وَقَوْله : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ عَلَيْنَا لَبَيَان الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , وَالطَّاعَة مِنْ الْمَعْصِيَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29028- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } يَقُول : عَلَى اللَّه الْبَيَان , بَيَان حَلَاله وَحَرَامه , وَطَاعَته وَمَعْصِيَته . )وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَتَأَوَّلهُ بِمَعْنَى : أَنَّهُ مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّه سَبِيله , وَيَقُول وَهُوَ مِثْل قَوْله : { وَعَلَى اللَّه قَصْد السَّبِيل } وَيَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ أَرَادَ اللَّه فَهُوَ عَلَى السَّبِيل الْقَاصِد , وَقَالَ : يُقَال مَعْنَاهُ : إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَال , كَمَا قَالَ : { سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ } وَهِيَ تَقِي الْحَرّ وَالْبَرْد .
وَقَوْله : { وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَة وَالْأُولَى } يَقُول : وَإِنَّ لَنَا مُلْك مَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , نُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ أَرَدْنَا مِنْ خَلْقنَا , وَنُحْرِمهُ مَنْ شِئْنَا . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُوَفِّق لِطَاعَتِهِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه , فَيُكْرِمهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا , وَيُهَيِّئ لَهُ الْكَرَامَة وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة , وَيَخْذُل مَنْ يَشَاء خِذْلَانه مِنْ خَلْقه عَنْ طَاعَته , فَيُهِينهُ بِمَعْصِيَتِهِ فِي الدُّنْيَا , وَيُخْزِيه بِعُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة .
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْذَرْتُكُمْ أَيّهَا النَّاس نَارًا تَتَوَهَّج , وَهِيَ نَار جَهَنَّم , يَقُول : اِحْذَرُوا أَنْ تَعْصُوا رَبّكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَتَكْفُرُوا بِهِ , فَتَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : تَلَظَّى , وَإِنَّمَا هِيَ تَتَلَظَّى , وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل , وَلَوْ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًا لَقِيلَ : فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّتْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { نَارًا تَلَظَّى } قَالَ : تَوَهَّج .)
وَقَوْله : { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَا يَدْخُلهَا فَيَصْلَى بِسَعِيرِهَا إِلَّا الْأَشْقَى ,
{ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } يَقُول : الَّذِي كَذَّبَ بِآيَاتِ رَبّه , وَأَعْرَضَ عَنْهَا , وَلَمْ يُصَدِّق بِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29030- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن الْغَاز , عَنْ مَكْحُول , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّة إِلَّا مَنْ يَأْبَى , قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَة : وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة ؟ قَالَ : فَقَرَأَ : { الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } . )29031 -حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن نَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن بْن حَبِيب وَمُعَاذ بْن مُعَاذ , قَالَا : ثَنَا الْأَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله :( { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى } قَالَ مُعَاذ : الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى , وَلَمْ يَقُلْهُ الْحَسَن , قَالَ : الْمُشْرِك .) وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : لَمْ يَكُنْ كَذَّبَ بِرَدٍّ ظَاهِر , وَلَكِنْ قَصَّرَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الطَّاعَة , فَجُعِلَ تَكْذِيبًا , كَمَا تَقُول : لَقِيَ فُلَان الْعَدُوّ , فَكَذَبَ إِذَا نَكَلَ وَرَجَعَ. وَذُكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْض الْعَرَب يَقُول : لَيْسَ لِحَدِّهِمْ مَكْذُوبَة , بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا صَدَقُوا الْقِتَال , وَلَمْ يَرْجِعُوا ; قَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة }.