأَخْفَى سرّ نَفْسه , فَلَمْ يُطْلع عَلَيْه أَحَدًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18100 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله ( { يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى } قَالَ : يَعْلَم أَسْرَار الْعبَاد , وَأَخْفَى سرّه فَلَا يَعْلَم . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَأَنَّ الَّذينَ وَجَّهُوا ذَلكَ إلَى أَنَّ السّرّ هُوَ مَا حَدَّثَ به الْإنْسَان غَيْره سرًّا , وَأَنَّ أَخْفَى : مَعْنَاهُ : مَا حَدَّثَ به نَفْسه , وَجَّهُوا تَأْويل أَخْفَى إلَى الْخَفيّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَدْ تُوضَع أَفْعَل مَوْضع الْفَاعل , وَاسْتَشْهَدُوا لقيلهمْ ذَلكَ بقَوْل الشَّاعر : <br>تَمَنَّى رجَال أَنْ أَمُوت وَإنْ أَمُتْ .......... فَتلْكَ طَريق , لَسْت فيهَا بأَوْحَد <br>وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى منْ السّرّ , لأَنَّ ذَلكَ هُوَ الظَّاهر منْ الْكَلَام ; وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلكَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْن زَيْد , لَكَانَ الْكَلَام : وَأَخْفَى اللَّه سرّه , لأَنَّ أَخْفَى : فعْل وَاقع مُتَعَدٍّ , إذْ كَانَ بمَعْنَى فَعَلَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ ابْن زَيْد , وَفي انْفرَاد أَخْفَى منْ مَفْعُوله , وَاَلَّذي يَعْمَل فيه لَوْ كَانَ بمَعْنَى فَعَلَ الدَّليل الْوَاضح عَلَى أَنَّهُ بمَعْنَى أَفْعَل , وَأَنَّ تَأْويل الْكَلَام : فَإنَّهُ يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى منْهُ . فَإذْ كَانَ ذَلكَ تَأْويله , فَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في مَعْنَى أَخْفَى منْ السّرّ أَنْ يُقَال : هُوَ مَا عَلمَ اللَّه ممَّا أَخْفَى عَنْ الْعبَاد , وَلَمْ يَعْلَمُوهُ ممَّا هُوَ كَائن وَلَمَّا يَكُنْ , لأَنَّ مَا ظَهَرَ وَكَانَ فَغَيْر سرّ , وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ غَيْر كَائن فَلَا شَيْء , وَأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ كَائن فَهُوَ أَخْفَى منْ السّرّ , لأَنَّ ذَلكَ لَا يَعْلَمهُ إلَّا اللَّه , ثُمَّ مَنْ أَعْلَمَهُ ذَلكَ منْ عبَاده .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذكْره : { اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ } فَإنَّهُ يَعْني به : الْمَعْبُود الَّذي لَا تَصْلُح الْعبَادَة إلَّا لَهُ . يَقُول : فَإيَّاهُ فَاعْبُدُوا أَيّهَا النَّاس دُون مَا سوَاهُ منْ الْآلهَة وَالْأَوْثَان { لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لمَعْبُودكُمْ أَيّهَا النَّاس الْأَسْمَاء الْحُسْنَى , فَقَالَ : الْحُسْنَى , فَوَحَّدَ , وَهُوَ نَعْت للْأَسْمَاء , وَلَمْ يَقُلْ الْأَحَاسن , لأَنَّ الْأَسْمَاء تَقَع عَلَيْهَا هَذه , فَيُقَال : هَذه أَسْمَاء , وَهَذه في لَفْظَة وَاحدَة ; وَمنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : <br>وَسَوْفَ يُعْقبُنيه إنْ ظَفرْت به .......... رَبّ غَفُور وَبيض ذَات أَطْهَار <br>فَوَحَّدَ ذَات , وَهُوَ نَعْت للْبيض لأَنَّهُ يَقَع عَلَيْهَا هَذه , كَمَا قَالَ : { حَدَائق ذَات بَهْجَة } [27 60 ]وَمنْهُ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَآرب أُخْرَى } [20 18 ]فَوَحَّدَ أُخْرَى , وَهيَ نَعْت لمَآرب , وَالْمَآرب : جَمْع , وَاحدَتهَا : مَأْرُبَة , وَلَمْ يَقُلْ أُخَر , لمَا وَصَفْنَا , وَلَوْ قيلَ : أُخَر , لَكَانَ صَوَابًا .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَهَلْ أَتَاك حَديث مُوسَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ مُسَلّيه عَمَّا يَلْقَى منْ الشّدَّة منْ مُشْركي قَوْمه , وَمُعَرّفه مَا إلَيْه صَائر أَمْره وَأَمْرهمْ , وَأَنَّهُ مُعْليه عَلَيْهمْ , وَمُوهن كَيْد الْكَافرينَ , وَيَحُثّهُ عَلَى الْجدّ في أَمْره , وَالصَّبْر عَلَى عبَادَته , وَأَنْ يَتَذَكَّر فيمَا يَنُوبهُ فيه منْ أَعْدَائه منْ مُشْركي قَوْمه وَغَيْرهمْ , وَفيمَا يُزَاول منْ الاجْتهَاد في طَاعَته مَا نَابَ أَخَاهُ مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْه منْ عَدُوّهُ , ثُمَّ منْ قَوْمه , وَمنْ بَني إسْرَائيل وَمَا لَقيَ فيه منْ الْبَلَاء وَالشّدَّة طفْلًا صَغيرًا , ثُمَّ يَافعًا مُتَرَعْرعًا , ثُمَّ رَجُلًا كَاملًا : { وَهَلْ أَتَاك } يَا مُحَمَّد { حَديث مُوسَى } ابْن عمْرَان .