الْقَوْل فِي تَفْسِير السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا الْأَنْفَال { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَنْفَال الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْغَنَائِم , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : يَسْأَلك أَصْحَابك يَا مُحَمَّد عَنْ الْغَنَائِم الَّتِي غَنِمْتهَا أَنْتَ وَأَصْحَابك يَوْم بَدْر لِمَنْ هِيَ , فَقُلْ هِيَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12136 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )12137 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْأَنْفَال : الْمَغْنَم . )12138 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْغَنَائِم . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الْأَنْفَال } قَالَ : يَعْنِي الْغَنَائِم . )12139 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )12140 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )12141 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (الْأَنْفَال : الْغَنَائِم . )12142 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : الْغَنَائِم . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَنْفَال السَّرَايَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12143 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن صَالِح بْن حَيّ , قَالَ : بَلَغَنِي فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : السَّرَايَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْأَنْفَال مَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْد أَوْ دَابَّة وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12144 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } قَالَ : هُوَ مَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَال دَابَّة أَوْ عَبْد أَوْ مَتَاع , ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : هِيَ مَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَال مِنْ عَبْد أَوْ أَمَة أَوْ مَتَاع أَوْ نَفَل , فَهُوَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . )12145 - قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , (أَنَّ اِبْن عَبَّاس سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَال , فَقَالَ : السَّلَب وَالْفَرَس . )12146 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَيُقَال : (الْأَنْفَال : مَا أُخِذَ مِمَّا سَقَطَ مِنْ الْمَتَاع بَعْدَمَا تُقَسَّم الْغَنَائِم , فَهِيَ نَفَل لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . )12147 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عُثْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن شِهَاب (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس : مَا الْأَنْفَال ؟ قَالَ : الْفَرَس وَالدِّرْع وَالرُّمْح . )12148 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَطَاء : (الْأَنْفَال : الْفَرَس الشَّاذّ , وَالدِّرْع , وَالثَّوْب . )12149 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ يُنَفَّل الرَّجُل فَرَس الرَّجُل وَسَلَبه . )12150 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَنَس , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , قَالَ : (سَمِعْت رَجُلًا سَأَلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ الْأَنْفَال , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْفَرَس مِنْ النَّفَل , وَالسَّلَب مِنْ النَّفَل . ثُمَّ عَادَ لِمَسْأَلَتِهِ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس ذَلِكَ أَيْضًا , ثُمَّ قَالَ الرَّجُل : الْأَنْفَال الَّتِي قَالَ اللَّه فِي كِتَابه مَا هِيَ ؟ قَالَ الْقَاسِم : فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلهُ حَتَّى كَادَ يُحْرِجهُ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَتَدْرُونَ مَا مِثْل هَذَا ؟ مِثْل صُبَيْغ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْء قَالَ : لَا آمُرك وَلَا أَنْهَاك . ثُمَّ قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَاَللَّه مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا زَاجِرًا آمِرًا مُحَلِّلًا مُحَرِّمًا . قَالَ الْقَاسِم : فَسُلِّطَ عَلَى اِبْن عَبَّاس رَجُل يَسْأَلهُ عَنْ الْأَنْفَال , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الرَّجُل يُنَفَّل فَرَس الرَّجُل وَسِلَاحه . فَأَعَادَ عَلَيْهِ الرَّجُل , فَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ , ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى أَغْضَبَهُ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَتَدْرُونَ مَا مِثْل هَذَا ؟ مِثْل صُبَيْغ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَر حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاء عَلَى عَقِبَيْهِ , أَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ , فَقَالَ الرَّجُل : أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ اِنْتَقَمَ اللَّه لِعُمَر مِنْك . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : يَسْأَلُونَك فِيمَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْر قِتَال مِنْ دَابَّة أَوْ عَبْد , فَهُوَ نَفَل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : النَّفَل : الْخُمُس الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِأَهْلِ الْخُمُس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12151 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : هُوَ الْخُمُس . قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : لِمَ يُرْفَع عَنَّا هَذَا الْخُمُس ؟ لِمَ يَخْرُج مِنَّا ؟ فَقَالَ اللَّه : هُوَ لِلَّهِ وَالرَّسُول . )12152 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْس بَعْد الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس , فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي مَعْنَى الْأَنْفَال قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ زِيَادَات يَزِيدهَا الْإِمَام بَعْض الْجَيْش أَوْ جَمِيعهمْ ; إِمَّا مِنْ سَلَبه عَلَى حُقُوقهمْ مِنْ الْقِسْمَة , وَإِمَّا مِمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ بِالنَّفَلِ , أَوْ بِبَعْضِ أَسْبَابه , تَرْغِيبًا لَهُ وَتَحْرِيضًا لِمَنْ مَعَهُ مِنْ جَيْشه عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحهمْ وَصَلَاح الْمُسْلِمِينَ , أَوْ صَلَاح أَحَد الْفَرِيقَيْنِ . وَقَدْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اِبْن عَبَّاس مِنْ أَنَّهُ الْفَرَس وَالدِّرْع وَنَحْو ذَلِكَ , وَيَدْخُل فِيهِ مَا قَالَهُ عَطَاء مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَا عَادَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْد أَوْ فَرَس ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْره إِلَى الْإِمَام إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ لِغَلَبَةٍ وَقَهْر , يَفْعَل مَا فِيهِ صَلَاح أَهْل الْإِسْلَام , وَقَدْ يَدْخُل فِيهِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَيْش بِقَهْرٍ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ النَّفَل فِي كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا هُوَ الزِّيَادَة عَلَى الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : نَفَّلْتُك كَذَا , وَأَنْفَلْتك : إِذَا زِدْتُك , وَالْأَنْفَال : جَمْع نَفَل ; وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد بْن رَبِيعَة : <br>إِنَّ تَقْوَى رَبّنَا خَيْر نَفَلْ .......... وَبِإِذْنِ اللَّه رَيْثِي وَعَجَلْ <br>فَإِذْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا , فَكُلّ مَنْ زِيدَ مِنْ مُقَاتِلَة الْجَيْش عَلَى سَهْمه مِنْ الْغَنِيمَة , إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَلَاءِ أَبْلَاهُ أَوْ لِغَنَاءٍ كَانَ مِنْهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ , بِتَنْفِيلِ الْوَالِي ذَلِكَ إِيَّاهُ , فَيَصِير حُكْم ذَلِكَ لَهُ كَالسَّلَبِ الَّذِي يَسْلُبهُ الْقَاتِل , فَهُوَ مُنَفَّل مَا زِيدَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الزِّيَادَة وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْجَبَة فِي بَعْض الْأَحْوَال بِحَقٍّ , فَلَيْسَتْ مِنْ الْغَنِيمَة الَّتِي تَقَع فِيهَا الْقِسْمَة , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا رُضِخَ لِمَنْ لَا سَهْم لَهُ فِي الْغَنِيمَة فَهُوَ نَفَل , لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقِسْمَة . فَالْفَصْل إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا بَيْن الْغَنِيمَة وَالنَّفَل , أَنَّ الْغَنِيمَة هِيَ مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال الْمُشْرِكِينَ بِغَلَبَةٍ وَقَهْر نُفِّلَ مِنْهُ مُنَفَّل أَوْ لَمْ يُنَفَّل ; وَالنَّفَل : هُوَ مَا أُعْطِيَهُ الرَّجُل عَلَى الْبَلَاء وَالْغِنَاء عَنْ الْجَيْش عَلَى غَيْر قِسْمَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى النَّفَل , فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَسْأَلك أَصْحَابك يَا مُحَمَّد عَنْ الْفَضْل مِنْ الْمَال الَّذِي تَقَع فِيهِ الْقِسْمَة مِنْ غَنِيمَة كُفَّار قُرَيْش الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ لِمَنْ هُوَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : هُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ دُونكُمْ , يَجْعَلهُ حَيْثُ شَاءَ . وَاخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي غَنَائِم بَدْر ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَفَّلَ أَقْوَامًا عَلَى بَلَاء , فَأَبْلَى أَقْوَام وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاخْتَلَفُوا فِيهَا بَعْد اِنْقِضَاء الْحَرْب , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُوله , يُعْلِمهُمْ أَنَّ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاضٍ جَائِز . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12153 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد بْن أَبِي هِنْد يُحَدِّث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى مَكَان كَذَا وَكَذَا , فَلَهُ كَذَا وَكَذَا , أَوْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا , فَلَهُ كَذَا وَكَذَا | . فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّان , وَبَقِيَ الشُّيُوخ عِنْد الرَّايَات . فَلَمَّا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ , جَاءُوا يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ الْأَشْيَاخ : لَا تَذْهَبُوا بِهِ دُوننَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ الْآيَة : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا , فَلَهُ كَذَا وَكَذَا | قَالَ : فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّان الرِّجَال , وَبَقِيَتْ الشُّيُوخ تَحْت الرَّايَات ; فَلَمَّا كَانَتْ الْغَنَائِم , جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ , فَقَالَتْ الشُّيُوخ : لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا , فَإِنَّا كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ , وَكُنَّا تَحْت الرَّايَات , وَلَوْ اِنْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا ! فَتَنَازَعُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . )* - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّفَل | قَالَ : فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَان وَلَزِمَ الْمَشْيَخَة الرَّايَات , فَلَمْ يَبْرَحُوا , فَلَمَّا فُتِحَ عَلَيْهِمْ , قَالَتْ الْمَشْيَخَة : كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ , فَلَوْ اِنْهَزَمْتُمْ اِنْحَزْتُمْ إِلَيْنَا , لَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ دُوننَا ! فَأَبَى الْفِتْيَان وَقَالُوا : جَعَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } قَالَ : فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ , وَكَذَلِكَ أَيْضًا : أَطِيعُونِي فَإِنِّي أَعْلَم . )12154 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَنْ صَنَعَ كَذَا فَلَهُ مِنْ النَّفَل كَذَا | فَخَرَجَ شُبَّان مِنْ الرِّجَال فَجَعَلُوا يَصْنَعُونَهُ , فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقِسْمَة , قَالَ الشُّيُوخ : نَحْنُ أَصْحَاب الرَّايَات , وَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . )12155 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثني الْمُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , عَنْ مَكْحُول مَوْلَى هُذَيْل , عَنْ أَبِي سَلَّام , عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : (أَنْزَلَ اللَّه حِين اِخْتَلَفَ الْقَوْم فِي الْغَنَائِم يَوْم بَدْر : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } إِلَى قَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ عَنْ سَوَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : ثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى الْأَسَدِيّ , عَنْ مَكْحُول , عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ , قَالَ : (سَأَلْت عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ الْأَنْفَال , فَقَالَ : فِينَا مَعْشَر أَصْحَاب بَدْر نَزَلَتْ حِين اِخْتَلَفْنَا فِي النَّفَل , وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقنَا , فَنَزَعَهُ اللَّه مِنْ أَيْدِينَا , فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَوَاء , يَقُول : عَلَى السَّوَاء , فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللَّه وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاح ذَات الْبَيْن . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة لِأَنَّ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ مِنْ الْمَغْنَم شَيْئًا قَبْل قِسْمَتهَا , فَلَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ , إِذْ كَانَ شِرْكًا بَيْن الْجَيْش , فَجَعَلَ اللَّه جَمِيع ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12156 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَاصِم , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ سَعْد , قَالَ : (أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر بِسَيْفٍ , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه هَذَا السَّيْف قَدْ شَفَى اللَّه بِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ! فَسَأَلْته إِيَّاهُ , فَقَالَ : | لَيْسَ هَذَا لِي وَلَا لَك | . قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْت , قُلْت : أَخَاف أَنْ يُعْطِيه مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي . فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفِي , قَالَ : فَقُلْت : أَخَاف أَنْ يَكُون نَزَلَ فِيَّ شَيْء ! قَالَ : | إِنَّ السَّيْف قَدْ صَارَ لِي | . قَالَ : فَأَعْطَانِيهِ , وَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } . )12157 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَاصِم , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ سَعْد بْن مَالِك , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , جِئْت بِسَيْفٍ , قَالَ : فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ اللَّه قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ نَحْو هَذَا , فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْف ! فَقَالَ لِي : | هَذَا لَيْسَ لِي وَلَا لَك | . فَرَجَعْت فَقُلْت : عَسَى أَنْ يُعْطِي هَذَا مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي ! فَجَاءَنِي الرَّسُول , فَقُلْت : حَدَثَ فِيَّ حَدَث : فَلَمَّا اِنْتَهَيْت , قَالَ : | يَا سَعْد إِنَّك سَأَلْتنِي السَّيْف وَلَيْسَ لِي , وَإِنَّهُ قَدْ صَارَ لِي فَهُوَ لَك | . وَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَصَبْت سَيْفًا يَوْم بَدْر , فَأَعْجَبَنِي , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه هَبْهُ لِي ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَابْن وَكِيع , قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى , ثني مُعَاوِيَة , وَقَالَ اِبْن وَكِيع : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا الشَّيْبَانِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر قُتِلَ أَخِي عُمَيْر وَقَتَلْت سَعِيد بْن الْعَاصِ , وَأَخَذْت سَيْفه , وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَتِيفَة , فَجِئْت بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | اِذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَض | ! فَطَرَحْته وَرَجَعْت وَبِي مَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه مِنْ قَتْل أَخِي وَأَخْذ سَلَبِي , قَالَ : فَمَا جَاوَزْت إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَة الْأَنْفَال , فَقَالَ : | اِذْهَبْ فَخُذْ سَيْفك . )وَلَفْظ الْحَدِيث لِابْنِ الْمُثَنَّى . 12158 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة جَمِيعًا , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ قَيْس بْن سَاعِدَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُسَيْد بْن مَالِك بْن رَبِيعَة يَقُول : (أَصَبْت سَيْف اِبْن عَائِد يَوْم بَدْر , وَكَانَ السَّيْف يُدْعَى الْمَرْزُبَان ; فَلَمَّا أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدُّوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ النَّفَل , أَقْبَلْت بِهِ فَأَلْقَيْته فِي النَّفَل , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَع شَيْئًا يُسْأَلهُ , فَرَآهُ الْأَرْقَم بْن أَبِي الْأَرْقَم الْمَخْزُومِيّ , فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . )12159 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر , عَنْ يَحْيَى بْن عِمْرَان , عَنْ جَدّه عُثْمَان بْن الْأَرْقَم , عَنْ عَمّه , عَنْ جَدّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر : ( رُدُّوا مَا كَانَ مِنْ الْأَنْفَال ! | فَوَضَعَ أَبُو أُسَيْد السَّاعِدِيّ سَيْف اِبْن عَائِد الْمَرْزُبَان , فَعَرَفَهُ الْأَرْقَم فَقَالَ . هَبْهُ لِي يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . )12160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَصَبْت سَيْفًا . قَالَ : فَأَتَى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه نَفِّلْنِيهِ ! فَقَالَ : | ضَعْهُ ! | ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه نَفِّلْنِيهِ ! قَالَ : | ضَعْهُ ! | قَالَ : ثُمَّ قَامَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه نَفِّلْنِيهِ ! أُجْعَل كَمَنْ لَا غَنَاء لَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته ! | فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ سَعْد , قَالَ : (أَخَذْت سَيْفًا مِنْ الْمَغْنَم , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه هَبْ لِي هَذَا ! فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } . )12161 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : قَالَ سَعْد : كُنْت أَخَذْت سَيْف سَعِيد بْن الْعَاصِ بْن أُمَيَّة , فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : أَعْطِنِي هَذَا السَّيْف يَا رَسُول اللَّه ! فَسَكَتَ , فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } إِلَى قَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } قَالَ : فَأَعْطَانِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ لِأَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا قِسْمَة الْغَنِيمَة بَيْنهمْ يَوْم بَدْر فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ دُونهمْ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْء . وَقَالُوا : مَعْنَى | عَنْ | فِي هَذَا الْمَوْضِع | مِنْ | وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : يَسْأَلُونَك مِنْ الْأَنْفَال , وَقَالُوا : قَدْ كَانَ اِبْن مَسْعُود يَقْرَؤُهُ : | يَسْأَلُونَك الْأَنْفَال | عَلَى هَذَا التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12162 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : (كَانَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَهَا : | يَسْأَلُونَك الْأَنْفَال . )12163 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (هِيَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود | يَسْأَلُونَك الْأَنْفَال . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12164 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } قَالَ : الْأَنْفَال : الْمَغَانِم كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَة لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهَا شَيْء , مَا أَصَابَ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَيْء أَتَوْهُ بِهِ , فَمَنْ حَبَسَ مِنْهُ إِبْرَة أَوْ سِلْكًا فَهُوَ غُلُول . فَسَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهَا , قَالَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ } لِي ; جَعَلْتهَا لِرَسُولِي لَيْسَ لَكُمْ فِيهَا شَيْء { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [8 41 ]ثُمَّ قُسِمَ ذَلِكَ الْخُمُس لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ سُمِّيَ فِي الْآيَة . )12165 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا أَثْلَاثًا . قَالَ : فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } وَمَلَّكَهُ اللَّهُ رَسُولَهُ , فَقَسَمَهُ كَمَا أَرَاهُ اللَّه . )12166 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه : (أَنَّ النَّاس سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِم يَوْم بَدْر , فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } . )12167 - قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : يَسْأَلُونَك أَنْ تُنَفِّلهُمْ . )12168 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : يَسْأَلُونَك الْأَنْفَال . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة عَنْ قَوْم سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْفَال أَنْ يُعْطِيَهُمُوهَا , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه أَنَّهَا لِلَّهِ وَأَنَّهُ جَعَلَهَا لِرَسُولِهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ جَازَ أَنْ يَكُون نُزُولهَا كَانَ مِنْ أَجْل اِخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَهُ السَّيْف الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ سَعْد أَنَّهُ سَأَلَهُ إِيَّاهُ , وَجَائِز أَنْ يَكُون مِنْ أَجْل مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَهُ قَسْم ذَلِكَ بَيْن الْجَيْش . وَاخْتَلَفُوا فِيهَا , أَمَنْسُوخَة هِيَ أَمْ غَيْر مَنْسُوخَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مَنْسُوخَة , وَقَالُوا : نَسَخَهَا قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [8 41 ]الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12169 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , قَالَا : (كَانَتْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَنَسَخَتْهَا : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } [8 41 ]. )12170 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : أَصَابَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَوْم بَدْر سَيْفًا , فَاخْتَصَمَ فِيهِ وَنَاس مَعَهُ , فَسَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخَذَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , فَقَالَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } الْآيَة , فَكَانَتْ الْغَنَائِم يَوْمئِذٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , فَنَسَخَهَا اللَّه بِالْخُمُسِ . )12171 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي سُلَيْم مَوْلَى أُمّ مُحَمَّد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } [8 41 ]. )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , أَوْ عِكْرِمَة وَعَامِر , قَالَا : (نَسَخَتْ الْأَنْفَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } [8 41 ]. )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَة . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ , وَهِيَ لَا شَكّ لِلَّهِ مَعَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا وَالْآخِرَة , وَلِلرَّسُولِ يَضَعهَا فِي مَوَاضِعهَا الَّتِي أَمَرَهُ اللَّه بِوَضْعِهَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12172 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَسَلِّمُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْكُمَانِ فِيهَا بِمَا شَاءَا وَيَضَعَانِهَا حَيْثُ أَرَادَا , فَقَالُوا : نَعَمْ . ثُمَّ جَاءَ بَعْد الْأَرْبَعِينَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } [8 41 ]الْآيَة , وَلَكُمْ أَرْبَعَة أَخْمَاس , وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم خَيْبَر : ( وَهَذَا الْخُمُس مَرْدُود عَلَى فُقَرَائِكُمْ يَصْنَع اللَّه وَرَسُوله فِي ذَلِكَ الْخُمُس مَا أَحَبَّا , وَيَضَعَانِهِ حَيْثُ أَحَبَّا , ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّه الَّذِي يَجِب مِنْ ذَلِكَ | ثُمَّ قَرَأَ الْآيَة : { لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل كَيْلَا يَكُون دُولَة بَيْن الْأَغْنِيَاء مِنْكُمْ } [59 7 ]. ))قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَنْفَال لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّل مَنْ شَاءَ , فَنَفَّلَ الْقَاتِل السَّلَب , وَجَعَلَ لِلْجَيْشِ فِي الْبُدَاءَة الرُّبُع وَفِي الرَّجْعَة الثُّلُث بَعْد الْخُمُس , وَنَفَّلَ قَوْمًا بَعْد سُهْمَانهمْ بَعِيرًا بَعِيرًا فِي بَعْض الْمَغَازِي . فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره حُكْم الْأَنْفَال إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّل عَلَى مَا يَرَى مِمَّا فِيهِ صَلَاح الْمُسْلِمِينَ , وَعَلَى مَنْ بَعْده مِنْ الْأَئِمَّة أَنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ , وَلَيْسَ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ حُكْمهَا مَنْسُوخ لِاحْتِمَالِهَا مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُحْكَم بِحُكْمٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآن أَنَّهُ مَنْسُوخ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , فَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كُتُبنَا عَلَى أَنْ لَا مَنْسُوخ إِلَّا مَا أَبْطَلَ حُكْمَهُ حَادِثٌ حُكِمَ بِخِلَافِهِ يَنْفِيه مِنْ كُلّ مَعَانِيه , أَوْ يَأْتِي خَبَر يُوجِب الْحُجَّة أَنَّ أَحَدهمَا نَاسِخ الْآخَر . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ كَانَ يُنْكِر أَنْ يَكُون التَّنْفِيل لِأَحَدٍ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْوِيلًا مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول } . 12173 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : (أَرْسَلَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب غُلَامه إِلَى قَوْم سَأَلُوهُ عَنْ شَيْء , فَقَالَ : إِنَّكُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ تَسْأَلُونِي عَنْ الْأَنْفَال , فَلَا نَفَل بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَتَأَسَّوْا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغَازِيهمْ بِفِعْلِهِ , فَيُنَفِّلُوا عَلَى نَحْو مَا كَانَ يُنَفِّل , إِذَا كَانَ التَّنْفِيل صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ .|فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَخَافُوا اللَّه أَيّهَا الْقَوْم , وَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , وَأَصْلِحُوا الْحَال بَيْنكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَمْر مِنْ اللَّه لِلَّذِينَ غَنِمُوا الْغَنِيمَة يَوْم بَدْر وَشَهِدُوا الْوَقْعَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيمَة أَنْ يَرُدُّوا مَا أَصَابُوا مِنْهَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12174 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه يُنَفِّل الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ سَلَب الرَّجُل مِنْ الْكُفَّار إِذَا قَتَلَهُ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } أَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدّ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض . )12175 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّل الرَّجُل عَلَى قَدْر جَدّه وَغِنَائِهِ عَلَى مَا رَأَى , حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم بَدْر وَمَلَأَ النَّاس أَيْدِيهمْ غَنَائِم , قَالَ أَهْل الضَّعْف مِنْ النَّاس : ذَهَبَ أَهْل الْقُوَّة بِالْغَنَائِمِ ! فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { قُلْ الْأَنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } لِيَرُدّ أَهْل الْقُوَّة عَلَى أَهْل الضَّعْف . )وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا تَحْرِيج مِنْ اللَّه عَلَى الْقَوْم , وَنَهْي لَهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاف فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْر الْغَنِيمَة وَغَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12176 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا خَالِد بْن يَزِيد , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَا : ثنا أَبُو إِسْرَائِيل , عَنْ فُضَيْل , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } قَالَ : حَرَّجَ عَلَيْهِمْ . )12177 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } قَالَ هَذَا تَحْرِيج مِنْ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّقُوا وَيُصْلِحُوا ذَات بَيْنهمْ . قَالَ عَبَّاد , قَالَ سُفْيَان : هَذَا حِين اِخْتَلَفُوا فِي الْغَنَائِم يَوْم بَدْر . )12178 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ } أَيْ لَا تَسْتَبُّوا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَأْنِيث الْبَيْن , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أَضَافَ ذَات إِلَى الْبَيْن وَجَعَلَهُ ذَاتًا , لِأَنَّ بَعْض الْأَشْيَاء يُوضَع عَلَيْهِ اِسْم مُؤَنَّث , وَبَعْضًا يُذَكَّر نَحْو الدَّار , وَالْحَائِط أُنِّثَ الدَّار وَذُكِّرَ الْحَائِط . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : { ذَات بَيْنكُمْ } الْحَال الَّتِي لِلْبَيْنِ فَقَالَ : وَكَذَلِكَ | ذَات الْعِشَاء | يُرِيد السَّاعَة الَّتِي فِيهَا الْعِشَاء . قَالَ : وَلَمْ يَضَعُوا مُذَكَّرًا لِمُؤَنَّثٍ وَلَا مُؤَنَّثًا لِمُذَكَّرٍ إِلَّا لِمَعْنًى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : هَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا لَهُ .|وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَانْتَهُوا أَيّهَا الْقَوْم الطَّالِبُونَ الْأَنْفَال إِلَى أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ وُجُوهه وَسُبُله . { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ رَسُول اللَّه فِيمَا آتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . كَمَا : 12179 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَسَلَّمُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْكُمَانِ فِيهَا بِمَا شَاءَا , وَيَضَعَانِهَا حَيْثُ أَرَادَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاته زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ الْمُؤْمِن بِاَلَّذِي يُخَالِف اللَّه وَرَسُوله وَيَتْرُك اِتِّبَاع مَا أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ فِي كِتَابه مِنْ حُدُوده وَفَرَائِضه وَالِانْقِيَاد لِحُكْمِهِ , وَلَكِنَّ الْمُؤْمِن هُوَ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَ قَلْبه وَانْقَادَ لِأَمْرِهِ وَخَضَعَ لِذِكْرِهِ خَوْفًا مِنْهُ وَفَرَقًا مِنْ عِقَابه , وَإِذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ آيَات كِتَابه صَدَّقَ بِهَا وَأَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَازْدَادَ بِتَصْدِيقِهِ بِذَلِكَ إِلَى تَصْدِيقه بِمَا كَانَ قَدْ بَلَّغَهُ مِنْهُ قَبْل ذَلِكَ تَصْدِيقًا ; وَذَلِكَ هُوَ زِيَادَة مَا تَلَا عَلَيْهِمْ مِنْ آيَات اللَّه إِيَّاهُمْ إِيمَانًا . { وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } يَقُول : وَبِاَللَّهِ يُوقِنُونَ فِي أَنَّ قَضَاءَهُ فِيهِمْ مَاضٍ فَلَا يَرْجُونَ غَيْره وَلَا يَرْهَبُونَ سِوَاهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12180 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ لَا يَدْخُل قُلُوبهمْ شَيْء مِنْ ذِكْر اللَّه عِنْد أَدَاء فَرَائِضه , وَلَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَات اللَّه , وَلَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّه , وَلَا يُصَلُّونَ إِذَا غَابُوا , وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ . فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ , ثُمَّ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } فَأَدَّوْا فَرَائِضه , { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاته زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } يَقُول : تَصْدِيقًا , { وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } يَقُول : لَا يَرْجُونَ غَيْره . )12181 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : فَرَقَتْ . )12182 - قَالَ ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ : ( { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : إِذَا ذُكِرَ اللَّه عِنْد الشَّيْء وَجِلَ قَلْبه . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } يَقُول : إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَ قَلْبه . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : فَرَقَتْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } فَرَقَتْ . )12183 - قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت السُّدِّيّ يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُرِيد أَنْ يَظْلِم - أَوْ قَالَ : يَهُمّ بِمَعْصِيَةٍ - أَحْسَبهُ قَالَ : فَيَنْزِع عَنْهُ . )12184 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : الْوَجَل فِي الْقَلْب كَإِحْرَاقِ السَّعَفَة , أَمَا تَجِد لَهُ أُقْشَعْرِيرَة ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : إِذَا وَجَدْت ذَلِكَ فِي الْقَلْب فَادْعُ اللَّه , فَإِنَّ الدُّعَاء يَذْهَب بِذَلِكَ . )12185 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } قَالَ : فَرَقًا مِنْ اللَّه , وَوَجَلًا مِنْ اللَّه , وَخَوْفًا مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )وَأَمَّا قَوْله : { زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } فَقَدْ ذَكَرْت قَوْل اِبْن عَبَّاس فِيهِ . وَقَالَ غَيْره فِيهِ , مَا : 12186 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ( { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاته زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } قَالَ : خَشْيَة . )12187 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاته زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ } قَالَ : هَذَا نَعْت أَهْل الْإِيمَان , فَأَثْبَتَ نَعْتهمْ , وَوَصَفَهُمْ فَأَثْبَتَ صِفَتهمْ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة بِحُدُودِهَا , وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّه مِنْ الْأَمْوَال فِيمَا أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُنْفِقُوهَا فِيهِ مِنْ زَكَاة وَجِهَاد وَحَجّ وَعُمْرَة وَنَفَقَة عَلَى مَنْ تَجِب عَلَيْهِمْ نَفَقَته , فَيُؤَدُّونَ حُقُوقهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12188 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة } يَقُول : الصَّلَوَات الْخَمْس . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يَقُول : زَكَاة أَمْوَالهمْ . { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } يَقُول : بَرِئُوا مِنْ الْكُفْر . ثُمَّ وَصَفَ اللَّه النِّفَاق وَأَهْله , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله } إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا } [4 150 : 151 ]فَجَعَلَ اللَّه الْمُؤْمِن مُؤْمِنًا حَقًّا , وَجَعَلَ الْكَافِر كَافِرًا حَقًّا , وَهُوَ قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِر وَمِنْكُمْ مُؤْمِن } [64 2 ].)
{ أُولَئِكَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَال . { هُمْ الْمُؤْمِنُونَ } لَا الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ آمَنَّا وَقُلُوبهمْ مُنْطَوِيَة عَلَى خِلَافه نِفَاقًا , لَا يُقِيمُونَ صَلَاة وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12189 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } قَالَ : اِسْتَحَقُّوا الْإِيمَان بِحَقٍّ , فَأَحَقَّهُ اللَّه لَهُمْ .)|لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ دَرَجَات عِنْد رَبّهمْ } . </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَهُمْ دَرَجَات } لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهمْ دَرَجَات , وَهِيَ مَرَاتِب رَفِيعَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الدَّرَجَات الَّتِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهَا لَهُمْ عِنْده مَا هِيَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَعْمَال رَفِيعَة وَفَضَائِل قَدَّمُوهَا فِي أَيَّام حَيَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12190 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَهُمْ دَرَجَات عِنْد رَبّهمْ } قَالَ : أَعْمَال رَفِيعَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَرَاتِب فِي الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12191 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن جَبَلَة , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن مُحَيْرِيز : ( { لَهُمْ دَرَجَات عِنْد رَبّهمْ } قَالَ : الدَّرَجَات سَبْعُونَ دَرَجَة , كُلّ دَرَجَة حُضْر الْفَرَس الْجَوَاد الْمُضْمَر سَبْعِينَ سَنَة .)|وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ|وَقَوْله { وَمَغْفِرَة } يَقُول : وَعَفْو عَنْ ذُنُوبهمْ وَتَغْطِيَة عَلَيْهَا . { وَرِزْق كَرِيم } قِيلَ : الْجَنَّة . وَهُوَ عِنْدِي مَا أَعَدَّ اللَّه فِي الْجَنَّة لَهُمْ مِنْ مَزِيد الْمَآكِل وَالْمَشَارِب وَهَنِيء الْعَيْش . 12192 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , عَنْ هِشَام , عَنْ عَمْرو , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَغْفِرَة } قَالَ : لِذُنُوبِهِمْ . { وَرِزْق كَرِيم } قَالَ : الْجَنَّة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } . </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْجَالِب لِهَذِهِ الْكَاف الَّتِي فِي قَوْله : { كَمَا أَخْرَجَك } وَمَا الَّذِي شُبِّهَ بِإِخْرَاجِ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْته بِالْحَقِّ . فَقَالَ بَعْضهمْ : شُبِّهَ بِهِ فِي الصَّلَاح لِلْمُؤْمِنِينَ , اِتِّقَاؤُهُمْ رَبّهمْ , وَإِصْلَاحهمْ ذَات بَيْنهمْ , وَطَاعَتهمْ اللَّه وَرَسُوله . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : يَقُول اللَّه : وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ , كَمَا أَخْرَجَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْته بِالْحَقِّ كَانَ خَيْرًا لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12193 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَصْلِحُوا ذَات بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } الْآيَة : أَيْ إِنَّ هَذَا خَيْر لَكُمْ , كَمَا كَانَ إِخْرَاجك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ خَيْرًا لَك . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كَمَا أَخْرَجَك رَبّك يَا مُحَمَّد مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ عَلَى كُرْه مِنْ فَرِيق مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ هُمْ يَكْرَهُونَ الْقِتَال , فَهُمْ يُجَادِلُونَك فِيهِ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12194 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } قَالَ : كَذَلِكَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } كَذَلِكَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ , الْقِتَال . )12195 - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } قَالَ : كَذَلِكَ أَخْرَجَك رَبّك . )12196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (أَنْزَلَ اللَّه فِي خُرُوجه - يَعْنِي خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر - وَمُجَادَلَتهمْ إِيَّاهُ , فَقَالَ : { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ , { يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } . )اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْضِي لِأَمْرِهِ فِي الْغَنَائِم , عَلَى كُرْه مِنْ أَصْحَابه , كَمَا مَضَى لِأَمْرِهِ فِي خُرُوجه مِنْ بَيْته لِطَلَبِ الْعِير وَهُمْ كَارِهُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال مُجَادَلَة كَمَا جَادَلُوك يَوْم بَدْر , فَقَالُوا : أَخْرَجْتنَا لِلْعِيرِ , وَلَمْ تُعْلِمنَا قِتَالًا فَنَسْتَعِدّ لَهُ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الْكَاف فِي : { كَمَا أَخْرَجَك } عَلَى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } وَقِيلَ : الْكَاف بِمَعْنَى | عَلَى | . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ بِمَعْنَى الْقَسَم . قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : وَاَلَّذِي أَخْرَجَك رَبّك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ مُجَاهِد , وَقَالَ مَعْنَاهُ : كَمَا أَخْرَجَك رَبّك بِالْحَقِّ عَلَى كُرْه مِنْ فَرِيق مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , كَذَلِكَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ . لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ كَانَ , أَعْنِي خُرُوج بَعْض مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة كَارِهًا , وَجِدَالهمْ فِي لِقَاء الْعَدُوّ عِنْد دُنُوّ الْقَوْم بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , فَتَشْبِيه بَعْض ذَلِكَ بِبَعْضٍ مَعَ قُرْب أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهه بِمَا بَعْد عَنْهُ . وَقَالَ مُجَاهِد فِي الْحَقّ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُمْ يُجَادِلُونَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا تَبَيَّنُوهُ : هُوَ الْقِتَال . 12197 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ } قَالَ : الْقِتَال . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَيْتك } فَإِنَّ بَعْضهمْ قَالَ : مَعْنَاهُ مِنْ الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12198 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي بَزَّة : ( { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك } الْمَدِينَة إِلَى بَدْر . )12199 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر , فِي قَوْله : ( { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } قَالَ : مِنْ الْمَدِينَة إِلَى بَدْر .)|وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } فَإِنَّ كَرَاهَتهمْ كَانَتْ كَمَا : 12200 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيّ , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر وَيَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالُوا : (لَمَّا سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَان مُقْبِلًا مِنْ الشَّام , نَدَبَ إِلَيْهِمْ الْمُسْلِمِينَ , وَقَالَ : | هَذِهِ عِير قُرَيْش فِيهَا أَمْوَالهمْ , فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّه أَنْ يُنَفِّلكُمُوهَا ! | فَانْتَدَبَ النَّاس , فَخَفَّ بَعْضهمْ وَثَقُلَ بَعْضهمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى حَرْبًا . )12201 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ .)
ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : أَهْل الْإِيمَان مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ حِين تَوَجَّهَ إِلَى بَدْر لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12202 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا شَاوَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِقَاء الْقَوْم , وَقَالَ لَهُ سَعْد بْن عُبَادَة مَا قَالَ : وَذَلِكَ يَوْم بَدْر , أَمَرَ النَّاس , فَتَعَبَّوْا لِلْقِتَالِ , وَأَمَرَهُمْ بِالشَّوْكَةِ , وَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْل الْإِيمَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنْظُرُونَ } . )12203 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْم , يَعْنِي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَسِيرهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين عَرَفَ الْقَوْم أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ سَارَتْ إِلَيْهِمْ , وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِير طَمَعًا فِي الْغَنِيمَة , فَقَالَ : { كَمَا أَخْرَجَك رَبّك مِنْ بَيْتك بِالْحَقِّ } إِلَى قَوْله : { لَكَارِهُونَ } أَيْ كَرَاهِيَة لِلِقَاءِ الْقَوْم , وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْش حِين ذَكَرُوا لَهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12204 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنْظُرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوك فِي الْحَقّ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت حِين يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَام , { وَهُمْ يَنْظُرُونَ } قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَة الْآخَرِينَ , هَذِهِ صِفَة مُبْتَدَأَة لِأَهْلِ الْكُفْر . )12205 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد , عَنْ اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ , عَنْ عَمّه , قَالَ : (كَانَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَسِّر : { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْت وَهُمْ يَنْظُرُونَ } خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعِير . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن إِسْحَاق , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ فَرِيق مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا لِقَاء الْعَدُوّ , وَكَانَ جِدَالهمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالُوا : لَمْ يُعْلِمنَا أَنَّا نَلْقَى الْعَدُوّ فَنَسْتَعِدّ لِقِتَالِهِمْ , وَإِنَّمَا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة قَوْله : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } فَفِي ذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح لِمَنْ فَهِمَ عَنْ اللَّه أَنَّ الْقَوْم قَدْ كَانُوا لِلشَّوْكَةِ كَارِهِينَ وَأَنَّ جِدَالهمْ كَانَ فِي الْقِتَال كَمَا قَالَ مُجَاهِد , كَرَاهِيَة مِنْهُمْ لَهُ , وَأَنْ لَا مَعْنَى لِمَا قَالَ اِبْن زَيْد , لِأَنَّ الَّذِي قَبْل قَوْله : { يُجَادِلُونَك فِي الْحَقّ } خَبَر عَنْ أَهْل الْإِيمَان , وَاَلَّذِي يَتْلُوهُ خَبَر عَنْهُمْ , فَأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَمَّنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر . وَأَمَّا قَوْله : { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّك لَا تَفْعَل إِلَّا مَا أَمَرَك اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12206 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } أَنَّك لَا تَصْنَع إِلَّا مَا أَمَرَك اللَّه بِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ يُجَادِلُونَك فِي الْقِتَال بَعْدَمَا أُمِرْت بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12207 - رَوَاهُ الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْقَوْم { إِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ } يَعْنِي : إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ , فِرْقَة أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَالْعِير , وَفِرْقَة الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَفَرُوا مِنْ مَكَّة لِمَنْعِ عِيرهمْ . وَقَوْله : { أَنَّهَا لَكُمْ } يَقُول : إِنَّ مَا مَعَهُمْ غَنِيمَة لَكُمْ . { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } يَقُول : وَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُون تِلْكَ الطَّائِفَة الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا شَوْكَة , يَقُول : لَيْسَ لَهَا حَدّ وَلَا فِيهَا قِتَال أَنْ تَكُون لَكُمْ , يَقُول : تَوَدُّونَ أَنْ تَكُون لَكُمْ الْعِير الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قِتَال لَكُمْ دُون جَمَاعَة قُرَيْش الَّذِينَ جَاءُوا لِمَنْعِ عِيرهمْ الَّذِينَ فِي لِقَائِهِمْ الْقِتَال وَالْحَرْب . وَأَصْل الشَّوْكَة مِنْ الشَّوْك . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12209 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن نَصْر , وَعَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَا : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة : (أَنَّ أَبَا سُفْيَان أَقْبَلَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رُكْبَان قُرَيْش مُقْبِلِينَ مِنْ الشَّام , فَسَلَكُوا طَرِيق السَّاحِل ; فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ أَصْحَابه , وَحَدَّثَهُمْ بِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْأَمْوَال وَبِقِلَّةِ عَدَدهمْ . فَخَرَجُوا لَا يُرِيدُونَ إِلَّا أَبَا سُفْيَان , وَالرَّكْب مَعَهُ لَا يَرَوْنَهَا إِلَّا غَنِيمَة لَهُمْ , لَا يَظُنُّونَ أَنْ يَكُون كَبِير قِتَال إِذَا رَأَوْهُمْ . وَهِيَ مَا أَنْزَلَ اللَّه : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } . )12210 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيّ , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَيَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , كُلّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْض هَذَا الْحَدِيث فَاجْتَمَعَ حَدِيثهمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيث بَدْر , قَالُوا : (لَمَّا سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَان مُقْبِلًا مِنْ الشَّام نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ , وَقَالَ : | هَذِهِ عِير قُرَيْش فِيهَا أَمْوَالهمْ , فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّه أَنْ يُنَفِّلكُمُوهَا ! | فَانْتَدَبَ النَّاس , فَخَفَّ بَعْضهمْ وَثَقُلَ بَعْض , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى حَرْبًا . وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حِين دَنَا مِنْ الْحِجَاز يَتَجَسَّس الْأَخْبَار وَيَسْأَل مَنْ لَقِيَ مِنْ الرُّكْبَان تَخَوُّفًا مِنْ النَّاس , حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْض الرُّكْبَان أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ اِسْتَنْفَرَ أَصْحَابه لَك وَلِعِيرِك , فَحَذِرَ عِنْد ذَلِكَ , وَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَم بْن عَمْرو الْغِفَارِيّ , فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّة , وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِي قُرَيْشًا يَسْتَنْفِرهُمْ إِلَى أَمْوَالهمْ وَيُخْبِرهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابه . فَخَرَجَ ضَمْضَم بْن عَمْرو سَرِيعًا إِلَى مَكَّة , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابه , حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَال لَهُ ذَفِرَان , فَخَرَجَ مِنْهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِهِ نَزَلَ وَأَتَاهُ الْخَبَر عَنْ قُرَيْش بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرهمْ , فَاسْتَشَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس , وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْش , فَقَامَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَامَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ , ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَاد بْن عَمْرو فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه اِمْضِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَك اللَّه فَنَحْنُ مَعَك , وَاَللَّه لَا نَقُول كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [5 24 ]وَلَكِنْ اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ ! فَوَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَئِنْ سِرْت بِنَا إِلَى بِرْك الْغِمَاد - يَعْنِي مَدِينَة الْحَبَشَة - لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونه حَتَّى تَبْلُغهُ ! فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا , ثُمَّ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ , ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيّهَا النَّاس ! | وَإِنَّمَا يُرِيد الْأَنْصَار , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَدَد النَّاس , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِين بَايَعُوهُ عَلَى الْعَقَبَة , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا بُرَآء مِنْ ذِمَامك حَتَّى تَصِل إِلَى دِيَارنَا , فَإِذَا وَصَلْت إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَّتنَا , نَمْنَعك مِمَّا نَمْنَع مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا . فَكَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ أَنْ لَا تَكُون الْأَنْصَار تَرَى عَلَيْهَا نُصْرَته إِلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهُ , وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِير بِهِمْ إِلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادهمْ . قَالَ : فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ سَعْد بْن مُعَاذ : لَكَأَنَّك تُرِيدنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | أَجَلْ | . قَالَ : فَقَدْ آمَنَّا بِك وَصَدَّقْنَاك , وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحَقّ , وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودنَا وَمَوَاثِيقنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة فَامْضِ يَا رَسُول اللَّه لِمَا أَرَدْت , فَوَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إِنْ اِسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْر فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُل وَاحِد , وَمَا نَكْرَه أَنْ يَلْقَانَا عَدُوّنَا غَدًا , إِنَّا لَصُبُر عِنْد الْحَرْب , صُدُق عِنْد اللِّقَاء , لَعَلَّ اللَّه أَنْ يُرِيك مِنَّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنك , فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَة اللَّه ! فَسُرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْد وَنَشَّطَهُ ذَلِكَ , ثُمَّ قَالَ : | سِيرُوا عَلَى بَرَكَة اللَّه وَأَبْشِرُوا , فَإِنَّ اللَّه قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ , وَاَللَّه لَكَأَنِّي أَنْظُر الْآن إِلَى مَصَارِع الْقَوْم غَدًا . )12211 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (أَنَّ أَبَا سُفْيَان أَقْبَلَ فِي عِير مِنْ الشَّام فِيهَا تِجَارَة قُرَيْش , وَهِيَ اللَّطِيمَة , فَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَدْ أَقْبَلَتْ فَاسْتَنْفَرَ النَّاس , فَخَرَجُوا مَعَهُ ثَلَثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا , فَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ جُهَيْنَة , حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ يُدْعَى اِبْن الْأُرَيْقِط , فَأَتَاهُ بِخَبَرِ الْقَوْم . وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَان خُرُوج مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَعَثَ إِلَى أَهْل مَكَّة يَسْتَعِينهُمْ , فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَار يُدْعَى ضَمْضَم بْن عَمْرو , فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَشْعُر بِخُرُوجِ قُرَيْش , فَأَخْبَرَهُ اللَّه بِخُرُوجِهِمْ , فَتَخَوَّفَ مِنْ الْأَنْصَار أَنْ يَخْذُلُوهُ وَيَقُولُوا : إِنَّا عَاهَدْنَا أَنْ نَمْنَعك إِنْ أَرَادَك أَحَد بِبَلَدِنَا . فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابه فَاسْتَشَارَهُمْ فِي طَلَب الْعِير , فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنِّي قَدْ سَلَكْت هَذَا الطَّرِيق , فَأَنَا أَعْلَم بِهِ , وَقَدْ فَارَقَهُمْ الرَّجُل بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا , فَسَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ عَادَ فَشَاوَرَهُمْ , فَجَعَلُوا يُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالْعِيرِ . فَلَمَّا أَكْثَرَ الْمَشُورَة , تَكَلَّمَ سَعْد بْن مُعَاذ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَرَاك تُشَاوِر أَصْحَابك فَيُشِيرُونَ عَلَيْك وَتَعُود فَتُشَاوِرهُمْ , فَكَأَنَّك لَا تَرْضَى مَا يُشِيرُونَ عَلَيْك وَكَأَنَّك تَتَخَوَّف أَنْ تَتَخَلَّف عَنْك الْأَنْصَار , أَنْتَ رَسُول اللَّه , وَعَلَيْك أُنْزِلَ الْكِتَاب , وَقَدْ أَمَرَك اللَّه بِالْقِتَالِ وَوَعَدَك النَّصْر , وَاَللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , اِمْضِ لِمَا أُمِرْت بِهِ ! فَوَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا يَتَخَلَّف عَنْك رَجُل مِنْ الْأَنْصَار ! ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد الْكِنْدِيّ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَا نَقُول لَك كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وَلَكِنَّا نَقُول : أَقْدِمْ فَقَاتِلْ إِنَّا مَعَك مُقَاتِلُونَ ! فَفَرِحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَالَ : | إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي الْقَوْم وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إِلَيْهِمْ ! | فَسَارُوا . )12212 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } قَالَ : الطَّائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب إِذْ أَقْبَلَ بِالْعِيرِ مِنْ الشَّام , وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى أَبُو جَهْل مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش . فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الشَّوْكَة وَالْقِتَال , وَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوْا الْعِير , وَأَرَادَ اللَّه مَا أَرَادَ . )12213 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ } قَالَ : أَقْبَلَتْ عِير أَهْل مَكَّة - يُرِيد : مِنْ الشَّام - فَبَلَغَ أَهْل الْمَدِينَة ذَلِكَ , فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ الْعِير . فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْل مَكَّة , فَسَارَعُوا السَّيْر إِلَيْهَا لَا يَغْلِب عَلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَسَبَقَتْ الْعِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ اللَّه وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ , فَكَانُوا أَنْ يَلْقَوْا الْعِير أَحَبّ إِلَيْهِمْ وَأَيْسَر شَوْكَة وَأَحْضَرَ مَغْنَمًا . فَلَمَّا سَبَقَتْ الْعِير , وَفَاتَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيد الْقَوْم , فَكَرِهَ الْقَوْم مَسِيرهمْ لِشَوْكَةٍ فِي الْقَوْم . )12214 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } قَالَ : أَرَادُوا الْعِير , قَالَ : وَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة فِي شَهْر رَبِيع الْأَوَّل , فَأَغَارَ كُرْز بْن جَابِر الْفِهْرِيّ يُرِيد سَرْح الْمَدِينَة حَتَّى بَلَغَ الصَّفْرَاء , فَبَلَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكِبَ فِي أَثَره , فَسَبَقَهُ كُرْز بْن جَابِر , فَرَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقَامَ سَنَته . ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَان أَقْبَلَ مِنْ الشَّام فِي عِير لِقُرَيْشٍ , حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ بَدْر , نَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَوْحَى إِلَيْهِ : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } فَنَفَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَهُمْ يَوْمئِذٍ ثَلَاث مِائَة وَثَلَاثَة عَشَرَ رَجُلًا , مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَمِئَتَانِ مِنْ الْأَنْصَار , وَسَائِرهمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَان الْخَبَر وَهُوَ بِالْبُطْمِ , فَبَعَثَ إِلَى جَمِيع قُرَيْش وَهُمْ بِمَكَّة , فَنَفَرَتْ قُرَيْش وَغَضِبَتْ . )12215 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } قَالَ : كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ نَزَلَ , فَأَخْبَرَهُ بِمَسِيرِ قُرَيْش وَهِيَ تُرِيد عِيرهَا , وَوَعَدَهُ : إِمَّا الْعِير , وَإِمَّا قُرَيْشًا وَذَلِكَ كَانَ بِبَدْرٍ , وَأَخَذُوا السُّقَاة وَسَأَلُوهُمْ , فَأَخْبَرُوهُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } هُمْ أَهْل مَكَّة . )12216 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } إِلَى آخِر الْآيَة : خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر وَهُمْ يُرِيدُونَ يَعْتَرِضُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ , قَالَ : وَخَرَجَ الشَّيْطَان فِي صُورَة سُرَاقَة بْن جُعْشُم , حَتَّى أَتَى أَهْل مَكَّة , فَاسْتَغْوَاهُمْ وَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قَدْ عَرَضُوا لِعِيرِكُمْ , وَقَالَ : لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس مِنْ مِثْلكُمْ , وَإِنِّي جَار لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا عَلَى مَا يَكْرَه اللَّه . فَخَرَجُوا وَنَادَوْا أَنْ لَا يَتَخَلَّف مِنَّا أَحَد إِلَّا هَدَمْنَا دَاره وَاسْتَبَحْنَاهُ ! وَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِالرَّوْحَاءِ عَيْنًا لِلْقَوْمِ , فَأَخْبَرَهُ بِهِمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ اللَّه قَدْ وَعَدَكُمْ الْعِير أَوْ الْقَوْم | . فَكَانَتْ الْعِير أَحَبّ إِلَى الْقَوْم مِنْ الْقَوْم , كَانَ الْقِتَال فِي الشَّوْكَة , وَالْعِير لَيْسَ فِيهَا قِتَال , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } قَالَ : الشَّوْكَة : الْقِتَال , وَغَيْر الشَّوْكَة : الْعِير . )12217 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ اِبْن أَبِي حَبِيب , عَنْ أَبِي عِمْرَان , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : (أَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } فَلَمَّا وَعَدَنَا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَنَا طَابَتْ أَنْفُسنَا . وَالطَّائِفَتَانِ : عِير أَبِي سُفْيَان , أَوْ قُرَيْش . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , عَنْ أَسْلَم أَبِي عِمْرَان الْأَنْصَارِيّ , أَحْسَبهُ قَالَ : قَالَ أَبُو أَيُّوب : ( { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } قَالُوا : الشَّوْكَة : الْقَوْم وَغَيْر الشَّوْكَة : الْعِير ; فَلَمَّا وَعَدَنَا اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ : إِمَّا الْعِير , وَإِمَّا الْقَوْم , طَابَتْ أَنْفُسنَا . )12218 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَعْقُوب بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنِي غَيْر وَاحِد , فِي قَوْله : ( { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } إِنَّ الشَّوْكَة قُرَيْش . )12219 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } هِيَ عِير أَبِي سُفْيَان , وَدَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعِير كَانَتْ لَهُمْ وَأَنَّ الْقِتَال صُرِفَ عَنْهُمْ . )12220 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } أَيْ الْغَنِيمَة دُون الْحَرْب . )وَأَمَّا قَوْله : { أَنَّهَا لَكُمْ } فَفُتِحَتْ عَلَى تَكْرِير | يَعِد | , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { يَعِدكُمْ اللَّه } قَدْ عَمِلَ فِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ } يَعِدكُمْ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَكُمْ , كَمَا قَالَ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة } . [47 18 ]قَالَ : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ } فَأَنَّثَ | ذَات | لِأَنَّهُ مُرَاد بِهَا الطَّائِفَة . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَتَوَدُّونَ أَنَّ الطَّائِفَة الَّتِي هِيَ غَيْر ذَات الشَّوْكَة تَكُون لَكُمْ , دُون الطَّائِفَة ذَات الشَّوْكَة .|وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُرِيد اللَّه أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَع دَابِر الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيُرِيد اللَّه أَنْ يُحِقّ الْإِسْلَام وَيُعْلِيه بِكَلِمَاتِهِ , يَقُول : بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِقِتَالِ الْكُفَّار , وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ الْغَنِيمَة وَالْمَال . وَقَوْله : { وَيَقْطَع دَابِر الْكَافِرِينَ } يَقُول : يُرِيد أَنْ يَجُبّ أَصْل الْجَاحِدِينَ تَوْحِيد اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى دَابِر , وَأَنَّهُ الْمُتَأَخِّر , وَأَنَّ مَعْنَى قَطَعَهُ الْإِتْيَان عَلَى الْجَمِيع مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12221 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَيُرِيد اللَّه أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ } أَنْ يُقْتَل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْطَع دَابِرهمْ , هَذَا خَيْر لَكُمْ مِنْ الْعِير . )12222 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَيُرِيد اللَّه أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَع دَابِر الْكَافِرِينَ } أَيْ الْوَقْعَة الَّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيد قُرَيْش وَقَادَتهمْ يَوْم بَدْر .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِل الْبَاطِل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيُرِيد اللَّه أَنْ يَقْطَع دَابِر الْكَافِرِينَ كَيْمَا يُحِقّ الْحَقّ , كَيْمَا يُعْبَد اللَّه وَحْده دُون الْآلِهَة وَالْأَصْنَام , وَيُعِزّ الْإِسْلَام , وَذَلِكَ هُوَ تَحْقِيق الْحَقّ { وَيُبْطِل الْبَاطِل } يَقُول وَيُبْطِل عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَوْثَان وَالْكُفْر { وَلَوْ كَرِهَ } ذَلِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا , فَاكْتَسَبُوا الْمَآثِم وَالْأَوْزَار مِنْ الْكُفَّار . 12223 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { لِيُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِل الْبَاطِل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } هُمْ الْمُشْرِكُونَ . )وَقِيلَ : إِنَّ الْحَقّ فِي هَذَا الْمَوْضِع : اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيُبْطِل الْبَاطِل حِين تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ , فَ | إِذْ | مِنْ صِلَة | يُبْطِل | وَمَعْنَى قَوْله : { تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } تَسْتَجِيرُونَ بِهِ مِنْ عَدُوّكُمْ , وَتَدْعُونَهُ لِلنَّصْرِ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل وَجَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الْأَخْبَار بِذَلِكَ . 12224 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : ثني سِمَاك الْحَنَفِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : ثني عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر وَنَظَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَعِدَّتهمْ , وَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابه نَيِّفًا عَلَى ثَلَاث مِائَة , فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة , فَجَعَلَ يَدْعُو وَيَقُول : | اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي ! اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَة مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , لَا تُعْبَد فِي الْأَرْض ! | فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ , وَأَخَذَهُ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ اِلْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ , ثُمَّ قَالَ : كَفَاك يَا نَبِيّ اللَّه بِأَبِي وَأُمِّي مُنَاشَدَتك رَبّك , فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعَدَك ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } . )12225 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا اِصْطَفَّ الْقَوْم , قَالَ أَبُو جَهْل : اللَّهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ ! وَرَفَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده , فَقَالَ : | يَا رَبّ إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَة فَلَنْ تُعْبَد فِي الْأَرْض أَبَدًا . )12226 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | اللَّهُمَّ رَبّنَا أَنْزَلْت عَلَيَّ الْكِتَاب , وَأَمَرْتنِي بِالْقِتَالِ , وَوَعَدْتنِي بِالنَّصْرِ , وَلَا تُخْلِف الْمِيعَاد | فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَنْزَلَ اللَّه : { أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرهمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوِّمِينَ } [3 124 : 125 ]. )12227 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع قَالَ : (كَانَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيش , فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو , يَقُول : | اللَّهُمَّ اُنْصُرْ هَذِهِ الْعِصَابَة , فَإِنَّك إِنْ لَمْ تَفْعَل لَنْ تُعْبَد فِي الْأَرْض ! | قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : بَعْضَ مُنَاشَدَتك مُنْجِزك مَا وَعَدَك . )12228 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (أَقْبَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو اللَّه وَيَسْتَغِيثهُ وَيَسْتَنْصِرهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة . )12229 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } قَالَ : دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )12230 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } أَيْ بِدُعَائِكُمْ حِين نَظَرُوا إِلَى كَثْرَة عَدُوّهُمْ وَقِلَّة عَدَدهمْ , فَاسْتَجَابَ لَكُمْ بِدُعَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِكُمْ مَعَهُ . )12231 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , جَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِد رَبّه أَشَدّ النِّشْدَة , يَدْعُو فَأَتَاهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه بَعْض نِشْدَتك , فَوَاَللَّهِ لَيَفِيَن اللَّه لَك بِمَا وَعَدَك .)|فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ| { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } يَقُول : فَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ بِأَنِّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة يُرْدِف بَعْضهمْ بَعْضًا وَيَتْلُو بَعْضهمْ بَعْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12232 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أَنِّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } يَقُول : الْمَزِيد , كَمَا تَقُول : اِئْتِ الرَّجُل فَزِدْهُ كَذَا وَكَذَا . )12233 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : مُتَتَابِعِينَ . )* - قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 12234 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } قَالَ : وَرَاء كُلّ مَلَك مَلَك . )* - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي كُدَيْنَة يَحْيَى بْن الْمُهَلَّب , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : مُتَتَابِعِينَ . )12235 - قَالَ : ثنا هَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج بْن أَرَطْأَة , عَنْ قَابُوس , قَالَ : سَمِعْت أَبَا ظَبْيَان يَقُول : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة بَعْضهمْ عَلَى إِثْر بَعْض . )12236 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : بَعْضهمْ عَلَى إِثْر بَعْض . )12237 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 12238 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : مُمِدِّينَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير قَالَ : { مُرْدِفِينَ } الْإِرْدَاف : الْإِمْدَاد بِهِمْ . )12239 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } أَيْ مُتَتَابِعِينَ . )12240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا . )12241 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مُرْدِفِينَ } قَالَ : الْمُرْدِفِينَ بَعْضهمْ عَلَى إِثْر بَعْض , يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا . )12242 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } يَقُول : مُتَتَابِعِينَ يَوْم بَدْر . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | مُرْدَفِينَ | بِنَصْبِ الدَّال . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { مُرْدِفِينَ } . وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ , وَيَقُول فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ : هُوَ مِنْ أَرْدَفَ بَعْضهمْ بَعْضًا . وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْل مِنْ قَوْل أَبِي عَمْرو بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب , وَقَالَ : إِنَّمَا الْإِرْدَاف : أَنْ يَحْمِل الرَّجُل صَاحِبه خَلْفه , قَالَ : وَلَمْ يُسْمَع هَذَا فِي نَعْت الْمَلَائِكَة يَوْم بَدْر . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِفَتْحِ الدَّال أَوْ بِكَسْرِهَا , فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالْكَسْرِ أَنَّ الْمَلَائِكَة جَاءَتْ يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَرْدَفْته ; وَقَالُوا : الْعَرَب تَقُول : أَرْدَفْته وَرَدِفْته , بِمَعْنَى : تَبِعْته وَأَتْبَعْته . وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْلهمْ ذَلِكَ بِمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا الْجَوْزَاء أَرْدَفَتْ الثُّرَيَّا .......... ظَنَنْت بِآلِ فَاطِمَة الظَّنُونَا <br>قَالُوا : فَقَالَ الشَّاعِر : | أَرْدَفَتْ | , وَإِنَّمَا أَرَادَ | رَدِفَتْ | جَاءَتْ بَعْدهَا , لِأَنَّ الْجَوْزَاء تَجِيء بَعْد الثُّرَيَّا . وَقَالُوا مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ { مُرْدَفِينَ } أَنَّهُ مَفْعُول بِهِمْ , كَأَنَّ مَعْنَاهُ : بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة يُرْدِف اللَّه بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كَسَرْت الدَّال : أَرْدَفَتْ الْمَلَائِكَة بَعْضهَا بَعْضًا , وَإِذَا قُرِئَ بِفَتْحِهَا : أَرْدَفَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ } بِكَسْرِ الدَّال ; لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ تَأْوِيلهمْ أَنَّ مَعْنَاهُ : يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا وَمُتَتَابِعِينَ . فَفِي إِجْمَاعهمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقِرَاءَة مَا اِخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْر الدَّال , بِمَعْنَى : أَرْدَفَ بَعْض الْمَلَائِكَة بَعْضًا , وَمَسْمُوع مِنْ الْعَرَب : جِئْت مُرْدِفًا لِفُلَانٍ : أَيْ جِئْت بَعْده . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ | مُرْدَفِينَ | بِفَتْحِ الدَّال : أَنَّ اللَّه أَرْدَفَ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ , فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ إِذْ الذِّكْر الَّذِي فِي مُرْدِفِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : أَنْ يَمُدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة يُرْدَف بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , ثُمَّ حَذَفَ ذِكْر الْفَاعِل , وَأَخْرَجَ الْخَبَر غَيْر مُسَمًّى فَاعِله , فَقِيلَ : { مُرْدَفِينَ } بِمَعْنَى : مُرْدَف بَعْض الْمَلَائِكَة بِبَعْضٍ , وَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ ذِكْرنَا قَوْله وَجَبَ أَنْ يَكُون فِي الْمُرْدَفِينَ ذِكْر الْمُسْلِمِينَ لَا ذِكْر الْمَلَائِكَة , وَذَلِكَ خِلَاف مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْقُرْآن . وَقَدْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة أُخْرَى , وَهِيَ مَا : 12243 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد : ( مُرْدِفِينَ | , وَمُرْدَفِينَ و | مُرَدِّفِينَ | , مُثَقَّل عَلَى مَعْنَى : مُرْتَدِفِينَ . )12244 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان عَنْ الرِّبْعِيّ , عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِث , عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : (نَزَلَ جِبْرِيل فِي أَلْف مِنْ الْمَلَائِكَة عَنْ مَيْمَنَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهَا أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَنَزَلَ مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَلْف مِنْ الْمَلَائِكَة عَنْ مَيْسَرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَا فِيهَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّه إِلَّا بُشْرَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَجْعَل اللَّه إِرْدَاف الْمَلَائِكَة بَعْضهَا بَعْضًا وَتَتَابُعهَا بِالْمَصِيرِ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَدَدًا لَكُمْ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ : أَيْ بِشَارَة لَكُمْ تُبَشِّركُمْ بِنَصْرِ اللَّه إِيَّاكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ . وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ مَا : 12245 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : مَا مَدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ذَكَرَ اللَّه غَيْر أَلْف مِنْ الْمَلَائِكَة مُرْدِفِينَ , وَذِكْر الثَّلَاثَة وَالْخَمْسَة بُشْرَى , مَا مُدُّوا بِأَكْثَر مِنْ هَذِهِ الْأَلْف الَّذِي ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَنْفَال . وَأَمَّا الثَّلَاثَة وَالْخَمْسَة , فَكَانَتْ بُشْرَى . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَة آل عِمْرَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة .|وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ|يَقُول : وَلِتَسْكُن قُلُوبكُمْ بِمَجِيئِهَا إِلَيْكُمْ , وَتُوقِن بِنُصْرَةِ اللَّه لَكُمْ ,|وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ|يَقُول : وَمَا تُنْصَرُونَ عَلَى عَدُوّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَنْ يَنْصُركُمْ اللَّه عَلَيْهِمْ , لَا بِشِدَّةِ بَأْسكُمْ وَقُوَاكُمْ , بَلْ بِنَصْرِ اللَّه لَكُمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ , يَنْصُر مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه .|إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ|يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي يَنْصُركُمْ وَبِيَدِهِ نَصْر مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , عَزِيز لَا يَقْهَرهُ شَيْء , وَلَا يَغْلِبهُ غَالِب , بَلْ يَقْهَر كُلّ شَيْء وَيَغْلِبهُ , لِأَنَّهُ خَلَقَه . حَكِيم يَقُول : حَكِيم فِي تَدْبِيره وَنَصْره مَنْ نَصَرَ , وَخِذْلَانه مِنْ خَذَلَ مِنْ خَلْقه , لَا يَدْخُل تَدْبِيره وَهَن وَلَا خَلَل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان وَلِيَرْبِط عَلَى قُلُوبكُمْ وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلُوبكُمْ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاس . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يُغَشِّيكُمْ النُّعَاس } يُلْقِي عَلَيْكُمْ النُّعَاس , { أَمَنَة } يَقُول : أَمَانًا مِنْ اللَّه لَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ أَنْ يَغْلِبكُمْ , وَكَذَلِكَ النُّعَاس فِي الْحَرْب أَمَنَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . 12246 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (النُّعَاس فِي الْقِتَال أَمَنَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَفِي الصَّلَاة مِنْ الشَّيْطَان . )* - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , فِي قَوْله : يَغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ عَبْد اللَّه , بِنَحْوِهِ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ عَبْد اللَّه بِنَحْوِهِ . وَالْأَمَنَة : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَمِنْت مِنْ كَذَا أَمَنَة وَأَمَانًا وَأَمْنًا , وَكُلّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَمَنَة مِنْهُ } أَمَانًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . )* - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَمَنَة } قَالَ : أَمْنًا مِنْ اللَّه . )12248 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ } قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النُّعَاس أَمَنَة مِنْ الْخَوْف الَّذِي أَصَابَهُمْ يَوْم أُحُد . فَقَرَأَ : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } [3 154 ]. )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : | إِذْ يُغَشَّاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ | فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة | يُغَشِيكُمْ النُّعَاس | بِضَمِّ الْيَاء وَتَخْفِيف الشِّين وَنَصْب | النُّعَاس | , مِنْ أَغْشَاهُمْ اللَّه النُّعَاس , فَهُوَ يُغْشِيهِمْ . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { يُغَشِّيكُمْ } بِضَمِّ الْيَاء وَتَشْدِيد الشِّين مِنْ غَشَّاهُمْ اللَّه النُّعَاس , فَهُوَ يُغَشِّيهِمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : | يَغْشَاكُمْ النُّعَاس | بِفَتْحِ الْيَاء وَرَفْع | النُّعَاس | , بِمَعْنَى غَشِيَهُمْ النُّعَاس , فَهُوَ يَغْشَاهُمْ ; وَاسْتَشْهَدَ هَؤُلَاءِ لِصِحَّةِ قِرَاءَتهمْ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آل عِمْرَان : { يَغْشَى طَائِفَة } [3 154 ]. وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : { إِذْ يُغَشِّيكُمْ } عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ , لِإِجْمَاعِ جَمِيع الْقُرَّاء عَلَى قِرَاءَة قَوْله : { وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء } بِتَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ فِعْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون كَذَلِكَ : { يُغَشِّيكُمْ } إِذْ كَانَ قَوْله : { وَيُنَزِّل } عَطْفًا عَلَى | يُغَشِّي | , لِيَكُونَ الْكَلَام مُتَّسِقًا عَلَى نَحْو وَاحِد . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } فَإِنَّ ذَلِكَ مَطَر أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ السَّمَاء يَوْم بَدْر , لِيُطَهِّر بِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِصَلَاتِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْبَحُوا يَوْمئِذٍ مُجْنِبِينَ عَلَى غَيْر مَاء ; فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَاء اِغْتَسَلُوا وَتَطَهَّرُوا . وَكَانَ الشَّيْطَان وَسْوَسَ لَهُمْ بِمَا حَزَنهمْ بِهِ مِنْ إِصْبَاحهمْ مُجْنِبِينَ عَلَى غَيْر مَاء , فَأَذْهَبَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ قُلُوبهمْ بِالْمَطَرِ فَذَلِكَ رَبْطه عَلَى قُلُوبهمْ وَتَقْوِيَته أَسْبَابهمْ وَتَثْبِيته بِذَلِكَ الْمَطَر أَقْدَامهمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا اِلْتَقَوْا مَعَ عَدُوّهُمْ عَلَى رَمْلَة هَشَّاء فَلَبَّدَهَا الْمَطَر حَتَّى صَارَتْ الْأَقْدَام عَلَيْهَا ثَابِتَة لَا تَسُوخ فِيهَا , تَوْطِئَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَوْلِيَائِهِ أَسْبَاب التَّمَكُّن مِنْ عَدُوّهُمْ وَالظَّفَر بِهِمْ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا , تَتَابَعَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعِلْم . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 12249 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ حَارِثَة , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : (أَصَابَنَا مِنْ اللَّيْل طَشّ مِنْ الْمَطَر - يَعْنِي اللَّيْلَة الَّتِي كَانَتْ فِي صَبِيحَتهَا وَقْعَة بَدْر - فَانْطَلَقْنَا تَحْت الشَّجَر وَالْحَجَف , نَسْتَظِلّ تَحْتهَا مِنْ الْمَطَر , وَبَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبّه : | اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَة لَا تُعْبَد فِي الْأَرْض | فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الْفَجْر نَادَى : الصَّلَاة عِبَاد اللَّه , فَجَاءَ النَّاس مِنْ تَحْت الشَّجَر وَالْحَجَف , فَصَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَال . )12250 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث وَأَبُو خَالِد , عَنْ دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } قَالَ : طَشّ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَزِيد , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ دَاوُد , عَنْ سَعِيد , بِنَحْوِهِ . 12251 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَا : (طَشّ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ , وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان } قَالَا : طَشّ كَانَ يَوْم بَدْر , فَثَبَّتَ اللَّه بِهِ الْأَقْدَام . )12252 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( إِذْ يَغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ | الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمئِذٍ حَتَّى سَالَ الْوَادِي مَاء , وَاقْتَتَلُوا عَلَى كَثِيب أَعْفَر , فَلَبَّدَهُ اللَّه بِالْمَاءِ , وَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَوَضَّئُوا وَسَقَوْا , وَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ وَسْوَاس الشَّيْطَان . )12253 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (نَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي حِين سَارَ إِلَى بَدْر وَالْمُسْلِمُونَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْمَاء رَمْلَة دَعِصَة - فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْف شَدِيد , وَأَلْقَى الشَّيْطَان فِي قُلُوبهمْ الْغَيْظ , فَوَسْوَسَ بَيْنهمْ : تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله , وَقَدْ غَلَبَكُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاء وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ ! فَأَمْطَرَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا , فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا , وَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ رِجْز الشَّيْطَان . وَثَبَّتَ الرَّمْل حِين أَصَابَهُ الْمَطَر , وَمَشَى النَّاس عَلَيْهِ وَالدَّوَابّ فَسَارُوا إِلَى الْقَوْم , وَأَمَدَّ اللَّه نَبِيّه بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَة , فَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي خَمْسمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُجْنِبَة , وَمِيكَائِيل فِي خَمْسمِائَةٍ مُجْنِبَة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( إِذْ يُغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ | إِلَى قَوْله : { وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش لَمَّا خَرَجُوا لِيَنْصُرُوا الْعِير وَيُقَاتِلُوا عَنْهَا , نَزَلُوا عَلَى الْمَاء يَوْم بَدْر , فَغَلَبُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ , فَأَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الظَّمَأ , فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ , حَتَّى تَعَاظَمَ ذَلِكَ فِي صُدُور أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مَاء حَتَّى سَالَ الْوَادِي , فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَلَئُوا الْأَسْقِيَة , وَسَقَوْا الرِّكَاب وَاغْتَسَلُوا مِنْ الْجَنَابَة , فَجَعَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ طَهُورًا , وَثَبَّتَ الْأَقْدَام . وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنهمْ وَبَيْن الْقَوْم رَمْلَة فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهَا الْمَطَر . فَضَرَبَهَا حَتَّى اِشْتَدَّتْ , وَثَبَّتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَام . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ , فَسَبَقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَاء بَدْر , فَنَزَلُوا عَلَيْهِ , اِنْصَرَفَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه تِلْقَاء الْبَحْر , فَانْطَلَقُوا . قَالَ : فَنَزَلُوا عَلَى أَعْلَى الْوَادِي , وَنَزَلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْفَله . فَكَانَ الرَّجُل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُجْنِب فَلَا يَقْدِر عَلَى الْمَاء , فَيُصَلِّي جُنُبًا , فَأَلْقَى الشَّيْطَان فِي قُلُوبهمْ , فَقَالَ : كَيْفَ تَرْجُونَ أَنْ تَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَحَدكُمْ يَقُوم إِلَى الصَّلَاة جُنُبًا عَلَى غَيْر وُضُوء ؟ قَالَ : فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَطَر , فَاغْتَسَلُوا وَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا , وَاشْتَدَّتْ لَهُمْ الْأَرْض , وَكَانَتْ بَطْحَاء تَدْخُل فِيهَا أَرْجُلهمْ , فَاشْتَدَّتْ لَهُمْ مِنْ الْمَطَر وَاشْتَدُّوا عَلَيْهَا . )12254 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (غَلَبَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّل أَمْرهمْ عَلَى الْمَاء فَظَمِئَ الْمُسْلِمُونَ , وَصَلَّوْا مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ , وَكَانَتْ بَيْنهمْ رِمَال , فَأَلْقَى الشَّيْطَان فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ الْحُزْن , فَقَالَ : تَزْعُمُونَ أَنَّ فِيكُمْ نَبِيًّا وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاء اللَّه , وَقَدْ غُلِبْتُمْ عَلَى الْمَاء وَتُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه مَاء مِنْ السَّمَاء , فَسَالَ كُلّ وَادٍ , فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا , وَثَبَتَتْ أَقْدَامهمْ , وَذَهَبَتْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان . )12255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } قَالَ : الْمَطَر أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ قَبْل النُّعَاس . { رِجْز الشَّيْطَان } قَالَ : وَسْوَسَته . قَالَ : فَأَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَار , وَالْتَبَدَتْ بِهِ الْأَرْض , وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسهمْ , وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامهمْ . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ قَبْل النُّعَاس , طَبَق الْمَطَر الْغُبَار , وَلَبَّدَ بِهِ الْأَرْض , وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسهمْ , وَثَبَتَتْ بِهِ الْأَقْدَام . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } قَالَ : الْقِطْر { وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان } وَسَاوِسه . أَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَار , وَلَبَّدَ بِهِ الْأَرْض , وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسهمْ , وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامهمْ . )12256 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (رِجْز الشَّيْطَان : وَسْوَسَته . )12257 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } قَالَ : هَذَا يَوْم بَدْر أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْقِطْر . { وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان } الَّذِي أَلْقَى فِي قُلُوبكُمْ لَيْسَ لَكُمْ بِهَؤُلَاءِ طَاقَة . { وَلِيَرْبِط عَلَى قُلُوبكُمْ وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } . )12258 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِذْ يُغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ } إِلَى قَوْله : { وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } إِنَّ الْمُشْرِكِينَ نَزَلُوا بِالْمَاءِ يَوْم بَدْر , وَغَلَبُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الظَّمَأ , وَصَلَّوْا مُحْدِثِينَ مُجْنِبِينَ , فَأَلْقَى الشَّيْطَان فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ الْحُزْن , وَوَسْوَسَ فِيهَا : إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيّ اللَّه , وَقَدْ غَلَبْتُمْ عَلَى الْمَاء وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُحْدِثِينَ مُجْنِبِينَ ! فَأَمْطَرَ اللَّه السَّمَاء حَتَّى سَالَ كُلّ وَادٍ , فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَلَئُوا أَسْقَيْتهمْ وَسَقَوْا دَوَابّهمْ وَاغْتَسَلُوا مِنْ الْجَنَابَة , وَثَبَّتَ اللَّه بِهِ الْأَقْدَام ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانَ بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ رَمْلَة لَا تَجُوزهَا الدَّوَابّ , وَلَا يَمْشِي فِيهَا الْمَاشِي إِلَّا بِجُهْدٍ , فَضَرَبَهَا اللَّه بِالْمَطَرِ حَتَّى اِشْتَدَّتْ وَثَبَتَتْ فِيهَا الْأَقْدَام . )12259 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( إِذْ يُغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ | : أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَة حَتَّى نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ , وَنَزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء الْمَطَر الَّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَة , فَحُبِسَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَى الْمَاء , وَخُلِّيَ سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ . { لِيُطَهِّركُمْ بِهِ وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان وَلِيَرْبِط عَلَى قُلُوبكُمْ وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } لِيُذْهِب عَنْهُمْ شَكّ الشَّيْطَان بِتَخْوِيفِهِ إِيَّاهُمْ عَدُوّهُمْ , وَاسْتِجْلَاد الْأَرْض لَهُمْ , حَتَّى اِنْتَهَوْا إِلَى مَنْزِلهمْ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ عَدُوّهُمْ . )12260 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَان فِي قُلُوبهمْ مِنْ شَأْن الْجَنَابَة وَقِيَامهمْ يُصَلُّونَ بِغَيْرِ وُضُوء , فَقَالَ : | إِذْ يُغْشَاكُمْ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ وَيُذْهِب عَنْكُمْ رِجْز الشَّيْطَان وَلِيَرْبِط عَلَى قُلُوبكُمْ وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام | حَتَّى تَشْتَدُّونَ عَلَى الرَّمْل , وَهُوَ كَهَيْئَةِ الْأَرْض . )12261 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : (قَالَ رَجُل عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَقَالَ مُرَّة قَرَأَ : { وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ } فَقَالَ سَعِيد : إِنَّمَا هِيَ : | وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّركُمْ بِهِ | قَالَ : وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ ذَلِكَ طَشًّا يَوْم بَدْر . )وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْغَرِيبِ مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , أَنَّ مَجَاز قَوْله : { وَيُثَبِّت بِهِ الْأَقْدَام } وَيُفْرِغ عَلَيْهِمْ الصَّبْر وَيُنَزِّلهُ عَلَيْهِمْ , فَيَثْبُتُونَ لِعَدُوِّهِمْ . وَذَلِكَ قَوْل خِلَاف لِقَوْلِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَحَسْب قَوْل خَطَأ أَنْ يَكُون خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالهمْ فِيهِ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : وَيُثَبِّت أَقْدَام الْمُؤْمِنِينَ بِتَلْبِيدِ الْمَطَر الرَّمْل حَتَّى لَا تَسُوخ فِيهِ أَقْدَامهمْ وَحَوَافِر دَوَابّهمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِذْ يُوحِي رَبّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُمْ } أَنْصُركُمْ , { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : قَوُّوا عَزْمهمْ , وَصَحِّحُوا نِيَّاتهمْ فِي قِتَال عَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ تَثْبِيت الْمَلَائِكَة الْمُؤْمِنِينَ كَانَ حُضُورهمْ حَرْبهمْ مَعَهُمْ , وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ مَعُونَتهمْ إِيَّاهُمْ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ , وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَك يَأْتِي الرَّجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : سَمِعْت هَؤُلَاءِ الْقَوْم , يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ : وَاَللَّه لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنَا لَأَنْكَشِفَن , فَيُحَدِّث الْمُسْلِمُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِذَلِكَ , فَتَقْوَى أَنْفُسهمْ . قَالُوا : وَذَلِكَ كَانَ وَحْي اللَّه إِلَى مَلَائِكَته . وَأَمَّا اِبْن إِسْحَاق , فَإِنَّهُ قَالَ بِمَا : 12262 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ فَآزِرُوا الَّذِينَ آمَنُوا .)|سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَأُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَأُرْعِبُ قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا بِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ , وَأَمْلَؤُهَا فَرَقًا حَتَّى يَنْهَزِمُوا عَنْكُمْ , فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق ! وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَوْق الْأَعْنَاق } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12263 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : ( { فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق } قَالَ : اِضْرِبُوا الْأَعْنَاق . )12264 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَمْ أُبْعَث لِأُعَذِّب بِعَذَابِ اللَّه , إِنَّمَا بُعِثْت لِضَرْبِ الْأَعْنَاق وَشَدّ الْوَثَاق . )12265 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق } يَقُول : اِضْرِبُوا الرِّقَاب . )وَاحْتَجَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : رَأَيْت نَفْس فُلَان , بِمَعْنَى رَأَيْته , قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَاضْرِبُوا الرُّءُوس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12266 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق } قَالَ : الرُّءُوس . )وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنَّ الَّذِي فَوْق الْأَعْنَاق : الرُّءُوس , وَقَالُوا : وَغَيْر جَائِز أَنْ تَقُول : فَوْق الْأَعْنَاق , فَيَكُون مَعْنَاهُ : الْأَعْنَاق . قَالُوا : وَلَوْ جَازَ كَانَ أَنْ يُقَال تَحْت الْأَعْنَاق , فَيَكُون مَعْنَاهُ : الْأَعْنَاق . قَالُوا : وَذَلِكَ خِلَاف الْمَعْقُول مِنْ الْخِطَاب , وَقَلْب مَعَانِي الْكَلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَاضْرِبُوا عَلَى الْأَعْنَاق . وَقَالُوا : | عَلَى | و | فَوْق | مَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ , فَجَازَ أَنْ يُوضَع أَحَدهمَا مَكَان الْآخَر . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَلِّمهمْ كَيْفِيَّة قَتْل الْمُشْرِكِينَ وَضَرْبهمْ بِالسَّيْفِ أَنْ يَضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق مِنْهُمْ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُل ; وَقَوْله : { فَوْق الْأَعْنَاق } مُحْتَمِل أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ الرُّءُوس , وَمُحْتَمِل أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ فَوْق جِلْدَة الْأَعْنَاق , فَيَكُون مَعْنَاهُ : عَلَى الْأَعْنَاق وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ صَحَّ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : الْأَعْنَاق . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل , لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُوَجِّههُ إِلَى بَعْض مَعَانِيه دُون بَعْض إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا حُجَّة تَدُلّ عَلَى خُصُوصه , فَالْوَاجِب أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ بِضَرْبِ رُءُوس الْمُشْرِكِينَ وَأَعْنَاقهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَهُ بَدْرًا .|وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاضْرِبُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عَدُوّكُمْ كُلّ طَرَف وَمَفْصِل مِنْ أَطْرَاف أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ . وَالْبَنَان : جَمْع بَنَانَة , وَهِيَ أَطْرَاف أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : <br>أَلَا لَيْتَنِي قَطَعْت مِنِّي بَنَانَة .......... وَلَاقَيْته فِي الْبَيْت يَقْظَان حَاذِرًا <br>يَعْنِي بِالْبَنَانَةِ : وَاحِدَة الْبَنَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12267 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } قَالَ : كُلّ مَفْصِل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } قَالَ : الْمَفَاصِل . )12268 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } قَالَ : كُلّ مَفْصِل . )12269 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } قَالَ : الْأَطْرَاف , وَيُقَال : كُلّ مَفْصِل . )12270 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } يَعْنِي بِالْبَنَانِ : الْأَطْرَاف . )12271 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } قَالَ : الْأَطْرَاف . )12272 - حَدَّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان . قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان } يَعْنِي الْأَطْرَاف .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } هَذَا الْفِعْل مِنْ ضَرْب هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة فَوْق الْأَعْنَاق , وَضَرْب كُلّ بَنَان مِنْهُمْ , جَزَاء لَهُمْ بِشِقَاقِهِمْ اللَّه وَرَسُوله , وَعِقَاب لَهُمْ عَلَيْهِ ,|شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ|وَمَعْنَى قَوْله : { شَاقُّوا اللَّه وَرَسُوله } فَارَقُوا أَمْر اللَّه وَرَسُوله وَعَصَوْهُمَا , وَأَطَاعُوا أَمْر الشَّيْطَان .|وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ|وَمَعْنَى قَوْله : { وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّه وَرَسُوله } وَمَنْ يُخَالِف أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله , وَفَارَقَ طَاعَتهمَا .|فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ| { فَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } لَهُ , وَشِدَّة عِقَابه لَهُ فِي الدُّنْيَا : إِحْلَاله بِهِ مَا كَانَ يَحِلّ بِأَعْدَائِهِ مِنْ النِّقَم , وَفِي الْآخِرَة الْخُلُود فِي نَار جَهَنَّم . وَحَذَفَ | لَهُ | مِنْ الْكَلَام لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْعِقَاب الَّذِي عَجَّلْته لَكُمْ أَيّهَا الْكَافِرُونَ الْمُشَاقُّونَ لِلَّهِ وَرَسُوله فِي الدُّنْيَا , مِنْ الضَّرْب فَوْق الْأَعْنَاق مِنْكُمْ , وَضَرْب كُلّ بَنَان بِأَيْدِي أَوْلِيَائِي الْمُؤْمِنِينَ , فَذُوقُوهُ عَاجِلًا , وَاعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ فِي الْآجِل وَالْمَعَاد عَذَاب النَّار . وَلِفَتْحِ | أَنَّ | مِنْ قَوْله : { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } مِنْ الْإِعْرَاب وَجْهَانِ : أَحَدهمَا الرَّفْع , وَالْآخَر النَّصْب . فَأَمَّا الرَّفْع فَبِمَعْنَى : ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ , ذَلِكُمْ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار بِنِيَّةِ تَكْرِير | ذَلِكُمْ | , كَأَنَّهُ قِيلَ : ذَلِكُمْ الْأَمْر وَهَذَا . وَأَمَّا النَّصْب فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ , وَاعْلَمُوا , أَوْ وَأَيْقِنُوا أَنَّ لِلْكَافِرِينَ , فَيَكُون نَصْبه بِنِيَّةِ فِعْل مُضْمَر , قَالَ الشَّاعِر : <br>وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى .......... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا <br>بِمَعْنَى : وَحَامِلًا رُمْحًا . وَالْآخَر بِمَعْنَى : ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ , وَبِأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار , ثُمَّ حُذِفَتْ الْبَاء فَنُصِبَتْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْقِتَال زَحْفًا } يَقُول : مُتَزَاحِفًا بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض , وَالتَّزَاحُف : التَّدَانِي وَالتَّقَارُب .|زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ|يَقُول : فَلَا تُوَلُّوهُمْ ظُهُوركُمْ فَتَنْهَزِمُوا عَنْهُمْ , وَلَكِنْ اُثْبُتُوا لَهُمْ فَإِنَّ اللَّه مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ .
يَقُول : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ مِنْكُمْ ظَهْره { إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ } يَقُول : إِلَّا مُسْتَطْرِدًا لِقِتَالِ عَدُوّهُ بِطَلَبِ عَوْرَة لَهُ يُمْكِنهُ إِصَابَتهَا فَيَكِرّ عَلَيْهِ { أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة } أَوْ إِلَّا أَنْ يُوَلِّيهِمْ ظَهْره مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة , يَقُول : صَائِرًا إِلَى حَيِّز الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَفِيئُونَ بِهِ مَعَهُمْ إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ وَيَرْجِعُونَ بِهِ مَعَهُمْ إِلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12273 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة } قَالَ : الْمُتَحَرِّف : الْمُتَقَدِّم مِنْ أَصْحَابه لِيَرَى غُرَّة مِنْ الْعَدُوّ فَيُصِيبهَا . قَالَ : وَالْمُتَحَيِّز : الْفَارّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّ الْيَوْم إِلَى أَمِيره أَوْ أَصْحَابه . قَالَ الضَّحَّاك : وَإِنَّمَا هَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَفِرُّوا , وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِئَتهمْ . )12274 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة } أَمَّا الْمُتَحَرِّف يَقُول : إِلَّا مُسْتَطْرِدًا , يُرِيد الْعَوْدَة . { أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة } قَالَ : الْمُتَحَيِّز إِلَى الْإِمَام وَجُنْده إِنْ هُوَ كَرَّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِمْ طَاقَة , وَلَا يَعْذُر النَّاس وَإِنْ كَثُرُوا أَنْ يُوَلُّوا عَنْ الْإِمَام . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم } هَلْ هُوَ خَاصّ فِي أَهْل بَدْر , أَمْ هُوَ فِي الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ؟ فَقَالَ قَوْم : هُوَ لِأَهْلِ بَدْر خَاصَّة , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَدُوّهُ وَيَنْهَزِمُوا عَنْهُ فَأَمَّا الْيَوْم فَلَهُمْ الِانْهِزَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12275 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبْره } قَالَ : ذَاكَ يَوْم بَدْر , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا , وَلَوْ اِنْحَازَ أَحَد لَمْ يَنْحَزْ إِلَّا إِلَيَّ . قَالَ أَبُو مُوسَى : يَعْنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ . )12276 - حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ دَاوُد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَلَوْ اِنْحَازُوا اِنْحَازُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ , وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُسْلِم فِي الْأَرْض غَيْرهمْ . )12277 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : (نَزَلَتْ فِي يَوْم بَدْر : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } . )* - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , وَعَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ , قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى : ثني عَبْد الصَّمَد , وَقَالَ عَلِيّ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ دَاوُد , يَعْنِي اِبْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : يَوْم بَدْر . )قَالَ أَبُو مُوسَى : حُدِّثْت أَنَّ فِي كِتَاب غُنْدَر هَذَا الْحَدِيث , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَاصِم , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : (إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِئَة إِلَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا بَعْد ذَلِكَ , فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ فِئَة لِبَعْضٍ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي نَضْرَة : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْل بَدْر . )12278 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : (كَتَبْت إِلَى نَافِع أَسْأَلهُ , عَنْ قَوْله : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } أَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْم أَمْ هُوَ بَعْد ؟ قَالَ : وَكَتَبَ إِلَيَّ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر . )12279 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (إِنَّمَا كَانَ الْفِرَار يَوْم بَدْر , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَلْجَأ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ , فَأَمَّا الْيَوْم فَلَيْسَ فِرَار . )12280 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : كَانَتْ هَذِهِ يَوْم بَدْر خَاصَّة , لَيْسَ الْفِرَار مِنْ الزَّحْف مِنْ الْكَبَائِر . )12281 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الضَّحَّاك ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : كَانَتْ هَذِهِ يَوْم بَدْر خَاصَّة , )قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , عَنْ حَبِيب بْن الشَّهِيد , عَنْ الْحَسَن ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل بَدْر . )12282 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : ذَلِكُمْ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك . عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن ( { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : ذَلِكَ يَوْم بَدْر , فَأَمَّا الْيَوْم فَإِنْ اِنْحَازَ إِلَى فِئَة أَوْ مِصْر - أَحْسَبهُ قَالَ - فَلَا بَأْس بِهِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : (كَتَبْت إِلَى نَافِع { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } ؟ قَالَ : إِنَّمَا هَذَا يَوْم بَدْر . )12283 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , قَالَ : ثني يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , قَالَ : (أَوْجَبَ اللَّه لِمَنْ فَرَّ يَوْم بَدْر النَّار , قَالَ : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد بَعْد ذَلِكَ قَالَ : { إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } [3 155 ]ثُمَّ كَانَ حُنَيْن بَعْد ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ , فَقَالَ { ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [9 25 ] { ثُمَّ يَتُوب اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاء } [9 27 ]. )12284 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , (أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَلَغَهُ قَتْل أَبِي عُبَيْد , فَقَالَ : لَوْ تَحَيَّزَ إِلَيَّ لَكُنْت لَهُ فِئَة . )12285 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : ثني قَيْس بْن سَعِيد , قَالَ : (سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ قَوْله : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره } قَالَ : هَذِهِ مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْأَنْفَال : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } [8 66 ]قَالَ : وَلَيْسَ لِقَوْمٍ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ مِثْلَيْهِمْ . قَالَ : وَنُسِخَتْ تِلْكَ إِلَّا هَذِهِ الْعِدَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي عُثْمَان , قَالَ : (لَمَّا قُتِلَ أَبُو عُبَيْد جَاءَ الْخَبَر إِلَى عُمَر , فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس أَنَا فِئَتكُمْ . )12286 - قَالَ : اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَابْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : (أَنَا فِئَة كُلّ مُسْلِم . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ الْآيَة حُكْمهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ وَلَّى الدُّبُر عَنْ الْعَدُوّ مُنْهَزِمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12287 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَكْبَر الْكَبَائِر : الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَالْفِرَار مِنْ الزَّحْف ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير } . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ : عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : حُكْمهَا مُحْكَم , وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْل بَدْر , وَحُكْمهَا ثَابِت فِي جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَقُوا الْعَدُوّ أَنْ يُوَلُّوهُمْ الدُّبُر مُنْهَزِمِينَ , إِلَّا لِتَحَرُّفِ الْقِتَال , أَوْ لِتَحَيُّزٍ إِلَى فِئَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْض الْإِسْلَام , وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُمْ الدُّبُر بَعْد الزَّحْف لِقِتَالٍ مُنْهَزِمًا بِغَيْرِ نِيَّة إِحْدَى الْخُلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَبَاحَ اللَّه التَّوْلِيَة بِهِمَا , فَقَدْ اِسْتَوْجَبَ مِنْ اللَّه وَعِيده إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا هِيَ مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَغَيْره أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُحْكَم لِحُكْمِ آيَة بِنَسْخٍ وَلَهُ فِي غَيْر النَّسْخ وَجْه إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا مِنْ خَبَر يَقْطَع الْعُذْر أَوْ حُجَّة عَقْل , وَلَا حُجَّة مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَدُلّ عَلَى نَسْخ حُكْم قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُره إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة } .|فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ|وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } يَقُول : فَقَدْ رَجَعَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه ,|وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ| { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم } يَقُول : وَمَصِيره الَّذِي يَصِير إِلَيْهِ فِي مَعَاده يَوْم الْقِيَامَة جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير , يَقُول : وَبِئْسَ الْمَوْضِع الَّذِي يَصِير إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَصِير .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه فَقَاتَلَ أَعْدَاء دِينه مَعَهُ مِنْ كُفَّار قُرَيْش : فَلَمْ تَقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ , وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ . وَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَتْلهمْ إِلَى نَفْسه , وَنَفَاهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ , إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ مُسَبِّب قَتْلهمْ , وَعَنْ أَمْره كَانَ قِتَال الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ , فَفِي ذَلِكَ أَدَلّ الدَّلِيل عَلَى فَسَاد قَوْل الْمُنْكِرِينَ أَنْ يَكُون لِلَّهِ فِي أَفْعَال خَلْقه صُنْع بِهِ وَصَلُوا إِلَيْهَا . وَكَذَلِكَ قَوْله لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } فَأَضَافَ الرَّمْي إِلَى نَبِيّ اللَّه , ثُمَّ نَفَاهُ عَنْهُ , وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ هُوَ الرَّامِي , إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْمُوَصِّل الْمَرْمِيّ بِهِ إِلَى الَّذِينَ رُمُوا بِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَالْمُسَبَّب الرَّمْيَة لِرَسُولِهِ . فَيُقَال لِلْمُسْلِمِينَ مَا ذَكَرْنَا : قَدْ عَلِمْتُمْ إِضَافَة اللَّه رَمَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى نَفْسه بَعْد وَصْفه نَبِيّه بِهِ وَإِضَافَته إِلَيْهِ ذَلِكَ فِعْل وَاحِد كَانَ مِنْ اللَّه بِتَسْبِيبِهِ وَتَسْدِيده , وَمِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَذْف وَالْإِرْسَال , فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ سَائِر أَفْعَال الْخَلْق الْمُكْتَسَبَة : مِنْ اللَّه الْإِنْشَاء وَالْإِنْجَاز بِالتَّسْبِيبِ , وَمِنْ الْخَلْق الِاكْتِسَاب بِالْقُوَى ؟ فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَر مِثْله . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12288 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ هَذَا : قَتَلْت , وَهَذَا : قَتَلْت . { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت } قَالَ لِمُحَمَّدٍ حِين حَصَبَ الْكُفَّار . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12289 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } قَالَ : رَمَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَصْبَاءِ يَوْم بَدْر . )12290 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (مَا وَقَعَ مِنْهَا شَيْء إِلَّا فِي عَيْن رَجُل . )12291 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : (لَمَّا وَرَدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا قَالَ : | هَذِهِ مَصَارِعهمْ | . وَوَجَدَ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ وَنَزَلَ إِلَيْهِ , فَلَمَّا طَلَعُوا عَلَيْهِ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | هَذِهِ قُرَيْش قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا تُحَادّك وَتُكَذِّب رَسُولك , اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك مَا وَعَدْتنِي ! | فَلَمَّا أَقْبَلُوا اِسْتَقْبَلَهُمْ , فَحَثَا فِي وُجُوههمْ , فَهَزَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . )12292 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي بَكْر بْن سُلَيْمَان بْن أَبِي حَثْمَة , عَنْ حَكِيم بْن حِزَام , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , سَمِعْنَا صَوْتًا وَقَعَ مِنْ السَّمَاء كَأَنَّهُ صَوْت حَصَاة وَقَعَتْ فِي طَسْت , وَرَمَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرَّمْيَة , فَانْهَزَمْنَا . )12293 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَا : (لَمَّا دَنَا الْقَوْم بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْضَة مِنْ تُرَاب فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوه الْقَوْم , وَقَالَ : | شَاهَتْ الْوُجُوه ! | فَدَخَلَتْ فِي أَعْيُنهمْ كُلّهمْ , وَأَقْبَلَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ , وَكَانَتْ هَزِيمَتهمْ فِي رَمْيَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } الْآيَة , إِلَى : { إِنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } . )12294 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ يَوْم بَدْر ثَلَاثَة أَحْجَار وَرَمَى بِهَا فِي وُجُوه الْكُفَّار , فَهُزِمُوا عِنْد الْحَجَر الثَّالِث . )12295 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ يَوْم بَدْر لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( أَعْطِنِي حَصًى مِنْ الْأَرْض ! | فَنَاوَلَهُ حَصًى عَلَيْهِ تُرَاب فَرَمَى بِهِ وُجُوه الْقَوْم , فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِك إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَاب شَيْء . ثُمَّ رَدِفَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ . فَذَكَرَ رَمْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّه قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } . )11296 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } قَالَ : هَذَا يَوْم بَدْر , أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث حَصَيَات , فَرَمَى بِحَصَاةٍ فِي مَيْمَنَة الْقَوْم وَحَصَاة فِي مَيْسَرَة الْقَوْم وَحَصَاة بَيْن أَظْهُرهمْ وَقَالَ : | شَاهَتْ الْوُجُوه ! | فَانْهَزَمُوا , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } . )12297 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (رَفَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده يَوْم بَدْر , فَقَالَ : | يَا رَبّ إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَة فَلَنْ تُعْبَد فِي الْأَرْض أَبَدًا ! | فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : خُذْ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب ! فَأَخَذَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب , فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوههمْ فَمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَد إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَفَمه تُرَاب مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَة , فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ . )12298 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي رَمْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَده حِين رَمَاهُمْ : { وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى } أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِك لَوْلَا الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهَا مِنْ نَصْرك , وَمَا أَلْقَى فِي صُدُور عَدُوّك مِنْهَا حِين هَزَمْتهمْ . )وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيّ فِي ذَلِكَ قَوْل خِلَاف هَذِهِ الْأَقْوَال , وَهُوَ مَا : 12299 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : ( { وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت } قَالَ : جَاءَ أُبَيّ بْن خَلَف الْجُمَحِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ حَائِل , فَقَالَ : اللَّه مُحْيِي هَذَا يَا مُحَمَّد وَهُوَ رَمِيم ؟ ! وَهُوَ يَفُتّ الْعَظْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يُحْيِيه اللَّه , ثُمَّ يُمِيتك , ثُمَّ يُدْخِلك النَّار | قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد , قَالَ : وَاَللَّه لَأَقْتُلَن مُحَمَّدًا إِذَا رَأَيْته ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : | بَلْ أَنَا أَقْتُلهُ إِنْ شَاءَ اللَّه | .)|وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاء حَسَنًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَلِيُنْعِم عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله بِالظَّفَرِ بِأَعْدَائِهِمْ , وَيُغْنِمهُمْ مَا مَعَهُمْ , وَيُثْبِت لَهُمْ أُجُور أَعْمَالهمْ وَجِهَادهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَلِكَ الْبَلَاء الْحَسَن , رَمْي اللَّه هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَيَعْنِي بِالْبَلَاءِ الْحَسَن : النِّعْمَة الْحَسَنَة الْجَمِيلَة , وَهِيَ مَا وَصَفْت , وَمَا فِي مَعْنَاهُ . 12300 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ فِي قَوْله : ( { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاء حَسَنًا } أَيْ لِيَعْرِف الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ فِي إِظْهَارهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدهمْ , لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّه وَلِيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَته .)|إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي : إِنَّ اللَّه سَمِيع أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِدُعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنَاشَدَته بِهِ مَسْأَلَته إِيَّاهُ إِهْلَاك عَدُوّهُ وَعَدُوّكُمْ وَلِقِيلِكُمْ وَقِيلَ جَمِيع خَلْقه , عَلِيم بِذَلِكَ كُلّه وَبِمَا فِيهِ صَلَاحكُمْ وَصَلَاح عِبَاده , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاء مُحِيط بِهِ , فَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُوا أَمْره وَأَمْر رَسُوله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّه مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ } هَذَا الْفِعْل مِنْ قَتْل الْمُشْرِكِينَ وَرَمْيهمْ حَتَّى اِنْهَزَمُوا , وَابْتِلَاء الْمُؤْمِنِينَ الْبَلَاء الْحَسَن بِالظَّفَرِ بِهِمْ وَإِمْكَانهمْ مِنْ قَتْلهمْ وَأَسْرهمْ , فَعَلْنَا الَّذِي فَعَلْنَا . { وَأَنَّ اللَّه مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ ذَلِكَ مُضْعِف كَيْد الْكَافِرِينَ , يَعْنِي مَكْرهمْ , حَتَّى يَذِلُّوا , وَيَنْقَادُوا لِلْحَقِّ وَيَهْلِكُوا . وَفِي فَتْح | أَنَّ | مِنْ الْوُجُوه مَا فِي قَوْله : { ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } [8 14 ]وَقَدْ بَيَّنْته هُنَالِكَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مُوهِن } . فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : | مُوَهِّن | بِالتَّشْدِيدِ , مِنْ وَهَّنْت الشَّيْء : ضَعَّفْته . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { مُوهِن } مِنْ أَوْهَنْته فَأَنَا مُوهِنه , بِمَعْنَى أَضْعَفْته . وَالتَّشْدِيد فِي ذَلِكَ أَعْجَب إِلَيَّ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ يَنْقُض مَا يُبْرِمهُ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , عَقْدًا بَعْد عَقْد , شَيْئًا بَعْد شَيْء , وَإِنْ كَانَ الْآخَر وَجْهًا صَحِيحًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } يَعْنِي : إِنْ تَسْتَحْكِمُوا اللَّه عَلَى أَقْطَع الْحِزْبَيْنِ لِلرَّحِمِ وَأَظْلَم الْفِئَتَيْنِ , وَتَسْتَنْصِرُوهُ عَلَيْهِ , فَقَدْ جَاءَكُمْ حُكْم اللَّه وَنَصْره الْمَظْلُوم عَلَى الظَّالِم , وَالْمُحِقّ عَلَى الْمُبْطِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12301 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْقَضَاء . )12302 - قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو الْكَلْبِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْقَضَاء . )12303 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ , إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْمَدَد . )12304 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا } قَالَ : إِنْ تَسْتَقْضُوا الْقَضَاء , وَإِنَّهُ كَانَ يَقُول : { وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا } قُلْت : لِلْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : لَا نَعْلَمهُ إِلَّا ذَلِكَ . )12305 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : كُفَّار قُرَيْش فِي قَوْلهمْ : رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن مُحَمَّد وَأَصْحَابه , فَفَتَحَ بَيْنهمْ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 12306 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : اِسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْل , فَقَالَ : اللَّهُمَّ - يَعْنِي مُحَمَّدًا وَنَفْسه - أَيّنَا كَانَ أَفْجَر لَك اللَّهُمَّ وَأَقْطَع لِلرَّحِمِ فَأَحْنِهِ الْيَوْم ! قَالَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : اِسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام , فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَيّنَا كَانَ أَفْجَر لَك وَأَقْطَع لِلرَّحِمِ فَأَحْنِهِ الْيَوْم ! يَعْنِي مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنَفْسه . قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } فَضَرَبَهُ اِبْنَا عَفْرَاء : عَوْف وَمُعَوِّذ , وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ اِبْن مَسْعُود . )12307 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن صُعَيْر الْعَدَوِيّ حَلِيف بَنِي زُهْرَة , (أَنَّ الْمُسْتَفْتِح يَوْمئِذٍ أَبُو جَهْل , وَأَنَّهُ قَالَ حِين اِلْتَقَى الْقَوْم : أَيّنَا أَقْطَع لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَف فَأَحْنِهِ الْغَدَاة ! فَكَانَ ذَلِكَ اِسْتِفْتَاحه , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } الْآيَة . )12308 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } الْآيَة , يَقُول : قَدْ كَانَتْ بَدْر قَضَاء وَعِبْرَة لِمَنْ اِعْتَبَرَ . )12309 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِين خَرَجُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة , وَاسْتَنْصَرُوا اللَّه , وَقَالُوا : اللَّهُمَّ اُنْصُرْ أَعَزّ الْجُنْدَيْنِ , وَأَكْرَم الْفِئَتَيْنِ , وَخَيْر الْقَبِيلَتَيْنِ ! فَقَالَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } يَقُول : نَصَرْت مَا قُلْتُمْ , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )12310 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } إِلَى قَوْله : { وَأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } وَذَلِكَ حِين خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ عِيرهمْ , وَإِنَّ أَهْل الْعِير أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه أَرْسَلُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة يَسْتَنْصِرُونَهُمْ , فَقَالَ أَبُو جَهْل : أَيّنَا كَانَ خَيْرًا عِنْدك فَانْصُرْهُ ! وَهُوَ قَوْله : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا } يَقُول : تَسْتَنْصِرُوا . )12311 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } قَالَ : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الْعَذَاب , فَعُذِّبُوا يَوْم بَدْر , قَالَ : وَكَانَ اِسْتِفْتَاحهمْ بِمَكَّة , قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } [8 32 ]قَالَ : فَجَاءَهُمْ الْعَذَاب يَوْم بَدْر . وَأَخْبَرَ عَنْ يَوْم أُحُد : { وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } . )12312 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْل يَوْم بَدْر : (اللَّهُمَّ اُنْصُرْ أَهْدَى الْفِئَتَيْنِ , وَخَيْر الْفِئَتَيْنِ وَأَفْضَل فَنَزَلَتْ : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } . )* - قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , (أَنَّ أَبَا جَهْل هُوَ الَّذِي اِسْتَفْتَحَ يَوْم بَدْر وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَيّنَا كَانَ أَفْجَر وَأَقْطَع لِرَحِمِهِ , فَأَحْنِهِ الْيَوْم ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } . )* - قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن صُعَيْر : (أَنَّ أَبَا جَهْل , قَالَ يَوْم بَدْر : اللَّهُمَّ أَقْطَعنَا لِرَحِمِهِ , وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِف , فَأَحْنِهِ الْغَدَاة ! وَكَانَ ذَلِكَ اِسْتِفْتَاحًا مِنْهُ , فَنَزَلَتْ : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } الْآيَة )* - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن صُعَيْر , قَالَ : (كَانَ الْمُسْتَفْتِح يَوْم بَدْر أَبَا جَهْل , قَالَ : اللَّهُمَّ أَقْطَعنَا لِلرَّحِمِ , وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِف , فَأَحْنِهِ الْغَدَاة ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن مُسْلِم الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن صُعَيْر , حَلِيف بَنِي زُهْرَة , قَالَ : (لَمَّا اِلْتَقَى النَّاس , وَدَنَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , قَالَ أَبُو جَهْل : اللَّهُمَّ أَقْطَعنَا لِلرَّحِمِ , وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِف , فَأَحْنِهِ الْغَدَاة ! فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِح عَلَى نَفْسه . )قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَقَالَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } لِقَوْلِ أَبِي جَهْل : اللَّهُمَّ أَقْطَعنَا لِلرَّحِمِ , وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِف , فَأَحْنِهِ لِلْغَدَاةِ ! قَالَ : الِاسْتِفْتَاح : الْإِنْصَاف فِي الدُّعَاء . 12313 - الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ يَزِيد بْن رُومَان وَغَيْره , قَالَ أَبُو جَهْل يَوْم بَدْر : (اللَّهُمَّ اُنْصُرْ أَحَبّ الدِّينَيْنِ إِلَيْك , دِيننَا الْعَتِيق , أَمْ دِينهمْ الْحَدِيث ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح } إِلَى قَوْله : { وَأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } .)|وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَإِنْ تَنْتَهُوا يَا مَعْشَر قُرَيْش وَجَمَاعَة الْكُفَّار عَنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَقِتَال نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَهُوَ خَيْر لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ . { وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } يَقُول : وَإِنْ تَعُودُوا لِحَرْبِهِ وَقِتَاله وَقِتَال أَتْبَاعه الْمُؤْمِنِينَ , نَعُدْ : أَيْ بِمِثْلِ الْوَاقِعَة الَّتِي أَوْقَعْت بِكُمْ يَوْم بَدْر . وَقَوْله : { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ } يَقُول : وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ لِهَلَاكِكُمْ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِي وَهَزِيمَتكُمْ , وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ عِنْد عَوْدِي لِقَتْلِكُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَسَبْيكُمْ وَهَزْمكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ , يَعْنِي جُنْدهمْ وَجَمَاعَتهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , كَمَا لَمْ يُغْنُوا عَنْهُمْ يَوْم بَدْر مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَد الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12314 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , فِي قَوْله : ( { وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } قَالَ : يَقُول لِقُرَيْشٍ : وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ لِمِثْلِ الْوَاقِعَة الَّتِي أَصَابَتْكُمْ يَوْم بَدْر . { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ لَنْ يُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا , وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ . )وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } وَإِنْ تَعُودُوا لِلِاسْتِفْتَاحِ نَعُدْ لِفَتْحِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الْقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ ضَمِنَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين أَذِنَ لَهُ فِي حَرْب أَعْدَائِهِ إِظْهَار دِينه وَإِعْلَاء كَلِمَته مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَفْتِح أَبُو جَهْل وَحِزْبه , فَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال وَالْأَمْر كَذَلِكَ إِنْ تَنْتَهُوا عَنْ الِاسْتِفْتَاح فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْح بِقَوْلِهِ : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّه عَلَى نَصْرهمْ لَقَدِير } [22 39 ]اِسْتَفْتَحَ الْمُشْرِكُونَ أَوْ لَمْ يَسْتَفْتِحُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12315 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الثَّانِيَة نَفْتَح لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } مُحَمَّد وَأَصْحَابه .)|وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ| { وَأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول جَلَّ ذِكْره : وَأَنَّ اللَّه مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عِبَاده عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْهُمْ , يَنْصُرهُمْ عَلَيْهِمْ , أَوْ يُظْهِرهُمْ كَمَا أَظْهَرَهُمْ يَوْم بَدْر عَلَى الْمُشْرِكِينَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } فَفَتَحَهَا عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة , بِمَعْنَى : وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ , وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . فَعَطَفَ بِ | أَنَّ | . عَلَى مَوْضِع | وَلَوْ كَثُرَتْ | كَأَنَّهُ قَالَ : لِكَثْرَتِهَا , وَلِأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ; وَيَكُون مَوْضِع | أَنَّ | حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى هَذَا الْقَوْل . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّ فَتْحهَا إِذَا فُتِحَتْ عَلَى : { وَأَنَّ اللَّه مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ } , { وَأَنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } عَطْفًا بِالْأُخْرَى عَلَى الْأُولَى . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : | وَإِنَّ اللَّه | بِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى الِابْتِدَاء , وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ | . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ | إِنَّ | لِلِابْتِدَاءِ , لِتَقْضِيَ الْخَبَر قَبْل ذَلِكَ عَمَّا يَقْتَضِي قَوْله : { وَإِنَّ اللَّه مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { أَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله } فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ . { وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ } يَقُول : وَلَا تُدْبِرُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفِينَ أَمْره وَنَهْيه , وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَمْره إِيَّاكُمْ وَنَهْيه , وَأَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ . كَمَا : 12316 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَوَلَّوْا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْره وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ , وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي مُخَالَفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا كِتَاب اللَّه يُتْلَى عَلَيْهِمْ , قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ; يَقُول : وَهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ مَا يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ . وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ , وَتَرْكهمْ أَنْ يُوعُوهُ قُلُوبهمْ وَيَتَدَبَّرُوهُ ; فَجَعَلَهُمْ اللَّه لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَوَاعِظ الْقُرْآن وَإِنْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوهَا بِأَذَانِهِمْ , بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَسْمَعهَا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي الْإِعْرَاض عَنْ أَمْر رَسُول اللَّه وَتَرْك الِانْتِهَاء إِلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَهُ بِآذَانِكُمْ كَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ مَوَاعِظ كِتَاب اللَّه بِآذَانِهِمْ , وَيَقُولُونَ : قَدْ سَمِعْنَا , وَهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاع لَهَا وَالِاتِّعَاظ بِهَا مُعْرِضُونَ , كَمَنْ لَمْ يَسْمَعهَا . وَكَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 12317 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطَّاعَة , وَيُسِرُّونَ الْمَعْصِيَة . )12318 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } قَالَ : عَاصُونَ )12319 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَلِلَّذِي قَالَ اِبْن إِسْحَاق وَجْه , وَلَكِنْ قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } فِي سِيَاق قَصَص الْمُشْرِكِينَ , وَيَتْلُوهُ الْخَبَر عَنْهُمْ بِذَمِّهِمْ , وَهُوَ قَوْله : { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } فَلِأَنْ يَكُون مَا بَيْنهمَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ غَيْرهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَرّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْض مِنْ خَلْق اللَّه عِنْد اللَّه الَّذِينَ يُصْغُونَ عَنْ الْحَقّ لِئَلَّا يَسْتَمِعُوهُ فَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَّعِظُوا بِهِ وَيَنْكُصُونَ عَنْهُ إِنْ نَطَقُوا بِهِ , الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه أَمْره وَنَهْيه , فَيَسْتَعْمِلُوا بِهِمَا أَبْدَانهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12320 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه } قَالَ : الدَّوَابّ : الْخَلْق . )12321 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّا صُمّ بُكْم عَمَّا يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّد , لَا نَسْمَعهُ مِنْهُ , وَلَا نُجِيبهُ بِهِ بِتَصْدِيقٍ . فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ , وَكَانُوا أَصْحَاب اللِّوَاء . )12322 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (الصُّمّ الْبُكْم : الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ , قَالَ : الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقّ . )12323 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } وَلَيْسَ بِالْأَصَمِّ فِي الدُّنْيَا وَلَا بِالْأَبْكَمِ , وَلَكِنْ صُمّ الْقُلُوب وَبُكْمهَا وَعُمْيهَا . وَقَرَأَ : { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور } [22 46 ]. )وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا نَفَر مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12324 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ : نَفَر مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار , لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقّ . )* - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } قَالَ : لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقّ . قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ نَفَر مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12325 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الصُّمّ الْبُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّعْمَة وَالسَّعَة . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ بِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس , وَأَنَّهُ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة مُشْرِكُو قُرَيْش , لِأَنَّهَا فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل , فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة وَفِي مَعْنَاهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ , وَقَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ رَزَقَهُمْ اللَّه الْفَهْم لِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ , لِأَنَّ اللَّه قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12326 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } لَقَالُوا { اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر هَذَا } [10 15 ]وَلَقَالُوا : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } [7 203 ]وَلَوْ جَاءَهُمْ بِقُرْآنٍ غَيْره { لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } . )12327 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } قَالَ : لَوْ أَسْمَعَهُمْ بَعْد أَنْ يَعْلَم أَنْ لَا خَيْر فِيهِمْ مَا اِنْتَفَعُوا بِذَلِكَ , وَلَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )* - وَحَدَّثَنِي بِهِ مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : (لَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ , وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ بَعْد أَنْ يَعْلَم أَنْ لَا خَيْر فِيهِمْ مَا نَفَعَهُمْ بَعْد أَنْ نَفَذَ عِلْمه بِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ . قَالُوا : وَمَعْنَاهُ : مَا : 12328 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلهمْ الَّذِي قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَلَكِنَّ الْقُلُوب خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَلَوْ خَرَجُوا مَعَكُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ , فَأَوْفُوا لَكُمْ بِشَرٍّ مِمَّا خَرَجُوا عَلَيْهِ . )وَأَوْلَى الْقَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن جُرَيْج وَابْن زَيْد لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ الْعِلَّة , وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَة الْمُنَافِقِينَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذَنْ : وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِي هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ مَوَاعِظ الْقُرْآن وَعِبَره , حَتَّى يَعْقِلُوا عَنْ اللَّه حُجَجه مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْر فِيهِمْ وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُمْ الشَّقَاء فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَلَوْ أَفْهَمهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمُوا وَيَفْهَمُوا لَتَوَلَّوْا عَنْ اللَّه وَعَنْ رَسُوله , وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ الْإِيمَان بِمَا دَلَّهُمْ عَلَى حَقِيقَته مَوَاعِظ اللَّه وَعِبَره وَحُجَجه مُعَانِدُونَ لِلْحَقِّ بَعْد الْعِلْم بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِلْإِيمَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12329 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } قَالَ : أَمَّا يُحْيِيكُمْ فَهُوَ الْإِسْلَام , أَحْيَاهُمْ بَعْد مَوْتهمْ , بَعْد كُفْرهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : لِلْحَقِّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12330 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قَالَ : الْحَقّ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } قَالَ : الْحَقّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثَنَا عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } قَالَ : لِلْحَقِّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى مَا فِي الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12331 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } قَالَ : هُوَ هَذَا الْقُرْآن فِيهِ الْحَيَاة وَالْعِفَّة وَالْعِصْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى الْحَرْب وَجِهَاد الْعَدُوّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12332 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أَيْ لِلْحَرْبِ الَّذِي أَعَزَّكُمْ اللَّه بِهَا بَعْد الذِّلَّة , وَقَوَّاكُمْ بَعْد الضَّعْف , وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْد الْقَهْر مِنْهُمْ لَكُمْ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بِالطَّاعَةِ إِذَا دَعَاكُمْ الرَّسُول لِمَا يُحْيِيكُمْ مِنْ الْحَقّ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعْنَاهُ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ الْأَمْر بِإِجَابَتِهِمْ لِقِتَالِ الْعَدُوّ وَالْجِهَاد , وَالْإِجَابَة إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى حُكْم الْقُرْآن , وَفِي الْإِجَابَة إِلَى كُلّ ذَلِكَ حَيَاة الْمُجِيب . أَمَّا فِي الدُّنْيَا , فَيُقَال : الذِّكْر الْجَمِيل , وَذَلِكَ لَهُ فِيهِ حَيَاة . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة , فَحَيَاة الْأَبَد فِي الْجِنَان وَالْخُلُود فِيهَا . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ الْإِسْلَام , فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه قَدْ وَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } فَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال لِلْمُؤْمِنِ اِسْتَجِبْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاك إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان . وَبَعْد : فَفِيمَا : 12333 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيّ وَهُوَ يُصَلِّي , فَدَعَاهُ : | أَيْ أُبَيّ ! | فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أُبَيّ , وَلَمْ يُجِبْهُ . ثُمَّ إِنَّ أُبَيًّا خَفَّفَ الصَّلَاة , ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك أَيْ رَسُول اللَّه ! قَالَ : | وَعَلَيْك ! مَا مَنَعَك إِذْ دَعَوْتُك أَنْ تُجِيبَنِي ؟ | قَالَ : يَا رَسُول اللَّه كُنْت أُصَلِّي . قَالَ : | أَفَلَمْ تَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟ | قَالَ : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , لَا أَعُود . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (مَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيّ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي , فَصَرَخَ بِهِ , فَلَمْ يُجِبْهُ , ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : | يَا أُبَيّ مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُك , أَلَيْسَ اللَّه يَقُول { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } | ؟ قَالَ أُبَيّ : لَا جَرَمَ يَا رَسُول اللَّه , لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْت , وَإِنْ كُنْت أُصَلِّي . )مَا يُبَيِّن عَنْ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِالْآيَةِ هُمْ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا فِيهِ حَيَاتهمْ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ بَعْد إِسْلَامهمْ , لِأَنَّ أُبَيًّا لَا شَكّ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ .|يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : يَحُول بَيْن الْكَافِر وَالْإِيمَان وَبَيْن الْمُؤْمِن وَالْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12334 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الرَّازِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : بَيْن الْكَافِر أَنْ يُؤْمِن , وَبَيْن الْمُؤْمِن أَنْ يَكْفُر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَا : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الرَّازِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَة زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَبَيْن الْكُفْر , وَبَيْن الْكَافِر وَبَيْن الْإِيمَان . )12335 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الرَّازِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } يَحُول بَيْن الْكَافِر وَالْإِيمَان وَطَاعَة اللَّه . )* - قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَالْكُفْر , وَبَيْن الْكَافِر وَالْإِيمَان . )12336 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , وَعَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْكَافِر وَطَاعَته , وَبَيْن الْمُؤْمِن وَمَعْصِيَته . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , بِنَحْوِهِ . * - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (يَحُول بَيْن الْمَرْء وَبَيْن أَنْ يَكْفُر , وَبَيْن الْكَافِر وَبَيْن أَنْ يُؤْمِن . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْكَافِر وَبَيْن طَاعَة اللَّه , وَبَيْن الْمُؤْمِن وَمَعْصِيَة اللَّه . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثَنَا بْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ الضَّحَّاك , نَحْوه . * - وَحَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول : فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن مِنْهَال , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد يُحَدِّث عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَمَعْصِيَته . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } يَقُول : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَبَيْن الْكُفْر , وَيَحُول بَيْن الْكَافِر وَبَيْن الْإِيمَان . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } يَقُول : يَحُول بَيْن الْكَافِر وَبَيْن طَاعَته , وَيَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَبَيْن مَعْصِيَته . )12337 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَبَيْن الْكُفْر , وَبَيْن الْكَافِر وَبَيْن الْإِيمَان . )* - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ الضَّحَّاك : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } يَقُول : يَحُول بَيْن الْكَافِر وَبَيْن طَاعَته , وَبَيْن الْمُؤْمِن وَبَيْن مَعْصِيَته . )* - قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَالْمَعَاصِي , وَبَيْن الْكَافِر وَالْإِيمَان . )12338 - قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْنه وَبَيْن الْمَعَاصِي . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يَحُول بَيْن الْمَرْء وَعَقْله , فَلَا يَدْرِي مَا يَعْمَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12339 - حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْفِرْيَابِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَجِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْمَرْء وَعَقْله . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } حَتَّى يَتْرُكهُ لَا يَعْقِل . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : هِيَ يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه حَتَّى يَتْرُكهُ لَا يَعْقِل . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَعْقِل بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : إِذَا حَالَ بَيْنك وَبَيْن قَلْبك كَيْفَ تَعْمَل . )* - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن قَلْب الْكَافِر , وَأَنْ يَعْمَل خَيْرًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه أَنْ يَقْدِر عَلَى إِيمَان أَوْ كُفْر إِلَّا بِإِذْنِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12340 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : يَحُول بَيْن الْإِنْسَان وَقَلْبه , فَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يُؤْمِن وَلَا يَكْفُر إِلَّا بِإِذْنِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَرِيب مِنْ قَلْبه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء أَظْهَرَهُ أَوْ أَسَرَّهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12341 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } قَالَ : هِيَ كَقَوْلِهِ { أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل الْوَرِيد } [50 16 ]. )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمْلَك لِقُلُوبِ عِبَاده مِنْهُمْ , وَإِنَّهُ يَحُول بَيْنهمْ وَبَيْنهَا إِذَا شَاءَ , حَتَّى لَا يَقْدِر ذُو قَلْب أَنْ يَدْرِك بِهِ شَيْئًا مِنْ إِيمَان أَوْ كُفْر , أَوْ أَنْ يَعِيَ بِهِ شَيْئًا , أَوْ أَنْ يَفْهَم إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَته . وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوْل بَيْن الشَّيْء وَالشَّيْء إِنَّمَا هُوَ الْحَجْز بَيْنهمَا , وَإِذَا حَجَزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْن عَبْد وَقَلْبه فِي شَيْء أَنْ يُدْرِكهُ أَوْ يَفْهَمهُ , لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ إِلَى إِدْرَاك مَا قَدْ مَنَعَ اللَّه قَلْبه إِدْرَاكه سَبِيل , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : يَحُول بَيْن الْمُؤْمِن وَالْكُفْر وَبَيْن الْكَافِر وَالْإِيمَان , وَقَوْل مَنْ قَالَ : يَحُول بَيْنه وَبَيْن عَقْله , وَقَوْل مَنْ قَالَ : يَحُول بَيْنه وَبَيْن قَلْبه حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُؤْمِن وَلَا يَكْفُر إِلَّا بِإِذْنِهِ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَالَ بَيْن عَبْد وَقَلْبه , لَمْ يَفْهَم الْعَبْد بِقَلْبِهِ الَّذِي قَدْ حِيلَ بَيْنه وَبَيْنه مَا مَنَعَ إِدْرَاكه بِهِ عَلَى مَا بَيَّنْت . غَيْر أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَلَعَلِمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه } الْخَبَر عَنْ أَنَّهُ يَحُول بَيْن الْعَبْد وَقَلْبه , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْئًا دُون شَيْء , وَالْكَلَام مُحْتَمِل كُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي , فَالْخَبَر عَلَى الْعُمُوم حَتَّى يَخُصّهُ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ .|وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا مَعَ الْعِلْم بِأَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه , أَنَّ اللَّه الَّذِي يَقْدِر عَلَى قُلُوبكُمْ , وَهُوَ أَمْلك بِهَا مِنْكُمْ , إِلَيْهِ مَصِيركُمْ وَمَرْجِعكُمْ فِي الْقِيَامَة , فَيُوَفِّيكُمْ جَزَاء أَعْمَالكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , فَاتَّقُوهُ وَرَاقِبُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ هُوَ وَرَسُوله أَنْ تُضَيِّعُوهُ , وَأَنْ لَا تَسْتَجِيبُوا لِرَسُولِهِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ , فَيُوجِب ذَلِكَ سَخَطه , وَتَسْتَحِقُّوا بِهِ أَلِيم عَذَابه حِين تُحْشَرُونَ إِلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : اِتَّقُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِتْنَة , يَقُول : اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه يَخْتَبِركُمْ , وَبَلَاء يَبْتَلِيكُمْ , لَا تُصِيبَن هَذِهِ الْفِتْنَة الَّتِي حَذَّرْتُكُمُوهَا الَّذِينَ ظَلَمُوا , وَهُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْله , إِمَّا إِجْرَام أَصَابُوهَا وَذُنُوب بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه رَكِبُوهَا , يُحَذِّرهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَرْكَبُوا لَهُ مَعْصِيَة أَوْ يَأْتُوا مَأْثَمًا يَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ مِنْهُ عُقُوبَة . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ الَّذِينَ عُنُوا بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن أَبِي جَعْفَر , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . )12343 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ قَتَادَة : قَالَ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام : لَقَدْ نَزَلَتْ وَمَا نَرَى أَحَدًا مِنَّا يَقَع بِهَا , ثُمَّ خَصَّتْنَا فِي إِصَابَتنَا خَاصَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا زَيْد بْن عَوْف أَبُو رَبِيعَة , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } وَمَا نَظُنّنَا أَهْلهَا , وَنَحْنُ عُنِينَا بِهَا . )* - قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الصَّلْت بْن دِينَار , عَنْ اِبْن صُبْهَان , قَالَ : سَمِعْت الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام يَقُول : (قَرَأْت هَذِهِ الْآيَة زَمَانًا وَمَا أُرَانَا مِنْ أَهْلهَا , فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } )12344 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ : هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْل بَدْر خَاصَّة , وَأَصَابَتْهُمْ يَوْم الْجَمَل فَاقْتَتَلُوا . )* حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } قَالَ : أَصْحَاب الْجَمَل . )12345 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ : أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا الْمُنْكَر بَيْن أَظْهُرهمْ فَيَعُمّهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ . )12346 - قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ : هِيَ أَيْضًا لَكُمْ . )12347 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } قَالَ : الْفِتْنَة : الضَّلَالَة . )12348 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِل عَلَى فِتْنَة , إِنَّ اللَّه يَقُول : { إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة } [8 28 ]فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ مُضِلَّات الْفِتَن . )12349 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ الزُّبَيْر : (لَقَدْ خُوِّفْنَا بِهَا , يَعْنِي قَوْله : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة } . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : { اِتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا } قَوْله : لَا تُصِيبَن , لَيْسَ بِجَوَابٍ , وَلَكِنَّهُ نَهْي بَعْد أَمْر , وَلَوْ كَانَ جَوَابًا مَا دَخَلَتْ النُّون . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَوْله : { وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَن الَّذِينَ ظَلَمُوا } أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ , وَمِنْكُمْ ظَرْف مِنْ الْجَزَاء وَإِنْ كَانَ نَهْيًا . قَالَ : وَمِثْله قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّمْل اُدْخُلُوا مَسَاكِنكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان } [27 18 ]أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ , وَفِيهِ تَأْوِيل الْجَزَاء . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : اِتَّقُوا فِتْنَة إِنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ .|وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } فَإِنَّهُ تَحْذِير مِنْ اللَّه وَوَعِيد لِمَنْ وَاقَعَ الْفِتْنَة الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ : { وَاتَّقُوا فِتْنَة } , يَقُول : اِعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ رَبّكُمْ شَدِيد عِقَابه لِمَنْ اِفْتَتَنَ بِظُلْمِ نَفْسه وَخَالَفَ أَمْره , فَأَثِمَ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفهُمْ النَّاس فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } </subtitle>وَهَذَا تَذْكِير مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنَاصَحَة . يَقُول : أَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْره , وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِمَا فِيهِ عَلَيْكُمْ الْمَشَقَّة وَالشِّدَّة , فَإِنَّ اللَّه يُهَوِّنهُ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ وَيُعَجِّل لَكُمْ مِنْهُ مَا تُحِبُّونَ , كَمَا فَعَلَ بِكُمْ إِذْ آمَنْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ قَلِيل يَسْتَضْعِفكُمْ الْكُفَّار فَيَفْتِنُونَكُمْ عَنْ دِينكُمْ وَيَنَالُونَكُمْ بِالْمَكْرُوهِ فِي أَنْفُسكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ تَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَتَخَطَّفُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ وَيَصْطَلِمُوا جَمِيعكُمْ { فَآوَاكُمْ } يَقُول : فَحَمَلَ لَكُمْ مَأْوًى تَأْوُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ . { وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ } يَقُول : وَقَوَّاكُمْ بِنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ , حَتَّى قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ مِنْ قَتَلْتُمْ بِبَدْرٍ . { وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَقُول : وَأَطْعَمَكُمْ غَنِيمَتهمْ حَلَالًا طَيِّبًا . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول : لِكَيْ تَشْكُرُوا عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ نِعَمه عِنْدكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي النَّاس الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { أَنْ يَتَخَطَّفكُمْ النَّاس } فَقَالَ بَعْضهمْ : كُفَّار قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12350 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفكُمْ النَّاس } قَالَ : يَعْنِي بِمَكَّة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قُرَيْش وَحُلَفَائِهَا وَمَوَالِيهَا قَبْل الْهِجْرَة . )12351 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْكَلْبِيّ أَوْ قَتَادَة أَوْ كِلَيْهِمَا : ( { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ } أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْم بَدْر , كَانُوا يَوْمئِذٍ يَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفهُمْ النَّاس , فَآوَاهُمْ اللَّه وَأَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ )12352 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ غَيْر قُرَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12353 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : ( { تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفكُمْ النَّاس } قَالَ : فَارِس . )12354 - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول , وَقَرَأَ : ( { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفكُمْ النَّاس } وَالنَّاس إِذْ ذَاكَ : فَارِس , وَالرُّوم . )12355 - قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أَذَلّ النَّاس ذُلًّا , وَأَشْقَاهُ عَيْشًا , وَأَجْوَعه بُطُونًا , وَأَعْرَاهُ جُلُودًا , وَأَبْيَنه ضَلَالًا ; مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا , وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدِّيَ فِي النَّاس , يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ , وَاَللَّه مَا نَعْلَم قَبِيلًا مِنْ حَاضِر أَهْل الْأَرْض يَوْمئِذٍ كَانُوا أَشَرّ مِنْهُمْ مَنْزِلًا . حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَمَكَّنَ بِهِ فِي الْبِلَاد , وَوَسَّعَ بِهِ فِي الرِّزْق , وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَاب النَّاس , فَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّه مَا رَأَيْتُمْ , فَاشْكُرُوا اللَّه عَلَى نِعَمه , فَإِنَّ رَبّكُمْ مُنْعِم يُحِبّ الشُّكْر وَأَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْش ; لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ قَبْل الْهِجْرَة مِنْ غَيْرهمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَدْنَى الْكُفَّار مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ , وَأَشَدّهمْ عَلَيْهِمْ يَوْمئِذٍ مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَد الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { فَآوَاكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : آوَاكُمْ الْمَدِينَة , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ } بِالْأَنْصَارِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12356 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَآوَاكُمْ } قَالَ : إِلَى الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ . { وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ } وَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ يَوْم بَدْر . )12357 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : ( { فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَا تَخُونُوا اللَّه } . وَخِيَانَتهمْ اللَّه وَرَسُوله كَانَتْ بِإِظْهَارِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان فِي الظَّاهِر وَالنَّصِيحَة , وَهُوَ يَسْتَسِرّ الْكُفْر وَالْغِشّ لَهُمْ فِي الْبَاطِن , يَدُلُّونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَتهمْ , وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ خَبَرهمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَفِي السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي مُنَافِق كَتَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَان يُطْلِعهُ عَلَى سِرّ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12358 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُوف , قَالَ : ثنا شَبَّابَة بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُحَرَّم , قَالَ : لَقِيت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فَحَدَّثَنِي , قَالَ : ثني جَابِر بْن عَبْد اللَّه : (أَنَّ أَبَا سُفْيَان خَرَجَ مِنْ مَكَّة , فَأَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَبَا سُفْيَان فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : | إِنَّ أَبَا سُفْيَان فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وَاكْتُمُوا ! | قَالَ : فَكَتَبَ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلَى أَبِي سُفْيَان : إِنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدكُمْ , فَخُذُوا حِذْركُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَحَلَّ : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة لِلَّذِي كَانَ مِنْ أَمْره وَأَمْر بَنَى قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَوْله : ( { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة , بَعَثَهُ رَسُول اللَّه فَأَشَارَ إِلَى حَلْقه أَنَّهُ الذَّبْح . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَقَالَ أَبُو لُبَابَة : لَا وَاَللَّه لَا أَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ يَتُوب اللَّه عَلَيَّ ! فَمَكَثَ سَبْعَة أَيَّام لَا يَذُوق طَعَامًا وَلَا شَرَابًا , حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ , ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا لُبَابَة قَدْ تِيبَ عَلَيْك ! قَالَ : وَاَللَّه لَا أُحِلّ نَفْسِي حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُحِلّنِي ! فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَة : إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُر دَار قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت بِهَا الذَّنْب وَأَنْ أَنْخَلِع مِنْ مَالِي , قَالَ : | يَجْزِيك الثُّلُث أَنْ تَصَدَّق بِهِ . )12360 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة , يَقُول : (نَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فِي أَبِي لُبَابَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي شَأْن عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12361 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يُونُس بْن الْحَارِث الطَّائِفِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَوْن الثَّقَفِيّ , عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَتْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } الْآيَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خِيَانَته وَخِيَانَة رَسُوله وَخِيَانَة أَمَانَته . وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة , وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي غَيْره , وَلَا خَبَر عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ يَجِب التَّسْلِيم لَهُ بِصِحَّتِهِ , فَمَعْنَى الْآيَة وَتَأْوِيلهَا مَا قَدَّمْنَا ذِكْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12362 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } قَالَ : نَهَاكُمْ أَنْ تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ . )12363 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط . عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول } الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيث فَيُفْشُونَهُ حَتَّى يَبْلُغ الْمُشْرِكِينَ . )وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ . لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَانَة لِأَمَانَاتِكُمْ وَهَلَاك لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12364 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فَإِنَّهُمْ إِذَا خَانُوا اللَّه وَالرَّسُول فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتهمْ . )12365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } أَيْ لَا تُظْهِرُوا لِلَّهِ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمَّ تُخَالِفُوهُ فِي السِّرّ إِلَى غَيْره , فَإِنَّ ذَلِكَ هَلَاك لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَة لِأَنْفُسِكُمْ . )فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل , قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف . كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله .......... عَار عَلَيْك إِذَا فَعَلْت عَظِيم <br>وَيُرْوَى : | وَتَأْتِي مِثْله | . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12366 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } يَقُول : لَا تَخُونُوا : يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا . )فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل : لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول , وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَمَانَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي قَوْله : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُن النَّاس مِنْ فَرَائِض اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12367 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } وَالْأَمَانَة : الْأَعْمَال الَّتِي آمَنَ اللَّه عَلَيْهَا الْعِبَاد , يَعْنِي : الْفَرِيضَة . يَقُول : { لَا تَخُونُوا } يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا . )12368 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّه } يَقُول : بِتَرْكِ فَرَائِضه { وَالرَّسُول } يَقُول : بِتَرْكِ سُنَنه وَارْتِكَاب مَعْصِيَته . قَالَ : وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : { لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُول وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } وَالْأَمَانَة : الْأَعْمَال . )ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث الْمُثَنَّى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْأَمَانَات هَاهُنَا : الدِّين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12369 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ } دِينكُمْ . { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كُفَّار , يُظْهِرُونَ الْإِيمَان . وَقَرَأَ : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى } [4 142 ]الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَمِنَهُمْ اللَّه وَرَسُوله عَلَى دِينه فَخَانُوا , أَظْهَرُوا الْإِيمَان وَأَسَرُّوا الْكُفْر . )فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُنْقِصُوا اللَّه حُقُوقه عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضه وَلَا رَسُوله مِنْ وَاجِب طَاعَته عَلَيْكُمْ , وَلَكِنْ أَطِيعُوهُمَا فِيمَا أَمَرَاكُمْ بِهِ وَنَهَيَاكُمْ عَنْهُ , لَا تُنْقِصُوهُمَا , وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ , وَتُنْقِصُوا أَدْيَانكُمْ , وَوَاجِب أَعْمَالكُمْ , وَلَازِمهَا لَكُمْ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَازِمَة عَلَيْكُمْ وَوَاجِبَة بِالْحُجَجِ الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ الَّتِي خَوَّلَكُمُوهَا اللَّه وَأَوْلَادكُمْ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّه لَكُمْ اِخْتِبَار وَبَلَاء أَعْطَاكُمُوهَا لِيَخْتَبِركُمْ بِهَا وَيَبْتَلِيَكُمْ لِيَنْظُر كَيْفَ أَنْتُمْ عَامِلُونَ مِنْ أَدَاء حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ فِيهَا وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَنَهْيه فِيهَا . 12370 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة } قَالَ : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِل عَلَى فِتْنَة , فَمَنْ اِسْتَعَاذَ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ مُضِلَّات الْفِتَن . )12371 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاعْلَمُوا إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة } مَنْ قَالَ : فِتْنَة الِاخْتِبَار , اِخْتِبَارهمْ . وَقَرَأَ : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [21 35 ].)|وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ|يَقُول : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه عِنْده خَيْر وَثَوَاب عَظِيم عَلَى طَاعَتكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ الَّتِي اِخْتَبَرَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا , وَأَطِيعُوا اللَّه فِيمَا لَكُمْ فِيهَا تَنَالُوا بِهِ الْجَزِيل مِنْ ثَوَابه فِي مَعَادكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ } صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { إِنْ تَتَّقُوا اللَّه } بِطَاعَتِهِ , وَأَدَاء فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , وَتَرْك خِيَانَته , وَخِيَانَة رَسُوله وَخِيَانَة أَمَانَاتكُمْ { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } يَقُول : يَجْعَل لَكُمْ فَصْلًا وَفَرْقًا بَيْن حَقّكُمْ وَبَاطِل مَنْ يَبْغِيكُمْ السُّوء مِنْ أَعْدَائِكُمْ الْمُشْرِكِينَ بِنَصْرِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ , وَإِعْطَائِكُمْ الظَّفَر بِهِمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْعِبَارَة عَنْ تَأْوِيل قَوْله : { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَخْرَجًا , وَقَالَ بَعْضهمْ : نَجَاة , وَقَالَ بَعْضهمْ : فَصْلًا . وَكُلّ ذَلِكَ مُتَقَارِب الْمَعْنَى وَإِنْ اِخْتَلَفَ الْعِبَارَات عَنْهَا , وَقَدْ بَيَّنْت صِحَّة ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ الْمَخْرَج : 12372 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور : عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ : مَخْرَجًا . )* - قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ : مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُرْقَانًا } مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُرْقَانًا } قَالَ : مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا هَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُرْقَانًا } قَالَ : الْفُرْقَان الْمَخْرَج . )12373 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فُرْقَانًا } يَقُول : مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُرْقَانًا } مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12374 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { فُرْقَانًا } قَالَ : مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : سَمِعْت عُبَيْدًا يَقُول : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : ( { فُرْقَانًا } مَخْرَجًا . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12375 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ زُهَيْر , عَنْ جَابِر : عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (الْفُرْقَان : الْمَخْرَج . )ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ النَّجَاة : 12376 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة : ( { إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ : نَجَاة . )12377 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ عِكْرِمَة : الْمَخْرَج , وَقَالَ مُجَاهِد : النَّجَاة . )12378 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ : نَجَاة . )12379 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , ( { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } يَقُول : يَجْعَل لَكُمْ نَجَاة . )12380 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } أَيْ نَجَاة . )ذِكْر مَنْ قَالَ فَصْلًا : 12381 - . ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } قَالَ : فُرْقَان يُفَرِّق فِي قُلُوبهمْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَيَهْتَدُوا بِذَلِكَ الْفُرْقَان . )12382 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا } أَيْ فَصْلًا بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , يُظْهِر بِهِ حَقّكُمْ وَيُخْفِي بِهِ بَاطِل مَنْ خَالَفَكُمْ . )وَالْفُرْقَان فِي كَلَام الْعَرَب مَصْدَر , مِنْ قَوْلهمْ : فَرَّقْت بَيْن الشَّيْء وَالشَّيْء أُفَرِّق بَيْنهمَا فَرْقًا وَفُرْقَانًا .|فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ|يَقُول : وَيَمْحُو عَنْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبكُمْ بَيْنكُمْ وَبَيْنه .|سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ|يَقُول : وَيُغَطِّيهَا , فَيَسْتُرهَا عَلَيْكُمْ , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ بِهَا .|لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ|يَقُول : وَاَللَّه الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ , لَهُ الْفَضْل الْعَظِيم عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَيْركُمْ مِنْ خَلْقه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَفِعْل أَمْثَاله , وَإِنَّ فِعْله جَزَاء مِنْهُ لِعَبْدِهِ عَلَى طَاعَته إِيَّاهُ , لِأَنَّهُ الْمُوَفِّق عَبْده لِطَاعَتِهِ الَّتِي اِكْتَسَبَهَا حَتَّى اِسْتَحَقَّ مِنْ رَبّه الْجَزَاء الَّذِي وَعَدَهُ عَلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذَكِّره نِعَمه عَلَيْهِ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد , إِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك كَيْ يُثْبِتُوك . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لِيُثْبِتُوك } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لِيُقَيِّدُوك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12383 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك } يَعْنِي : لِيُوثِقُوك . )12384 - قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لِيُثْبِتُوك } لِيُوثِقُوك . )12385 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك } الْآيَة , يَقُول : لِيَشُدُّوك وَثَاقًا , وَأَرَادُوا بِذَلِكَ نَبِيّ اللَّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة . )12386 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَمِقْسَم , قَالَا : (قَالُوا : أَوْثَقُوهُ بِالْوَثَاقِ ! )12387 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لِيُثْبِتُوك } قَالَ : الْإِثْبَات : هُوَ الْحَبْس وَالْوَثَاق . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ الْحَبْس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12388 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (سَأَلْت عَطَاء عَنْ قَوْله : { لِيُثْبِتُوك } قَالَ : يَسْجُنُوك . )وَقَالَهَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير . 12389 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (قَالُوا : اُسْجُنُوهُ ! )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : لِيَسْحَرُوك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12390 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بِالْوَسْاوِسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَجِيد بْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ الْمُطَّلِب بْن أَبِي وَدَاعَة : (أَنَّ أَبَا طَالِب قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَأْتَمِر بِهِ قَوْمك ؟ قَالَ : | يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي وَيَقْتُلُونِي وَيُخْرِجُونِي | فَقَالَ : مَنْ أَخْبَرَك بِهَذَا ؟ قَالَ : | رَبِّي | قَالَ : نِعْمَ الرَّبّ رَبّك , فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي خَيْرًا | . فَنَزَلَتْ : { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك } الْآيَة . )12391 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَطَاء : سَمِعْت عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : (لَمَّا اِئْتَمَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ , قَالَ لَهُ أَبُو طَالِب : هَلْ تَدْرِي مَا اِئْتَمَرُوا لَك ؟ قَالَ : | نَعَمْ | . قَالَ : فَأَخْبَرَهُ . قَالَ : مَنْ أَخْبَرَك ؟ قَالَ : | رَبِّي | . قَالَ : نِعْمَ الرَّبّ رَبّك , اِسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا ! قَالَ : | أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ , أَوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي ؟ . )وَكَانَ مَعْنَى مَكْر قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِيُثْبِتُوهُ , كَمَا : 12392 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ , عَنْ زَاذَان مَوْلَى أُمّ هَانِئ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْش مِنْ أَشْرَاف كُلّ قَبِيلَة , اِجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَار النَّدْوَة , فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة شَيْخ جَلِيل ; فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : شَيْخ مِنْ نَجْد , سَمِعْت أَنَّكُمْ اِجْتَمَعْتُمْ , فَأَرَدْت أَنْ أَحْضُركُمْ وَلَنْ يَعْدَمكُمْ مِنِّي رَأْي وَنُصْح . قَالُوا : أَجَلْ اُدْخُلْ ! فَدَخَلَ مَعَهُمْ , فَقَالَ : اُنْظُرُوا فِي شَأْن هَذَا الرَّجُل , وَاَللَّه لَيُوشِكَن أَنْ يُوَاثِبكُمْ فِي أُمُوركُمْ بِأَمْرِهِ ! قَالَ : فَقَالَ قَائِل : اِحْبِسُوهُ فِي وَثَاق , ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ رِيَب الْمَنُون حَتَّى يَهْلِك كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الشُّعَرَاء , زُهَيْر وَالنَّابِغَة , إِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ ! قَالَ : فَصَرَخَ عَدُوّ اللَّه الشَّيْخ النَّجْدِيّ , فَقَالَ : وَاَللَّه مَا هَذَا لَكُمْ رَأْي , وَاَللَّه لَيُخْرِجَنهُ رَبّه مِنْ مَحْبِسه إِلَى أَصْحَابه فَلَيُوشَكَن أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ فَيَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ , فَمَا آمَن عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلَادكُمْ ! قَالُوا : فَانْظُرُوا فِي غَيْر هَذَا . قَالَ : فَقَالَ قَائِل : أَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ تَسْتَرِيحُوا مِنْهُ , فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَنْ يَضُرّكُمْ مَا صَنَعَ وَأَيْنَ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ وَاسْتَرَحْتُمْ وَكَانَ أَمْره فِي غَيْركُمْ ! فَقَالَ الشَّيْخ النَّجْدِيّ : وَاَللَّه مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ , أَلَمْ تَرَوْا حَلَاوَة قَوْله وَطَلَاقَة لِسَانه وَأَخْذ الْقُلُوب مَا تَسْمَع مِنْ حَدِيثه ؟ وَاَللَّه لَئِنْ فَعَلْتُمْ ثُمَّ اِسْتَعْرَضَ الْعَرَب , لَتَجْتَمِعَن عَلَيْكُمْ , ثُمَّ لَيَأْتِيَن إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجكُمْ مِنْ بِلَادكُمْ وَيَقْتُل أَشْرَافكُمْ ! قَالُوا : صَدَقَ وَاَللَّه , فَانْظُرُوا رَأْيًا غَيْر هَذَا قَالَ : فَقَالَ أَبُو جَهْل : وَاَللَّه لَأُشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ مَا أُرَاكُمْ أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدَمَا أَرَى غَيْره . قَالُوا : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : نَأْخُذ مِنْ كُلّ قَبِيلَة غُلَامًا وَسَطًا شَابًّا نَهْدًا , ثُمَّ يُعْطَى كُلّ غُلَام مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا , ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَة رَجُل وَاحِد , فَإِذَا قَتَلُوهُ تَفَرَّقَ دَمه فِي الْقَبَائِل كُلّهَا , فَلَا أَظُنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ بَنِي هَاشِم يَقْدِرُونَ عَلَى حَرْب قُرَيْش كُلّهَا , فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْل وَاسْتَرَحْنَا وَقَطَعْنَا عَنَّا أَذَاهُ . فَقَالَ الشَّيْخ النَّجْدِيّ : هَذَا وَاَللَّه الرَّأْي , الْقَوْل مَا قَالَ الْفَتَى , لَا أَرَى غَيْره . قَالَ : فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ . قَالَ : فَأَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيت فِي مَضْجَعه الَّذِي كَانَ يَبِيت فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَة , وَأَذِنَ اللَّه لَهُ عِنْد ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة الْأَنْفَال يُذَكِّرهُ نِعَمه عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْده : { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } ; وَأَنْزَلَ فِي قَوْلهمْ : | تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْب الْمَنُون | حَتَّى يَهْلِك كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الشُّعَرَاء : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِر نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون } [52 30 ]وَكَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْم : | يَوْم الزَّحْمَة | لِلَّذِي اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ الرَّأْي . )12393 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَمِقْسَم , فِي قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك } قَالَا : تَشَاوَرُوا فِيهِ لَيْلَة وَهُمْ بِمَكَّة , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَوْثِقُوهُ بِالْوَثَاقِ ! وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ اُقْتُلُوهُ ! وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ ! فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَرَدَّ اللَّه مَكْرهمْ . )12394 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (لَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر إِلَى الْغَار , أَمَرَ عَلِيَّ بْن أَبِي طَالِب , فَنَامَ فِي مَضْجَعه , فَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَهُ . فَإِذَا رَأَوْهُ نَائِمًا حَسِبُوا أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكُوهُ . فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ , فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبك ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . قَالَ : فَرَكِبُوا الصَّعْب وَالذَّلُول فِي طَلَبه . )12395 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُثْمَان الْجُرَيْرِيّ أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى اِبْن عَبَّاس أَخْبَرَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك } قَالَ : تَشَاوَرَتْ قُرَيْش لَيْلَة بِمَكَّة , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ ! يُرِيدُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ اُقْتُلُوهُ ! وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ ! فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيّه عَلَى ذَلِكَ , فَبَاتَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى فِرَاش النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة , وَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ , وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا , يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ , فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , رَدَّ اللَّه مَكْرهمْ , فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبك ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَره ; فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَل وَمَرُّوا بِالْغَارِ , رَأَوْا عَلَى بَابه نَسْج الْعَنْكَبُوت , قَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْج عَلَى بَابه ! فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا . )12396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } قَالَ : اِجْتَمَعَتْ مَشْيَخَة قُرَيْش يَتَشَاوَرُونَ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ الْأَنْصَار وَفَرَقُوا أَنْ يَتَعَالَى أَمْره إِذَا وَجَدَ مَلْجَأ لَجَأَ إِلَيْهِ . فَجَاءَ إِبْلِيس فِي صُورَة رَجُل مِنْ أَهْل نَجْد , فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي دَار النَّدْوَة ; فَلَمَّا أَنْكَرُوهُ قَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَاَللَّهِ مَا كُلّ قَوْمنَا أَعْلَمْنَاهُمْ مَجْلِسنَا هَذَا ! قَالَ : أَنَا رَجُل مِنْ أَهْل نَجْد أَسْمَع مِنْ حَدِيثكُمْ وَأُشِير عَلَيْكُمْ . فَاسْتَحْيَوْا فَخَلَّوْا عَنْهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : خُذُوا مُحَمَّدًا إِذَا اِصْطَبَحَ عَلَى فِرَاشه , فَاجْعَلُوهُ فِي بَيْت نَتَرَبَّص بِهِ رَيْب الْمَنُون - وَالرَّيْب : هُوَ الْمَوْت , وَالْمَنُون : هُوَ الدَّهْر - قَالَ إِبْلِيس : بِئْسَمَا قُلْت , تَجْعَلُونَهُ فِي بَيْت فَيَأْتِي أَصْحَابه فَيُخْرِجُونَهُ فَيَكُون بَيْنكُمْ قِتَال ! قَالُوا : صَدَقَ الشَّيْخ . قَالَ : أَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتكُمْ ! قَالَ إِبْلِيس : بِئْسَمَا قُلْت , تُخْرِجُونَهُ مِنْ قَرْيَتكُمْ وَقَدْ أَفْسَدَ سُفَهَاءَكُمْ فَيَأْتِي قَرْيَة أُخْرَى فَيُفْسِد سُفَهَاءَهُمْ فَيَأْتِيكُمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال . قَالُوا : صَدَقَ الشَّيْخ . قَالَ أَبُو جَهْل , وَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِطَاعَةِ إِبْلِيس : بَلْ نَعْمِد إِلَى كُلّ بَطْن مِنْ بُطُون قُرَيْش , فَنُخْرِج مِنْهُمْ رَجُلًا فَنُعْطِيهِمْ السِّلَاح , فَيَشُدُّونَ عَلَى مُحَمَّد جَمِيعًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَة رَجُل وَاحِد , فَلَا يَسْتَطِيع بَنُو عَبْد الْمُطَّلِب أَنْ يَقْتُلُوا قُرَيْشًا , فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الدِّيَة . قَالَ إِبْلِيس : صَدَقَ , وَهَذَا الْفَتَى هُوَ أَجْوَدكُمْ رَأْيًا . فَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاش , وَجَعَلُوا عَلَيْهِ الْعُيُون . فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْض اللَّيْل , اِنْطَلَقَ هُوَ وَأَبُو بَكْر إِلَى الْغَار , وَنَامَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى الْفِرَاش , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك } وَالْإِثْبَات : هُوَ الْحَبْس وَالْوَثَاق , وَهُوَ قَوْله : { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض لِيُخْرِجُوك مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك إِلَّا قَلِيلًا } [17 76 ]يَقُول : يُهْلِكهُمْ . فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة لَقِيَهُ عُمَر , فَقَالَ لَهُ : مَا فَعَلَ الْقَوْم ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أُهْلِكُوا حِين خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَع بِالْأُمَمِ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَخِّرُوا بِالْقِتَالِ . )12397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك } قَالَ : كُفَّار قُرَيْش أَرَادُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يَخْرُج مِنْ مَكَّة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه . * - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَعَلُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ . 12398 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك } الْآيَة , هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَرُوا بِهِ وَهُوَ بِمَكَّة )12399 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : اِجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : اُقْتُلُوا هَذَا الرَّجُل ! فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يَقْتُلهُ رَجُل إِلَّا قُتِلَ بِهِ ! قَالُوا : خُذُوهُ فَاسْجُنُوهُ وَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدِيدًا ! قَالُوا : فَلَا يَدَعكُمْ أَهْل بَيْته . قَالُوا : أَخْرِجُوهُ ! قَالُوا : إِذًا يَسْتَغْوِي النَّاس عَلَيْكُمْ . قَالَ : وَإِبْلِيس مَعَهُمْ فِي صُورَة رَجُل مِنْ أَهْل نَجْد . وَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَطُوف الْبَيْت وَيَسْتَسْلِم أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ فَيَغْمُوهُ وَيَقْتُلُوهُ , فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَهْله مَنْ قَتَلَهُ , فَيَرْضَوْنَ بِالْعَقْلِ فَيَقْتُلهُ وَنَسْتَرِيح وَنَعْقِلهُ . فَلَمَّا أَنْ جَاءَ يَطُوف بِالْبَيْتِ اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ , فَغَمُّوهُ . فَأَتَى أَبُو بَكْر , فَقِيلَ لَهُ ذَاكَ , فَأَتَى فَلَمْ يَجِد مَدْخَلًا ; فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَجِد مَدْخَلًا , قَالَ : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ } ؟ [40 28 ]قَالَ : ثُمَّ فَرَّجَهَا اللَّه عَنْهُ ; فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْل أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : مَنْ أَصْحَابك ؟ فَقَالَ : فُلَان وَفُلَان وَفُلَان . فَقَالَ : لَا نَحْنُ أَعْلَم بِهِمْ مِنْك يَا مُحَمَّد , هُوَ نَامُوس لَيْل ! قَالَ : وَأَخَذَ أُولَئِكَ مِنْ مَضَاجِعهمْ وَهُمْ نِيَام . فَأَتَى بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَ أَحَدهمْ إِلَى جِبْرِيل , فَكَحَّلَهُ , ثُمَّ أَرْسَلَهُ , فَقَالَ : | مَا صُورَته يَا جِبْرِيل ؟ | قَالَ : كُفِيته يَا نَبِيّ اللَّه . ثُمَّ قَدِمَ آخَر فَنَقَرَ فَوْق رَأْسه . بِعَصًا نَقْرَة , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ : | مَا صُورَته يَا جِبْرِيل ؟ | فَقَالَ : كُفِيته يَا نَبِيّ اللَّه . ثُمَّ أُتِيَ بِآخَر فَنَقَرَ فِي رُكْبَته , فَقَالَ : | مَا صُورَته يَا جِبْرِيل ؟ | قَالَ : كُفِيته . ثُمَّ أُتِيَ بِآخَر , فَسَقَاهُ مَذْقَة , فَقَالَ : | مَا صُورَته يَا جِبْرِيل ؟ | قَالَ : كُفِيته يَا نَبِيّ اللَّه . وَأُتِيَ بِالْخَامِسِ , فَلَمَّا غَدَا مِنْ بَيْته مَرَّ بِنِبَالٍ , فَتَعَلَّقَ مِشْقَص بِرِدَائِهِ فَالْتَوَى , فَقَطَعَ الْأَكْحَل مِنْ رِجْله . وَأَمَّا الَّذِي كُحِّلَتْ عَيْنَاهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ عَمِيَ ; وَأَمَّا الَّذِي سُقِيَ مَذْقَة فَأَصْبَحَ وَقَدْ اِسْتَسْقَى بَطْنه ; وَأَمَّا الَّذِي نُقِرَ فَوْق رَأْسه فَأَخَذَتْهُ النَّقَدَة - وَالنَّقَدَة : قُرْحَة عَظِيمَة أَخَذَتْهُ فِي رَأْسه - وَأَمَّا الَّذِي طُعِنَ فِي رُكْبَته , فَأَصْبَحَ وَقَدْ أُقْعِدَ . فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك أَوْ يَقْتُلُوك أَوْ يُخْرِجُوك وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } . )12400 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : ( { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُر اللَّه وَاَللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ } أَيْ فَمَكَرْت لَهُمْ بِكَيْدِي الْمَتِين حَتَّى خَلَّصْتُك مِنْهُمْ . )12401 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : هَذِهِ مَكِّيَّة . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : هَذِهِ مَكِّيَّة . )فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد نِعْمَتِي عِنْدك بِمَكْرِي بِمَنْ حَاوَلَ الْمَكْر بِك مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك , بِإِثْبَاتِك , أَوْ قَتْلك , أَوْ إِخْرَاجك مِنْ وَطَنك , حَتَّى اِسْتَنْقَذْتُك مِنْهُمْ وَأَهْلَكْتهمْ , فَامْضِ لِأَمْرِي فِي حَرْب مَنْ حَارَبَك مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَتَوَلَّى عَنْ إِجَابَة مَا أَرْسَلْتُك بِهِ مِنْ الدِّين الْقَيِّم , وَلَا يُرْعِبَنك كَثْرَة عَدَدهمْ , فَإِنَّ رَبّك خَيْر الْمَاكِرِينَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَبَدَ غَيْره وَخَالَفَ أَمْره وَنَهْيه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَكْر فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا آيَات كِتَاب اللَّه الْوَاضِحَة لِمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِفَهْمِهِ قَالُوا جَهْلًا مِنْهُمْ وَعِنَادًا لِلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قِيلهمْ : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } الَّذِي تُلِيَ عَلَيْنَا , { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَالْأَسَاطِير : جَمْع أَسْطُر , وَهُوَ جَمْع الْجَمْع , لِأَنَّ وَاحِد الْأَسْطُر : سَطْر , ثُمَّ يُجْمَع السَّطْر : أَسْطُر وَسُطُور , ثُمَّ يُجْمَع الْأَسْطُر : أَسَاطِير وَأَسَاطِر . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : وَاحِد الْأَسَاطِير : أُسْطُورَة . وَإِنَّمَا عُنِيَ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ : { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } إِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّد إِلَّا مَا سَطَّرَ الْأَوَّلُونَ وَكَتَبُوهُ مِنْ أَخْبَار الْأُمَم . كَأَنَّهُمْ أَضَافُوهُ إِلَى أَنَّهُ أُخِذَ عَنْ بَنِي آدَم , وَأَنَّهُ لَمْ يُوَجِّه اللَّه إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12402 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } قَالَ : كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث يَخْتَلِف تَاجِرًا إِلَى فَارِس , فَيَمُرّ بِالْعِبَادِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْإِنْجِيل , وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ . فَجَاءَ مَكَّة , فَوَجَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْكَع وَيَسْجُد , فَقَالَ النَّضْر : قَدْ سَمِعْنَا , لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا ! لِلَّذِي سَمِعَ مِنْ الْعِبَاد . فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } قَالَ : فَقَصَّ رَبّنَا مَا كَانُوا قَالُوا بِمَكَّة , وَقَصَّ قَوْلهمْ : { إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة . )12403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة أَخُو بَنِي عَبْد الدَّار يَخْتَلِف إِلَى الْحِيرَة , فَيَسْمَع سَجْع أَهْلهَا وَكَلَامهمْ . فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّة , سَمِعَ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن , فَقَالَ : { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَقُول : أَسَاجِيع أَهْل الْحِيرَة . )12404 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : (قَتَلَ النَّبِيّ مِنْ يَوْم بَدْر صَبْرًا : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَطُعَيْمَة بْن عَدِيّ , وَالنَّضْر بْن الْحَارِث ; وَكَانَ الْمِقْدَاد أَسَرَ النَّضْر , فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَالَ الْمِقْدَاد : يَا رَسُول اللَّه أَسِيرِي ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كِتَاب اللَّه مَا يَقُول | . فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ . فَقَالَ الْمِقْدَاد : أَسِيرِي ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَاد مِنْ فَضْلك ! | فَقَالَ الْمِقْدَاد : هَذَا الَّذِي أَرَدْت . وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا } الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْم بَدْر ثَلَاثَة رَهْط مِنْ قُرَيْش صَبْرًا الْمُطْعِم بْن عَدِيّ , وَالنَّضْر بْن الْحَارِث , وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . قَالَ : فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ النَّضْر , قَالَ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد : أَسِيرِي يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : | إِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كِتَاب اللَّه وَفِي رَسُوله مَا كَانَ يَقُول | قَالَ : فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَاد مِنْ فَضْلك ! | وَكَانَ الْمِقْدَاد أَسَرَ النَّضْر .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد أَيْضًا مَا حَلَّ بِمَنْ قَالَ : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } إِذْ مَكَرْت لَهُمْ , فَأَتَيْتهمْ بِعَذَابٍ أَلِيم . وَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَاب : قَتْلهمْ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر . وَهَذِهِ الْآيَة أَيْضًا ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12405 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . )12406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَالَ : قَوْل النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كِلْدَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَوْل النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كِلْدَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار . )* - قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَالَ : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن كِلْدَة . )12407 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (قَالَ رَجُل مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار , يُقَال لَهُ النَّضْر بْن كِلْدَة : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } فَقَالَ اللَّه : { وَقَالُوا رَبّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطّنَا قَبْل يَوْم الْحِسَاب } [38 16 ]وَقَالَ : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } [6 94 ]وَقَالَ : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } [70 1 : 2 ]قَالَ عَطَاء : لَقَدْ نَزَلَ فِيهِ بِضْع عَشْرَة آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه . )12407 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (فَقَالَ : - يَعْنِي النَّضْر بْن الْحَارِث - اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } قَالَ اللَّه : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } [70 1 : 2 ]. )12409 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة , قَالَ : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } )12410 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة , قَالَ : قَالَ ذَلِكَ سَفَهَة هَذِهِ الْأُمَّة وَجَهَلَتهَا , فَعَادَ اللَّه بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته عَلَى سَفَهَة هَذِهِ الْأُمَّة وَجَهَلَتهَا . )12410 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَة قُرَيْش وَاسْتِفْتَاحهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , إِذْ قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد , { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْم لُوط { أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } أَيْ بِبَعْضِ مَا عَذَّبْت بِهِ الْأُمَم قَبْلنَا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول | هُوَ | فِي الْكَلَام . فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ نُصِبَ | الْحَقّ | , لِأَنَّ | هُوَ | وَاَللَّه أَعْلَم حُوِّلَتْ زَائِدَة فِي الْكَلَام صِلَة تَوْكِيد كَزِيَادَةِ | مَا | , وَلَا تُزَاد إِلَّا فِي كُلّ فِعْل لَا يَسْتَغْنِي عَنْ خَبَر , وَلَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ لِهَذَا , لِأَنَّك لَوْ قُلْت : | رَأَيْت هَذَا هُوَ | لَمْ يَكُنْ كَلَامًا , وَلَا تَكُون هَذِهِ الْمُضْمَرَة مِنْ صِفَة الظَّاهِرَة , وَلَكِنَّهَا تَكُون مِنْ صِفَة الْمُضْمَرَة , نَحْو قَوْله : { وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ } [43 76 ] { تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَم أَجْرًا } [73 20 ]لِأَنَّك تَقُول : | وَجَدْته هُوَ وَإِيَّايَ | فَتَكُون | هُوَ | صِفَة . وَقَدْ تَكُون فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا غَيْر صِفَة , وَلَكِنَّهَا تَكُون زَائِدَة كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّل . وَقَدْ تَجْرِي فِي جَمِيع هَذَا مَجْرَى الِاسْم , فَيُرْفَع مَا بَعْدهَا إِنْ كَانَ بَعْدهَا ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا فِي لُغَة بَنِي تَمِيم , يَقُولُونَ فِي قَوْله : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } { وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ } [43 76 ]و { تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَم أَجْرًا } [73 20 ]كَمَا تَقُول : كَانُوا آبَاؤُهُمْ الظَّالِمُونَ , حَمَلُوا هَذَا الْمُضْمَر نَحْو | هُوَ | و | هُمَا | و | أَنْتَ | زَائِدًا فِي هَذَا الْمَكَان . وَلَمْ تَجْعَل مَوَاضِع الصِّفَة , لِأَنَّهُ فَصْل أَرَادَ أَنْ يُبَيِّن بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَا بَعْده صِفَة لِمَا قَبْله , وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَا يَكُون لَهُ خَبَر . وَكَانَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ يَقُول : لَمْ تَدْخُل | هُوَ | الَّتِي هِيَ عِمَاد فِي الْكَلَام إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيح . وَقَالَ : كَأَنَّهُ قَالَ : زَيْد قَائِم , فَقُلْت أَنْتَ : بَلْ عَمْرو هُوَ الْقَائِم ; فَهُوَ لِمَعْهُودِ الِاسْم وَالْأَلِف وَاللَّام لِمَعْهُودِ الْفِعْل الَّتِي هِيَ صِلَة فِي الْكَلَام مُخَالِفَة لِمَعْنَى | هُوَ | , لِأَنَّ دُخُولهَا وَخُرُوجهَا وَاحِد فِي الْكَلَام , وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ هُوَ ; وَأَمَّا الَّتِي تَدْخُل صِلَة فِي الْكَلَام , فَتَوْكِيد شَبِيه بِقَوْلِهِمْ : | وَجَدْته نَفْسه | تَقُول ذَلِكَ , وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ كَالظَّرِيفِ وَالْعَاقِل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } أَيْ وَأَنْتَ مُقِيم بَيْن أَظْهُرهمْ . قَالَ : وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيم بِمَكَّة . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَاسْتَغْفَرَ مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأُنْزِلَ بَعْد خُرُوجه عَلَيْهِ حِين اِسْتَغْفَرَ أُولَئِكَ بِهَا : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْنهمْ , فَعُذِّبَ الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12412 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ اِبْن أَبْزَى , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } . قَالَ : فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : فَكَانَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بَقُوا فِيهَا يَسْتَغْفِرُونَ , يَعْنِي بِمَكَّة ; فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : فَأَذِنَ اللَّه لَهُ فِي فَتْح مَكَّة , فَهُوَ الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ . )12413 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَعْنِي النَّبِيّ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } يَعْنِي مَكَّة , وَفِيهَا الْكُفَّار . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ } يَعْنِي : أَهْل مَكَّة . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ } وَفِيهِمْ الْمُؤْمِنُونَ , يَسْتَغْفِرُونَ ; يَغْفِر لِمَنْ فِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل الرَّازِيّ وَأَبُو دَاوُد الْحَفَرِيّ , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : بَقِيَّة مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ , فَلَمَّا خَرَجُوا , قَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } . )* - قَالَ : ثَنَا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : أَهْل مَكَّة . )12414 - وَأَخْبَرَنَا أُبَيّ , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة . )12415 - قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ يَسْتَغْفِرُونَ بَيْن ظَهْرَانِيّهِمْ . )12416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : الَّذِينَ آمَنُوا مَعَك يَسْتَغْفِرُونَ بِمَكَّة , حَتَّى أَخْرَجَك وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَك . )12417 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : اِبْن عَبَّاس : (لَمْ يُعَذِّب قَرْيَة حَتَّى يُخْرِج النَّبِيّ مِنْهَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَيُلْحِقهُ بِحَيْثُ أَمَرَ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَعَادَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } . )12418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : يَعْنِي أَهْل مَكَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّب هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش بِمَكَّة وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد , حَتَّى أَخْرَجَك مِنْ بَيْنهمْ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ } وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : يَا رَبّ غُفْرَانك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الِاسْتِغْفَار بِالْقَوْلِ . قَالُوا : وَقَوْله : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12419 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي زُمَيْل , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ((إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك لَبَّيْكَ , فَيَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قَدْ قَدْ ! | فَيَقُولُونَ : لَا شَرِيك لَك إِلَّا شَرِيك هُوَ لَك تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ , وَيَقُولُونَ : غُفْرَانك غُفْرَانك . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . )فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ : نَبِيّ اللَّه وَالِاسْتِغْفَار , قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَار . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } قَالَ : فَهَذَا عَذَاب الْآخِرَة , قَالَ : وَذَاكَ عَذَاب الدُّنْيَا . )12420 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ يَزِيد بْن رُومَان وَمُحَمَّد بْن قَيْس قَالَا : (قَالَتْ قُرَيْش بَعْضهَا لِبَعْضٍ : مُحَمَّد أَكْرَمَهُ اللَّه مِنْ بَيْننَا { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا } الْآيَة ; فَلَمَّا أَمْسَوْا نَدِمُوا عَلَى مَا قَالُوا , فَقَالُوا : غُفْرَانك اللَّهُمَّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } إِلَى قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ } . )12421 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَانُوا يَقُولُونَ : - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - وَاَللَّه إِنَّ اللَّه لَا يُعَذِّبنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِر , وَلَا يُعَذِّب أُمَّة وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتَّى يُخْرِجهُ عَنْهَا ! وَذَلِكَ مِنْ قَوْله وَرَسُول لِلَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر لَهُ جَهَالَتهمْ وَغِرَّتهمْ وَاسْتِفْتَاحهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , إِذْ قَالُوا { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْم لُوط , وَقَالَ حِين نَعَى عَلَيْهِمْ سُوء أَعْمَالهمْ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } , أَيْ بِقَوْلِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا قَالَ : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَعَبَدَهُ , أَيْ أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَك . )12422 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصَّبَّاح الْبَزَّار , قَالَ : ثنا أَبُو بُرْدَة , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : (إِنَّهُ كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ : قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : أَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَضَى , وَأَمَّا الِاسْتِغْفَار فَهُوَ دَائِر فِيكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )12423 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَامِر أَبِي الْخَطَّاب الثَّوْرِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْعَلَاء يَقُول : (كَانَ لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَنَتَانِ : فَذَهَبَتْ إِحْدَاهُمَا , وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد , وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ , أَيْ : لَوْ اِسْتَغْفَرُوا . قَالُوا : وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ ; فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12424 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : إِنَّ الْقَوْم لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ , وَلَوْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ مَا عُذِّبُوا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول : هُمَا أَمَانَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّه , فَأَمَّا أَحَدهمَا فَمَضَى نَبِيّ اللَّه , وَأَمَّا الْآخَر فَأَبْقَاهُ اللَّه رَحْمَة بَيْن أَظْهُركُمْ , الِاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة . )12425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (قَالَ اللَّه لِرَسُولِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : مَا كُنْت أُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ , وَلَوْ اِسْتَغْفَرُوا وَأَقَرُّوا بِالذُّنُوبِ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ , وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبهُمْ وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ , وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ مُحَمَّد وَعَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام ! )12426 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يَقُول : لَوْ اِسْتَغْفَرُوا لَمْ أُعَذِّبهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يُسْلِمُونَ . قَالُوا : وَاسْتِغْفَارهمْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : إِسْلَامهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12427 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : سَأَلُوا الْعَذَاب , فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَام . )12428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : بَيْن أَظْهُرهمْ . وَقَوْله : { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يُسْلِمُونَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } بَيْن أَظْهُرهمْ { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : وَهُمْ يُسْلِمُونَ . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : بَيْن أَظْهُرهمْ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ اللَّه الدُّخُول فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12429 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَقُول : مَا كَانَ اللَّه سُبْحَانه يُعَذِّب قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْن أَظْهُرهمْ حَتَّى يُخْرِجهُمْ . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ اللَّه الدُّخُول فِي الْإِيمَان , وَهُوَ الِاسْتِغْفَار , ثُمَّ قَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فَعَذَّبَهُمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12430 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : يُصَلُّونَ , يَعْنِي بِهَذَا أَهْل مَكَّة . )12431 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يُصَلُّونَ . )12432 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَعْنِي : أَهْل مَكَّة , يَقُول : لَمْ أَكُنْ لِأُعَذِّبكُمْ وَفِيكُمْ مُحَمَّد . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : يُؤْمِنُونَ وَيُصَلُّونَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : وَهُمْ يُصَلُّونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . قَالُوا : ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12433 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : (قَالَ فِي الْأَنْفَال : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فَنَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } إِلَى قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَقُوتِلُوا بِمَكَّة , وَأَصَابَهُمْ فِيهَا الْجُوع وَالْحَصْر . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيله : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد وَبَيْن أَظْهُرهمْ مُقِيم , حَتَّى أُخْرِجك مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ; لِأَنِّي لَا أُهْلِك قَرْيَة وَفِيهَا نَبِيّهَا . وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبهمْ وَكُفْرهمْ , وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ هُمْ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ , فَهُمْ لِلْعَذَابِ مُسْتَحِقُّونَ , كَمَا يُقَال : مَا كُنْت لِأُحْسِن إِلَيْك وَأَنْتَ تُسِيء إِلَيَّ , يُرَاد بِذَلِكَ : لَا أُحْسِن إِلَيْك إِذَا أَسَأْت إِلَيَّ وَلَوْ أَسَأْت إِلَيَّ لَمْ أُحْسِن إِلَيْك , وَلَكِنْ أُحْسِن إِلَيْك لِأَنَّك لَا تُسِيء إِلَيَّ ; وَكَذَلِكَ ذَلِكَ . ثُمَّ قِيلَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } بِمَعْنَى : وَمَا شَأْنهمْ وَمَا يَمْنَعهُمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّه مِنْ كُفْرهمْ فَيُؤْمِنُوا بِهِ , وَهُمْ يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْقَوْم - أَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّة - كَانُوا اِسْتَعْجَلُوا الْعَذَاب , فَقَالُوا : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد هُوَ الْحَقّ , فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم ! فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : مَا كُنْت لِأُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كُنْت لِأُعَذِّبهُمْ لَوْ اِسْتَغْفِرُوا , وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبهُمْ بَعْد إِخْرَاجك مِنْهُمْ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام ! فَأَعْلَمَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَعْجَلُوا الْعَذَاب حَائِق بِهِمْ وَنَازِل , وَأَعْلَمَهُمْ حَال نُزُوله بِهِمْ , وَذَلِكَ بَعْد إِخْرَاجه إِيَّاهُ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ . وَلَا وَجْه لِإِيعَادِهِمْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة , وَهُمْ مُسْتَعْجِلُوهُ فِي الْعَاجِل , وَلَا شَكّ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَى الْعَذَاب صَائِرُونَ , بَلْ فِي تَعْجِيل اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ يَوْم بَدْر الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا . وَكَذَلِكَ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } إِلَى أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ وَعَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ , وَلَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَبَر عَنْهُمْ قَدْ تَقَضَّى , وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِهِ عُنُوا , وَلَا خِلَاف فِي تَأْوِيله مِنْ أَهْله مَوْجُود . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } خَبَر , وَالْخَبَر لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهِ نَسْخ , وَإِنَّمَا يَكُون النَّسْخ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول | أَنَّ | فِي قَوْله : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هِيَ زَائِدَة هَاهُنَا , وَقَدْ عَمِلَتْ كَمَا عَمِلَتْ | لَا | وَهِيَ زَائِدَة , وَجَاءَ فِي الشِّعْر : <br>لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا .......... إِلَيَّ لَامَ ذَوُو أَحْسَابِهَا عُمَرَا <br>وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , وَقَالَ : لَمْ تَدْخُل | أَنَّ | إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيح , لِأَنَّ مَعْنَى { وَمَا لَهُمْ } مَا يَمْنَعهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا , قَالَ : فَدَخَلَتْ | أَنَّ | لِهَذَا الْمَعْنَى , وَأَخْرَجَ ب | لَا | , لِيُعْلَم أَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَحْد , لِأَنَّ الْمَنْع جَحْد . قَالَ : و | لَا | فِي الْبَيْت صَحِيح مَعْنَاهَا , لِأَنَّ الْجَحْد إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ جَحْد صَارَ خَبَرًا . وَقَالَ : أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلك : مَا زَيْد لَيْسَ قَائِمًا , فَقَدْ أَوْجَبْت الْقِيَام ؟ قَالَ : وَكَذَلِكَ وَ | لَا | فِي هَذَا الْبَيْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلِيَاء اللَّه { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ } يَقُول : مَا أَوْلِيَاء اللَّه إِلَّا الْمُتَّقُونَ , يَعْنِي : الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12434 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحَمْد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } هُمْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )12435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12436 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ , وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة عِنْده , أَيْ : أَنْتَ يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ آمَنَ بِك .)|وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ|يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُتَّقُونَ , بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاء اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهِ وَيَعْبُدُونَهُ , وَلَمْ يَكُونُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاء , بَلْ أَوْلِيَاؤُهُ الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت } يَعْنِي : بَيْت اللَّه الْعَتِيق , { إِلَّا مُكَاء } وَهُوَ الصَّفِير , يُقَال مِنْهُ : مَكَا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاء , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَكْو : أَنْ يَجْمَع الرَّجُل يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيح , وَيُقَال مِنْهُ : مَكَتْ اِسْت الدَّابَّة مُكَاء : إِذَا نُفِخَتْ بِالرِّيحِ , وَيُقَال : إِنَّهُ لَا يَمْكُو إِلَّا اِسْت مَكْشُوفَة , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلِاسْتِ الْمَكْوَة , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَنْتَرَة : <br>وَحَلِيلِ غَانِيَة تَرَكْت مُجَدَّلًا .......... تَمْكُو فَرِيصَته كَشِدْقِ الْأَعْلَم <br>وَقَوْل الطِّرِمَّاح : <br>فَنَحَا لِأُولَاهَا بِطَعْنَةِ مُحْفَظ .......... تَمْكُو جَوَانِبهَا مِنْ الْإِنْهَار <br>بِمَعْنَى : تُصَوِّت . وَأَمَّا التَّصْدِيَة فَإِنَّهَا التَّصْفِيق , يُقَال مِنْهُ : صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَة , وَصَفَّقَ وَصَفَّحَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12437 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن قَيْس عَنْ حُجْر بْن عَنْبَس : ( { إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )12438 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } يَقُول : كَانَتْ صَلَاة الْمُشْرِكِينَ عِنْد الْبَيْت مُكَاء , يَعْنِي : التَّصْفِير , وَتَصْدِيَة يَقُول : التَّصْفِيق . )12439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْفِيق وَالصَّفِير . )12440 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْمُكَاء : التَّصْفِيق , وَالتَّصْدِيَة : الصَّفِير . قَالَ : وَأَمَالَ اِبْن عُمَر خَدّه إِلَى جَانِب . )12441 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء وَالتَّصْدِيَة : الصَّفِير وَالتَّصْفِيق . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم , قَالَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يُحَدِّث عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصَدِّيَة : التَّصْفِيق . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . وَقَالَ قُرَّة : وَحَكَى لَنَا عَطِيَّة فِعْل اِبْن عُمَر , فَصَفَّرَ وَأَمَالَ خَدّه وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ . )12442 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف يَقُول فِي قَوْل اللَّه : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ بَكْر : فَجَمَعَ لِي جَعْفَر كَفَّيْهِ , ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا صَفِيرًا , كَمَا قَالَ لَهُ أَبُو سَلَمَة . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )* - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن سَابُور , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : تَصْفِير وَتَصْفِيق . )* - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , مِثْله . 12443 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَبُّويَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ قُرَيْش يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاة يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } [7 32 ]فَأُمِرُوا بِالثِّيَابِ . )12444 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (كَانَتْ قُرَيْش يُعَارِضُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّوَاف يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ , يُصَفِّرُونَ بِهِ وَيُصَفِّقُونَ , فَنَزَلَتْ : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِلَّا مُكَاء } قَالَ : كَانُوا يَنْفُخُونَ فِي أَيْدِيهمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )12445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : إِدْخَال أَصَابِعهمْ فِي أَفْوَاههمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق , يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ صَلَاته . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْمُكَاء , إِدْخَال أَصَابِعهمْ فِي أَفْوَاههمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . قَالَ نَفَر مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار كَانُوا يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ كُلّه عَلَى مُحَمَّد صَلَاته . )12446 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : مِنْ بَيْن الْأَصَابِع . قَالَ أَحْمَد : سَقَطَ عَلَيَّ حَرْف وَمَا أُرَاهُ إِلَّا الْخَذْف وَالنَّفْخ وَالصَّفِير مِنْهَا ; وَأَرَانِي سَعِيد بْن جُبَيْر حَيْثُ كَانُوا يَمْكُونَ مِنْ نَاحِيَة أَبِي قُبَيْس . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : كَانُوا يُشَبِّكُونَ بَيْن أَصَابِعهمْ وَيُصَفِّرُونَ بِهَا , فَذَلِكَ الْمُكَاء . قَالَ : وَأَرَانِي سَعِيد بْن جُبَيْر الْمَكَان الَّذِي كَانُوا يَمْكُونَ فِيهِ نَحْو أَبِي قُبَيْس . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : ( { مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : النَّفْخ , وَأَشَارَ بِكَفِّهِ قِبَل فِيهِ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )12447 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 11748 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ الْمُكَاء : التَّصْفِيق بِالْأَيْدِي , وَالتَّصْدِيَة : صِيَاح كَانُوا يُعَارِضُونَ بِهِ الْقُرْآن . )12449 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )12450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } وَالْمُكَاء : الصَّفِير , عَلَى نَحْو طَيْر أَبْيَض يُقَال لَهُ الْمُكَاء يَكُون بِأَرْضِ الْحِجَاز وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . )12451 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : صَفِير كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعْلِنُونَ بِهِ . قَالَ : وَقَالَ فِي الْمُكَاء أَيْضًا : صَفِير فِي أَيْدِيهمْ وَلَعِب . )وَقَدْ قِيلَ فِي التَّصْدِيَة : إِنَّهَا الصَّدّ عَنْ بَيْت اللَّه الْحَرَام . وَذَلِكَ قَوْل لَا وَجْه لَهُ لِأَنَّ التَّصْدِيَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : صَدَّيْت تَصْدِيَة . وَأَمَّا الصَّدّ فَلَا يُقَال مِنْهُ : صَدَّيْت , إِنَّمَا يُقَال مِنْهُ صَدَدْت , فَإِنْ شَدَّدْت مِنْهَا الدَّال عَلَى مَعْنَى تَكْرِير الْفِعْل , قِيلَ : صَدَّدْت تَصْدِيدًا , إِلَّا أَنْ يَكُون صَاحِب هَذَا الْقَوْل وَجَّهَ التَّصْدِيَة إِلَى أَنَّهُ مِنْ صَدَّدْت , ثُمَّ قُلِبَتْ إِحْدَى دَالَيْهِ يَاء , كَمَا يُقَال : تَظَنَّيْت مِنْ ظَنَنْت , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>تَقَضِّي الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ <br>يَعْنِي : تَقَضَّضَ الْبَازِي , فَقُلِبَ إِحْدَى ضَادَيْهِ يَاء , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا يُوَجَّه إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيل التَّصْدِيَة : 12452 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } صَدَّهُمْ عَنْ بَيْت اللَّه الْحَرَام . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْدِيَة : صَدّهمْ النَّاس عَنْ الْبَيْت الْحَرَام . )12453 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْدِيَة عَنْ سَبِيل اللَّه , وَصَدّهمْ عَنْ الصَّلَاة وَعَنْ دِين اللَّه . )12454 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : مَا كَانَ صَلَاتهمْ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا يُدْرَأ بِهَا عَنْهُمْ إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة , وَذَلِكَ مَا لَا يَرْضَى اللَّه وَلَا يُحِبّ , وَلَا مَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ .)|فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر , يَقُول لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } الْآيَة , حِين أَتَاهُمْ بِمَا اِسْتَعْجَلُوهُ مِنْ الْعَذَاب : ذُوقُوا : أَيْ اِطْعَمُوا , وَلَيْسَ بِذَوْقٍ بِفَمٍ , وَلَكِنَّهُ ذَوْق بِالْحِسِّ , وَوُجُود طَعْم أَلَمه بِالْقُلُوبِ . يَقُول لَهُمْ : فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ أَنَّ اللَّه مُعَذِّبكُمْ بِهِ عَلَى جُحُودكُمْ تَوْحِيد رَبّكُمْ وَرِسَالَة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12455 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ مَا أَوْقَعَ اللَّه بِهِمْ يَوْم بَدْر مِنْ الْقَتْل . )12456 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل بَدْر يَوْم عَذَّبَهُمْ اللَّه . )12457 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَعْنِي أَهْل بَدْر عَذَّبَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , فَيُعْطُونَهَا أَمْثَالهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيَتَقَوَّوْا بِهَا عَلَى قِتَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , لِيَصُدُّوا الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَسَيُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي ذَلِكَ { ثُمَّ تَكُون } نَفَقَتهمْ تِلْكَ { عَلَيْهِمْ حَسْرَة } يَقُول : تَصِير نَدَامَة عَلَيْهِمْ , لِأَنَّ أَمْوَالهمْ تَذْهَب , وَلَا يَظْفَرُونَ بِمَا يَأْمُلُونَ وَيَطْمَعُونَ فِيهِ مِنْ إِطْفَاء نُور اللَّه , وَإِعْلَاء كَلِمَة الْكُفْر عَلَى كَلِمَة اللَّه , لِأَنَّ اللَّه مُعْلٍ كَلِمَته , وَجَاعِل كَلِمَة الْكُفْر السُّفْلَى , ثُمَّ يَغْلِبهُمْ الْمُؤْمِنُونَ , وَيَحْشُر اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ إِلَى جَهَنَّم , فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا , فَأَعْظِمْ بِهَا حَسْرَة وَنَدَامَة لِمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ وَمَنْ هَلَكَ ! أَمَّا الْحَيّ فَحُرِمَ مَاله وَذَهَبَ بَاطِلًا فِي غَيْر دَرْك وَلَا نَفْع وَرَجَعَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا مَحْزُونًا مَسْلُوبًا ; وَأَمَّا الْهَالِك : فَقُتِلَ وَسُلِبَ وَعُجِّلَ بِهِ إِلَى نَار اللَّه يَخْلُد فِيهَا , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبه ! وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى النَّفَقَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِيمَا ذَكَرَ أَبَا سُفْيَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } الْآيَة { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب اِسْتَأْجَرَ يَوْم أُحُد أَلْفَيْنِ مِنْ الْأَحَابِيش مِنْ بَنِي كِنَانَة , فَقَاتَلَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ الَّذِينَ يَقُول فِيهِمْ كَعْب بْن مَالِك : <br>وَجِئْنَا إِلَى مَوْج مِنْ الْبَحْر وَسْطه .......... أَحَابِيش مِنْهُمْ حَاسِر وَمُقَنَّع <br><br>ثَلَاثَة آلَاف وَنَحْنُ نَصِيَّة .......... ثَلَاث مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ <br>)12459 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان , اِسْتَأْجَرَ يَوْم أُحُد أَلْفَيْنِ لِيُقَاتِل بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَنْ اِسْتَجَاشَ مِنْ الْعَرَب . )12460 - قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ خَطَّاب بْن عُثْمَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان , أَنْفَقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب , وَكَانَتْ الْأُوقِيَّة يَوْمئِذٍ اِثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا . )12461 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَان بِالْعِيرِ إِلَى مَكَّة , أَنْشَدَ النَّاس وَدَعَاهُمْ إِلَى الْقِتَال حَتَّى غَزَا نَبِيّ اللَّه مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , وَكَانَتْ بَدْر فِي رَمَضَان يَوْم الْجُمْعَة صَبِيحَة سَابِع عَشْرَة مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَكَانَتْ أُحُد فِي شَوَّال يَوْم السَّبْت لِإِحْدَى عَشْرَة خَلَتْ مِنْهُ فِي الْعَام الرَّابِع . )12462 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (قَالَ اللَّه فِيمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَمِنْهُمْ أَبُو سُفْيَان يَسْتَأْجِرُونَ الرِّجَال يُقَاتِلُونَ مُحَمَّدًا بِهِمْ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة } يَقُول : نَدَامَة يَوْم الْقِيَامَة وَوَيْلًا { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } . )12463 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , حَتَّى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } قَالَ : فِي نَفَقَة أَبِي سُفْيَان عَلَى الْكُفَّار يَوْم أُحُد . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12464 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ قَالُوا : (لَمَّا أَصَابَتْ الْمُسْلِمُونَ يَوْم بَدْر مِنْ كُفَّار قُرَيْش مِنْ أَصْحَاب الْقَلِيب وَرَجَعَ فَلّهمْ إِلَى مَكَّة , وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَان بَعِيره , مَشَى عَبْد اللَّه بْن رَبِيعَة وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل وَصَفْوَان بْن أُمَيَّة فِي رِجَال مِنْ قُرَيْش أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانهمْ بِبَدْرٍ , فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِير مِنْ قُرَيْش تِجَارَة , فَقَالُوا : يَا مَعْشَر قُرَيْش , إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَاركُمْ , فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَال عَلَى حَرْبه لَعَلَّنَا إِنْ نَدْرِك مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا ! فَفَعَلُوا . قَالَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } إِلَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } . )12465 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } إِلَى قَوْله : { يُحْشَرُونَ } يَعْنِي النَّفَر الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى أَبِي سُفْيَان وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَال مِنْ قُرَيْش فِي تِلْكَ التِّجَارَة , فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلُوا . )12466 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَطَاء بْن دِينَار , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } الْآيَة , نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب . )وَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12467 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هُمْ أَهْل بَدْر . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قُلْنَا , وَهُوَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه , لَمْ يُخْبِرنَا بِأَيِّ أُولَئِكَ عُنِيَ , غَيْر أَنَّهُ عَمَّ بِالْخَبَرِ الَّذِينَ كَفَرُوا , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ : الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ لِقِتَالِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِأُحُدٍ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ الْمُنْفِقِينَ مِنْهُمْ ذَلِكَ بِبَدْرٍ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ الْفَرِيقَيْنِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْش .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْشُر اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ , وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيل اللَّه إِلَى جَهَنَّم , لِيُفَرِّق بَيْنهمْ وَهُمْ أَهْل الْخَبَث كَمَا قَالَ وَسَمَّاهُمْ { الْخَبِيث } , وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَهُمْ الطَّيِّبُونَ , كَمَا سَمَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . فَمَيَّزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنهمْ بِأَنْ أَسْكَنَ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ جَنَّاته , وَأَنْزَلَ أَهْل الْكُفْر نَاره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12468 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } فَمَيَّزَ أَهْل السَّعَادَة مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة . )12469 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ , وَمَا يُصْنَع بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَقُول : يَمِيز الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر . { وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض } .)|وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ|وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض } فَيَحْمِل الْكُفَّار بَعْضهمْ فَوْق بَعْض .|فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا|يَقُول : فَنَجْعَلهُمْ رُكَامًا , وَهُوَ أَنْ يُجْمَع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض حَتَّى يَكْثُرُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَة السَّحَاب : { ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } [24 43 ]أَيْ مُجْتَمِعًا كَثِيفًا . وَكَمَا : 12470 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَيَرْكُمهُ جَمِيعًا } قَالَ : فَيَجْمَعهُ جَمِيعًا بَعْضه عَلَى بَعْض .)|فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ|وَقَوْله : { فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم } يَقُول : فَيَجْعَل الْخَبِيث جَمِيعًا فِي جَهَنَّم , فَوَحَّدَ الْخَبَر عَنْهُمْ لِتَوْحِيدِ قَوْله : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث } ,|أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ|ثُمَّ قَالَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } فَجَمَعَ وَلَمْ يَقُلْ : ذَلِكَ هُوَ الْخَاسِر , فَرَدَّهُ إِلَى أَوَّل الْخَبَر . وَيَعْنِي ب | أُولَئِكَ | الَّذِينَ كَفَرُوا , وَتَأْوِيله : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الْخَاسِرُونَ } الَّذِينَ غُبِنَتْ صَفْقَتهمْ وَخَسِرَتْ تِجَارَتهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة , وَتَعَجَّلُوا بِإِنْفَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقُوا مِنْ قِتَال نَبِيّ اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْخِزْي وَالذُّلّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك : إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَقِتَالك وَقِتَال الْمُؤْمِنِينَ فَيُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَان , يَغْفِر اللَّه لَهُمْ مَا قَدْ خَلَا وَمَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ قَبْل إِيمَانهمْ وَإِنَابَتهمْ إِلَى طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله بِإِيمَانِهِمْ وَتَوْبَتهمْ .|وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ|يَقُول : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِقِتَالِك بَعْد الْوَقْعَة الَّتِي أَوْقَعْتهَا بِهِمْ يَوْم بَدْر , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتِي فِي الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ الْقُرُون الْخَالِيَة إِذْ طَغَوْا وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحهمْ مِنْ إِحْلَال عَاجِل النِّقَم بِهِمْ , فَأُحِلّ بِهَؤُلَاءِ إِنْ عَادُوا لِحَرْبِك وَقِتَالك مِثْل الَّذِينَ أَحْلَلْت بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } فِي قُرَيْش يَوْم بَدْر وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } قَالَ : فِي قُرَيْش وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . )12472 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ فِي قَوْله : ( { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا } لِحَرْبِك , { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر . )12473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (وَإِنْ يَعُودُوا لِقِتَالِك , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْل بَدْر .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ لِحَرْبِك , فَقَدْ رَأَيْتُمْ سُنَّتِي فِيمَنْ قَاتَلَكُمْ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر , وَأَنَا عَائِد بِمِثْلِهَا فِيمَنْ حَارَبَكُمْ مِنْهُمْ , فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُون شِرْك وَلَا يُعْبَد إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَيَرْتَفِع الْبَلَاء عَنْ عِبَاد اللَّه مِنْ الْأَرْض وَهُوَ الْفِتْنَة , { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } يَقُول : حَتَّى تَكُون الطَّاعَة وَالْعِبَادَة كُلّهَا لِلَّهِ خَالِصَة دُون غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12474 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَعْنِي : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . )12475 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : الْفِتْنَة : الشِّرْك . )12476 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَقُول : قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُون شِرْك , و { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } حَتَّى يُقَال : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , عَلَيْهَا قَاتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَيْهَا دَعَا . )12477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . )12478 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون بَلَاء . )12479 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } أَيْ لَا يَفْتُر مُؤْمِن عَنْ دِينه , وَيَكُون التَّوْحِيد لِلَّهِ خَالِصًا لَيْسَ فِيهِ شِرْك , وَيَخْلَع مَا دُونه مِنْ الْأَنْدَاد . )12480 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون كُفْر , { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } لَا يَكُون مَعَ دِينكُمْ كُفْر . )12481 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : (أَنَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ عَنْ أَشْيَاء , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُرْوَة : سَلَام عَلَيْك ! فَإِنِّي أَحْمَد اللَّه إِلَيْك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ! أَمَّا بَعْد : فَإِنَّك كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي عَنْ مَخْرَج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , وَسَأُخْبِرُك بِهِ , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ : كَانَ مِنْ شَأْن خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , أَنَّ اللَّه أَعْطَاهُ النُّبُوَّة , فَنِعْمَ النَّبِيّ وَنِعْمَ السَّيِّد , وَنِعْمَ الْعَشِيرَة ! فَجَزَاهُ اللَّه خَيْرًا وَعَرَّفَنَا وَجْهه فِي الْجَنَّة , وَأَحْيَانَا عَلَى مِلَّته , وَأَمَاتَنَا عَلَيْهَا , وَبَعَثَنَا عَلَيْهَا . وَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا قَوْمه لِمَا بَعَثَهُ اللَّه لَهُ مِنْ الْهُدَى وَالنُّور الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ , لَمْ يَنْفِرُوا مِنْهُ أَوَّل مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ , وَكَانُوا يَسْمَعُونَ لَهُ حَتَّى ذَكَرَ طَوَاغِيتهمْ . وَقَدِمَ نَاس مِنْ الطَّائِف مِنْ قُرَيْش لَهُمْ أَمْوَال , أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَاس , وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِ , وَكَرِهُوا مَا قَالَ , وَأَغْرَوْا بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ , فَانْعَطَفَ عَنْهُ عَامَّة النَّاس , فَتَرَكُوهُ , إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّه مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيل . فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ اِئْتَمَرَتْ رُءُوسهمْ بِأَنْ يَفْتِنُوا مَنْ اِتَّبَعَهُ عَنْ دِين اللَّه مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانهمْ وَقَبَائِلهمْ , فَكَانَتْ فِتْنَة شَدِيدَة الزِّلْزَال , فَافْتَتَنَ مَنْ اِفْتَتَنَ , وَعَصَمَ اللَّه مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ . فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى أَرْض الْحَبَشَة , وَكَانَ بِالْحَبَشَةِ مَلِك صَالِح يُقَال لَهُ النَّجَاشِيّ لَا يُظْلَم أَحَد بِأَرْضِهِ , وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ . وَكَانَتْ أَرْض الْحَبَشَة مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ يَتَّجِرُونَ فِيهَا , وَمَسَاكِن لِتِجَارَتِهِمْ يَجِدُونَ فِيهَا رَتَاعًا مِنْ الرِّزْق وَأَمْنًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا . فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتهمْ لَمَّا قُهِرُوا بِمَكَّة , وَخَافُوا عَلَيْهِمْ الْفِتَن , وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَح , فَمَكَثَ ذَلِكَ سَنَوَات يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ . ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَام فِيهَا , وَدَخَلَ فِيهِ رِجَال مِنْ أَشْرَافهمْ وَمَنَعَتْهُمْ ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اِسْتَرْخَوْا اسْتِرْخَاءَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابه , وَكَانَتْ الْفِتْنَة الْأُولَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل أَرْض الْحَبَشَة مَخَافَة وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْفِتَن وَالزِّلْزَال . فَلَمَّا اِسْتَرْخَى عَنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَام مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ , تَحَدَّثَ بِهَذَا الِاسْتِرْخَاء عَنْهُمْ , فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ اِسْتَرْخَى عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ بِمَكَّة وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة وَكَادُوا يَأْمَنُونَ بِهَا , وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ . وَإِنَّهُ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ نَاس كَثِير , وَفَشَا بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَام , وَطَفِقَ أَهْل الْمَدِينَة يَأْتُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ; فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش ذَلِكَ , تَوَامَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ , وَيَشُدُّوا عَلَيْهِمْ , فَأَخَذُوهُمْ وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ , فَأَصَابَهُمْ جَهْد شَدِيد , وَكَانَتْ الْفِتْنَة الْآخِرَة , فَكَانَتْ ثِنْتَيْنِ : فِتْنَة أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة حِين أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوج إِلَيْهَا , وَفِتْنَة لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَة سَبْعُونَ نَفْسًا رُءُوس الَّذِينَ أَسْلَمُوا , فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ , فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ , وَأَعْطَوْهُ عَلَى : أَنَا مِنْك وَأَنْتَ مِنَّا , وَعَلَى : أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابك أَوْ جِئْتنَا فَإِنَّا نَمْنَعك مِمَّا نَمْنَع مِنْهُ أَنْفُسنَا . فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ قُرَيْش عِنْد ذَلِكَ , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَهِيَ الْفِتْنَة الْآخِرَة الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه وَخَرَجَ هُوَ , وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِيهَا : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيد : أَمَّا بَعْد , فَإِنَّك كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي عَنْ مَخْرَج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , وَعِنْدِي بِحَمْدِ اللَّه مِنْ ذَلِكَ عِلْم بِكُلِّ مَا كَتَبْت تَسْأَلنِي عَنْهُ , وَسَأُخْبِرُك إِنْ شَاءَ اللَّه , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 12482 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا قِيسَ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : يَسَاف وَنَائِلَة صَنَمَانِ كَانَا يُعْبَدَانِ.)|فَإِنِ انْتَهَوْا|وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ اِنْتَهَوْا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْفِتْنَة , وَهِيَ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَصَارُوا إِلَى الدِّين الْحَقّ مَعَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال . وَاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال , فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالهمْ حَتَّى يُسْلِمُوا .|فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ| { فَإِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْك الْكُفْر وَالدُّخُول فِي دِين الْإِسْلَام ; لِأَنَّهُ يُبْصِركُمْ وَيُبْصِر أَعْمَالكُمْ وَالْأَشْيَاء كُلّهَا مُتَجَلِّيَة لَهُ لَا تَغِيب عَنْهُ وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَمَّا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتَرْك قِتَالكُمْ عَلَى كُفْرهمْ , فَأَبَوْا إِلَّا الْإِصْرَار عَلَى الْكُفْر وَقِتَالكُمْ , فَقَاتِلُوهُمْ وَأَيْقِنُوا أَنَّ اللَّه مُعِينكُمْ عَلَيْهِمْ وَنَاصِركُمْ . { نِعْمَ الْمَوْلَى } هُوَ لَكُمْ , يَقُول : نِعْمَ الْمُعِين لَكُمْ وَلِأَوْلِيَائِهِ , { وَنِعْمَ النَّصِير } وَهُوَ النَّاصِر . 12483 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَإِنْ تَوَلَّوْا } عَنْ أَمْرك إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ { فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاكُمْ } الَّذِي أَعَزَّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْم بَدْر فِي كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ . { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا تَعْلِيم مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ قَسْم غَنَائِمهمْ إِذَا غَنِمُوهَا , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ غَنِيمَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى الْغَنِيمَة وَالْفَيْء , فَقَالَ بَعْضهمْ : فِيهِمَا مَعْنَيَانِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا غَيْر صَاحِبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12484 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , قَالَ : (سَأَلْت عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } وَهَذِهِ الْآيَة : { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله } [59 7 ]قَالَ قُلْت : مَا الْفَيْء وَمَا الْغَنِيمَة ؟ قَالَ : إِذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى أَرْضهمْ , وَأَخَذُوهُمْ عَنْوَة فَمَا أَخَذُوا مِنْ مَال ظَهَرُوا عَلَيْهِ فَهُوَ غَنِيمَة , وَأَمَّا الْأَرْض فَهِيَ فِي سَوَادنَا هَذَا فَيْء . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْغَنِيمَة مَا أُخِذَ عَنْوَة . وَالْفَيْء : مَا كَانَ عَنْ صُلْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12485 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , قَالَ : (الْغَنِيمَة : مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَة بِقِتَالٍ فِيهِ الْخُمُس , وَأَرْبَعَة أَخْمَاسه لِمَنْ شَهِدَهَا . وَالْفَيْء : مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَال , وَلَيْسَ فِيهِ خُمُس , هُوَ لِمَنْ سَمَّى اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْغَنِيمَة وَالْفَيْء بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَالُوا : هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الْأَنْفَال نَاسِخَة قَوْله : { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [59 7 ]الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12486 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } [59 7 ]قَالَ : كَانَ الْفَيْء فِي هَؤُلَاءِ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَة الْأَنْفَال , فَقَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَنَسَخَتْ هَذِهِ مَا كَانَ قَبْلهَا فِي سُورَة الْحَشْر , وَجُعِلَ الْخُمُس لِمَنْ كَانَ لَهُ الْفَيْء فِي سُورَة الْحَشْر , وَسَائِر ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ . )وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْغَنِيمَة , وَأَنَّهَا الْمَال يُوصَل إِلَيْهِ مِنْ مَال مَنْ خَوَّلَ اللَّه مَاله أَهْل دِينه بِغَلَبَةٍ عَلَيْهِ وَقَهْر بِقِتَالٍ . فَأَمَّا الْفَيْء , فَإِنَّهُ مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال أَهْل الشِّرْك , وَهُوَ مَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بِصُلْحٍ , مِنْ غَيْر إِيجَاف خَيْل وَلَا رِكَاب . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى مَا رَدَّتْهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا سُيُوفهمْ وَرِمَاحهمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سِلَاحهمْ فَيْئًا , لِأَنَّ الْفَيْء إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَاءَ الشَّيْء يَفِيء فَيْئًا : إِذَا رَجَعَ , وَأَفَاءَهُ اللَّه : إِذَا رَدَّهُ . غَيْر أَنَّ الَّذِي وَرَدَ حُكْم اللَّه فِيهِ مِنْ الْفَيْء يَحْكِيه فِي سُورَة الْحَشْر إِنَّمَا هُوَ مَا وُصِفَتْ صِفَته مِنْ الْفَيْء دُون مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب , لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنْتهَا فِي كِتَابنَا : | كِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الدِّين | وَسَنُبَيِّنُهُ أَيْضًا فِي تَفْسِير سُورَة الْحَشْر إِذَا اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْأَنْفَال نَاسِخَة الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْحَشْر فَلَا مَعْنَى لَهُ , إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ يَنْفِي حُكْم الْأُخْرَى . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النَّسْخ , وَهُوَ نَفْي حُكْم قَدْ ثَبَتَ بِحُكْمٍ بِخِلَافِهِ , فِي غَيْر مَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ شَيْء } فَإِنَّهُ مُرَاد بِهِ كُلّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم شَيْء مِمَّا خَوَّلَهُ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَال مَنْ غَلَبُوا عَلَى مَاله مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْقَسْم حَتَّى الْخَيْط وَالْمَخِيط . كَمَا : 12487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء } قَالَ : الْمَخِيط مِنْ الشَّيْء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم الْفَضْل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , وَلِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا فِيهِمَا , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12488 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : (سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : (سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , عَنْ قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )12489 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثَنَا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ((كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّة فَغَنِمُوا خُمُس الْغَنِيمَة فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُس فِي خَمْسَة . )ثُمَّ قَرَأَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } . قَالَ : وَقَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } [2 284 ]فَجَعَلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا . )12490 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء . )12491 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء , وَخُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَيُقْسَم مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم . )92492 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم خَمْس أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَيُقْسَم الْخُمُس الْبَاقِي عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَخُمُس لِلَّهِ وَالرَّسُول . )12493 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا أَبَان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (أَوْصَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْخُمُسِ مِنْ مَاله وَقَالَ : أَلَا أَرْضَى مِنْ مَالِي بِمَا رَضِيَ اللَّه لِنَفْسِهِ ؟ . )92494 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : خُمُس اللَّه وَخُمُس رَسُوله وَاحِد , كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِل مِنْهُ وَيَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ أَصْحَابه , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : كُلّ شَيْء لِلَّهِ , الْخُمُس لِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , وَالْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِبَيْتِ اللَّه خُمُسه وَلِلرَّسُولِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ , فَيَقْسِمهَا عَلَى خَمْسَة تَكُون أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ شَهِدَهَا , ثُمَّ يَأْخُذ الْخُمُس , فَيَضْرِب بِيَدِهِ فِيهِ , فَيَأْخُذ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفّه فَيَجْعَلهُ لِلْكَعْبَةِ , وَهُوَ سَهْم اللَّه , ثُمَّ يَقْسِم مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم ; فَيَكُون سَهْم لِلرَّسُولِ . وَسَهْم لِذِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ يُجَاء بِالْغَنِيمَةِ فَتُوضَع , فَيَقْسِمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَة أَسْهُم , فَيَجْعَل أَرْبَعَة بَيْن النَّاس وَيَأْخُذ سَهْمًا , ثُمَّ يَضْرِب بِيَدِهِ فِي جَمِيع ذَلِكَ السَّهْم , فَمَا قَبَضَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْء جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ , فَهُوَ الَّذِي سَمَّى لِلَّهِ , وَيَقُول : | لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا فَإِنَّ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة | , ثُمَّ يَقْسِم بَقِيَّته عَلَى خَمْسَة أَسْهُم : سَهْم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَهْم لِذَوِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَا سُمِّيَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مُرَاد بِهِ قَرَابَته , وَلَيْسَ لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12496 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَع ; فَرُبُع لِلَّهِ وَالرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى - يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَالرَّسُول فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ الْخُمُس شَيْئًا , وَالرُّبُع الثَّانِي لِلْيَتَامَى , وَالرُّبُع الثَّالِث لِلْمَسَاكِينِ , وَالرُّبُع الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } اِفْتِتَاح كَلَام ; وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الْخُمُس غَيْر جَائِز قَسْمه عَلَى سِتَّة أَسْهُم , وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَهْم كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون خُمُس الْغَنِيمَة مَقْسُومًا عَلَى سِتَّة أَسْهُم . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي قَسْمه عَلَى خَمْسَة فَمَا دُونهَا , فَأَمَّا عَلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَا نَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , وَفِي إِجْمَاع مَنْ ذَكَرْت الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا . فَأَمَّا مَنْ قَالَ : سَهْم الرَّسُول لِذَوِي الْقُرْبَى , فَقَدْ أَوْجَبَ لِلرَّسُولِ سَهْمًا ; وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَفَهُ إِلَى ذَوِي قَرَابَته , فَلَمْ يَخْرُج مِنْ أَنْ يَكُون الْقَسْم كَانَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم . وَقَدْ : 12497 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } الْآيَة , قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ غَنِيمَة جُعِلَتْ أَخْمَاسًا , فَكَانَ خُمُس لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَيُقْسَم الْمُسْلِمُونَ مَا بَقِيَ . وَكَانَ الْخُمُس الَّذِي جُعِلَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَلِلْمَسَاكِينِ وَابْن السَّبِيل , فَكَانَ هَذَا الْخُمُس خَمْسَة أَخْمَاس : خُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى . وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ . وَخُمُس لِابْنِ السَّبِيل . )12498 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار . قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , قَالَ : (سَأَلْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : هُوَ خُمُس الْخُمُس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , وَجَرِير عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . 12499 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُسه لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُسه لِلْيَتَامَى , وَخُمُسه لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . )وَأَمَّا قَوْله : { وَلِذِي الْقُرْبَى } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12500 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَانَ آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل بَيْته لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس , )12501 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا عَبْد السَّلَام , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِي بَنِي هَاشِم الْفُقَرَاء , فَجُعِلَ لَهُمْ الْخُمُس مَكَان الصَّدَقَة . )12502 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان , قَالَ : ثَنَا الصَّبَّاح بْن يَحْيَى الْمُزَنِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن الدَّيْلِمِيّ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الشَّام : (أَمَا قَرَأْت فِي الْأَنْفَال : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } الْآيَة ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . )* - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هَؤُلَاءِ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة . )12503 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ نَجْدَة كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى , فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا : تَزْعُم أَنَّا نَحْنُ هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا . )12504 - قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ قُرَيْش كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12505 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن نَافِع , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , قَالَ : (كَتَبَ نَجْدَة إِلَى اِبْن عَبَّاس يَسْأَلهُ عَنْ ذِي الْقُرْبَى , قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : قَدْ كُنَّا نَقُول إِنَّا هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا , وَقَالُوا : قُرَيْش كُلّهَا ذَوُو قُرْبَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ صَارَ مَنْ بَعْده لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12506 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِبَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب خَاصَّة . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ , وَكَانَتْ عِلَّته فِي ذَلِكَ مَا : 12507 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم , قَالَ : (لَمَّا قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْم ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَر عَلَى بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه , هَؤُلَاءِ إِخْوَتك بَنُو هَاشِم لَا نُنْكِر فَضْلهمْ لِمَكَانِك الَّذِي جَعَلَك اللَّه بِهِ مِنْهُمْ , أَرَأَيْت إِخْوَاننَا بَنِي الْمُطَّلِب أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا , وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة ؟ فَقَالَ : | إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام , إِنَّمَا بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب شَيْء وَاحِد | . ثُمَّ شَبَّكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , قَوْل مَنْ قَالَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِب , لِأَنَّ حَلِيف الْقَوْم مِنْهُمْ , وَلِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ , أَعْنِي سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : يُصْرَفَانِ فِي مَعُونَة الْإِسْلَام وَأَهْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12508 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (جُعِلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا وَلِذِي الْقُرْبَى , فَجُعِلَ هَذَانِ السَّهْمَانِ فِي الْخَيْل وَالسِّلَاح , وَجُعِلَ سَهْم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل لَا يُعْطَى غَيْرهمْ . )12509 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : (سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم الْقَرَابَة لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَة ; وَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْل وَالْعِدَّة فِي سَبِيل اللَّه , فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا 12510 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , فَذَكَرَ نَحْوه . 12511 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (كَانَ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يَجْعَلَانِ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح , فَقُلْت لِإِبْرَاهِيم : مَا كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول فِيهِ ؟ قَالَ : كَانَ عَلِيّ أَشَدّهمْ فِيهِ . )12512 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين } الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَكَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , أَرْبَعَة بَيْن مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَعَة : لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُس شَيْئًا . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَدَّ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَصِيب الْقَرَابَة فِي الْمُسْلِمِينَ , فَجَعَلَ يَحْمِل بِهِ فِي سَبِيل اللَّه , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : | لَا نُورَث , مَا تَرَكْنَا صَدَقَة . )12513 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْر وَعُمَر فِي سَبِيل اللَّه صَدَقَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَلِيّ أَمْر الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12514 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ عِمْرَان بْن ظَبْيَان , عَنْ حَكِيم بْن سَعْد , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : (يُعْطَى كُلّ إِنْسَان نَصِيبه مِنْ الْخُمُس , وَيَلِي الْإِمَام سَهْم اللَّه وَرَسُوله . )12515 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . )وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى ثَلَاثَة أَسْهُم : عَلَى الْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِرَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : الْخُمُس كُلّه لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12516 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْغَفَّار , قَالَ : ثنا الْمِنْهَال بْن عَمْرو , قَالَ : (سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ الْخُمُس , فَقَالَا : هُوَ لَنَا . فَقُلْت لِعَلِيٍّ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَقَالَ : يَتَامَانَا وَمَسَاكِيننَا . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِلْقَرَابَةِ سَهْم , وَلِلْيَتَامَى سَهْم , وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْم , وَلِابْنِ السَّبِيل سَهْم ; لِأَنَّ اللَّه أَوْجَبَ الْخُمُس لِأَقْوَامٍ مَوْصُوفِينَ بِصِفَاتٍ , كَمَا أَوْجَبَ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس الْآخَرِينَ . وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ حَقّ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَكَذَلِكَ حَقّ أَهْل الْخَمْس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَخْرُج عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ , كَمَا غَيْر جَائِز أَنْ تَخْرُج بَعْض السُّهْمَان الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لِمَنْ سَمَّاهُ فِي كِتَابه بِفَقْدِ بَعْض مَنْ يَسْتَحِقّهُ إِلَى غَيْر أَهْل السُّهْمَان الْأُخَر . وَأَمَّا الْيَتَامَى : فَهُمْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ هَلَكَ آبَاؤُهُمْ . وَالْمَسَاكِين : هُمْ أَهْل الْفَاقَة وَالْحَاجَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَابْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز سَفَرًا قَدْ اِنْقَطَعَ بِهِ . كَمَا : 12517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْخُمُس الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل , وَهُوَ الضَّيْف الْفَقِير الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ .)|إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيْقِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَمَقْسُوم الْقَسْم الَّذِي بَيَّنْته , وَصَدِّقُوا بِهِ إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ , فَأَبَانَ فَلَجَ الْمُؤْمِنِينَ وَظُهُورهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ , وَذَلِكَ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ . جَمْع الْمُؤْمِنِينَ , وَجَمْع الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12518 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم الْفُرْقَان } يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . )12519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12520 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَإِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه فِي قَوْله : ( { يَوْم الْفُرْقَان } يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَهُوَ يَوْم بَدْر , وَهُوَ أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ رَأْس الْمُشْرِكِينَ عُتْبَة بْن رَبِيعَة . فَالْتَفُّوا يَوْم الْجُمْعَة لِتَسْعَ عَشْرَة لَيْلَة مَضَتْ مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَأَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مِائَة وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا , وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْن الْأَلْف وَالتِّسْع مِائَة , فَهَزَمَ اللَّه يَوْمئِذٍ الْمُشْرِكِينَ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَة عَلَى سَبْعِينَ , وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْل ذَلِكَ . )12521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مِقْسَم : ( { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم , فِي قَوْله : ( { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . )12522 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَوْم بَدْر , وَبَدْر بَيْن الْمَدِينَة وَمَكَّة . )12523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنِي يَحْيَى بْن يَعْقُوب أَبُو طَالِب , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب , قَالَ : قَالَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : (كَانَتْ لَيْلَة الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ لِسَبْع عَشْرَة مِنْ شَهْر رَمَضَان . )12524 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن كَثِير : يَوْم بَدْر . )12525 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } أَيْ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ ; أَيْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ . )12526 - بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان } وَذَاكُمْ يَوْم بَدْر , يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل .)|وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|وَاَللَّه عَلَى إِهْلَاك أَهْل الْكُفْر وَإِذْلَالهمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء قَدِير لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيْقِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ قَسْم الْغَنِيمَة عَلَى مَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى عَبْده يَوْم بَدْر , إِذْ فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل مِنْ نَصْر رَسُوله , { إِذْ أَنْتُمْ } حِينَئِذٍ { بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } يَقُول : بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَدْنَى إِلَى الْمَدِينَة , { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } يَقُول : وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نُزُول بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَقْصَى إِلَى مَكَّة , { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } يَقُول : وَالْعِير فِيهِ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه فِي مَوْضِع أَسْفَل مِنْكُمْ إِلَى سَاحِل الْبَحْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12527 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } قَالَ : شَفِير الْوَادِي الْأَدْنَى وَهِيَ بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَقْصَى . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } قَالَ : أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه أَسْفَل مِنْهُمْ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } وَهُمَا شَفِيرَا الْوَادِي , كَانَ نَبِيّ اللَّه أَعْلَى الْوَادِي وَالْمُشْرِكُونَ بِأَسْفَلِهِ . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } يَعْنِي أَبَا سُفْيَان , اِنْحَدَرَ بِالْعِيرِ عَلَى حَوْزَته حَتَّى قَدِمَ بِهَا مَكَّة . )12528 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إِلَى مَكَّة . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } أَيْ عِير أَبِي سُفْيَان الَّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْر مِيعَاد مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ . )12529 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } قَالَ : أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مُقْبِلُونَ مِنْ الشَّام تُجَّارًا , لَمْ يَشْعُرُوا بِأَصْحَابِ بَدْر , وَلَمْ يَشْعُر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفَّارِ قُرَيْش وَلَا كُفَّار قُرَيْش بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابه , حَتَّى اِلْتَقَيَا عَلَى مَاء بَدْر مَنْ يَسْقِي لَهُمْ كُلّهمْ , فَاقْتَتَلُوا , فَغَلَبَهُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَسَرُوهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 12530 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ذِكْر مَنَازِل الْقَوْم وَالْعِير , فَقَالَ : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } وَالرَّكْب : هُوَ أَبُو سُفْيَان وَعِيره , أَسْفَل مِنْكُمْ عَلَى شَاطِئ الْبَحْر . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : { بِالْعُدْوَةِ } بِضَمِّ الْعَيْن , وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : | بِالْعِدْوَةِ | بِكَسْرِ الْعَيْن . وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , يُنْشَد بَيْت الرَّاعِي : <br>وَعَيْنَانِ حُمْر مَآقِيهمَا .......... كَمَا نَظَرَ الْعِدْوَة الْجُؤْذَر <br>بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ الْعِدْوَة , وَكَذَلِكَ يُنْشَد بَيْت أَوْس بْن حَجَر : <br>وَفَارِس لَوْ تَحُلّ الْخَيْل عِدْوَته .......... وَلَّوْا سِرَاعًا وَمَا هَمُّوا بِإِقْبَالِ<br>|وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } </subtitle>يَعْنِى تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ كَانَ اِجْتِمَاعكُمْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي اِجْتَمَعْتُمْ فِيهِ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ , لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد لِكَثْرَةِ عَدَد عَدُوّكُمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَكُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا . وَذَلِكَ الْقَضَاء مِنْ اللَّه كَانَ نَصْره أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَهَلَاك أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ بِبَدْرٍ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر ; كَمَا : 12531 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد } وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمَّ بَلَغَكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ . { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ اللَّه مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إِعْزَاز الْإِسْلَام وَأَهْله , وَإِذْلَال الشِّرْك وَأَهْله , عَنْ غَيْر بَلَاء مِنْكُمْ ; فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ . )12532 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يَقُول فِي غَزْوَة بَدْر : (إِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِير قُرَيْش , حَتَّى جَمَعَ اللَّه بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد . )12533 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : (أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان فِي الرَّكْب مِنْ الشَّام , وَخَرَجَ أَبُو جَهْل لِيَمْنَعهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ , وَلَا يَشْعُر هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ , حَتَّى اِلْتَقَتْ السُّقَاة , قَالَ : وَنَهَدَ النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ .)|لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْل تَعَالَى : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهُمْ هُنَالِكَ لِيَقْضِيَ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا , { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } . وَهَذِهِ اللَّام فِي قَوْله : { لِيَهْلِك } مُكَرَّرَة عَلَى اللَّام فِي قَوْله : { لِيَقْضِيَ } كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنْ لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة , جَمَعَكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِيَمُوتَ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقه عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ , وَقَطَعَتْ عُذْره , وَعِبْرَة قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا . { وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } يَقُول : وَلْيَعِشْ مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ وَظَهَرَتْ لِعَيْنِهِ , فَعَلِمَهَا جَمَعْنَا بَيْنكُمْ وَبَيْن عَدُوّكُمْ هُنَالِكَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 12534 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر , وَيُؤْمِن مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْل ذَلِكَ .)|وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنَّ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَسَمِيع لِقَوْلِكُمْ وَقَوْل غَيْركُمْ حِين يُرِي اللَّه نَبِيّه فِي مَنَامه , وَيُرِيكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَهُمْ كَثِير , وَيَرَاكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنهمْ قَلِيلًا , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ نُفُوسكُمْ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , حِينَئِذٍ وَفِي كُلّ حَال . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ وَلِعِبَادِهِ : وَاتَّقُوا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي مَنْطِقكُمْ أَنْ تَنْطِقُوا بِغَيْرِ حَقّ , وَفِي قُلُوبكُمْ أَنْ تَعْتَقِدُوا فِيهَا غَيْر الرُّشْد , فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة مِنْ ظَاهِر أَوْ بَاطِن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكهمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه يَا مُحَمَّد سَمِيع لِمَا يَقُول أَصْحَابك , عَلِيم بِمَا يُضْمِرُونَهُ , إِذْ يُرِيك اللَّه عَدُوّك وَعَدُوّهُمْ { فِي مَنَامك قَلِيلًا } يَقُول : يُرِيكَهُمْ فِي نَوْمك قَلِيلًا فَتُخْبِرهُمْ بِذَلِكَ , حَتَّى قَوِيَتْ قُلُوبهمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَى حَرْب عَدُوّهُمْ . وَلَوْ أَرَاك رَبّك عَدُوّك وَعَدُوّهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلَ أَصْحَابك , فَجَبُنُوا وَخَافُوا , وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى حَرْب الْقَوْم , وَلَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ ; وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَرَاك فِي مَنَامك مِنْ الرُّؤْيَا , إِنَّهُ عَلِيم بِمَا تُخْفِيه الصُّدُور , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا تُضْمِرهُ الْقُلُوب . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } أَيْ فِي عَيْنك الَّتِي تَنَام بِهَا , فَصَيَّرَ الْمَنَام هُوَ الْعَيْن , كَأَنَّهُ أَرَادَ : إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي عَيْنك قَلِيلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12535 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } قَالَ : أَرَاهُ اللَّه إِيَّاهُمْ فِي مَنَامه قَلِيلًا , فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بِذَلِكَ , فَكَانَ تَثْبِيتًا لَهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - وَقَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12536 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } الْآيَة ; فَكَانَ أَوَّل مَا أَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ نِعْمَة مِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ , شَجَّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهُمْ , وَكَفَاهُمْ بِهَا مَا تَخَوَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفهمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَرَهُمْ حَتَّى أَظْهَرهُمْ عَلَى عَدُوّهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } يَقُول : سَلَّمَ اللَّه لَهُمْ أَمْرهمْ حَتَّى أَظْهَرَهُمْ عَلَى عَدُوّهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ أَمْره فِيهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } قَالَ : سَلَّمَ أَمْره فِيهِمْ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ اللَّه سَلَّمَ الْقَوْم بِمَا أَرَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامه مِنْ الْفَشَل وَالتَّنَازُع , حَتَّى قَوِيَتْ قُلُوبهمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَى حَرْب عَدُوّهُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } عَقِيب قَوْله : { وَلَوْ أَرَاكهمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْخَبَرِ عَنْهُ , أَنَّهُ سَلَّمَهُمْ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا كَانَ مَخُوفًا مِنْهُ لَوْ لَمْ يُرِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِلَّة الْقَوْم فِي مَنَامه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلكُمْ فِي أَعْيُنهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم إِذْ يُرِي اللَّه نَبِيّه فِي مَنَامه الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا , وَإِذْ يُرِيهِمْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ إِذْ لَقُوهُمْ فِي أَعْيُنهمْ قَلِيلًا , وَهُمْ كَثِير عَدَدهمْ , وَيُقَلِّل الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنهمْ , لِيَتْرُكُوا الِاسْتِعْدَاد لَهُمْ فَيَهُون عَلَى الْمُؤْمِنِينَ شَوْكَتهمْ . كَمَا : 12539 - حَدَّثَنِي اِبْن بَزِيع الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : (لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُننَا يَوْم بَدْر حَتَّى قُلْت لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي : تُرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ أُرَاهُمْ مِائَة . قَالَ : فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ , فَقُلْنَا : كَمْ هُمْ ؟ . قَالَ : كُنَّا أَلْفًا . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه بِنَحْوِهِ . 12540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا } قَالَ اِبْن مَسْعُود : قُلِّلُوا فِي أَعْيُننَا حَتَّى قُلْت لِرَجُلٍ : أَتُرَاهُمْ يَكُونُونَ مِائَة ؟ )12541 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (قَالَ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ : إِنَّ الْعِير قَدْ اِنْصَرَفَتْ فَارْجِعُوا ! فَقَالَ أَبُو جَهْل : الْآن إِذْ بَرَزَ لَكُمْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ؟ فَلَا تَرْجِعُوا حَتَّى تَسْتَأْصِلُوهُمْ ! وَقَالَ : يَا قَوْم لَا تَقْتُلُوهُمْ بِالسِّلَاحِ , وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا , فَارْبِطُوهُمْ بِالْحِبَالِ ! يَقُولهُ مِنْ الْقُدْرَة فِي نَفْسه .)|لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا|وَقَوْله : { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَلَّلْتُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَعْيُن الْمُشْرِكِينَ وَأَرَيْتُكُمُوهُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّه بَيْنكُمْ مَا قَضَى مِنْ قِتَال بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَإِظْهَاركُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالظَّفَر بِهِمْ , لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى , وَذَلِكَ أَمْر كَانَ اللَّه فَاعِله وَبَالِغًا فِيهِ أَمْره . كَمَا : 12542 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلِّف بَيْنهمْ عَلَى الْحَرْب لِلنِّقْمَةِ مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ وَالْإِنْعَام عَلَى مَنْ أَرَادَ إِتْمَام النِّعْمَة عَلَيْهِ مِنْ أَهْل وِلَايَته .)|وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ|يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَصِير الْأُمُور كُلّهَا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , فَيُجَازِي أَهْلهَا عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } </subtitle>وَهَذَا تَعْرِيف مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْل الْإِيمَان بِهِ السِّيرَة فِي حَرْب أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَالْأَفْعَال الَّتِي تُرْجَى لَهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا عِنْد لِقَائِهِمْ النُّصْرَة عَلَيْهِمْ وَالظَّفَر بِهِمْ , ثُمَّ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا , صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله إِذَا لَقِيتُمْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ لِلْحَرْبِ وَالْقِتَال , فَاثْبُتُوا لِقِتَالِهِمْ وَلَا تَنْهَزِمُوا عَنْهُمْ وَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَار هَارِبِينَ , إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة مِنْكُمْ . { وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا } يَقُول : وَادْعُوا اللَّه بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ وَالظَّفَر بِهِمْ , وَأَشْعِرُوا قُلُوبكُمْ وَأَلْسِنَتكُمْ ذِكْره . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : كَيْمَا تَنْجَحُوا فَتَظْفَرُوا بِعَدُوِّكُمْ , وَيَرْزُقكُمْ اللَّه النَّصْر وَالظَّفَر عَلَيْهِمْ . كَمَا : 12543 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } اِفْتَرَضَ اللَّه ذِكْره عِنْد أَشْغَل مَا تَكُونُونَ عِنْد الضِّرَاب بِالسُّيُوفِ . )12544 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة } يُقَاتِلُونَكُمْ فِي سَبِيل اللَّه , { فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا } اُذْكُرُوا اللَّه الَّذِي بَذَلْتُمْ لَهُ أَنْفُسكُمْ وَالْوَفَاء بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتكُمْ , { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : أَطِيعُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَبّكُمْ وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَا تُخَالِفُوهُمَا فِي شَيْء . { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } يَقُول : وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَفَرَّقُوا وَتَخْتَلِف قُلُوبكُمْ فَتَفْشَلُوا , يَقُول : فَتَضْعُفُوا وَتَجْبُنُوا , { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } وَهَذَا مَثَل , يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَا يُحِبّهُ وَيُسَرّ بِهِ : الرِّيح مُقْبِلَة عَلَيْهِ , يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يُحِبّهُ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : <br>كَمَا حَمَيْنَاك يَوْم النَّعْف مِنْ شَطِب .......... وَالْفَضْل لِلْقَوْمِ مِنْ رِيح وَمِنْ عَدَدِ <br>يَعْنِي مِنْ الْبَأْس وَالْكَثْرَة . وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَتَذْهَب قُوَّتكُمْ وَبَأْسكُمْ فَتَضْعُفُوا , وَيَدْخُلكُمْ الْوَهَن وَالْخَلَل . { وَاصْبِرُوا } يَقُول : اِصْبِرُوا مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد لِقَاء عَدُوّكُمْ , وَلَا تَنْهَزِمُوا عَنْهُ وَتَتْرُكُوهُ . { إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يَقُول : اِصْبِرُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12545 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : نَصْركُمْ . قَالَ : وَذَهَبَتْ رِيح أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَازَعُوهُ يَوْم أُحُد . )* - حَدَّثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : رِيح أَصْحَاب مُحَمَّد حِين تَرَكُوهُ يَوْم أُحُد . 12546 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : حَرْبكُمْ وَجَدّكُمْ . )12547 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : رِيح الْحَرْب . )12548 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : الرِّيح : النَّصْر . لَمْ يَكُنْ نَصْر قَطُّ إِلَّا بِرِيحٍ يَبْعَثهَا اللَّه تَضْرِب وُجُوه الْعَدُوّ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِوَام . )12549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرَّق أَمْركُمْ . { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } فَيَذْهَب جَدّكُمْ . { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } أَيْ إِنِّي مَعَكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ . )12550 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } قَالَ : الْفَشَل : الضَّعْف عَنْ جِهَاد عَدُوّهُ وَالِانْكِسَار لَهُمْ , فَذَلِكَ الْفَشَل .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } </subtitle>وَهَذَا تَقَدُّم مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ لَا يَعْمَلُوا عَمَلًا إِلَّا لِلَّهِ خَاصَّة وَطَلَب مَا عِنْده لَا رِئَاء النَّاس كَمَا فَعَلَ الْقَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي مَسِيرهمْ إِلَى بَدْر طَلَب رِئَاء النَّاس ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أُخْبِرُوا بِفَوْتِ الْعِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَقِيلَ لَهُمْ : اِنْصَرِفُوا فَقَدْ سَلِمَتْ الْعِير الَّتِي جِئْتُمْ لِنُصْرَتِهَا , فَأَبَوْا وَقَالُوا : نَأْتِي بَدْرًا فَنَشْرَب بِهَا الْخَمْر وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان وَتَتَحَدَّث بِنَا الْعَرَب لِمَكَانَتِنَا فِيهَا . فَسُقُوا مَكَان الْخَمْر كُؤُوس الْمَنَايَا . كَمَا : 12551 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة قَالَ : (كَانَتْ قُرَيْش قَبْل أَنْ يَلْقَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر قَدْ جَاءَهُمْ رَاكِب مِنْ أَبِي سُفْيَان وَالرَّكْب الَّذِينَ مَعَهُ : إِنَّا قَدْ أَجَزْنَا الْقَوْم فَارْجِعُوا ! فَجَاءَ الرَّكْب الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أَبُو سُفْيَان الَّذِينَ يَأْمُرُونَ قُرَيْشًا بِالرَّجْعَةِ بِالْجُحْفَةِ , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَا نَرْجِع حَتَّى نَنْزِل بَدْرًا فَنُقِيم فِيهِ ثَلَاث لَيَالٍ وَيَرَانَا مَنْ غَشِينَا مِنْ أَهْل الْحِجَاز , فَإِنَّهُ لَنْ يَرَانَا أَحَد مِنْ الْعَرَب وَمَا جَمَعْنَا فَيُقَاتِلنَا ! وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } وَالْتَقَوْا هُمْ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَتَحَ اللَّه عَلَى رَسُوله وَأَخْزَى أَئِمَّة الْكُفْر , وَشَفَى صُدُور الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ . )12552 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق فِي حَدِيث ذَكَرَهُ , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم وَعَاصِم بْن عَمْرو , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَيَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْره مِنْ عُلَمَائِنَا , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَان أَنَّهُ أَحْرَزَ عِيره , أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْش أَنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيركُمْ وَرِجَالكُمْ وَأَمْوَالكُمْ , فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّه فَارْجِعُوا ! فَقَالَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام : وَاَللَّه لَا نَرْجِع حَتَّى نَرِد بَدْرًا - وَكَانَ بَدْر مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِم الْعَرَب , يَجْتَمِع لَهُمْ بِهَا سُوق كُلّ عَام - فَنُقِيم عَلَيْهِ ثَلَاثًا , وَنَنْحَر الْجُزُر , وَنُطْعِم الطَّعَام , وَنَسْقِي الْخُمُور , وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان , وَتَسْمَع بِنَا الْعَرَب , فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا ; فَامْضُوا ! )12553 - قَالَ اِبْن حُمَيْد ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْل وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِع حَتَّى نَأْتِي بَدْرًا وَنَنْحَر بِهَا الْجُزُر وَنَسْقِي بِهَا الْخَمْر وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان وَتَسْمَع بِنَا الْعَرَب فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا ; أَيْ لَا يَكُونَن أَمْركُمْ رِيَاء وَلَا سُمْعَة وَلَا اِلْتِمَاس مَا عِنْد النَّاس , وَأَخْلِصُوا لِلَّهِ النِّيَّة وَالْحِسْبَة فِي نَصْر دِينكُمْ , وَمُؤَازَرَة نَبِيّكُمْ , أَيْ لَا تَعْمَلُوا إِلَّا لِلَّهِ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْره . )12554 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل ; وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : أَصْحَاب بَدْر . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : أَبُو جَهْل وَأَصْحَابه يَوْم بَدْر . )12555 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : (هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش , وَذَلِكَ خُرُوجهمْ إِلَى بَدْر . )12556 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِي قَاتَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر . )12557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : هُمْ قُرَيْش وَأَبُو جَهْل وَأَصْحَابه الَّذِينَ خَرَجُوا يَوْم بَدْر . )12558 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } قَالَ : كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْش الَّذِينَ قَاتَلُوا نَبِيّ اللَّه يَوْم بَدْر خَرَجُوا وَلَهُمْ بَغْي وَفَخْر , وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ : اِرْجِعُوا فَقَدْ اِنْطَلَقَتْ عِيركُمْ وَقَدْ ظَفَرْتُمْ ! قَالُوا : لَا وَاَللَّه حَتَّى يَتَحَدَّث أَهْل الْحِجَاز بِمَسِيرِنَا وَعَدَدنَا . )قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ يَوْمئِذٍ : ( اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا أَقْبَلَتْ بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا لِتُحَادّك وَرَسُولك . )12559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَطْعَمُونَ عَلَى الْمِيَاه , فَقَالَ : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } . )12560 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ خَرَجُوا إِلَى بَدْر أَشَرًا وَبَطَرًا . )12561 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : (لَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْش مِنْ مَكَّة إِلَى بَدْر , خَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدُّفُوف , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } . )فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَلَا تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي الْعَمَل بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَة وَتَرْك إِخْلَاص الْعَمَل لِلَّهِ وَاحْتِسَاب الْأَجْر فِيهِ , كَالْجَيْشِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلهمْ بَطَرًا وَمُرَاءَاة النَّاس بِزِيِّهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَكَثْرَة عَدَدهمْ وَشِدَّة بِطَانَتهمْ .|وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ|يَقُول : وَيَمْنَعُونَ النَّاس مِنْ دِين اللَّه وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام بِقِتَالِهِمْ إِيَّاهُمْ وَتَعْذِيبهمْ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ ,|وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ|وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ الرِّيَاء وَالصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالهمْ مُحِيط , يَقُول : عَالِم بِجَمِيعِ ذَلِكَ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا لَهُ مُتَجَلِّيَة , لَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهَا شَيْء , فَهُوَ لَهُمْ بِهَا مُعَاقِب وَعَلَيْهَا مُعَذِّب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } وَحِين زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ . وَكَانَ تَزْيِينه ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا : 12562 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (جَاءَ إِبْلِيس يَوْم بَدْر فِي جُنْد مِنْ الشَّيَاطِين مَعَهُ رَأَيْته فِي صُورَة رَجُل مِنْ بَنِي مُدْلِج فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم , فَقَالَ الشَّيْطَان لِلْمُشْرِكِينَ : لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ ! فَلَمَّا اِصْطَفَّ النَّاس , أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب , فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوه الْمُشْرِكِينَ , فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَأَقْبَلَ جِبْرِيل إِلَى إِبْلِيس , فَلَمَّا رَآهُ , وَكَانَتْ يَده فِي يَد رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , اِنْتَزَعَ إِبْلِيس يَده , فَوَلَّى مُدْبِرًا هُوَ وَشِيعَته , فَقَالَ الرَّجُل : يَا سُرَاقَة تَزْعُم أَنَّك لَنَا جَار ؟ قَالَ : { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } وَذَلِكَ حِين رَأَى الْمَلَائِكَة . )12563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (أَتَى الْمُشْرِكِينَ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم الْكِنَانِيّ الشَّاعِر ثُمَّ الْمُدْلِجِيّ , فَجَاءَ عَلَى فَرَس فَقَالَ لِلْمُشْرِكِينَ : { لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس } فَقَالُوا : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا جَاركُمْ سُرَاقَة , وَهَؤُلَاءِ كِنَانَة قَدْ أَتَوْكُمْ . )12564 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , ثني يَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْش الْمَسِير ذَكَرَتْ الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْن بَنِي بَكْر - يَعْنِي مِنْ الْحَرْب - فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُثَبِّطهُمْ , فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن جُعْشُم الْمُدْلِجِيّ , وَكَانَ مِنْ أَشْرَاف بَنِي كِنَانَة , فَقَالَ : أَنَا جَار لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيكُمْ كِنَانَة بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ ! فَخَرَجُوا سِرَاعًا . )12565 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , فِي قَوْله : ( { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ } فَذَكَرَ اِسْتِدْرَاج إِبْلِيس إِيَّاهُمْ وَتَشَبُّهه بِسُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم حِين ذَكَرُوا مَا بَيْنهمْ وَبَيْن بَنِي بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنَانَة مِنْ الْحَرْب الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ . يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } وَنَظَرَ عَدُوّ اللَّه إِلَى جُنُود اللَّه مِنْ الْمَلَائِكَة قَدْ أَيَّدَ اللَّه بِهِمْ رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهُمْ , { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } وَصَدَقَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ رَأَى مَا لَا يَرَوْنَ . وَقَالَ : { إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } , فَأَوْرَدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ . قَالَ : فَذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِل فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم لَا يُنْكِرُونَهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم بَدْر وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ , كَانَ الَّذِي رَآهُ حِين نَكَصَ الْحَارِث بْن هِشَام أَوْ عُمَيْر بْن وَهْب الْجُمَحِيّ , فَذَكَرَ أَحَدهمَا فَقَالَ : أَيْنَ سُرَاقَة ؟ أَسْلَمَنَا عَدُوّ اللَّه وَذَهَبَ . )12566 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } إِلَى قَوْله : { شَدِيد الْعِقَاب } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيل تَنْزِل مَعَهُ الْمَلَائِكَة , فَزَعَمَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ بِالْمَلَائِكَةِ , وَقَالَ : إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ , إِنِّي أَخَاف اللَّه . وَكَذَبَ وَاَللَّه عَدُوّ اللَّه , مَا بِهِ مَخَافَة اللَّه , وَلَكِنْ عَلِمَ أَنْ لَا قُوَّة لَهُ وَلَا مَنَعَة لَهُ , وَتِلْكَ عَادَة عَدُوّ اللَّه لِمَنْ أَطَاعَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ , حَتَّى إِذَا اِلْتَقَى الْحَقّ وَالْبَاطِل أَسْلَمَهُمْ شَرّ مَسْلَم وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ . )12567 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } الْآيَة , قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , سَارَ إِبْلِيس بِرَايَتِهِ وَجُنُوده مَعَ الْمُشْرِكِينَ , وَأَلْقَى فِي قُلُوب الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَغْلِبكُمْ وَإِنِّي جَار لَكُمْ . فَلَمَّا اِلْتَقَوْا وَنَظَرَ الشَّيْطَان إِلَى أَمْدَاد الْمَلَائِكَة نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ , قَالَ : رَجَعَ مُدْبِرًا وَقَالَ : { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } الْآيَة . )12568 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز بْن الْمَاجِشُون , قَالَ : ثنا مَالِك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة , عَنْ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه بْن كُرَيْز : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا رُئِيَ إِبْلِيس يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَحْقَر وَلَا أَدْحَر وَلَا أَغْيَظ مِنْ يَوْم عَرَفَة , وَذَلِكَ مِمَّا يَرَى مِنْ تَنْزِيل الرَّحْمَة وَالْعَفْو عَنْ الذُّنُوب , إِلَّا مَا رَأَى يَوْم بَدْر | . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه : وَمَا رَأَى يَوْم بَدْر ؟ قَالَ : | أَمَا إِنَّهُ رَأَى جِبْرِيل يَزَع الْمَلَائِكَة . )12569 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } قَالَ : رَأَى جِبْرِيل مُعْتَجِرًا بِبُرْدٍ يَمْشِي بَيْن يَدَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي يَده اللِّجَام , مَا رَكَبَ . )12570 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : (وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } الْآيَة , قَالَ : سَارَ إِبْلِيس مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بِرَايَتِهِ وَجُنُوده , وَأَلْقَى فِي قُلُوب الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَغْلِبكُمْ وَأَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ عَلَى دِين آبَائِكُمْ , وَلَنْ تُغْلَبُوا كَثْرَة . فَلَمَّا اِلْتَقَوْا نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ , يَقُول : رَجَعَ مُدْبِرًا , وَقَالَ : إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ , إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ . يَعْنِي الْمَلَائِكَة . )12571 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : (لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْش عَلَى السَّيْر , قَالُوا : إِنَّمَا نَتَخَوَّف مِنْ بَنِي بَكْر . فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم : أَنَا جَار لَكُمْ مِنْ بَنِي بَكْر , وَلَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم فِي هَذِهِ الْأَحْوَال وَحِين زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان خُرُوجهمْ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِحَرْبِكُمْ وَقِتَالكُمْ , وَحَسَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ , وَحَثَّهُمْ عَلَيْكُمْ وَقَالَ لَهُمْ : لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ بَنِي آدَم , فَاطْمَئِنُّوا وَأَبْشِرُوا , وَإِنِّي جَار لَكُمْ مِنْ كِنَانَة أَنْ تَأْتِيكُمْ مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُغِيركُمْ أُجِيركُمْ وَأَمْنَعكُمْ مِنْهُمْ , وَلَا تَخَافُوهُمْ , وَاجْعَلُوا جَدّكُمْ وَبَأْسكُمْ عَلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه . { فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } يَقُول : فَلَمَّا تَزَاحَفَتْ جُنُود اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنُود الشَّيْطَان مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَنَظَرَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض ; { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ } يَقُول : رَجَعَ الْقَهْقَرَى عَلَى قَفَاهُ هَارِبًا , يُقَال مِنْهُ : نَكَصَ يَنْكُص وَيَنْكِص نُكُوصًا , وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : <br>هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيك الْبَيْض إِذْ لَحِقُوا .......... لَا يَنْكُصُونَ إِذَا مَا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا <br>وَقَالَ لِلْمُشْرِكِينَ { إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } يَعْنِي : أَنَّهُ يَرَى الْمَلَائِكَة الَّذِينَ بَعَثَهُمْ اللَّه مَدَدًا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَالْمُشْرِكُونَ لَا يَرَوْنَهُمْ { إِنِّي أَخَاف } عِقَاب { اللَّه } وَكَذَبَ عَدُوّ اللَّه ! { وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم فِي هَذِهِ الْأَحْوَال , وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ . وَكَرَّ بِقَوْلِهِ : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ } عَلَى قَوْله : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } { وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَعْنِي : شَكّ فِي الْإِسْلَام لَمْ يَصِحّ يَقِينهمْ , وَلَمْ تُشْرَح بِالْإِيمَانِ صُدُورهمْ . { غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } يَقُول : غَرَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْفُسهمْ دِينهمْ , وَذَلِكَ الْإِسْلَام . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْل كَانُوا نَفَرًا مِمَّنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش وَلَمْ يَسْتَحِكُمْ الْإِسْلَام فِي قُلُوبهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12572 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل مَكَّة تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ , فَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : { غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } . )* - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , مِثْله . 12573 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : فِئَة مِنْ قُرَيْش : قَيْس بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَأَبُو قَيْس بْن الْفَاكِه بْن الْمُغِيرَة , وَالْحَارِث بْن زَمْعَة بْن الْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب , وَعَلِيّ بْن أُمَيَّة بْن خَلَف , وَالْعَاص بْن مُنَبِّه بْن الْحَجَّاج ; خَرَجُوا مَعَ قُرَيْش مِنْ مَكَّة وَهُمْ عَلَى الِارْتِيَاب فَحَبَسَهُمْ اِرْتِيَابهمْ , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى مَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ وَكَثْرَة عَدُوّهُمْ ! )12574 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : هُمْ قَوْم لَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَال يَوْم بَدْر , فَسُمُّوا مُنَافِقِينَ . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْم كَانُوا أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَكَّة , فَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ ! )12575 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } قَالَ : رَأَوْا عِصَابَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَشَدَّدَتْ لِأَمْرِ اللَّه . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا جَهْل عَدُوّ اللَّه لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالَ : وَاَللَّه لَا يُعْبَد اللَّه بَعْد الْيَوْم ! قَسْوَة وَعُتُوًّا . )12576 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : نَاس كَانُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّة , قَالُوهُ يَوْم بَدْر , وَهُمْ يَوْمئِذٍ ثَلَاث مِائَة وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا . )12577 - قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : لَمَّا دَنَا الْقَوْم بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , فَقَلَّلَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُن الْمُشْرِكِينَ , وَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُن الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ ! وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ مِنْ قِلَّتهمْ فِي أَعْيُنهمْ , وَظَنُّوا أَنَّهُمْ سَيَهْزِمُونَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه : { وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فَإِنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } .)|وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَمَنْ يُسْلِم أَمْره إِلَى اللَّه وَيَثِق بِهِ وَيَرْضَ بِقَضَائِهِ , فَإِنَّ اللَّه حَافِظه وَنَاصِره ; لِأَنَّهُ عَزِيز لَا يَغْلِبهُ شَيْء وَلَا يَقْهَرهُ أَحَد , فَجَاره مَنِيع وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَيْهِ يَكْفِهِ . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَغَيْرهمْ أَنْ يُفَوِّضُوا أَمْرهمْ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا لِقَضَائِهِ , كَيْمَا يَكْفِيهِمْ أَعْدَاءَهُمْ , وَلَا يَسْتَذِلّهُمْ مَنْ نَاوَأَهُمْ , لِأَنَّهُ عَزِيز غَيْر مَغْلُوب , فَجَاره غَيْر مَقْهُور . { حَكِيم } يَقُول : هُوَ فِيمَا يُدَبِّر مِنْ أَمْر خَلْقه , حَكِيم لَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ وَذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ تُعَايِن يَا مُحَمَّد حِين يَتَوَفَّى الْمَلَائِكَة أَرْوَاح الْكُفَّار فَتَنْزِعهَا مِنْ أَجْسَادهمْ , تَضْرِب الْوُجُوه مِنْهُمْ وَالْأَسْتَاه , وَيَقُولُونَ لَهُمْ : ذُوقُوا عَذَاب النَّار الَّتِي تُحْرِقكُمْ يَوْم وُرُودكُمْ جَهَنَّم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12578 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : يَوْم بَدْر . )12579 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَسْلَم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد ( { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : وَأَسْتَاههمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : وَأَسْتَاههمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يَكُنِّي . )12580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : إِنَّ اللَّه كَنَّى , وَلَوْ شَاءَ لَقَالَ : أَسْتَاههمْ , وَإِنَّمَا عُنِيَ بِأَدْبَارِهِمْ : أَسْتَاههمْ . )12581 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أَسْتَاههمْ يَوْم بَدْر . )قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (إِذَا أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَبُوا وُجُوههمْ بِالسُّيُوفِ , وَإِذَا وَلَّوْا أَدْرَكَتْهُمْ الْمَلَائِكَة فَضَرَبُوا أَدْبَارهمْ . )12582 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت بِظَهْرِ أَبِي جَهْل مِثْل الشِّرَاك , فَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : | ضَرْب الْمَلَائِكَة . )12583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي حَمَلْت عَلَى رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَذَهَبْت لِأَضْرِبهُ , فَنَدَرَ رَأْسه . فَقَالَ : | سَبَقَك إِلَيْهِ الْمَلَك . )12584 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي حَرْمَلَة , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر مَوْلَى غَفْرَة يَقُول : (إِذَا سَمِعْت اللَّه يَقُول : { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } فَإِنَّمَا يُرِيد أَسْتَاههمْ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره , وَهُوَ قَوْله : وَيَقُولُونَ ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق ; حُذِفَتْ | يَقُولُونَ | , كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [32 21 ]بِمَعْنَى : يَقُولُونَ رَبّنَا أَبْصَرْنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيلَ الْمَلَائِكَة لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهُمْ وَهُمْ يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ : ذُوقُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي يُحْرِقكُمْ , هَذَا الْعَذَاب لَكُمْ { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أَيْ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ الْآثَام وَالْأَوْزَار وَاجْتَرَحْتُمْ مِنْ مَعَاصِي اللَّه أَيَّام حَيَاتكُمْ , فَذُوقُوا الْيَوْم الْعَذَاب وَفِي مَعَادكُمْ عَذَاب الْحَرِيق ; وَذَلِكَ لَكُمْ بِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ , لَا يُعَاقِب أَحَدًا مِنْ خَلْقه إِلَّا بِجُرْمٍ اِجْتَرَمَهُ , وَلَا يُعَذِّبهُ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ , لِأَنَّ الظُّلْم لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْهُ . وَفِي فَتْح | أَنَّ | مِنْ قَوْله : { وَأَنَّ اللَّه } وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : أَحَدهمَا النَّصْب , وَهُوَ لِلْعَطْفِ عَلَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا قَدَّمَتْ } بِمَعْنَى : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ , وَبِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فِي قَوْل بَعْضهمْ , وَالْخَفْض فِي قَوْل بَعْض . وَالْآخَر : الرَّفْع عَلَى { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فِعْل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ كَعَادَةِ قَوْم فِرْعَوْن وَصَنِيعهمْ وَفِعْلهمْ , وَفِعْل مَنْ كَذَّبَ بِحُجَجِ اللَّه وَرُسُله مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة قَبْلهمْ , فَفَعَلْنَا بِهِمْ كَفِعْلِنَا بِأُولَئِكَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الدَّأْب : هُوَ الشَّأْن وَالْعَادَة , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 12585 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر وَمُجَاهِد وَعَطَاء : ( { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } كَفِعْلِ آل فِرْعَوْن , كَسَنَنِ آل فِرْعَوْن .)|كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ|يَقُول : فَعَاقَبَهُمْ اللَّه بِتَكْذِيبِهِمْ حُجَجه وَرُسُله وَمَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ , كَمَا عَاقَبَ أَشْكَالهمْ وَالْأُمَم الَّذِينَ قَبْلهمْ .|إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ| { إِنَّ اللَّه قَوِيّ } لَا يَغْلِبهُ غَالِب وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , يُنْفِذ أَمْره وَيُمْضِي قَضَاءَهُ فِي خَلْقه , شَدِيد عِقَابه لِمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ وَجَحَدَ حُجَجه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَخَذْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش بِبَدْرٍ بِذُنُوبِهِمْ وَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ , بِأَنَّهُمْ غَيَّرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهِ مِنْ اِبْتِعَاثه رَسُوله مِنْهُمْ وَبَيْن أَظْهُرهمْ , بِإِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ بَيْنهمْ وَتَكْذِيبهمْ لَهُ وَحَرْبهمْ إِيَّاهُ ; فَغَيَّرْنَا نِعْمَتنَا عَلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُمْ , كَفِعْلِنَا ذَلِكَ فِي الْمَاضِينَ قَبْلهمْ مِمَّنْ طَغَى عَلَيْنَا وَعَصَى أَمَرْنَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12586 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } يَقُول : نِعْمَة اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْعَمَ بِهِ عَلَى قُرَيْش وَكَفَرُوا , فَنَقَلَهُ إِلَى الْأَنْصَار .)|وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ|يَقُول : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كَلَام خَلْقه , يَسْمَع كَلَام كُلّ نَاطِق مِنْهُمْ بِخَيْرٍ نَطَقَ أَوْ بِشَرٍّ , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ صُدُورهمْ , وَهُوَ مُجَازِيهمْ وَمُثِيبهمْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : غَيْر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْمَقْتُولُونَ بِبَدْرٍ , نِعْمَة رَبّهمْ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ , بِابْتِعَاثِهِ مُحَمَّدًا مِنْهُمْ وَبَيْن أَظْهُرهمْ , دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الْهُدَى , بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَحَرْبهمْ لَهُ . { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } كَسُنَّةِ آل فِرْعَوْن وَعَادَتهمْ , وَفِعْلهمْ بِمُوسَى نَبِيّ اللَّه فِي تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ , وَتَصَدِّيهمْ لِحَرْبِهِ وَعَادَة مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا وَصَنِيعهمْ .|فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ| { فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } بَعْضًا بِالرَّجْفَةِ , وَبَعْضًا بِالْخَسْفِ , وَبَعْضًا بِالرِّيحِ .|وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ|فِي الْيَمّ .|وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ|يَقُول : كُلّ هَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا كَانُوا فَاعِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله مِنْ تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَالْجُحُود لِآيَاتِهِ , فَكَذَلِكَ أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِبَدْرٍ , إِذْ غَيَّرُوا نِعْمَة اللَّه عِنْدهمْ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ , وَأَذْلَلْنَا بَعْضهمْ بِالْإِسَارِ وَالسَّبَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَرّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْض عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ فَجَحَدُوا وَحْدَانِيّته , وَعَبَدُوا غَيْره .|فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ|يَقُول : فَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ رُسُل اللَّه وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا , الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد , يَقُول : أَخَذْت عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ أَنْ لَا يُحَارِبُوك وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْك مُحَارِبًا لَك كَقُرَيْظَة وَنُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ كَانَ بَيْنك وَبَيْنهمْ عَهْد وَعَقْد , ثُمَّ يَنْقُضُونَ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ , كُلَّمَا عَاهَدُوا دَافَعُوك وَحَارَبُوك وَظَاهَرُوا عَلَيْك , وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ اللَّه وَلَا يَخَافُونَ فِي فِعْلهمْ ذَلِكَ أَنْ يُوقِع بِهِمْ وَقْعَة تَجْتَاحهُمْ وَتُهْلِكهُمْ . كَاَلَّذِي : 12587 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ } قَالَ : قُرَيْظَة مَالَئُوا عَلَى مُحَمَّد يَوْم الْخَنْدَق أَعْدَاءَهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِمَّا تَلْقَيَن فِي الْحَرْب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتهمْ فَنَقَضُوا عَهْدك مَرَّة بَعْد مَرَّة مِنْ قُرَيْظَة فَتَأْسِرهُمْ , { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : فَافْعَلْ بِهِمْ فِعْلًا يَكُون مُشَرِّدًا مَنْ خَلْفهمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ بَيْنك وَبَيْنه عَهْد وَعَقْد . وَالتَّشْرِيد : التَّطْرِيد وَالتَّبْدِيد وَالتَّفْرِيق . وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَل بِالنَّاقِضِ الْعَهْد بَيْنه وَبَيْنهمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فِعْلًا يَكُون إِخَافَة لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِمَّنْ كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنه عَهْد , حَتَّى لَا يَجْتَرِئُوا عَلَى مِثْل الَّذِي اِجْتَرَأَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ نَقْضِ الْعَهْد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَعْنِي : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدهمْ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ . )12589 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : عِظْ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاس . )12590 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ الْعَدُوّ , لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أَنْ يَنْكُثُوا فَيُصْنَع بِهِمْ مِثْل ذَلِكَ . )12591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَنْذِرْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ . )12592 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ مِنْ بَعْدهمْ . )قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : (نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ . )12593 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أَيْ نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ . )12594 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : ( { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدهمْ . )12595 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَخِفْهُمْ بِمَا تَصْنَع بِهَؤُلَاءِ وَقَرَأَ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } [8 60 ].)|لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : كَيْ يَتَّعِظُوا بِمَا فَعَلْت بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ , فَيَحْذَرُوا نَقْض الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَيْنهمْ , خَوْف أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مِنْك مَا نَزَلَ بِهَؤُلَاءِ إِذَا هُمْ نَقَضُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِمَّا تَخَافَن يَا مُحَمَّد مِنْ عَدُوّ لَك بَيْنك وَبَيْنه عَهْد وَعَقْد أَنْ يَنْكُث عَهْده وَيَنْقُض عَقْده وَيَغْدِر بِك , وَذَلِكَ هُوَ الْخِيَانَة وَالْغَدْر . { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } يَقُول : فَنَاجِزْهُمْ بِالْحَرْبِ , وَأَعْلِمْهُمْ قَبْل حَرْبك إِيَّاهُمْ أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْعَهْد بَيْنك وَبَيْنهمْ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ظُهُور آثَار الْغَدْر وَالْخِيَانَة مِنْهُمْ ; حَتَّى تَصِير أَنْتَ وَهُمْ عَلَى سَوَاء فِي الْعِلْم بِأَنَّك لَهُمْ مُحَارِب , فَيَأْخُذُوا لِلْحَرْبِ آلَتهَا , وَتَبْرَأ مِنْ الْغَدْر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز نَقْض الْعَهْد بِخَوْفِ الْخِيَانَة وَالْخَوْف ظَنّ لَا يَقِين ؟ قِيلَ : إِنَّ الْأَمْر بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : إِذَا ظَهَرَتْ آثَار الْخِيَانَة مِنْ عَدُوّك وَخِفْت وُقُوعهمْ بِك , فَأَلْقِ إِلَيْهِمْ مَقَالِيد السِّلْم وَآذِنهمْ بِالْحَرْبِ . وَذَلِكَ كَاَلَّذِي كَانَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَة , إِذْ أَجَابُوا أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُظَاهَرَتهمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَارَبَتهمْ مَعَهُ بَعْد الْعَهْد الَّذِي كَانُوا عَاهَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَالَمَة , وَلَنْ يُقَاتِلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكَانَتْ إِجَابَتهمْ إِيَّاهُ إِلَى ذَلِكَ مُوجِبًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْف الْغَدْر بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ مِنْهُمْ , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ قَوْم أَهْل مُوَادَعَة لِلْمُؤْمِنِينَ ظَهَرَ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مِنْ دَلَائِل الْغَدْر مِثْل الَّذِي ظَهَرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْظَة مِنْهَا , فَحَقّ عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء وَيُؤْذِنهُمْ بِالْحَرْبِ . وَمَعْنَى قَوْله : { عَلَى سَوَاء } أَيْ حَتَّى يَسْتَوِي عِلْمك وَعِلْمهمْ بِأَنَّ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ حَرْب لِصَاحِبِهِ لَا سِلْم . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة فِي قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12596 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } قَالَ قُرَيْظَة . )وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : السَّوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمَهَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12597 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : (إِنَّهُ مِمَّا تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ قَوْله : { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } أَنَّهُ عَلَى مَهْل . كَمَا حَدَّثَنَا بُكَيْر عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان فِي قَوْل اللَّه : { بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر } [9 1 : 2 ]. )وَأَمَّا أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب , فَإِنَّهُمْ فِي مَعْنَاهُ مُخْتَلِفُونَ , فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : مَعْنَاهُ : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى عَدْل ; يَعْنِي حَتَّى يَعْتَدِل عِلْمك وَعِلْمهمْ بِمَا عَلَيْهِ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ مِنْ الْمُحَارَبَة . وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِز : <br>وَاضْرِبْ وُجُوه الْغُدَّر الْأَعْدَاء .......... حَتَّى يُجِيبُوك إِلَى السَّوَاء <br>يَعْنِي إِلَى الْعَدْل . وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : مَعْنَاهُ الْوَسَط , مِنْ قَوْل حَسَّان : <br>يَا وَيْح أَنْصَار الرَّسُول وَرَهْطه .......... بَعْد الْمُغَيَّب فِي سَوَاء الْمُلْحِد <br>بِمَعْنَى فِي وَسَط اللَّحْد . وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَة , لِأَنَّ الْعَدْل وَسَط لَا يَعْلُو فَوْق الْحَقّ وَلَا يَقْصُر عَنْهُ , وَكَذَلِكَ الْوَسَط عَدْل , وَاسْتِوَاء الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا عَلَيْهِ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بَعْض الْمُهَادَنَة عَدْل مِنْ الْفِعْل وَوَسَط . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ الْوَلِيد بْن مُسْلِم مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمَهْل , فَمَا لَا أَعْلَم لَهُ وَجْهًا فِي كَلَام الْعَرَب .|إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ|الْغَادِرِينَ بِمَنْ كَانَ مِنْهُ فِي أَمَان وَعَهْد بَيْنه وَبَيْنه أَنْ يَغْدِر بِهِ , فَيُحَارِبهُ قَبْل إِعْلَامه إِيَّاهُ أَنَّهُ لَهُ حَرْب وَأَنَّهُ قَدْ فَاسَخَهُ الْعَقْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : | وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ | بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ | إِنَّهُمْ | - وَبِالتَّاءِ فِي | تَحْسَبَن | , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُونَا فَفَاتُونَا بِأَنْفُسِهِمْ . ثُمَّ اُبْتُدِئَ الْخَبَر عَنْ قُدْرَة اللَّه عَلَيْهِمْ , فَقِيلَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة لَا يُعْجِزُونَ رَبّهمْ إِذَا طَلَبَهُمْ وَأَرَادَ تَعْذِيبهمْ وَإِهْلَاكهمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَيَفُوتُوهُ بِهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا } بِالْيَاءِ فِي | يَحْسَبَن | , وَكَسْر الْأَلِف مِنْ - | إِنَّهُمْ | - , وَهِيَ قِرَاءَة غَيْر حَمِيدَة لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا خُرُوجهمَا مِنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء وَشُذُوذهَا عَنْهَا , وَالْآخَر بُعْدهَا مِنْ فَصِيح كَلَام الْعَرَب ; وَذَلِكَ أَنَّ | يَحْسَب | يُطْلَب فِي كَلَام الْعَرَب مَنْصُوبًا وَخَبَره , كَقَوْلِهِ : عَبْد اللَّه يَحْسَب أَخَاك قَائِمًا وَيَقُوم وَقَامَ , فَقَارِئ هَذِهِ الْقِرَاءَة أَصْحَبَ | يَحْسَب | خَبَرًا لِغَيْرِ مُخْبَر عَنْهُ مَذْكُور , وَإِنَّمَا كَانَ مُرَاد : ظَنِّي وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَنَا , فَلَمْ يُفَكِّر فِي صَوَاب مَخْرَج الْكَلَام وَسَقَمه , وَاسْتَعْمَلَ فِي قِرَاءَته ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَفْهُوم الْكَلَام . وَأَحْسَب أَنَّ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَار بِقِرَاءَةِ عَبْد اللَّه , وَذَلِكَ أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : | وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ | وَهَذَا فَصِيح صَحِيح إِذَا أَدْخَلْت أَنَّهُمْ فِي الْكَلَام , لِأَنَّ | يَحْسَبَن | عَامِلَة فِي | أَنَّهُمْ | , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام | أَنَّهُمْ | كَانَتْ خَالِيَة مِنْ اِسْم تَعْمَل فِيهِ . وَلِلَّذِي قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَّاء وَجْهَانِ فِي كَلَام الْعَرَب وَإِنْ كَانَا بِعِيدَيْنِ مِنْ فَصِيح كَلَامهمْ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهِ : وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ سَبَقُوا , أَوْ أَنَّهُمْ سَبَقُوا , ثُمَّ حُذِفَ | أَنْ | و | أَنَّهُمْ | , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْ آيَاته يُرِيكُمْ الْبَرْق خَوْفًا وَطَمَعًا } [30 24 ]بِمَعْنَى : أَنْ يُرِيكُمْ . وَقَدْ يُنْشَد فِي نَحْو ذَلِكَ بَيْت لِذِي الرِّمَّة : <br>أَظَنَّ اِبْن طُرْثُوث عُيَيْنَة .......... ذَاهِبًا بِعَادِيَّتِي تَكْذَابه وَجَعَائِله <br>بِمَعْنَى : أَظُنّ اِبْن طُرْثُوث أَنْ يَذْهَب بِعَادِيَّتِي تَكْذَابه وَجَعَائِله . وَكَذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ , يُوَجَّه | سَبَقُوا | إِلَى | سَابِقِينَ | عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَالْوَجْه الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِضْمَار مَنْصُوب ثنا | يَحْسَب | , كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا يَحْسَب الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا , ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْز وَأَضْمَرَ . وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضهمْ مَعْنَى قَوْله : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } [3 175 ]إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف الْمُؤْمِن مِنْ أَوْلِيَائِهِ , وَأَنَّ ذِكْر الْمُؤْمِن مُضْمَر فِي قَوْله : | يُخَوِّف | , إِذْ كَانَ الشَّيْطَان عِنْده لَا يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الشَّام : | وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا | بِالتَّاءِ مِنْ | تَحْسَبَن | | سَبَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ | بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ | أَنَّهُمْ | , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ . وَلَا وَجْه لِهَذِهِ الْقِرَاءَة يُعْقَل إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ الْقَارِئ بِ | لَا | الَّتِي فِي يُعْجِزُونَ | لَا | الَّتِي تَدْخُل فِي الْكَلَام حَشْوًا وَصِلَة . فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ . وَلَا وَجْه لِتَوْجِيهِ حَرْف فِي كِتَاب اللَّه إِلَى التَّطْوِيل بِغَيْرِ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا وَلَهُ فِي الصِّحَّة مَخْرَج . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : | لَا تَحْسَبَن | بِالتَّاءِ | الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ | بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ | إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ | بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن أَنْتَ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ جَحَدُوا حُجَج اللَّه وَكَذَّبُوا بِهَا سَبَقُونَا بِأَنْفُسِهِمْ , فَفَاتُونَا , إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَنَا : أَيْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْهَرَب مِنَّا . كَمَا : 12598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ } يَقُول : لَا يَفُوتُونَ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعِدُّوا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ الَّذِينَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَهْد , إِذَا خِفْتُمْ خِيَانَتهمْ وَغَدْرهمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله { مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } يَقُول : مَا أَطَقْتُمْ أَنْ تَعُدُّوهُ لَهُمْ مِنْ الْآلَات الَّتِي تَكُون قُوَّة لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ السِّلَاح وَالْخَيْل . { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } يَقُول : تُخِيفُونَ بِإِعْدَادِكُمْ ذَلِكَ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12599 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل مِنْ جُهَيْنَة يَرْفَع الْحَدِيث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } | أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة , أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة . )12600 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , وَعَبْد الْكَرِيم بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي عَلِيّ الْهَمْدَانِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَة بْن عَامِر عَلَى الْمِنْبَر يَقُول : (قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } أَلَا وَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى الْمِنْبَر | قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } | أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي | ثَلَاثًا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَحْبُوب وَجَعْفَر بْن عَوْن وَوَكِيع وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو نُعَيْم , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر : ( { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } فَقَالَ : | أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي , أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي | ثَلَاث مَرَّات . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْله : ( { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } | أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي . )12601 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ شُعْبَة بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } قَالَ : الْحُصُون . { وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } قَالَ : الْإِنَاث . )12602 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , عَنْ رَجَاء بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : (لَقِيَ رَجُل مُجَاهِدًا بِمَكَّة , وَمَعَ مُجَاهِد جُوَالِق , قَالَ : فَقَالَ مُجَاهِد : هَذَا مِنْ الْقُوَّة ! وَمُجَاهِد يَتَجَهَّز لِلْغَزْوِ . )12603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } مِنْ سِلَاح .)|تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ اِبْن وَكِيع : 12604 - حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة الثَّقَفِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان , عَنْ مُجَاهِد . عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . وَكَذَا كَانَ يَقْرَأ بِهَا تُرْهِبُونَ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة وَخُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { تُرْهِبُونَ بِهِ } تُخْزُونَ بِهِ . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . يُقَال مِنْهُ : أَرْهَبْت الْعَدُوّ وَرَهَّبْته , فَأَنَا أُرْهِبهُ وَأُرَهِّبهُ إِرْهَابًا وَتَرْهِيبًا , وَهُوَ الرَّهَب وَالرُّهْب , وَمِنْهُ قَوْل طُفَيْل الْغَنَوِيّ : <br>وَيْل أُمّ حَيّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورهمْ .......... بَنِي كِلَاب غَدَاة الرُّعْب وَالرَّهَب<br>|وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ وَمَا هُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ بَنُو قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12605 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } يَعْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } قَالَ : قُرَيْظَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ فَارِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } هَؤُلَاءِ أَهْل فَارِس . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ كُلّ عَدُوّ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْر الَّذِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَرَّد بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ . قَالُوا : وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12607 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : ( { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَخِفْهُمْ بِهِمْ لِمَا تَصْنَع بِهَؤُلَاءِ . وَقَرَأَ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } . )12608 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَا تَعْلَمُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَعَكُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيَغْزُونَ مَعَكُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم مِنْ الْجِنّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِعْدَادِ الْجِهَاد وَآلَة الْحَرْب وَمَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ السِّلَاح وَالرَّمْي وَغَيْر ذَلِكَ وَرِبَاط الْخَيْل . وَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : عُنِيَ بِالْقُوَّةِ مَعْنًى دُون مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْقُوَّة , وَقَدْ عَمَّ اللَّه الْأَمْر بِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَاد بِهِ الْخُصُوص بِقَوْلِهِ : | أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي | . قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهَا الرَّمْي خَاصَّة دُون سَائِر مَعَانِي الْقُوَّة عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ الرَّمْي أَحَد مَعَانِي الْقُوَّة , لِأَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ فِي الْخَبَر : | أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي | وَلَمْ يَقُلْ دُون غَيْرهَا . وَمِنْ الْقُوَّة أَيْضًا السَّيْف وَالرُّمْح وَالْحَرْبَة , وَكُلّ مَا كَانَ مَعُونَة عَلَى قِتَال الْمُشْرِكِينَ , كَمَعُونَةِ الرَّمْي أَوْ أَبْلِغْ مِنْ الرَّمْي فِيهِمْ وَفِي النِّكَايَة مِنْهُمْ , هَذَا مَعَ وَهْي سَنَد الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ } فَإِنَّ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الْجِنّ , أَقْرَب وَأَشْبَه بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَدْخَلَ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } الْأَمْر بِارْتِبَاطِ الْخَيْل لِإِرْهَابِ كُلّ عَدُوّ لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَهُمْ , وَلَا شَكّ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَالِمِينَ بِعَدَاوَةِ قُرَيْظَة وَفَارِس لَهُمْ , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَأَنَّهُمْ لَهُمْ حَرْب , وَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَال : وَهُمْ يَعْلَمُونَهُمْ لَهُمْ أَعْدَاء , وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ ; وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ شَاءَ اللَّه تُرْهِبُونَ بِارْتِبَاطِكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْخَيْل عَدُوّ اللَّه وَأَعْدَاءَكُمْ مِنْ بَنِي آدَم الَّذِينَ قَدْ عَلِمْتُمْ عَدَاوَتهمْ لَكُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتُرْهِبُونَ بِذَلِكَ جِنْسًا آخَر مِنْ غَيْر بَنِي آدَم لَا تَعْلَمُونَ أَمَاكِنهمْ وَأَحْوَالهمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ دُونكُمْ , لِأَنَّ بَنِي آدَم لَا يَرَوْنَهُمْ . وَقِيلَ : إِنَّ صَهِيل الْخَيْل يُرْهِب الْجِنّ , وَإِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب دَارًا فِيهَا فَرَس . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ , فَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ ؟ قِيلَ : فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُنْ تَرُوعهُمْ خَيْل الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِلَاحهمْ , وَإِنَّمَا كَانَ يَرُوعهُمْ أَنْ يَظْهَر الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَرَائِرهمْ الَّتِي كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ مِنْ الْكُفْر , وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِإِعْدَادِ الْقُوَّة لِإِرْهَابِ الْعَدُوّ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرْهِبهُ ذَلِكَ فَغَيْر دَاخِل فِي مَعْنَى مَنْ أُمِرَ بِإِعْدَادِ ذَلِكَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ , وَقِيلَ : | لَا تَعْلَمُونَهُمْ | , فَاكْتُفِيَ لِلْعِلْمِ بِمَنْصُوبٍ وَاحِد فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّهُ أُرِيدَ لَا تَعْرِفُونَهُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمنِي وَوَهْبًا .......... وَأَنَّا سَوْفَ يَلْقَاهُ كِلَانَا<br>|وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ نَفَقَة فِي شِرَاء آلَة حَرْب مِنْ سِلَاح أَوْ حِرَاب أَوْ كُرَاع أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَات فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْلِفهُ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَيَدَّخِر لَكُمْ أُجُوركُمْ عَلَى ذَلِكَ عِنْده , حَتَّى يُوَفِّيكُمُوهَا يَوْم الْقِيَامَة . { وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } يَقُول : يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ رَبّكُمْ فَلَا يُضِيع أُجُوركُمْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12609 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يُضِيع لَكُمْ عِنْد اللَّه أَجْره فِي الْآخِرَة وَعَاجِل خَلَفه فِي الدُّنْيَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة وَغَدْرًا , فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء وَآذِنهمْ بِالْحَرْبِ . { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } وَإِنْ مَالُوا إِلَى مُسَالَمَتك وَمُتَارَكَتك الْحَرْب , إِمَّا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام , وَإِمَّا بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَة , وَإِمَّا بِمُوَادَعَةٍ , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب السَّلْم وَالصُّلْح ; { فَاجْنَحْ لَهَا } يَقُول : فَمِلْ إِلَيْهَا , وَابْذُلْ لَهُمْ مَا مَالُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَسَأَلُوكُهُ . يُقَال مِنْهُ : جَنَحَ الرَّجُل إِلَى كَذَا يَجْنُح إِلَيْهِ جُنُوحًا , وَهِيَ لِتَمِيمٍ وَقَيْس فِيمَا ذُكِرَ عَنْهَا , تَقُول : يَجْنُح بِضَمِّ النُّون . وَآخَرُونَ : يَقُولُونَ : يَجْنِح بِكَسْرِ النُّون , وَذَلِكَ إِذَا مَالَ , وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : <br>جَوَانِح قَدْ أَيْقَنَ أَنَّ قَبِيله .......... إِذَا مَا اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ أَوَّل غَالِب <br>جَوَانِح : مَوَائِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12610 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَإِذَا جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } قَالَ : لِلصُّلْحِ . وَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } [9 5 ]. )12611 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } إِلَى الصُّلْح { فَاجْنَحْ لَهَا } قَالَ : وَكَانَتْ هَذِهِ قَبْل بَرَاءَة , كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَادِع الْقَوْم إِلَى أَجَل , فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ يُقَاتَلُوا , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْد فِي بَرَاءَة فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } [9 5 ]وَقَالَ : { قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } [9 36 ]وَنَبَذَ إِلَى كُلّ ذِي عَهْد عَهْده , وَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُسْلِمُوا , وَأَنْ لَا يَقْبَل مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ , وَكُلّ عَهْد كَانَ فِي هَذِهِ السُّورَة وَفِي غَيْرهَا , وَكُلّ صُلْح يُصَالِح بِهِ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ يَتَوَادَعُونَ بِهِ فَإِنَّ بَرَاءَة جَاءَتْ . تَنْسَخ ذَلِكَ , فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ عَلَى كُلّ حَال حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )12612 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } نَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة قَوْله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } إِلَى قَوْله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } [9 29 ]. )12613 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } يَقُول : وَإِنْ أَرَادُوا الصُّلْح فَأَرِدهُ . )12614 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إِنْ دَعَوْك إِلَى السَّلْم إِلَى الْإِسْلَام , فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ . )12615 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } قَالَ : فَصَالِحْهُمْ . قَالَ : وَهَذَا قَدْ نَسَخَهُ الْجِهَاد . )فَأَمَّا مَا قَالَهُ قَتَادَة وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , فَقَوْل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا فِطْرَة عَقْل . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَغَيْره عَلَى أَنَّ النَّاسِخ لَا يَكُون إِلَّا مَا نَفَى حُكْم الْمَنْسُوخ مِنْ كُلّ وَجْه , فَأَمَّا مَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَغَيْر كَائِن نَاسِخًا . وَقَوْل اللَّه فِي بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } [9 5 ]غَيْر نَافٍ حُكْمه حُكْم قَوْله . { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } لِأَنَّ قَوْله : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ بَنُو قُرَيْظَة , وَكَانُوا يَهُودًا أَهْل كِتَاب , وَقَدْ أَذِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِصُلْحِ أَهْل الْكِتَاب وَمُتَارَكَتهمْ الْحَرْب عَلَى أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } [9 5 ]فَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَب مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ لَا يَجُوز قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُمْ , فَلَيْسَ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ نَفْي حُكْم الْأُخْرَى , بَلْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُحْكَمَة فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ . 12616 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } قَالَ : قُرَيْظَة .)|وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } يَقُول : فَوِّضْ إِلَى اللَّه يَا مُحَمَّد أَمْرك , وَاسْتَكْفِهِ وَاثِقًا بِهِ أَنَّهُ يَكْفِيك . كَاَلَّذِي : 12617 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } إِنَّ اللَّه كَافِيك .)|إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ|وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه الَّذِي تَتَوَكَّل عَلَيْهِ سَمِيع لِمَا تَقُول أَنْتَ , وَمَنْ تُسَالِمهُ وَتُتَارِكهُ الْحَرْب مِنْ أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِك عِنْد عَقْد السَّلْم بَيْنك وَبَيْنه , وَيَشْرُط كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ عَلَى صَاحِبه مِنْ الشُّرُوط , وَالْعَلِيم بِمَا يُضْمِرهُ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ لِلْفَرِيقِ الْآخَر مِنْ الْوَفَاء بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ , وَمَنْ الْمُضْمِر ذَلِكَ مِنْكُمْ فِي قَلْبه وَالْمُنْطَوِي عَلَى خِلَافه لِصَاحِبِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك فَإِنَّ حَسْبك اللَّه هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يُرِدْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك بِأَنْ تَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء , إِنْ خِفْت مِنْهُمْ خِيَانَة , وَبِمُسَالَمَتِهِمْ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ خِدَاعك وَالْمَكْر بِك ; { فَإِنَّ حَسْبك اللَّه } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه كَافِيكَهُمْ وَكَافِيك خِدَاعهمْ إِيَّاكَ , لِأَنَّهُ مُتَكَفِّل بِإِظْهَارِ دِينك عَلَى الْأَدْيَان وَمُتَضَمِّن أَنْ يَجْعَل كَلِمَته الْعُلْيَا وَكَلِمَة أَعْدَائِهِ السُّفْلَى . { هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ } يَقُول : اللَّه الَّذِي قَوَّاك بِنَصْرِهِ إِيَّاكَ عَلَى أَعْدَائِهِ , { وَبِالْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي بِالْأَنْصَارِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12618 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك } قَالَ : قُرَيْظَة . )12619 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوك فَإِنَّ حَسْبك اللَّه } هُوَ مِنْ وَرَاء ذَلِكَ . )12620 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { هُوَ الَّذِي أَيَّدَك بِنَصْرِهِ } قَالَ : بِالْأَنْصَارِ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ } </subtitle>يُرِيد جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } وَجَمَعَ بَيْن قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد التَّفَرُّق وَالتَّشَتُّت عَلَى دِينه الْحَقّ , فَصَيَّرَهُمْ بِهِ جَمِيعًا بَعْد أَنْ كَانُوا أَشْتَاتًا , وَإِخْوَانًا بَعْد أَنْ كَانُوا أَعْدَاء . وَقَوْله : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنْفَقْت يَا مُحَمَّد مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْ ذَهَب وَوَرِق وَعَرَض , مَا جَمَعْت أَنْتَ بَيْن قُلُوبهمْ بِحِيَلِك , وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهَا عَلَى الْهُدَى , فَائْتَلَفَتْ وَاجْتَمَعَتْ تَقْوِيَة مِنْ اللَّه لَك و تَأْيِيدًا مِنْهُ وَمَعُونَة عَلَى عَدُوّك . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَسَبَّبَهُ لَك حَتَّى صَارُوا لَك أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا وَيَدًا وَاحِدَة عَلَى مَنْ بَغَاك سُوءًا هُوَ الَّذِي إِنْ رَامَ عَدُوّ مِنْك مَرَامًا يَكْفِيك كَيْده وَيَنْصُرك عَلَيْهِ , فَثِقْ بِهِ وَامْضِ لِأَمْرِهِ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12621 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار أَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ مِنْ بَعْد حَرْب فِيمَا كَانَ بَيْنهمْ . )12622 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ بَشِير بْن ثَابِت رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } يَعْنِي الْأَنْصَار . )12623 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ } عَلَى الْهُدَى الَّذِي بَعَثَك بِهِ إِلَيْهِمْ . { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ } بِدِينِهِ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ , يَعْنِي الْأَوْس وَالْخَزْرَج . )12624 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ الْوَلِيد بْن أَبِي مُغِيث , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا غُفِرَ لَهُمَا . قَالَ : قُلْت لِمُجَاهِدٍ : بِمُصَافَحَةٍ يُغْفَر لَهُمَا ؟ فَقَالَ مُجَاهِد : أَمَا سَمِعْته يَقُول : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } ؟ فَقَالَ الْوَلِيد لِمُجَاهِدٍ : أَنْتَ أَعْلَم مِنِّي . )12625 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثني الْوَلِيد , عَنْ أَبِي عَمْرو , قَالَ : ثني عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة , عَنْ مُجَاهِد , وَلَقِيته وَأَخَذَ بِيَدِي , فَقَالَ : (إِذَا تَرَاءَى الْمُتَحَابَّانِ فِي اللَّه فَأَخَذَ أَحَدهمَا بِيَدِ صَاحِبه وَضَحِكَ إِلَيْهِ , تَحَاتَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتّ وَرَق الشَّجَر . قَالَ عَبْدَة : فَقُلْت لَهُ : إِنَّ هَذَا لَيَسِير ! قَالَ : لَا تَقُلْ ذَلِكَ , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } . قَالَ عَبْدَة : فَعَرَفْت أَنَّهُ أَفْقَه مِنِّي . )12626 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن غَزْوَان , قَالَ : (أَتَيْت أَبَا إِسْحَاق , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقُلْت : أَتَعْرِفُنِي ؟ فَقَالَ فُضَيْل : نَعَمْ لَوْلَا الْحَيَاء مِنْك لَقَبَّلْتُك . )12627 - حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّه : { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } . )12628 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : (كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَوَّل مَا يُرْفَع مِنْ النَّاس - أَوْ قَالَ عَنْ النَّاس - الْأُلْفَة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب بْن سُوَيْد , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : ثَنِي عَبْدَة بْن أَبَى لُبَابَة , عَنْ مُجَاهِد , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْد الْكَرِيم , عَنْ الْوَلِيد . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة وَابْن نُمَيْر وَحَفْص بْن غِيَاث , عَنْ فُضَيْل بْن غَزْوَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول : ( { لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ } الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّه .)|إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ|يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي أَلَّفَ بَيْن قُلُوب الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد تَشَتُّت كَلِمَتهمَا وَتَعَادِيهمَا وَجَعَلَهُمْ لَك أَنْصَارًا ; عَزِيز لَا يَقْهَرهُ شَيْء وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , وَلَكِنَّهُ يَنْفُذ فِي خَلْقه حُكْمه . يَقُول : فَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلْ , وَبِهِ فَثِقْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِير خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه , وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : نَاهِضُوا عَدُوّكُمْ , فَإِنَّ اللَّه كَافِيكُمْ أَمْرهمْ , وَلَا يَهُولَنكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُؤَيِّدكُمْ بِنَصْرِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12629 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب بْن مُعَاذ , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن حَكِيم الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ مَعَك . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ سُفْيَان , عَنْ شَوْذَب , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ شَهِدَ مَعَك . )12630 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ حَسْبك أَنْتَ وَهُمْ اللَّه . )ف | مَنْ | قَوْله : { وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّعْبِيّ نُصِبَ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى الْكَاف فِي قَوْله : { حَسْبك اللَّه } لَا عَلَى لَفْظه , لِأَنَّهَا فِي مَحَلّ خَفْض فِي الظَّاهِر وَفِي مَحَلّ نَصْب فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : يَكْفِيك اللَّه , وَيَكْفِي مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي | مَنْ | : إِنَّهَا فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْعَطْف عَلَى اِسْم اللَّه , كَأَنَّهُ قَالَ : حَسْبك اللَّه وَمُتَّبِعُوك إِلَى جِهَاد الْعَدُوّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُون الْقَاعِدِينَ عَنْك مِنْهُمْ . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى صِحَّة قَوْله ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } حُثَّ مُتَّبِعِيك وَمُصَدِّقِيك عَلَى مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ عَلَى قِتَال مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى عَنْ الْحَقّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ .|الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ| { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ } رَجُلًا { صَابِرُونَ } عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , يَحْتَسِبُونَ أَنْفُسهمْ وَيَثْبُتُونَ لِعَدُوِّهِمْ ; { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مِنْ عَدُوّهُمْ وَيَقْهَرُوهُمْ . { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } عِنْد ذَلِكَ { يَغْلِبُوا } مِنْهُمْ { أَلْفًا } . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ الْوَاحِد لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جُعِلَ الْوَاحِد بِاثْنَيْنِ ; لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمَا . 12632 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الرَّجُل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَانِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَمَا أُحِبّ أَنْ يَعْلَم النَّاس تَخْفِيف ذَلِكَ عَنْهُمْ . 12633 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ثَقُلَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِل عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ وَمِائَة أَلْفًا , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَنَسَخَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } قَالَ : وَكَانُوا إِذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْر مِنْ عَدُوّهُمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ , وَإِنْ كَانُوا دُون ذَلِكَ لَمْ يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا , وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ . 12634 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرّ مِنْهُمْ , فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَعَبَّأَ لِكُلِّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنَسَخَ الْأَمْر الْأَوَّل . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَرَحِمَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَأَمَرَ اللَّه الرَّجُل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل رَجُلَيْنِ مِنْ الْكُفَّار . 12635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال } إِلَى قَوْله : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة مِنْ الْعَدُوّ يُؤَشِّبهُمْ , يَعْنِي يُغْرِيهِمْ بِذَلِكَ لِيُوَطِّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الْغَزْو , وَإِنَّ اللَّه نَاصِرهمْ عَلَى الْعَدُوّ , وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا عَزَمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَا أَوْجَبَهُ , وَلَكِنْ كَانَ تَحْرِيضًا وَوَصِيَّة أَمَرَ اللَّه بِهَا نَبِيّه . ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فَجَعَلَ عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْد ذَلِكَ تَخْفِيفًا , لِيَعْلَم الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّه بِهِمْ رَحِيم , فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه وَصَبَرُوا وَصَدَقُوا , وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا الْغَزْو إِذَنْ بَعْد كُلّ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ الْكُفَّار إِذَا كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ . فَلَا يَغُرَّنك قَوْل رِجَال , فَإِنِّي قَدْ سَمِعْت رِجَالًا يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَا يَصْلُح لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِل حَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَحَتَّى يَكُون عَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , ثُمَّ بِحِسَابِ ذَلِكَ , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْصُونَ اللَّه إِنْ قَاتَلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة ذَلِكَ , وَإِنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا عِدَّة أَنْ يَكُون عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَانِ , وَعَلَى كُلّ رَجُلَيْنِ أَرْبَعَة , وَقَدْ قَالَ اللَّه : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } [2 207 ]وَقَالَ اللَّه : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إِلَّا نَفْسك وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ } [4 84 ]فَهُوَ التَّحْرِيض الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْأَنْفَال , فَلَا يُعْجِزك قَائِل : قَدْ سَقَطْت بَيْن ظَهْرَيْ أُنَاس كَمَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا . 12636 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُصَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن قَالَا : قَالَ فِي سُورَة الْأَنْفَال : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } ثُمَّ نُسِخَ فَقَالَ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } . 12637 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } قَالَ : وَاحِد مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرّ رَجُل مِنْ رَجُلَيْنِ . 12638 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة } قَالَ : هَذَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , جَعَلَ عَلَى الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْكُفَّار , فَضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل رَجُلَيْنِ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّه . 12639 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَأَبِي مَعْبَد عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّمَا أُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر نَفْسه لِعَشَرَةٍ , وَالْعَشَرَة لِمِائَة إِذْ الْمُسْلِمُونَ قَلِيل ; فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , فَأُمِرَ الرَّجُل أَنْ يَصْبِر لِرَجُلَيْنِ , وَالْعَشَرَة لِلْعِشْرِينَ , وَالْمِائَة لِلْمِائَتَيْنِ . 12640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ وَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12641 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } جَعَلَ اللَّه عَلَى كُلّ رَجُل رَجُلَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى كُلّ رَجُل عَشَرَة . وَهَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس . 12642 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِل الرَّجُل مِنْهُمْ عَشَرَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا } فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه التَّخْفِيف , فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُل أَنْ يُقَاتِل الرَّجُلَيْنِ , قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَخَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ , وَنَقَصُوا مِنْ الصَّبْر بِقَدْرِ ذَلِكَ . 12643 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } يَقُول : يُقَاتِلُوا مِائَتَيْنِ , فَكَانُوا أَضْعَف مِنْ ذَلِكَ , فَنَسَخَهَا اللَّه عَنْهُمْ , فَخَفَّفَ فَقَالَ : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَحَمَلَ أَوَّل مَرَّة الرَّجُل لِعَشَرَةٍ , ثُمَّ جَعَلَ الرَّجُل لِاثْنَيْنِ . 12644 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قَالَ : كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ أَنْ لَا يَفِرُّوا , فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفِرُّوا غَلَبُوا , ثُمَّ خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّه } فَيَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرّ أَلْف مِنْ أَلْفَيْنِ , فَإِنَّهُمْ إِنْ صَبَرُوا لَهُمْ غَلَبُوهُمْ . 12645 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ هَذَا وَاجِبًا أَنْ لَا يَفِرّ وَاحِد مِنْ عَشَرَة . 12646 - وَبِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , مِثْل ذَلِكَ .|كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا|يَقُول : مِنْ أَجْل أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَوْم يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْر رَجَاء ثَوَاب وَلَا لِطَلَبِ أَجْر وَلَا اِحْتِسَاب ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا أَنَّ اللَّه مُوجِب لِمَنْ قَاتَلَ اِحْتِسَابًا وَطَلَب مَوْعُود اللَّه فِي الْمَعَاد مَا وَعَدَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيله , فَهُمْ لَا يَثْبُتُونَ إِذَا صَدَقُوا فِي اللِّقَاء خَشْيَة أَنْ يُقْتَلُوا فَتَذْهَب دُنْيَاهُمْ . وَكَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 12647 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيَّة , وَلَا حَقّ فِيهِ , وَلَا مَعْرِفَة لِخَيْرٍ وَلَا شَرّ .
ثُمَّ خَفَّفَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ عَلِمَ ضَعْفهمْ فَقَالَ لَهُمْ : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } يَعْنِي أَنَّ فِي الْوَاحِد مِنْهُمْ عَنْ لِقَاء الْعَشَرَة مِنْ عَدُوّهُمْ ضَعْفًا , { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة صَابِرَة } عِنْد لِقَائِهِمْ لِلثَّبَاتِ لَهُمْ , { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مِنْهُمْ , { وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْف يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ } مِنْهُمْ { بِإِذْنِ اللَّه } يَعْنِي بِتَخْلِيَةِ اللَّه إِيَّاهُمْ لِغَلَبَتِهِمْ وَمَعُونَته إِيَّاهُمْ . وَهَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } وَإِنْ كَانَ مَخْرَجهَا مَخْرَج الْخَبَر , فَإِنَّ مَعْنَاهَا الْأَمْر , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ } فَلَمْ يَكُنْ التَّخْفِيف إِلَّا بَعْد التَّثْقِيل , وَلَوْ كَانَ ثُبُوت الْعَشَرَة مِنْهُمْ لِلْمِائَةِ مِنْ عَدُوّهُمْ كَانَ غَيْر فَرْض عَلَيْهِمْ قَبْل التَّخْفِيف وَكَانَ نَدْبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْفِيفِ وَجْه ; لِأَنَّ التَّخْفِيف إِنَّمَا هُوَ تَرْخِيص فِي تَرْك الْوَاحِد مِنْ الْمُسْلِمِينَ الثُّبُوت لِلْعَشَرَةِ مِنْ الْعَدُوّ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّشْدِيد قَدْ كَانَ لَهُ مُتَقَدِّمًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْخِيصِ وَجْه , إِذْ كَانَ الْمَفْهُوم مِنْ التَّرْخِيص إِنَّمَا هُوَ بَعْد التَّشْدِيد . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ حُكْم قَوْله : { الْآن خَفَّفَ اللَّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } نَاسِخ لِحُكْمِ قَوْله : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } , وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابنَا | لَطِيف الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام | أَنَّ كُلّ خَبَر مِنْ اللَّه وَعَدَ فِيهِ عِبَاده عَلَى عَمَل ثَوَابًا وَجَزَاء , وَعَلَى تَرْكه عِقَابًا وَعَذَابًا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا ظَاهِره مَخْرَج الْأَمْر , فَفِي مَعْنَى الْأَمْر بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا | بِضَمِّ الضَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن وَتَنْوِينَ الضُّعْف عَلَى الْمَصْدَر مِنْ ضَعُفَ الرَّجُل ضُعْفًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } بِفَتْحِ الضَّاد عَلَى الْمَصْدَر أَيْضًا مِنْ ضَعْف . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ : | ضُعَفَاء | عَلَى تَقْدِير فُعَلَاء , جَمْع ضَعِيف عَلَى ضُعَفَاء كَمَا يُجْمَع الشَّرِيك شُرَكَاء وَالرَّحِيم رُحَمَاء . وَأَوْلَى الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : | وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا | و | ضُعْفًا | , بِفَتْحِ الضَّاد أَوْ ضَمّهَا , لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ , وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي كَلَام الْعَرَب فَصَيْحَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب الصَّوَاب . فَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : | ضُعَفَاء | فَإِنَّهَا عَنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء شَاذَّة , وَإِنْ كَانَ لَهَا فِي الصِّحَّة مَخْرَج , فَلَا أُحِبّ لِقَارِئِ الْقِرَاءَة بِهَا .|وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ| { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } لِعَدُوِّهِمْ وَعَدُوّ اللَّه , اِحْتِسَابًا فِي صَبْره وَطَلَبًا لِجَزِيلِ الثَّوَاب مِنْ رَبّه , بِالْعَوْنِ مِنْهُ لَهُ وَالنَّصْر عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَحْتَبِس كَافِرًا قَدْر عَلَيْهِ وَصَارَ فِي يَده مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان لِلْفِدَاءِ أَوْ لِلْمَنِّ . وَالْأَسْر فِي كَلَام الْعَرَب : الْحَبْس , يُقَال مِنْهُ : مَأْسُور , يُرَاد بِهِ : مَحْبُوس , وَمَسْمُوع مِنْهُمْ : أَنَالهُ لِلَّهِ أَسْرًا . وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرِّفهُ أَنَّ قَتْل الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثُمَّ فَادَى بِهِمْ كَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ أَخْذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ وَإِطْلَاقهمْ . وَقَوْله : { حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } يَقُول : حَتَّى يُبَالِغ فِي قَتْل الْمُشْرِكِينَ فِيهَا , وَيَقْهَرهُمْ غَلَبَة وَقَسْرًا , يُقَال مِنْهُ : أَثْخَنَ فُلَان فِي هَذَا الْأَمْر إِذَا بَالَغَ فِيهِ , وَحُكِيَ أَثْخَنْته مَعْرِفَة , بِمَعْنَى : قَتَلْته مَعْرِفَة . { تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } يَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تُرِيدُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَرَض الدُّنْيَا بِأَسْرِكُمْ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ مَا عَرَضَ لِلْمَرْءِ مِنْهَا مِنْ مَال وَمَتَاع , يَقُول : تُرِيدُونَ بِأَخْذِكُمْ الْفِدَاء مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَتَاع الدُّنْيَا وَطَعْمهَا . { وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } يَقُول : وَاَللَّه يُرِيد لَكُمْ زِينَة الْآخِرَة , وَمَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل وِلَايَته فِي جَنَّاته بِقَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ وَإِثْخَانكُمْ فِي الْأَرْض , يَقُول لَهُمْ : وَاطْلُبُوا مَا يُرِيد اللَّه لَكُمْ وَلَهُ اِعْمَلُوا لَا مَا تَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ أَهْوَاء أَنْفُسكُمْ مِنْ الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12648 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } وَذَلِكَ يَوْم بَدْر وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ قَلِيل ; فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانهمْ , أَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْد هَذَا فِي الْأُسَارَى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } [47 4 ]فَجَعَلَ اللَّه النَّبِيّ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْر الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ , إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا اِسْتَعْبَدُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْهُمْ . )12649 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } الْآيَة , قَالَ : أَرَادَ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر الْفِدَاء , فَفَادَوْهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَاف , وَلَعَمْرِي مَا كَانَ أَثْخَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ ! وَكَانَ أَوَّل قِتَال قَاتَلَهُ الْمُشْرِكِينَ . )12650 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْإِثْخَان : الْقَتْل . )12651 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } قَالَ : إِذَا أَسَرْتُمُوهُمْ فَلَا تُفَادُوهُمْ حَتَّى تُثْخِنُوا فِيهِمْ الْقَتْل . )12652 - قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } الْآيَة , نَزَلَتْ الرُّخْصَة بَعْد , إِنْ شِئْت فَمُنَّ وَإِنْ شِئْت فَفَادِ . )12653 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } يَعْنِي : الَّذِينَ أُسِرُوا بِبَدْرٍ . )12654 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } مِنْ عَدُوّهُ . { حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } أَيْ يُثْخِن عَدُوّهُ , حَتَّى يَنْفِيهِمْ مِنْ الْأَرْض . { تُرِيدُونَ عَرَض الدُّنْيَا } أَيْ الْمَتَاع وَالْفِدَاء بِأَخْذِ الرِّجَال . { وَاَللَّه يُرِيد الْآخِرَة } بِقَتْلِهِمْ لِظُهُورِ الدِّين الَّذِي يُرِيدُونَ إِطْفَاءَهُ , الَّذِي بِهِ تُدْرَك الْآخِرَة . )12655 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر وَجِيءَ بِالْأَسْرَى , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى ؟ | فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه قَوْمك وَأَهْلك , اِسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنَ بِهِمْ , لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ ! وَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه كَذَّبُوك وَأَخْرَجُوك , قَدِّمْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقهمْ ! وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : يَا رَسُول اللَّه , اُنْظُرْ وَادِيًا كَثِير الْحَطَب فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ , ثُمَّ أَضْرَمَهُ عَلَيْهِمْ نَارًا ! قَالَ : فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس : قَطَعْت رَحِمك . قَالَ : فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ , ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ أَبِي بَكْر , وَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ عُمَر , وَقَالَ نَاس : يَأْخُذ بِقَوْلِ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة . ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | إِنَّ اللَّه لَيُلِين قُلُوب رِجَال حَتَّى تَكُون أَلْيَن مِنْ اللَّبَن , وَإِنَّ اللَّه لَيُشَدِّد قُلُوب رِجَال حَتَّى تَكُون أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة ; وَإِنَّ مَثَلك يَا أَبَا بَكْر مَثَل إِبْرَاهِيم , قَالَ : { مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّك غَفُور رَحِيم } [14 36 ]وَمَثَلك يَا أَبَا بَكْر مَثَل عِيسَى , قَالَ : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك } [5 118 ]الْآيَة , وَمَثَلك يَا عُمَر مَثَل نُوح قَالَ : { رَبّ لَا تَذَر عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [71 26 ], وَمَثَلك يَا اِبْن رَوَاحَة كَمَثَلِ مُوسَى , قَالَ : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم } [10 88 ]| قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنْتُمْ الْيَوْم عَالَة , فَلَا يَنْفَلِتَن أَحَد مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْب عُنُق ! | قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : إِلَّا سُهَيْل ابْن بَيْضَاء , فَإِنِّي سَمِعْته يَذْكُر الْإِسْلَام ! فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا رَأَيْتنِي فِي يَوْم أَخْوَف أَنْ تَقَع عَلَيَّ الْحِجَارَة مِنْ السَّمَاء مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْم , حَتَّى قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِلَّا سُهَيْل ابْن بَيْضَاء | قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } إِلَى آخِر الثَّلَاث الْآيَات . )12656 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا أَبُو زُمَيْل , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى - يَعْنِي يَوْم بَدْر - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَيْنَ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ ؟ | قَالَ : | مَا تَرَوْنَ فِي الْأُسَارَى ؟ | فَقَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه هُمْ بَنُو الْعَمّ وَالْعَشِيرَة , وَأَرَى أَنْ تَأْخُذ مِنْهُمْ فِدْيَة تَكُون لَنَا قُوَّة عَلَى الْكُفَّار , وَعَسَى اللَّه أَنْ يَهْدِيهِمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا تَرَى يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ | فَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْر يَا نَبِيّ اللَّه , وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّننَا مِنْهُمْ , فَتُمَكِّن عَلِيًّا مِنْ عَقِيل فَيَضْرِب عُنُقه , وَتُمَكِّن حَمْزَة مِنْ الْعَبَّاس فَيَضْرِب عُنُقه , وَتُمَكِّننِي مِنْ فُلَان - نَسِيب لِعُمَر - فَأَضْرِب عُنُقه , فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكُفْر وَصَنَادِيدهَا . فَهَوِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْر , وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت . قَالَ عُمَر : فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد جِئْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا هُوَ وَأَبُو بَكْر قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي مِنْ أَيّ شَيْء تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبك , فَإِنْ وَجَدْت بُكَاء بَكَيْت وَإِنْ لَمْ أَجِد بُكَاء تَبَاكَيْت ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ لِأَصْحَابِي مِنْ أَخْذهمْ الْفِدَاء , وَلَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة | - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } إِلَى قَوْله : { حَلَالًا طَيِّبًا } وَأَحَلَّ اللَّه الْغَنِيمَة لَهُمْ .)|وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ| { وَاَللَّه عَزِيز } يَقُول : إِنْ أَنْتُمْ أَرَدْتُمْ الْآخِرَة لَمْ يَغْلِبكُمْ عَدُوّ لَكُمْ , لِأَنَّ اللَّه عَزِيز لَا يُقْهَر وَلَا يُغْلَب , وَإِنَّهُ { حَكِيم } فِي تَدْبِيره أَمْره خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَهْلِ بَدْر الَّذِينَ غَنِمُوا وَأَخَذُوا مِنْ الْأَسْرَى الْفِدَاء : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } يَقُول : لَوْلَا قَضَاء مِنْ اللَّه سَبَقَ لَكُمْ أَهْل بَدْر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بِأَنَّ اللَّه مُحِلّ لَكُمْ الْغَنِيمَة , وَأَنَّ اللَّه قَضَى فِيمَا قَضَى أَنَّهُ لَا يُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ , وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّب أَحَدًا شَهِدَ الْمَشْهَد الَّذِي شَهِدْتُمُوهُ بِبَدْرٍ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِرًا دِين اللَّه ; لَنَالَكُمْ مِنْ اللَّه بِأَخْذِكُمْ الْغَنِيمَة وَالْفِدَاء عَذَاب عَظِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , قَالَ : إِنَّ اللَّه كَانَ مُطْعِم هَذِهِ الْأُمَّة الْغَنِيمَة , وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاء مِنْ أُسَارَى بَدْر قَبْل أَنْ يُؤْمَرُوا بِهِ . قَالَ : فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَحَلَّهُ اللَّه . )12658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم بَدْر , أَخَذَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى قَبْل أَنْ يُؤْمَرُوا بِهِ , وَكَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَتَبَ فِي أُمّ الْكِتَاب الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى حَلَال لِمُحَمَّدٍ وَأُمَّته , وَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ لِأُمَّةٍ قَبْلهمْ . وَأَخَذُوا الْمَغَانِم , وَأَسَرُوا الْأُسَارَى قَبْل أَنْ يُنَزِّل إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , قَالَ اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } يَعْنِي فِي الْكِتَاب الْأَوَّل أَنَّ الْمَغَانِم وَالْأُسَارَى حَلَال لَكُمْ { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . )12659 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , وَكَانَتْ الْغَنَائِم قَبْل أَنْ يَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَم إِذَا أَصَابُوا مَغْنَمًا جَعَلُوهُ لِلْقُرْبَانِ , وَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا , حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى كُلّ نَبِيّ وَعَلَى أُمَّته , فَكَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَلَا يَغُلُّونَ مِنْهُ وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إِلَّا عَذَّبَهُمْ اللَّه عَلَيْهِ . وَكَانَ اللَّه حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمًا شَدِيدًا , فَلَمْ يُحِلّهُ لِنَبِيٍّ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْ اللَّه فِي قَضَائِهِ أَنَّ الْمَغْنَم لَهُ وَلِأُمَّتِهِ حَلَال , فَذَلِكَ قَوْله يَوْم بَدْر فِي أَخْذ الْفِدَاء مِنْ الْأُسَارَى : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . )12660 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ الْحَسَن : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : إِنَّ اللَّه كَانَ مُعْطِي هَذِهِ الْأُمَّة الْغَنِيمَة , وَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْل أَنْ تَحِلّ الْغَنِيمَة . )12661 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر قَالَ : قَالَ الْأَعْمَش , فِي قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه أَنْ أَحَلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَة . )12662 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ بَشِير بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت سَعِيدًا يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ : يَعْنِي : لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنِّي سَأُحِلُّ الْغَنَائِم , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ الْأُسَارَى عَذَاب عَظِيم . )12663 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا جَابِر بْن نُوح , وَأَبُو مُعَاوِيَة , بِنَحْوِهِ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُحِلَّتْ الْغَنَائِم لِأَحَدٍ سُود الرُّءُوس مِنْ قَبْلكُمْ , كَانَتْ تَنْزِل نَار مِنْ السَّمَاء وَتَأْكُلهَا | , حَتَّى كَانَ يَوْم بَدْر , فَوَقَعَ النَّاس فِي الْغَنَائِم , فَأَنْزَلَ اللَّه { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ } حَتَّى بَلَغَ { حَلَالًا طَيِّبًا } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ , قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر أَسْرَعَ النَّاس فِي الْغَنَائِم . 12664 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : (أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاء فَتَقْوَوْا بِهِ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ , أَوْ تَقْتُلُوهُمْ ! | فَقَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ . )قَالَ عُبَيْدَة : وَطَلَبُوا الْخِيرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا . 12665 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : (كَانَ فِدَاء أُسَارَى بَدْر : مِائَة أُوقِيَّة , وَالْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا , وَمِنْ الدَّنَانِير : سِتَّة دَنَانِير )12666 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , أَنَّهُ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْر : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ | فَقَالُوا : بَلَى , نَأْخُذ الْفِدَاء فَنَسْتَمْتِع بِهِ وَيُسْتَشْهَد مِنَّا بِعِدَّتِهِمْ . )12667 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (أَمَرَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِقَتْلِ الْأُسَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } . )12668 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : كَانَ الْمَغْنَم مُحَرَّمًا عَلَى كُلّ نَبِيّ وَأُمَّته , وَكَانُوا إِذَا غَنِمُوا يَجْعَلُونَ الْمَغْنَم لِلَّهِ قُرْبَانًا تَأْكُلهُ النَّار , وَكَانَ سَبَقَ فِي قَضَاء اللَّه وَعِلْمه أَنْ يُحِلّ الْمَغْنَم لِهَذِهِ الْأُمَّة يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ . )12669 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء فِي قَوْل اللَّه : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ } قَالَ : كَانَ فِي عِلْم اللَّه أَنْ تَحِلّ لَهُمْ الْغَنَائِم , فَقَالَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ بِأَنَّهُ أَحَلَّ لَكُمْ الْغَنَائِم , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لِأَهْلِ بَدْر أَنْ لَا يُعَذِّبهُمْ لَمَسَّهُمْ عَذَاب عَظِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : لِأَهْلِ بَدْر مِنْ السَّعَادَة . )12671 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر مَشْهَدهمْ . )12672 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه خَيْر لِأَهْلِ بَدْر . )12673 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } كَانَ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ اللَّه خَيْر , وَأَحَلَّ لَهُمْ الْغَنَائِم . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } قَالَ : سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذِّب أَحَدًا مِنْ أَهْل بَدْر . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر وَمَشْهَدهمْ إِيَّاهُ . )12674 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم } لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ الْغَنَائِم يَوْم بَدْر قَبْل أَنْ أُحِلَّهَا لَكُمْ فَقَالَ : سَبَقَ مِنْ اللَّه الْعَفْو عَنْهُمْ , وَالرَّحْمَة لَهُمْ ; سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذِّب الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّهُ لَا يُعَذِّب رَسُوله وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَهَاجَرَ مَعَهُ وَنَصَرَهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ أَنْ لَا يُؤَاخِذ أَحَدًا بِفِعْلٍ أَتَاهُ عَلَى جَهَالَة , لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَاب عَظِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12675 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } لِأَهْلِ بَدْر وَمَشْهَدهمْ إِيَّاهُ , قَالَ : كِتَاب سَبَقَ لِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } [9 115 ]سَبَقَ ذَلِكَ وَسَبَقَ أَنْ لَا يُؤَاخِذ قَوْمًا فَعَلُوا شَيْئًا بِجَهَالَةٍ . { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : فِيمَا أَخَذْتُمْ مِمَّا أَسَرْتُمْ . ثُمَّ قَالَ بَعْد : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ } . )12676 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (عَاتَبَهُ فِي الْأُسَارَى وَأَخْذ الْغَنَائِم , وَلَمْ يَكُنْ أَحَد قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يَأْكُل مَغْنَمًا مِنْ عَدُوّ لَهُ . )12677 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : ثني أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا , وَأُعْطِيت جَوَامِع الْكَلِم , وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِم وَلَمْ تُحَلّ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي , وَأُعْطِيت الشَّفَاعَة , خَمْس لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيّ كَانَ قَبْلِي . ), قَالَ مُحَمَّد : فَقَالَ : ( { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } أَيْ قَبْلك { أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى } إِلَى قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِم . { عَذَاب عَظِيم } أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنْ لَا أُعَذِّب إِلَّا بَعْد النَّهْي وَلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكُمْ لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ , ثُمَّ أَحَلَّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَة وَنِعْمَة وَعَائِدَة مِنْ الرَّحْمَن الرَّحِيم . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } خَبَر عَامّ غَيْر مَحْصُور عَلَى مَعْنَى دُون مَعْنَى . وَكُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْتهَا عَمَّنْ ذَكَرْت مِمَّا قَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب اللَّه أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذ بِشَيْءٍ مِنْهَا هَذِهِ الْأُمَّة , وَذَلِكَ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل بِجَهَالَةٍ , و إِحْلَال الْغَنِيمَة وَالْمَغْفِرَة لِأَهْلِ بَدْر , وَكُلّ ذَلِكَ مِمَّا كَتَبَ لَهُمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِأَنْ يُخَصّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى دُون مَعْنَى , وَقَدْ عَمَّ اللَّه الْخَبَر بِكُلِّ ذَلِكَ بِغَيْرِ دَلَالَة تُوجِب صِحَّة الْقَوْل بِخُصُوصِهِ . 12678 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَحَد مِمَّنْ نُصِرَ إِلَّا أَحَبَّ الْغَنَائِم إِلَّا عُمَر بْن الْخَطَّاب , جَعَلَ لَا يَلْقَى أَسِيرًا إِلَّا ضَرَبَ عُنُقه , وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَا لَنَا وَلِلْغَنَائِمِ , نَحْنُ قَوْم نُجَاهِد فِي دِين اللَّه حَتَّى يُعْبَد اللَّه ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَوْ عُذِّبْنَا فِي هَذَا الْأَمْر يَا عُمَر مَا نَجَا غَيْرك ! | . قَالَ اللَّه : لَا تَعُودُوا تَسْتَحِلُّونَ قَبْل أَنْ أُحِلّ لَكُمْ . )12679 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : (لَمَّا نَزَلَتْ : { لَوْلَا كِتَاب مِنْ اللَّه سَبَقَ } الْآيَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَوْ نَزَلَ عَذَاب مِنْ السَّمَاء لَمْ يَنْجُ مِنْهُ إِلَّا سَعْد بْن مُعَاذ | لِقَوْلِهِ : يَا نَبِيّ اللَّه كَانَ الْإِثْخَان فِي الْقَتْل أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ اِسْتِبْقَاء الرِّجَال .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل بَدْر : فَكُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا غَنِمْتُمْ مِنْ أَمْوَال الْمُشْرِكِينَ حَلَالًا بِإِحْلَالِهِ لَكُمْ طَيِّبًا .|وَاتَّقُوا اللَّهَ| { وَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول : وَخَافُوا اللَّه أَنْ تَعُودُوا أَنْ تَفْعَلُوا فِي دِينكُمْ شَيْئًا بَعْد هَذِهِ مِنْ قَبْل أَنْ يُعْهَد فِيهِ إِلَيْكُمْ , كَمَا فَعَلْتُمْ فِي أَخْذ الْفِدَاء وَأَكْل الْغَنِيمَة وَأَخَذْتُمُوهُمَا مِنْ قَبْل أَنْ يَحِلَّا لَكُمْ .|إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ| { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَهَذَا مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَتَأْوِيل الْكَلَام : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا , إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم , وَاتَّقُوا اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ أَهْل الْإِيمَان مِنْ عِبَاده , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي يَدَيْك وَفِي يَدَيْ أَصْحَابك مِنْ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ الْفِدَاء مَا أُخِذَ { إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ إِسْلَامًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ مِنْ الْفِدَاء . { وَيَغْفِر لَكُمْ } يَقُول : وَيَصْفَح لَكُمْ عَنْ عُقُوبَة جُرْمكُمْ الَّذِي اجْتَرَمْتُمُوهُ بِقِتَالِكُمْ نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه وَكُفْركُمْ بِاَللَّهِ . وَذُكِرَ أَنَّ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب كَانَ يَقُول : فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12680 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ الْعَبَّاس : (فِيَّ نَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض } , فَأَخْبَرْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِي , وَسَأَلْته أَنْ يُحَاسِبنِي بِالْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّة الَّتِي أَخَذَ مِنِّي فَأَبَى , فَأَبْدَلَنِي اللَّه بِهَا عِشْرِينَ عَبْدًا كُلّهمْ تَاجِر , مَالِي فِي يَدَيْهِ . )* - وَقَدْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيث اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد , ثني الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب , قَالَ : كَانَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب يَقُول : فِيَّ وَاَللَّه نَزَلَتْ حِين ذَكَرْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامِي . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن وَكِيع . 12681 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مَال الْبَحْرَيْنِ ثَمَانُونَ أَلْفًا , وَقَدْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْر , فَمَا أَعْطَى يَوْمئِذٍ شَاكِيًا وَلَا حَرَمَ سَائِلًا وَمَا صَلَّى يَوْمئِذٍ حَتَّى فَرَّقَهُ , وَأَمَرَ الْعَبَّاس أَنْ يَأْخُذ مِنْهُ وَيَحْتَثِي , فَأَخَذَ . قَالَ : وَكَانَ الْعَبَّاس يَقُول : هَذَا خَيْر مِمَّا أُخِذَ مِنَّا وَأَرْجُو الْمَغْفِرَة . )12682 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , وَكَانَ الْعَبَّاس أُسِرَ يَوْم بَدْر , فَافْتَدَى نَفْسه بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب , فَقَالَ الْعَبَّاس حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّه خَصْلَتَيْنِ مَا أُحِبّ أَنَّ لِي بِهِمَا الدُّنْيَا : أَنِّي أُسِرْت يَوْم بَدْر فَفَدَيْت نَفْسِي بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة , فَآتَانِي أَرْبَعِينَ عَبْدًا وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَة الَّتِي وَعَدَنَا اللَّه . )12683 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ أُسِرَ يَوْم بَدْر , يَقُول : إِنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي وَنَصَحْتُمْ لِرَسُولِي , آتَيْتُكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَغَفَرْت لَكُمْ . )12684 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } عَبَّاس وَأَصْحَابه , قَالَ : قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنَّا بِمَا جِئْت بِهِ , وَنَشْهَد أَنَّك لَرَسُول اللَّه , لَأَنْصَحَن لَك عَلَى قَوْمنَا ! فَنَزَلَ : { إِنْ يَعْلَم اللَّه فِي قُلُوبكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا , يُخْلِف لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُصِيبَ مِنْكُمْ , { وَيَغْفِر لَكُمْ } الشِّرْك الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ . قَالَ : فَكَانَ الْعَبَّاس يَقُول : مَا أُحِبّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة لَمْ تَنْزِل فِينَا وَأَنَّ لِي الدُّنْيَا , لَقَدْ قَالَ : { يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ } فَقَدْ أَعْطَانِي خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنِّي مِائَة ضِعْف , وَقَالَ : { وَيَغْفِر لَكُمْ } وَأَرْجُو أَنْ يَكُون قَدْ غَفَرَ لِي . )12685 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْرَى } الْآيَة , يَعْنِي الْعَبَّاس وَأَصْحَابه أُسِرُوا يَوْم بَدْر , يَقُول اللَّه : إِنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي وَنَصَحْتُمْ لِي وَلِرَسُولِي أَعْطَيْتُكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَغَفَرْت لَكُمْ . وَكَانَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب يَقُول : لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّه خَصْلَتَيْنِ مَا شَيْء هُوَ أَفْضَل مِنْهُمَا : عِشْرِينَ عَبْدًا . وَأَمَّا الثَّانِيَة : فَنَحْنُ فِي مَوْعُود الصَّادِق , نَنْتَظِر الْمَغْفِرَة مِنْ اللَّه سُبْحَانه .)|لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ| { وَاَللَّه غَفُور } لِذُنُوبِ عِبَاده إِذَا تَابُوا , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد التَّوْبَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَإِنْ يُرِدْ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى الَّذِينَ فِي أَيْدِيكُمْ خِيَانَتك : أَيْ الْغَدْر بِك وَالْمَكْر وَالْخِدَاع , بِإِظْهَارِهِمْ لَك بِالْقَوْلِ خِلَاف مَا فِي نُفُوسهمْ , { فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل } يَقُول : فَقَدْ خَالَفُوا أَمْر اللَّه مِمَّنْ قَبْل وَقْعَة بَدْر , وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12686 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك } يَعْنِي : الْعَبَّاس وَأَصْحَابه فِي قَوْلهمْ : آمَنَّا بِمَا جِئْت بِهِ , وَنَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه , لَأَنْصَحَن لَك عَلَى قَوْمنَا ! يَقُول : إِنْ كَانَ قَوْلهمْ خِيَانَة فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل , { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } يَقُول : قَدْ كَفَرُوا وَقَاتَلُوك , فَأَمْكَنَك اللَّه مِنْهُمْ . )12687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك } الْآيَة . قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ عَمَدَ فَنَافَقَ , فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , ثُمَّ قَالَ : مَا كَانَ مُحَمَّد يَكْتُب إِلَّا مَا شِئْت ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , نَذَرَ لَئِنْ أَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ لَيَضْرِبَنهُ بِالسَّيْفِ . فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمَّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إِلَّا عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح , وَمَقِيس بْن صُبَابَة , وَابْن خَطَل , وَامْرَأَة كَانَتْ تَدْعُو عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ صَبَاح . فَجَاءَ عُثْمَان بِابْنِ أَبِي سَرْح , وَكَانَ رَضِيعه أَوْ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَة , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه هَذَا فُلَان أَقْبَلَ تَائِبًا نَادِمًا , فَأَعْرَضَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ الْأَنْصَارِيّ أَقْبَلَ مُتَقَلِّدًا سَيْفه , فَأَطَافَ بِهِ , وَجَعَلَ يَنْظُر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاء أَنْ يُومِئ إِلَيْهِ . ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ يَده فَبَايَعَهُ , فَقَالَ : | أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ تَلَوَّمْتك فِيهِ لِتُوفِيَ نَذْرك | , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنِّي هِبْتُك , فَلَوْلَا أَوْمَضْت إِلَيَّ ! فَقَالَ : | إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِض . )12688 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتك فَقَدْ خَانُوا اللَّه مِنْ قَبْل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } يَقُول : قَدْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَنَقَضُوا عَهْده , فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ .)|وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ| { وَاَللَّه عَلِيم } بِمَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُضْمِرُونَهُ فِي نُفُوسهمْ , { حَكِيم } فِي تَدْبِيرهمْ وَتَدْبِير أُمُور خَلْقه سِوَاهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله . { وَهَاجَرُوا } يَعْنِي : هَجَرُوا قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ وَدُورهمْ , يَعْنِي : تَرَكُوهُمْ وَخَرَجُوا عَنْهُمْ , وَهَجَرَهُمْ قَوْمهمْ وَعَشِيرَتهمْ . { وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : بَالَغُوا فِي إِتْعَاب نُفُوسهمْ وَإِنْصَابهَا فِي حَرْب أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْكُفَّار فِي سَبِيل اللَّه , يَقُول فِي دِين اللَّه الَّذِي جَعَلَهُ طَرِيقًا إِلَى رَحْمَته وَالنَّجَاة مِنْ عَذَابه . { وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } يَقُول : وَاَلَّذِينَ آوَوْا رَسُول اللَّه وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ ; يَعْنِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُمْ مَأْوَى يَأْوُونَ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْمَثْوَى وَالْمَسْكَن , يَقُول : أَسْكَنُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ مِنْ مَنَازِلهمْ مَسَاكِن , إِذْ أَخْرَجَهُمْ قَوْمهمْ مِنْ مَنَازِلهمْ { وَنَصَرُوا } يَقُول : وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ . { أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول : هَاتَانِ الْفِرْقَتَانِ , يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض , وَأَعْوَان عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَأَيْدِيهمْ وَاحِدَة عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَبَعْضهمْ إِخْوَان لِبَعْضٍ دُون أَقْرِبَائِهِمْ الْكُفَّار . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْض , وَأَنَّ اللَّه وَرَّثَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَة دُون الْقَرَابَة وَالْأَرْحَام , وَأَنَّ اللَّه نَسَخَ ذَلِكَ بَعْد بِقَوْلِهِ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } [33 6 ]. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12689 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَعْنِي فِي الْمِيرَاث . جَعَلَ الْمِيرَاث لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار دُون ذَوِي الْأَرْحَام , قَالَ اللَّه : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ مِيرَاثهمْ مِنْ شَيْء , وَكَانُوا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } [33 6 ]. فِي الْمِيرَاث , فَنَسَخَتْ الَّتِي قَبْلهَا , وَصَارَ الْمِيرَاث لِذَوِي الْأَرْحَام . )12690 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح , إِنَّمَا هُوَ الشَّهَادَة بَعْد ذَلِكَ ; { وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى قَوْله : { حَتَّى يُهَاجِرُوا } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاث مَنَازِل . مِنْهُمْ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر الْمُبَايِن لِقَوْمِهِ فِي الْهِجْرَة , خَرَجَ إِلَى قَوْم مُؤْمِنِينَ فِي دِيَارهمْ وَعَقَارهمْ وَأَمْوَالهمْ , و { آوَوْا وَنَصَرُوا } وَأَعْلَنُوا مَا أَعْلَنَ أَهْل الْهِجْرَة , وَشَهَرُوا السُّيُوف عَلَى مَنْ كَذَبَ وَجَحَدَ , فَهَذَانِ مُؤْمِنَانِ جَعَلَ اللَّه بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بَيْنهمْ إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر وَرِثَهُ الْأَنْصَارِيّ بِالْوِلَايَةِ فِي الدِّين , وَكَانَ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر لَا يَرِث مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِر وَلَمْ يَنْصُر . فَبَرَّأَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مِيرَاثهمْ , وَهِيَ الْوَلَايَة الَّتِي قَالَ اللَّه : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } وَكَانَ حَقًّا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا إِذَا اِسْتَنْصَرُوهُمْ فِي الدِّين أَنْ يَنْصُرُوهُمْ إِنْ قَاتَلُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوا عَلَى قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَلَا نَصْر لَهُمْ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى الْعَدُوّ الَّذِينَ لَا مِيثَاق لَهُمْ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ أَنْ أَلْحَق كُلّ ذِي رَحِم بِرَحِمِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا , فَجَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَان مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا بِقَوْلِهِ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } [8 75 ], وَبِقَوْلِهِ : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } [971 ]. )12691 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الثَّلَاث الْآيَات خَوَاتِيم الْأَنْفَال فِيهِنَّ ذِكْر مَا كَانَ مِنْ وِلَايَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مُهَاجِرِي الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن الْأَنْصَار فِي الْمِيرَاث , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آخِرهَا : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } [8 75 ]. )12692 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا } إِلَى قَوْله : { بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمِيرَاث لَا يَتَوَارَث الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا , قَالَ : ثُمَّ نَزَلَ بَعْد : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } [875 ]فَتَوَارَثُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : خَوَاتِيم الْأَنْفَال الثَّلَاث الْآيَات فِيهِنَّ ذِكْر مَا كَانَ وَالَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن الْأَنْصَار فِي الْمِيرَاث , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آخِرهَا : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } [8 75 ]. )12693 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } إِلَى قَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَالَ : لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَالْأَعْرَابِيّ الْمُسْلِم لَا يَرِث مِنْ الْمُهَاجِر شَيْئًا , فَنَسَخَ ذَلِكَ بَعْد ذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } [33 6 ]; أَيْ مِنْ أَهْل الشِّرْك . فَأُجِيزَتْ الْوَصِيَّة , وَلَا مِيرَاث لَهُمْ , وَصَارَتْ الْمَوَارِيث بِالْمِلَلِ , وَالْمُسْلِمُونَ يَرِث بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَلَا يَرِث أَهْل مِلَّتَيْنِ . )12694 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن , قَالَا : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه } إِلَى قَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } كَانَ الْأَعْرَابِيّ لَا يَرِث الْمُهَاجِر وَلَا يَرِثهُ الْمُهَاجِر , فَنَسَخَهَا فَقَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } [8 75 ]. )12695 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي الْمِيرَاث , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا } وَهَؤُلَاءِ الْأَعْرَاب , { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء } فِي الْمِيرَاث , { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَقُول بِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ , { فَعَلَيْكُمْ النَّصْر إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي الْمِيرَاث , { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } الَّذِينَ تَوَارَثُوا عَلَى الْهِجْرَة فِي كِتَاب اللَّه , ثُمَّ نَسَخَتْهَا الْفَرَائِض وَالْمَوَارِيث , فَتَوَارَثَ الْأَعْرَاب وَالْمُهَاجِرُونَ .)|وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { وَلَمْ يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ الْكُفَّار , وَلَمْ يُفَارِقُوا دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام . { مَا لَكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُهَاجِرُونَ قَوْمهمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَرْض الْحَرْب , { مِنْ وَلَايَتهمْ } يَعْنِي : مِنْ نُصْرَتهمْ وَمِيرَاثهمْ . وَقَدْ ذَكَرْت قَوْل بَعْض مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْوِلَايَة هَاهُنَا الْمِيرَاث , وَسَأَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّه مَنْ حَضَرَنِي ذِكْره بَعْد . { مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَوْمهمْ وَدُورهمْ مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام . { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَقُول : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي الدِّين , يَعْنِي بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل دِينكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَعَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار النَّصْر , إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , يَعْنِي عَهْد قَدْ وَثِقَ بِهِ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض أَنْ لَا يُحَارِبهُ . 12696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ , وَآخَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ , فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَة , وَكَانَ الرَّجُل يُسْلِم وَلَا يُهَاجِر لَا يَرِث أَخَاهُ , فَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْله : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } [33 6 ]. )12697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَلَى رَجُل دَخَلَ فِي الْإِسْلَام , فَقَالَ : | تُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَحُجّ الْبَيْت , وَتَصُوم رَمَضَان , وَأَنَّك لَا تَرَى نَار مُشْرِك إِلَّا وَأَنْتَ حَرْب . )12698 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين } يَعْنِي : إِنْ اِسْتَنْصَرَكُمْ الْأَعْرَاب الْمُسْلِمُونَ أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عَلَى عَدُوّهُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْصُرُوهُمْ . { إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . )12699 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (تَرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم تُوُفِّيَ عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَالْأَنْصَار , وَأَعْرَابِيّ مُؤْمِن لَمْ يُهَاجِر ; إِنْ اِسْتَنْصَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَرَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ إِذْن لَهُ وَإِنْ اِسْتَنْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّين كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِنْ اِسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُمْ النَّصْر } . وَالرَّابِعَة : التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ . )12700 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا } إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ النَّاس عَلَى أَرْبَع مَنَازِل : مُؤْمِن مُهَاجِر , وَمُسْلِم أَعْرَابِيّ , وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا , وَالتَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ .)|وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ|يَقُول : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ مِنْ وِلَايَة بَعْضكُمْ بَعْضًا أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار , وَتَرَكَ وِلَايَة مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر , وَنُصْرَتكُمْ إِيَّاهُمْ عِنْد اِسْتِنْصَاركُمْ فِي الدِّين , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ فَرَائِض اللَّه الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ . { بَصِير } يَرَاهُ وَيُبْصِرهُ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ غَيْره شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَقُول : بَعْضهمْ أَعْوَان بَعْض وَأَنْصَاره , وَأَحَقّ بِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بَيَان أَنَّ بَعْضهمْ أَحَقّ بِمِيرَاثِ بَعْض مِنْ قَرَابَتهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّة مَنْ حَضَرَنَا ذِكْره . 12701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : (قَالَ رَجُل : نُوَرِّث أَرْحَامنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ! فَنَزَلَتْ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } الْآيَة . )12702 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } نَزَلَتْ فِي مَوَارِيث مُشْرِكِي أَهْل الْعَهْد . )12703 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا } إِلَى قَوْله : { وَفَسَاد كَبِير } قَالَ : كَانَ الْمُؤْمِن الْمُهَاجِر , وَالْمُؤْمِن الَّذِي لَيْسَ بِمُهَاجِرٍ لَا يَتَوَارَثَانِ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ . قَالَ : وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الدِّين كَانَ بِهَذَا الْبَلَد قَلِيلًا حَتَّى كَانَ يَوْم الْفَتْح ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح وَانْقَطَعَتْ الْهِجْرَة تَوَارَثُوا حَيْثُمَا كَانُوا بِالْأَرْحَامِ , وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح | ). وَقَرَأَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } [33 6 ]. )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض وَإِنَّهُ لَا يَكُون مُؤْمِنًا مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِدَارِ الْحَرْب وَلَمْ يُهَاجِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12704 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } قَالَ : كَانَ يَنْزِل الرَّجُل بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَيَقُول : إِنْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ كُنْت مَعَهُمْ , وَإِنْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ كُنْت مَعَهُمْ . فَأَبَى اللَّه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ , وَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ ; فَلَا تَرَاءَى نَار مُسْلِم وَنَار مُشْرِك إِلَّا صَاحِب جِزْيَة مُقِرًّا بِالْخَرَاجِ . )12705 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (حَضَّ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّوَاصُل , فَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَهْل وِلَايَة فِي الدِّين دُون مَنْ سِوَاهُمْ , وَجَعَلَ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض .)|إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ|وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِلَّا تَفْعَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ مُوَارَثَة الْمُهَاجِرِينَ مِنْكُمْ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالْهِجْرَةِ وَالْأَنْصَار بِالْإِيمَانِ دُون أَقْرِبَائِهِمْ مِنْ أَعْرَاب الْمُسْلِمِينَ وَدُون الْكُفَّار { تَكُنْ فِتْنَة } يَقُول : يَحْدُث بَلَاء فِي الْأَرْض بِسَبَبِ ذَلِكَ , { وَفَسَاد كَبِير } يَعْنِي : وَمَعَاصِي اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } إِلَّا تَفْعَلُوا هَذَا تَتْرُكُوهُمْ يَتَوَارَثُونَ كَمَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْإِيمَان إِلَّا بِالْهِجْرَةِ , وَلَا يَجْعَلُونَهُمْ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْهِجْرَةِ . )12707 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } يَعْنِي فِي الْمِيرَاث . { إِلَّا تَفْعَلُوهُ } يَقُول : إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاث بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ . { تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا تَنَاصَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12708 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (جَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار أَهْل وِلَايَة فِي الدِّين دُون مَنْ سِوَاهُمْ , وَجَعَلَ الْكُفَّار بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِن الْكَافِر دُون الْمُؤْمِن . ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيث إِلَى الْأَرْحَام . )12709 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } قَالَ : إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا فِي الدِّين , تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَنَّ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى تَحْرِيم اللَّه عَلَى الْمُؤْمِن الْمَقَام فِي دَار الْحَرْب وَتَرْك الْهِجْرَة ; لِأَنَّ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ مَعْنَى الْوَلِيّ أَنَّهُ النَّصِير وَالْمُعِين أَوْ اِبْن الْعَمّ وَالنَّسِيب . فَأَمَّا الْوَارِث فَغَيْر مَعْرُوف ذَلِكَ مِنْ مَعَانِيه إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلِيه فِي الْقِيَام بِإِرْثِهِ مِنْ بَعْده , وَذَلِكَ مَعْنَى بَعِيد وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلهُ الْكَلَام . وَتَوْجِيه مَعْنَى كَلَام اللَّه إِلَى الْأَظْهَر الْأَشْهَر أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيِّن أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض وَفَسَاد كَبِير } تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِلَّا تَفْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ التَّعَاوُن وَالنُّصْرَة عَلَى الدِّين تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض , إِذْ كَانَ مُبْتَدَأ الْآيَة مِنْ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه } بِالْحَثِّ عَلَى الْمُوَالَاة عَلَى الدِّين وَالتَّنَاصُر جَاءَ , وَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَاتِمَتهَا بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } آوَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ وَنَصَرُوهُمْ وَنَصَرُوا دِين اللَّه , أُولَئِكَ هُمْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله حَقًّا , لَا مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر دَار الشِّرْك وَأَقَامَ بَيْن أَظْهُر أَهْل الشِّرْك وَلَمْ يَغْزُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَدُوّهُمْ . وَهَذِهِ الْآيَة تُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه : { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فِي هَذِهِ الْآيَة , وَقَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتهمْ مِنْ شَيْء } إِنَّمَا هُوَ النُّصْرَة وَالْمَعُونَة دُون الْمِيرَاث ; لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَقِب ذَلِكَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَالْخَبَر عَمَّا لَهُمْ عِنْده دُون مَنْ لَمْ يُهَاجِر بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } الْآيَة , وَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِالْآيَاتِ قَبْل ذَلِكَ الدَّلَالَة عَلَى حُكْم مِيرَاثهمْ لَمْ يَكُنْ عَقِيب ذَلِكَ لَا الْحَثّ عَلَى مُضِيّ الْمِيرَاث عَلَى مَا أَمَرَ , وَفِي صِحَّة ذَلِكَ كَذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنْ لَا نَاسِخ فِي هَذِهِ الْآيَات لِشَيْءٍ وَلَا مَنْسُوخ .|لَهُمْ مَغْفِرَةٌ|يَقُول : لَهُمْ سِتْر مِنْ اللَّه عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا.|وَرِزْقٌ كَرِيمٌ|يَقُول : لَهُمْ فِي الْجَنَّة مَطْعَم وَمَشْرَب هَنِيّ كَرِيم , لَا يَتَغَيَّر فِي أَجْوَافهمْ فَيَصِير نَجْوًا , وَلَكِنَّهُ يَصِير رَشْحًا كَرَشْحِ الْمِسْك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله مِنْ بَعْد تِبْيَانِي مَا بَيَّنْت مِنْ وِلَايَة الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار بَعْضهمْ بَعْضًا وَانْقِطَاع وِلَايَتهمْ مِمَّنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِر حَتَّى يُهَاجِر وَهَاجَرُوا دَار الْكُفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ فِي الْوِلَايَة يَجِب عَلَيْكُمْ لَهُمْ مِنْ الْحَقّ وَالنُّصْرَة فِي الدِّين وَالْمُوَارَثَة مِثْل الَّذِي يَجِب لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَلِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض . كَمَا : 12710 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (ثُمَّ رَدَّ الْمَوَارِيث إِلَى الْأَرْحَام الَّتِي بَيَّنَهَا فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْد وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } أَيْ فِي الْمِيرَاث , { إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } .)|وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْمُتَنَاسِبُونَ بِالْأَرْحَامِ بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي الْمِيرَاث , إِذَا كَانُوا مِمَّنْ قَسَمَ اللَّه لَهُ مِنْهُ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ الْحَلِيف وَالْوَلِيّ , { فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول : فِي حُكْم اللَّه الَّذِي كَتَبَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالسَّابِق مِنْ الْقَضَاء . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12711 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثَنَا قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ : (كَانَ لَا يَرِث الْأَعْرَابِيّ الْمُهَاجِر حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . )12712 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ عِيسَى بْن الْحَارِث , (أَنَّ أَخَاهُ شُرَيْح بْن الْحَارِث كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّة فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَة , فَلَمَّا شَبَّتْ الْجَارِيَة زُوِّجَتْ , فَوَلَدَتْ غُلَامًا , ثُمَّ مَاتَتْ السُّرِّيَّة , وَاخْتَصَمَ شُرَيْح بْن الْحَارِث وَالْغُلَام إِلَى شُرَيْح الْقَاضِي فِي مِيرَاثهَا , فَجَعَلَ شُرَيْح بْن الْحَارِث يَقُول : لَيْسَ لَهُ مِيرَاث فِي كِتَاب اللَّه . قَالَ : فَقَضَى شُرَيْح بِالْمِيرَاثِ لِلْغُلَامِ . قَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } فَرَكِبَ مَيْسَرَة بْن يَزِيد إِلَى اِبْن الزُّبَيْر , وَأَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ شُرَيْح وَقَوْله , فَكَتَبَ اِبْن الزُّبَيْر إِلَى شُرَيْح أَنَّ مَيْسَرَة أَخْبَرَنِي أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا وَكَذَا وَقُلْت : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } وَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ الرَّجُل كَانَ يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك , فَنَزَلَتْ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } . فَجَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى شُرَيْح , فَقَالَ شُرَيْح : أَعْتَقَهَا جَنِين بَطْنهَا ! وَأَبَى أَنْ يَرْجِع عَنْ قَضَائِهِ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن الْحَارِث , قَالَ : كَانَتْ لِشُرَيْح بْن الْحَارِث سُرِّيَّة , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : كَانَ الرَّجُل يُعَاقِد الرَّجُل يَقُول : تَرِثنِي وَأَرِثك ; فَلَمَّا نَزَلَتْ تُرِكَ ذَلِكَ .|إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ|يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِمَا يُصْلِح عِبَاده فِي تَوْرِيثه بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي الْقَرَابَة وَالنَّسَب دُون الْحِلْف بِالْعَقْدِ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا .