وَقَوْله : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْك تُحْمَلُونَ } يَقُول : وَعَلَى الْأَنْعَام وَعَلَى السُّفُن تُحْمَلُونَ , عَلَى هَذِهِ فِي الْبَرّ وَعَلَى هَذِهِ فِي الْبَحْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه } دَاعِيهمْ إِلَى طَاعَتنَا وَتَوْحِيدنَا وَالْبَرَاءَة مِنْ كُلّ مَعْبُود سِوَانَا .|فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا| { فَقَالَ } لَهُمْ نُوح : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّه } يَقُول : قَالَ لَهُمْ : ذِلُّوا يَا قَوْم لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ.|اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ| { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُود يَجُوز لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ غَيْره .|غَيْرُهُ أَفَلَا| { أَفَلَا تَتَّقُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَخْشَوْنَ بِعِبَادَتِكُمْ غَيْره عِقَابه أَنْ يَحِلّ بِكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه مَا هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَتْ جَمَاعَة أَشْرَاف قَوْم نُوح , الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه وَكَذَّبُوهُ , لِقَوْمِهِمْ : مَا نُوح أَيّهَا الْقَوْم إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ , إِنَّمَا هُوَ إِنْسَان مِثْلكُمْ وَكَبَعْضِكُمْ ,|يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ|يَقُول : يُرِيد أَنْ يَصِير لَهُ الْفَضْل عَلَيْكُمْ , فَيَكُون مَتْبُوعًا وَأَنْتُمْ لَهُ تَبَع .|وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً|يَقُول : وَلَوْ شَاءَ اللَّه أَنْ لَا نَعْبُد شَيْئًا سِوَاهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَة , يَقُول : لَأَرْسَلَ بِالدُّعَاءِ إِلَى مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ نُوح مَلَائِكَة تُؤَدِّي إِلَيْكُمْ رِسَالَته.|مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ|وَقَوْله : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا } الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ نُوح مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَه لَنَا غَيْر اللَّه فِي الْقُرُون الْمَاضِيَة , وَهِيَ آبَاؤُهُمْ الْأَوَّلُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُل بِهِ جِنَّة } . </subtitle>يَعْنِي ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْم نُوح { إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُل بِهِ جِنَّة } مَا نُوح إِلَّا رَجُل بِهِ جُنُون . وَقَدْ يُقَال أَيْضًا لِلْجِنِّ جِنَّة , فَيَتَّفِق الِاسْم وَالْمَصْدَر , وَ | هُوَ | مِنْ قَوْله : { إِنْ هُوَ } كِنَايَة اسْم نُوح .|فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ|وَقَوْله : { فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِين } يَقُول : فَتَلَبَّثُوا بِهِ , وَتَنَظَّرُوا بِهِ حَتَّى حِين ; يَقُول : إِلَى وَقْت مَا . وَلَمْ يَعْنُوا بِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا , إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِل : دَعْهُ إِلَى يَوْم مَا , أَوْ إِلَى وَقْت مَا .
وَقَوْله : { قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } يَقُول : قَالَ نُوح دَاعِيًا رَبّه مُسْتَنْصِرًا بِهِ عَلَى قَوْمه , لَمَّا طَالَ أَمْره وَأَمْرهُمْ وَتَمَادَوْا فِي غَيّهمْ : { رَبِّ انْصُرْنِي } عَلَى قَوْمِي { بِمَا كَذَّبُونِ } يَعْنِي بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ , فِيمَا بَلَّغْتهمْ مِنْ رِسَالَتك وَدَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدك .
وَقَوْله : { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْك } يَقُول : فَقُلْنَا لَهُ حِين اسْتَنْصَرَنَا عَلَى كَفَرَة قَوْمه : اصْنَعِ الْفُلْك , وَهِيَ السَّفِينَة|بِأَعْيُنِنَا| { بِأَعْيُنِنَا } يَقُول : بِمَرْأًى مِنَّا وَمَنْظَر ,|وَوَحْيِنَا| { وَوَحْينَا } يَقُول : وَبِتَعْلِيمِنَا إِيَّاكَ صَنْعَتهَا.|فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا|يَقُول : فَإِذَا جَاءَ قَضَاؤُنَا فِي قَوْمك , بِعَذَابِهِمْ وَهَلَاكهمْ ;|وَفَارَ التَّنُّورُ|وَقَوْله : { وَفَارَ التَّنُّور } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : انْبَجَسَ الْمَاء مِنْ وَجْه الْأَرْض , وَفَارَ التَّنُّور , وَهُوَ وَجْه الْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14014 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنِ الضَّحَّاك , عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : التَّنُّور : وَجْه الْأَرْض . قَالَ : قِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء عَلَى وَجْه الْأَرْض , فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك ! قَالَ : وَالْعَرَب تُسَمِّي وَجْه الْأَرْض : تَنُّور الْأَرْض )14015 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنِ الْعَوَّام , عَنِ الضَّحَّاك , بِنَحْوِهِ . 14016 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : وَجْه الْأَرْض )حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنِ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : وَجْه الْأَرْض )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ تَنْوِير الصُّبْح مِنْ قَوْلهمْ : نَوَّرَ الصُّبْح تَنْوِيرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14017 -حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبَّاس مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَة , عَنْ أَبِي جُحَيْفَة , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : هُوَ تَنْوِير الصُّبْح )حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَإِسْحَاق بْن إِسْرَائِيل , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ زِيَاد مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَة , عَنْ أَبِي جُحَيْفَة , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : تَنْوِير الصُّبْح )حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن يَعْقُوب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَة , أَرَاهُ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَة , عَنْ عَلِيّ : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : تَنْوِير الصُّبْح )حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ قُرَيْش , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : طَلَعَ الْفَجْر )حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ رَجُل قَدْ سَمَّاهُ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : إِذَا طَلَعَ الْفَجْر )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَفَارَ عَلَى الْأَرْض وَأَشْرَف مَكَان فِيهَا بِالْمَاءِ . وَقَالَ : التَّنُّور أَشْرَف الْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14018 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهُ أَعْلَى الْأَرْض وَأَشْرَفهَا , وَكَانَ عَلَمًا بَيْن نُوح وَبَيْن رَبّه )حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة , قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : أَشْرَف الْأَرْض وَأَرْفَعهَا فَارَ الْمَاء مِنْهُ )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ التَّنُّور الَّذِي يُخْتَبَز فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14019 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : إِذَا رَأَيْت تَنُّور أَهْلك يَخْرُج مِنْهُ الْمَاء فَإِنَّهُ هَلَاك قَوْمك )14020 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي مُحَمَّد , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : (كَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَة كَانَ لِحَوَّاء حَتَّى صَارَ إِلَى نُوح , قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء يَفُور مِنَ التَّنُّور فَارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابك )14021 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : حِين انْبَجَسَ الْمَاء وَأُمِرَ نُوح أَنْ يَرْكَب هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك )حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَا : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : انْبَجَسَ الْمَاء مِنْهُ آيَة أَنْ يَرْكَب بِأَهْلِهِ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَة )حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (آيَة أَنْ يَرْكَب أَهْله وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَة )حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (آيَة بِأَنْ يَرْكَب بِأَهْلِهِ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَة )14022 -حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (نَبَعَ الْمَاء فِي التَّنُّور , فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَته فَأَخْبَرَتْهُ . قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَة الْكُوفَة )14023 - قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن ثَابِت , عَنِ السَّرِيّ بْن إِسْمَاعِيل , عَنِ الشَّعْبِيّ : (أَنَّهُ كَانَ يَحْلِف بِاللَّهِ مَا فَارَ التَّنُّور إِلَّا مِنْ نَاحِيَة الْكُوفَة )14024 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ , عَنِ النَّضْر أَبِي عُمَر الْخَزَّاز , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : فَارَ التَّنُّور بِالْهِنْدِ )14025 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } كَانَ آيَة لِنُوحٍ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَاء فَقَدْ أَتَى النَّاس الْهَلَاك وَالْغَرَق )وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي مَعْنَى فَارَ : نَبَعَ . 14026 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَفَارَ التَّنُّور } قَالَ : نَبَعَ )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفَوَرَان الْمَاء سُورَة دَفْعَته , يُقَال مِنْهُ : فَارَ الْمَاء يَفُور فَوَرَانًا وَفَوْرًا , وَذَاكَ إِذَا سَارَتْ دَفْعَته . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدنَا بِتَأْوِيلِ قَوْله : { التَّنُّور } قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ التَّنُّور الَّذِي يُخْبَز فِيهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب , وَكَلَام اللَّه لَا يُوَجَّه إِلَّا إِلَى الْأَغْلَب الْأَشْهَر مِنْ مَعَانِيه عِنْد الْعَرَب إِلَّا أَنْ تَقُوم حُجَّة عَلَى شَيْء مِنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُسَلَّم لَهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ لِإِفْهَامِهِمْ مَعْنَى مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ . { قُلْنَا } لِنُوحٍ حِين جَاءَ عَذَابنَا قَوْمه الَّذِي وَعَدْنَا نُوحًا أَنْ نُعَذِّبهُمْ بِهِ , وَفَارَ التَّنُّور الَّذِي جَعَلْنَا فَوَرَانه بِالْمَاءِ آيَة مَجِيء عَذَابنَا بَيْننَا وَبَيْنه لِهَلَاكِ قَوْمه : { احْمِلْ فِيهَا } يَعْنِي فِي الْفُلْك { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } يَقُول : مِنْ كُلّ ذَكَر وَأُنْثَى . كَمَا : 14027 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } قَالَ : ذَكَر وَأُنْثَى مِنْ كُلّ صِنْف )* -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } فَالْوَاحِد زَوْج , وَالزَّوْجَيْنِ ذَكَر وَأُنْثَى مِنْ كُلّ صِنْف )- قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } قَالَ : ذَكَر وَأُنْثَى مِنْ كُلّ صِنْف . قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 14028 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } يَقُول : مِنْ كُلّ صِنْف اثْنَيْنِ )14029 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } يَعْنِي بِالزَّوْجَيْنِ اثْنَيْنِ : ذَكَر أَوْ أُنْثَى )وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنَ الْكُوفِيِّينَ : الزَّوْجَانِ فِي كَلَام الْعَرَب : الِاثْنَانِ , قَالَ : وَيُقَال عَلَيْهِ زَوْجَا نِعَال : إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَعْلَانِ , وَلَا يُقَال عَلَيْهِ زَوْج نِعَال , وَكَذَلِكَ عِنْده زَوْجَا حَمَام , وَعَلَيْهِ زَوْجَا قُيُود . وَقَالَ : أَلَا تَسْمَع إِلَى قَوْله : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى } فَإِنَّمَا هُمَا اثْنَانِ , وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } قَالَ : فَجَعَلَ الزَّوْجَيْنِ : الضَّرْبَيْنِ , الذُّكُور وَالْإِنَاث , قَالَ : وَزَعَمَ يُونُس أَنَّ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلَى كُلّ غِرَّة .......... فَتُخْطِئ فِيهَا مَرَّة وَتُصِيب <br>يَعْنِي بِهِ الذِّئْب . قَالَ : فَهَذَا أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : الزَّوْج : اللَّوْن , قَالَ : وَكُلّ ضَرْب يُدْعَى لَوْنًا , وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْأَعْشَى فِي ذَلِكَ : <br>وَكُلّ زَوْج مِنَ الدِّيبَاج يَلْبَسهُ .......... أَبُو قُدَامَة مَحْبُوًّا بِذَاكَ مَعَا <br>وَبِقَوْلِ لَبِيد : <br>بِذِي بَهْجَة كُنَّ الْمَقَانِب صَوَّبَهُ .......... وَزَيَّنَهُ أَزْوَاج نُور مُشْرَب <br>وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَن قَالَ فِي قَوْله : ( { مِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [51 49 ]السَّمَاء زَوْج , وَالْأَرْض زَوْج , وَالشِّتَاء زَوْج , وَالصَّيْف زَوْج , وَاللَّيْل زَوْج , وَالنَّهَار زَوْج , حَتَّى يَصِير الْأَمْر إِلَى اللَّه الْفَرْد الَّذِي لَا يُشْبِههُ شَيْء )وَقَوْله : ( { وَأَهْلك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل } يَقُول : وَاحْمِلْ أَهْلك أَيْضًا فِي الْفُلْك , يَعْنِي بِالْأَهْلِ : وَلَده وَنِسَاءَهُ وَأَزْوَاجه { إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل } يَقُول : إِلَّا مَنْ قُلْت فِيهِمْ إِنِّي مُهْلِكه مَعَ مَنْ أُهْلِك مِنْ قَوْمك )ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّه مِنْ أَهْله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ بَعْض نِسَاء نُوح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 14030 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : ( { وَأَهْلك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل } قَالَ : الْعَذَاب , هِيَ امْرَأَته كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ فِي الْعَذَاب )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ ابْنه الَّذِي غَرِقَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14031 - حُدِّثْت عَنِ الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنِ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { وَأَهْلك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل } قَالَ : ابْنه غَرِقَ فِيمَنْ غَرِقَ )وَقَوْله : ( { وَمَنْ آمَنَ } يَقُول : وَاحْمِلْ مَعَهُمْ مَنْ صَدَّقَك وَاتَّبَعَك مِنْ قَوْمك . يَقُول اللَّه : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } يَقُول : وَمَا أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه مَعَ نُوح مِنْ قَوْمه إِلَّا قَلِيل )وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَد الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا مَعَهُ فَحَمَلَهُمْ مَعَهُ فِي الْفُلْك , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ : كَانُوا ثَمَانِيَة أَنْفُس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14032 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَهْلك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَتِمّ فِي السَّفِينَة إِلَّا نُوح وَامْرَأَته وَثَلَاثَة بَنِيهِ , وَنِسَاؤُهُمْ , فَجَمِيعهمْ ثَمَانِيَة )14033 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَالْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي غُنْيَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الْحَكَم : ( { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } قَالَ : نُوح , وَثَلَاثَة بَنِيهِ , وَأَرْبَع كَنَائِنه )14034 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : (حُدِّثْت أَنَّ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلَاثَة وَثَلَاث نِسْوَة لِبَنِيهِ , وَامْرَأَة نُوح , فَهُمْ ثَمَانِيَة بِأَزْوَاجِهِمْ . وَأَسْمَاء بَنِيهِ : وَيَافِث , وَسَام , وَحَام , وَأَصَابَ حَام زَوْجَته فِي السَّفِينَة , فَدَعَا نُوح أَنْ يُغَيِّر نُطْفَته فَجَاءَ بِالسُّودَانِ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا سَبْعَة أَنْفُس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14035 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش ( { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } قَالَ : كَانُوا سَبْعَة : نُوح , وَثَلَاث كَنَائِن لَهُ , وَثَلَاثَة بَنِينَ )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانُوا عَشَرَة سِوَى نِسَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14036 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا فَارَ التَّنُّور , حَمَلَ نُوح فِي الْفُلْك مَنْ أَمَرَهُ اللَّه بِهِ , وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّه , فَحَمَلَ بَنِيهِ الثَّلَاثَة : سَام , وَحَام , وَيَافِث , وَنِسَاءَهُمْ , وَسِتَّة أَنَاسِيّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ , فَكَانُوا عَشَرَة نَفَر بِنُوحٍ وَبَنِيهِ وَأَزْوَاجهمْ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 14037 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ ابْن عَبَّاس : (حَمَلَ نُوح مَعَهُ فِي السَّفِينَة ثَمَانِينَ إِنْسَانًا )14038 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : (كَانُوا ثَمَانِينَ , يَعْنِي الْقَلِيل الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } )14039 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : ثني حُسَيْن بْن وَاقِد الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : ثني أَبُو نَهِيك , قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقُول : (كَانَ فِي سَفِينَة نُوح ثَمَانُونَ رَجُلًا , أَحَدهمْ جُرْهُم )وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } يَصِفهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلًا , وَلَمْ يُحَدِّد عَدَدهمْ بِمِقْدَارٍ وَلَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيح , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَز فِي ذَلِكَ حَدّ اللَّه , إِذْ لَمْ يَكُنْ لِمَبْلَغِ عَدَد ذَلِكَ حَدّ مِنْ كِتَاب اللَّه أَوْ أَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.|فَاسْلُكْ فِيهَا|يَقُول : فَأَدْخِلْ فِي الْفُلْك وَاحْمِلْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { فِيهَا } مِنْ ذِكْر الْفُلْك .|مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ|يُقَال سَلَكْته فِي كَذَا وَأَسْلَكْته فِيهِ ; وَمِنْ سَلَكْته قَوْل الشَّاعِر : <br>وَكُنْت لِزَاز خَصْمك لَمْ أُعَرِّد .......... وَقَدْ سَلَكُوك فِي يَوْم عَصِيب <br>وَبَعْضهمْ يَقُول : أَسْلَكْت بِالْأَلِفِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ . <br>حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدَة .......... شَلًّا كَمَا تَطْرُد الْجَمَّالَة الشُّرُدَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19289 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } يَقُول لِنُوحٍ : اجْعَلْ فِي السَّفِينَة مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ .)|وَأَهْلَكَ|وَهُمْ وَلَده وَنِسَاؤُهُمْ.|إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ|مِنَ اللَّه بِأَنَّهُ هَالِك فِيمَنْ يُهْلَك مِنْ قَوْمك فَلَا تَحْمِلهُ مَعَك , وَهُوَ يام الَّذِي غَرِقَ.|مِنْهُمْ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ } مِنْ أَهْلك , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله | مِنْهُمْ | مِنْ ذِكْر الْأَهْل .|وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا|وَقَوْله : { وَلَا تُخَاطِبنِي ... } الْآيَة , يَقُول : وَلَا تَسْأَلنِي فِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ أَنْ أُنْجِيهِمْ .|إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ| { إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } يَقُول : فَإِنِّي قَدْ حَتَّمْت عَلَيْهِمْ أَنْ أُغْرِق جَمِيعهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا اسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا اسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك } فَإِذَا اعْتَدَلْت فِي السَّفِينَة أَنْتَ وَمَعَك مِمَّنْ حَمَلْته مَعَك مِنْ أَهْلك , رَاكِبًا فِيهَا عَالِيًا فَوْقهَا ;|فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ| { فَقُلِ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَعْنِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْر الْمُنْزِلِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : وَقُلْ إِذَا سَلَّمَك اللَّه وَأَخْرَجَك مِنَ الْفُلْك فَنَزَلْت عَنْهَا : { رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا } مِنَ الْأَرْض { مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْر } مَنْ أَنْزَلَ عِبَاده الْمَنَازِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19290 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مُنْزَلًا مُبَارَكًا } قَالَ : لِنُوحٍ حِين نَزَلَ مِنَ السَّفِينَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن . قَالَ : ثني حَجَّاج . عَنِ ابْن جُرَيْج . عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ . فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا } بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الزَّاي . بِمَعْنَى : أَنْزِلْنِي إِنْزَالًا مُبَارَكًا . وَقَرَأَهُ عَاصِم : | مَنْزِلًا | بِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الزَّاي . بِمَعْنَى : أَنْزِلْنِي مَكَانًامُبَارَكًا وَمَوْضِعًا .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا بِقَوْمِ نُوح يَا مُحَمَّد مِنْ إِهْلَاكِنَاهُمْ إِذْ كَذَّبُوا رُسُلنَا وَجَحَدُوا وَحْدَانِيّتنَا وَعَبَدُوا الْآلِهَة وَالْأَصْنَام , لَعِبَرًا لِقَوْمِك مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , وَعِظَات وَحُجَجًا لَنَا , يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى سُنَّتنَا فِي أَمْثَالهمْ , فَيَنْزَجِرُوا عَنْ كُفْرهمْ وَيَرْتَدِعُوا عَنْ تَكْذِيبك , حَذَرًا أَنْ يُصِيبهُمْ مِثْل الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَاب .|وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ|وَقَوْله : { وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُنَّا مُخْتَبِرِيهِمْ بِتَذْكِيرِنَا إِيَّاهُمْ بِآيَاتِنَا , لِنَنْظُر مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْل نُزُول عُقُوبَتنَا بِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدهمْ قَرْنًا آخَرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ أَحْدَثْنَا مِنْ بَعْد مَهْلِك قَوْم نُوح قَرْنًا آخَرِينَ فَأَوْجَدْنَاهُمْ .
{ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } دَاعِيًا لَهُمْ , { أَنِ اعْبُدُوا اللَّه } يَا قَوْمِ , وَأَطِيعُوهُ دُون الْآلِهَة وَالْأَصْنَام , فَإِنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ .|مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ|يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُود يَصْلُح أَنْ تَعْبُدُوا سِوَاهُ .|أَفَلَا تَتَّقُونَ|أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَاب اللَّه بِعِبَادَتِكُمْ شَيْئًا دُونه , وَهُوَ الْإِلَه الَّذِي لَا إِلَه لَكُمْ سِوَاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْمه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَتِ الْأَشْرَاف مِنْ قَوْم الرَّسُول الَّذِي أَرْسَلْنَا بَعْد نُوح . وَعَنَى بِالرَّسُولِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : صَالِحًا , وَبِقَوْمِهِ : ثَمُود .|الَّذِينَ كَفَرُوا|يَقُول : الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه .|وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ|يَعْنِي كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه فِي الْآخِرَة.|وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا|وَقَوْله : { وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : وَنَعَّمْنَاهُمْ فِي حَيَاتهمُ الدُّنْيَا بِمَا وَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَعَاش وَبَسَطْنَا لَهُمْ مِنَ الرِّزْق , حَتَّى بَطِرُوا وَعَتَوْا عَلَى رَبّهمْ وَكَفَرُوا ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>وَقَدْ أَرَانِي بِالدِّيَارِ مُتْرَفًا<br>|مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ|وَقَوْله : { مَا هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } يَقُول : قَالُوا : بَعَثَ اللَّه صَالِحًا إِلَيْنَا رَسُولًا مِنْ بَيْننَا , وَخَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ دُوننَا , وَهُوَ إِنْسَان مِثْلنَا يَأْكُل مِمَّا نَأْكُل مِنْهُ مِنَ الطَّعَام وَيَشْرَب مِمَّا نَشْرَب , وَكَيْفَ لَمْ يُرْسِل مَلَكًا مِنْ عِنْده يُبَلِّغنَا رِسَالَته ؟ قَالَ : { وَيَشْرَب مِمَّا تَشْرَبُونَ } مَعْنَاهُ : مِمَّا تَشْرَبُونَ مِنْهُ , فَحَذَفَ مِنَ الْكَلَام | مِنْهُ | ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَيَشْرَب مِنْ شَرَابكُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : شَرِبْت مِنْ شَرَابك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمَلَأ مِنْ قَوْم صَالِح لِقَوْمِهِمْ : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلكُمْ } فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَقَبِلْتُمْ مَا يَقُول وَصَدَّقْتُمُوهُ . { إِنَّكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { إِذًا لَخَاسِرُونَ } يَقُول : قَالُوا : إِنَّكُمْ إِذَنْ لَمَغْبُونُونَ حُظُوظكُمْ مِنَ الشَّرَف وَالرِّفْعَة فِي الدُّنْيَا , بِاتِّبَاعِكُمْ إِيَّاهُ .
قَوْله : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا . .. } الْآيَة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالُوا لَهُمْ : أَيَعِدُكُمْ صَالِح أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا فِي قُبُوركُمْ وَعِظَامًا قَدْ ذَهَبَتْ لُحُوم أَجْسَادكُمْ وَبَقِيَتْ عِظَامهَا , أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ مِنْ قُبُوركُمْ أَحْيَاء كَمَا كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ ؟ وَأُعِيدَتْ | أَنَّكُمْ | مَرَّتَيْنِ , وَالْمَعْنَى : أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا مُخْرَجُونَ مَرَّة وَاحِدَة , لَمَّا فَرَّقَ بَيْن | أَنَّكُمْ | الْأُولَى وَبَيْن خَبَرهَا بِ | إِذًا | , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب بِكُلِّ اسْم أَوْقَعَتْ عَلَيْهِ الظَّنّ وَأَخَوَاته , ثُمَّ اعْتُرِضَتْ بِالْجَزَاءِ دُون خَبَره , فَتُكَرِّر اسْمه مَرَّة وَتَحْذِفهُ أُخْرَى , فَتَقُول : أَظُنّ أَنَّك إِنْ جَالَسْتنَا أَنَّك مُحْسِن , فَإِنْ حَذَفْت | أَنَّك | الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَة صَلُحَ , وَإِنْ أَثْبَتّهمَا صَلُحَ , وَإِنْ لَمْ تَعْتَرِض بَيْنهمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ , خَطَأ أَنْ يُقَال : أَظُنّ أَنَّك أَنَّك جَالِس . وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | أَيَعِدُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ | .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْل الْمَلَأ مِنْ ثَمُود أَنَّهُمْ قَالُوا : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } أَيْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ أَيّهَا الْقَوْم , مِنْ أَنَّكُمْ بَعْد مَوْتكُمْ وَمَصِيركُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا مُخْرَجُونَ أَحْيَاء مِنْ قُبُوركُمْ , يَقُولُونَ : ذَلِكَ غَيْر كَائِن . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19291 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } يَقُول : بَعِيد بَعِيد . )19292 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } قَالَ : يَعْنِي الْبَعْث . )وَالْعَرَب تُدْخِل اللَّام مَعَ | هَيْهَاتَ | فِي الِاسْم الَّذِي يَصْحَبهَا , وَتَنْزِعهَا مِنْهُ , تَقُول : هَيْهَاتَ لَك هَيْهَاتَ , وَهَيْهَاتَ مَا تَبْتَغِي هَيْهَاتَ ; وَإِذَا أَسْقَطْت اللَّام رَفَعْت الِاسْم بِمَعْنَى هَيْهَاتَ , كَأَنَّهُ قَالَ : بَعِيد مَا يَنْبَغِي لَك ; كَمَا قَالَ جَرِير : <br>فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْعَقِيق وَمَنْ بِهِ .......... وَهَيْهَاتَ خِلّ بِالْعَقِيقِ نُوَاصِلهُ <br>كَأَنَّهُ قَالَ : الْعَقِيق وَأَهْله . وَإِنَّمَا دَخَلَتْ اللَّام مَعَ هَيْهَاتَ فِي الِاسْم لِأَنَّهُمْ قَالُوا : | هَيْهَاتَ | أَدَاة غَيْر مَأْخُوذَة مِنْ فِعْل , فَأَدْخَلُوا مَعَهَا فِي الِاسْم اللَّام . كَمَا أَدْخَلُوهَا مَعَ هَلُمَّ لَك , إِذْ لَمْ تَكُنْ مَأْخُوذَة مِنْ فِعْل , فَإِذَا قَالُوا أَقْبِلْ لَمْ يَقُولُوا لَك ; لِاحْتِمَالِ الْفِعْل ضَمِير الِاسْم . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي كَيْفِيَّة الْوَقْف عَلَى هَيْهَاتَ , فَكَانَ الْكِسَائِيّ يَخْتَار الْوُقُوف فِيهَا بِالْهَاءِ ; لِأَنَّهَا مَنْصُوبَة , وَكَانَ الْفَرَّاء يَخْتَار الْوُقُوف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ . وَيَقُول : مِنْ الْعَرَب مَنْ يُخْفِض التَّاء , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيث , فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ دَرَاك وَنَظَارِ ; وَأَمَّا نَصْب التَّاء فِيهِمَا ; فَلِأَنَّهُمَا أَدَاتَانِ . فَصَارَتَا بِمَنْزِلَةِ خَمْسَة عَشَر . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : إِنْ قِيلَ إِنَّ كُلّ وَاحِدَة مُسْتَغْنِيَة بِنَفْسِهَا يَجُوز الْوُقُوف عَلَيْهَا . وَإِنَّ نَصْبهَا كَنَصْبِ قَوْله : ثَمَّتْ جَلَسْت ; وَبِمَنْزِلَةِ قَوْل الشَّاعِر . <br>مَاوِيَّ يَا رُبَّتَمَا غَارَة .......... شَعْوَاء كَاللَّذْعَةِ بِالْمِيسَمِ <br>قَالَ : فَنَصْب | هَيْهَاتَ | بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْهَاء الَّتِي فِي | رُبَّت | لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى حَرْف , عَلَى | رُبَّ | وَعَلَى | ثَمَّ | , وَكَانَا أَدَاتَيْنِ , فَلَمْ تُغَيِّرهَا عَنْ أَدَاتهمَا فَنُصِبَا . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ . فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر أَبِي جَعْفَر : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } بِفَتْحِ التَّاء فِيهِمَا , وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : | هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ | بِكَسْرِ التَّاء فِيهِمَا , وَالْفَتْح فِيهِمَا هُوَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا } يَقُول : مَا حَيَاة إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا الَّتِي نَحْنُ فِيهَا { نَمُوت وَنَحْيَا } يَقُول : تَمُوت الْأَحْيَاء مِنَّا فَلَا تَحْيَا وَيُحْدَث آخَرُونَ مِنَّا فَيُولَدُونَ أَحْيَاء . { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } يَقُول : قَالُوا : وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بَعْد الْمَمَات . كَمَا : 19293 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا نَمُوت وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } قَالَ : يَقُول لَيْسَ آخِرَة وَلَا بَعْث , يَكْفُرُونَ بِالْبَعْثِ , يَقُولُونَ : إِنَّمَا هِيَ حَيَاتنَا هَذِهِ ثُمَّ نَمُوت وَلَا نَحْيَا , يَمُوت هَؤُلَاءِ وَيَحْيَا هَؤُلَاءِ , يَقُولُونَ : إِنَّمَا النَّاس كَالزَّرْعِ يُحْصَد هَذَا وَيَنْبُت هَذَا : يَقُولُونَ : يَمُوت هَؤُلَاءِ وَيَأْتِي آخَرُونَ . وَقَرَأَ : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } [34 7 ]وَقَرَأَ : { لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } [34 3 ].)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُل افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالُوا مَا صَالِح إِلَّا رَجُل اخْتَلَقَ عَلَى اللَّه كَذِبًا فِي قَوْله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْر اللَّه وَفِي وَعْده إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ . وَقَوْله : { هُوَ } مِنْ ذِكْر الرَّسُول , وَهُوَ صَالِح .|وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ|يَقُول : وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُصَدِّقِينَ فِيمَا يَقُول أَنَّهُ لَا إِلَه لَنَا غَيْر اللَّه , وَفِيمَا يَعِدنَا مِنَ الْبَعْث بَعْد الْمَمَات .
وَقَوْله : { قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } يَقُول : قَالَ صَالِح لَمَّا أَيِسَ مِنْ إِيمَان قَوْمه بِاللَّهِ وَمِنْ تَصْدِيقهمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } { رَبِّ انْصُرْنِي } عَلَى هَؤُلَاءِ { بِمَا كَذَّبُونِ } يَقُول : بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ فِيمَا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقّ , فَاسْتَغَاثَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بِرَبِّهِ مِنْ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ وَتَكْذِيبهمْ لَهُ ,
فَقَالَ اللَّه لَهُ مُجِيبًا فِي مَسْأَلَته إِيَّاهُ مَا سَأَلَ : عَنْ قَلِيل يَا صَالِح لَيُصْبِحُنَّ مُكَذِّبُوك مِنْ قَوْمك عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ نَادِمِينَ , وَذَلِكَ حِين تَنْزِل بِهِمْ نِقْمَتنَا فَلَا يَنْفَعهُمْ النَّدَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ , فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الصَّيْحَة فَأَخَذَتْهُمْ بِالْحَقِّ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَاقَبَهُمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعِقَاب مِنْهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله .|فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً|يَقُول : فَصَيَّرْنَاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغُثَاء , وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَلَى السَّيْل وَنَحْوه , كَمَا لَا يُنْتَفَع بِهِ فِي شَيْء , فَإِنَّمَا هَذَا مَثَل , وَالْمَعْنَى : فَأَهْلَكْنَاهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ كَالشَّيْءِ الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19294 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } يَقُول : جُعِلُوا كَالشَّيْءِ الْمَيِّت الْبَالِي مِنَ الشَّجَر . )19295 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { غُثَاء } كَالرَّمِيمِ الْهَامِد , الَّذِي يَحْتَمِل السَّيْل . )19296 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء } قَالَ : كَالرَّمِيمِ الْهَامِد الَّذِي يَحْتَمِل السَّيْل . )19297 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء } قَالَ : هُوَ الشَّيْء الْبَالِي . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19298 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه.)|فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ|وَقَوْله : { فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } يَقُول : فَأَبْعَدَ اللَّه الْقَوْم الْكَافِرِينَ بِهَلَاكِهِمْ , إِذْ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُله وَظَلَمُوا أَنْفُسهمْ . 19299 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أُولَئِكَ ثَمُود , يَعْنِي قَوْله : ( { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } . )
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدهمْ قُرُونًا آخَرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ أَحْدَثْنَا مِنْ بَعْد هَلَاك ثَمُود قَوْمًا آخَرِينَ .
وَقَوْله : { مَا تَسْبِق مِنْ أُمَّة أَجَلهَا } يَقُول : مَا يَتَقَدَّم هَلَاك أُمَّة مِنْ تِلْكَ الْأُمَم الَّتِي أَنْشَأْنَاهَا بَعْد ثَمُود قَبْل الْأَجَل الَّذِي أَجَّلْنَا لِهَلَاكِهَا , وَلَا يَسْتَأْخِر هَلَاكهَا عَنِ الْأَجَل الَّذِي أَجَّلْنَا لِهَلَاكِهَا وَالْوَقْت الَّذِي وَقَّتْنَا لِفَنَائِهَا ; وَلَكِنَّهَا تُهْلَك لِمَجِيئِهِ . وَهَذَا وَعِيد مِنَ اللَّه لِمُشْرِكِي قَوْم نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ تَأْخِيره فِي آجَالهمْ مَعَ كُفْرهمْ بِهِ وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله , لِيَبْلُغُوا الْأَجَل الَّذِي أَجَّلَ لَهُمْ فَيُحِلّ بِهِمْ نِقْمَته , كَسُنَّتِهِ فِيمَنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم السَّالِفَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا } إِلَى الْأُمَم الَّتِي أَنْشَأْنَا بَعْد ثَمُود { رُسُلنَا تَتْرَى } يَعْنِي : يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا , وَبَعْضهَا فِي أَثَر بَعْض , وَهِيَ مِنَ الْمُوَاتَرَة , وَهِيَ اسْم لِجَمْعٍ مِثْل | شَيْء | , لَا يُقَال : جَاءَنِي فُلَان تَتْرَى , كَمَا لَا يُقَال : جَاءَنِي فُلَان مُوَاتَرَة , وَهِيَ تُنَوَّن وَلَا تُنَوَّن , وَفِيهَا الْيَاء , فَمَنْ لَمْ يُنَوِّنهَا فَعْلَى مَنْ وَتَرْت , وَمَنْ قَالَ | تَتَرًا | يُوهِم أَنَّ الْيَاء أَصْلِيَّة كَمَا قِيلَ : مِعْزًى بِالْيَاءِ , وَمَعْزًا وَبُهْمَى بُهْمًا وَنَحْو ذَلِكَ , فَأُجْرِيَتْ أَحْيَانًا وَتُرِكَ إِجْرَاؤُهَا أَحْيَانًا , فَمَنْ جَعَلَهَا | فَعْلَى | وَقَفَ عَلَيْهَا , أَشَارَ إِلَى الْكَسْر , وَمَنْ جَعَلَهَا أَلِف إِعْرَاب لَمْ يُشِرْ ; لِأَنَّ أَلِف الْإِعْرَاب لَا تُكْسَر , لَا يُقَال : رَأَيْت زَيْدًا , فَيُشَار فِيهِ إِلَى الْكَسْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19300 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى } يَقُول : يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى } يَقُول : بَعْضهَا عَلَى أَثَر بَعْض . )19301 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { تَتْرَى } قَالَ : اتِّبَاع بَعْضهَا بَعْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى } قَالَ : يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا . )19302 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله , ( { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى } قَالَ : بَعْضهمْ عَلَى أَثَر بَعْض , يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا . )وَاخْتَلَفَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : | تَتْرًى | بِالتَّنْوِينِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل مَكَّة وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة يَقْرَءُونَهُ : { تَتْرَى } بِإِرْسَالِ الْيَاء عَلَى مِثَال | فَعْلَى | . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنًى وَاحِدٍ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب ; غَيْر أَنِّي مَعَ ذَلِكَ أَخْتَار الْقِرَاءَة بِغَيْرِ تَنْوِين ; لِأَنَّهُ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرهمَا .|كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ|وَقَوْله : { كُلّ مَا جَاءَ أُمَّة رَسُولهَا كَذَّبُوهُ } يَقُول : كُلَّمَا جَاءَ أُمَّة مِنْ تِلْكَ الْأُمَم الَّتِي أَنْشَأْنَاهَا بَعْد ثَمُود رَسُولهَا الَّذِي نُرْسِلهُ إِلَيْهِمْ , كَذَّبُوهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقّ مِنْ عِنْدنَا .|فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا|وَقَوْله : { فَأَتْبَعْنَا بَعْضهمْ بَعْضًا } يَقُول : فَأَتْبَعْنَا بَعْض تِلْكَ الْأُمَم بَعْضًا بِالْهَلَاكِ فَأَهْلَكْنَا بَعْضهمْ فِي إِثْر بَعْض .|وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ|وَقَوْله : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث } لِلنَّاسِ وَمَثَلًا يُتَحَدَّث بِهِمْ , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون جَمْع حَدِيث . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث } لِأَنَّهُمْ جُعِلُوا حَدِيثًا وَمَثَلًا يُتَمَثَّل بِهِمْ فِي الشَّرّ , وَلَا يُقَال فِي الْخَيْر : جَعَلْته حَدِيثًا وَلَا أُحْدُوثَة .|فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ|وَقَوْله : { فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : فَأَبْعَدَ اللَّه قَوْمًا لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِرَسُولِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُون بِآيَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ أَرْسَلْنَا بَعْد الرُّسُل الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ قَبْل هَذِهِ الْآيَة , مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُون إِلَى فِرْعَوْن وَأَشْرَاف قَوْمه مِنَ الْقِبْط { بِآيَاتِنَا } يَقُول : بِحُجَجِنَا ,
إِلَى فِرْعَوْن وَأَشْرَاف قَوْمه مِنَ الْقِبْط { فَاسْتَكْبَرُوا } عَنِ اتِّبَاعهَا وَالْإِيمَان بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه .|وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ|يَقُول : وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ عَلَى أَهْل نَاحِيَتهمْ وَمَنْ فِي بِلَادهمْ مِنْ بَنَى إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ بِالظُّلْمِ , قَاهِرِينَ لَهُمْ . وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 19303 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , وَقَوْله : ( { وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ } قَالَ : عَلَوْا عَلَى رُسُلهمْ وَعَصَوْا رَبّهمْ ; ذَلِكَ عُلُوّهُمْ . وَقَرَأَ : { تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة ... } [28 83 ]الْآيَة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنَا وَقَوْمهمَا لَنَا عَابِدُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ فِرْعَوْن وَمَلَؤُهُ : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنَا } فَنَتْبَعهُمَا { وَقَوْمهمَا } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { لَنَا عَابِدُونَ } يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ مُطِيعُونَ مُتَذَلِّلُونَ , يَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِمْ وَيَدِينُونَ لَهُمْ . وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ مَنْ دَانَ لِمَلِكٍ عَابِدًا لَهُ , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِأَهْلِ الْحِيرَة : الْعُبَّاد ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْل طَاعَة لِمُلُوكِ الْعَجَم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19304 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : (قَالَ فِرْعَوْن : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلنَا } . . . الْآيَة , نَذْهَب نَرْفَعهُمْ فَوْقنَا , وَنَكُون تَحْتهمْ , وَنَحْنُ الْيَوْم فَوْقهمْ وَهُمْ تَحْتنَا , كَيْفَ نَصْنَع ذَلِكَ ؟ وَذَلِكَ حِين أَتَوْهُمْ بِالرِّسَالَةِ . وَقَرَأَ : { وَتَكُون لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } [10 78 ]قَالَ : الْعُلُوّ فِي الْأَرْض .)
وَقَوْله : { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ } يَقُول : فَكَذَّبَ فِرْعَوْن وَمَلَؤُهُ مُوسَى وَهَارُون , فَكَانُوا مِمَّنْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم بِتَكْذِيبِهَا رُسُلهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة ; لِيَهْتَدِيَ بِهَا قَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا .
يَقُول : وَجَعَلْنَا ابْن مَرْيَم وَأُمّه حُجَّة لَنَا عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنهمْ , وَعَلَى قُدْرَتنَا عَلَى إِنْشَاء الْأَجْسَام مِنْ غَيْر أَصْل , كَمَا أَنْشَأْنَا خَلْق عِيسَى مِنْ غَيْر أَب . كَمَا : 19305 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا ابْن مَرْيَم وَأُمّه } قَالَ : وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْر أَب هُوَ لَهُ . )وَلِذَلِكَ وَحَّدَتِ الْآيَة , وَقَدْ ذَكَرَ مَرْيَم وَابْنهَا .|وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ|وَقَوْله { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة } يَقُول : وَضَمَمْنَاهُمَا وَصَيَّرْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة , يُقَال : أَوَى فُلَان إِلَى مَوْضِع كَذَا , فَهُوَ يَأْوِي إِلَيْهِ . إِذَا صَارَ إِلَيْهِ ; وَعَلَى مِثَال | أَفْعَلْته | فَهُوَ يُؤْوِيه . وَقَوْله { إِلَى رَبْوَة } يَعْنِي : إِلَى مَكَان مُرْتَفِع مِنَ الْأَرْض عَلَى مَا حَوْله ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ يَكُون فِي رِفْعَة مِنْ قَوْمه وَعِزّ وَشَرَف وَعَدَد : هُوَ فِي رَبْوَة مِنْ قَوْمه , وَفِيهَا لُغَتَانِ : ضَمّ الرَّاء وَكَسْرهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا الِاسْم , وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الْفَعْلَة مِنَ الْمَصْدَر قِيلَ رَبَا رَبْوَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَكَان الَّذِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَذِهِ الصِّفَة وَآوَى إِلَيْهِ مَرْيَم وَابْنهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الرَّمْلَة مِنْ فِلَسْطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19306 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن رَافِع , قَالَ : ثني ابْن عَمّ لِأَبِي هُرَيْرَة , يُقَال لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَة : (الْزَمُوا هَذِهِ الرَّمْلَة مِنْ فِلَسْطِين , فَإِنَّهَا الرَّبْوَة الَّتِي قَالَ اللَّه : { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين } . )19306 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا عَبَّاد أَبُو عُتْبَة الْخَوَّاص , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ , عَنِ ابْن وَعْلَة , عَنْ كُرَيْب , قَالَ : مَا أَدْرِي مَا حَدَّثَنَا مُرَّة الْبَهْزِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَذَكَرَ أَنَّ الرَّبْوَة هِيَ الرَّمْلَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ بِشْر بْن رَافِع , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه ابْن عَمّ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول فِي قَوْل اللَّه : ( { إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين } قَالَ : هِيَ الرَّمْلَة مِنْ فِلَسْطِين . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا بِشْر بْن رَافِع , قَالَ : ثني أَبُو عَبْد اللَّه ابْن عَمّ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَة : (الْزَمُوا هَذِهِ الرَّمْلَة الَّتِي بِفِلَسْطِين , فَإِنَّهَا الرَّبْوَة الَّتِي قَالَ اللَّه : { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين } . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ دِمَشْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19308 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين } قَالَ : زَعَمُوا أَنَّهَا دِمَشْق . )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ (دِمَشْق . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 19309 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : ثنا ابْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ( { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين } قَالَ : إِلَى رَبْوَة مِنْ رُبَا مِصْر . قَالَ : وَلَيْسَ الرُّبَا إِلَّا فِي مِصْر , وَالْمَاء حِين يُرْسَل تَكُون الرُّبَا عَلَيْهَا الْقُرَى , لَوْلَا الرُّبَا لَغَرِقَتْ تِلْكَ الْقُرَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19310 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (هُوَ بَيْت الْمَقْدِس . )19311 - قَالَ ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ كَعْب يَقُول : (بَيْت الْمَقْدِس أَقْرَب إِلَى السَّمَاء بِثَمَانِيَة عَشَر مِيلًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ كَعْب , مِثْله . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ : أَنَّهَا مَكَان مُرْتَفِع ذُو اسْتِوَاء وَمَاء ظَاهِر , وَلَيْسَ كَذَلِكَ صِفَة الرَّمْلَة ; لِأَنَّ الرَّمْلَة لَا مَاء بِهَا مَعِين , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره وَصَفَ هَذِهِ الرَّبْوَة بِأَنَّهَا ذَات قَرَار وَمَعِين . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19312 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة } قَالَ : الرَّبْوَة : الْمُسْتَوِيَة . )19313 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِلَى رَبْوَة } قَالَ : مُسْتَوِيَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ|وَقَوْله : { ذَات قَرَار وَمَعِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مِنْ صِفَة الرَّبْوَة الَّتِي آوَيْنَا إِلَيْهَا مَرْيَم وَابْنهَا عِيسَى , أَنَّهَا أَرْض مُنْبَسِطَة وَسَاحَة وَذَات مَاء ظَاهِر لِغَيْرِ الْبَاطِن جَارٍ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19314 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { وَمَعِين } قَالَ : الْمَعِين : الْمَاء الْجَارِي , وَهُوَ النَّهْر الَّذِي قَالَ اللَّه : { قَدْ جَعَلَ رَبّك تَحْتك سَرِيًّا } [19 24 ]. )19315 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { ذَات قَرَار وَمَعِين } قَالَ : الْمَعِين : الْمَاء . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (مَعِين , قَالَ : مَاء . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19316 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : ( { ذَات قَرَار وَمَعِين } قَالَ : الْمَكَان الْمُسْتَوِي , وَالْمَعِين : الْمَاء الظَّاهِر . )19317 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَمَعِين } هُوَ الْمَاء الظَّاهِر . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِالْقَرَارِ الثِّمَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19318 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { ذَات قَرَار وَمَعِين } هِيَ ذَات ثِمَار , وَهِيَ بَيْت الْمَقْدِس . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي مَعْنَى : { ذَات قَرَار } وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : إِنَّهَا إِنَّمَا وُصِفَتْ بِأَنَّهَا ذَات قَرَار , لِمَا فِيهَا مِنَ الثِّمَار , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ يَسْتَقِرّ فِيهَا سَاكِنُوهَا , فَلَا وَجْه لَهُ نَعْرِفهُ . وَأَمَّا { مَعِين } فَإِنَّهُ مَفْعُول مِنْ عِنْته فَأَنَا أُعِينهُ , وَهُوَ مَعِين ; وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون فَعِيلًا مِنْ مَعَنَ يَمْعَن , فَهُوَ مَعِين مِنَ الْمَاعُون ; وَمِنْهُ قَوْل عَبِيد بْن الْأَبْرَص : <br>وَاهِيَة أَوْ مَعِين مُمْعِن .......... أَوْ هَضْبَة دُونهَا لُهُوب<br>
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقُلْنَا لِعِيسَى : يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الْحَلَال الَّذِي طَيَّبَهُ اللَّه لَكُمْ دُون الْحَرَام , { وَاعْمَلُوا صَالِحًا } تَقُول فِي الْكَلَام لِلرَّجُلِ الْوَاحِد : أَيّهَا الْقَوْم كُفُّوا عَنَّا أَذَاكُمْ , وَكَمَا قَالَ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاس } [3 173 ], وَهُوَ رَجُل وَاحِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19319 - حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن إِسْحَاق الضَّبِّيّ الْعَطَّار , عَنْ حَفْص بْن عُمَر الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ , عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل : ( { يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّلِيبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا } قَالَ : كَانَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَأْكُل مِنْ غَزْل أُمّه .)|صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ|وَقَوْله : { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم } يَقُول : إِنِّي بِأَعْمَالِكُمْ ذُو عِلْم , لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهَا شَيْء , وَأَنَا مُجَازِيكُمْ بِجَمِيعِهَا , وَمُوَفِّيكُمْ أُجُوركُمْ وَثَوَابكُمْ عَلَيْهَا , فَخُذُوا فِي صَالِحَات الْأَعْمَال وَاجْتَهِدُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } . </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | وَأَنَّ | بِالْفَتْحِ , بِمَعْنَى : إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم , وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل | وَأَنَّ | فِي مَوْضِع خَفْض , عَطَفَ بِهَا عَلَى | مَا | مِنْ قَوْله : { بِمَا تَعْمَلُونَ } , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ , وَيَكُون نَصْبهَا بِفِعْلٍ مُضْمَر . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ بِالْكَسْرِ : { وَإِنَّ } هَذِهِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف . وَالْكَسْر فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى الِابْتِدَاء هُوَ الصَّوَاب ; لِأَنَّ الْخَبَر مِنَ اللَّه عَنْ قِيله لِعِيسَى : { يَا أَيّهَا الرُّسُل } مُبْتَدَأ , فَقَوْله : { وَإِنَّ هَذِهِ } مَرْدُود عَلَيْهِ عَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ ; فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَقُلْنَا لِعِيسَى : يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَات , وَقُلْنَا : وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْأُمَّة الَّذِي فِي هَذَا الْمَوْضِع : الدِّين وَالْمِلَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19320 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } قَالَ : الْمِلَّة وَالدِّين . )وَنُصِبَتْ | أُمَّة وَاحِدَة | عَلَى الْحَال . وَذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : رَفْع ذَلِكَ إِذَا رُفِعَ عَلَى الْخَبَر , وَيُجْعَل أُمَّتكُمْ نَصْبًا عَلَى الْبَدَل مِنْ هَذِهِ . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَة فَيَأْبَوْنَ ذَلِكَ إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعْر , وَقَالُوا : لَا يُقَال : مَرَرْت بِهَذَا غُلَامكُمْ ; لِأَنَّ | هَذَا | لَا تَتْبَعهُ إِلَّا الْأَلِف وَاللَّام وَالْأَجْنَاس ; لِأَنَّ | هَذَا | إِشَارَة إِلَى عَدَد , فَالْحَاجَة فِي ذَلِكَ إِلَى تَبْيِين الْمُرَاد مِنَ الْمُشَار إِلَيْهِ أَيّ الْأَجْنَاس هُوَ ؟ وَقَالُوا : وَإِذَا قِيلَ : هَذِهِ أُمَّتكُمْ وَاحِدَة , وَالْأُمَّة غَائِبَة وَهَذِهِ حَاضِرَة , قَالُوا : فَغَيْر جَائِز أَنْ يُبَيِّن عَنِ الْحَاضِر بِالْغَائِبِ , قَالُوا : فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ : إِنَّ هَذَا زَيْد قَائِم , مِنْ أَجْل أَنَّ هَذَا مُحْتَاج إِلَى الْجِنْس لَا إِلَى الْمَعْرِفَة .|وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ|وَقَوْله : { وَأَنَا رَبّكُمْ فَاتَّقُونِ } يَقُول : وَأَنَا مَوْلَاكُمْ فَاتَّقُونِ بِطَاعَتِي تَأْمَنُوا عِقَابِي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبُرًا } . </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { زُبُرًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { زُبُرًا } بِمَعْنَى جَمْع الزَّبُور . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة هَؤُلَاءِ : فَتَفَرَّقَ الْقَوْم الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّه مِنْ أُمَّة الرَّسُول عِيسَى بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الدِّين الْوَاحِد وَالْمِلَّة الْوَاحِدَة , دِينهمْ الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِلُزُومِهِ { زُبُرًا } كُتُبًا , فَدَانَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ بِكِتَابٍ غَيْر الْكِتَاب الَّذِينَ دَانَ بِهِ الْفَرِيق الْآخَر , كَالْيَهُودِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ دَانُوا بِحُكْمِ التَّوْرَاة وَكَذَّبُوا بِحُكْمِ الْإِنْجِيل وَالْقُرْآن , وَكَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِالْإِنْجِيلِ بِزَعْمِهِمْ وَكَذَّبُوا بِحُكْمِ الْفُرْقَان . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 19321 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { زُبُرًا } قَالَ : كُتُبًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19322 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بَيْنهمْ زُبُرًا } قَالَ : كُتُب اللَّه فَرَّقُوهَا قِطَعًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبُرًا } قَالَ مُجَاهِد : كُتُبهمْ فَرَّقُوهَا قِطَعًا . )وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقِرَاءَة : إِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَتَفَرَّقُوا دِينهمْ بَيْنهمْ كُتُبًا أَحْدَثُوهَا يَحْتَجُّونَ فِيهَا لِمَذْهَبِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19323 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبُرًا كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } قَالَ : هَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْأَدْيَان وَالْكُتُب , كُلّ مُعْجَبُونَ بِرَأْيِهِمْ , لَيْسَ أَهْل هَوَاء إِلَّا وَهُمْ مُعْجَبُونَ بِرَأْيِهِمْ وَهَوَاهُمْ وَصَاحِبهمْ الَّذِي اخْتَرَقَ ذَلِكَ لَهُمْ . )وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الشَّام : | فَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبَرًا | بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْح الْبَاء , بِمَعْنَى : فَتَفَرَّقُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ قِطَعًا كَزُبَرِ الْحَدِيد , وَذَلِكَ الْقَطْع مِنْهَا , وَاحِدَتهَا زُبْرَة , مِنْ قَوْل اللَّه : { آتُونِي زُبَر الْحَدِيد } [18 96 ]. فَصَارَ بَعْضهمْ يَهُودًا وَبَعْضهمْ نَصَارَى . وَالْقِرَاءَة الَّتِي نَخْتَار فِي ذَلِكَ : قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِضَمِّ الزَّاي وَالْبَاء ; لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْكُتُب , فَذَلِكَ يُبِين عَنْ صِحَّة مَا اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الزُّبُر هِيَ الْكُتُب , يُقَال مِنْهُ : زَبَرْت الْكِتَاب : إِذْ كَتَبْته . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَتَفَرَّقَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّه بِلُزُومِ دِينه مِنَ الْأُمَم دِينهمْ بَيْنهمْ كُتُبًا , كَمَا بَيَّنَّا قَبْل.|كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ|وَقَوْله : { كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } يَقُول : كُلّ فَرِيق مِنْ تِلْكَ الْأُمَم بِمَا اخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الدِّين وَالْكُتُب فَرِحُونَ . مُعْجَبُونَ بِهِ , لَا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَقّ سِوَاهُ . كَمَا : 19324 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } قِطْعَة . وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { كُلّ حِزْب } قِطْعَة . أَهْل الْكِتَاب .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتهمْ حَتَّى حِين } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَدَعْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبُرًا , { فِي غَمْرَتهمْ } فِي ضَلَالَتهمْ وَغَيّهمْ , { حَتَّى حِين } يَعْنِي إِلَى أَجَل سَيَأْتِيهِمْ عِنْد مَجِيئِهِ عَذَابِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19325 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتهمْ حَتَّى حِين } قَالَ : فِي ضَلَالهمْ . )19326 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتهمْ حَتَّى حِين } قَالَ : الْغَمْرَة : الْغَمْر .)
وَقَوْله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيَحْسَبُ هَؤُلَاءِ الْأَحْزَاب الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ زُبُرًا , أَنَّ الَّذِي نُعْطِيهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا مِنْ مَال وَبَنِينَ ; وَ | مَا | مِنْ قَوْله : { أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ } نُصِبَ ; لِأَنَّهَا بِمَعْنَى | الَّذِي | . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19327 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَنَّمَا نُمِدّهُمْ } قَالَ : نُعْطِيهِمْ , نُسَارِع لَهُمْ , قَالَ : نَزِيدهُمْ فِي الْخَيْر , نُمْلِي لَهُمْ , قَالَ : هَذَا لِقُرَيْشٍ . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
{ نُسَارِع لَهُمْ } يَقُول : نُسَابِق لَهُمْ فِي خَيْرَات الْآخِرَة , وَنُبَادِر لَهُمْ فِيهَا ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19328 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثني أَشْعَث بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة , قَوْل اللَّه : ( { نُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات } ؟ قَالَ : يُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات . )وَكَأَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة وَجَّهَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , إِلَى أَنَّ تَأْوِيله : يُسَارِع لَهُمْ إِمْدَادنَا إِيَّاهُمْ بِالْمَالِ وَالْبَنِينَ فِي الْخَيْرَات .|بَل لَا يَشْعُرُونَ| { بَلْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَكْذِيبًا لَهُمْ : مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَلْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ إِمْدَادِي إِيَّاهُمْ بِمَا أَمُدّهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , إِنَّمَا هُوَ إِمْلَاء وَاسْتِدْرَاج لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ } إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَتهمْ وَخَوْفهمْ مِنْ عَذَاب اللَّه مُشْفِقُونَ , فَهُمْ مِنْ خَشْيَتهمْ مِنْ ذَلِكَ دَائِبُونَ فِي طَاعَته جَادُّونَ فِي طَلَب مَرْضَاته .
يَقُول : وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ كِتَابه وَحُجَجه مُصَدِّقُونَ .
يَقُول : وَالَّذِينَ يُخْلِصُونَ لِرَبِّهِمْ عِبَادَتهمْ , فَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ فِيهَا لِغَيْرِهِ شِرْكًا لِوَثَنٍ وَلَا لِصَنَمٍ , وَلَا يُرَاءُونَ بِهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقه , وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَعْمَالهمْ لِوَجْهِهِ خَالِصًا , وَإِيَّاهُ يَقْصِدُونَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَة دُون كُلّ شَيْء سِوَاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } وَالَّذِينَ يُعْطُونَ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة مَا فَرَضَ اللَّه لَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ . { مَا آتَوْا } يَعْنِي : مَا أَعْطَوْهُمْ إِيَّاهُ مِنْ صَدَقَة , وَيُؤَدُّونَ حُقُوق اللَّه عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالهمْ إِلَى أَهْلهَا . { وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } يَقُول : خَائِفَة مِنْ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ , فَلَا يُنَجِّيهِمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مِنْ عَذَاب اللَّه , فَهُمْ خَائِفُونَ مِنَ الْمَرْجِع إِلَى اللَّه لِذَلِكَ , كَمَا قَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْمُؤْمِن جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19329 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبْجَر , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عُمَر : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : الزَّكَاة . )19330 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : الْمُؤْمِن يُنْفِق مَاله وَقَلْبه وَجِل . )19331 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ , وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُنَجِّيهِمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَاب رَبّهمْ . )19332 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : الْمُؤْمِن يُنْفِق مَاله وَيَتَصَدَّق وَقَلْبه وَجِل أَنَّهُ إِلَى رَبّه رَاجِع . )19333 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (إِنَّ الْمُؤْمِن جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَة , وَإِنَّ الْمُنَافِق جَمَعَ إِسَاءَة وَأَمْنًا . ثُمَّ تَلَا الْحَسَن : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ } إِلَى : { وَقُلُوبهمْ وَجِلَة أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ } وَقَالَ الْمُنَافِق : إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي . )19334 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } قَالَ : يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا . { وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } يَقُول : خَائِفَة . )19335 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْت ; وَهِيَ مِنَ الْمُبَشِّرَات . )19336 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَيَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْر , وَقُلُوبهمْ وَجِلَة خَائِفَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19337 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } يَقُول : يَعْمَلُونَ خَائِفِينَ . )19338 - قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا فَرَقًا مِنَ اللَّه وَوَجَلًا مِنَ اللَّه . )19339 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } يُنْفِقُونَ مَا أَنْفَقُوا . )19340 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ( { يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَيُنْفِقُونَ مَا أَنْفَقُوا وَيَتَصَدَّقُونَ بِمَا تَصَدَّقُوا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة ; اتِّقَاء لِسَخَطِ اللَّه وَالنَّار . )وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة , أَعْنِي عَلَى . { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } قِرَاءَة الْأَمْصَار , وَبِهِ رُسُوم مَصَاحِفهمْ وَبِهِ نَقْرَأ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ وَوِفَاقه خَطّ مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ . وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فِي ذَلِكَ , مَا : 19341 - حَدَّثَنَاهُ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن ثَابِت , عَنْ طَلْحه بْن عُمَر , عَنْ أَبِي خَلَف , قَالَ : (دَخَلْت مَعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر عَلَى عَائِشَة , فَسَأَلَهَا عُبَيْد : كَيْف نَقْرَأ هَذَا الْحَرْف { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا } ؟ فَقَالَتْ : | يَأْتُونَ مَا أَتَوْا . )وَكَأَنَّهَا تَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ وَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْخَيْرَات وَهُمْ وَجِلُونَ مِنَ اللَّه . كَالَّذِي : 19342 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عُمَر بْن قَيْس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن وَهْب الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَالَتْ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه | وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة | هُوَ الَّذِي يُذْنِب الذَّنْب وَهُوَ وَجِل مِنْهُ ؟ فَقَالَ : | لَا , وَلَكِنْ مَنْ يَصُوم وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّق وَهُوَ وَجِل . )19343 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن وَهْب , أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : (قُلْت : يَا رَسُول اللَّه { الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } أَهُمْ الَّذِينَ يُذْنِبُونَ وَهُمْ مُشْفِقُونَ وَيَصُومُونَ وَهُمْ مُشْفِقُونَ ؟ )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ , ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مُغِيث , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه : { الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } قَالَ : فَذَكَرَ مِثْل هَذَا . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ , ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد , عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : (يَا رَسُول اللَّه { الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } أَهُوَ الرَّجُل يَزْنِي وَيَسْرِق وَيَشْرَب الْخَمْر ؟ قَالَ : | لَا يَا ابْنَة أَبِي بَكْر - أَوْ يَا ابْنَة الصِّدِّيق - وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُوم وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّق , وَيَخَاف أَنْ لَا يُقْبَل مِنْهُ . )19344 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ , ثنا الْحُسَيْن , قَالَ , ثني جَرِير , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , وَهُشَيْم عَنِ الْعَوَّام بْن حَوْشَب جَمِيعًا , عَنْ عَائِشَة , أَنَّهَا قَالَتْ , (سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا ابْنَة أَبِي بَكْر - أَوْ يَا ابْنَة الصِّدِّيق - هُمْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيَفْرُقُونَ أَنْ لَا يُتَقَبَّل مِنْهُمْ . )وَ | أَنَّ | مِنْ قَوْله : { أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ } . فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : { وَقُلُوبهمْ وَجِلَة } مِنْ أَنَّهُمْ , فَلَمَّا حُذِفَتْ | وَمِنْ | اتَّصَلَ الْكَلَام قَبْلهَا , فَنُصِبَتْ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : هُوَ فِي مَوْضِع خَفْض , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَافِض ظَاهِرًا .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره . هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ الصِّفَات صِفَاتهمْ , يُبَادِرُونَ فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَيَطْلُبُونَ الزُّلْفَة عِنْد اللَّه بِطَاعَتِهِ . كَمَا : 19345 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ , أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ , قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات } . )|وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ|وَقَوْله : { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } كَانَ بَعْضهمْ يَقُول . مَعْنَاهُ : سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّه السَّعَادَة , فَذَلِكَ سُبُوقُهُمُ الْخَيْرَات الَّتِي يَعْمَلُونَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19346 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ , ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } يَقُول : سَبَقَتْ لَهُمْ السَّعَادَة . )19347 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } , فَتِلْكَ الْخَيْرَات . )وَكَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل ذَلِكَ بِمَعْنَى : وَهُمْ إِلَيْهَا سَابِقُونَ . وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ : وَهُمْ مِنْ أَجْلهَا سَابِقُونَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّهُ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّه السَّعَادَة قَبْل مُسَارَعَتهمْ فِي الْخَيْرَات , وَلَمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ سَارَعُوا فِيهَا . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْكَلَامِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَر مَعْنَيَيْهِ , وَأَنَّهُ لَا حَاجَة بِنَا إِذَا وَجَّهْنَا تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى ذَلِكَ , إِلَى تَحْوِيل مَعْنَى | اللَّام | الَّتِي فِي قَوْله : { وَهُمْ لَهَا } إِلَى غَيْر مَعْنَاهَا الْأَغْلَب عَلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا مَا يَسَعهَا وَيَصْلُح لَهَا مِنَ الْعِبَادَة ; وَلِذَلِكَ كَلَّفْنَاهَا مَا كَلَّفْنَاهَا مِنْ مَعْرِفَة وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَشَرَعْنَا لَهَا مَا شَرَعْنَا مِنَ الشَّرَائِع .|وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ|يَقُول : وَعِنْدنَا كِتَاب أَعْمَال الْخَلْق بِمَا عَمِلُوا مِنْ خَيْر وَشَرّ ; { يَنْطِق بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَقُول : يُبَيِّن بِالصِّدْقِ عَمَّا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فِي الدُّنْيَا , لَا زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا نُقْصَان , وَنَحْنُ مُوَفُّو جَمِيعهمْ أُجُورهمْ , الْمُحْسِن مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .|وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ|يَقُول : وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ , بِأَنْ يُزَاد عَلَى سَيِّئَات الْمُسِيء مِنْهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلهُ فَيُعَاقَب عَلَى غَيْر جُرْمه , وَيَنْقُص الْمُحْسِن عَمَّا عَمِلَ مِنْ إِحْسَانه فَيَنْقُص عَمَّا لَهُ مِنَ الثَّوَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ قُلُوبهمْ فِي غَمْرَة مِنْ هَذَا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا الْأَمْر كَمَا يَحْسُب هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , مِنْ أَنَّ إِمْدَادنَاهُمْ بِمَا نَمُدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ , بِخَيْرٍ نَسُوقهُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَالرِّضَا مِنَّا عَنْهُمْ ; وَلَكِنَّ قُلُوبهمْ فِي غَمْرَة عَمًى عَنْ هَذَا الْقُرْآن . وَعَنَى بِالْغَمْرَةِ : مَا غَمَرَ قُلُوبهمْ فَغَطَّاهَا عَنْ فَهْم مَا أَوْدَعَ اللَّه كِتَابه مِنَ الْمَوَاعِظ وَالْعِبَر وَالْحُجَج . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ هَذَا } مِنَ الْقُرْآن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19348 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فِي غَمْرَة مِنْ هَذَا } قَالَ : فِي عَمًى مِنْ هَذَا الْقُرْآن . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { فِي غَمْرَة مِنْ هَذَا } قَالَ : مِنَ الْقُرْآن .)|وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ|وَقَوْله : { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار أَعْمَال لَا يَرْضَاهَا اللَّه مِنَ الْمَعَاصِي . { مِنْ دُون ذَلِكَ } يَقُول : مِنْ دُون أَعْمَال أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ وَأَهْل التَّقْوَى وَالْخَشْيَة لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19349 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قَالَ : الْخَطَايَا . )19350 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ } قَالَ : الْحَقّ . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : 0 ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ } قَالَ : خَطَايَا مِنْ دُون ذَلِكَ الْحَقّ . )19351 - قَالَ ثنا حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ } . . . الْآيَة , قَالَ : أَعْمَال دُون الْحَقّ . )19352 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذَكَرَ اللَّه الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة , ثُمَّ قَالَ لِلْكُفَّارِ : { بَلْ قُلُوبهمْ فِي غَمْرَة مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قَالَ : مِنْ دُون الْأَعْمَال الَّتِي مِنْهَا قَوْله : { مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ } وَالَّذِينَ , وَالَّذِينَ . )19353 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنِ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أَعْمَال لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا . )19345 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قَالَ : أَعْمَال لَمْ يَعْمَلُوهَا سَيَعْمَلُونَهَا . )19355 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قَالَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدّ مِنْ أَنْ يَسْتَوْفِي بَقِيَّة عَمَله , وَيَصْلَى بِهِ . )* -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنِ الثَّوْرِيّ , عَنِ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قَالَ : أَعْمَال لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنِ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( { وَلَهُمْ أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ } قَالَ : أَعْمَال لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ قُرَيْش أَعْمَال مِنْ دُون ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ , إِلَى أَنْ يُؤْخَذ أَهْل النِّعْمَة وَالْبَطَر مِنْهُمْ بِالْعَذَابِ . كَمَا : 19356 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ( { إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ } , قَالَ : الْمُتْرَفُونَ : الْعُظَمَاء. { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يَقُول : فَإِذَا أَخَذْنَاهُمْ بِهِ جَأَرُوا , يَقُول : ضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا مِمَّا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابنَا. )وَلَعَلَّ الْجُؤَار : رَفْع الصَّوْت , كَمَا يَجْأَر الثَّوْر ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : <br>يُرَاوِح مِنْ صَلَوَات الْمَلِي .......... كِ طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَ <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19357 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يَقُول : يَسْتَغِيثُونَ . )19358 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن قردد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } قَالَ : بِالسُّيُوفِ يَوْم بَدْر . )19359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : ( { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } قَالَ : يَجْزَعُونَ . )19360 - قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ } قَالَ : عَذَاب يَوْم بَدْر . { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } قَالَ : الَّذِينَ بِمَكَّة . )19361 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ } يَعْنِي أَهْل بَدْر , أَخَذَهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ يَوْم بَدْر . )19362 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت ابْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } قَالَ : يَجْزَعُونَ .)
وَقَوْله : { لَا تَجْأَرُوا الْيَوْم } يَقُول : لَا تَضِجُّوا وَتَسْتَغِيثُوا الْيَوْم وَقَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَاب الَّذِي لَا يُدْفَع عَنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ , فَإِنَّ ضَجِيجكُمْ غَيْر نَافِعكُمْ وَلَا دَافِع عَنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ سَخَط اللَّه . { إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ } يَقُول : إِنَّكُمْ مِنْ عَذَابنَا الَّذِي قَدْ حَلَّ بِكُمْ لَا تُسْتَنْقَذُونَ , وَلَا يُخَلِّصكُمْ مِنْهُ شَيْء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19363 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس : ( { لَا تَجْأَرُوا الْيَوْم } لَا تَجْزَعُوا الْيَوْم . )19364 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيع بْن أَنَس : ( { لَا تَجْأَرُوا الْيَوْم } لَا تَجْزَعُوا الْآن حِين نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَاب , إِنَّهُ لَا يَنْفَعكُمْ , فَلَوْ كَانَ هَذَا الْجَزَع قَبْل نَفْعِكُمْ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش : لَا تَضِجُّوا الْيَوْم وَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ سَخَط اللَّه وَعَذَابه , بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاسْتَوْجَبْتُمُوهُ بِكُفْرِكُمْ بِآيَاتِ رَبّكُمْ . { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي : آيَات كِتَاب اللَّه , يَقُول : كَانَتْ آيَات كِتَابِي تُقْرَأ عَلَيْكُمْ فَتُكَذِّبُونَ بِهَا وَتَرْجِعُونَ مُوَلِّينَ عَنْهَا إِذَا سَمِعْتُمُوهَا , كَرَاهِيَة مِنْكُمْ لِسَمَاعِهَا . وَكَذَلِكَ يُقَال لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ : نَكَصَ فُلَان عَلَى عَقِبه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19365 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ } قَالَ : تَسْتَأْخِرُونَ . )19366 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ } يَقُول : تُدْبِرُونَ . )19367 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ تَنْكِصُونَ } يَعْنِي أَهْل مَكَّة . )* -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن . قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { تَنْكِصُونَ } قَالَ : تَسْتَأْخِرُونَ .)
وَقَوْله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } يَقُول : مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِ اللَّه , يَقُولُونَ : لَا يَظْهَر عَلَيْنَا فِيهِ أَحَد ; لِأَنَّا أَهْل الْحَرَم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19368 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } يَقُول : مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِ الْبَيْت أَنَّهُ لَا يَظْهَر عَلَيْنَا فِيهِ أَحَد . )19369 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } قَالَ : بِمَكَّة بِالْبَلَدِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 19370 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } قَالَ : مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي . )19371 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } بِالْحَرَمِ . )19372 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } قَالَ : مُسْتَكْبِرِينَ بِالْحَرَمِ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19373 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } قَالَ : بِالْحَرَمِ .)|سَامِرًا|وَقَوْله : { سَامِرًا } يَقُول : تَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ . وَوَحَّدَ قَوْله : { سَامِرًا } وَهُوَ بِمَعْنَى السُّمَّار ; لِأَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِع الْوَقْت . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَتَهْجُرُونَ لَيْلًا , فَوَضَعَ السَّامِر مَوْضِع اللَّيْل , فَوَحَّدَ لِذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : وَحَّدَ وَمَعْنَاهُ الْجَمْع , كَمَا قِيلَ : طِفْل فِي مَوْضِع أَطْفَال . وَمِمَّا يُبِين عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي أَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِع الْوَقْت فَوَحَّدَ لِذَلِكَ , قَوْل الشَّاعِر . <br>مِنْ دُونهمْ إِنْ جِئْتهمْ سَمَرًا .......... عَزْف الْقِيَان وَمَجْلِس غَمْر <br>فَقَالَ : | سَمَرًا | لِأَنَّ مَعْنَاهُ : إِنْ جِئْتهمْ لَيْلًا وَهُمْ يَسْمُرُونَ , وَكَذَلِكَ قَوْله : { سَامِرًا } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكَرَ مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 19374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { سَامِرًا } يَقُول : يَسْمُرُونَ حَوْل الْبَيْت . )19375 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { سَامِرًا } قَالَ : مَجْلِسًا بِاللَّيْلِ . )ط * -حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { سَامِرًا } قَالَ : مَجَالِس . )19376 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { سَامِرًا } قَالَ : تَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ . )19377 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { سَامِرًا } قَالَ : كَانُوا يَسْمُرُونَ لَيْلَتهمْ وَيَلْعَبُونَ : يَتَكَلَّمُونَ بِالشِّعْرِ وَالْكِهَانَة وَبِمَا لَا يَدْرُونَ . )19378 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { سَامِرًا } قَالَ : يَعْنِي سَمَر اللَّيْل . )وَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ , مَا : 19379 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { سَامِرًا } يَقُول : سَامِرًا مِنْ أَهْل الْحَرَم آمِنًا لَا يَخَاف , كَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْل الْحَرَم ; لَا يَخَافُونَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ , أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { سَامِرًا } يَقُول : سَامِرًا مِنْ أَهْل مَكَّة آمِنًا لَا يَخَاف , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْل الْحَرَم لَا نَخَاف .)|تَهْجُرُونَ|وَقَوْله : { تَهْجُرُونَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { تَهْجُرُونَ } بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّ الْجِيم . وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون عَنَى أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْقُرْآن أَوِ الْبَيْت , أَوْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفْضه . وَالْآخَر : أَنْ يَكُون عَنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ شَيْئًا مِنَ الْقَوْل كَمَا يَهْجُر الرَّجُل فِي مَنَامه , وَذَلِكَ إِذَا هَذَى ; فَكَأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْقُرْآن مَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنَ الْقَوْل , وَذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا فِيهِ بَاطِلًا مِنَ الْقَوْل الَّذِي لَا يَضُرّهُ , وَقَدْ جَاءَ بِكِلَا الْقَوْلَيْنِ التَّأْوِيل مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ ذِكْر اللَّه وَالْحَقّ وَيَهْجُرُونَهُ : 19380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { تَهْجُرُونَ } قَالَ : يَهْجُرُونَ ذِكْر اللَّه وَالْحَقّ . )19381 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : ( { سَامِرًا تَهْجُرُونَ } قَالَ : السَّبّ . )ذِكْر مَنْ قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ الْبَاطِل وَالسَّيِّئ مِنَ الْقَوْل فِي الْقُرْآن : 19382 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { تَهْجُرُونَ } قَالَ : يَهْجُرُونَ فِي الْبَاطِل . )* - قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { سَامِرًا تَهْجُرُونَ } قَالَ : يَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِل . )19383 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { تَهْجُرُونَ } قَالَ : بِالْقَوْلِ السَّيِّئ فِي الْقُرْآن . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19384 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { تَهْجُرُونَ } قَالَ : . الْهَذْيَان ; الَّذِي يَتَكَلَّم بِمَا لَا يُرِيد , وَلَا يَعْقِل كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَتَكَلَّم بِمَا لَا يَدْرِي . قَالَ : كَانَ أَبِي يَقْرَؤُهَا : { سَامِرًا تَهْجُرُونَ } . )وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : | سَامِرًا تُهْجِرُونَ | بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْجِيم . وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم , بِمَعْنَى : يُفْحِشُونَ فِي الْمَنْطِق , وَيَقُولُونَ الْخَنَا , مِنْ قَوْلهمْ : أَهْجَرَ الرَّجُل : إِذَا أَفْحَشَ فِي الْقَوْل . وَذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19385 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( تُهْجِرُونَ | قَالَ : تَقُولُونَ هُجْرًا . )19386 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ أَبِي نَهِيك , عَنْ عِكْرِمَة , (أَنَّهُ قَرَأَ : | سَامِرًا تُهْجِرُونَ | : أَيْ تَسُبُّونَ . )19387 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْن , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( سَامِرًا تُهْجِرُونَ | رَسُولِي . )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : ( تُهْجِرُونَ | رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )19388 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( تُهْجِرُونَ | يَقُول : يَقُولُونَ سُوءًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : ( تُهْجِرُونَ | كِتَاب اللَّه وَرَسُوله . )19389 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( تُهْجِرُونَ | يَقُول : يَقُولُونَ الْمُنْكَر وَالْخَنَا مِنَ الْقَوْل , كَذَلِكَ هَجْر الْقَوْل . )وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهِيَ فَتْح التَّاء وَضَمّ الْجِيم , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَمْ يَتَدَبَّر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ تَنْزِيل اللَّه وَكَلَامه , فَيَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْعِبَر , وَيَعْرِفُوا حُجَج اللَّه الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِ فِيهِ ؟ { أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } ؟ يَقُول : أَمْ جَاءَهُمْ أَمْر مَا لَمْ يَأْتِ مَنْ قَبْلهمْ مِنْ أَسْلَافهمْ , فَاسْتَكْبَرُوا ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا , فَقَدْ جَاءَتِ الرُّسُل مِنْ قَبْلهمْ , وَأُنْزِلَتْ مَعَهُمُ الْكُتُب . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون | أَمْ | فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى : | بَلْ | , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل ؟ بَلْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ , فَتَرَكُوا لِذَلِكَ التَّدَبُّر وَأَعْرَضُوا عَنْهُ , إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنْ آبَائِهِمْ ذَلِكَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْن عَبَّاس فِي نَحْو هَذَا الْقَوْل , مَا : 19390 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } قَالَ : لَعَمْرِي لَقَدْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ , وَلَكِنْ أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ .)
وَقَوْله : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ لَمْ يَعْرِف هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا , وَأَنَّهُ مِنْ أَهْل الصِّدْق وَالْأَمَانَة ,|فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ|يَقُول : فَيُنْكِرُوا قَوْله , أَوَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالصِّدْقِ , وَيَحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَكَيْفَ يُكَذِّبُونَهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ فِيهِمْ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة.
يَقُول : أَيَقُولُونَ بِمُحَمَّدٍ جُنُون , فَهُوَ يَتَكَلَّم بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا يَفْهَم وَلَا يُدْرِي مَا يَقُول .|بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فَكَذِبهمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ وَاضِح بَيِّن ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمَجْنُون يَهْذِي فَيَأْتِي مِنَ الْكَلَام بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ , وَلَا يُعْقَل وَلَا يُفْهَم , وَالَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد هُوَ الْحِكْمَة الَّتِي لَا أَحْكَم مِنْهَا وَالْحَقّ الَّذِي لَا تَخْفَى صِحَّته عَلَى ذِي فِطْرَة صَحِيحَة , فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يُقَال : هُوَ كَلَام مَجْنُون ! ؟|وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ|وَقَوْله : { وَأَكْثَرهمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا بِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مُحَمَّدًا بِالصِّدْقِ وَلَا أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدهمْ مَجْنُون , بَلْ قَدْ عَلِمُوهُ صَادِقًا مُحِقًّا فِيمَا يَقُول وَفِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ , وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لِلْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَلِأَتْبَاعِ مُحَمَّد سَاخِطُونَ , حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُ وَبَغْيًا عَلَيْهِ وَاسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ عَمِلَ الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره بِمَا يَهْوَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَجْرَى التَّدْبِير عَلَى مَشِيئَتهمْ وَإِرَادَتهمْ وَتَرْك الْحَقّ الَّذِي هُمْ لَهُ كَارِهُونَ , لَفَسَدَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ عَوَاقِب الْأُمُور وَالصَّحِيح مِنَ التَّدْبِير وَالْفَاسِد . فَلَوْ كَانَتِ الْأُمُور جَارِيَة عَلَى مَشِيئَتهمْ وَأَهْوَائِهِمْ مَعَ إِيثَار أَكْثَرهمُ الْبَاطِل عَلَى الْحَقّ , لَمْ تَقِرّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ مِنْ خَلْق اللَّه ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَامَ بِالْحَقِّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19391 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح : ( { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقّ أَهْوَاءَهُمْ } قَالَ : اللَّه . )* - قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : ( { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقّ أَهْوَاءَهُمْ } قَالَ : الْحَقّ : هُوَ اللَّه . )19392 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقّ أَهْوَاءَهُمْ } قَالَ : الْحَقّ : اللَّه .)|بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ|وَقَوْله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرهمْ مُعْرِضُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الذِّكْر فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ بَيَان الْحَقّ لَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَجُل مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19393 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } يَقُول : بَيَّنَّا لَهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِشَرَفِهِمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن كَانَ شَرَفًا لَهُمْ , لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى رَجُل مِنْهُمْ , فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَكَفَرُوا بِهِ . وَقَالُوا : ذَلِكَ نَظِير قَوْله { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } [43 44 ]وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن بَيَانًا بَيَّنَ فِيهِ مَا لِخَلْقِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ أَمْر دِينهمْ , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ذِكْر لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه وَشَرَف لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ تَسْأَلهُمْ خَرْجًا فَخَرَاج رَبّك خَيْر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ تَسْأَل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك خَرَاجًا , يَعْنِي أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنَ النَّصِيحَة وَالْحَقّ ; { فَخَرَاج رَبّك خَيْر } فَأَجْر رَبّك عَلَى نَفَاذك لِأَمْرِهِ , وَابْتِغَاء مَرْضَاته خَيْر لَك مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يَسْأَلهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا آتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَجْرًا , قَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه لَهُ , وَأَمَرَهُ بِقِيلِهِ لَهُمْ : { قُلْ لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى } [42 23 ]وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : أَمْ تَسْأَلهُمْ عَلَى مَا جِئْتهمْ بِهِ أَجْرًا , فَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابهمْ إِذَا تَلَوْته عَلَيْهِمْ , مُسْتَكْبِرِينَ بِالْحَرَمِ , فَخَرَاج رَبّك خَيْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19394 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن : ( { أَمْ تَسْأَلهُمْ خَرْجًا فَخَرَاج رَبّك خَيْر } قَالَ : أَجْرًا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الْحَسَن , مِثْله . وَأَصْل الْخَرَاج وَالْخَرْج : مَصْدَرَانِ لَا يُجْمَعَانِ .|وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ|وَقَوْله : { وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ } يَقُول : وَاللَّه خَيْر مَنْ أَعْطَى عِوَضًا عَلَى عَمَل وَرِزْق رِزْقًا .
وَقَوْله : { وَإِنَّك لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّك يَا مُحَمَّد لَتَدْعُو هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك إِلَى دِين الْإِسْلَام , وَهُوَ الطَّرِيق الْقَاصِد وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم الَّذِي لَا اعْوِجَاج فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاط لَنَاكِبُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَقِيَام السَّاعَة , وَمُجَازَاة اللَّه عِبَاده فِي الدَّار الْآخِرَة ; { عَنِ الصِّرَاط لَنَاكِبُونَ } يَقُول : عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ وَقَصْد السَّبِيل , وَذَلِكَ دِين اللَّه الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ لَعَادِلُونَ , يُقَال مِنْهُ : قَدْ نَكَبَ فُلَان عَنْ كَذَا : إِذَا عَدَلَ عَنْهُ , وَنَكَبَ عَنْهُ : أَيْ عَدَلَ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19395 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { عَنِ الصِّرَاط لَنَاكِبُونَ } قَالَ : لَعَادِلُونَ . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاط لَنَاكِبُونَ } يَقُول : عَنِ الْحَقّ عَادِلُونَ .)
وَقَوْله : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ } يَقُول تَعَالَى : وَلَوْ رَحِمْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ , وَرَفَعْنَا عَنْهُمْ مَا بِهِمْ مِنَ الْقَحْط وَالْجَدْب وَضُرّ الْجُوع وَالْهُزَال ; { لَلَجُّوا فِي طُغْيَانهمْ } يَعْنِي فِي عُتُوّهُمْ وَجُرْأَتهمْ عَلَى رَبّهمْ . { يَعْمَهُونَ } يَعْنِي : يَتَرَدَّدُونَ ; كَمَا : 19396 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ } قَالَ : الْجُوع .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَخَذْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِنَا , وَأَنْزَلْنَا بِهِمْ بَأْسنَا , وَسَخَطنَا وَضَيَّقْنَا عَلَيْهِمْ مَعَايِشهمْ , وَأَجْدَبْنَا بِلَادهمْ , وَقَتَلْنَا سَرَاتهمْ بِالسَّيْفِ . { فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ } يَقُول : فَمَا خَضَعُوا لِرَبِّهِمْ فَيَنْقَادُوا لِأَمْرِهِ وَنَهْيه وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَته . { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } يَقُول : وَمَا يَتَذَلَّلُونَ لَهُ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَخَذَ اللَّه قُرَيْشًا بِسِنِي الْجَدْب , وَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19397 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنِ الْحَسَن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (جَاءَ أَبُو سُفْيَان إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد , أَنْشُدك اللَّه وَالرَّحِم , فَقَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِز ! يَعْنِي الْوَبَر وَالدَّم , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } . )19398 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ عِلْبَاء بْن أَحْمَر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : (أَنَّ ابْن أُثَال الْحَنَفِيّ لَمَّا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسِير , فَخَلَّى سَبِيله , فَلَحِقَ بِمَكَّة , فَحَال بَيْن أَهْل مَكَّة وَبَيْن الْمِيرَة مِنَ الْيَمَامَة , حَتَّى أَكَلَتْ قُرَيْش الْعِلْهِز , فَجَاءَ أَبُو سُفْيَان إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : أَلَيْسَ تَزْعُم بِأَنَّك بُعِثْت رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ ؟ فَقَالَ : | بَلَى ! | فَقَالَ : قَدْ قَتَلْت الْآبَاء بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاء بِالْجُوعِ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ... } الْآيَة . )19399 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : (إِذَا أَصَابَ النَّاس مِنْ قِبَل الشَّيْطَان بَلَاء فَإِنَّمَا هِيَ نِقْمَة , فَلَا تَسْتَقْبِلُوا نِقْمَة اللَّه بِالْحَمِيَّةِ وَلَكِنِ اسْتَقْبِلُوهَا بِالِاسْتِغْفَارِ , وَتَضَرَّعُوا إِلَى اللَّه . وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } . )19400 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ } قَالَ : الْجُوع وَالْجَدْب . { فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ } فَصَبَرُوا . { وَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } . )
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاب الْقِتَال ; فَقُتِلُوا يَوْم بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19401 -حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد } قَدْ مَضَى , كَانَ يَوْم بَدْر . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنِ ابْن عَبَّاس مِثْله . 19402 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد } قَالَ : يَوْم بَدْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاب الْمَجَاعَة وَالضُّرّ , وَهُوَ الْبَاب ذُو الْعَذَاب الشَّدِيد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد } قَالَ : لِكُفَّارِ قُرَيْش الْجُوع , وَمَا قَبْلهَا مِنَ الْقِصَّة لَهُمْ أَيْضًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَا قَبْلهَا أَيْضًا . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد : أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّة الْمَجَاعَة الَّتِي أَصَابَتْ قُرَيْشًا بِدُعَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ , وَأَمَرَ ثُمَامَة بْن أُثَال ; وَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ بَعْد وَقْعَة بَدْر .|إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ|وَقَوْله : { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } يَقُول : إِذَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَذَاب حَزَانَى نَادِمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي تَكْذِيبهمْ بِآيَاتِ اللَّه , فِي حِين لَا يَنْفَعهُمْ النَّدَم وَالْحُزْن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي أَحْدَثَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , السَّمْع الَّذِي تَسْمَعُونَ بِهِ , وَالْأَبْصَار الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا , وَالْأَفْئِدَة الَّتِي تَفْقَهُونَ بِهَا , فَكَيْفَ يَتَعَذَّر عَلَى مَنْ أَنْشَأَ ذَلِكَ ابْتِدَاء إِعَادَته بَعْد عَدَمه وَفَقْده , وَهُوَ الَّذِي يُوجِد ذَلِكَ كُلّه إِذَا شَاءَ وَيُفْنِيه إِذَا أَرَادَ .|قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ|يَقُول : تَشْكُرُونَ أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ خَبَر اللَّه مِنْ عَطَائِكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة قَلِيلًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ فِي الْأَرْض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , ثُمَّ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُوركُمْ إِلَى مَوْقِف الْحِسَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي يُحْيِي خَلْقه ; يَقُول : يَجْعَلهُمْ أَحْيَاء بَعْد أَنْ كَانُوا نُطَفًا أَمْوَاتًا , بِنَفْخِ الرُّوح فِيهَا بَعْد التَّارَات الَّتِي تَأْتِي عَلَيْهَا . { وَيُمِيت } يَقُول : وَيُمِيتهُمْ بَعْد أَنْ أَحْيَاهُمْ .|وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ|يَقُول : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار مُخْتَلِفَيْنِ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : لَك الْمَنّ وَالْفَضْل , بِمَعْنَى : إِنَّك تَمُنّ وَتُفْضِل .|أَفَلَا تَعْقِلُونَ|وَقَوْله : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيّهَا النَّاس أَنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال ابْتِدَاء مِنْ غَيْر أَصْل لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ إِحْيَاء الْأَمْوَات بَعْد فَنَائِهِمْ وَإِنْشَاء مَا شَاءَ إِعْدَامه بَعْد إِنْشَائِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ قَالُوا مِثْل مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا اعْتَبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَلَا تَدَبَّرُوا مَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُجَج وَالدَّلَالَة عَلَى قُدْرَته عَلَى فِعْل كُلّ مَا يَشَاء ; وَلَكِنْ قَالُوا مِثْل مَا قَالَ أَسْلَافهمْ مِنَ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا قَبْلهمْ .
يَقُول : أَإِذَا مِتْنَا وَعُدْنَا تُرَابًا قَدْ بَلِيَتْ أَجْسَامنَا وَبَرَأَتْ عِظَامنَا مِنْ لُحُومنَا ,|أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ|يَقُول : أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورنَا أَحْيَاء كَهَيْئَتِنَا قَبْل الْمَمَات ؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْء غَيْر كَائِن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْل إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالُوا : لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا الْوَعْد الَّذِي تَعِدنَا يَا مُحَمَّد , وَوُعِدَ آبَاءَنَا مِنْ قَبْلنَا قَوْم ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُل مِنْ قَبْلك , فَلَمْ نَرَهُ حَقِيقَة أَنَّ هَذَا يَقُول : مَا هَذَا الَّذِي تَعِدنَا مِنَ الْبَعْث بَعْد الْمَمَات ; { إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَقُول : مَا سَطَرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي كُتُبهمْ مِنَ الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار الَّتِي لَا صِحَّة لَهَا ولَا حَقِيقَة.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِمَنِ الْأَرْض وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآخِرَةِ مِنْ قَوْمك : لِمَنْ مُلْك الْأَرْض وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْخَلْق إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَنْ مَالِكهَا ؟ ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّهُمْ سَيُقِرُّونَ بِأَنَّهَا لِلَّهِ مِلْكًا , دُون سَائِر الْأَشْيَاء غَيْره.
يَقُول : فَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَجَابُوك بِذَلِكَ كَذَلِكَ : أَفَلَا تَذَكَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْق ذَلِكَ ابْتِدَاء فَهُوَ قَادِر عَلَى إِحْيَائِهِمْ بَعْد مَمَاتهمْ وَإِعَادَتهمْ خَلْقًا سَوِيًّا بَعْد فَنَائِهِمْ ؟
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع وَرَبّ الْعَرْش الْعَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : مَنْ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع , وَرَبّ الْعَرْش الْمُحِيط بِذَلِكَ ؟ سَيَقُولُونَ : ذَلِكَ كُلّه لِلَّهِ , وَهُوَ رَبّه , فَقُلْ لَهُمْ : أَفَلَا تَتَّقُونَ عِقَابه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَتَكْذِيبكُمْ خَبَره وَخَبَر رَسُوله ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } ; سِوَى أَبِي عَمْرو , فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فَقَرَأَهُ : | سَيَقُولُونَ اللَّه | فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَفِي الْآخَر الَّذِي بَعْده , إِتْبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِف الْأَمْصَار إِلَّا فِي مُصْحَف أَهْل الْبَصْرَة , فَإِنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ , فَقَرَءُوا بِالْأَلِفِ كُلّهَا إِتْبَاعًا لِخَطِّ مُصْحَفهمْ . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالْأَلِفِ فَلَا مُؤْنَة فِي قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ أَجْرَوْا الْجَوَاب عَلَى الِابْتِدَاء وَرَدُّوا مَرْفُوعًا عَلَى مَرْفُوع . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَتهمْ : قُلْ مَنْ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع وَرَبّ الْعَرْش الْعَظِيم ؟ سَيَقُولُونَ رَبّ ذَلِكَ اللَّه . فَلَا مُؤْنَة فِي قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي هَذَا وَالَّذِي يَلِيه بِغَيْرِ أَلِف , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : مَعْنَى قَوْله { قُلْ مَنْ رَبّ السَّمَاوَات } لِمَنِ السَّمَاوَات ؟ لِمَنِ مُلْك ذَلِكَ ؟ فَجَعَلَ الْجَوَاب عَلَى الْمَعْنَى , فَقِيلَ : لِلَّهِ ; لِأَنَّ الْمَسْأَلَة عَنْ مِلْك ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ نَظِير قَوْل قَائِل لِرَجُلٍ : مَنْ مَوْلَاك ؟ فَيُجِيب الْمُجِيب عَنْ مَعْنَى مَا سُئِلَ , فَيَقُول : أَنَا لِفُلَانٍ ; لِأَنَّهُ مَفْهُوم بِذَلِكَ مِنَ الْجَوَاب مَا هُوَ مَفْهُوم بِقَوْلِهِ : مَوْلَايَ فُلَان . وَكَانَ بَعْضهمْ يَذْكُر أَنَّ بَعْض بَنِي عَامِر أَنْشَدَهُ : <br>وَأَعْلَم أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا .......... إِذَا سَارَ النَّواجِع لَا يَسِير <br><br>فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ .......... فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ وَزِير <br>فَأَجَابَ الْمَخْفُوض بِمَرْفُوعٍ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَقَالَ السَّائِلُونَ : مَنِ الْمَيِّت ؟ فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ : الْمَيِّت وَزِير ; فَأَجَابُوا عَنِ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِهِمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنِّي مَعَ ذَلِكَ أَخْتَار قِرَاءَة جَمِيع ذَلِكَ بِغَيْرِ أَلِف , لِإِجْمَاعِ خُطُوط مَصَاحِف الْأَمْصَار عَلَى ذَلِكَ سِوَى خَطّ مُصْحَف أَهْل الْبَصْرَة .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : مَنْ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع , وَرَبّ الْعَرْش الْمُحِيط بِذَلِكَ ؟ سَيَقُولُونَ : ذَلِكَ كُلّه لِلَّهِ , وَهُوَ رَبّه , فَقُلْ لَهُمْ : أَفَلَا تَتَّقُونَ عِقَابه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَتَكْذِيبكُمْ خَبَره وَخَبَر رَسُوله ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } ; سِوَى أَبِي عَمْرو , فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فَقَرَأَهُ : | سَيَقُولُونَ اللَّه | فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَفِي الْآخَر الَّذِي بَعْده , إِتْبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِف الْأَمْصَار إِلَّا فِي مُصْحَف أَهْل الْبَصْرَة , فَإِنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ , فَقَرَءُوا بِالْأَلِفِ كُلّهَا إِتْبَاعًا لِخَطِّ مُصْحَفهمْ . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالْأَلِفِ فَلَا مُؤْنَة فِي قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ أَجْرَوْا الْجَوَاب عَلَى الِابْتِدَاء وَرَدُّوا مَرْفُوعًا عَلَى مَرْفُوع . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَتهمْ : قُلْ مَنْ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع وَرَبّ الْعَرْش الْعَظِيم ؟ سَيَقُولُونَ رَبّ ذَلِكَ اللَّه . فَلَا مُؤْنَة فِي قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي هَذَا وَالَّذِي يَلِيه بِغَيْرِ أَلِف , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : مَعْنَى قَوْله { قُلْ مَنْ رَبّ السَّمَاوَات } لِمَنِ السَّمَاوَات ؟ لِمَنْ مُلْك ذَلِكَ ؟ فَجَعَلَ الْجَوَاب عَلَى الْمَعْنَى , فَقِيلَ : لِلَّهِ ; لِأَنَّ الْمَسْأَلَة عَنْ مُلْك ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ نَظِير قَوْل قَائِل لِرَجُلٍ : مَنْ مَوْلَاك ؟ فَيُجِيب الْمُجِيب عَنْ مَعْنَى مَا سُئِلَ , فَيَقُول : أَنَا لِفُلَانٍ ; لِأَنَّهُ مَفْهُوم بِذَلِكَ مِنَ الْجَوَاب مَا هُوَ مَفْهُوم بِقَوْلِهِ : مَوْلَايَ فُلَان . وَكَانَ بَعْضهمْ يَذْكُر أَنَّ بَعْض بَنِي عَامِر أَنْشَدَهُ : <br>وَأَعْلَم أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا .......... إِذَا سَارَ النَّواجِع لَا يَسِير <br><br>فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ .......... فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ وَزِير <br>فَأَجَابَ الْمَخْفُوض بِمَرْفُوعٍ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَقَالَ السَّائِلُونَ : مَنِ الْمَيِّت ؟ فَقَالَ الْمُخْبِرُونَ : الْمَيِّت وَزِير ; فَأَجَابُوا عَنِ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِهِمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . غَيْر أَنِّي مَعَ ذَلِكَ أَخْتَار قِرَاءَة جَمِيع ذَلِكَ بِغَيْرِ أَلِف ; لِإِجْمَاعِ خُطُوط مَصَاحِف الْأَمْصَار عَلَى ذَلِكَ سِوَى خَطّ مُصْحَف أَهْل الْبَصْرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوت كُلّ شَيْء } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : مَنْ بِيَدِهِ خَزَائِن كُلّ شَيْء ؟ كَمَا . 19404 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { مَلَكُوت كُلّ شَيْء } قَالَ : خَزَائِن كُلّ شَيْء . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوت كُلّ شَيْء } قَالَ : خَزَائِن كُلّ شَيْء .)|وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ|وَقَوْله : { وَهُوَ يُجِير } مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ قَصَدَهُ بِسُوءٍ . { وَلَا يُجَار عَلَيْهِ } يَقُول : وَلَا أَحَد يَمْتَنِع مِمَّنْ أَرَادَهُ هُوَ بِسُوءٍ فَيَدْفَع عَنْهُ عَذَابه وَعِقَابه . { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } مَنْ ذَلِكَ صِفَته ,
فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ مَلَكُوت كُلّ شَيْء وَالْقُدْرَة عَلَى الْأَشْيَاء كُلّهَا لِلَّهِ . فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } يَقُولُونَ : فَمِنْ أَيّ وَجْه تُصْرَفُونَ عَنِ التَّصْدِيق بِآيَاتِ اللَّه وَالْإِقْرَار بِأَخْبَارِهِ وَأَخْبَار رَسُوله وَالْإِيمَان بِأَنَّ اللَّه الْقَادِر عَلَى كُلّ مَا يَشَاء وَعَلَى بَعْثكُمْ أَحْيَاء بَعْد مَمَاتكُمْ , مَعَ عِلْمكُمْ بِمَا تَقُولُونَ مِنْ عَظِيم سُلْطَانه وَقُدْرَته ؟ وَكَانَ ابْن عَبَّاس فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُول فِي مَعْنَى قَوْله { تُسْحَرُونَ } مَا : 19405 - حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } يَقُول : تُكَذِّبُونَ . )وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى السِّحْر : أَنَّهُ تَخْيِيل الشَّيْء إِلَى النَّاظِر أَنَّهُ عَلَى خِلَاف مَا هُوَ بِهِ مِنْ هَيْئَته , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : فَمِنْ أَيّ وَجْه يُخَيَّل إِلَيْكُمُ الْكَذِب حَقًّا وَالْفَاسِد صَحِيحًا , فَتُصْرَفُونَ عَنِ الْإِقْرَار بِالْحَقِّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ رَسُولنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ } </subtitle>يَقُول : مَا الْأَمْر كَمَا يَزْعُم هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه وَأَنَّ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام آلِهَة دُون اللَّه . { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ } الْيَقِين , وَهُوَ الدِّين الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّه بِهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ الْإِسْلَام , وَلَا يُعْبَد شَيْء سِوَى اللَّه لِأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره .|وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ|يَقُول : وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَكَاذِبُونَ فِيمَا يُضِيفُونَ إِلَى اللَّه وَيَنْحَلُونَهُ مِنَ الْوَلَد وَالشَّرِيك .
وَقَوْله : { مَا اتَّخَذَ اللَّه مِنْ وَلَد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لِلَّهِ مِنْ وَلَد , وَلَا كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيم وَلَا حِين ابْتَدَعَ الْأَشْيَاء مَنْ تَصْلُح عِبَادَته , وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيم أَوْ عِنْد خَلْقه الْأَشْيَاء مَنْ تَصْلُح عِبَادَته { مِنْ إِلَه إِذًا لَذَهَبَ } |إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ|يَقُول : إِذًا لَاعْتَزَلَ كُلّ إِلَه مِنْهُمْ { بِمَا خَلَقَ } مِنْ شَيْء , فَانْفَرَدَ بِهِ , وَلَتَغَالَبُوا , فَلَعَلَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَغَلَبَ الْقَوِيّ مِنْهُمْ الضَّعِيف ; لِأَنَّ الْقَوِيّ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْلُوهُ ضَعِيف , وَالضَّعِيف لَا يَصْلُح أَنْ يَكُون إِلَهًا , فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة وَأَوْجَزهَا لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ ! وَقَوْله : { إِذًا لَذَهَبَ } جَوَاب لِمَحْذُوفٍ , وَهُوَ : لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَه إِذَنْ لَذَهَبَ كُلّ إِلَه بِمَا خَلَقَ ; اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ.|سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ|وَقَوْله : { سُبْحَان اللَّه عَمَّا يَصِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَعَمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا , أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْقِدَم إِلَهًا يُعْبَد , تَبَارَكَ وَتَعَالَى !
وَقَوْله : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هُوَ عَالِم مَا غَابَ عَنْ خَلْقه مِنَ الْأَشْيَاء , فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ , وَمَا رَأَوْهُ وَشَاهَدُوهُ . إِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّه خَبَر عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ : اتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا وَعَبَدُوا مِنْ دُونه آلِهَة , أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مُبْطِلُونَ مُخْطِئُونَ , فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْل فِي ذَلِكَ عَنْ غَيْر عِلْم , بَلْ عَنْ جَهْل مِنْهُمْ بِهِ ; وَإِنَّ الْعَالِم بِقَدِيمِ الْأُمُور وَبِحَدِيثِهَا وَشَاهِدهَا وَغَائِبهَا عَنْهُمْ , اللَّه الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , فَخَبَره هُوَ الْحَقّ دُون خَبَرهمْ . وَقَالَ : { عَالِم الْغَيْب } فَرُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء , بِمَعْنَى : هُوَ عَالِم الْغَيْب , وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْفَاء فِي قَوْله : { فَتَعَالَى } كَمَا يُقَال : مَرَرْت بِأَخِيك الْمُحْسِن فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ , فَتَرْفَع الْمُحْسِن إِذَا جَعَلْت فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ بِالْفَاءِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام إِذَا كَانَ كَذَلِكَ : مَرَرْت بِأَخِيك هُوَ الْمُحْسِن , فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ . وَلَوْ جُعِلَ الْكَلَام بِالْوَاوِ فَقِيلَ : وَأَحْسَنْت إِلَيْهِ , لَمْ يَكُنْ وَجْه الْكَلَام فِي | الْمُحْسِن | إِلَّا الْخَفْض عَلَى النَّعْت لِلْأَخِ , وَلِذَلِكَ لَوْ جَاءَ | فَتَعَالَى | بِالْوَاوِ كَانَ وَجْه الْكَلَام فِي عَالِم الْغَيْب الْخَفْض عَلَى الِاتِّبَاع لِإِعْرَابِ اسْم اللَّه , وَكَانَ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : سُبْحَان اللَّه عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَتَعَالَى ! فَيَكُون قَوْله : | وَتَعَالَى | حِينَئِذٍ مَعْطُوفًا عَلَى | سُبْحَان اللَّه | . وَقَدْ يَجُوز الْخَفْض مَعَ الْفَاء ; لِأَنَّ الْعَرَب قَدْ تَبْدَأ الْكَلَام بِالْفَاءِ , كَابْتِدَائِهَا بِالْوَاوِ , وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأ : { عَالِم الْغَيْب } فِي هَذَا الْمَوْضِع أَبُو عَمْرو , وَعَلَى خِلَافه فِي ذَلِكَ قِرَاءَة الْأَمْصَار . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : الرَّفْع , لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : إِجْمَاع الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَالثَّانِي : صِحَّته فِي الْعَرَبِيَّة .|فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ|وَقَوْله : { فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَارْتَفَعَ اللَّه وَعَلَا عَنْ شِرْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِمَا يَصِفُونَ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ رَبّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : رَبّ إِنْ تُرِيَنِّي فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا تَعِدهُمْ مِنْ عَذَابك فَلَا تُهْلِكنِي بِمَا تُهْلِكهُمْ بِهِ , وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابك وَسَخَطك فَلَا تَجْعَلنِي فِي الْقَوْم الْمُشْرِكِينَ ; وَلَكِنْ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِك . وَقَوْله : { فَلَا تَجْعَلنِي } جَوَاب لِقَوْلِهِ : { إِمَّا تُرِيَنِّي } اعْتَرَضَ بَيْنهمَا بِالنِّدَاءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْله جَزَاء لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام , لَا يُقَال : يَا زَيْد فَقُمْ , وَلَا يَا رَبّ فَاغْفِرْ ; لِأَنَّ النِّدَاء مُسْتَأْنَف , وَكَذَلِكَ الْأَمْر بَعْده مُسْتَأْنَف , لَا تَدْخُلهُ الْفَاء وَالْوَاو , إِلَّا أَنْ يَكُون جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْله.
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : رَبّ إِنْ تُرِيَنِّي فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا تَعِدهُمْ مِنْ عَذَابك فَلَا تُهْلِكنِي بِمَا تُهْلِكهُمْ بِهِ , وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابك وَسَخَطك فَلَا تَجْعَلنِي فِي الْقَوْم الْمُشْرِكِينَ ; وَلَكِنِ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِك . وَقَوْله : { فَلَا تَجْعَلنِي } جَوَاب لِقَوْلِهِ : { إِمَّا تُرِيَنِّي } اعْتَرَضَ بَيْنهمَا بِالنِّدَاءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْله جَزَاء لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام , لَا يُقَال : يَا زَيْد فَقُمْ , وَلَا يَا رَبّ فَاغْفِرْ ; لِأَنَّ النِّدَاء مُسْتَأْنَف , وَكَذَلِكَ الْأَمْر بَعْده مُسْتَأْنَف , لَا تَدْخُلهُ الْفَاء وَالْوَاو , إِلَّا أَنْ يَكُون جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْله .
وَقَوْله : { وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيك مَا نَعِدهُمْ لَقَادِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّا يَا مُحَمَّد عَلَى أَنْ نُرِيك فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا نَعِدهُمْ مِنْ تَعْجِيل الْعَذَاب لَهُمْ , لَقَادِرُونَ , فَلَا يَحْزُنَنَّك تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ بِمَا نَعِدهُمْ بِهِ , وَإِنَّمَا نُؤَخِّر ذَلِكَ لِيَبْلُغ الْكِتَاب أَجَله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : ادْفَعْ يَا مُحَمَّد بِالْخَلَّةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَن , وَذَلِكَ الْإِغْضَاء وَالصَّفْح عَنْ جَهَلَة الْمُشْرِكِينَ وَالصَّبْر عَلَى أَذَاهُمْ , وَذَلِكَ أَمْره إِيَّاهُ قَبْل أَمْره بِحَرْبِهِمْ , وَعَنَى بِالسَّيِّئَةِ : أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ وَتَكْذِيبهمْ لَهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول لَهُ تَعَالَى ذِكْره : اصْبِرْ عَلَى مَا تَلْقَى مِنْهُمْ فِي ذَات اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19406 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ . )19407 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ مُجَاهِد : ( { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : هُوَ السَّلَام , تُسَلِّم عَلَيْهِ إِذَا لَقِيته . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19408 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : وَاللَّه لَا يُصِيبهَا صَاحِبهَا حَتَّى يَكْظِم غَيْظًا وَيَصْفَح عَمَّا يَكْرَه .)|نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ|وَقَوْله : { نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ اللَّه بِهِ , وَيَنْحَلُونَهُ مِنَ الْأَكَاذِيب وَالْفِرْيَة عَلَيْهِ , وَبِمَا يَقُولُونَ فِيك مِنَ السُّوء , وَنَحْنُ مُجَازُوهُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ , فَلَا يَحْزُنك مَا تَسْمَع مِنْهُمْ مِنْ قَبِيح الْقَوْل .
وَقَوْله : { وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْ يَا مُحَمَّد رَبّ أَسْتَجِير بِك مِنْ خَنْق الشَّيَاطِين وَهَمَزَاتهَا , وَالْهَمْز : هُوَ الْغَمْز , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْهَمْزِ فِي الْكَلَام : هَمْزَة , وَالْهَمَزَات جَمْع هَمْزَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19409 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين } قَالَ : هَمَزَات الشَّيَاطِين : خَنْقهمْ النَّاس , فَذَلِكَ هَمَزَاتهمْ.)
وَقَوْله : { وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } يَقُول : وَقُلْ أَسْتَجِير بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ فِي أُمُورِي . كَالَّذِي : 19410 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } فِي شَيْء مِنْ أَمْرِي .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمَوْت , وَعَايَنَ نُزُول أَمْر اللَّه بِهِ , قَالَ لِعَظِيمِ مَا يُعَايِن مِمَّا يَقْدَم عَلَيْهِ مِنْ عَذَاب اللَّه تَنَدُّمًا عَلَى مَا فَاتَ وَتَلَهُّفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْ طَاعَة اللَّه وَمَسْأَلَته لِلْإِقَالَةِ : { رَبّ ارْجِعُونِ } إِلَى الدُّنْيَا فَرُدُّونِي إِلَيْهَا , { لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا } يَقُول : كَيْ أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت قَبْل الْيَوْم مِنَ الْعَمَل فَضَيَّعْته وَفَرَّطْت فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19411 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , قَالَ : (كَانَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ عَلَيْنَا : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } قَالَ مُحَمَّد : إِلَى أَيّ شَيْء يُرِيد ؟ إِلَى أَيّ شَيْء يَرْغَب ؟ أَجَمْع الْمَال , أَوْ غَرْس الْغِرَاس , أَوْ بَنْي بُنْيَان , أَوْ شَقّ أَنْهَار ؟ ثُمَّ يَقُول : { لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت } يَقُول الْجَبَّار : كَلَّا . )19412 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { رَبّ ارْجِعُونِ } قَالَ : هَذِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمْ الْمَوْت } قَالَ : حِين تَنْقَطِع الدُّنْيَا وَيُعَايِن الْآخِرَة , قَبْل أَنْ يَذُوق الْمَوْت . )19413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة : ( إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِن الْمَلَائِكَة قَالُوا : نُرْجِعك إِلَى الدُّنْيَا ؟ فَيَقُول : إِلَى دَار الْهُمُوم وَالْأَحْزَان ؟ فَيَقُول : بَلْ قَدِّمَانِي إِلَى اللَّه . وَأَمَّا الْكَافِر فَيُقَال : نُرْجِعك ؟ فَيَقُول : لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا فَمَا تَرَكْت ... | الْآيَة . )19414 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } يَعْنِي أَهْل الشِّرْك . )وَقِيلَ : | رَبّ ارْجِعُونِ | , فَابْتَدَأَ الْكَلَام بِخِطَابِ اللَّه تَعَالَى , ثُمَّ قِيلَ : | ارْجِعُونِ | , فَصَارَ إِلَى خِطَاب الْجَمَاعَة , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره وَاحِد . وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَسْأَلَة الْقَوْم الرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحهمْ , كَمَا ذَكَرَ ابْن جُرَيْج أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ . وَإِنَّمَا ابْتُدِئَ الْكَلَام بِخِطَابِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ; لِأَنَّهُمْ اسْتَغَاثُوا بِهِ , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَسْأَلَة الْمَلَائِكَة الرُّجُوع وَالرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَى عَلَى وَصْف اللَّه نَفْسه مِنْ قَوْله : { وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ قَبْل وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [19 9 ]فِي غَيْر مَكَان مِنَ الْقُرْآن , فَجَرَى هَذَا عَلَى ذَاكَ .
يَقُول : كَيْ أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت قَبْل الْيَوْم مِنَ الْعَمَل فَضَيَّعْته وَفَرَّطْت فِيهِ .|كَلَّا|وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالَ هَذَا الْمُشْرِك ; لَنْ يُرْجَع إِلَى الدُّنْيَا وَلَنْ يُعَاد إِلَيْهَا.|إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا|يَقُول : هَذِهِ الْكَلِمَة , وَهُوَ قَوْله : { رَبّ ارْجِعُونِ } كَلِمَة هُوَ قَائِلهَا ; يَقُول : هَذَا الْمُشْرِك هُوَ قَائِلهَا . كَمَا : 19415 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَة هُوَ قَائِلهَا } لَا بُدّ لَهُ أَنْ يَقُولهَا .)|وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ|يَقُول : وَمِنْ أَمَامهمْ حَاجِز يَحْجِز بَيْنهمْ وَبَيْن الرُّجُوع , يَعْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورهمْ , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة ; وَالْبَرْزَخ وَالْحَاجِز وَالْمُهْلَة مُتَقَارِبَات فِي الْمَعْنَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول : أَجَل إِلَى حِين . )19417 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : ( { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ } قَالَ : مَا بَعْد الْمَوْت . )19418 -حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا أَبُو حَيْوَة شُرَيْح بْن يَزِيد , قَالَ : ثنا أَرْطَاة , عَنْ أَبِي يُوسُف , قَالَ : (خَرَجْت مَعَ أَبِي أُمَامَة فِي جِنَازَة , فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي لَحْدهَا , قَالَ أَبُو أُمَامَة : هَذَا بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ . )19419 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : مَا بَيْن الْمَوْت إِلَى الْبَعْث . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : حِجَاب بَيْن الْمَيِّت وَالرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 19420 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : بَرْزَخ بَقِيَّة الدُّنْيَا . )* -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19421 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : الْبَرْزَخ مَا بَيْن الْمَوْت إِلَى الْبَعْث . )19422 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (الْبَرْزَخ : مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّوَر فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور } مِنَ النَّفْخَتَيْنِ أَيَّتهمَا عُنِيَ بِهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا النَّفْخَة الْأُولَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19423 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُطَرِّف , عَنِ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ : سَمِعْت اللَّه يَقُول : ( { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ } . . . الْآيَة , وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى : { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } [37 27 ]فَقَالَ : أَمَّا قَوْله : { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } فَذَلِكَ فِي النَّفْخَة الْأُولَى , فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْض شَيْء ; { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } . وَأَمَّا قَوْله : { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } [37 27 ]فَإِنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْجَنَّة أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ . )19424 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ : فِي النَّفْخَة الْأُولَى . )19425 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } فَذَلِكَ حِين يُنْفَخ فِي الصُّوَر , فَلَا حَيّ يَبْقَى إِلَّا اللَّه . { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } [37 27 ]فَذَلِكَ إِذَا بُعِثُوا فِي النَّفْخَة الثَّانِيَة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور , فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا , وَلَا يَتَسَاءَلُونَ , وَلَا يَتَزَاوَرُونَ , فَيَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَحْوَالهمْ وَأَنْسَابهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ . بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ النَّفْخَة الثَّانِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19426 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ هَارُون بْن أَبِي وَكِيع , قَالَ : سَمِعْت زَاذَان يَقُول : (أَتَيْت ابْن مَسْعُود , وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاس إِلَيْهِ فِي دَاره , فَلَمْ أَقْدِر عَلَى مَجْلِس , فَقُلْت : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , مِنْ أَجْل أَنِّي رَجُل مِنَ الْعَجَم تَحْقِرنِي ؟ قَالَ : ادْنُ ! قَالَ : فَدَنَوْت , فَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنه جَلِيس , فَقَالَ : | يُؤْخَذ بِيَدِ الْعَبْد أَوْ الْأَمَة يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا إِنَّ هَذَا فُلَان ابْن فُلَان , فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقّ قِبَله فَلْيَأْتِ إِلَى حَقّه , قَالَ : فَتَفْرَح الْمَرْأَة يَوْمئِذٍ أَنْ يَكُون لَهَا حَقّ عَلَى ابْنهَا أَوْ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى أَخِيهَا أَوْ عَلَى زَوْجهَا ; { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } . )19427 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ; ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ زَاذَان , قَالَ : سَمِعْت ابْن مَسْعُود يَقُول : ( يُؤْخَذ الْعَبْد أَوْ الْأَمَة يَوْم الْقِيَامَة , فَيُنْصَب عَلَى رُءُوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : فَيَقُول الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْعَبْدِ : أَعْطِ هَؤُلَاءِ حُقُوقهمْ ! فَيَقُول : أَيْ رَبّ , فَنِيَتِ الدُّنْيَا , فَمِنْ أَيْنَ أُعْطِيهِمْ ؟ فَيَقُول لِلْمَلَائِكَةِ : خُذُوا مِنْ أَعْمَاله الصَّالِحَة وَأَعْطُوا لِكُلِّ إِنْسَان بِقَدْرِ طِلْبَته ! فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل , ضَاعَفَهَا اللَّه لَهُ حَتَّى يُدْخِلهُ بِهَا الْجَنَّة , ثُمَّ تَلَا ابْن مَسْعُود : { إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْه أَجْرًا عَظِيمًا } [4 40 ]وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَتِ الْمَلَائِكَة : رَبّنَا , فَنِيَتْ حَسَنَاته وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِير , فَيَقُول : خُذُوا مِنْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاته , وَصُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّار ! . )19428 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج : ( { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ : لَا يُسْأَل أَحَد يَوْمئِذٍ بِنَسَبٍ شَيْئًا , وَلَا يَتَسَاءَلُونَ , وَلَا يُمَتّ إِلَيْهِ بِرَحِمٍ . )19429 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ حَفْص بْن الْمُغِيرَة , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (لَيْسَ شَيْء أَبْغَض إِلَى الْإِنْسَان يَوْم الْقِيَامَة مَنْ أَنْ يَرَى مَنْ يَعَافهُ , مَخَافَة أَنْ يَذُوب لَهُ عَلَيْهِ شَيْء , ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْم يَفِرّ الْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّه وَأَبِيهِ وَصَاحِبَته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } [80 34 : 37 ]. )19430 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن سِنَان , عَنْ سَدُوس صَاحِب السَّائِرِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار , نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَهْل الْعَرْش : يَا أَهْل التَّظَالُم تَدَارَكُوا مَظَالِمكُمْ وَادْخُلُوا الْجَنَّة ! | .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه } مَوَازِين حَسَنَاته وَخَفَّتْ مَوَازِين سَيِّئَاته .|فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ|يَعْنِي الْخَالِدُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم .
يَقُول : وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِين حَسَنَاته , فَرَجَحَتْ بِهَا مَوَازِين سَيِّئَاته .|فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ|يَقُول : غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه .|فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ|يَقُول : هُمْ فِي نَار جَهَنَّم .
وَقَوْله : { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } يَقُول : تَسْفَع وُجُوههمْ النَّار . كَمَا : 19431 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } قَالَ : تَنْفَح .)|وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ|وَالْكُلُوح : أَنْ تَتَقَلَّص الشَّفَتَانِ عَنِ الْأَسْنَان حَتَّى تَبْدُو الْأَسْنَان , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : <br>وَلَهُ الْمُقَدَّم لَا مِثْل لَهُ .......... سَاعَة الشِّدْق عَنِ النَّاب كَلَحْ <br>فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَسْفَع وُجُوههمْ لَهَب النَّار فَتَحْرُقهَا , وَهُمْ فِيهَا مُتَقَلِّصُو الشِّفَاه عَنِ الْأَسْنَان مِنْ إِحْرَاق النَّار وُجُوههمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19432 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } يَقُول : عَابِسُونَ . )19433 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْس الْمَشِيط قَدْ بَدَتْ أَسْنَانه وَقَلَصَتْ شَفَتَاهُ ؟ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه , (قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } . . . الْآيَة , قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْس الْمَشِيط بِالنَّارِ وَقَدْ قَلَصَتْ شَفَتَاهُ وَبَدَتْ أَسْنَانه ؟ . )19434 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْغَنَم إِذَا مَسَّتْ النَّار وُجُوههَا كَيْفَ هِيَ ؟ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُقَال لَهُمْ : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي آيَات الْقُرْآن تُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا , { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } . وَتَرَكَ ذِكْر | يُقَال | لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
{ قَالُوا رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } بِكَسْرِ الشِّين , وَبِغَيْرِ أَلِف . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : | شَقَاوَتنَا | بِفَتْحِ الشِّين وَالْأَلِف . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , وَقَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالُوا : رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا مَا سَبَقَ لَنَا فِي سَابِق عِلْمك وَخُطَّ لَنَا فِي أُمّ الْكِتَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19435 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } قَالَ : الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19436 -وَقَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : (بَلَغَنَا أَنَّ أَهْل النَّار نَادَوْا خَزَنَة جَهَنَّم : أَنِ { ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب } [40 49 ]فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ مَا شَاءَ اللَّه ; فَلَمَّا أَجَابُوهُمْ بَعْد حِين قَالُوا : { ادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال } [40 50 ]قَالَ : ثُمَّ نَادَوْا مَالِكًا : يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! فَسَكَتَ عَنْهُمْ مَالِك خَازِن جَهَنَّم أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ أَجَابَهُمْ فَقَالَ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [43 77 ]ثُمَّ نَادَى الْأَشْقِيَاء رَبّهمْ , فَقَالُوا : { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فَسَكَتَ عَنْهُمْ مِثْل مِقْدَار الدُّنْيَا , ثُمَّ أَجَابَهُمْ بَعْد ذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . )19437 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ( يُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة فَلَا يُجِيبُونَهُمْ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يَقُول : أَجِيبُوهُمْ ! وَقَدْ قَطَعَ الرَّحِم وَالرَّحْمَة . فَيَقُول أَهْل الْجَنَّة : يَا أَهْل النَّار عَلَيْكُمْ غَضَب اللَّه ! يَا أَهْل النَّار عَلَيْكُمْ لَعْنَة اللَّه ! يَا أَهْل النَّار , لَا لَبَّيْكُمْ وَلَا سَعْدَيْكُمْ ! مَاذَا تَقُولُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ نَكُ فِي الدُّنْيَا آبَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : بَلَى . فَيَقُولُونَ : { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه قَالُوا إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } [7 50 ] . )19438 -قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ ; قَالَ : وثني عَبْدَة الْمَرْوَزِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب , زَادَ أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه , قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : بَلَغَنِي , أَوْ ذُكِرَ لِي , (أَنَّ أَهْل النَّار اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ , ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا قَالَ اللَّه ; فَلَمَّا أَيِسُوا نَادَوْا : يَا مَالِك - وَهُوَ عَلَيْهِمْ , وَلَهُ مَجْلِس فِي وَسَطهَا , وَجُسُور تَمُرّ عَلَيْهَا مَلَائِكَة الْعَذَاب , فَهُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا - فَقَالُوا : يَا مَالِك , لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك - سَأَلُوا الْمَوْت . فَمَكَثَ لَا يُجِيبهُمْ ثَمَانِينَ أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الْآخِرَة , أَوْ كَمَا قَالَ , ثُمَّ انْحَطَّ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [43 77 ]فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا : فَاصْبِرُوا , فَلَعَلَّ الصَّبْر يَنْفَعنَا كَمَا صَبَرَ أَهْل الدُّنْيَا عَلَى طَاعَة اللَّه ! قَالَ : فَصَبَرُوا , فَطَالَ صَبْرهمْ , فَنَادَوْا : { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص } [14 21 ]أَيْ مَنْجَى , فَقَامَ إِبْلِيس عِنْد ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ , فَقَالَ : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان } [14 22 ], فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتهمْ , مَقَتُوا أَنْفُسهمْ , قَالَ : فَنُودُوا : { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا ... } [40 10 : 11 ]الْآيَة , قَالَ : فَيُجِيبهُمْ اللَّه فِيهَا : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّه وَحْده كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَك بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْم لِلَّهِ الْعَلِيّ الْكَبِير } [40 12 ]. قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! قَالَ : ثُمَّ دَعَوْا مَرَّة أُخْرَى , فَيَقُولُونَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [32 12 ]قَالَ : فَيَقُول الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْس هُدَاهَا } [32 13 ]يَقُول الرَّبّ : لَوْ شِئْت لَهَدَيْت النَّاس جَمِيعًا فَلَمْ يَخْتَلِف مِنْهُمْ أَحَد { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنَ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا } [32 13 : 14 ]يَقُول : بِمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا لِيَوْمِكُمْ هَذَا , { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } [32 14 ]أَيْ تَرَكْنَاكُمْ , { وَذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [32 14 ]. قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! قَالَ : فَيَدْعُونَ مَرَّة أُخْرَى : { رَبّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَل قَرِيب نُجِبْ دَعْوَتك وَنَتَّبِعِ الرُّسُل } [14 44 ]قَالَ : فَيُقَال لَهُمْ : { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْل مَا لَكُمْ مِنْ زَوَال وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } [14 44 : 45 ]الْآيَة , قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! ثُمَّ قَالُوا مَرَّة أُخْرَى : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } [35 37 ], قَالَ : فَيَقُول : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير ... } [35 37 ]إِلَى : { نَصِير } [35 37 ], ثُمَّ مَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ نَادَاهُمْ : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [23 105 ]فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا : الْآن يَرْحَمنَا ! فَقَالُوا عِنْد ذَلِكَ : { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } أَيْ الْكِتَاب الَّذِي كُتِبَ عَلَيْنَا { وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ... } الْآيَة , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا أَبَدًا . فَانْقَطَعَ عِنْد ذَلِكَ الدُّعَاء وَالرَّجَاء مِنْهُمْ , وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ يَنْبَح فِي وَجْه بَعْض , فَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ . قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك فِي حَدِيثه : فَحَدَّثَنِي الْأَزْهَر بْن أَبِي الْأَزْهَر أَنَّهُ قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [77 35 : 36 ]. )19439 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : (فَوَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد وَالتَّوْرَاة عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى , مَا تَكَلَّمَ أَهْل النَّار كَلِمَة بَعْدهَا إِلَّا الشَّهِيق وَالزَّعِيق فِي الْخُلْد أَبَدًا لَيْسَ لَهُ نَفَاد . )19440 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , قَالَ : كُنَّا فِي جِنَازَة وَمَعَنَا أَبُو جَعْفَر الْقَارِي , فَجَلَسْنَا , فَتَنَحَّى أَبُو جَعْفَر , فَبَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك يَا أَبَا جَعْفَر ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْد بْن أَسْلَمَ (أَنَّ أَهْل النَّار لَا يَتَنَفَّسُونَ .)|وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ|وَقَوْله : { وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ } يَقُول : كُنَّا قَوْمًا ضَلَلْنَا عَنْ سَبِيل الرَّشَاد وَقَصْد الْحَقّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الَّذِينَ خَفَّتْ مَوَازِين صَالِح أَعْمَالهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم : رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنَ النَّار , فَإِنْ عُدْنَا لِمَا تَكْرَه مِنَّا مِنْ عَمَل فَإِنَّا ظَالِمُونَ .
وَقَوْله : { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الرَّبّ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُجِيبًا : { اخْسَئُوا فِيهَا } أَيْ اقْعُدُوا فِي النَّار . يُقَال مِنْهُ : خَسَأْت فُلَانًا أَخْسَؤُهُ خَسْئًا وَخُسُوءًا , وَخَسِئَ هُوَ يَخْسَأ وَمَا كَانَ خَاسِئًا وَلَقَدْ خُسِئَ . { وَلَا تُكَلِّمُونِ } فَعِنْد ذَلِكَ أَيِسَ الْمَسَاكِين مِنَ الْفَرَج وَلَقَدْ كَانُوا طَامِعِينَ فِيهِ ; كَمَا : 19441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : ثني أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قِصَّة ذَكَرَهَا فِي الشَّفَاعَة , قَالَ : (فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَلَّا يُخْرِج مِنْهَا - يَعْنِي مِنَ النَّار - أَحَدًا , غَيَّرَ وُجُوههمْ وَأَلْوَانهَا , فَيَجِيء الرَّجُل مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَشْفَع فِيهِمْ , فَيَقُول : يَا رَبّ ! فَيَقُول : مَنْ عَرَفَ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ ! قَالَ : فَيَجِيء الرَّجُل فَيَنْظُر فَلَا يَعْرِف أَحَدًا , فَيَقُول : يَا فُلَان يَا فُلَان ! فَيَقُول : مَا أَعْرِفك . فَعِنْد ذَلِكَ يَقُولُونَ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فَيَقُول : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ جَهَنَّم فَلَا يَخْرُج مِنْهَا بَشَر . )19442 -حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مَعْدِي كَرِب , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : (يُرْسَل - أَوْ يُصَبّ - عَلَى أَهْل النَّار الْجُوع , فَيُعْدَل مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَاب , فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ الَّذِي لَا يُسْمِن وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوع , فَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّة , فَإِذَا أَكَلُوهُ نَشِبَ فِي حُلُوقهمْ , فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَحْدُرُونَ الْغُصَّة بِالْمَاءِ . فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُرْفَع إِلَيْهِمُ الْحَمِيم فِي كَلَالِيب الْحَدِيد , فَإِذَا انْتَهَى إِلَى وُجُوههمْ شَوَى وُجُوههمْ , فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ . قَالَ : فَيُنَادُونَ مَالِكًا : لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! قَالَ : فَيَتْرُكهُمْ أَلْف سَنَة , ثُمَّ يُجِيبهُمْ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ . قَالَ : فَيُنَادُونَ خَزَنَة جَهَنَّم : ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! قَالُوا : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالُوا : فَادْعُوا , وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال ! قَالَ : فَيَقُولُونَ مَا نَجِد أَحَدًا خَيْرًا لَنَا مِنْ رَبّنَا , فَيُنَادُونَ رَبّهمْ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } قَالَ : فَيَقُول اللَّه : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلّ خَيْر , فَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالشَّهِيق وَالثُّبُور . )19443 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن يُوسُف الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا قُطْبَة بْن عَبْد الْعَزِيز الْأَسَدِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ شَمِر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أُمّ الدَّرْدَاء , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُلْقَى عَلَى أَهْل النَّار الْجُوع . .. | )ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ . 19444 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : (يَرَى أَهْل النَّار فِي كُلّ سَبْعِينَ عَامًا سَاق مَالِك خَازِن النَّار , فَيَقُولُونَ : { يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } [43 77 ]! فَيُجِيبهُمْ بِكَلِمَةٍ , ثُمَّ لَا يَرَوْنَهُ سَبْعِينَ عَامًا , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالْخَزَنَةِ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! فَيُجِيبُونَهُمْ : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ . .. } [40 50 ]الْآيَة . فَيَقُولُونَ : ادْعُوا رَبّكُمْ , فَلَيْسَ أَحَد أَرْحَم مِنْ رَبّكُمْ ! فَيَقُولُونَ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } . قَالَ : فَيُجِيبهُمْ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . فَعِنْد ذَلِكَ يَيْأَسُونَ مِنْ كُلّ خَيْر , وَيَأْخُذُونَ فِي الشَّهِيق وَالْوَيْل وَالثُّبُور . )19445 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُنَادُونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ : لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! فَيَسْكُت عَنْهُمْ قَدْر أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ يَقُول : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [43 77 ]. قَالَ : ثُمَّ يُنَادُونَ رَبّهمْ , فَيَسْكُت عَنْهُمْ قَدْر الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ , ثُمَّ يَقُول : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . قَالَ : فَيَيْأَس الْقَوْم , فَلَا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدهَا كَلِمَة , وَكَانَ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِير وَالشَّهِيق . قَالَ قَتَادَة : صَوْت الْكَافِر فِي النَّار مِثْل صَوْت الْحِمَار : أَوَّله زَفِير , وَآخِره شَهِيق . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19446 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي زِيَاد الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : أَسْنَدَهُ إِلَى بَعْض أَهْل الْعِلْم , فَنَسِيته , فِي قَوْله : ( { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَيَسْكُتُونَ , قَالَ : فَلَا يُسْمَع فِيهَا حِسّ إِلَّا كَطَنِينِ الطَّسْت . )19447 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } هَذَا قَوْل الرَّحْمَن عَزَّ وَجَلَّ , حِين انْقَطَعَ كَلَامهمْ مِنْهُ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيق مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّاحِمِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّهُ } وَهَذِهِ الْهَاء فِي قَوْله | إِنَّهُ | هِيَ الْهَاء الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْل الْعَرَبِيَّة الْمَجْهُولَة . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى قَبْل , وَمَعْنَى دُخُولهَا فِي الْكَلَام , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { كَانَ فَرِيق مِنْ عِبَادِي } يَقُول : كَانَتْ جَمَاعَة مِنْ عِبَادِي , وَهُمْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ , يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا : { رَبّنَا آمَنَّا } بِك وَبِرُسُلِك , وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدك . { فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَارْحَمْنَا } وَأَنْتَ خَيْر مَنْ رَحِمَ أَهْل الْبَلَاء , فَلَا تُعَذِّبنَا بِعَذَابِك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاتَّخَذْتُمْ أَيّهَا الْقَائِلُونَ لِرَبِّهِمْ { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ } فِي الدُّنْيَا , الْقَائِلِينَ فِيهَا { رَبّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّاحِمِينَ } سِخْرِيًّا . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ } مِنْ ذِكْر الْفَرِيق . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سِخْرِيًّا } فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا } بِكَسْرِ السِّين , وَيَتَأَوَّلُونَ فِي كَسْرهَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْهُزْء , وَيَقُولُونَ : إِنَّهَا إِذَا ضُمَّتْ فَمَعْنَى الْكَلِمَة : السُّخْرَة وَالِاسْتِعْبَاد , فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ : فَاتَّخَذَهُمْ أَهْل الْإِيمَان بِي فِي الدُّنْيَا هُزُؤًا وَلَعِبًا , تَهْزَءُونَ بِهِمْ , حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : | فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيًّا | بِضَمِّ السِّين , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلِمَة فِي الضَّمّ وَالْكَسْر وَاحِد . وَحَكَى بَعْضهمْ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا لِجِّيّ وَلُجِّيّ , وَدِرِّيّ , وَدُرِّيّ , مَنْسُوب إِلَى الدُّرّ , وَكَذَلِكَ كِرْسِيّ وَكُرْسِيّ ; وَقَالُوا ذَلِكَ مِنْ قِيلهمْ كَذَلِكَ : نَظِير قَوْلهمْ فِي جَمْع الْعَصَا : الْعِصِيّ بِكَسْرِ الْعَيْن , وَالْعُصِيّ بِضَمِّهَا ; قَالُوا : وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمّ فِي السُّخْرِيّ ; لِأَنَّهُ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ ذَلِكَ فَمُصِيب , وَلَيْسَ يُعْرَف مَنْ فَرَّقَ بَيْن مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كُسِرَتِ السِّين وَإِذَا ضُمَّتْ , لِمَا ذَكَرْت مِنَ الرِّوَايَة عَمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْعَرَب مَا حَكَيْت عَنْهُ . ذِكْر الرِّوَايَة بِهِ عَنْ بَعْض مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْن مَعْنَاهُ مَكْسُورَة سِينه وَمَضْمُومَة : 19448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ( { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا } قَالَ : هُمَا مُخْتَلِفَتَانِ : سِخْرِيًّا , وَسُخْرِيًّا , يَقُول اللَّه : { وَرَفَعْنَا بَعْضهمْ فَوْق بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا } [43 32 ]قَالَ : هَذَا سِخْرِيًّا : يُسَخِّرُونَهُمْ , وَالْآخَرُونَ : الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ هُمْ | سُخْرِيًّا | , فَتِلْكَ | سِخْرِيًّا | يُسَخِّرُونَهُمْ عِنْدك , فَسَخَّرَك : رَفَعَك فَوْقه ; وَالْآخَرُونَ : اسْتَهْزَءُوا بِأَهْلِ الْإِسْلَام هِيَ | سُخْرِيًّا | يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ , فَهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأ مِنْ قَوْمه سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَر مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } [11 38 ]وَقَالَ : يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ كَمَا سَخِرَ قَوْم نُوح بِنُوحٍ , | اتَّخَذُوهُمْ سُخْرِيًّا | : اتَّخَذُوهُمْ هُزُؤًا , لَمْ يَزَالُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ . )وَقَوْله : { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } يَقُول : لَمْ يَزَلْ اسْتِهْزَاؤُكُمْ بِهِمْ , أَنْسَاكُمْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلكُمْ بِهِمْ ذِكْرِي , فَأَلْهَاكُمْ عَنْهُ . { وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } , كَمَا : 19449 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } قَالَ : أَنْسَى هَؤُلَاءِ اللَّه اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِمْ وَضَحِكهمْ بِهِمْ . وَقَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } [83 29 ]حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } [83 32 ].)
وَقَوْله : { إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنِّي أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّار , جَزَيْت الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ فِي الدُّنْيَا سِخْرِيًّا مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِي , وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . { الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا } عَلَى مَا كَانُوا يَلْقَوْنَ بَيْنكُمْ مِنْ أَذَى سُخْرِيَّتكُمْ وَضَحِككُمْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا . { أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } . اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : | إِنَّهُمْ | فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { أَنَّهُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ | أَنَّهُمْ | بِمَعْنَى : جَزَيْتهمْ هَذَا فَ | أَنَّ | فِي قِرَاءَة هَؤُلَاءِ : فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ قَوْله : | جَزَيْتهمْ | عَلَيْهَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم الْفَوْز بِالْجَنَّةِ . وَقَدْ يَحْتَمِل النَّصْب مِنْ وَجْه آخَر , وَهُوَ أَنْ يَكُون مُوَجَّهًا مَعْنَاهُ إِلَى : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا لَقُوا فِي ذَات اللَّه . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | إِنِّي | بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْهَا , بِمَعْنَى الِابْتِدَاء , وَقَالُوا : ذَلِكَ ابْتِدَاء مِنَ اللَّه مَدْحهمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِف ; لِأَنَّ قَوْله : | جَزَيْتهمْ | , قَدْ عَمِلَ فِي الْهَاء وَالْمِيم , وَالْجَزَاء إِنَّمَا يَعْمَل فِي مَنْصُوبَيْنِ , وَإِذَا عَمِلَ فِي الْهَاء وَالْمِيم لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَل فِي | أَنَّ | فَيَصِير عَامِلًا فِي ثَلَاثَة إِلَّا أَنْ يَنْوِي بِهِ التَّكْرِير , فَيَكُون نَصْب | أَنَّ | حِينَئِذٍ بِفِعْلٍ مُضْمَر لَا بِقَوْلِهِ : | جَزَيْتهمْ | , وَإِنْ هِيَ نُصِبَتْ بِإِضْمَارِ لَام لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا كَبِير مَعْنًى ; لِأَنَّ جَزَاء اللَّه عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ , إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ صَالِح أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَجَزَاؤُهُ إِيَّاهُمْ وَذَلِكَ فِي الْآخِرَة هُوَ الْفَوْز , فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يَشْرُط لَهُمُ الْفَوْز بِالْأَعْمَالِ ثُمَّ يُخْبِر أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَازُوا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة مَا ذَكَرْنَا : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم الْجَنَّة بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَذَاكُمْ بِهَا , فِي أَنَّهُمْ الْيَوْم هُمُ الْفَائِزُونَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِم وَالْكَرَامَة الْبَاقِيَة أَبَدًا , بِمَا عَمِلُوا مِنْ صَالِحَات الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا وَلَقُوا فِي طَلَب رِضَايَ مِنَ الْمَكَارِه فِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَفِي قَوْله : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْخَبَر : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } وَكَذَلِكَ قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ } . وَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى أَنَّ اللَّه قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ أَهْل النَّار وَهُمْ فِي النَّار : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَأَنَّهُمْ أَجَابُوا اللَّه فَقَالُوا : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } , فَنَسِيَ الْأَشْقِيَاء , لِعَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , مُدَّة مُكْثهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَصُرَ عِنْدهمْ أَمَد مُكْثهمْ الَّذِي كَانَ فِيهَا , لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , حَتَّى حَسِبُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَكَثُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , وَلَعَلَّ بَعْضهمْ كَانَ قَدْ مَكَثَ فِيهَا الزَّمَان الطَّوِيل وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْأَمْر لَهُمْ بِالْقَوْلِ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ; قُولُوا كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض ؟ وَأَخْرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلْوَاحِدِ وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْجَمَاعَة , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ . وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة مَنِ اخْتَارَهَا مِنْ أَهْل الْكُوفَة لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ : | قُلْ | بِغَيْرِ أَلِف , وَفِي غَيْر مَصَاحِفهمْ بِالْأَلِفِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } عَلَى وَجْه الْخَبَر ; لِأَنَّ وَجْه الْكَلَام لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا , أَنْ يَكُون | قُولُوا | عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْجَمْعِ ; لِأَنَّ الْخِطَاب فِيمَا قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده جَرَى لِجَمَاعَةِ أَهْل النَّار , فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُون كَذَلِكَ قَوْله : | وَقُولُوا | ; لَوْ كَانَ الْكَلَام جَاءَ عَلَى وَجْه الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا , أَعْنِي التَّوْحِيد ; لِمَا بَيَّنْت مِنَ الْعِلَّة لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَاءَ الْكَلَام بِالتَّوْحِيدِ فِي قِرَاءَة جَمِيع الْقُرَّاء , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنِ الْوَاحِد أَشْبَه , إِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيح الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ اللَّه كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَد سِنِينَ ؟ قَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : لَبِثْنَا فِيهَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ , لِأَنَّا لَا نَدْرِي , قَدْ نَسِينَا ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْعَادِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمُ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَال بَنِي آدَم وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ سَاعَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمُ الْحُسَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19451 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلِ الْحُسَّاب . )* -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلْ أَهْل الْحِسَاب . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَعُدُّونَ عَدَد الشُّهُور وَالسِّنِينَ وَغَيْر ذَلِكَ . وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا الْمَلَائِكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا بَنِي آدَم وَغَيْرهمْ , وَلَا حُجَّة بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ ثَبَتَتْ صِحَّتهَا ; فَغَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْض الْعَادِّينَ دُون بَعْض .
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَفِي قَوْله : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْخَبَر : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } وَكَذَلِكَ قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ } . وَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى أَنَّ اللَّه قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ أَهْل النَّار وَهُمْ فِي النَّار : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَأَنَّهُمْ أَجَابُوا اللَّه فَقَالُوا : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } , فَنَسِيَ الْأَشْقِيَاء , لِعَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , مُدَّة مُكْثهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَصُرَ عِنْدهمْ أَمَد مُكْثهمْ الَّذِي كَانَ فِيهَا , لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , حَتَّى حَسِبُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَكَثُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , وَلَعَلَّ بَعْضهمْ كَانَ قَدْ مَكَثَ فِيهَا الزَّمَان الطَّوِيل وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْأَمْر لَهُمْ بِالْقَوْلِ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ; قُولُوا كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض ؟ وَأَخْرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلْوَاحِدِ وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْجَمَاعَة , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ , وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة مَنِ اخْتَارَهَا مِنْ أَهْل الْكُوفَة لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ : | قُلْ | بِغَيْرِ أَلِف , وَفِي غَيْر مَصَاحِفهمْ بِالْأَلِفِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } عَلَى وَجْه الْخَبَر ; لِأَنَّ وَجْه الْكَلَام لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا , أَنْ يَكُون | قُولُوا | عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْجَمْعِ ; لِأَنَّ الْخِطَاب فِيمَا قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده جَرَى لِجَمَاعَةِ أَهْل النَّار , فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُون كَذَلِكَ قَوْله : | وَقُولُوا | ; لَوْ كَانَ الْكَلَام جَاءَ عَلَى وَجْه الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا , أَعْنِي التَّوْحِيد ; لِمَا بَيَّنْت مِنَ الْعِلَّة لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَاءَ الْكَلَام بِالتَّوْحِيدِ فِي قِرَاءَة جَمِيع الْقُرَّاء , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنِ الْوَاحِد أَشْبَه , إِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيح الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ اللَّه كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَد سِنِينَ ؟ قَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : لَبِثْنَا فِيهَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ , لِأَنَّا لَا نَدْرِي , قَدْ نَسِينَا ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْعَادِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمُ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَال بَنِي آدَم وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ سَاعَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمُ الْحُسَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19451 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلِ الْحُسَّاب . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلْ أَهْل الْحِسَاب . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَعُدُّونَ عَدَد الشُّهُور وَالسِّنِينَ وَغَيْر ذَلِكَ , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا الْمَلَائِكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا بَنِي آدَم وَغَيْرهمْ , وَلَا حُجَّة بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ ثَبَتَتْ صِحَّتهَا ; فَغَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْض الْعَادِّينَ دُون بَعْض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا } اخْتِلَافهمْ فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } . وَالْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَحْو الْقَوْل الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبْل فِي قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ } وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَتنَا : قَالَ اللَّه لَهُمْ : مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض إِلَّا قَلِيلًا يَسِيرًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَدْر لُبْثكُمْ فِيهَا .
وَقَوْله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَحَسِبْتُمْ أَيّهَا الْأَشْقِيَاء أَنَّا إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ إِذْ خَلَقْنَاكُمْ لَعِبًا وَبَاطِلًا , وَأَنَّكُمْ إِلَى رَبّكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ لَا تَصِيرُونَ أَحْيَاء فَتُجْزَوْنَ بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ ؟ . وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { لَا تُرْجَعُونَ } بِضَمِّ التَّاء : لَا تُرَدُّونَ , وَقَالُوا : إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَرْجِع الْآخِرَة لَا مِنَ الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | لَا تُرْجَعُونَ | وَقَالُوا : سَوَاء فِي ذَلِكَ مَرْجِع الْآخِرَة وَالرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَنْ رَدَّهُ اللَّه إِلَى الْآخِرَة مِنَ الدُّنْيَا بَعْد فَنَائِهِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهَا , وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهَا فَبِرَدِّ اللَّه إِيَّاهُ إِلَيْهَا رَجَعَ . وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19452 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } قَالَ : بَاطِلًا.)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ عَمَّا يَصِفهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا , وَعَمَّا يُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنْ اتِّخَاذ الْبَنَات . { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود تَنْبَغِي لَهُ الْعُبُودَة إِلَّا اللَّه الْمَلِك الْحَقّ ; { رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم } وَالرَّبّ : مَرْفُوع بِالرَّدِّ عَلَى الْحَقّ , وَمَعْنَى الْكَلَام : فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ , رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ الْمَعْبُود الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ مَعْبُودًا آخَر , لَا حُجَّة لَهُ بِمَا يَقُول وَيَعْمَل مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَة . كَمَا : 19453 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : بَيِّنَة . )19454 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : حُجَّة . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : لَا حُجَّة .)|فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ|وَقَوْله : { فَإِنَّمَا حِسَابه عِنْد رَبّه } يَقُول : فَإِنَّمَا حِسَاب عَمَله السَّيِّئ عِنْد رَبّه , وَهُوَ مُوَفِّيه جَزَاءَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ .|إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ|يَقُول : إِنَّهُ لَا يَنْجَح أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ عِنْده وَلَا يُدْرِكُونَ الْخُلُود وَالْبَقَاء فِي النَّعِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد رَبّ اسْتُرْ عَلَيَّ ذُنُوبِي بِعَفْوِك عَنْهَا وَارْحَمْنِي بِقَبُولِ تَوْبَتك وَتَرْكك عِقَابِي عَلَى مَا اجْتَرَمْت .|وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ|يَقُول : وَقُلْ أَنْتَ يَا رَبّ خَيْر مَنْ رَحِمَ ذَا ذَنْب فَقَبِلَ تَوْبَته وَلَمْ يُعَاقِبهُ عَلَى ذَنْبه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا } وَهَذِهِ السُّورَة أَنْزَلْنَاهَا , وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَبْتَدِئ بِالنَّكِرَاتِ قَبْل أَخْبَارهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ جَوَابًا ; لِأَنَّهَا تُوصَل كَمَا يُوصَل | الَّذِي | , ثُمَّ يُخْبِر عَنْهَا بِخَبَرٍ سِوَى الصِّلَة , فَيَسْتَقْبِح الِابْتِدَاء بِهَا قَبْل الْخَبَر إِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْصُولَة , إِذْ كَانَ يَصِير خَبَرهَا إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا كَالصِّلَةِ لَهَا , وَيَصِير السَّامِع خَبَرهَا كَالْمُتَوَقِّعِ خَبَرهَا بَعْد إِذْ كَانَ الْخَبَر عَنْهَا بَعْدهَا كَالصِّلَةِ لَهَا . وَإِذَا ابْتُدِئَ بِالْخَبَرِ عَنْهَا قَبْلهَا , لَمْ يَدْخُل الشَّكّ عَلَى سَامِع الْكَلَام فِي مُرَاد الْمُتَكَلِّم . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ السُّورَة وَصْف لِمَا ارْتَفَعَ بِشَوَاهِدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَفَرَضْنَاهَا|وَأَمَّا قَوْله : { وَفَرَضْنَاهَا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : | وَفَرَّضْنَاهَا | وَيَتَأَوَّلُونَهُ : وَفَصَّلْنَاهَا وَنَزَّلْنَا فِيهَا فَرَائِض مُخْتَلِفَة , وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلهُ . 19455 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : | وَفَرَّضْنَاهَا | يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ . )19456 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( وَفَرَّضْنَاهَا | قَالَ : الْأَمْر بِالْحَلَالِ , وَالنَّهْي عَنِ الْحَرَام . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ يَحْتَمِل ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَجْهًا غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنْ يُوَجَّه إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : وَفَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدكُمْ مِنَ النَّاس إِلَى قِيَام السَّاعَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالشَّام : { وَفَرَضْنَاهَا } بِتَخْفِيفِ الرَّاء , بِمَعْنَى : أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَام عَلَيْكُمْ وَأَلْزَمْنَاكُمُوهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ فَصَّلَهَا , وَأَنْزَلَ فِيهَا ضُرُوبًا مِنَ الْأَحْكَام , وَأَمَرَ فِيهَا وَنَهَى , وَفَرَضَ عَلَى عِبَاده فِيهَا فَرَائِض , فَفِيهَا الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا : التَّفْرِيض , وَالْفَرْض ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْفَرْض وَالْبَيَان مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 19457 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَفَرَضْنَاهَا } يَقُول : بَيَّنَّاهَا . )19458 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } قَالَ : فَرَضْنَاهَا لِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهَا مِمَّا فُرِضَ فِيهَا . وَقَرَأَ فِيهَا : { آيَات بَيِّنَات لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . )|وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ|وَقَوْله : { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَامَات وَدَلَالَات عَلَى الْحَقّ بَيِّنَات , يَعْنِي وَاضِحَات لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَإِنَّهَا الْحَقّ الْمُبِين , وَإِنَّهَا تَهْدِي إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم . 19459 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } قَالَ : الْحَلَال وَالْحَرَام وَالْحُدُود.)|لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ|يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَال أَوْ زَنَتْ مِنَ النِّسَاء , وَهُوَ حُرّ بِكْر غَيْر مُحْصَن بِزَوْجٍ , فَاجْلِدُوهُ ضَرْبًا مِائَة جَلْدَة عُقُوبَة لِمَا صَنَعَ وَأَتَى مِنْ مَعْصِيَة اللَّه . { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَأْخُذكُمْ بِالزَّانِي وَالزَّانِيَة أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَأْفَة , وَهِيَ رِقَّة الرَّحْمَة فِي دِين اللَّه , يَعْنِي فِي طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا أَلْزَمَكُمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَخْذ الرَّأْفَة بِهِمَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ تَرْك إِقَامَة حَدّ اللَّه عَلَيْهِمَا , فَأَمَّا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا الْحَدّ فَلَمْ تَأْخُذهُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19460 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ نَافِع بْن عُمَر , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : (جَلَدَ ابْن عُمَر جَارِيَة لَهُ أَحْدَثَتْ , فَجَلَدَ رِجْلَيْهَا - قَالَ نَافِع : وَحَسِبْت أَنَّهُ قَالَ : وَظَهْرهَا - فَقُلْت : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقَالَ : وَأَخَذَتْنِي بِهَا رَأْفَة , إِنَّ اللَّه لَمْ يَأْمُرنِي أَنْ أَقْتُلهَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة يَقُول : ثني عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , (أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر حَدَّ جَارِيَة لَهُ , فَقَالَ لِلْجَالِدِ , وَأَشَارَ إِلَى رِجْلهَا وَإِلَى أَسْفَلهَا , قُلْت : فَأَيْنَ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : أَفَأَقْتُلهَا ؟ . )19461 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقَالَ : أَنْ تُقِيم الْحَدّ . )19462 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : لَا تُضَيِّعُوا حُدُود اللَّه . )قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ مُجَاهِد : { لَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } : لَا تُضَيِّعُوا الْحُدُود فِي أَنْ تُقِيمُوهَا , وَقَالَهَا عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . 19463 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك وَحَجَّاج , عَنْ عَطَاء : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : يُقَام حَدّ اللَّه وَلَا يُعَطَّل , وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ . )19464 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (الْجَلْد . )19465 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الضَّرْب . )19466 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان , قَالَ : قُلْت لِأَبِي مِجْلَز : ( { الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا } ... إِلَى قَوْله : { وَالْيَوْم الْآخِر } إِنَّا لَنَرْحَمهُمْ أَنْ يُجْلَد الرَّجُل حَدًّا , أَوْ تُقْطَع يَده قَالَ : إِنَّمَا ذَاكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِذَا رُفِعُوا إِلَيْهِ أَنْ يَدَعهُمْ رَحْمَة لَهُمْ حَتَّى يُقِيم الْحَدّ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : لَا تُقَام الْحُدُود . )19467 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } فَتَدَعُوهُمَا مِنْ حُدُود اللَّه الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَافْتَرَضَهَا عَلَيْهِمَا . )19468 - قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان , (أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَان بْن يَسَار , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } أَيْ فِي الْحُدُود أَوْ فِي الْعُقُوبَة ؟ قَالَ : ذَلِكَ فِيهِمَا جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : أَنْ يُقَام حَدّ اللَّه وَلَا يُعَطَّل , وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ . )19469 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر فِي قَوْله : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الضَّرْب الشَّدِيد . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } فَتُخَفِّفُوا الضَّرْب عَنْهُمَا , وَلَكِنْ أَوْجِعُوهُمَا ضَرْبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19470 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الْجَلْد الشَّدِيد . )19471 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : (يُحَدّ الْقَاذِف وَالشَّارِب وَعَلَيْهِمَا ثِيَابهمَا . وَأَمَّا الزَّانِي فَتُخْلَع ثِيَابه . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقُلْت لِحَمَّادٍ : أَهَذَا فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : فِي الْحُكْم وَالْجَلْد . )19472 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (يُجْتَهَد فِي حَدّ الزَّانِي وَالْفِرْيَة , وَيُخَفَّف فِي حَدّ الشُّرْب . وَقَالَ قَتَادَة : يُخَفَّف فِي الشَّرَاب , وَيُجْتَهَد فِي الزَّانِي . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي إِقَامَة حَدّ اللَّه عَلَيْهِمَا الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ إِقَامَته عَلَيْهِمَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ , لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه بَعْده : | فِي دِين اللَّه | , يَعْنِي فِي طَاعَة اللَّه الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا . وَمَعْلُوم أَنَّ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ : إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِمَا , عَلَى مَا أَمَرَ مِنْ جَلْد كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة , مَعَ أَنَّ الشِّدَّة فِي الضَّرْب لَا حَدّ لَهَا يُوقَف عَلَيْهِ , وَكُلّ ضَرْب أَوْجَعَ فَهُوَ شَدِيد , وَلَيْسَ لِلَّذِي يُوجِع فِي الشِّدَّة حَدّ لَا زِيَادَة فِيهِ فَيُؤْمَر بِهِ ; وَغَيْر جَائِز وَصْفه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَا لَا سَبِيل لِلْمَأْمُورِ بِهِ إِلَى مَعْرِفَته , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالَّذِي لِلْمَأْمُورِينَ إِلَى مَعْرِفَته السَّبِيل هُوَ عَدَد الْجَلْد عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ , وَذَلِكَ هُوَ إِقَامَة الْحَدّ عَلَى مَا قُلْنَا . وَلِلْعَرَبِ فِي الرَّأْفَة لُغَتَانِ : الرَّأْفَة بِتَسْكِينِ الْهَمْزَة , وَالرَّآفَة بِمَدِّهَا , كَالسَّأْمَة وَالسَّآمَة , وَالْكَأْبَة وَالْكَآبَة . وَكَأَنَّ الرَّأْفَة الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَالرَّآفَة الْمَصْدَر , كَمَا قِيلَ : ضَؤُلَ ضَآلَة مِثْل فَعُلَ فَعَالَة , وَقَبُحَ قَبَاحَة .|إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ|وَقَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ رَبّكُمْ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر , وَأَنَّكُمْ فِيهِ مَبْعُوثُونَ لِحَشْرِ الْقِيَامَة وَلِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب , فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِذَلِكَ مُصَدِّقًا فَإِنَّهُ لَا يُخَالِف اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه خَوْف عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه .|وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ|وَقَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلْيَحْضُرْ جَلْد الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ وَحْدهمَا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْوَاحِد فَمَا زَادَ : طَائِفَة . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ عَدَد الطَّائِفَة الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِشُهُودِ عَذَاب الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَقَلّه وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19473 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الطَّائِفَة : رَجُل . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل بْن مُوسَى بْن إِسْحَاق الْكِنَانِيّ وَابْن الْقَوَّاس , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة رَجُل . قَالَ عَلِيّ : فَمَا فَوْق ذَلِكَ ; وَقَالَ ابْن الْقَوَّاس : فَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الطَّائِفَة : رَجُل . )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : قَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ مُجَاهِد : أَقَلّه رَجُل . )* -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة وَاحِد إِلَى الْأَلْف ; { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } [49 9 ]. )19474 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الطَّائِفَة : الرَّجُل الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف , قَالَ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } [49 9 ]إِنَّمَا كَانَا رَجُلَيْنِ . )19475 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت عِيسَى بْن يُونُس , يَقُول : ثنا النُّعْمَان بْن ثَابِت , عَنْ حَمَّاد وَإِبْرَاهِيم قَالَا : (الطَّائِفَة : رَجُل . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل وَاحِد فَمَا فَوْقه . )وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّه فِي هَذَا الْمَوْضِع رَجُلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19476 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْله : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالَ عَطَاء : أَقَلّه رَجُلَانِ . )19477 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن عَطَاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : (لِيَحْضُر رَجُلَانِ فَصَاعِدًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّ ذَلِكَ ثَلَاثَة فَصَاعِدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19478 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنِ ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (الطَّائِفَة : الثَّلَاثَة فَصَاعِدًا . )19479 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : نَفَر مِنَ الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19480 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَتَيْت أَبَا بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ فِي حَاجَة وَقَدْ أَخْرَجَ جَارِيَة إِلَى بَاب الدَّار وَقَدْ زَنَتْ , فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ : اضْرِبْهَا خَمْسِينَ ! فَدَعَا جَمَاعَة , ثُمَّ قَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . )19481 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , (أَنَّ أَبَا بَرْزَة أَمَرَ ابْنه أَنْ يَضْرِب جَارِيَة لَهُ وَلَدَتْ مِنَ الزِّنَا ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح , قَالَ : فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَعِنْده قَوْم , وَقَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا } ... الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَقَلّ ذَلِكَ أَرْبَعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : فَقَالَ : الطَّائِفَة الَّتِي يَجِب بِهَا الْحَدّ أَرْبَعَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : أَقَلّ مَا يَنْبَغِي حُضُور ذَلِكَ مِنْ عَدَد الْمُسْلِمِينَ : الْوَاحِد فَصَاعِدًا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة } وَالطَّائِفَة : قَدْ تَقَع عِنْد الْعَرَب عَلَى الْوَاحِد فَصَاعِدًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَضَعَ دَلَالَة عَلَى أَنَّ مُرَاده مِنْ ذَلِكَ خَاصّ مِنَ الْعَدَد , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُضُور مَا وَقَعَ عَلَيْهِ أَدْنَى اسْم الطَّائِفَة ذَلِكَ الْمَحْضَر مُخْرِج مُقِيم الْحَدّ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } غَيْر أَنِّي وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , أَسْتَحِبّ أَنْ لَا يُقْصَر بِعَدَدِ مَنْ يَحْضُر ذَلِكَ الْمَوْضِع عَنْ أَرْبَعَة أَنْفُس عَدَد مَنْ تُقْبَل شَهَادَته عَلَى الزِّنَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْمُقِيم الْحَدّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَهُمْ فِيمَا دُون ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة وَلَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَعْض مَنْ اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاح نِسْوَة كُنَّ مَعْرُوفَات بِالزِّنَا مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَكُنَّ أَصْحَاب رَايَات , يُكْرِينَ أَنْفُسهنَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَحْرِيمهنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : الزَّانِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتَزَوَّج إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة , لِأَنَّهُنَّ كَذَلِكَ ; وَالزَّانِيَة مِنَ أُولَئِكَ الْبَغَايَا لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِك مِثْلهَا ; لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَات . { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَحَرَّمَ اللَّه نِكَاحهنَّ فِي قَوْل أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة بِهَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثني الْحَضْرَمِيّ , عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ نَبِيّ اللَّه فِي امْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول , كَانَتْ تُسَافِح الرَّجُل وَتَشْتَرِط لَهُ أَنْ تُنْفِق عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِيهَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ أَمْرهَا , قَالَ : فَقَرَأَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } أَوْ قَالَ : فَأُنْزِلَتْ { الزَّانِيَة } . )19484 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنِ التَّيْمِيّ , عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات , قَالَ : فَكَانَ الرَّجُل مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّج الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لِتُنْفِق عَلَيْهِ , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . )19485 -قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (كُنَّ نِسَاء مَوَارِد بِالْمَدِينَةِ . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : نَزَلَتْ فِي نِسَاء مَوَارِد كُنَّ بِالْمَدِينَةِ . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم الْكِلَابِيّ , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , بِنَحْوِهِ . 19486 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رَجُل , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب , قَالَ : (كَانَ لِمَرْثَد صَدِيقَة فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهَا عَنَاق , وَكَانَ رَجُلًا شَدِيدًا , وَكَانَ يُقَال لَهُ دُلْدُل , وَكَانَ يَأْتِي مَكَّة فَيَحْمِل ضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَقِيَ صَدِيقَته , فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسهَا , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا ! فَقَالَتْ : أَنَّى تَبْرُز ! فَخَشِيَ أَنْ تُشَيِّع عَلَيْهِ , فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة , فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَانَتْ لِي صَدِيقَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَهَلْ تَرَى لِي نِكَاحهَا ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات يُدْعَوْنَ القليقيات . )19487 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة . )19488 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَمَّنْ أَخْبَرَهُ , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوًا مِنْ حَدِيث ابْن الْمُثَنَّى , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (كَانَتْ امْرَأَة مِنْهُنَّ يُقَال لَهَا : أُمّ مَهْزُول ; يَعْنِي فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : فَكُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات , قَالَ : فَكَانَ الرَّجُل مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّج الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لِتُنْفِق عَلَيْهِ , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . هَذَا مِنْ حَدِيث التَّيْمِيّ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة } قَالَ : رِجَال كَانُوا يُرِيدُونَ الزِّنَا بِنِسَاءٍ زَوَانٍ بَغَايَا مُتَعَالِمَات كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا حَرَام , فَأَرَادُوا نِكَاحهنَّ , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ نِكَاحهنَّ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَغَايَا مُعْلِنَات كُنَّ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة . 19489 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ وَابْن أَبِي ذِئْب , عَنْ شُعْبَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة , عَلَى أَبْوَابهنَّ رَايَات مِثْل رَايَات الْبَيْطَار يُعْرَفْنَ بِهَا . )19490 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (نِسَاء بَغَايَا مُتَعَالِمَات , حَرَّمَ اللَّه نِكَاحهنَّ , لَا يَنْكِحهُنَّ إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مُشْرِك مِنَ الْمُشْرِكِينَ . )19491 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : كَانَتْ بُيُوت تُسَمَّى الْمَوَاخِير فِي الْجَاهِلِيَّة , وَكَانُوا يُؤَاجِرُونَ فِيهَا فَتَيَاتهنَّ , وَكَانَتْ بُيُوتًا مَعْلُومَة لِلزِّنَا , لَا يَدْخُل عَلَيْهِنَّ وَلَا يَأْتِيهِنَّ إِلَّا زَانٍ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَوْ مُشْرِك مِنْ أَهْل الْأَوْثَان , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : بَغَايَا مُتَعَالِمَات كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة ; بَغْي آل فُلَان وَبَغْي آل فُلَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَحَكَمَ اللَّه بِذَلِكَ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة عَلَى الْإِسْلَام . )فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان بْن مُوسَى : أَبَلَغَك ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَقُول فِي ذَلِكَ : (كُنَّ بَغَايَا مُتَعَالِمَات ; بَغْي آل فُلَان وَبَغْي آل فُلَان , وَكُنَّ زَوَانٍ مُشْرِكَات , فَقَالَ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : أَحَكَمَ اللَّه مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة بِهَذَا . )قِيلَ لَهُ : أَبَلَغَك هَذَا عَنِ ابْن عَبَّاس ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ عِكْرِمَة : إِنَّهُ كَانَ يُسَمِّي تِسْعًا بَعْد صَوَاحِب الرَّايَات , وَكُنَّ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الرَّايَات : أُمّ مَهْزُول جَارِيَة السَّائِب بْن أَبِي السَّائِب الْمَخْزُومِيّ , وَأُمّ عُلَيْط جَارِيَة صَفْوَان بْن أُمَيَّة , وَحَنَّة الْقِبْطِيَّة جَارِيَة الْعَاصِي بْن وَائِل , وَمَرِيَّة جَارِيَة مَالِك بْن عُمَيْلَة بْن السَّبَّاق بْن عَبْد الدَّار , وحلالة جَارِيَة سُهَيْل بْن عَمْرو , وَأُمّ سُوَيْد جَارِيَة عَمْرو بْن عُثْمَان الْمَخْزُومِيّ , وسريفة جَارِيَة زَمْعَة بْن الْأَسْوَد , وفرسة جَارِيَة هِشَام بْن رَبِيعَة بْن حَبِيب بْن حُذَيْفَة بْن جَبَل بْن مَالِك بْن عَامِر بْن لُؤَيّ , وقريبا جَارِيَة هِلَال بْن أَنَس بْن جَابِر بْن نَمِر بْن غَالِب بْن فِهْر . 19492 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة , قَالُوا : (كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة بَغَايَا مَعْلُوم ذَلِكَ مِنْهُنَّ , فَأَرَادَ نَاس مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحهنَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } ... الْآيَة . )* -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَقَالَهُ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة , قَالُوا : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بَغَايَا , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 19493 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة : (كَانَ الرَّجُل يَنْكِح الزَّانِيَة فِي الْجَاهِلِيَّة الَّتِي قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا يَتَّخِذهَا مَأْكَلَة , فَأَرَادَ نَاس مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحهنَّ عَلَى تِلْكَ الْجِهَة , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : قَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (كُنَّ نِسَاء مَوَارِد بِالْمَدِينَةِ . )19494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : (أَنَّ نِسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة كُنَّ يُؤَاجِرْنَ أَنْفُسهنَّ , وَكَانَ الرَّجُل إِنَّمَا يَنْكِح إِحْدَاهُنَّ يُرِيد أَنْ يُصِيب مِنْهَا عَرَضًا , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , وَنَزَلَ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } وَمِنْهُنَّ امْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول . )19495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنِ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء يُكْرِينَ أَنْفُسهنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة , وَالزَّانِيَة لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك . قَالُوا : وَمَعْنَى النِّكَاح فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجِمَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19496 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة . )19497 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : لَا يَزْنِي الزَّانِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة . )19498 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن شُبْرُمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَا : هُوَ الْوَطْء . )19499 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَا : هُوَ الْوَطْء . )* - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَشُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَا : لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة , وَلَا تَزْنِي مُشْرِكَة إِلَّا بِمِثْلِهَا . )19500 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : هَؤُلَاءِ بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَالنِّكَاح فِي كِتَاب اللَّه الْإِصَابَة , لَا يُصِيبهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك , لَا يُحَرِّم الزِّنَا , وَلَا تُصِيب هِيَ إِلَّا مِثْلهَا . )قَالَ : وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : (بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة . )19501 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِذَا زَنَى بِهَا فَهُوَ زَانٍ . )19502 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : الزَّانِي مِنْ أَهْل الْقِبْلَة لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة . قَالَ : وَالزَّانِيَة مِنْ أَهْل الْقِبْلَة لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ مِثْلهَا مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَوْ مُشْرِك مِنْ غَيْر أَهْل الْقِبْلَة , ثُمَّ قَالَ : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا حُكْم اللَّه فِي كُلّ زَانٍ وَزَانِيَة , حَتَّى نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } [24 32 ], فَأَحَلَّ نِكَاح كُلّ مُسْلِمَة وَإِنْكَاح كُلّ مُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19503 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : يَرَوْنَ الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا نَسَخَتْهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } [24 32 ]قَالَ : فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } [24 32 ]وَقَالَ : إِنَّهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . )19504 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (نَسَخَتْهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } [24 32 ]. )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (نَسَخَتْهَا قَوْله : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى } . [24 32 ])* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَس بْن عِيَاض , عَنْ يَحْيَى , قَالَ : ذُكِرَ عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : فَسَمِعْته يَقُول : إِنَّهَا قَدْ نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدهَا , ثُمَّ قَرَأَهَا سَعِيد , قَالَ : يَقُول اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } ثُمَّ يَقُول اللَّه : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } [24 32 ]فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالنِّكَاحِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْوَطْء , وَأَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْبَغَايَا الْمُشْرِكَات ذَوَات الرَّايَات ; وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الزَّانِيَة مِنَ الْمُسْلِمَات حَرَام عَلَى كُلّ مُشْرِك , وَأَنَّ الزَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَام عَلَيْهِ كُلّ مُشْرِكَة مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان . فَمَعْلُوم إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعْنَ بِالْآيَةِ أَنَّ الزَّانِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْقِد عَقْد نِكَاح عَلَى عَفِيفَة مِنَ الْمُسْلِمَات وَلَا يُنْكَح إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ لَا تَسْتَحِلّ الزِّنَا أَوْ بِمُشْرِكَةٍ تَسْتَحِلّهُ . وَقَوْله : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَحُرِّمَ الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَذَلِكَ هُوَ النِّكَاح الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَشْتُمُونَ الْعَفَائِف مِنْ حَرَائِر الْمُسْلِمِينَ , فَيَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَا , ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا عَلَى مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء عُدُول يَشْهَدُونَ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ رَأَوْهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , فَاجْلِدُوا الَّذِينَ رَمَوْهُنَّ بِذَلِكَ ثَمَانِينَ جَلْدَة , وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا , وَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْر اللَّه وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَته فَفَسَقُوا عَنْهَا . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَمَوْهَا بِهِ مِنَ الْإِفْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19505 -حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَإِبْرَاهِيم بْن سَعِيد , قَالَا : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ خُصَيْف , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : (الزِّنَا أَشَدّ , أَوْ قَذْف الْمُحْصَنَة ؟ قَالَ : لَا , بَلْ الزِّنَا . قُلْت : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } قَالَ : إِنَّمَا هَذَا فِي حَدِيث عَائِشَة خَاصَّة . )19506 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... الْآيَة فِي نِسَاء الْمُسْلِمِينَ . )19507 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : الْكَاذِبُونَ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي اسْتُثْنِيَ مِنْهُ قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَقَالُوا : إِذَا تَابَ الْقَاذِف قُبِلَتْ شَهَادَته وَزَالَ عَنْهُ اسْم الْفِسْق , حُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19508 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثني سُفْيَان , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد إِنْ شَاءَ اللَّه , (أَنَّ عُمَر قَالَ لِأَبِي بَكْرَة : إِنْ تُبْت قَبِلْت شَهَادَتك , أَوْ رَدَّيْت شَهَادَتك . )19509 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : (أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب ضَرَبَ أَبَا بَكْرَة وَشِبْل بْن مَعْبَد وَنَافِع بْن الْحَارِث بْن كَلَدَة حَدّهمْ . وَقَالَ لَهُمْ : مَنْ أَكْذَبَ نَفْسه أَجَزْت شَهَادَته فِيمَا اسْتَقْبَلَ , وَمَنْ لَمْ يَفْعَل لَمْ أُجِزْ شَهَادَته . فَأَكْذَبَ شِبْل نَفْسه وَنَافِع , وَأَبَى أَبُو بَكْرَة أَنْ يَفْعَل . قَالَ الزُّهْرِيّ : هُوَ وَاللَّه سُنَّة فَاحْفَظُوهُ . )19510 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (إِذَا تَابَ - يَعْنِي الْقَاذِف - وَلَمْ يُعْلَم مِنْهُ إِلَّا خَيْر , جَازَتْ شَهَادَته . )* -حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (عَلَى الْإِمَام أَنْ يَسْتَتِيب الْقَاذِف بَعْد الْجَلْد , فَإِنْ تَابَ وَأُونِسَ مِنْهُ خَيْر جَازَتْ شَهَادَته , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيع لَا تَجُوز شَهَادَته . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , (أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَاذِف : إِذَا تَابَ وَعُلِمَ مِنْهُ خَيْر إِنَّ شَهَادَته جَائِزَة , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيع لَا تَجُوز شَهَادَته , وَتَوْبَته إِكْذَابه نَفْسه . )* - قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنِ الشَّعْبِيّ , (قَالَ فِي الْقَاذِف : إِذَا تَابَ وَأَكْذَبَ نَفْسه قُبِلَتْ شَهَادَته , وَإِلَّا كَانَ خَلِيعًا لَا شَهَادَة لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه يَقُول : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى آخِر الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنِ الشَّعْبِيّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي شَهَادَة الْقَاذِف : إِذَا رَجَعَ عَنْ قَوْله حِين يُضْرَب , أَوْ أَكْذَبَ نَفْسه , قُبِلَتْ شَهَادَته . )* - قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (يَقْبَل اللَّه تَوْبَته , وَتَرُدُّونَ شَهَادَته ؟ وَكَانَ يَقْبَل شَهَادَته إِذَا تَابَ . )* - قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل عَنِ الشَّعْبِيّ (أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الْقَاذِف : إِذَا شَهِدَ قَبْل أَنْ يُضْرَب الْحَدّ , قُبِلَتْ شَهَادَته . )19511 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْدَة عَنْ إِبْرَاهِيم , وَإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنِ الشَّعْبِيّ , (أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْقَاذِف : إِذَا شَهِدَ قَبْل أَنْ يُجْلَد فَشَهَادَته جَائِزَة . )19512 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : قَالَ أَبُو بِشْر , يَعْنِي ابْن عُلَيَّة , سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح يَقُول : (الْقَاذِف إِذَا تَابَ تَجُوز شَهَادَته . )وَقَالَ : كُنَّا نَقُولهُ . فَقِيلَ لَهُ : مَنْ ؟ قَالَ : قَالَ عَطَاء وَطَاوُس وَمُجَاهِد . 19513 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُمَر بْن طَلْحَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِذَا تَابَ الْقَاذِف جُلِدَ وَجَازَتْ شَهَادَته . )قَالَ أَبُو مُوسَى : هَكَذَا قَالَ ابْن أَبِي عَثْمَة . 19514 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا ابْن أَبِي عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار وَالشَّعْبِيّ قَالَا : (إِذَا تَابَ الْقَاذِف عِنْد الْجَلْد جَازَتْ شَهَادَته . )19515 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّ عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة جَلَدَ رَجُلًا فِي قَذْف , فَقَالَ : أَكْذِبْ نَفْسك حَتَّى تَجُوز شَهَادَتك ! )19516 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ يَتَذَاكَرَانِ شَهَادَة الْقَاذِف , فَقَالَ الشَّعْبِيّ لِإِبْرَاهِيم : (لِمَ لَا تَقْبَل شَهَادَته ؟ فَقَالَ : لِأَنِّي لَا أَدْرِي تَابَ أَمْ لَا . )19517 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مُجَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (تُقْبَل شَهَادَته إِذَا تَابَ . )19518 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ يَعْقُوب بْن الْقَعْقَاع , عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 19519 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : (شَهِدْت عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَجَازَ شَهَادَة الْقَاذِف وَمَعَهُ رَجُل . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , قَالَ : قَالَ الشَّعْبِيّ : (إِذَا تَابَ جَازَتْ شَهَادَته , قَالَ ابْن الْمُثَنَّى . قَالَ : عِنْدِي , يَعْنِي فِي الْقَذْف . )19520 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا مِسْعَر , عَنْ عِمْرَان بْن عُمَيْر : (أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة كَانَ يُجِيز شَهَادَة الْقَاذِف إِذَا تَابَ . )19521 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , قَالَ : (إِذَا تَابَ وَأَصْلَحَ قُبِلَتْ شَهَادَته ; يَعْنِي الْقَاذِف . )19522 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (تُقْبَل شَهَادَة الْقَاذِف إِذَا تَابَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 19523 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيّ : (إِذَا حُدَّ الْقَاذِف , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبهُ , فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَته , وَإِلَّا لَمْ تُقْبَل . قَالَ : كَذَلِكَ فَعَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب بِالَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , فَتَابُوا إِلَّا أَبَا بَكْرَة , فَكَانَ لَا تُقْبَل شَهَادَته . )وَقَالَ آخَرُونَ : الِاسْتِثْنَاء فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } فَقَدْ وَصَلَ بِالْأَبَدِ وَلَا يَجُوز قَبُولهَا أَبَدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19524 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا أَشْعَث بْن سِوَار , قَالَ : ثني الشَّعْبِيّ , قَالَ : (كَانَ شُرَيْح يُجِيز شَهَادَة صَاحِب كُلّ عَمَل إِذَا تَابَ إِلَّا الْقَاذِف , فَإِنَّ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه ; وَلَا نُجِيز شَهَادَته . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا أَشْعَث بْن سِوَار , قَالَ : ثنا الشَّعْبِيّ , عَنْ شُرَيْح بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : (صَاحِب كُلّ حَدّ إِذَا كَانَ عَدْلًا يَوْم شَهِدَ . )19525 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الْأَعْمَش . عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , قَالَ : (كَانَ لَا يُجِيز شَهَادَة الْقَاذِف , وَيَقُول : تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . )19526 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ شُرَيْح فِي الْقَاذِف : (يَقْبَل اللَّه تَوْبَته , وَلَا أَقْبَل شَهَادَته . )19527 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (أَتَاهُ خَصْمَانِ , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِشَاهِدٍ أَقْطَع , فَقَالَ الْخَصْم : أَلَا تَرَى مَا بِهِ ؟ قَالَ : قَدْ أَرَاهُ . قَالَ : فَسَأَلَ الْقَوْم , فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا , فَقَالَ شُرَيْح : نُجِيز شَهَادَة كُلّ صَاحِب حَدّ , إِذَا كَانَ يَوْم شَهِدَ عَدْلًا إِلَّا الْقَاذِف , فَإِنَّ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . )* - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (جَاءَ خَصْمَانِ إِلَى شُرَيْح , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِبَيِّنَةٍ , فَجَاءَ بِشَاهِدٍ أَقْطَع , فَقَالَ الْخَصْم : أَلَا تَرَى إِلَى مَا بِهِ ؟ فَقَالَ شُرَيْح : قَدْ رَأَيْنَاهُ , وَقَدْ سَأَلْنَا الْقَوْم فَأَثْنَوْا خَيْرًا . )ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث , نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيّ , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ شُرَيْح أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (لَا تُقْبَل لَهُ شَهَادَة أَبَدًا , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه ; يَعْنِي الْقَاذِف . )19528 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , (بِأَنَّ رَبَابًا قَطَعَ رَجُلًا فِي قَطْع الطَّرِيق , قَالَ : فَقَطَعَ يَده وَرِجْله . قَالَ : ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ , فَشَهِدَ عِنْد شُرَيْح , فَأَجَازَ شَهَادَته . قَالَ : فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ : أَتُجِيزُ شَهَادَته عَلَيَّ وَهُوَ أَقْطَع ؟ قَالَ : فَقَالَ شُرَيْح : كُلّ صَاحِب حَدّ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ , فَشَهَادَته جَائِزَة إِلَّا الْقَاذِف . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ الْمُغِيرَة : أَخْبَرَنِي , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّث عَنْ شُرَيْح , قَالَ : (قَضَاء مِنَ اللَّه لَا تُقْبَل شَهَادَته أَبَدًا , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . قَالَ أَبُو مُوسَى : يَعْنِي الْقَاذِف . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ شُرَيْح : (لَا يَقْبَل اللَّه شَهَادَته أَبَدًا . )19529 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (لَا تَجُوز شَهَادَة الْقَاذِف , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . )19530 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , أَنَّهُ قَالَ : (الْقَاذِف تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَشَهَادَته لَا تُقْبَل . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (لَا تَجُوز شَهَادَة الْقَاذِف , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , أَنَّهُ قَالَ : (الْقَاذِف تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَشَهَادَته لَا تُقْبَل . )19531 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم (أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُل يُجْلَد الْحَدّ , قَالَ : لَا تَجُوز شَهَادَته أَبَدًا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : (أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَل لَهُ شَهَادَة أَبَدًا , وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه ; يَعْنِي الْقَاذِف . )19532 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَجُوز شَهَادَة مَحْدُود فِي الْإِسْلَام . )19533 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن : ( { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } قَالَ : كَانَ يَقُول : لَا تُقْبَل شَهَادَة الْقَاذِف أَبَدًا , إِنَّمَا تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَكَانَ شُرَيْح يَقُول : لَا تُقْبَل شَهَادَته . )19534 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ } فَشَهَادَته فِي كِتَاب اللَّه تُقْبَل . )وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاء مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا , أَعْنِي مِنْ قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } وَمِنْ قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُحَدّ فِي الْقَذْف حَتَّى تَابَ , إِمَّا بِأَنْ يُرْفَع إِلَى السُّلْطَان بِعَفْوِ الْمَقْذُوفَة عَنْهُ , وَإِمَّا بِأَنْ مَاتَتْ قَبْل الْمُطَالَبَة بِحَدِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِب يَطْلُب بِحَدِّهَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَحَدَثَتْ مِنْهُ تَوْبَة صَحَّتْ لَهُ بِهَا الْعَدَالَة . فَإِذْ كَانَ مِنَ الْجَمِيع إِجْمَاعًا , وَلَمْ يَكُنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره شَرَطَ فِي كِتَابه أَنْ لَا تُقْبَل شَهَادَته أَبَدًا بَعْد الْحَدّ فِي رَمْيه , بَلْ نَهَى عَنْ قَبُول شَهَادَته فِي الْحَال الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَدّ وَسَمَّاهُ فِيهَا فَاسِقًا , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِي رَمْيه , لَا تَحْدُث فِي شَهَادَته مَعَ التَّوْبَة مِنْ ذَنْبه , مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فِيهَا قَبْل إِقَامَته عَلَيْهِ , بَلْ تَوْبَته بَعْد إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبه أَحْرَى أَنْ تَكُون شَهَادَته مَعَهَا أَجْوَز مِنْهَا قَبْل إِقَامَته عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَدّ يَزِيد الْمَحْدُود عَلَيْهِ تَطْهِيرًا مِنْ جُرْمه الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَدّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون الِاسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } فَتَكُون التَّوْبَة مُسْقِطَة عَنْهُ الْحَدّ , كَمَا كَانَتْ لِشَهَادَتِهِ عِنْدك قَبْل الْحَدّ وَبَعْده مُجِيزَة وَلِاسْمِ الْفِسْق عَنْهُ مُزِيلَة ؟ قِيلَ : ذَلِكَ غَيْر جَائِز عِنْدنَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدّ حَقّ عِنْدنَا لِلْمَقْذُوفَةِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجِب لَهَا مِنْ جِنَايَة يَجْنِيهَا عَلَيْهَا مِمَّا فِيهِ الْقِصَاص . وَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ تَوْبَته مِنْ ذَلِكَ لَا تَضَع عَنْهُ الْوَاجِب لَهَا مِنَ الْقِصَاص مِنْهُ , فَكَذَلِكَ تَوْبَته مِنَ الْقَذْف لَا تَضَع عَنْهُ الْوَاجِب لَهَا مِنَ الْحَدّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ لَهَا , إِنْ شَاءَتْ عَفَتْهُ , وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِهِ . فَتَوْبَة الْعَبْد مِنْ ذَنْبه إِنَّمَا تَضَع عَنِ الْعَبْد الْأَسْمَاء الذَّمِيمَة وَالصِّفَات الْقَبِيحَة , فَأَمَّا حُقُوق الْآدَمِيِّينَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّه لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فِي كُلّ الْأَحْوَال فَلَا تَزُول بِهَا وَلَا تَبْطُل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة تَوْبَة الْقَاذِف الَّتِي تُقْبَل مَعَهَا شَهَادَته , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ إِكْذَابه نَفْسه فِيهِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَنَحْنُ نَذْكُر بَعْض مَا حَضَرَنَا ذِكْره مِمَّا لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل . 19535 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ طَاوُس , قَالَ : (تَوْبَة الْقَاذِف أَنْ يُكَذِّب نَفْسه . )19536 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , قَالَ : (رَأَيْت رَجُلًا ضُرِبَ حَدًّا فِي قَذْف بِالْمَدِينَةِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ضَرْبه تَنَاوَلَ ثَوْبه , ثُمَّ قَالَ : أَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ مِنْ قَذْف الْمُحْصَنَات ! قَالَ : فَلَقِيت أَبَا الزِّنَاد , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ الْأَمْر عِنْدنَا هَا هُنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ حِين يُفْرَغ مِنْ ضَرْبه وَلَمْ نَعْلَم مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا قُبِلَتْ شَهَادَته . )19537 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } ... الْآيَة , قَالَ : مَنِ اعْتَرَفَ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسه عَلَانِيَة أَنَّهُ قَالَ الْبُهْتَان وَتَابَ إِلَى اللَّه تَوْبَة نَصُوحًا - وَالنَّصُوح : أَنْ لَا يَعُودُوا , وَإِقْرَاره وَاعْتِرَافه عِنْد الْحَدّ حِين يُؤْخَذ بِالْجَلْدِ - فَقَدْ تَابَ وَاللَّه غَفُور رَحِيم . )وَقَالَ آخَرُونَ : تَوْبَته مِنْ ذَلِكَ صَلَاح حَاله وَنَدَمه عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَالِاسْتِغْفَار مِنْهُ وَتَرْكه الْعَوْد فِي مِثْل ذَلِكَ مِنَ الْجُرْم . وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرهمْ , وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى , وَهُوَ قَوْل مَالِك بْن أَنَس . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ تَوْبَة كُلّ ذِي ذَنْب مِنْ أَهْل الْإِيمَان تَرْكه الْعَوْد مِنْهُ , وَالنَّدَم عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ , وَاسْتِغْفَار رَبّه مِنْهُ , فِيمَا كَانَ مِنْ ذَنْب بَيْن الْعَبْد وَبَيْنه دُون مَا كَانَ مِنْ حُقُوق عِبَاده وَمَظَالِمهمْ بَيْنهمْ . وَالْقَاذِف إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدّ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا تَوْبَته مِنْ جُرْمه بَيْنه وَبَيْن رَبّه , فَسَبِيل تَوْبَته مِنْهُ سَبِيل تَوْبَته مِنْ سَائِر أَجْرَامه . فَإِذْ كَانَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْل مَا وَصَفْنَا , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ جُرْمهمْ الَّذِي اجْتَرَمُوهُ بِقَذْفِهِمُ الْمُحْصَنَات مِنْ بَعْد اجْتِرَامِهِمُوهُ ,|فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ|يَقُول : سَاتِر عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , رَحِيم بِهِمْ بَعْد التَّوْبَة أَنْ يُعَذِّبهُمْ عَلَيْهَا , فَأَقْبَلُوا شَهَادَتهمْ وَلَا تُسَمُّوهُمْ فَسَقَة , بَلْ سَمُّوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ الَّتِي هِيَ لَهُمْ فِي حَال تَوْبَتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ } مِنَ الرِّجَال { أَزْوَاجهمْ } بِالْفَاحِشَةِ , فَيَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا , { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء } يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِصِحَّةِ مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة , { فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | أَرْبَع شَهَادَات | نَصْبًا , وَلِنَصْبِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون الشَّهَادَة فِي قَوْله : { فَشَهَادَة أَحَدهمْ } مَرْفُوعَة بِمُضْمَرٍ قَبْلهَا , وَتَكُون | الْأَرْبَع | مَنْصُوبًا بِمَعْنَى الشَّهَادَة , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَعَلَى أَحَدهمْ أَنْ يَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ تَكُون الشَّهَادَة مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : { إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } وَ | الْأَرْبَع | مَنْصُوبَة بِوُقُوعِ الشَّهَادَة عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال : شَهَادَتِي أَلْف مَرَّة إِنَّك لَرَجُل سُوء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَرْفَع الْأَيْمَان بِأَجْوِبَتِهَا , فَتَقُول : حَلَفَ صَادِق لَأَقُومَنَّ , وَشَهَادَة عَمْرو لَيَقْعُدَنَّ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { أَرْبَع شَهَادَات } بِرَفْعِ | الْأَرْبَع | , وَيَجْعَلُونَهَا لِلشَّهَادَةِ مُرَافِعَة , وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل الْكَلَام : فَالَّذِي يَلْزَم مِنَ الشَّهَادَة , أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : | فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ | بِنَصْبِ أَرْبَع , بِوُقُوعِ | الشَّهَادَة | عَلَيْهَا , وَ | الشَّهَادَة | مَرْفُوعَة حِينَئِذٍ عَلَى مَا وَصَفْت مِنَ الْوَجْهَيْنِ قَبْل ; وَأَحَبّ وَجْهَيْهِمَا إِلَيَّ أَنْ تَكُون بِهِ مَرْفُوعَة بِالْجَوَابِ , وَذَلِكَ قَوْله : { إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ , فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , تَقُوم مَقَام الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة فِي دَفْع الْحَدّ عَنْهُ . فَتَرَكَ ذِكْر تَقُوم مَقَام الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة , اكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَام , فَصَارَ مُرَافِع | الشَّهَادَة | مَا وَصَفْت . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ } : فَحَلَفَ أَحَدهمْ أَرْبَع أَيْمَان بِاللَّهِ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَشْهَد بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَى زَوْجَته بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة , وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَتْ بِهِ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ , وَذِكْر السَّبَب الَّذِي فِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : 19538 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } قَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : اللَّه ! إِنْ أَنَا رَأَيْت لَكَاع مُتَفَخِّذهَا رَجُل فَقُلْت بِمَا رَأَيْت إِنَّ فِي ظَهْرِي لَثَمَانِينَ إِلَى مَا أَجْمَع أَرْبَعَة ؟ قَدْ ذَهَبَ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُول سَيِّدكُمْ ؟ | . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه لَا تَلُمْهُ - وَذَكَرُوا مِنْ غَيْرَته -فَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَة قَطُّ إِلَّا بِكْرًا , وَلَا طَلَّقَ امْرَأَة قَطُّ فَرَجَعَ فِيهَا أَحَد مِنَّا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَإِنَّ اللَّه يَأْبَى إِلَّا ذَاكَ ! | فَقَالَ : لَا وَاللَّه , لَا يَجْعَل فِي ظَهْرِي ثَمَانِينَ أَبَدًا , لَقَدْ نَظَرْت حَتَّى أَيْقَنْت , وَلَقَدْ اسْتَسْمَعْت حَتَّى اسْتَشْفَيْت ! قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن بِاللِّعَانِ , فَقِيلَ لَهُ : احْلِفْ ! فَحَلَفَ , قَالَ : | قِفُوهُ عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة | . فَقَالَ : لَا يُدْخِلهُ اللَّه النَّار بِهَذَا أَبَدًا , كَمَا دَرَأَ عَنْهُ جَلْد ثَمَانِينَ , لَقَدْ نَظَرْت حَتَّى أَيْقَنْت , وَلَقَدِ اسْتَسْمَعْت حَتَّى اسْتَشْفَيْت ! فَحَلَفَ ; ثُمَّ قِيلَ : احْلِفِي ! فَحَلَفَتْ ; ثُمَّ قَالَ : | قِفُوهَا عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة | . فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهَا مُوجِبَة , فَتَلَكَّأَتْ سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : لَا أُخْزِي قَوْمِي , فَحَلَفَتْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِهَا , وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي قِيلَ فِيهِ مَا قِيلَ | . قَالَ : فَجَاءَتْ بِهِ غُلَامًا كَأَنَّهُ جَمَل أَوْرَق , فَكَانَ بَعْد أَمِيرًا بِمِصْر , لَا يُعْرَف نَسَبه , أَوْ لَا يُدْرَى مَنْ أَبُوهُ . )19539 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : لَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُول اللَّه ؟ لَوْ أَتَيْت لَكَاع قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُل , لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجهُ وَلَا أُحَرِّكهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ؟ فَوَاللَّهِ مَا كُنْت لَآتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء حَتَّى يَفْرُغ مِنْ حَاجَته ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أَمَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُول سَيِّدكُمْ ؟ | قَالُوا : لَا تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُل غَيُور , مَا تَزَوَّجَ فِينَا قَطُّ إِلَّا عَذْرَاء وَلَا طَلَّقَ امْرَأَة لَهُ فَاجْتَرَأَ رَجُل مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجهَا ! قَالَ سَعْد : يَا رَسُول اللَّه , بِأَبِي وَأُمِّي , وَاللَّه إِنِّي لَأَعْرِف أَنَّهَا مِنَ اللَّه وَأَنَّهَا حَقّ , وَلَكِنْ عَجِبْت لَوْ وَجَدْت لَكَاع قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُل لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجهُ وَلَا أُحَرِّكهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ! وَاللَّه لَا آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء حَتَّى يَفْرُغ مِنْ حَاجَته ! فَوَاللَّهِ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَال بْن أُمَيَّة مِنْ حَدِيقَة لَهُ , فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ , وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ , فَأَمْسَكَ حَتَّى أَصْبَحَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ جَالِس مَعَ أَصْحَابه , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي جِئْت أَهْلِي عِشَاء , فَوَجَدْت رَجُلًا مَعَ أَهْلِي , رَأَيْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي , فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَتَاهُ بِهِ وَثَقُلَ عَلَيْهِ جِدًّا , حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهه , فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه يَا رَسُول اللَّه إِنِّي لَأَرَى الْكَرَاهَة فِي وَجْهك مِمَّا أَتَيْتُك بِهِ , وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي صَادِق , وَمَا قُلْت إِلَّا حَقًّا , فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَل اللَّه فَرَجًا . قَالَ : وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَار , فَقَالُوا : ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْد , أَيُجْلَدُ هِلَال بْن أُمَيَّة وَتَبْطُل شَهَادَته فِي الْمُسْلِمِينَ ؟ فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِهِ , فَإِنَّهُ لِكَذَلِكَ يُرِيد أَنْ يَأْمُر بِضَرْبِهِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس مَعَ أَصْحَابه , إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي , فَأَمْسَكَ أَصْحَابه عَنْ كَلَامه حِين عَرَفُوا أَنَّ الْوَحْي قَدْ نَزَلَ , حَتَّى فَرَغَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } ... إِلَى : { أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَبْشِرْ يَا هِلَال , فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ فَرَجًا ! | فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَرْجُو ذَلِكَ مِنَ اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَرْسِلُوا إِلَيْهَا ! | فَجَاءَتْ , فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهَا , فَكَذَّبَتْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ اللَّه يَعْلَم أَنَّ أَحَدكُمَا كَاذِب , فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِب ؟ | فَقَالَ هِلَال : يَا رَسُول اللَّه , بِأَبِي وَأُمِّي لَقَدْ صَدَقْت وَمَا قُلْت إِلَّا حَقًّا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَاعِنُوا بَيْنهمَا ! | قِيلَ لِهِلَالٍ : يَا هِلَال اشْهَدْ ! فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , فَقِيلَ لَهُ عِنْد الْخَامِسَة : يَا هِلَال اتَّقِ اللَّه , فَإِنَّ عَذَاب اللَّه أَشَدّ مِنْ عَذَاب النَّاس , إِنَّهَا الْمُوجِبَة الَّتِي تُوجِب عَلَيْك الْعَذَاب . فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه لَا يُعَذِّبنِي اللَّه عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يَجْلِدنِي عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَشَهِدَ الْخَامِسَة : { أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } ثُمَّ قِيلَ لَهَا : اشْهَدِي ! فَشَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , فَقِيلَ لَهَا عِنْد الْخَامِسَة : اتَّقِي اللَّه , فَإِنَّ عَذَاب اللَّه أَشَدّ مِنْ عَذَاب النَّاس , وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَة الَّتِي تُوجِب عَلَيْك الْعَذَاب , فَتَلَكَّأَتْ سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : وَاللَّه لَا أَفْضَح قَوْمِي , فَشَهِدَتْ الْخَامِسَة : { أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فَفَرَّقَ بَيْنهمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَضَى أَنَّ الْوَلَد لَهَا , وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ , وَلَا يُرْمَى وَلَدهَا . )19540 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا قَذَفَ هِلَال بْن أُمَيَّة امْرَأَته , قِيلَ لَهُ : وَاللَّه لَيَجْلِدَنَّك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِينَ جَلْدَة ! قَالَ : اللَّه أَعْدَل مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبنِي ضَرْبَة وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي قَدْ رَأَيْت حَتَّى اسْتَيْقَنْت وَسَمِعْت حَتَّى اسْتَثْبَتّ , لَا وَاللَّه لَا يَضْرِبنِي أَبَدًا ! فَنَزَلَتْ آيَة الْمُلَاعَنَة , فَدَعَا بِهِمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَتْ الْآيَة , فَقَالَ : | اللَّه يَعْلَم أَنَّ أَحَدكُمَا كَاذِب , فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِب ؟ فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه إِنِّي لَصَادِق . فَقَالَ لَهُ : | احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ : إِنِّي لَصَادِق | يَقُول ذَلِكَ أَرْبَع مَرَّات | فَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَعَلَيَّ لَعْنَة اللَّه | . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قِفُوهُ عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة ! | فَحَلَفَ , ثُمَّ قَالَتْ أَرْبَعًا : وَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَعَلَيْهَا غَضَب اللَّه . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | قِفُوهَا عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة ! | فَتَرَدَّدَتْ وَهَمَّتْ بِالِاعْتِرَافِ , ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَح قَوْمِي . )19541 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا عَبْدَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (كُنَّا لَيْلَة الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد , فَدَخَلَ رَجُل فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَته رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ , وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ ! فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه آيَة اللِّعَان , ثُمَّ جَاءَ الرَّجُل بَعْد , فَقَذَفَ امْرَأَته , فَلَاعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمَا , فَقَالَ : | عَسَى أَنْ تَجِيء بِهِ أَسْوَد جَعْدًا | . فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَد جَعْدًا . )19542 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : (سَأَلْت ابْن عُمَر , فَقُلْت : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , أَيُفَرَّقُ بَيْن الْمُتَلَاعِنَيْنِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , سُبْحَان اللَّه ! إِنَّ أَوَّل مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَان , أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَحَدنَا رَأَى صَاحِبَته عَلَى فَاحِشَة , كَيْف يَصْنَع ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا . قَالَ : فَأَتَاهُ بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيت بِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة النُّور , فَدَعَا الرَّجُل فَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ , وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَاب الدُّنْيَا أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة ; قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ , لَقَدْ رَأَيْت وَمَا كَذَبْت عَلَيْهَا ! قَالَ : وَدَعَا الْمَرْأَة فَوَعَظَهَا , وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَاب الدُّنْيَا أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة , فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِب , وَمَا رَأَى شَيْئًا ! قَالَ : فَبَدَأَ الرَّجُل , فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ : إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , وَالْخَامِسَة : أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ; ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَة شَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ . وَفَرَّقَ بَيْنهمَا . )19542 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : (لَمَّا أُنْزِلَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } قَالَ عَاصِم بْن عَدِيّ : إِنْ أَنَا رَأَيْت فَتَكَلَّمْت جُلِدْت ثَمَانِينَ , وَإِنْ أَنَا سَكَتّ سَكَتّ عَلَى الْغَيْظ ! قَالَ : فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } قَالَ : فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَة , حَتَّى كَانَ بَيْن رَجُل مِنْ قَوْمه وَبَيْن امْرَأَته , فَلَاعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمَا . )19544 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } ... الْآيَة , وَالْخَامِسَة : أَنْ يُقَال لَهُ : إِنَّ عَلَيْك لَعْنَة اللَّه إِنْ كُنْت مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَة بِقَوْلِهِ رُجِمَتْ , وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ : إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , وَالْخَامِسَة أَنْ يُقَال لَهَا : غَضَب اللَّه عَلَيْك إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ! فَيُدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب , وَيُفَرَّق بَيْنهمَا , فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا , وَيَلْحَق الْوَلَد بِأُمِّهِ . )19545 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ } قَالَ : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ شَرِيك بْن سَحْمَاء , وَالَّذِي اسْتَفْتَى عَاصِم بْن عَدِيّ . )19546 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ عَنِ الْمُلَاعَنَة وَالسُّنَّة فِيهَا , عَنْ حَدِيث سَهْل بْن سَعْد : (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَار جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَته رَجُلًا , أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَل ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَأْنه مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر الْمُتَلَاعِنَيْنِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قَدْ قَضَى اللَّه فِيك وَفِي امْرَأَتك ! | فَتَلَاعَنَا وَأَنَا شَاهِد , ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَتْ السُّنَّة بَعْدهَا أَنْ يُفَرَّق بَيْن الْمُتَلَاعِنَيْنِ . وَكَانَتْ حَامِلَة , فَأَنْكَرَهُ , فَكَانَ ابْنهَا يُدْعَى إِلَى أُمّه , ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّة أَنَّ ابْنهَا يَرِثهَا وَتَرِث مَا فَرَضَ اللَّه لَهَا . )19547 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ } ... إِلَى قَوْله : { إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } قَالَ : إِذَا شَهِدَ الرَّجُل خَمْس شَهَادَات , فَقَدْ بَرِئَ كُلّ وَاحِد مِنَ الْآخَر , وَعِدَّتهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا أَنْ تَضَع حَمْلهَا , وَلَا يُجْلَد وَاحِد مِنْهُمَا ; وَإِنْ لَمْ تَحْلِف أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدّ وَالرَّجْم .)
{ وَالْخَامِسَة } يَقُول : وَالشَّهَادَة الْخَامِسَة , { أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : إِنَّ لَعْنَة اللَّه لَهُ وَاجِبَة وَعَلَيْهِ حَالَّة , إِنْ كَانَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة مِنَ الْكَاذِبِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب أَنْ تَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } . </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب } : وَيَدْفَع عَنْهَا الْحَدّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْعَذَاب الَّذِي عَنَاهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُ يَدْرَؤُهُ عَنْهَا شَهَادَاتهَا الْأَرْبَع , فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّ الْحَدّ جَلْد مِائَة إِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ الرَّجْم إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا قَدْ أُحْصِنَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْحَبْس , وَقَالُوا : الَّذِي يَجِب عَلَيْهَا إِنْ هِيَ لَمْ تَشْهَد الشَّهَادَات الْأَرْبَع بَعْد شَهَادَات الزَّوْج الْأَرْبَع وَالْتِعَانه : الْحَبْس دُون الْحَدّ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : الْوَاجِب عَلَيْهَا إِذَا هِيَ امْتَنَعَتْ مِنَ الِالْتِعَان بَعْد الْتِعَان الزَّوْج الْحَدّ الَّذِي وَصَفْنَا , قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ الْحَدّ إِذَا زَالَ عَنِ الزَّوْج بِالشَّهَادَاتِ الْأَرْبَع عَلَى تَصْدِيقه فِيمَا رَمَاهَا بِهِ , أَنَّ الْحَدّ عَلَيْهَا وَاجِب , فَجَعَلَ اللَّه أَيْمَانه الْأَرْبَع وَالْتِعَانه فِي الْخَامِسَة مُخْرِجًا لَهُ مِنَ الْحَدّ الَّذِي يَجِب لَهَا بِرَمْيِهِ إِيَّاهَا , كَمَا جَعَلَ الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة مُخْرِجًا لَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَزَائِلًا بِهِ عَنْهُ الْحَدّ ; فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون بِزَوَالِ الْحَدّ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا حَدّهَا كَمَا كَانَ بِزَوَالِهِ عَنْهُ بِالشُّهُودِ وَاجِبًا عَلَيْهَا , لَا فَرْق بَيْن ذَلِكَ . وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا الْعِلَل فِي ذَلِكَ فِي بَاب اللِّعَان مِنْ كِتَابنَا الْمُسَمَّى | لَطِيف الْقَوْل فِي شَرَائِع الْإِسْلَام | , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { أَنْ تَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ } يَقُول : وَيَدْفَع عَنْهَا الْعَذَاب أَنْ تَحْلِف بِاللَّهِ أَرْبَع أَيْمَان : أَنَّ زَوْجهَا الَّذِي رَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الْفَاحِشَة , لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا مِنْ الزِّنَا .
وَقَوْله : { وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا } ... الْآيَة , يَقُول : وَالشَّهَادَة الْخَامِسَة : أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ زَوْجهَا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا مِنَ الصَّادِقِينَ . وَرُفِعَ قَوْله : { وَالْخَامِسَة } فِي كِلْتَا الْآيَتَيْنِ , بِ | أَنَّ | الَّتِي تَلِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته وَأَنَّ اللَّه تَوَّاب حَكِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحْمَته بِكُمْ , وَأَنَّهُ عَوَّاد عَلَى خَلْقه بِلُطْفِهِ وَطَوْله , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ وَسِيَاسَته لَهُمْ ; لَعَاجَلَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعَاصِيكُمْ وَفَضَحَ أَهْل الذُّنُوب مِنْكُمْ بِذُنُوبِهِمْ , وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ وَتَرَكَ فَضِيحَتكُمْ بِهَا عَاجِلًا , رَحْمَة مِنْهُ بِكُمْ وَتَفَضُّلًا عَلَيْكُمْ , فَاشْكُرُوا نِعَمه وَانْتَهُوا عَنْ التَّقَدُّم عَمَّا عَنْهُ نَهَاكُمْ مِنْ مَعَاصِيه . وَتَرَكَ الْجَوَاب فِي ذَلِكَ , اكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِع الْمُرَاد مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَان { عُصْبَة مِنْكُمْ } يَقُول : جَمَاعَة مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس . { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : لَا تَظُنُّوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْك شَرًّا لَكُمْ عِنْد اللَّه وَعِنْد النَّاس , بَلْ ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ عِنْده وَعِنْد الْمُؤْمِنِينَ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَجْعَل ذَلِكَ كَفَّارَة لِلْمَرْمِيِّ بِهِ , وَيُظْهِر بَرَاءَته مِمَّا رُمِيَ بِهِ , وَيَجْعَل لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } : جَمَاعَة , مِنْهُمْ حَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح بْن أُثَاثَة , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . كَمَا : 19548 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة : (أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان : كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي فِي الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ , وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } وَأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا حَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح بْن أُثَاثَة , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش , وَهُوَ يُقَال فِي آخَرِينَ لَا عِلْم لِي بِهِمْ ; غَيْر أَنَّهُمْ عُصْبَة كَمَا قَالَ اللَّه . )19549 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } هُمْ أَصْحَاب عَائِشَة . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ ابْن عَبَّاس : قَوْله : { جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } . .. الْآيَة , الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَحَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . )19550 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } الَّذِينَ قَالُوا لِعَائِشَة الْإِفْك وَالْبُهْتَان . )19551 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } قَالَ : الشَّرّ لَكُمْ بِالْإِفْكِ الَّذِي قَالُوا , الَّذِي تَكَلَّمُوا بِهِ , كَانَ شَرًّا لَهُمْ , وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَقُلْهُ إِنَّمَا سَمِعَهُ , فَعَاتَبَهُمْ اللَّه , فَقَالَ أَوَّل شَيْء : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } ثُمَّ قَالَ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } . )وَقَوْله : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم } يَقُول : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ جَزَاء مَا اجْتَرَمَ مِنَ الْإِثْم , بِمَجِيئِهِ بِمَا جَاءَ بِهِ , مِنَ الْأُولَى عَبْد اللَّه . وَقَوْله : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } يَقُول : وَالَّذِي تَحَمَّلَ مُعْظَم ذَلِكَ الْإِثْم وَالْإِفْك مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ . كَمَا : 19552 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } يَقُول : الَّذِي بَدَأَ بِذَلِكَ . )19553 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عُصْبَة مِنْكُمْ } قَالَ : أَصْحَاب عَائِشَة ; عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَمِسْطَح , وَحَسَّان . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَهُ مِنَ اللَّه عَذَاب عَظِيم يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كِبْره } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { كِبْره } بِكَسْرِ الْكَاف , سِوَى حُمَيْد الْأَعْرَج فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | كُبْره | بِمَعْنَى : وَالَّذِي تَحَمَّلَ أَكْبَره . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا عَوَامّ الْقُرَّاء , وَهِيَ كَسْر الْكَاف ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّ الْكِبْر بِالْكَسْرِ : مَصْدَر الْكَبِير مِنَ الْأُمُور , وَأَنَّ الْكُبْر بِضَمِّ الْكَاف : إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْوَلَاء وَالنَّسَب , مِنْ قَوْلهمْ : هُوَ كُبْر قَوْمه ; وَالْكِبْر فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ مُعْظَم الْإِثْم وَالْإِفْك . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْكَسْر فِي كَافه هُوَ الْكَلَام الْفَصِيح دُون ضَمّهَا , وَإِنْ كَانَ لِضَمِّهَا وَجْه مَفْهُوم . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } ... الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حَسَّان بْن ثَابِت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19544 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن قَزَعَة , قَالَ : ثنا مَسْلَمَة بْن عَلْقَمَة , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : (مَا سَمِعْت بِشَيْءٍ أَحْسَن مِنْ شِعْر حَسَّان , وَمَا تَمَثَّلْت بِهِ إِلَّا رَجَوْت لَهُ الْجَنَّة , قَوْله لِأَبِي سُفْيَان : <br>هَجَوْت مُحَمَّدًا فَأَجَبْت عَنْهُ .......... وَعِنْد اللَّه فِي ذَاكَ الْجَزَاء <br><br>فَإِنَّ أَبِي وَوَالِده وَعِرْضِي .......... لِعِرْضِ مُحَمَّد مِنْكُمْ وِقَاء <br><br>أَتَشْتُمُهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ .......... فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء <br><br>لِسَانِي صَارِم لَا عَيْب فِيهِ .......... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرهُ الدِّلَاء <br>فَقِيلَ : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا ؟ قَالَتْ ; لَا , إِنَّمَا اللَّغْو مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . قِيلَ : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } قَالَتْ : أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَاب عَظِيم ؟ أَلَيْسَ قَدْ ذَهَبَ بَصَره وَكُنِّعَ بِالسَّيْفِ ؟ . )19555 - قَالَ : ثنا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق قَالَ : (كُنْت عِنْد عَائِشَة , فَدَخَلَ حَسَّان بْن ثَابِت , فَأَمَرَتْ , فَأُلْقِيَ لَهُ وِسَادَة ; فَلَمَّا خَرَجَ قُلْت لِعَائِشَة : مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا وَقَدْ قَالَ اللَّه مَا قَالَ ؟ فَقَالَتْ : قَالَ اللَّه : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } وَقَدْ ذَهَبَ بَصَره , وَلَعَلَّ اللَّه يَجْعَل ذَلِكَ الْعَذَاب الْعَظِيم ذَهَاب بَصَره . )19556 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (دَخَلَ حَسَّان بْن ثَابِت عَلَى عَائِشَة , فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ , فَقَالَ : <br>وَتُصْبِح غَرْثَى مِنْ لُحُوم الْغَوَافِل <br>فَقَالَتْ عَائِشَة : أَمَا إِنَّك لَسْت كَذَلِكَ ! فَقُلْت : تَدْعِينَ هَذَا الرَّجُل يَدْخُل عَلَيْك وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره } ... الْآيَة ؟ فَقَالَتْ : وَأَيّ عَذَاب أَشَدّ مِنْ الْعَمَى ! وَقَالَتْ : إِنَّهُ كَانَ يَدْفَع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )19557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُثْمَان الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنِ الْمُعَلَّى بْن عِرْفَان , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن جَحْش , قَالَ : (تَفَاخَرَتْ عَائِشَة وَزَيْنَب , قَالَ : فَقَالَتْ زَيْنَب : أَنَا الَّتِي نَزَلَ تَزْوِيجِي مِنَ السَّمَاء . قَالَ : وَقَالَتْ عَائِشَة : أَنَا الَّتِي نَزَلَ عُذْرِي فِي كِتَابه حِين حَمَلَنِي ابْن الْمُعَطَّل عَلَى الرَّاحِلَة . فَقَالَتْ لَهَا زَيْنَب : يَا عَائِشَة , مَا قُلْت حِين رَكِبْتِيهَا ؟ قَالَتْ : قُلْت : حَسْبِي اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل ! قَالَتْ : قُلْت كَلِمَة الْمُؤْمِنِينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19558 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (كَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ : الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَكَانَ يَسْتَوْشِيه وَيَجْمَعهُ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَمِسْطَحًا , وَحَسَّان بْن ثَابِت . )19559 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص وَغَيْره أَيْضًا , قَالُوا : قَالَتْ عَائِشَة : (كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره الَّذِي يَجْمَعهُمْ فِي بَيْته , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن شِهَاب , قَالَ : ثني عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَلْقَمَة بْن وَقَّاص , وَعُبَيْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . )19560 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا } ... الْآيَة , الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَحَسَّان , وَمِسْطَح , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . )19561 -حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة فِي الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ : (يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ كِبْرُ ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَرْزَج ; وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث بِهِ عَنْهُمْ فَيُقِرّهُ وَيَسْمَعهُ وَيَسْتَوْشِيه . )19562 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : (أَمَّا الَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ , فَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول الْخَبِيث , هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ هَذَا الْكَلَام , وَقَالَ : امْرَأَة نَبِيّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُل حَتَّى أَصْبَحَتْ , ثُمَّ جَاءَ يَقُود بِهَا . )19563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَهُوَ بَدَأَهُ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قَوْل مَنْ قَالَ : الَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْ عُصْبَة الْإِفْك , كَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم بِالسِّيَرِ , أَنَّ الَّذِي بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِفْك , وَكَانَ يَجْمَع أَهْله وَيُحَدِّثهُمْ , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَفِعْله ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت كَانَ تَوَلِّيه كِبْر ذَلِكَ الْأَمْر . وَكَانَ سَبَب مَجِيء أَهْل الْإِفْك , مَا : 19564 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن شِهَاب , ثني عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَلْقَمَة بْن وَقَّاص , وَعُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , عَنْ حَدِيث عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين قَالَ لَهَا أَهْل الْإِفْك مَا قَالُوا , فَبَرَّأَهَا اللَّه , وَكُلّهمْ حَدَّثَنِي طَائِفَة مِنْ حَدِيثهَا , وَبَعْضهمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْض , وَأَثْبَت اقْتِصَاصًا , وَقَدْ وَعَيْت عَنْ كُلّ رَجُل مِنْهُمُ الْحَدِيث الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَة , وَبَعْض حَدِيثهمْ يُصَدِّق بَعْضًا : (زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ , فَأَيَّتهنَّ خَرَجَ سَهْمهَا خَرَجَ بِهَا . قَالَتْ عَائِشَة : فَأَقْرَعَ بَيْننَا فِي غَزَاة غَزَاهَا , فَخَرَجَ سَهْمِي , فَخَرَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَاب , وَأَنَا أُحْمَل فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَل فِيهِ , فَسِرْنَا , حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوه وَقَفَلَ إِلَى الْمَدِينَة , آذَنَ لَيْلَة بِالرَّحِيلِ , فَقُمْت حِين آذَنُوا بِالرَّحِيلِ , فَمَشَيْت حَتَّى جَاوَزْت الْجَيْش ; فَلَمَّا قَضَيْت شَأْنِي , أَقْبَلْت إِلَى الرَّحْل , فَلَمَسْت صَدْرِي , فَإِذَا عِقْد لِي مِنْ جَزْع ظَفَار قَدْ انْقَطَعَ , فَرَجَعْت فَالْتَمَسْت عِقْدِي , فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ . وَأَقْبَلَ الرَّهْط الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي , فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي , فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْت أَرْكَب , وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ . قَالَتْ : وَكَانَتْ النِّسَاء إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْم , إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَة مِنَ الطَّعَام . فَلَمْ يَسْتَنْكِر الْقَوْم ثِقَل الْهَوْدَج حِين رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ , وَكُنْت جَارِيَة حَدِيثَة السِّنّ , فَبَعَثُوا الْجَمَل وَسَارُوا , فَوَجَدْت عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْش , فَجِئْت مَنَازِلهمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيب , فَتَيَمَّمْت مَنْزِلِي الَّذِي كُنْت فِيهِ , وَظَنَنْت أَنَّ الْقَوْم سَيَفْقِدُونَنِي وَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ , فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَة فِي مَنْزِلِي , غَلَبَتْنِي عَيْنِي , فَنِمْت حَتَّى أَصْبَحْت , وَكَانَ صَفْوَان بْن الْمُعَطَّل السُّلَمِيّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيّ , قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاء الْجَيْش , فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْد مَنْزِلِي , فَرَأَى سَوَاد إِنْسَان نَائِم , فَأَتَانِي , فَعَرَفَنِي حِين رَآنِي , وَكَانَ يَرَانِي قَبْل أَنْ يُضْرَب الْحِجَاب عَلَيَّ , فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِين عَرَفَنِي , فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي , وَاللَّه مَا تَكَلَّمْت بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْت مِنْهُ كَلِمَة غَيْر اسْتِرْجَاعه ! حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَته , فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتهَا , فَانْطَلَقَ يَقُود بِي الرَّاحِلَة , حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْش بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْر الظَّهِيرَة , فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي , وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , فَقَدِمْنَا الْمَدِينَة , فَاشْتَكَيْت شَهْرًا , وَالنَّاس يُفِيضُونَ فِي قَوْل أَهْل الْإِفْك وَلَا أَشْعُر بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ يَرِيبنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِف مِنْ رَسُول اللَّه اللَّه اللُّطْف الَّذِي كُنْت أَرَى مِنْهُ حِين أَشْتَكِي , إِنَّمَا يَدْخُل فَيُسَلِّم ثُمَّ يَقُول : | كَيْفَ تِيكُمْ ؟ | فَذَلِكَ يَرِيبنِي , وَلَا أَشْعُر بِالشَّرِّ , حَتَّى خَرَجْت بَعْدَمَا نَقَهْت , فَخَرَجْت مَعَ أُمّ مِسْطَح قِبَل الْمَنَاصِع , وَهُوَ مُتَبَرَّزنَا , وَلَا نَخْرُج إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْل , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ نَتَّخِذ الْكُنُف قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا , وَأَمْرنَا أَمْر الْعَرَب الْأُوَل فِي التَّنَزُّه , وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذهَا عِنْد بُيُوتنَا , فَانْطَلَقْت أَنَا وَأُمّ مِسْطَح , وَهِيَ ابْنَة أَبِي رُهْم بْن عَبْد الْمُطَّلِب بْن عَبْد مَنَاف , وَأُمّهَا ابْنَة صَخْر بْن عَامِر , خَالَة أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَابْنهَا مِسْطَح بْن أُثَاثَة بْن عَبَّاد بْن الْمُطَّلِب . فَأَقْبَلْت أَنَا وَابْنَة أَبِي رُهْم قِبَل بَيْتِي حِين فَرَغْنَا مِنْ شَأْننَا , فَعَثَرَتْ أُمّ مِسْطَح فِي مِرْطهَا , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْت ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاه , أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْت : وَمَا قَالَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْل الْإِفْك , فَازْدَدْت مَرَضًا عَلَى مَرَضِي , فَلَمَّا رَجَعْت إِلَى مَنْزِلِي , وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : | كَيْف تِيكُمْ ؟ | فَقُلْت : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِي أَبَوَيَّ ؟ قَالَ : | نَعَمْ | . قَالَتْ : وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيد أَنْ أَسْتَثْبِت الْخَبَر مِنْ قِبَلهمَا , فَأَذِنَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجِئْت أَبَوَيَّ , فَقُلْت لِأُمِّي : أَيْ أُمَّتَاهُ , مَاذَا يَتَحَدَّث النَّاس ؟ فَقَالَتْ : أَيْ بُنَيَّة , هَوِّنِي عَلَيْك ! فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَة قَطُّ وَضِيئَة عِنْد رَجُل يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِر , إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا . قَالَتْ : قُلْت : سُبْحَان اللَّه , أَوَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاس بِهَذَا وَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى أَصْبَحْت لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ أَصْبَحْت , فَدَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْر وَأَنَا أَبْكِي , فَقَالَ لِأُمِّي : مَا يُبْكِيهَا ؟ قَالَتْ : لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ مَا قِيلَ لَهَا , فَأَكَبَّ يَبْكِي , فَبَكَى سَاعَة , ثُمَّ قَالَ : اسْكُتِي يَا بُنَيَّة ! فَبَكَيْت يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ بَكَيْت لَيْلِي الْمُقْبِل لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ بَكَيْت لَيْلَتِي الْمُقْبِلَة لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , حَتَّى ظَنَّ أَبَوَايَ أَنَّ الْبُكَاء سَيَفْلِقُ كَبِدِي . فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأُسَامَة بْن زَيْد , حِين اسْتَلْبَثَ الْوَحْي , يَسْتَشِيرهُمَا فِي فِرَاق أَهْله ; قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَة , فَأَشَارَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَم مِنْ بَرَاءَة أَهْله وَبِالَّذِي فِي نَفْسه مِنَ الْوُدّ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , هُمْ أَهْلك , وَلَا نَعْلَم إِلَّا خَيْرًا . وَأَمَّا عَلِيّ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّق اللَّه عَلَيْك , وَالنِّسَاء سِوَاهَا كَثِير , وَإِنْ تَسْأَل الْجَارِيَة تَصْدُقك , يَعْنِي بَرِيرَة , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَة , فَقَالَ : | هَلْ رَأَيْت مِنْ شَيْء يَرِيبك مِنْ عَائِشَة ؟ | قَالَتْ لَهُ بَرِيرَة : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ , مَا رَأَيْت عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصهُ عَلَيْهَا , أَكْثَر مِنْ أَنَّهَا حَدِيثَة السِّنّ تَنَام عَنْ عَجِين أَهْلهَا فَتَأْتِي الدَّاجِن فَتَأْكُلهُ ! فَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : | مَنْ يَعْذِرنِي مِمَّنْ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟ | يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر أَيْضًا : | يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ , مَنْ يَعْذِرنِي مِنْ رَجُل قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا , وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , وَمَا كَانَ يَدْخُل عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي ! | فَقَامَ سَعْد بْن مُعَاذ الْأَنْصَارِيّ , فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرك مِنْهُ يَا رَسُول اللَّه , إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْس ضَرَبْنَا عُنُقه , وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَاننَا الْخَزْرَج أَمَرْتنَا فَفَعَلْنَا أَمْرك , فَقَامَ سَعْد بْن عُبَادَة , فَقَالَ , وَهُوَ سَيِّد الْخَزْرَج , وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا , وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّة , فَقَالَ : أَيْ سَعْد بْن مُعَاذ , لَعَمْر اللَّه لَا تَقْتُلهُ , وَلَا تَقْدِر عَلَى قَتْله ! فَقَامَ أُسَيْد بْن حُضَيْر , وَهُوَ ابْن عَمَّة سَعْد بْن مُعَاذ , فَقَالَ لِسَعْدِ بْن عُبَادَة : كَذَبْت , لَعَمْر اللَّه لَنَقْتُلَنَّهُ , فَإِنَّك مُنَافِق تُجَادِل عَنْ الْمُنَافِقِينَ ! فَثَارَ الْحَيَّانِ : الْأَوْس وَالْخَزْرَج , حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر , فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا , ثُمَّ أَتَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي بَيْت أَبَوَيَّ , فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي , اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , فَأَذِنْت لَهَا , فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي ; قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ جَلَسَ عِنْدِي , وَلَمْ يَجْلِس عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ , وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ ; قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين جَلَسَ , ثُمَّ قَالَ : | أَمَّا بَعْد يَا عَائِشَة فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا , فَإِنْ كُنْت بَرِيئَة فَسَيُبَرِّئُك اللَّه , وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ , فَاسْتَغْفِرِي اللَّه , وَتُوبِي إِلَيْهِ , فَإِنَّ الْعَبْد إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ | . فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَته , قَلَصَ دَمْعِي , حَتَّى مَا أُحِسّ مِنْهُ دَمْعَة ; قُلْت لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ ! قَالَ : وَاللَّه مَا أَدْرِي مَا أَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : وَاللَّه مَا أَدْرِي مَا أَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت وَأَنَا جَارِيَة حَدِيثَة السِّنّ لَا أَقْرَأ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآن : إِنِّي وَاللَّه لَقَدْ عَرَفْت أَنْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا , حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسكُمْ , حَتَّى كِدْتُمْ أَنْ تُصَدِّقُوا بِهِ , فَإِنْ قُلْت لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَة وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي بَرِيئَة , لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ , وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَة , لَتُصَدِّقنِي , وَإِنِّي وَاللَّه مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف : { وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } [12 18 ]ثُمَّ تَوَلَّيْت وَاضْطَجَعْت عَلَى فِرَاشِي , وَأَنَا وَاللَّه أَعْلَم أَنِّي بَرِيئَة وَأَنَّ اللَّه سَيُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي , وَلَكِنِّي وَاللَّه مَا كُنْت أَظُنّ أَنْ يَنْزِل فِي شَأْنِي وَحْي يُتْلَى , وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَر فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّم اللَّه فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى , وَلَكِنْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام رُؤْيَا يُبَرِّئنِي اللَّه بِهَا . قَالَتْ : وَاللَّه مَا رَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسه وَلَا خَرَجَ مِنَ الْبَيْت أَحَد حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه , فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذهُ مِنَ الْبُرَحَاء عِنْد الْوَحْي , حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّر مِنْهُ مِثْل الْجُمَان مِنَ الْعَرَق فِي الْيَوْم الشَّاتِي مِنْ ثِقَل الْقَوْل الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَك , كَانَ أَوَّل كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : | أَبْشِرِي يَا عَائِشَة , إِنَّ اللَّه قَدْ بَرَّأَك ! | فَقَالَتْ لِي أُمِّي , قُومِي إِلَيْهِ ! فَقُلْت : وَاللَّه لَا أَقُوم إِلَيْهِ , وَلَا أَحْمَد إِلَّا اللَّه , هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي . فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } عَشْر آيَات , فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَات بَرَاءَة لِي . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْر , وَكَانَ يُنْفِق عَلَى مِسْطَح لِقَرَابَتِهِ وَفَقْره : وَاللَّه لَا أُنْفِق عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْد الَّذِي قَالَ لِعَائِشَة ! قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } [24 22 ]. حَتَّى بَلَغَ : { غَفُور رَحِيم } [24 22 ]فَقَالَ أَبُو بَكْر : إِنِّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي , فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ , وَقَالَ : لَا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا . قَالَتْ عَائِشَة : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَل زَيْنَب بِنْت جَحْش عَنْ أَمْرِي وَمَا رَأَتْ وَمَا سَمِعَتْ , فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي , وَاللَّه مَا رَأَيْت إِلَّا خَيْرًا . قَالَتْ عَائِشَة : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي , فَعَصَمَهَا اللَّه بِالْوَرَعِ , وَطَفِقَتْ أُخْتهَا حَمْنَة تُحَارِب فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ . )قَالَ الزُّهْرِيّ بْن شِهَاب : هَذَا الَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْر هَؤُلَاءِ الرَّهْط . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , وَعَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَعَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود . قَالَ الزُّهْرِيّ : كُلّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْض هَذَا الْحَدِيث , وَبَعْض الْقَوْم كَانَ لَهُ أَوْعَى مِنْ بَعْض , قَالَ : وَقَدْ جَمَعْت لَك كُلّ الَّذِي قَدْ حَدَّثَنِي . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة ; قَالَ : وثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم الْأَنْصَارِيّ , عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ ; وَكُلّ قَدْ اجْتَمَعَ فِي حَدِيثه قِصَّة خَبَر عَائِشَة عَنْ نَفْسهَا , حِين قَالَ أَهْل الْإِفْك فِيهَا مَا قَالُوا , وَكُلّه قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا , وَيُحَدِّث بَعْضهمْ مَا لَمْ يُحَدِّث بَعْض , وَكُلّ كَانَ عَنْهَا ثِقَة , وَكُلّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ . قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ , فَأَيَّتهنَّ خَرَجَ سَهْمهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ . فَلَمَّا كَانَتْ غَزَاة بَنِي الْمُصْطَلِق , أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَع , فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ , فَخَرَجَ بِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ . قَالَتْ : وَكَانَ النِّسَاء إِذْ ذَاكَ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَق لَمْ يُهَيِّجهُنَّ اللَّحْم فَيَثْقُلْنَ . قَالَتْ : وَكُنْت إِذَا رَحَلَ بَعِيرِي جَلَسْت فِي هَوْدَجِي , ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْم الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِي بَعِيرِي وَيَحْمِلُونِي , فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَل الْهَوْدَج يَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْر الْبَعِير , فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَره ذَلِكَ وَجَّهَ قَافِلًا , حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَة , نَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بَعْض اللَّيْل , ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاس بِالرَّحِيلِ . فَلَمَّا ارْتَحَلَ النَّاس , خَرَجْت لِبَعْضِ حَاجَتِي وَفِي عُنُقِي عِقْد لِي مِنْ جَزْع ظَفَار , فَلَمَّا فَرَغْت انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَمَا أَدْرِي ; فَلَمَّا رَجَعْت إِلَى الرَّحْل ذَهَبْت أَلْتَمِسهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدهُ , وَقَدْ أَخَذَ النَّاس فِي الرَّحِيل . قَالَتْ : فَرَجَعْت عَوْدِي إِلَى بَدْئِي , إِلَى الْمَكَان الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , فَالْتَمَسْته حَتَّى وَجَدْته ; وَجَاءَ الْقَوْم خِلَافِي الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي الْبَعِير . )ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ ابْن ثَوْر . 19565 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا , قَالَتْ : (لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْت بِهِ , قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا وَمَا عَلِمْت , فَتَشَهَّدَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : | أَمَّا بَعْد أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاس أَبَنُوا أَهْلِي وَاللَّه مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي سُوءًا قَطُّ , وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّه مَا عَلِمْت عَلَيْهِ سُوءًا قَطُّ , وَلَا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِر , وَلَا أَغِيب فِي سَفَر إِلَّا غَابَ مَعِي | فَقَامَ سَعْد بْن مُعَاذ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , نَرَى أَنْ نَضْرِب أَعْنَاقهمْ ! فَقَامَ رَجُل مِنَ الْخَزْرَج , وَكَانَتْ أُمّ حَسَّان بْن ثَابِت مِنْ رَهْط ذَلِكَ الرَّجُل , فَقَالَ : كَذَبْت , أَمَا وَاللَّه لَوْ كَانُوا مِنْ الْأَوْس مَا أَحْبَبْت أَنْ تَضْرِب أَعْنَاقهمْ ! حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُون بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْمَسْجِد شَرّ ; وَمَا عَلِمْت بِهِ . فَلَمَّا كَانَ مَسَاء ذَلِكَ الْيَوْم , خَرَجْت لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَح , فَعَثَرَتْ , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ فَسَكَتَتْ , ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّانِيَة , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! قُلْت : عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ فَسَكَتَتْ الثَّانِيَة , ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّالِثَة , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَانْتَهَرْتهَا , وَقُلْت : عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ قَالَتْ : وَاللَّه مَا أَسُبّهُ إِلَّا فِيك , قُلْت : فِي أَيّ شَأْنِي , فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيث , فَقُلْت : وَقَدْ كَانَ هَذَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ وَاللَّه . قَالَتْ : فَرَجَعْت إِلَى بَيْتِي فَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْت لَهُ لَمْ أَخْرُج لَهُ , وَلَا أَجِد مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا . وَوُعِكْت , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْت أَبِي ! فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَام , فَدَخَلْت الدَّار فَإِذَا أَنَا بِأُمِّي أُمّ رُومَان , قَالَتْ : مَا جَاءَ بِك يَا بُنَيَّة ؟ فَأَخْبَرْتهَا , فَقَالَتْ : خَفِّضِي عَلَيْك الشَّأْن , فَإِنَّهُ وَاللَّه مَا كَانَتْ امْرَأَة جَمِيلَة عِنْد رَجُل يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِر إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقُلْنَ فِيهَا . قُلْت : وَقَدْ عَلِمَ بِهَا أَبِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قُلْت : وَرَسُول اللَّه ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . فَاسْتَعْبَرْت وَبَكَيْت , فَسَمِعَ أَبُو بَكْر صَوْتِي وَهُوَ فَوْق الْبَيْت يَقْرَأ , فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي : مَا شَأْنهَا ؟ قَالَتْ : بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرهَا . فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ , فَقَالَ : أَقْسَمْت عَلَيْك إِلَّا رَجَعْت إِلَى بَيْتك ! فَرَجَعْت . فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي , فَلَمْ يَزَالَا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بَعْد الْعَصْر , وَقَدْ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ , عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي , فَتَشَهَّدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : | أَمَّا بَعْد يَا عَائِشَة , إِنْ كُنْت قَارَفْت سُوءًا أَوْ أَلْمَمْت فَتُوبِي إِلَى اللَّه , فَإِنَّ اللَّه يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده | . وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار وَهِيَ جَالِسَة , فَقُلْت : أَلَا تَسْتَحْيِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَة أَنْ تَقُول شَيْئًا ؟ فَقُلْت لِأَبِي : أَجِبْهُ ! فَقَالَ : أَقُول مَاذَا ؟ قُلْت لِأُمِّي : أَجِيبِيهِ ! فَقَالَتْ : أَقُول مَاذَا ؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْت فَحَمِدْت اللَّه وَأَثْنَيْت عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قُلْت : أَمَّا بَعْد , فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْت لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَل , وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي لَصَادِقَة مَا ذَا بِنَافِعِي عِنْدكُمْ , لَقَدْ تُكُلِّمَ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبكُمْ ; وَإِنْ قُلْت إِنِّي قَدْ فَعَلْت وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي لَمْ أَفْعَل لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسهَا , وَأَيْم اللَّه مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمَا أَحْفَظ اسْمه : { فَصَبْر جَمِيل وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } [12 18 ]. وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله سَاعَتئِذٍ , فَرُفِعَ عَنْهُ , وَإِنِّي لَأَتَبَيَّن السُّرُور فِي وَجْهه وَهُوَ يَمْسَح جَبِينه يَقُول : | أَبْشِرِي يَا عَائِشَة , فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه بَرَاءَتك ! | فَكُنْت أَشَدّ مَا كُنْت غَضَبًا , فَقَالَ لِي أَبَوَايَ : قُومِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَقُلْت : وَاللَّه لَا أَقُوم إِلَيْهِ , وَلَا أَحْمَدهُ وَلَا أَحْمَدكُمَا , لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ , وَلَكِنِّي أَحْمَد اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي . وَلَقَدْ جَاءَ رَسُول اللَّه بَيْتِي , فَسَأَلَ الْجَارِيَة عَنِّي , فَقَالَتْ : وَاللَّه مَا أَعْلَم عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَام حَتَّى كَانَتْ تَدْخُل الشَّاة فَتَأْكُل حَصِيرهَا أَوْ عَجِينهَا , فَانْتَهَرَهَا بَعْض أَصْحَابه , وَقَالَ لَهَا : اصْدُقِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَ عُرْوَة : فَعَتَبَ عَلَى مَنْ قَالَهُ , فَقَالَ : لَا , وَاللَّه مَا أَعْلَم عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَم الصَّائِغ عَلَى تِبْر الذَّهَب الْأَحْمَر . وَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُل الَّذِي قِيلَ لَهُ , فَقَالَ : سُبْحَان اللَّه ! مَا كَشَفْت كَنَف أُنْثَى قَطُّ . فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيل اللَّه . قَالَتْ عَائِشَة : فَأَمَّا زَيْنَب بِنْت جَحْش , فَعَصَمَهَا اللَّه بِدِينِهَا , فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا ; وَأَمَّا حَمْنَة أُخْتهَا , فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ , وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ : الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَكَانَ يَسْتَوْشِيه وَيَجْمَعهُ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَمِسْطَحًا , وَحَسَّان بْن ثَابِت , فَحَلَفَ أَبُو بَكْر أَنْ لَا يَنْفَع مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } [24 22 ]. يَعْنِي أَبَا بَكْر , { أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين } [24 22 ]يَعْنِي مِسْطَحًا , { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَكُمْ وَاللَّه غَفُور رَحِيم } [24 22 ]قَالَ أَبُو بَكْر : بَلَى وَاللَّه , إِنَّا لَنُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَنَا ! وَعَادَ أَبُو بَكْر لِمِسْطَحٍ بِمَا كَانَ يَصْنَع بِهِ . )19566 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص وَغَيْره أَيْضًا , قَالَ : (خَرَجَتْ عَائِشَة تُرِيد الْمَذْهَب , وَمَعَهَا أُمّ مِسْطَح , وَكَانَ مِسْطَح بْن أُثَاثَة مِمَّنْ قَالَ مَا قَالَ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاس قَبْل ذَلِكَ , فَقَالَ : | كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَع فِي بَيْته مَنْ يُؤْذِينِي ؟ | فَقَالَ سَعْد بْن مُعَاذ : أَيْ رَسُول اللَّه , إِنْ كَانَ مِنَّا مَعْشَر الْأَوْس جَلَدْنَا رَأْسه , وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَاننَا مِنَ الْخَزْرَج , أَمَرْتنَا فَأَطَعْنَاك . فَقَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : يَا ابْن مُعَاذ , وَاللَّه مَا بِك نُصْرَة رَسُول اللَّه , وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ ضَغَائِن فِي الْجَاهِلِيَّة وَإِحَن لَمْ تُحْلَلْ لَنَا مِنْ صُدُوركُمْ بَعْد ! فَقَالَ ابْن مُعَاذ : اللَّه أَعْلَم مَا أَرَدْت , فَقَامَ أُسَيْد بْن حُضَيْر , فَقَالَ : يَا ابْن عُبَادَة , إِنَّ سَعْدًا لَيْسَ شَدِيدًا , وَلَكِنَّك تُجَادِل عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَتَدْفَع عَنْهُمْ , وَكَثُرَ اللَّغَط فِي الْحَيَّيْنِ فِي الْمَسْجِد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس عَلَى الْمِنْبَر , فَمَا زَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُومِئ بِيَدِهِ إِلَى النَّاس هَا هُنَا وَهَا هُنَا , حَتَّى هَدَأَ الصَّوْت . وَقَالَتْ عَائِشَة : كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَالَّذِي يَجْمَعهُمْ فِي بَيْته , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . قَالَتْ : فَخَرَجْت إِلَى الْمَذْهَب وَمَعِي أُمّ مِسْطَح , فَعَثَرَتْ , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت : غَفَرَ اللَّه لَك , أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِك وَلِصَاحِبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ , وَمَا شَعَرْت بِالَّذِي كَانَ . فَحُدِّثْت , فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْت لَهُ , حَتَّى مَا أَجِد مِنْهُ شَيْئًا . وَرَجَعْت عَلَى أَبَوَيَّ أَبِي بَكْر وَأُمّ رُومَان , فَقُلْت : أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّه فِيَّ وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي ؟ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ , وَتَحَدَّثَ النَّاس بِالَّذِي تَحَدَّثُوا بِهِ وَلَمْ تُعْلِمَانِي فَأُخْبِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّة , وَاللَّه لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُل قَطُّ امْرَأَته إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْو الَّذِي قَالُوا لَك ! أَيْ بُنَيَّة ارْجِعِي إِلَى بَيْتك حَتَّى نَأْتِيك فِيهِ ! فَرَجَعْت وَارْتَكَبَنِي صَالِب مِنْ حُمَّى , فَجَاءَ أَبَوَايَ فَدَخَلَا , وَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرِي وِجَاهِي , فَقَالَا : أَيْ بُنَيَّة , إِنْ كُنْت صَنَعْت مَا قَالَ النَّاس فَاسْتَغْفِرِي اللَّه , وَإِنْ لَمْ تَكُونِي صَنَعْتِيهِ فَأَخْبِرِي رَسُول اللَّه بِعُذْرِك ! قُلْت : مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ إِلَّا كَأَبِي يُوسُف { فَصَبْر جَمِيل وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } [12 18 ]. قَالَتْ : فَالْتَمَسْت اسْم يَعْقُوب , فَمَا قَدَرْت , أَوْ فَلَمْ أَقْدِر عَلَيْهِ . فَشَخَصَ بَصَر رَسُول اللَّه إِلَى السَّقْف , وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَجَدَ , قَالَ اللَّه : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا } [73 5 ]. فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , مَا زَالَ يَضْحَك حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُر إِلَى نَوَاجِذه سُرُورًا , ثُمَّ مَسَحَ عَنْ وَجْهه , فَقَالَ : | يَا عَائِشَة أَبْشِرِي , قَدْ أَنْزَلَ اللَّه عُذْرك ! | قُلْت : بِحَمْدِ اللَّه لَا بِحَمْدِك وَلَا بِحَمْدِ أَصْحَابك . قَالَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } ... [24 22 ]حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } [24 22 ]. وَكَانَ أَبُو بَكْر حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَع مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ , وَكَانَ بَيْنهمَا رَحِم , فَلَمَّا أُنْزِلَتْ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ } . .. [24 22 ]حَتَّى بَلَغَ : { وَاللَّه غَفُور رَحِيم } [24 22 ]قَالَ أَبُو بَكْر : بَلَى , أَيْ رَبِّ ! فَعَادَ إِلَى الَّذِي كَانَ لِمِسْطَحٍ { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } ... [24 23 ]حَتَّى بَلَغَ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } [24 26 ]. قَالَتْ عَائِشَة : وَاللَّه مَا كُنْت أَرْجُو أَنْ يَنْزِل فِيَّ كِتَاب وَلَا أَطْمَع بِهِ , وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا تُذْهِب مَا فِي نَفْسه . قَالَتْ : وَسَأَلَ الْجَارِيَة الْحَبَشِيَّة , فَقَالَتْ وَاللَّه لَعَائِشَة أَطْيَب مِنْ طَيِّب الذَّهَب , وَمَا بِهَا عَيْب إِلَّا أَنَّهَا تَرْقُد حَتَّى تَدْخُل الشَّاة فَتَأْكُل عَجِينهَا , وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعَتْ مَا قَالَ النَّاس لَيُخْبِرَنَّك اللَّه ! قَالَ : فَعَجِبَ النَّاس مِنْ فِقْههَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } </subtitle>وَهَذَا عِتَاب مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَهْل الْإِيمَان بِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسهمْ مِنْ إِرْجَاف مَنْ أَرْجَفَ فِي أَمْر عَائِشَة بِمَا أَرْجَفَ بِهِ . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا أَيّهَا النَّاس إِذْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ أَهْل الْإِفْك فِي عَائِشَة ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ! يَقُول : ظَنَنْتُمْ بِمَنْ قُرِفَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ خَيْرًا , وَلَمْ تَظُنُّوا بِهِ أَنَّهُ أَتَى الْفَاحِشَة , وَقَالَ | بِأَنْفُسِهِمْ | لِأَنَّ أَهْل الْإِسْلَام كُلّهمْ بِمَنْزِلَةِ نَفْس وَاحِدَة ; لِأَنَّهُمْ أَهْل مِلَّة وَاحِدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19567 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ بَعْض رِجَال بَنِي النَّجَّار , (أَنَّ أَبَا أَيُّوب خَالِد بْن زَيْد , قَالَتْ لَهُ امْرَأَته أُمّ أَيُّوب : أَمَا تَسْمَع مَا يَقُول النَّاس فِي عَائِشَة ؟ قَالَ : بَلَى , وَذَلِكَ الْكَذِب , أَكُنْت فَاعِلَة ذَلِكَ يَا أُمّ أَيُّوب ؟ قَالَتْ : لَا وَاللَّه مَا كُنْت لِأَفْعَلهُ . قَالَ : فَعَائِشَة وَاللَّه خَيْر مِنْك . قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن , ذَكَرَ اللَّه مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَة مَا قَالَ مِنْ أَهْل الْإِفْك : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } وَذَلِكَ حَسَّان وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا , ثُمَّ قَالَ : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ } ... الْآيَة : أَيْ كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوب وَصَاحِبَته . )19568 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } مَا هَذَا الْخَيْر ؟ ظَنَّ الْمُؤْمِن أَنَّ الْمُؤْمِن لَمْ يَكُنْ لِيَفْجُر بِأُمِّهِ , وَأَنَّ الْأُمّ لَمْ تَكُنْ لِتَفْجُر بِابْنِهَا , إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْجُر فَجَرَ بِغَيْرِ أُمّه . يَقُول : إِنَّمَا كَانَتْ عَائِشَة أُمًّا , وَالْمُؤْمِنُونَ بَنُونَ لَهَا , مُحَرَّمًا عَلَيْهَا , وَقَرَأَ : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... الْآيَة . )19569 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } قَالَ لَهُمْ خَيْرًا , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } [4 29 ]. يَقُول : بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ , قَالَ : يُسَلِّم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . )19570 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات .)|وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ|وَقَوْله : { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } يَقُول : وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات : هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنَ الْقَوْم الَّذِي رُمِيَ بِهِ عَائِشَة مِنَ الْفَاحِشَة : كَذِب وَإِثْم , يَبِين لِمَنْ عَقَلَ وَفَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ كَذِب وَإِثْم وَبُهْتَان . كَمَا : 19571 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف عَنِ الْحَسَن : ( { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } قَالُوا : إِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة مِنَ الشُّهُود وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّ الزِّنَا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْعُصْبَة الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ , وَرَمَوْا عَائِشَة بِالْبُهْتَانِ , بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء يَشْهَدُونَ عَلَى مَقَالَتهمْ فِيهَا وَمَا رَمَوْهَا بِهِ !|فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ|فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَة عَلَى حَقِيقَة مَا رَمَوْهَا بِهِ { فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ } يَقُول : فَالْعُصْبَة الَّذِينَ رَمَوْهَا بِذَلِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيّهَا الْخَائِضُونَ فِي أَمْر عَائِشَة , الْمُشِيعُونَ فِيهَا الْكَذِب وَالْإِثْم , بِتَرْكِهِ تَعْجِيل عُقُوبَتكُمْ { وَرَحْمَته } إِيَّاكُمْ , لِعَفْوِهِ عَنْكُمْ { فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } بِقَبُولِ تَوْبَتكُمْ مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ , { لَمَسَّكُمْ فِيمَا } خُضْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرهَا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا { عَذَاب عَظِيم } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19572 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } هَذَا لِلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فَنَشَرُوا ذَلِكَ الْكَلَام , { لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَاب عَظِيم } . )
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ مِنْ شَأْن عَائِشَة عَذَاب عَظِيم , حِين تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ . وَ | إِذْ | مِنْ صِلَة قَوْله | لَمَسَّكُمْ | . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَلَقَّوْنَهُ } تَتَلَقَّوْنَ الْإِفْك الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْعُصْبَة مِنْ أَهْل الْإِفْك , فَتَقْبَلُونَهُ , وَيَرْوِيه بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض ; يُقَال : تَلَقَّيْت هَذَا الْكَلَام عَنْ فُلَان , بِمَعْنَى أَخَذْته مِنْهُ ; وَقِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ فِيمَا ذُكِرَ يَلْقَى آخَر فَيَقُول : أَوَمَا بَلَغَك كَذَا وَكَذَا عَنْ عَائِشَة ؟ لِيُشِيعَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْفَاحِشَة . وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيّ : | إِذْ تَتَلَقَّوْنَهُ | بِتَاءَيْنِ , وَعَلَيْهَا قِرَاءَة الْأَمْصَار , غَيْر أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا : { تَلَقَّوْنَهُ } بِتَاءٍ وَاحِدَة ; لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة فِي ذَلِكَ , مَا : 19573 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا خَالِد بْن نِزَار , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , (أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : | إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ | تَقُول : إِنَّمَا هُوَ وَلْق الْكَذِب , وَتَقُول : إِنَّمَا كَانُوا يَلِقُونَ الْكَذِب . )قَالَ ابْن أَبِي مُلَيْكَة : وَهِيَ أَعْلَم بِمَا فِيهَا أُنْزِلَتْ . قَالَ نَافِع : وَسَمِعْت بَعْض الْعَرَب يَقُول : اللَّيْق : الْكَذِب * -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا ابْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَعْمَر الْجُمَحِيّ , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة , (أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأ : | إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ | وَهِيَ أَعْلَم بِذَلِكَ وَفِيهَا أُنْزِلَتْ , قَالَ ابْن أَبِي مُلَيْكَة : هُوَ مِنْ وَلْق الْكَذِب . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَأَنَّ عَائِشَة وَجَّهَتْ مَعْنَى ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهَا | تَلِقُونَهُ | بِكَسْرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف , إِلَى : إِذْ تَسْتَمِرُّونَ فِي كَذِبكُمْ عَلَيْهَا وَإِفْكِكَهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ , كَمَا يُقَال : وَلَقَ فُلَان فِي السَّيْر فَهُوَ يَلِق : إِذَا اسْتَمَرَّ فِيهِ ; وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>إِنَّ الْجُلَيْد زَلِق وَزُمَلِق .......... جَاءَتْ بِهِ عَنْس مِنْ الشَّأْم تَلِقْ <br><br>مُجَوَّع الْبَطْن كِلَابِيّ الْخُلُقْ <br>وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْعَرَب فِي الْوَلْق : الْكَذِب : الْأَلْق , وَالْإِلْق : بِفَتْحِ الْأَلِف وَكَسْرهَا , وَيُقَال فِي فَعَلْت مِنْهُ : أَلِقْت , فَأَنَا أَلِق ; وَقَالَ بَعْضهمْ : <br>مَنْ لِي بِالْمُزَرَّرِ الْيَلَامِق .......... صَاحِب أَدْهَان وَأَلْق آلِق <br>وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز غَيْرهَا : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قِرَاءَة الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19574 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج [ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } قَالَ : تَرْوُونَهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } قَالَ : تَرْوُونَهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض .)|وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ|قَوْله : { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم مِنْ الْأَمْر الَّذِي تَرْوُونَهُ , فَتَقُولُونَ : سَمِعْنَا أَنَّ عَائِشَة فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا , وَلَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَة ذَلِكَ وَلَا صِحَّته .|وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا|وَتَظُنُّونَ أَنَّ قَوْلكُمْ ذَلِكَ وَرِوَايَتَكُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَلَقِّيكُمُوهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض , هَيِّن سَهْل , لَا إِثْم عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَا حَرَج .|وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ|يَقُول : وَتَلَقِّيكُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَوْلكُمُوهُ بِأَفْوَاهِكُمْ , عِنْد اللَّه عَظِيم مِنَ الْأَمْر ; لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْذُونَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَته.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُون لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم بِهَذَا سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَلَوْلَا } أَيّهَا الْخَائِضُونَ فِي الْإِفْك الَّذِي جَاءَتْ بِهِ عُصْبَة مِنْكُمْ , { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } مِمَّنْ جَاءَ بِهِ , { قُلْتُمْ } مَا يَحِلّ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم بِهَذَا , وَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَفَوَّه بِهِ { سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم } تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّ وَبَرَاءَة إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ ; { هَذَا بُهْتَان عَظِيم } يَقُول : هَذَا الْقَوْل بُهْتَان عَظِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعِظكُمْ اللَّه أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُذَكِّركُمْ اللَّه وَيَنْهَاكُمْ بِآيِ كِتَابه , لِئَلَّا تَعُودُوا لِمِثْلِ فِعْلكُمْ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ فِي أَمْر عَائِشَة مِنْ تَلَقِّيكُمُ الْإِفْك الَّذِي رُوِيَ عَلَيْهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ , وَقَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم فِيهَا أَبَدًا .|إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ|يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تَتَّعِظُونَ بِعِظَاتِ اللَّه وَتَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ وَتَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19575 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَيُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات وَاللَّه عَلِيم حَكِيم } قَالَ : وَالَّذِي هُوَ خَيْر لَنَا مِنْ هَذَا , إِنَّ اللَّه أَعْلَمنَا هَذَا لِكَيْلَا نَقَع فِيهِ , لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعْلَمَنَا لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكَ الْقَوْم , أَنْ يَقُول الرَّجُل : أَنَا سَمِعْته وَلَمْ أَخْتَرِقهُ وَلَمْ أَتَقَوَّلهُ , فَكَانَ خَيْرًا حِين أَعْلَمَنَاهُ اللَّه , لِئَلَّا نَدْخُل فِي مِثْله أَبَدًا , وَهُوَ عِنْد اللَّه عَظِيم .)
وَقَوْله : { وَيُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات } وَيُفَصِّل اللَّه لَكُمْ حُجَجه عَلَيْكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , لِيَتَبَيَّن الْمُطِيع لَهُ مِنْكُمْ مِنْ الْعَاصِي , وَاللَّه عَلِيم بِكُمْ وَبِأَفْعَالِكُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَهُوَ مُجَاز الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , حَكِيم فِي تَدْبِير خَلْقه وَتَكْلِيفه مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ الْأَعْمَال وَفَرْضه مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَفْعَال .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَذِيع الزِّنَا فِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله وَيَظْهَر ذَلِكَ فِيهِمْ , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : لَهُمْ عَذَاب وَجِيع فِي الدُّنْيَا , بِالْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه حَدًّا لِرَامِي الْمُحْصَنَات وَالْمُحْصَنِينَ إِذَا رَمَوْهُمْ بِذَلِكَ , وَفِي الْآخِرَة عَذَاب جَهَنَّم إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْر تَائِب . كَمَا : 19576 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة } قَالَ : تَظْهَر فِي شَأْن عَائِشَة . )19577 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : الْخَبِيث عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , الْمُنَافِق , الَّذِي أَشَاعَ عَلَى عَائِشَة مَا أَشَاعَ عَلَيْهَا مِنْ الْفِرْيَة , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة } قَالَ : تَظْهَر ; يُتَحَدَّث عَنْ شَأْن عَائِشَة .)|وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ|وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم كَذِب الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ مِنْ صِدْقهمْ , وَأَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْغَيْب , وَإِنَّمَا يَعْلَم ذَلِكَ عَلَّام الْغُيُوب . يَقُول : فَلَا تَرْوُوا مَا لَا عِلْم لَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِفْك عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَلَا سِيَّمَا عَلَى حَلَائِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَهْلَكُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته وَأَنَّ اللَّه رَءُوف رَحِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحِمَكُمْ , وَأَنَّ اللَّه ذُو رَأْفَة , ذُو رَحْمَة بِخَلْقِهِ , لَهَلَكْتُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ وَعَاجَلَتْكُمْ مِنَ اللَّه الْعُقُوبَة , وَتَرَكَ ذِكْر الْجَوَاب لِمَعْرِفَةِ السَّامِع بِالْمُرَادِ مِنْ الْكَلَام بَعْده , وَهُوَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } ... الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان وَمَنْ يَتَّبِع خُطُوَات الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , لَا تَسْلُكُوا سَبِيل الشَّيْطَان وَطُرُقه وَلَا تَقْتَفُوا آثَاره , بِإِشَاعَتِكُمُ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَإِذَاعَتِكُمُوهَ فِيهِمْ وَرِوَايَتكُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ , فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ - وَهِيَ الزِّنَا -وَالْمُنْكَر مِنَ الْقَوْل . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُطُوَات وَالْفَحْشَاء فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِد ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.|وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّه يُزَكِّي مَنْ يَشَاء } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحْمَته لَكُمْ , مَا تَطَهَّرَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا مِنْ دَنَس ذُنُوبه وَشِرْكه , وَلَكِنَّ اللَّه يُطَهِّر مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19578 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } يَقُول : مَا اهْتَدَى مِنْكُمْ مِنَ الْخَلَائِق لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْر يَنْفَع بِهِ نَفْسه , وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ يَدْفَعهُ عَنْ نَفْسه . )19579 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } قَالَ : مَا زَكَا : مَا أَسْلَمَ . )وَقَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ | زَكَا | أَوْ | تَزَكَّى | فَهُوَ الْإِسْلَام .|يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ|وَقَوْله : { وَاللَّه سَمِيع عَلِيم } يَقُول : وَاللَّه سَمِيع لِمَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَلَقَّونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَامكُمْ , عَلِيم بِذَلِكَ كُلّه وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُوركُمْ , مُحِيط بِهِ مُحْصِيه عَلَيْكُمْ , لِيُجَازِيَكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَحْلِف بِاللَّهِ ذَوُو الْفَضْل مِنْكُمْ , يَعْنِي ذَوِي التَّفَضُّل وَالسَّعَة ; يَقُول : وَذَوُو الْجِدَّة . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ } ; فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار . { وَلَا يَأْتَلِ } بِمَعْنَى : يَفْتَعِل مِنْ الْأَلِيَّة , وَهِيَ الْقَسَم بِاللَّهِ ; سِوَى أَبِي جَعْفَر وَزَيْد بْن أَسْلَمَ . فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ : | وَلَا يَتَأَلَّ | بِمَعْنَى : يَتَفَعَّل , مِنْ الْأَلِيَّة . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا يَأْتَلِ } بِمَعْنَى يَفْتَعِل مِنَ الْأَلِيَة ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي خَطّ الْمُصْحَف كَذَلِكَ , وَالْقِرَاءَة الْأُخْرَى مُخَالِفَة خَطّ الْمُصْحَف , فَاتِّبَاع الْمُصْحَف مَعَ قِرَاءَة جَمَاعَة الْقُرَّاء وَصِحَّة الْمَقْرُوء بِهِ أَوْلَى مِنْ خِلَاف ذَلِكَ كُلّه . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَلِفه بِاللَّهِ لَا يُنْفِق عَلَى مِسْطَح , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَحْلِف مَنْ كَانَ ذَا فَضْل مِنْ مَال وَسَعَة مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أَلَّا يُعْطُوا ذَوِي قَرَابَتهمْ فَيَصِلُوا بِهِ أَرْحَامهمْ , كَمِسْطَحٍ , وَهُوَ ابْن خَالَة أَبِي بَكْر . { وَالْمَسَاكِين } : يَقُول : وَذَوِي خَلَّة الْحَاجَة , وَكَانَ مِسْطَح مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا . { وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه , وَكَانَ مِسْطَح مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَشَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19580 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَعَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : وثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : وثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم الْأَنْصَارِيّ , عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (لَمَّا نَزَلَ هَذَا - يَعْنِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } فِي عَائِشَة , وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ - قَالَ أَبُو بَكْر , وَكَانَ يُنْفِق عَلَى مِسْطَح لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَته : وَاللَّه لَا أُنْفِق عَلَى مِسْطَح شَيْئًا أَبَدًا وَلَا أَنْفَعهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا بَعْد الَّذِي قَالَ لِعَائِشَة مَا قَالَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا أَدْخَلَ ! قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } ... الْآيَة . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه إِنِّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي ! فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَح نَفَقَته الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ , وَقَالَ : وَاللَّه لَا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا ! . )19581 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } يَقُول : لَا تُقْسِمُوا أَلَّا تَنْفَعُوا أَحَدًا . )19582 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَوْا عَائِشَة بِالْقَبِيحِ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا بِهِ , فَأَقْسَمَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيهِمْ أَبُو بَكْر , أَلَّا يَتَصَدَّق عَلَى رَجُل تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَصِلهُ , فَقَالَ : لَا يُقْسِم أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامهمْ وَأَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْل ذَلِكَ . فَأَمَرَ اللَّه أَنْ يُغْفَر لَهُمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ . )19583 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عُذْر عَائِشَة مِنَ السَّمَاء , قَالَ أَبُو بَكْر وَآخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : وَاللَّه لَا نَصِل رَجُلًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْن عَائِشَة وَلَا نَنْفَعهُ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } يَقُول : وَلَا يَحْلِف . )* -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } قَالَ : كَانَ مِسْطَح ذَا قَرَابَة . { وَالْمَسَاكِين } قَالَ : كَانَ مِسْكِينًا . { وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } كَانَ بَدْرِيًّا . )19584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } قَالَ : أَبُو بَكْر حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَع يَتِيمًا فِي حِجْره كَانَ أَشَاعَ ذَلِكَ . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ : بَلَى أَنَا أُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي , فَلَأَكُونَنَّ لِيَتِيمِي خَيْر مَا كُنْت لَهُ قَطُّ .)|وَلْيَعْفُوا|يَقُول وَلْيَعْفُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ جُرْم , وَذَلِكَ كَجُرْمِ مِسْطَح إِلَى أَبِي بَكْر فِي إِشَاعَته عَلَى ابْنَته عَائِشَة مَا أَشَاعَ مِنَ الْإِفْك .|وَلْيَصْفَحُوا|يَقُول : وَلْيَتْرُكُوا عُقُوبَتهمْ عَلَى ذَلِكَ , بِحِرْمَانِهِمْ مَا كَانُوا يُؤْتُونَهُمْ قَبْل ذَلِكَ , وَلَكِنْ لِيَعُودُوا لَهُمْ إِلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِفْضَال عَلَيْهِمْ .|أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ|يَقُول : أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتُر اللَّه عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ بِإِفْضَالِكُمْ عَلَيْهِمْ , فَيَتْرُك عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهَا .|وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ|لِذُنُوبِ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , رَحِيم بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ مَعَ اتِّبَاعهمْ أَمْره وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ , عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ زَلَّة وَهَفْوَة قَدْ اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ فِعْلهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ } بِالْفَاحِشَةِ { الْمُحْصَنَات } يَعْنِي الْعَفِيفَات { الْغَافِلَات } عَنِ الْفَوَاحِش { الْمُؤْمِنَات } بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُول : أُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . { وَلَهُمْ } فِي الْآخِرَة { عَذَاب عَظِيم } وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُحْصَنَات اللَّاتِي هَذَا حُكْمهنَّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِعَائِشَة خَاصَّة , وَحُكْم مِنْ اللَّه فِيهَا وَفِيمَنْ رَمَاهَا , دُون سَائِر نِسَاء أُمَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19585 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : (قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : الزِّنَا أَشَدّ أَمْ قَذْف الْمُحْصَنَة ؟ فَقَالَ : الزِّنَا . فَقُلْت : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } ... الْآيَة ؟ قَالَ سَعِيد : إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِعَائِشَة خَاصَّة . )19586 -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (رُمِيت بِمَا رُمِيت بِهِ وَأَنَا غَافِلَة , فَبَلَغَنِي بَعْد ذَلِكَ , قَالَتْ : فَبَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي جَالِس , إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ , وَكَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَخَذَهُ كَهَيْئَةِ السُّبَات , وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِس عِنْدِي , ثُمَّ اسْتَوَى جَالِسًا يَمْسَح عَنْ وَجْهه , وَقَالَ : | يَا عَائِشَة أَبْشِرِي ! | قَالَتْ : فَقُلْت : بِحَمْدِ اللَّه لَا بِحَمْدِك ! فَقَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... حَتَّى بَلَغَ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة دُون سَائِر النِّسَاء غَيْرهنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19587 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... الْآيَة , أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن عَائِشَة , وَعُنِيَ بِهَا كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . قَالُوا : فَذَلِكَ حُكْم كُلّ مَنْ رَمَى مُحْصَنَة لَمْ تُقَارِف سُوءًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19588 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ جَعْفَر بْن بَرْقَان , قَالَ : (سَأَلْت مَيْمُونًا , قُلْت : الَّذِي ذَكَرَ اللَّه : { الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَجَعَلَ فِي هَذِهِ تَوْبَة , وَقَالَ فِي الْأُخْرَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات } ... إِلَى قَوْله : { لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } ؟ قَالَ مَيْمُون : أَمَّا الْأُولَى فَعَسَى أَنْ تَكُون قَدْ قَارَفَتْ , وَأَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الَّتِي لَمْ تُقَارِف شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . )19589 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ شَيْخ مِنْ بَنِي أَسَد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (فَسَّرَ سُورَة النُّور , فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... الْآيَة , قَالَ : هَذَا فِي شَأْن عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ مُبْهَمَة , وَلَيْسَتْ لَهُمْ تَوْبَة , ثُمَّ قَرَأَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } ... الْآيَة , قَالَ : فَجَعَلَ لِهَؤُلَاءِ تَوْبَة , وَلَمْ يَجْعَل لِمَنْ قَذَفَ أُولَئِكَ تَوْبَة . قَالَ : فَهَمَّ بَعْض الْقَوْم أَنْ يَقُوم إِلَيْهِ فَيُقَبِّل رَأْسه مِنْ حُسْن مَا فَسَّرَ سُورَة النُّور . )19590 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي عَائِشَة , وَمَنْ صَنَعَ هَذَا الْيَوْم فِي الْمُسْلِمَات فَلَهُ مَا قَالَ اللَّه , وَلَكِنَّ عَائِشَة كَانَتْ إِمَام ذَلِكَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَة الَّتِي فِي أَوَّل السُّورَة فَأَوْجَبَ الْجَلْد وَقَبْل التَّوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19591 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... إِلَى : { عَذَاب عَظِيم } يَعْنِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَمَاهُنَّ أَهْل النِّفَاق , فَأَوْجَبَ اللَّه لَهُمْ اللَّعْنَة وَالْغَضَب وَبَاءُوا بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه . وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَأَنْزَلَ اللَّه الْجَلْد وَالتَّوْبَة , فَالتَّوْبَة تُقْبَل , وَالشَّهَادَة تُرَدّ . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن عَائِشَة , وَالْحُكْم بِهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَا فِيهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاته بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } كُلّ مُحْصَنَة غَافِلَة مُؤْمِنَة رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُون بَعْض , فَكُلّ رَامٍ مُحْصَنَة بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة فَمَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُ عَذَاب عَظِيم , إِلَّا أَنْ يَتُوب مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ قَبْل وَفَاته , فَإِنَّ اللَّه دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم رَامِي كُلّ مُحْصَنَة بِأَيِّ صِفَة كَانَتْ الْمُحْصَنَة الْمُؤْمِنَة الْمَرْمِيَّة , وَعَلَى أَنَّ قَوْله : { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } مَعْنَاهُ : لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَلَمْ يَتُوبُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ } فَ | الْيَوْم | الَّذِي فِي قَوْله : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ } مِنْ صِلَة قَوْله : { وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ } يَوْم الْقِيَامَة ; وَذَلِكَ حِين يَجْحَد أَحَدهمَا مَا اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الذُّنُوب عِنْد تَقْرِير اللَّه إِيَّاهُ بِهَا , فَيَخْتِم اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ , وَتَشْهَد عَلَيْهِمْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ حِين يُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ ؟ قِيلَ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ أَلْسِنَة بَعْضهمْ تَشْهَد إِلَى بَعْض , لَا أَنَّ أَلْسِنَتهمْ تَنْطِق وَقَدْ خُتِمَ عَلَى الْأَفْوَاه . وَقَدْ : 19592 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عُرِفَ الْكَافِر بِعَمَلِهِ , فَجَحَدَ وَخَاصَمَ , فَيُقَال لَهُ : هَؤُلَاءِ جِيرَانك يَشْهَدُونَ عَلَيْك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَهْلك وَعَشِيرَتك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَتَحْلِفُونَ ؟ فَيَحْلِفُونَ , ثُمَّ يُصْمِتُهُمْ اللَّه , وَتَشْهَد أَلْسِنَتهمْ , ثُمَّ يُدْخِلهُمْ النَّار | .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يُوَفِّيهِمْ اللَّه حِسَابهمْ وَجَزَاءَهُمُ الْحَقّ عَلَى أَعْمَالهمْ . وَالدِّين فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْحِسَاب وَالْجَزَاء , كَمَا : 19593 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ } يَقُول . حِسَابهمْ . )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { الْحَقّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار . { دِينهمُ الْحَقّ } نَصْبًا عَلَى النَّعْت لِلدِّينِ , كَأَنَّهُ قَالَ : يُوَفِّيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَقًّا . تَمَّ أَدْخَلَ فِي الْحَقّ الْأَلِف وَاللَّام , فَنَصَبَ بِمَا نَصَبَ بِهِ الدِّين . وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ | بِرَفْعِ | الْحَقّ | عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْت اللَّه . 19594 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , (أَنَّهُ قَرَأَهَا | الْحَقّ | بِالرَّفْعِ . قَالَ جَرِير . وَقَرَأْتهَا فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب { يُوَفِّيهِمْ اللَّه الْحَقّ دِينهمْ } . )وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ نَصْب | الْحَقّ | عَلَى اتِّبَاعه إِعْرَاب | الدِّين | لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهِ .|وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ|وَقَوْله : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الْمُبِين } يَقُول : وَيَعْلَمُونَ يَوْمئِذٍ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الَّذِي يُبَيِّن لَهُمْ حَقَائِق مَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَذَاب , وَيَزُول حِينَئِذٍ الشَّكّ فِيهِ عَنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ كَانُوا فِيمَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا يَمْتَرُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل . )وَقَوْله : { وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ } يَقُول : الطَّيِّبَات مِنْ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَالُوا فِي زَوْجَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا مِنَ الْبُهْتَان . وَيُقَال : الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ : الْأَعْمَال الْخَبِيثَة تَكُون لِلْخَبِيثِينَ , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْأَعْمَال تَكُون لِلطَّيِّبِينَ . 19596 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : (الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبَات مِنْ الْكَلَام لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس . )* -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19597 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْل اللَّه : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الطَّيِّبَات : الْقَوْل الطَّيِّب يَخْرُج مِنْ الْكَافِر وَالْمُؤْمِن فَهُوَ لِلْمُؤْمِنِ ; وَالْخَبِيثَات : الْقَوْل الْخَبِيث يَخْرُج مِنْ الْمُؤْمِن وَالْكَافِر فَهُوَ لِلْكَافِرِ . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ بَرَّأَ كِلَيْهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَام . )19598 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { الْخَبِيثَات لَلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات وَالطَّيِّبَات : الْقَوْل السَّيِّئ وَالْحَسَن ; لِلْمُؤْمِنِينَ الْحَسَن وَلِلْكَافِرِينَ السَّيِّئ . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْ كَلِمَة طَيِّبَة فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَمَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كَلِمَة خَبِيثَة فَهِيَ لِلْكَافِرِينَ , كُلّ بَرِيء مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَام . )19599 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْكَلَام . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19600 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } ... الْآيَة , يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ الرِّجَال , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . فَهَذَا فِي الْكَلَام , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا لِعَائِشَة مَا قَالُوا , هُمُ الْخَبِيثُونَ . وَالطَّيِّبُونَ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ مِمَّا قَالَ الْخَبِيثُونَ . )19601 - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة , قَالَ ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سَلَمَة , يَعْنِي ابْن نُبَيْط الْأَشْجَعِيّ , عَنِ الضَّحَّاك : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنْ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْكَلَام لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس . )19602 - قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح وَعُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس وَالْخَبِيثُونَ مِنْ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . )19603 - قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنْ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . )19604 - قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر بْن مُقَدِّم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , يَعْنِي ابْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنْ النَّاس . )19605 - قَالَ : ثنا عَبَّاس بْن الْوَلِيد النَّرْسِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل وَالْعَمَل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل وَالْعَمَل . )19606 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (الطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ , وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ , قَالَ : الطَّيِّبَات مِنْ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنْ الْقَوْل , وَالْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الْخَبِيثَات مِنَ النِّسَاء لِلْخَبِيثِينَ مِنْ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19607 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَائِشَة حِين رَمَاهَا الْمُنَافِق بِالْبُهْتَانِ وَالْفِرْيَة , فَبَرَّأَهَا اللَّه مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ هُوَ خَبِيث , وَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُون لَهُ الْخَبِيثَة وَيَكُون لَهَا . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبًا , وَكَانَ أَوْلَى أَنْ تَكُون لَهُ الطَّيِّبَة . وَكَانَتْ عَائِشَة الطَّيِّبَة , وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُون لَهَا الطَّيِّب . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } قَالَ : هَا هُنَا بَرِئَتْ عَائِشَة . { لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْخَبِيثَاتِ : الْخَبِيثَات مِنْ الْقَوْل - وَذَلِكَ قَبِيحه وَسَيِّئُهُ - لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل ; هُمْ بِهَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا . وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل - وَذَلِكَ حَسَنه وَجَمِيله - لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل ; لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا وَأَحَقّ بِهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ الْآيَات قَبْل ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَتْ بِتَوْبِيخِ اللَّه لِلْقَائِلِينَ فِي عَائِشَة الْإِفْك , وَالرَّامِينَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات , وَإِخْبَارهمْ مَا خَصَّهُمْ بِهِ عَلَى إِفْكهمْ , فَكَانَ خَتْم الْخَبَر عَنْ أَوْلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالْإِفْكِ مِنْ الرَّامِي وَالْمَرْمِيّ بِهِ أَشْبَه مِنْ الْخَبَر عَنْ غَيْرهمْ . وَقَوْله : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ } يَقُول : الطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس مُبَرَّءُونَ مِنْ خَبِيثَات الْقَوْل , إِنْ قَالُوهَا فَإِنَّ اللَّه يَصْفَح لَهُمْ عَنْهَا وَيَغْفِرهَا لَهُمْ , وَإِنْ قِيلَتْ فِيهِمْ ضَرَّتْ قَائِلهَا وَلَمْ تَضُرّهُمْ , كَمَا لَوْ قَالَ الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل الْخَبِيث مِنَ النَّاس لَمْ يَنْفَعهُ اللَّه بِهِ لِأَنَّ اللَّه لَا يَتَقَبَّلهُ , وَلَوْ قِيلَتْ لَهُ لَضَرَّتْهُ لِأَنَّهُ يَلْحَقهُ عَارهَا فِي الدُّنْيَا وَذُلّهَا فِي الْآخِرَة . كَمَا : 19608 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } فَمَنْ كَانَ طَيِّبًا فَهُوَ مُبَرَّأ مِنْ كُلّ قَوْل خَبِيث , يَقُول : يَغْفِرهُ اللَّه ; وَمَنْ كَانَ خَبِيثًا فَهُوَ مُبَرَّأ مِنْ كُلّ قَوْل صَالِح , فَإِنَّهُ يَرُدّهُ اللَّه عَلَيْهِ لَا يَقْبَلهُ مِنْهُ . )وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } عَائِشَة وَصَفْوَان بْن الْمُعَطَّل الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل قِيلَ | أُولَئِكَ | فَجَمَعَ , وَالْمُرَاد | ذَانِك | , كَمَا قِيلَ : فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة , وَالْمُرَاد أَخَوَانِ .|لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ|وَقَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة } يَقُول لِهَؤُلَاءِ الطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس مَغْفِرَة مِنَ اللَّه لِذُنُوبِهِمْ , وَالْخَبِيث مِنَ الْقَوْل إِنْ كَانَ مِنْهُمْ . { وَرِزْق كَرِيم } يَقُول : وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الْمَغْفِرَة عَطِيَّة مِنَ اللَّه كَرِيمَة , وَذَلِكَ الْجَنَّة , وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَة . كَمَا : 19609 -حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة , قَالَ : ثنا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد النَّرْسِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ وَرِزْق كَرِيم فِي الْجَنَّة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19610 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : ( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا | قَالَ : وَإِنَّمَا | تَسْتَأْنِسُوا | وَهْم مِنَ الْكُتَّاب . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } وَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ خَطَأ مِنَ الْكَاتِب : | حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : (إِنَّمَا هِيَ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا , وَلَكِنَّهَا سَقْط مِنَ الْكَاتِب . )19611 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن سُلَيْمَان , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِب . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأ : | حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا | وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب . )19612 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : | حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا | قَالَ سُفْيَان : وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَقْرَؤُهَا : وَحَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا | وَقَالَ : إِنَّهَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب . )19613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَا : الِاسْتِئْنَاس : الِاسْتِئْذَان . )19614 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (فِي مُصْحَف ابْن مَسْعُود : | حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا . )* -قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : | يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا | قَالَ : وَإِنَّمَا تَسْتَأْنِسُوا وَهْم مِنَ الْكُتَّاب . )19615 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ مُغِيرَة , قَالَ مُجَاهِد : (جَاءَ ابْن عُمَر مِنْ حَاجَة وَقَدْ آذَاهُ الرَّمْضَاء , فَأَتَى فُسْطَاط امْرَأَة مِنْ قُرَيْش , فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ فَقَالَ : ادْخُلْ بِسَلَامٍ ! فَأَعَادَ , فَأَعَادَتْ , وَهُوَ يُرَاوِح بَيْن قَدَمَيْهِ , قَالَ : قُولِي ادْخُلْ ! قَالَتْ : ادْخُلْ ! فَدَخَلَ . )19616 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور , عَنِ ابْن سِيرِينَ , وَأَخْبَرَنَا يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد الثَّقَفِيّ : (أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : أَلِج - أَوْ أَنَلِجُ - ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمَةٍ لَهُ يُقَال لَهَا رَوْضَة : | قُومِي إِلَى هَذَا فَكَلِّمِيهِ , فَإِنَّهُ لَا يُحْسِن يَسْتَأْذِن , فَقُولِي لَهُ يَقُول : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ | فَسَمِعَهَا الرَّجُل , فَقَالَهَا , فَقَالَ : | ادْخُلْ . )19617 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : الِاسْتِئْذَان , ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتُثْنِيَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } [24 29 ]. )19618 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَوْله : ( { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ } قَالَ : حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا . )19619 -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا . )19620 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث بْن سِوَار , عَنْ كُرْدُوس , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : (عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا عَلَى أُمَّهَاتكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ . )قَالَ أَشْعَث عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت : أَنَّ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي أَكُون فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَال الَّتِي لَا أُحِبّ أَنْ يَرَانِي أَحَد عَلَيْهَا وَالِد وَلَا وَلَد , وَأَنَّهُ لَا يَزَال يَدْخُل عَلَيَّ رَجُل مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَال ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى تُؤْنِسُوا أَهْل الْبَيْت بِالتَّنَحْنُحِ وَالتَّنَخُّم وَمَا أَشْبَهَهُ , حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ الدُّخُول عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19621 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَ : حَتَّى تَتَنَحْنَحُوا وَتَتَنَخَّمُوا . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19622 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : حَتَّى تُجَرِّسُوا وَتُسَلِّمُوا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : تَنَحْنَحُوا وَتَنَخَّمُوا . )19623 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يُخْبِر عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (ثَلَاث آيَات قَدْ جَحَدَهُنَّ النَّاس , قَالَ اللَّه : { إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ } [49 13 ]. قَالَ : وَيَقُولُونَ : إِنَّ أَكْرَمهمْ عِنْد اللَّه أَعْظَمهمْ شَأْنًا . قَالَ : وَالْإِذْن كُلّه قَدْ جَحَدَهُ النَّاس ; فَقُلْت لَهُ : أَسْتَأْذِن عَلَى أَخَوَاتِي أَيْتَام فِي حِجْرِي مَعِي فِي بَيْت وَاحِد ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَرَدَّدْت عَلَى مَنْ حَضَرَنِي , فَأَبَى , قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة ؟ قُلْت : لَا . قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ ! فَرَاجَعْته أَيْضًا , قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تُطِيع اللَّه ؟ قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ ! فَقَالَ لِي سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّك لَتُرَدِّد عَلَيْهِ ! قُلْت : أَرَدْت أَنْ يُرَخِّص لِي . )19624 - قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (مَا مِنْ امْرَأَة أَكْرَه إِلَيَّ أَنْ أَرَى - كَأَنَّهُ يَقُول عُرْيَتهَا أَوْ عُرْيَانَة - مِنْ ذَات مَحْرَم . )قَالَ : وَكَانَ يُشَدِّد فِي ذَلِكَ . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا , فَوَاجِب عَلَى النَّاس أَجْمَعِينَ إِذَا احْتَلَمُوا أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاس . قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَى الرَّجُل أَنْ يَسْتَأْذِن عَلَى أُمّه وَمَنْ وَرَاءَهَا مِنْ ذَات قَرَابَته ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْت : أَبِرّ وَجَبَ ؟ قَالَ قَوْله : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا } [24 59 ]. )قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي ابْن زِيَاد : أَنَّ صَفْوَان مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَة , أَخْبَرَهُ عَنْ عَطَاء بْن يَسَار : (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْتَأْذِن عَلَى أُمِّي ؟ قَالَ : | نَعَمْ | . قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَ لَهَا خَادِم غَيْرِي , أَفَأَسْتَأْذِن عَلَيْهَا كُلَّمَا دَخَلْت ؟ قَالَ : | أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة ؟ | قَالَ الرَّجُل : لَا . قَالَ : | فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا . )قَالَ ابْن جُرَيْج عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : سَمِعْت هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل الْأَوْدِيّ الْأَعْمَى , أَنَّهُ سَمِعَ ابْن مَسْعُود يَقُول : (عَلَيْكُمْ الْإِذْن عَلَى أُمَّهَاتكُمْ . )19625 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : (أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُل عَلَى امْرَأَته ؟ قَالَ : لَا . )19626 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَازِم , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنِ ابْن أَخِي زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود , عَنْ زَيْنَب قَالَتْ : (كَانَ عَبْد اللَّه إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَة فَانْتَهَى إِلَى الْبَاب , تَنَحْنَحَ وَبَزَقَ , كَرَاهَة أَنْ يَهْجُم مِنَّا عَلَى أَمْر يَكْرَههُ . )19627 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : الِاسْتِئْنَاس : التَّنَحْنُح وَالتَّجَرُّس , حَتَّى يَعْرِفُوا أَنْ قَدْ جَاءَهُمْ أَحَد . قَالَ : وَالتَّجَرُّس : كَلَامه وَتَنَحْنُحه . )وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ الِاسْتِئْنَاس : الِاسْتِفْعَال مِنَ الْأُنْس , وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْذِن أَهْل الْبَيْت فِي الدُّخُول عَلَيْهِمْ , مُخْبِرًا بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ , وَهَلْ فِيهِ أَحَد ؟ وَلْيُؤْذِنْهُمْ أَنَّهُ دَاخِل عَلَيْهِمْ , فَلْيَأْنَسْ إِلَى إِذْنهمْ لَهُ فِي ذَلِكَ , وَيَأْنَسُوا إِلَى اسْتِئْذَانه إِيَّاهُمْ . وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا : اذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ , هَلْ تَرَى أَحَدًا فِي الدَّار ؟ بِمَعْنَى : انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا أَحَدًا ؟ فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ , إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا , وَذَلِكَ أَنْ يَقُول أَحَدكُمْ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ وَهُوَ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , إِنَّمَا هُوَ : حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا , كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَة عَنِ ابْن عَبَّاس .|أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ|وَقَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : اسْتِئْنَاسكُمْ وَتَسْلِيمكُمْ عَلَى أَهْل الْبَيْت الَّذِي تُرِيدُونَ دُخُوله , فَإِنَّ دُخُولكُمُوهُ خَيْر لَكُمْ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُوهُ بِغَيْرِ إِذْن , عَلَى مَاذَا تَهْجُمُونَ ؟ عَلَى مَا يَسُوءكُمْ أَوْ يَسُرّكُمْ ؟ وَأَنْتُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بِإِذْنٍ لَمْ تَدْخُلُوا عَلَى مَا تَكْرَهُونَ , وَأَدَّيْتُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الِاسْتِئْذَان وَالسَّلَام .|لَكُمْ لَعَلَّكُمْ|وَقَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ أَوْ اللَّه عَلَيْكُمْ , وَاللَّازِم لَكُمْ مِنْ طَاعَته , فَتُطِيعُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَن لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِي الْبُيُوت الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا أَحَدًا يَأْذَن لَكُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا , فَلَا تَدْخُلُوهَا , لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَكُمْ , فَلَا يَحِلّ لَكُمْ دُخُولهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابهَا , فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ أَرْبَابهَا أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا . { وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا } يَقُول : وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَهْل الْبُيُوت الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا ارْجِعُوا فَلَا تَدْخُلُوهَا , فَارْجِعُوا عَنْهَا وَلَا تَدْخُلُوهَا ; { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } يَقُول : رُجُوعكُمْ عَنْهَا إِذَا قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا , وَلَمْ يُؤْذَن لَكُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا , أَطْهَر لَكُمْ عِنْد اللَّه . وَقَوْله : { هُوَ } كِنَايَة مِنْ اسْم الْفِعْل , أَعْنِي مِنْ قَوْله : { فَارْجِعُوا } . وَكَأَنَّ مُجَاهِد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 19628 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا } قَالَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاع , فَلَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِذْنٍ . { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا } . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19629 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم الْمُزَنِيّ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (قَالَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ : لَقَدْ طَلَبْت عُمْرِي كُلّه هَذِهِ الْآيَة فَمَا أَدْرَكْتهَا : أَنْ أَسْتَأْذِن عَلَى بَعْض إِخْوَانِي , فَيَقُول لِي : ارْجِعْ , فَأَرْجِع وَأَنَا مُغْتَبِط , لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . )وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا } بِمَعْنَى : إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاع , قَوْل بَعِيد مِنْ مَفْهُوم كَلَام الْعَرَب ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَقُول : لَيْسَ بِمَكَانِ كَذَا أَحَد , إِلَّا وَهِيَ تَعْنِي لَيْسَ بِهَا أَحَد مِنْ بَنِي آدَم . وَأَمَّا الْأَمْتِعَة وَسَائِر الْأَشْيَاء غَيْر بَنِي آدَم وَمَنْ كَانَ سَبِيله سَبِيلهمْ فَلَا تَقُول ذَلِكَ فِيهَا .|وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ|وَقَوْله : { وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعكُمْ بَعْد اسْتِئْذَانكُمْ فِي بُيُوت غَيْركُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا وَتَرْك رُجُوعكُمْ عَنْهَا وَطَاعَتكُمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ أَمْره وَنَهْيه , ذُو عِلْم مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , مُحْصٍ جَمِيعه عَلَيْكُمْ , حَتَّى يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس إِثْم وَحَرَج أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَا سَاكِن بِهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَان . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيّ الْبُيُوت عَنَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا الْخَانَات وَالْبُيُوت الْمَبْنِيَّة بِالطُّرُقِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا سُكَّان مَعْرُوفُونَ , وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِمَارَّةِ الطَّرِيق وَالسَّابِلَة لِيَأْوُوا إِلَيْهَا وَيُؤْوُوا إِلَيْهَا أَمْتِعَتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19630 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْخَانَات الَّتِي تَكُون فِي الطُّرُق . )19631 -حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُسْلِم , قَالَ : ثنا عُمَر بْن فَرُّوخ , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يَقُول : ( { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْخَانَات تَكُون لِأَهْلِ الْأَسْفَار . )19632 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ فِي بُيُوت فِي طُرُق الْمَدِينَة مَتَاعًا وَأَقْتَابًا , فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا . )19633 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْبُيُوت الَّتِي يَنْزِلهَا السُّفَّر , لَا يَسْكُنهَا أَحَد . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : كَانُوا يَصْنَعُونَ أَوْ يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة أَقْتَابًا وَأَمْتِعَة فِي بُيُوت لَيْسَ فِيهَا أَحَد , فَأُحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْن . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة ; بِغَيْرِ شَكّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة أَقْتَابًا وَأَمْتِعَة . 19634 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } هِيَ الْبُيُوت الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَهْل , وَهِيَ الْبُيُوت الَّتِي تَكُون بِالطُّرُقِ وَالْخَرِبَة . { فِيهَا مَتَاع } مَنْفَعَة لِلْمُسَافِرِ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف , يَأْوِي إِلَيْهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ بُيُوت مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19635 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ سَعِيد بْن سَائِق , عَنِ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , عَنْ سَالِم بْن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة , فِي : { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ بُيُوت مَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْبُيُوت الْخَرِبَة , وَالْمَتَاع الَّذِي قَالَ اللَّه فِيهَا لَكُمْ قَضَاء الْحَاجَة مِنْ الْخَلَاء وَالْبَوْل فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19636 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : الْخَلَاء وَالْبَوْل . )19637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عِيسَى بْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : التَّخَلِّي فِي الْخَرَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ بُيُوت التُّجَّار الَّتِي فِيهَا أَمْتِعَة النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19638 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : بُيُوت التُّجَّار , لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْن , الْحَوَانِيت الَّتِي بِالْقَيْسَارِيَّات وَالْأَسْوَاق . وَقَرَأَ : { فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } مَتَاع لِلنَّاسِ , وَلِبَنِي آدَم . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } كُلّ بَيْت لَا سَاكِن بِهِ لَنَا فِيهِ مَتَاع نَدْخُلهُ بِغَيْرِ إِذْن ; لِأَنَّ الْإِذْن إِنَّمَا يَكُون لِيُؤْنِس الْمَأْذُون عَلَيْهِ قَبْل الدُّخُول , أَوْ لِيَأْذَن لِلدَّاخِلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالِكًا أَوْ كَانَ فِيهِ سَاكِنًا . فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا مَالِك لَهُ , فَيَحْتَاج إِلَى إِذْنه لِدُخُولِهِ وَلَا سَاكِن فِيهِ , فَيَحْتَاج الدَّاخِل إِلَى إِينَاسه وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ , لِئَلَّا يَهْجُم عَلَى مَا لَا يُحِبّ رُؤْيَته مِنْهُ , فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ , فَلَا وَجْه لِتَخْصِيصِ بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض , فَكُلّ بَيْت لَا مَالِك لَهُ وَلَا سَاكِن مِنْ بَيْت مَبْنِيّ بِبَعْضِ الطُّرُق لِلْمَارَّةِ وَالسَّابِلَة لِيَأْوُوا إِلَيْهِ , أَوْ بَيْت خَرَاب قَدْ بَادَ أَهْله وَلَا سَاكِن فِيهِ , حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ , فَإِنَّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُوله أَنْ يَدْخُل بِغَيْرِ اسْتِئْذَان , لِمَتَاعٍ لَهُ يُؤْوِيه إِلَيْهِ أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِ لِقَضَاءِ حَقّه مِنْ بَوْل أَوْ غَائِط أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَأَمَّا بُيُوت التُّجَّار , فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابهَا وَسُكَّانهَا . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ التَّاجِر إِذَا فَتَحَ دُكَّانه وَقَعَدَ لِلنَّاسِ فَقَدْ أَذِنَ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُول عَلَيْهِ فِي دُخُوله , فَإِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُول مِلْك غَيْره بِغَيْرِ ضَرُورَة أَلْجَأَتْهُ إِلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَب أَبَاحَ لَهُ دُخُوله إِلَّا بِإِذْنِ رَبّه , لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَتَاع ; فَإِنْ كَانَ التَّاجِر قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّ فَتْحه حَانُوته إِذْن مِنْهُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُوله فِي الدُّخُول , فَذَلِكَ بَعْد رَجْع إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلهُ مَنْ دَخَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْنَى قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّ الَّتِي وَضَعَ اللَّه عَنَّا الْجُنَاح فِي دُخُولهَا بِغَيْرِ إِذْن مِنْ الْبُيُوت , هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا , إِذْ حَانُوت التَّاجِر لَا سَبِيل إِلَى دُخُوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَسْكُون , فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا عَنَى اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة بِمَعْزِلٍ . وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : هَذِهِ الْآيَة مُسْتَثْنَاة مِنْ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19639 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ } ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } . )19640 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنِ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } ... الْآيَة , فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ , وَاسْتُثْنِيَ فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } . ) وَلَيْسَ فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } ; لِأَنَّ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } حُكْم مِنَ اللَّه فِي الْبُيُوت الَّتِي لَهَا سُكَّان وَأَرْبَاب . وَقَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } حُكْم مِنْهُ فِي الْبُيُوت الَّتِي لَا سُكَّان لَهَا وَلَا أَرْبَاب مَعْرُوفُونَ , فَكُلّ وَاحِد مِنَ الْحُكْمَيْنِ حُكْم فِي مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر , وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى الشَّيْء مِنَ الشَّيْء إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسه أَوْ نَوْعه فِي الْفِعْل أَوْ النَّفْس , فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ .|وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ|وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم مَا تُظْهِرُونَ أَيّهَا النَّاس بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الِاسْتِئْذَان إِذَا اسْتَأْذَنْتُمْ عَلَى أَهْل الْبُيُوت الْمَسْكُونَة , { وَمَا تَكْتُمُونَ } يَقُول : وَمَا تُضْمِرُونَهُ فِي صُدُوركُمْ عِنْد فِعْلكُمْ ذَلِكَ مَا الَّذِي تَقْصِدُونَ بِهِ : إِطَاعَة اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره , أَمْ غَيْر ذَلِكَ ؟ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ } بِاللَّهِ وَبِك يَا مُحَمَّد { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } يَقُول : يَكُفُّوا مِنْ نَظَرهمْ إِلَى مَا يَشْتَهُونَ النَّظَر إِلَيْهِ مِمَّا قَدْ نَهَاهُمْ اللَّه عَنِ النَّظَر إِلَيْهِ . { وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ رُؤْيَتهَا , بِلُبْسِ مَا يَسْتُرهَا عَنْ أَبْصَارهمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19641 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } قَالَ : كُلّ فَرْج ذُكِرَ حِفْظه فِي الْقُرْآن فَهُوَ مِنْ الزِّنَا , إِلَّا هَذِهِ : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي السَّتْر . )19642 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } قَالَ : يَغُضُّوا أَبْصَارهمْ عَمَّا يَكْرَه اللَّه . )19643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } قَالَ : يَغُضّ مِنْ بَصَره : أَنْ يَنْظُر إِلَى مَا لَا يَحِلّ لَهُ , إِذَا رَأَى مَا لَا يَحِلّ لَهُ غَضَّ مِنْ بَصَره , لَا يَنْظُر إِلَيْهِ , وَلَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يَغُضّ بَصَره كُلّه , إِنَّمَا قَالَ اللَّه : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } . )|ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ|يَقُول : فَإِنَّ غَضّهَا مِنَ النَّظَر عَمَّا لَا يَحِلّ النَّظَر إِلَيْهِ وَحِفْظ الْفَرْج عَنْ أَنْ يَظْهَر لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ , أَطْهَر لَهُمْ عِنْد اللَّه وَأَفْضَل .|إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ|يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة بِمَا تَصْنَعُونَ أَيّهَا النَّاس فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضّ أَبْصَاركُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ وَحِفْظ فُرُوجكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقُلْ } يَا مُحَمَّد { لِلْمُؤْمِنَاتِ } مِنْ أُمَّتك { يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ } عَمَّا يَكْرَه اللَّه النَّظَر إِلَيْهِ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْ النَّظَر إِلَيْهِ ;|وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ|يَقُول : وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ عَنْ أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ رُؤْيَتهَا , بِلُبْسِ مَا يَسْتُرهَا عَنْ أَبْصَارهمْ .|وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا|وَقَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يُظْهِرْنَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا لَهُنَّ بِمَحْرَمٍ زِينَتهنَّ , وَهُمَا زِينَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : مَا خَفِيَ , وَذَلِكَ كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ وَالْقَلَائِد . وَالْأُخْرَى : مَا ظَهَرَ مِنْهَا , وَذَلِكَ مُخْتَلَف فِي الْمَعْنَى مِنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة , فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : زِينَة الثِّيَاب الظَّاهِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19644 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : (الزِّينَة زِينَتَانِ : فَالظَّاهِرَة مِنْهَا الثِّيَاب , وَمَا خَفِيَ : الْخَلْخَالَانِ وَالْقُرْطَانِ وَالسِّوَارَانِ . )19645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } : قَالَ : هِيَ الثِّيَاب . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 19646 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } : قَالَ : الثِّيَاب . )19647 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَعْض أَصْحَابنَا - إِمَّا يُونُس , وَإِمَّا غَيْره - عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . )* -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . )قَالَ أَبُو إِسْحَاق : (أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } [7 31 ؟ . )19648 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْفَضْل , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , عَنِ ابْن مَسْعُود : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ الرِّدَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : الظَّاهِر مِنْ الزِّينَة الَّتِي أُبِيحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيه : الْكُحْل , وَالْخَاتَم , وَالسِّوَارَانِ , وَالْوَجْه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19649 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَرْوَان , قَالَ : ثنا مُسْلِم الْمَلَائِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكُحْل وَالْخَاتَم . )19650 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ مُسْلِم الْمَلَائِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله , وَلَمْ يَذْكُر ابْن عَبَّاس . 19651 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه نَهْشَل , عَنِ الضَّحَّاك , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (الظَّاهِر مِنْهَا : الْكُحْل وَالْخَدَّانِ . )19652 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْوَجْه وَالْكَفّ . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز الْمَكِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 19653 -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , عَنْ عَطَاء فِي قَوْل اللَّه : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكَفَّانِ وَالْوَجْه . )19654 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : (الْكُحْل , وَالسِّوَارَانِ وَالْخَاتَم . )19655 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : وَالزِّينَة الظَّاهِرَة : الْوَجْه , وَكُحْل الْعَيْن , وَخِضَاب الْكَفّ , وَالْخَاتَم ; فَهَذِهِ تَظْهَر فِي بَيْتهَا لِمَنْ دَخَلَ مِنْ النَّاس عَلَيْهَا . )19656 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْمَسَكَتَانِ وَالْخَاتَم وَالْكُحْل . )قَالَ قَتَادَة : وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ تُخْرِج يَدهَا إِلَّا إِلَى هَا هُنَا | . وَقَبَضَ نِصْف الذِّرَاع . )19657 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنِ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْقُلْبَيْنِ , وَالْخَاتَم , وَالْكُحْل : يَعْنِي السِّوَار . )19658 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْخَاتَم وَالْمَسَكَة . )قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَتْ عَائِشَة : (الْقُلْب وَالْفَتْخَة , )قَالَتْ عَائِشَة : (دَخَلَتْ عَلَيَّ ابْنَة أَخِي لِأُمِّي عَبْد اللَّه بْن الطُّفَيْل مُزَيَّنَة , فَدَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْرَضَ , فَقَالَتْ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا ابْنَة أَخِي وَجَارِيَة . فَقَالَ : | إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَة لَمْ يَحِلّ لَهَا أَنْ تُظْهِر إِلَّا وَجْههَا , وَإِلَّا مَا دُون هَذَا | , وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاع نَفْسه , فَتَرَكَ بَيْن قَبْضَته وَبَيْن الْكَفّ مِثْل قَبْضَة أُخْرَى . )وَأَشَارَ بِهِ أَبُو عَلِيّ قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد : قَوْله : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكُحْل وَالْخِضَاب وَالْخَاتَم . )19659 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ ثنا حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ عَامِر : ( { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ الْكُحْل , وَالْخِضَاب , وَالثِّيَاب . )19660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } مِنْ الزِّينَة الْكُحْل , وَالْخِضَاب وَالْخَاتَم ; هَكَذَا كَانُوا يَقُولُونَ وَهَذَا يَرَاهُ النَّاس . )19661 -حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : (سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْه . )19662 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن بُنْدُق , قَالَ ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْل : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } قَالَ الْكَفّ وَالْوَجْه . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ الْوَجْه وَالثِّيَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19663 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : قَالَ يُونُس ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ الْحَسَن : الْوَجْه وَالثِّيَاب . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْوَجْه وَالثِّيَاب . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْه وَالْكَفَّانِ , يَدْخُل فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ الْكُحْل , وَالْخَاتَم , وَالسِّوَار , وَالْخِضَاب . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ ; لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ عَلَى كُلّ مُصَلٍّ أَنْ يَسْتُر عَوْرَته فِي صَلَاته , وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِف وَجْههَا وَكَفَّيْهَا فِي صَلَاتهَا , وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُر مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَدَنهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيه مِنْ ذِرَاعهَا إِلَى قَدْر النِّصْف . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِي مِنْ بَدَنهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَة كَمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ ; لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَة فَغَيْر حَرَام إِظْهَاره . وَإِذَا كَانَ لَهَا إِظْهَار ذَلِكَ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ ظَاهِر مِنْهَا.|وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ|وَقَوْله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلْيُلْقِينَ خُمُرهنَّ , وَهِيَ جَمْع خِمَار , عَلَى جُيُوبهنَّ , لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورهنَّ وَأَعْنَاقهنَّ وَقُرْطهنَّ . 19664 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن نَافِع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن يَنَاق , عَنْ صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } قَالَ شَقَقْنَ الْبُرْد مِمَّا يَلِي الْحَوَاشِي , فَاخْتَمَرْنَ بِهِ . )19665 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , أَنَّ قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَخْبَرَهُ , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : (يَرْحَم اللَّه النِّسَاء الْمُهَاجِرَات الْأُوَل ! لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } شَقَقْنَ أَكْثَف مُرُوطهنَّ , فَاخْتَمَرْنَ بِهِ .)|وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ|وَقَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } الَّتِي هِيَ غَيْر ظَاهِرَة بَلْ الْخَفِيَّة مِنْهَا , وَذَلِكَ الْخَلْخَال وَالْقُرْط وَالدُّمْلُج , وَمَا أُمِرَتْ بِتَغْطِيَتِهِ بِخِمَارِهَا مِنْ فَوْق الْجَيْب , وَمَا وَرَاء مَا أُبِيحَ لَهَا كَشْفه وَإِبْرَازه فِي الصَّلَاة وَلِلْأَجْنَبِيِّينَ مِنَ النَّاس , وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى فَوْق ذَلِكَ , إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19666 - ابْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } قَالَ : هَذِهِ مَا فَوْق الذِّرَاع . )19667 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث عَنْ طَلْحَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتهنَّ } قَالَ : مَا فَوْق الْجَيْب . )قَالَ شُعْبَة : كَتَبَ بِهِ مَنْصُور إِلَيَّ , وَقَرَأْته عَلَيْهِ . 19668 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } قَالَ تُبْدِي لِهَؤُلَاءِ الرَّأْس . )19669 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } ... إِلَى قَوْله : { عَوْرَات النِّسَاء } قَالَ : الزِّينَة الَّتِي يُبْدِينَهَا لِهَؤُلَاءِ : قُرْطَاهَا وَقِلَادَتهَا وَسِوَارهَا , فَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرهَا وَشَعْرهَا فَإِنَّهُ لَا تُبْدِيه إِلَّا لِزَوْجِهَا . )19670 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ : ابْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } قَالَ : الطَّوْق وَالْقُرْطَيْنِ , يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِر لَا يُظْهِرْنَ هَذِهِ الزِّينَة الْخَفِيَّة الَّتِي لَيْسَتْ بِالظَّاهِرَةِ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ , وَهُمْ أَزْوَاجهنَّ , وَاحِدهمْ : بَعْل , أَوْ لِآبَائِهِنَّ , أَوْ لِأَبْنَاءِ بُعُولَتهنَّ , أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ , أَوْ لِبَنِي إِخْوَانهنَّ . )وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ } أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ , أَوْ لِبَنِي إِخْوَانهنَّ , أَوْ بَنِي أَخَوَاتهنَّ , أَوْ نِسَائِهِمْ . قِيلَ : عُنِيَ بِذَلِكَ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19671 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُنَّ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ , لَا يَحِلّ لِمُسْلِمَةٍ أَنْ تَرَى مُشْرِكَة عُرْيَتهَا إِلَّا أَنْ تَكُون أَمَة لَهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } . )19672 - قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هِشَام بْن الْغَازِيّ , عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ : (أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُقَبِّل النَّصْرَانِيَّة الْمُسْلِمَة , أَوْ تَرَى عَوْرَتهَا , وَيَتَأَوَّل : أَوْ نِسَائِهِنَّ . )19673 - قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هِشَام , عَنْ عُبَادَة , قَالَ : (كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمَا : أَمَّا بَعْد , فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاء يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَات وَمَعَهُنَّ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب , فَامْنَعْ ذَلِكَ وَحُلْ دُونه ! قَالَ : ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَة قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَام مُبْتَهِلًا : اللَّهُمَّ أَيّمَا امْرَأَة تَدْخُل الْحَمَّام مِنْ غَيْر عِلَّة وَلَا سَقَم تُرِيد الْبَيَاض لِوَجْهِهَا , فَسَوِّدْ وَجْههَا يَوْم تَبْيَضّ الْوُجُوه . )وَقَوْله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ : بَعْضهمْ : أَوْ مَمَالِيكهنَّ , فَإِنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْهَا أَنْ تُظْهِر لَهُمْ مِنْ زِينَتهَا مَا تُظْهِرهُ لِهَؤُلَاءِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19674 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ مَخْلَد التَّمِيمِيّ , أَنَّهُ قَالَ , فِي قَوْله : ( { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } قَالَ : فِي الْقِرَاءَة الْأُولَى : | أَيْمَانكُمْ . )وَقَالَ : آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ مِنْ إِمَاء الْمُشْرِكِينَ , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْن جُرَيْج قَبْل مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } عَنَى بِهِنَّ النِّسَاء الْمُسْلِمَات دُون الْمُشْرِكَات , ثُمَّ قَالَ : أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ مِنَ الْإِمَاء الْمُشْرِكَات .|أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَكُمْ لِطَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ عِنْدكُمْ , مِمَّنْ لَا أَرَب لَهُ فِي النِّسَاء مِنَ الرِّجَال , وَلَا حَاجَة إِلَيْهِنَّ , وَلَا يُرِيدهُنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19675 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَتَّبِع الرَّجُل فِي الزَّمَان الْأَوَّل لَا يَغَار عَلَيْهِ وَلَا تَرْهَب الْمَرْأَة أَنْ تَضَع خِمَارهَا عِنْده , وَهُوَ الْأَحْمَق الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء . )19676 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } فَهَذَا الرَّجُل يَتَّبِع الْقَوْم , وَهُوَ مُغَفَّل فِي عَقْله , لَا يَكْتَرِث لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ , فَالزِّينَة الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلَاءِ : قُرْطَاهَا وَقِلَادَتهَا وَسِوَارَاهَا ; وَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرهَا وَشَعْرهَا , فَإِنَّهَا لَا تُبْدِيه إِلَّا لِزَوْجِهَا . )19677 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ } قَالَ : هُوَ التَّابِع يَتْبَعك يُصِيب مِنْ طَعَامك . )19678 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : الَّذِي يُرِيد الطَّعَام وَلَا يُرِيد النِّسَاء . )* - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } الَّذِينَ لَا يَهُمّهُمْ إِلَّا بُطُونهمْ , وَلَا يَخَافُونَ عَلَى النِّسَاء . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19679 -حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : الْأَبْلَه . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الْأَبْلَه , الَّذِي لَا يَعْرِف شَيْئًا مِنَ النِّسَاء . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } الَّذِي لَا أَرَب لَهُ بِالنِّسَاءِ مِثْل فُلَان . )19680 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الَّذِي لَا تَسْتَحْيِي مِنْهُ النِّسَاء . )19681 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : مِنْ تَبَع الرَّجُل وَحَشَمه ; الَّذِي لَمْ يَبْلُغ أَرَبه أَنْ يَطَّلِع عَلَى عَوْرَة النِّسَاء . )19682 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : الَّذِي لَا أَرَب لَهُ فِي النِّسَاء . )19683 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (الْمَعْتُوه . )19684 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : هُوَ الْأَحْمَق , الَّذِي لَا هِمَّة لَهُ بِالنِّسَاءِ وَلَا أَرَب . )19685 - وَبِهِ عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : ( { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } يَقُول : الْأَحْمَق , الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ هِمَّة فِي النِّسَاء . )19686 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : (الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء . )19687 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَتْبَع الْقَوْم , حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ وَنَشَأَ فِيهِمْ , وَلَيْسَ يَتْبَعهُمْ لِإِرْبَةِ نِسَائِهِمْ , وَلَيْسَ لَهُ فِي نِسَائِهِمْ إِرْبَة , وَإِنَّمَا يَتْبَعهُمْ لِإِرْفَاقِهِمْ إِيَّاهُ . )19688 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : (كَانَ رَجُل يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث , فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة , فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بَعْض نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَت امْرَأَة , فَقَالَ : إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ , وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ . فَقَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا أَرَى هَذَا يَعْلَم مَا هَا هُنَا , لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ ! | فَحَجَبُوهُ . )19689 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر الْعَدَنِيّ , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الْمُخَنَّث الَّذِي لَا يَقُوم زُبّه . )وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الشَّام وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : | غَيْر أُولِي الْإِرْبَة | بِنَصْبِ | غَيْر | ; وَلِنَصْبِ | غَيْر | هَا هُنَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا عَلَى الْقَطْع مِنْ | التَّابِعِينَ | , لِأَنَّ | التَّابِعِينَ | مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة , وَالْآخَر عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَتَوْجِيه | غَيْر | إِلَى مَعْنَى | إِلَّا | , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَّا . وَقَرَأَ غَيْر مَنْ ذَكَرْت بِخَفْضِ { غَيْر } عَلَى أَنَّهَا نَعْت لِلتَّابِعِينَ , وَجَازَ نَعْت | التَّابِعِينَ | بِ | غَيْر | وَ | التَّابِعُونَ | مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة ; لِأَنَّ | التَّابِعِينَ | مَعْرِفَة غَيْر مُؤَقَّتَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : أَوْ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضَة الْقِرَاءَة بِهِمَا فِي الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ الْخَفْض فِي | غَيْر | أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّة , فَالْقِرَاءَة بِهِ أَعْجَب إِلَيَّ , وَالْإِرْبَة : الْفِعْلَة مِنَ الْأَرَب , الْمِثْل الْجِلْسَة مِنَ الْجُلُوس , وَالْمِشْيَة مِنَ الْمَشْي , وَهِيَ الْحَاجَة ; يُقَال : لَا أَرَب لِي فِيك : لَا حَاجَة لِي فِيك ; وَكَذَا أَرِبْت لِكَذَا وَكَذَا إِذَا احْتَجْت إِلَيْهِ , فَأَنَا آرِب لَهُ أَرَبًا. فَأَمَّا الْأُرْبَة , بِضَمِّ الْأَلِف : فَالْعُقْدَة .|أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ|وَقَوْله : { أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَات النِّسَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَات النِّسَاء بِجِمَاعِهِنَّ فَيَظْهَرُوا عَلَيْهِنَّ لِصِغَرِهِنَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19690 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَلَى عَوْرَات النِّسَاء } قَالَ : لَمْ يَدْرُوا مَا ثَمَّ , مِنْ الصِّغَر قَبْل الْحُلُم . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ|وَقَوْله : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَجْعَلْنَ فِي أَرْجُلهنَّ مِنَ الْحُلِيّ مَا إِذَا مَشَيْنَ أَوْ حَرَكْنَهُنَّ عَلِمَ النَّاس الَّذِينَ مَشَيْنَ بَيْنهمْ مَا يُخْفِينَ مِنْ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19691 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ (أَنَّ امْرَأَة اتَّخَذَتْ بُرَتَيْنِ مِنْ فِضَّة , وَاتَّخَذَتْ جَزْعًا , فَمَرَّتْ عَلَى قَوْم , فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا , فَوَقَعَ الْخَلْخَال عَلَى الْجَزْع , فَصَوَّتَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } . )19692 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : ( { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : كَانَ فِي أَرْجُلهمْ خَرَز , فَكُنَّ إِذَا مَرَرْنَ بِالْمَجَالِسِ حَرَّكْنَ أَرْجُلهنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ . )19693 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } فَهُوَ أَنْ تَقْرَع الْخَلْخَال بِالْآخَرِ عِنْد الرِّجَال , وَيَكُون فِي رِجْلَيْهَا خَلَاخِل فَتُحَرِّكهُنَّ عِنْد الرِّجَال , فَنَهَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان . )19694 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : هُوَ الْخَلْخَال , لَا تَضْرِب امْرَأَة بِرِجْلِهَا لِيُسْمَع صَوْت خَلْخَالهَا . )19695 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : الْأَجْرَاس مِنْ حُلِيّهنَّ يَجْعَلْنَهَا فِي أَرْجُلهنَّ فِي مَكَان الْخَلَاخِل , فَنَهَاهُنَّ اللَّه أَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِتُسْمَع تِلْكَ الْأَجْرَاس .)|وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ|وَقَوْله : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَارْجِعُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , مِنْ غَضّ الْبَصَر وَحِفْظ الْفَرْج وَتَرْك دُخُول بُيُوت غَيْر بُيُوتكُمْ مِنْ غَيْر اسْتِئْذَان وَلَا تَسْلِيم , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْره وَنَهْيه .|لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ|يَقُول : لِتُفْلِحُوا وَتُدْرِكُوا طَلَبَاتكُمْ لَدَيْهِ , إِذَا أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ }. </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَزَوِّجُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ لَا زَوْج لَهُ مِنْ أَحْرَار رِجَالكُمْ وَنِسَائِكُمْ , وَمِنْ أَهْل الصَّلَاح مِنْ عَبِيدكُمْ وَمَمَالِيككُمْ . وَالْأَيَامَى : جَمْع أَيِّم , إِنَّمَا جَمَعَ أَيَامَى لِأَنَّهَا فَعِيلَة فِي الْمَعْنَى , فَجُمِعَتْ كَذَلِكَ كَمَا جُمِعَتِ الْيَتِيمَة : يَتَامَى ; وَمِنْهُ قَوْل جَمِيل . <br>أُحِبّ الْأَيَامَى إِذْ بُثَيْنَة أَيِّم .......... وَأَحْبَبْت لَمَّا أَنْ غَنِيَتِ الْغَوَانِيَا <br>وَلَوْ جُمِعَتْ أَيَائِم كَانَ صَوَابًا . وَالْأَيِّم يُوصَف بِهِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى , يُقَال : رَجُل أَيِّم , وَامْرَأَة أَيِّم وَأَيِّمَة : إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِح وَإِنْ تَتَأَيَّمِي .......... وَإِنْ كُنْت أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّم<br>|إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ|يَقُول : إِنْ يَكُنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَنْكِحُونَهُمْ مِنْ أَيَامَى رِجَالكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَعَبِيدكُمْ وَإِمَائِكُمْ أَهْل فَاقَة وَفَقْر , فَإِنَّ اللَّه يُغْنِيهِمْ مِنْ فَضْله , فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ فَقْرهمْ مِنْ إِنْكَاحهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19696 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ } قَالَ : أَمَرَ اللَّه سُبْحَانه بِالنِّكَاحِ , وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا أَحْرَارهمْ وَعَبِيدهمْ , وَوَعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْغِنَى , فَقَالَ : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّه مِنْ فَضْله } . )19697 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن أَبُو الْحَسَن - وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح مَوْلَى هَذَا - قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن الْوَلِيد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاح , يَقُول اللَّه : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّه مِنْ فَضْله } . )19698 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن , وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } قَالَ : أَيَامَى النِّسَاء : اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ أَزْوَاج .)|وَاللَّهُ وَاسِعٌ|وَقَوْله : { وَاللَّه وَاسِع } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاللَّه وَاسِع الْفَضْل جَوَاد بِعَطَايَاهُ , فَزَوِّجُوا إِمَاءَكُمْ , فَإِنَّ اللَّه وَاسِع يُوَسِّع عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله إِنْ كَانُوا فُقَرَاء .|عَلِيمٌ|يَقُول : هُوَ ذُو عِلْم بِالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالْغَنِيّ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَال خَلْقه فِي شَيْء وَتَدْبِيرهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ } مَا يَنْكِحُونَ بِهِ النِّسَاء عَنْ إِتْيَان مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاحِش , { حَتَّى يُغْنِيهِمُ اللَّه مِنْ } سَعَة { فَضْله } وَيُوَسِّع عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقه .|وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا|وَقَوْله : { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَاب مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَالَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الْمُكَاتَبَة مِنْكُمْ مِنْ مَمَالِيككُمْ , { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وَجْه مُكَاتَبَة الرَّجُل عَبْده الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا , وَهَلْ قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } عَلَى وَجْه الْفَرْض أَمْ هُوَ عَلَى وَجْه النَّدْب ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : فَرْض عَلَى الرَّجُل أَنْ يُكَاتِب عَبْده الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا إِذَا سَأَلَهُ الْعَبْد ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19699 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْج , قَالَ : (قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَيَّ إِذَا عَلِمْت مَالًا أَنْ أُكَاتِبهُ ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا , وَقَالَهَا عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَد ؟ قَالَ : لَا . )19700 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , (أَنَّ سِيرِينَ , أَرَادَ أَنْ يُكَاتِبهُ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : لَتُكَاتِبَنَّهُ ! )19701 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ إِذَا كَانَ عِنْده الْمَمْلُوك الصَّالِح الَّذِي لَهُ الْمَال يُرِيد أَنْ يُكَاتِب أَلَّا يُكَاتِبهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ غَيْر وَاجِب عَلَى السَّيِّد , وَإِنَّمَا قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ } : نَدْب مِنَ اللَّه سَادَة الْعَبِيد إِلَى كِتَابَة مَنْ عُلِمَ فِيهِ مِنْهُمْ خَيْر , لَا إِيجَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك بْن أَنَس : (الْأَمْر عِنْدنَا أَنْ لَيْسَ عَلَى سَيِّد الْعَبْد أَنْ يُكَاتِبهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ , وَلَمْ أَسْمَع بِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّة أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يُكَاتِب عَبْده , وَقَدْ سَمِعْت بَعْض أَهْل الْعِلْم إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [5 2 ] { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّه } [62 10 ]قَالَ مَالِك : فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْر أَذِنَ اللَّه فِيهِ لِلنَّاسِ , وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاس وَلَا يَلْزَم أَحَدًا . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِذَا أَرَادَ الْعَبْد مِنْ سَيِّده أَنْ يُكَاتِبهُ , فَإِنْ شَاءَ السَّيِّد أَنْ يُكَاتِبهُ كَاتَبَهُ , وَلَا يُجْبَر السَّيِّد عَلَى ذَلِكَ . )19703 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَلِيّ عَنْ زَيْد عَنْهُ ; وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبهُ , إِنَّمَا هَذَا أَمْر أَذِنَ اللَّه فِيهِ وَدَلِيل . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : وَاجِب عَلَى سَيِّد الْعَبْد أَنْ يُكَاتِبهُ إِذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا وَسَأَلَهُ الْعَبْد الْكِتَابَة ; وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِر قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ } ظَاهِر أَمْر , وَأَمْر اللَّه فَرْض الِانْتِهَاء إِلَيْهِ , مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيل مِنْ كِتَاب أَوْ سُنَّة عَلَى أَنَّهُ نَدْب , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَّة فِي كِتَابنَا الْمُسَمَّى | الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام | . وَأَمَّا الْخَيْر الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِكِتَابَةِ عَبِيدهمْ إِذَا عَلِمُوهُ فِيهِمْ , فَهُوَ الْقُدْرَة عَلَى الِاحْتِرَاف وَالْكَسْب لِأَدَاءِ مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19704 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر : (أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكَاتِب مَمْلُوكه إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَة , قَالَ : تُطْعِمنِي أَوْسَاخ النَّاس . )19705 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَة , وَلَا تُلْقُوا مُؤْنَتهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . )19706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : (سُئِلَ مَالِك بْن أَنَس , عَنْ قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِ خَيْرًا } فَقَالَ : إِنَّهُ لَيُقَال : الْخَيْر الْقُوَّة عَلَى الْأَدَاء . )19707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , قَوْل اللَّه : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : الْخَيْر : الْقُوَّة عَلَى ذَلِكَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ صِدْقًا وَوَفَاء وَأَدَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19708 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : صِدْقًا وَوَفَاء وَأَدَاء وَأَمَانَة . )19709 - قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَطَاوُس , أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَا : مَالًا وَأَمَانَة . )19710 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : أَدَاء وَأَمَانَة . )19711 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْمُغِيرَة , قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : صِدْقًا وَوَفَاء , أَوْ أَحَدهمَا . )19712 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : أَدَاء وَمَالًا . )19713 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ : عَمْرو بْن دِينَار : (أَحْسِبهُ كُلّ ذَلِكَ الْمَال وَالصَّلَاح . )19714 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان : ( { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَعْنِي : صِدْقًا وَوَفَاء وَأَمَانَة . )19715 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : إِنْ عَلِمْت فِيهِ خَيْرًا لِنَفْسِك , يُؤَدِّي إِلَيْك وَيَصْدُقك مَا حَدَّثَك , فَكَاتِبْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا . 19716 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . )19717 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : لَهُمْ مَالًا , فَكَاتِبُوهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19718 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِ خَيْرًا } قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا , كَائِنَة أَخْلَاقهمْ وَأَدْيَانهمْ مَا كَانَتْ . )19719 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زَاذَان , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : ( { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدهمْ مَالًا . )19720 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْيَافِعِيّ , عَنِ ابْن جُرَيْج , أَنَّ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , كَانَ يَقُول : (مَا نَرَاهُ إِلَّا الْمَال , يَعْنِي قَوْله : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : ثُمَّ تَلَا : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ قُوَّة عَلَى الِاحْتِرَاف وَالِاكْتِسَاب وَوَفَاء بِمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسه وَأَلْزَمَهَا وَصَدَقَ لَهْجَة . وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْأَسْبَاب الَّتِي بِمَوْلَى الْعَبْد الْحَاجَة إِلَيْهَا إِذَا كَاتَبَ عَبْده مِمَّا يَكُون فِي الْعَبْد ; فَأَمَّا الْمَال وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْر , فَإِنَّهُ لَا يَكُون فِي الْعَبْد وَإِنَّمَا يَكُون عِنْده أَوْ لَهُ لَا فِيهِ , وَاللَّه إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا مُكَاتَبَة الْعَبْد إِذَا عَلِمْنَا فِيهِ خَيْرًا لَا إِذَا عَلِمْنَا عِنْده أَوْ لَهُ , فَلِذَلِكَ لَمْ نَقُلْ : إِنَّ الْخَيْر فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهِ الْمَال .|وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ|وَقَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي أَعْطَاكُمْ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَأْمُور بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ مَنْ هُوَ ؟ وَفِي الْمَال أَيّ الْأَمْوَال هُوَ ؟ فَقَالَ : بَعْضهمْ : الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِإِعْطَاءِ الْمُكَاتَب مِنْ مَال اللَّه هُوَ مَوْلَى الْعَبْد الْمُكَاتَب , وَمَال اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِإِعْطَائِهِ مِنْهُ هُوَ مَال الْكِتَابَة , وَالْقَدْر الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْطِيه مِنْهُ الرُّبُع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19721 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْل اللَّه : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : رُبُع الْمُكَاتَبَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : رُبُع الْكِتَابَة يَحُطّهَا عَنْهُ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , , عَنْ لَيْث , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الرُّبُع مِنْ أَوَّل نُجُومه . )* - قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْله : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الرُّبُع مِنْ مُكَاتَبَته . )19722 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثني عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَعْيَن , قَالَ : (كَاتَبَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن غُلَامًا فِي أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُع , ثُمَّ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت عَلِيًّا رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُع , مَا وَضَعْت لَك شَيْئًا . )19723 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ : (أَنَّهُ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْف وَمِائَتَيْنِ , فَتَرَكَ الرُّبُع وَأَشْهَدَنِي , فَقَالَ لِي : كَانَ صَدِيقك يَفْعَل هَذَا , يَعْنِي عَلِيًّا رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , يَتَأَوَّل : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } . )19724 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ثني فَضَالَة بْن أَبِي أُمَيَّة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (كَاتَبَنِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَاسْتَقْرَضَ لِي مِنْ حَفْصَة مِائَتَيْ دِرْهَم . قُلْت : أَلَا تَجْعَلهَا فِي مُكَاتَبَتِي ؟ قَالَ : إِنِّي لَا أَدْرِي أُدْرِك ذَاكَ أَمْ لَا . )19725 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , بَلَغَنِي (أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَة أُوقِيَّة : قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ذَكَرْت ذَلِكَ لِعِكْرِمَة , فَقَالَ : هُوَ قَوْل اللَّه : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } . )19726 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول : ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتهمْ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول : ضَعُوا عَنْهُمْ مِمَّا قَاطَعْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ . )19727 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : مِمَّا أَخْرَجَ اللَّه لَكُمْ مِنْهُمْ . )19728 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : آتِهِمْ مِمَّا فِي يَدَيْك . )19729 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (كَاتَبَتْنِي زَيْنَب بِنْت قَيْس بْن مَخْرَمَة مِنْ بَنِي الْمُطَّلِب بْن عَبْد مَنَاف عَلَى عَشْرَة آلَاف , فَتَرَكَتْ لِي أَلْفًا ; وَكَانَتْ زَيْنَب قَدْ صَلَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا . )19730 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن مَسْعُود الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , مَوْلَى أَبِي أَسِيد , قَالَ : (كَاتَبَنِي أَبُو أَسِيد , عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَة مِائَة , فَجِئْته بِهَا , فَأَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا وَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْنِ . )19731 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (كَانَ ابْن عُمَر إِذَا كَاتَبَ مُكَاتَبه لَمْ يَضَع عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّل نُجُومه مَخَافَة أَنْ يَعْجَز فَتَرْجِع إِلَيْهِ صَدَقَته , وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي آخِر مُكَاتَبَته وَضَعَ عَنْهُ مَا أَحَبَّ . )19732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَافِع , قَالَ : (كَاتَبَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر غُلَامًا لَهُ يُقَال لَهُ شَرَف عَلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَلْف دِرْهَم , فَوَضَعَ مِنْ آخِر كِتَابَته خَمْسَة آلَاف , وَلَمْ يَذْكُر نَافِع أَنَّهُ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْر الَّذِي وَضَعَ لَهُ . )19733 - قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك : سَمِعْت بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول : (إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِب الرَّجُل غُلَامه , ثُمَّ يَضَع عَنْهُ مِنْ آخِر كِتَابَته شَيْئًا مُسَمًّى . قَالَ مَالِك : وَذَلِكَ أَحْسَن مَا سَمِعْت , وَعَلَى ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم وَعَمَل النَّاس عِنْدنَا . )19734 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان : (أَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يُعْطِيه الرُّبُع أَوْ أَقَلّ مِنْهُ شَيْئًا , وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ; وَأَنْ يَفْعَل ذَلِكَ حَسَن . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : هُوَ رُبُع الْمُكَاتَبَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ حَضّ مِنْ اللَّه أَهْل الْأَمْوَال عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ سَهْمهمْ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَات الْمَفْرُوضَة لَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ وَفِي الرِّقَاب } [9 60 ]قَالَ : فَالرِّقَاب الَّتِي جُعِلَ فِيهَا أَحَد سُهْمَان الصَّدَقَة الثَّمَانِيَة هُمْ الْمُكَاتَبُونَ , قَالَ : وَإِيَّاهُ عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } : أَيْ سَهْمهمْ مِنَ الصَّدَقَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19735 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنِ ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , قَوْله : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : يَحُثّ اللَّه عَلَيْهِ , يُعْطَوْنَهُ . )19736 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنِ الْحَسَن : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : حَثَّ النَّاس عَلَيْهِ ; مَوْلَاهُ وَغَيْره . )19737 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : يُعْطِي مُكَاتَبه وَغَيْره , حَثَّ النَّاس عَلَيْهِ . )19738 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : أَمَرَ مَوْلَاهُ وَالنَّاس جَمِيعًا أَنْ يُعِينُوهُ . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِمَّا آتَاهُمْ اللَّه . )19739 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : ذَلِكَ فِي الزَّكَاة عَلَى الْوُلَاة يُعْطُونَهُمْ مِنْ الزَّكَاة , يَقُول اللَّه { وَفِي الرِّقَاب } [9 60 ]. )19740 - قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ : ( { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الْفَيْء وَالصَّدَقَات . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } [9 60 ], وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَفِي الرِّقَاب } [9 60 ]فَأَمَرَ اللَّه أَنْ يُوَفُّوهَا مِنْهُ , فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابَة . قَالَ : وَكَانَ أَبِي يَقُول : مَاله وَلِلْكِتَابَةِ هُوَ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي فَرَضَ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْل الثَّانِي , وَهُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ إِيتَاءَهُمْ سَهْمهمْ مِنَ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ ; لِأَنَّ قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } أَمْر مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِإِيتَاءِ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ مَاله الَّذِي آتَى أَهْل الْأَمْوَال , وَأَمْر اللَّه فَرْض عَلَى عِبَاده الِانْتِهَاء إِلَيْهِ , مَا لَمْ يُخْبِرهُمْ أَنَّ مُرَاده النَّدْب , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابه وَلَا عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَدْب , فَفَرْض وَاجِب . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتِ الْحُجَّة قَدْ قَامَتْ أَنْ لَا حَقّ لِأَحَدٍ فِي مَال أَحَد غَيْره مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّه لِأَهْلِ سُهْمَان الصَّدَقَة فِي أَمْوَال الْأَغْنِيَاء مِنْهُمْ , وَكَانَتِ الْكِتَابَة الَّتِي يَقْتَضِيهَا سَيِّد الْمُكَاتَب مِنْ مُكَاتَبه مَالًا مِنْ مَال سَيِّد الْمُكَاتَب ; فَيُفَاد أَنَّ الْحَقّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالهمْ هُوَ مَا فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاء فِي أَمْوَالهمْ لَهُ مِنْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة , إِذْ كَانَ لَا حَقّ فِي أَمْوَالهمْ لِأَحَدٍ سِوَاهَا.|وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : زَوِّجُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الْبِغَاء , وَهُوَ الزِّنَا ; { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } يَقُول : إِنْ أَرَدْنَ تَعَفُّفًا عَنْ الزِّنَا . { لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : لِتَلْتَمِسُوا بِإِكْرَاهِكُمْ إِيَّاهُنَّ عَلَى الزِّنَا عَرَض الْحَيَاة , وَذَلِكَ مَا تَعْرِض لَهُمْ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ رِيَاشهَا وَزِينَتهَا وَأَمْوَالهَا . { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ } يَقُول : وَمَنْ يُكْرِه فَتَيَاته عَلَى الْبِغَاء , فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاهه إِيَّاهُنَّ عَلَى ذَلِكَ , لَهُمْ { غَفُور رَحِيم } وَوِزْر مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونهنَّ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول حِين أَكْرَهَ أَمَته مُسَيْكَة عَلَى الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19741 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : (جَاءَتْ مُسَيْكَة لِبَعْضِ الْأَنْصَار فَقَالَتْ : إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهنِي عَلَى الزِّنَا ! فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } . )19742 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر , قَالَ : (كَانَتْ جَارِيَة لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول يُقَال لَهَا مُسَيْكَة , فَآجَرَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا -الطَّبَرِيّ شَكَّ - فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِهِنَّ . )19743 - حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنِ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : ( { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } قَالَ : رَجُل كَانَتْ لَهُ جَارِيَة تَفْجُر , فَلَمَّا أَسْلَمَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , قَالَ : (جَاءَتْ جَارِيَة لِبَعْضِ الْأَنْصَار , فَقَالَ : إِنَّ سَيِّدِي أَكْرَهَنِي عَلَى الْبِغَاء ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } . )19744 -قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (أَمَة لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ , أَمَرَهَا فَزَنَتْ , فَجَاءَتْ بِبُرْدٍ , فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي فَازْنِي ! قَالَتْ : وَاللَّه لَا أَفْعَل , إِنْ يَكُ هَذَا خَيْرًا فَقَدْ اسْتَكْثَرْت مِنْهُ , وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لِي أَنْ أَدَعهُ . )قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد نَحْو ذَلِكَ , وَزَادَ قَالَ : (الْبِغَاء الزِّنَا . { وَاللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا , وَفِيهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )19745 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش أُسِرَ يَوْم بَدْر . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَسَرَهُ , وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّه جَارِيَة يُقَال : لَهَا مُعَاذَة , فَكَانَ الْقُرَشِيّ الْأَسِير يُرِيدهَا عَلَى نَفْسهَا , وَكَانَتْ مُسْلِمَة , فَكَانَتْ تَمْتَنِع مِنْهُ لِإِسْلَامِهَا , وَكَانَ ابْن أُبَيّ يُكْرِههَا عَلَى ذَلِكَ وَيَضْرِبهَا رَجَاء أَنْ تَحْمِل لِلْقُرَشِيِّ فَيَطْلُب فِدَاء وَلَده , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } قَالَ الزُّهْرِيّ : { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَقُول : غَفُور لَهُنَّ مَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ . )19746 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : ( فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ لَهُنَّ غَفُور رَحِيم . )19747 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } يَقُول : وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا , فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَهُنَّ غَفُور رَحِيم وَإِثْمهنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ . )19748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يُكْرِهُونَ إِمَاءَهُمْ عَلَى الزِّنَا , يَأْخُذُونَ أُجُورهنَّ , فَقَالَ اللَّه : لَا تُكْرِهُوهُنَّ عَلَى الزِّنَا مِنْ أَجْل الْمَنَالَة فِي الدُّنْيَا , وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم لَهُنَّ ; يَعْنِي إِذَا أُكْرِهْنَ . )19749 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } عَلَى الزِّنَا . قَالَ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول أَمَرَ أَمَة لَهُ بِالزِّنَا , فَجَاءَتْهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِبُرْدٍ - شَكَّ أَبُو عَاصِم - فَأَعْطَتْهُ , فَقَالَ : ارْجِعِي فَازْنِي بِآخَر ! فَقَالَتْ : وَاللَّه مَا أَنَا بِرَاجِعَةٍ , فَاللَّه غَفُور رَحِيم لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا ! فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : أَمَرَ أَمَة لَهُ بِالزِّنَا , فَزَنَتْ , فَجَاءَتْهُ بِبُرْدٍ فَأَعْطَتْهُ . فَلَمْ يَشُكّ . 19750 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله ( { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } يَقُول : عَلَى الزِّنَا . { فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَقُول : غَفُور لَهُنَّ , لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا . )19751 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور } قَالَ : غَفُور رَحِيم لَهُنَّ حِين أُكْرِهْنَ وَقُسِرْنَ عَلَى ذَلِكَ . )19752 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَانُوا يَأْمُرُونَ وَلَائِدهمْ يُبَاغِينَ , يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , فَيُصِبْنَ , فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ , فَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول جَارِيَة , فَكَانَتْ تُبَاغِي , فَكَرِهَتْ وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَفْعَلهُ , فَأَكْرَهَهَا أَهْلهَا , فَانْطَلَقَتْ فَبَاغَتَ بِبُرْدٍ أَخْضَر , فَأَتَتْهُمْ بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } ... الْآيَة .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَات مُبَيِّنَات } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس دَلَالَات وَعَلَامَات مُبَيِّنَات ; يَقُول : مُفَصِّلَات الْحَقّ مِنَ الْبَاطِل , وَمُوَضِّحَات ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ | مُبَيَّنَات | بِفَتْحِ الْيَاء : بِمَعْنَى مُفَصَّلَات , وَأَنَّ اللَّه فَصَّلَهُنَّ وَبَيَّنَهُنَّ لِعِبَادِهِ , فَهُنَّ مُفَصَّلَات مُبَيَّنَات . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { مُبَيِّنَات } بِكَسْرِ الْيَاء , بِمَعْنَى أَنَّ الْآيَات هُنَّ تُبَيِّن الْحَقّ وَالصَّوَاب لِلنَّاسِ وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِذْ فَصَّلَهَا وَبَيَّنَهَا صَارَتْ مُبَيِّنَة بِنَفْسِهَا الْحَقّ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلهَا , وَإِذَا بَيَّنَتْ ذَلِكَ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلهَا فَيُبَيِّن اللَّه ذَلِكَ فِيهَا . فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِي قِرَاءَته الصَّوَاب .|وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ|وَقَوْله : { وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ } مِنْ الْأُمَم , وَمَوْعِظَة لِمَنِ اتَّقَى اللَّه , فَخَافَ عِقَابه وَخَشِيَ عَذَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } هَادِي مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض , فَهُمْ بِنُورِهِ إِلَى الْحَقّ يَهْتَدُونَ وَبِهُدَاهُ مِنْ حِيرَة الضَّلَالَة يَعْتَصِمُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ نَحْو الَّذِي قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : ذَلِكَ : 19753 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول اللَّه سُبْحَانه هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض . )19754 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَلْدَة الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا وَهْب بْن رَاشِد , عَنْ فَرْقَد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (إِنَّ إِلَهِي يَقُول : نُورِي هُدَايَ . )وَقَالَ : آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : اللَّه مُدَبِّر السَّمَاوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19755 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يُدَبِّر الْأَمْر فِيهِمَا : نُجُومهمَا وَشَمْسهمَا وَقَمَرهمَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ النُّور الضِّيَاء . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : ضِيَاء السَّمَاوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19756 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْل اللَّه : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسه , فَذَكَرَهُ , ثُمَّ ذَكَرَ نُور الْمُؤْمِن . )وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَات مُبَيِّنَات وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ مَوْقِع يَقَع تَنْزِيله مِنْ خَلْقه وَمِنْ مَدْح مَا ابْتَدَأَ بِذِكْرِ مَدْحه , أَوْلَى وَأَشْبَه , مَا لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلّ عَلَى انْقِضَاء الْخَبَر عَنْهُ مِنْ غَيْره . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس آيَات مُبَيِّنَات الْحَقّ مِنَ الْبَاطِل { وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } فَهَدَيْنَاكُمْ بِهَا , وَبَيَّنَّا لَكُمْ مَعَالِم دِينكُمْ بِهَا ; لِأَنِّي هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَأَهْل الْأَرْض . وَتَرَكَ وَصْل الْكَلَام بِاللَّامِ , وَابْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ هِدَايَة خَلْقه ابْتِدَاء , وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت , اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره .|مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ|ثُمَّ ابْتَدَأَ فِي الْخَبَر عَنْ مَثَل هِدَايَته خَلْقه بِالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } يَقُول : مِثْل مَا أَنَارَ مِنَ الْحَقّ بِهَذَا التَّنْزِيل فِي بَيَانه كَمِشْكَاةٍ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } عَلَامَ هِيَ عَائِدَة ؟ وَمِنْ ذِكْر مَا هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مِنْ ذِكْر الْمُؤْمِن . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : مَثَل نُور الْمُؤْمِن الَّذِي فِي قَلْبه مِنَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن مَثَل مِشْكَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19757 -حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْل اللَّه : ( { مَثَل نُوره } قَالَ : ذَكَرَ نُور الْمُؤْمِن فَقَالَ : مَثَل نُوره , يَقُول مَثَل نُور الْمُؤْمِن . قَالَ : وَكَانَ أُبَيّ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ : | مَثَل الْمُؤْمِن | . قَالَ : هُوَ الْمُؤْمِن قَدْ جُعِلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } قَالَ : بَدَأَ بِنُورِ نَفْسه فَذَكَرَهُ , ثُمَّ قَالَ : { مَثَل نُوره } يَقُول : مَثَل نُور مَنْ آمَنَ بِهِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ أُبَيّ , قَالَ : هُوَ عَبْد جَعَلَ اللَّه الْقُرْآن وَالْإِيمَان فِي صَدْره . )19758 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { مَثَل نُوره } قَالَ : مَثَل نُور الْمُؤْمِن . )19759 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ ثَابِت , عَنِ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { مَثَل نُوره } قَالَ : نُور الْمُؤْمِن . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِالنُّورِ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : الْهَاء الَّتِي قَوْله : { مَثَل نُوره } عَائِدَة عَلَى اسْم اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19760 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ : (جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ لَهُ : حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } ... الْآيَة ؟ فَقَالَ كَعْب : اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مَثَل نُوره ; مَثَل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمِشْكَاةٍ . )19761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : ( { مَثَل نُوره } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ : هَدْي اللَّه وَبَيَانه , وَهُوَ الْقُرْآن . قَالُوا : وَالْهَاء مِنْ ذِكْر اللَّه , قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : اللَّه هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِآيَاتِهِ الْمُبَيِّنَات , وَهِيَ النُّور الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مِثْل هُدَاهُ وَآيَاته الَّتِي هَدَى بِهَا خَلْقه وَوَعَظَهُمْ بِهَا فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19762 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس ( { مَثَل نُوره } مَثَل هُدَاهُ فِي قَلْب الْمُؤْمِن . )19763 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { مَثَل نُوره } قَالَ : مَثَل هَذَا الْقُرْآن فِي الْقَلْب كَمِشْكَاةٍ . )19764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مَثَل نُوره } : نُور الْقُرْآن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُوله وَعِبَاده , هَذَا مَثَل الْقُرْآن { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } . )19765 -قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } وَنُوره الَّذِي ذُكِرَ الْقُرْآن , وَمَثَله الَّذِي ضَرَبَ لَهُ . )وَقَالَ : آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَثَل نُور اللَّه . وَقَالُوا : يَعْنِي بِالنُّورِ الطَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِمُحَمَّدٍ : كَيْفَ يَخْلُص نُور اللَّه مِنْ دُون السَّمَاء ؟ فَضَرَبَ اللَّه مَثَل ذَلِكَ لِنُورِهِ , فَقَالَ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ , فَسَمَّى طَاعَته نُورًا , ثُمَّ سَمَّاهَا أَنْوَارًا شَتَّى . )وَقَوْله : { كَمِشْكَاةٍ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْمِشْكَاة وَالْمِصْبَاح وَمَا الْمُرَاد بِذَلِكَ , وَبِالزُّجَاجَةِ , فَقَالَ : بَعْضهمُ الْمِشْكَاة كُلّ كُوَّة لَا مَنْفَذ لَهَا , وَقَالُوا : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِقَلْبِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19767 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ : (جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ : لَهُ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } ! قَالَ : الْمِشْكَاة وَهِيَ الْكُوَّة , ضَرَبَهَا اللَّه مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الْمِشْكَاة { فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح } قَلْبه { فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة } صَدْره الزُّجَاجَة { كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } شَبَّهَ صَدْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ , ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْبَاح إِلَى قَلْبه فَقَالَ : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } لَمْ تَمَسّهَا شَمْس الْمَشْرِق وَلَا شَمْس الْمَغْرِب , { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } يَكَاد مُحَمَّد يُبَيِّن لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّم أَنَّهُ نَبِيّ , كَمَا يَكَاد ذَلِكَ الزَّيْت يُضِيء { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار نُور عَلَى نُور } . )19768 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { كَمِشْكَاةٍ } يَقُول : مَوْضِع الْفَتِيلَة . )19769 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } ... إِلَى { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : الْمِشْكَاة : كُوَّة الْبَيْت . )وَقَالَ : آخَرُونَ عَنَى بِالْمِشْكَاةِ : صَدْر الْمُؤْمِن , وَبِالْمِصْبَاحِ : الْقُرْآن وَالْإِيمَان , وَبِالزُّجَاجَةِ قَلْبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19770 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : ( { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : مَثَل الْمُؤْمِن قَدْ جَعَلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره كَمِشْكَاةٍ , قَالَ : الْمِشْكَاة صَدْره . { فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : وَالْمِصْبَاح الْقُرْآن وَالْإِيمَان الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْره . { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } قَالَ : وَالزُّجَاجَة : قَلْبه . { الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ تُوقَد } قَالَ : فَمَثَله مِمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْقُرْآن وَالْإِيمَان كَأَنَّهُ كَوْكَب دُرِّيّ , يَقُول مُضِيء . { يُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة } وَالشَّجَرَة الْمُبَارَكَة , أَصْله الْمُبَارَكَة الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده وَعِبَادَته , لَا شَرِيك لَهُ . { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : فَمَثَله مَثَل شَجَرَة الْتَفَّ بِهَا الشَّجَر , فَهِيَ خَضْرَاء نَاعِمَة , لَا تُصِيبهَا الشَّمْس عَلَى أَيّ حَال كَانَتْ , لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرَبَتْ , وَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِن قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُصِيبهُ شَيْء مِنَ الْغَيْر وَقَدْ ابْتُلِيَ بِهَا فَثَبَّتَهُ اللَّه فِيهَا , فَهُوَ بَيْن أَرْبَع خِلَال إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ , وَإِنْ ابْتُلِيَ صَبَرَ , وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ , وَإِنْ قَالَ : صَدَقَ ; فَهُوَ فِي سَائِر النَّاس كَالرَّجُلِ الْحَيّ يَمْشِي فِي قُبُور الْأَمْوَات . قَالَ : { نُور عَلَى نُور } فَهُوَ يَتَقَلَّب فِي خَمْسَة مِنْ النُّور فَكَلَامه نُور , وَعَمَله نُور , وَمَدْخَله نُور , وَمَخْرَجه نُور , وَمَصِيره إِلَى النُّور يَوْم الْقِيَامَة فِي الْجَنَّة . )19771 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : (الْمِشْكَاة : صَدْر الْمُؤْمِن . { فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : الْقُرْآن . )* - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أُمّ جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , نَحْو حَدِيث عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ عُبَيْد اللَّه . 19772 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : مَثَل هُدَاهُ فِي قَلْب الْمُؤْمِن كَمَا يَكَاد الزَّيْت الصَّافِي يُضِيء قَبْل أَنْ تَمَسّهُ النَّار , فَإِذَا مَسَّتْهُ النَّار ازْدَادَ ضَوْءًا عَلَى ضَوْء , كَذَلِكَ يَكُون قَلْب الْمُؤْمِن يَعْمَل بِالْهُدَى قَبْل أَنْ يَأْتِيه الْعِلْم , فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْم ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى وَنُورًا عَلَى نُور , كَمَا قَالَ : إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ قَبْل أَنْ تَجِيئهُ الْمَعْرِفَة : { قَالَ هَذَا رَبِّي } [6 76 ]حِين رَأَى الْكَوْكَب مِنْ غَيْر أَنْ يُخْبِرهُ أَحَد أَنَّ لَهُ رَبًّا , فَلَمَّا أَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهُ رَبّه ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى . )19773 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَخْلُص نُور اللَّه مِنْ دُون السَّمَاء ؟ فَضَرَبَ اللَّه مَثَل ذَلِكَ لِنُورِهِ , فَقَالَ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَالْمِشْكَاة كُوَّة الْبَيْت فِيهَا مِصْبَاح , { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } وَالْمِصْبَاح : السِّرَاج يَكُون فِي الزُّجَاجَة , وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ , فَسَمَّى طَاعَته نُورًا وَسَمَّاهَا أَنْوَاعًا شَتَّى . )قَوْله : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ شَجَرَة لَا يَفِيء عَلَيْهِمَا ظِلّ شَرْق وَلَا ظِلّ غَرْب , ضَاحِيَة , ذَلِكَ أَصْفَى لِلزَّيْتِ . { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } . قَالَ : مَعْمَر , وَقَالَ : الْحَسَن : لَيْسَتْ مِنْ شَجَر الدُّنْيَا , لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ مَثَل لِلْمُؤْمِنِ ; غَيْر أَنَّ الْمِصْبَاح وَمَا فِيهِ مَثَل لِفُؤَادِهِ , وَالْمِشْكَاة مَثَل لِجَوْفِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19774 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس جَمِيعًا : (الْمِصْبَاح وَمَا فِيهِ مَثَل فُؤَاد الْمُؤْمِن وَجَوْفه , الْمِصْبَاح مَثَل الْفُؤَاد , وَالْكُوَّة مَثَل الْجَوْف . )قَالَ ابْن جُرَيْج { كَمِشْكَاةٍ } : كُوَّة غَيْر نَافِذَة . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ : ابْن عَبَّاس : قَوْله : { نُور عَلَى نُور } يَعْنِي : إِيمَان الْمُؤْمِن وَعَمَله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَثَل لِلْقُرْآنِ فِي قَلْب الْمُؤْمِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19775 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : كَكُوَّةٍ { فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } . )19776 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } نُور الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى رَسُوله وَعِبَاده , فَهَذَا مَثَل الْقُرْآن ; { مِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { مُبَارَكَة } فَهَذَا مَثَل الْقُرْآن يُسْتَضَاء بِهِ فِي نُوره وَيَعْلَمُونَهُ وَيَأْخُذُونَ بِهِ , وَهُوَ كَمَا هُوَ لَا يَنْقُص , فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ , وَفِي قَوْله : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } قَالَ : الضَّوْء إِشْرَاق ذَلِكَ الزَّيْت , وَالْمِشْكَاة الَّتِي فِي الْفَتِيلَة الَّتِي فِي الْمِصْبَاح , وَالْقَنَادِيل تِلْكَ الْمَصَابِيح . )19777 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن عِيَاض فِي قَوْله : ( { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ الْكُوَّة . )19778 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : ( { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : ابْن عُمَر الْمِشْكَاة الْكُوَّة . )وَقَالَ : آخَرُونَ : الْمِشْكَاة الْقِنْدِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : ذَلِكَ : 19779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { الْمِشْكَاة } قَالَ : الْقِنْدِيل , ثُمَّ الْعَمُود الَّذِي فِيهِ الْقِنْدِيل . )19780 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { كَمِشْكَاةٍ } : الصُّفْر الَّذِي فِي جَوْف الْقِنْدِيل . )19781 -حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه عَنْ دَاوُد , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْمِشْكَاة الْقِنْدِيل . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْمِشْكَاة الْحَدِيد الَّذِي يُعَلَّق بِهِ الْقِنْدِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19782 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْمِشْكَاة الْحَدَائِد الَّتِي يُعَلَّق بِهَا الْقِنْدِيل . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ الصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْقُرْآنِ فِي قَلْب أَهْل الْإِيمَان بِهِ , فَقَالَ : مَثَل نُور اللَّه الَّذِي أَنَارَ بِهِ لِعِبَادِهِ سَبِيل الرَّشَاد , الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا بِمَا فِيهِ , فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ , مَثَل مِشْكَاة , وَهِيَ عَمُود الْقِنْدِيل الَّذِي فِيهِ الْفَتِيلَة ; وَذَلِكَ هُوَ نَظِير الْكُوَّة الَّتِي تَكُون فِي الْحِيطَان الَّتِي لَا مَنْفَذ لَهَا . إِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ الْعَمُود مِشْكَاة ; لِأَنَّهُ غَيْر نَافِذ , وَهُوَ أَجْوَف مَفْتُوح الْأَعْلَى , فَهُوَ كَالْكُوَّةِ الَّتِي فِي الْحَائِط الَّتِي لَا تَنْفُذ , ثُمَّ قَالَ : { فِيهَا مِصْبَاح } وَهُوَ السِّرَاج , وَجُعِلَ السِّرَاج وَهُوَ الْمِصْبَاح مَثَلًا لِمَا فِي قَلْب الْمُؤْمِن مِنَ الْقُرْآن وَالْآيَات الْمُبَيِّنَات , ثُمَّ قَالَ : { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } يَعْنِي أَنَّ السِّرَاج الَّذِي فِي الْمِشْكَاة فِي الْقِنْدِيل , وَهُوَ الزُّجَاجَة , وَذَلِكَ مَثَل لِلْقُرْآنِ , يَقُول : الْقُرْآن الَّذِي فِي قَلْب الْمُؤْمِن الَّذِي أَنَارَ اللَّه قَلْبه فِي صَدْره , ثُمَّ مَثَل الصَّدْر فِي خُلُوصه مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ وَالشَّكّ فِيهِ وَاسْتِنَارَته بِنُورِ الْقُرْآن وَاسْتِضَاءَته بِآيَاتِ رَبّه الْمُبَيِّنَات وَمَوَاعِظه فِيهَا , بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ , فَقَالَ : { الزُّجَاجَة } وَذَلِكَ صَدْر الْمُؤْمِن الَّذِي فِيهِ قَلْبه { كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { دُرِّيّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز : { دُرِّيّ } بِضَمِّ الدَّال , وَتَرْك الْهَمْز . وَقَرَأَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : | دِرِّيء | بِكَسْرِ الدَّال وَهَمْزَة . وَقَرَأَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة | دُرِّيء | بِضَمِّ الدَّال وَهَمْزَة . وَكَأَنَّ الَّذِينَ ضَمُّوا دَاله وَتَرَكُوا الْهَمْرَة , وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ أَهْل التَّفْسِير الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ , مِنْ أَنَّ الزُّجَاجَة فِي صَفَائِهَا وَحُسْنهَا كَالدُّرِّ , وَأَنَّهَا مَنْسُوبَة إِلَيْهِ لِذَلِكَ مِنْ نَعْتهَا وَصِفَتهَا . وَوَجَّهَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِكَسْرِ دَاله وَهَمْزه , إِلَى أَنَّهُ فِعِّيل مِنْ دُرِّئَ الْكَوْكَب : أَيْ دُفِعَ وَرُجِمَ بِهِ الشَّيْطَان , مِنْ قَوْله : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب } أَيْ يُدْفَع , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْكَوَاكِب الْعِظَام الَّتِي لَا تَعْرِف أَسْمَاءَهَا الدَّرَارِيّ بِغَيْرِ هَمْز . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : هِيَ الدَّرَارِيء بِالْهَمْزِ , مِنْ يَدْرَأْنَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِضَمِّ دَاله وَهَمْزه , فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا بِهِ دُرُّوء مِثْل سُبُّوح وَقُدُّوس مِنْ دَرَأْت , ثُمَّ اسْتَثْقَلُوا كَثْرَة الضَّمَّات فِيهِ , فَصَرَفُوا بَعْضهَا إِلَى الْكَسْرَة , فَقَالُوا دِرِّيء , كَمَا قِيلَ : { وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الْكِبَر عِتِيًّا } [19 8 ]. وَهُوَ فُعُول , مِنْ عَتَوْت عُتُوًّا , ثُمَّ حُوِّلَتْ بَعْض ضَمَّاتهَا إِلَى الْكَسْر , فَقِيلَ : عِتِيًّا , فَهُوَ مَذْهَب , وَإِلَّا فَلَا أَعْرِف لِصِحَّةِ قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهًا , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب فِعِّيل . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : هُوَ لَحْن . وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَات عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { دُرِّيّ } بِضَمِّ دَاله وَتَرْك هَمْزه , عَلَى النِّسْبَة إِلَى الدُّرّ ; لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ جَاءُوا . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ قَبْل , فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّتهَا بِغَيْرِهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : الزُّجَاجَة : وَهِيَ صَدْر الْمُؤْمِن , { كَأَنَّهَا } يَعْنِي كَأَنَّ الزُّجَاجَة , وَذَلِكَ مَثَل لِصَدْرِ الْمُؤْمِن , { كَوْكَب } يَقُول فِي صَفَائِهَا وَضِيَائِهَا وَحُسْنهَا , وَإِنَّمَا يَصِف صَدْره بِالنَّقَاءِ مِنْ كُلّ رَيْب , وَشَكّ فِي أَسْبَاب الْإِيمَان بِاللَّهِ وَبُعْده مِنْ دَنَس الْمَعَاصِي , كَالْكَوْكَبِ الَّذِي يُشْبِه الدُّرّ فِي الصَّفَاء وَالضِّيَاء وَالْحُسْن . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : | تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة | فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَة | بِالتَّاءِ وَفَتْحهَا , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَفَتْح الدَّال , وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى تَوَقُّد الْمِصْبَاح مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة , وَقَرَأَهُ بَعْض عَامَّة قُرَّاء الْمَدَنِيِّينَ { يُوقَد } بِالْيَاءِ , وَتَخْفِيف الْقَاف , وَرَفْع الدَّال ; بِمَعْنَى : يُوقِد الْمِصْبَاح مُوقِده مِنْ شَجَرَة , ثُمَّ لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | تُوقَد | بِضَمِّ التَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف وَرَفْع الدَّال , بِمَعْنَى : يُوقِد الزُّجَاجَة مُوقِدهَا مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , فَقِيلَ : تُوقَد , وَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل مَكَّة : | تَوَقَّد | بِفَتْحِ التَّاء , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَضَمّ الدَّال ; بِمَعْنَى : تَتَوَقَّد الزُّجَاجَة مِنْ شَجَرَة , ثُمَّ أُسْقِطَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اكْتِفَاء بِالْبَاقِيَةِ مِنْ الذَّاهِبَة . وَهَذِهِ الْقِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي إِنِ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظ بِهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الزُّجَاجَة إِذَا وُصِفَتْ بِالتَّوَقُّدِ أَوْ بِأَنَّهَا تَوَقَّد , فَمَعْلُوم مَعْنَى ذَلِكَ , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهِ تَوَقَّدَ فِيهَا الْمِصْبَاح أَوْ يُوقَد فِيهَا الْمِصْبَاح , وَلَكِنْ وَجَّهُوا الْخَبَر إِلَى أَنَّ وَصْفهَا بِذَلِكَ أَقْرَب فِي الْكَلَام مِنْهَا وَفَهْم السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ وَالْمُرَاد مِنْهُ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبِأَيِّ الْقِرَاءَات قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ أَعْجَب الْقِرَاءَات إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا فِي ذَلِكَ : | تَوَقَّدَ | بِفَتْحِ التَّاء , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَفَتْح الدَّال , بِمَعْنَى وَصْف الْمِصْبَاح بِالتَّوَقُّدِ ; لِأَنَّ التَّوَقُّد وَالِاتِّقَاد لَا شَكَّ أَنَّهُمَا مِنْ صِفَته دُون الزُّجَاجَة . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح , الْمِصْبَاح مِنْ دُهْن شَجَرَة مُبَارَكَة , زَيْتُونَة , لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ مِنَ الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ فِيمَا قَدْ مَضَى , وَنَذْكُر بَاقِي مَا حَضَرَنَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا قِيلَ : لِهَذِهِ الشَّجَرَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة أَيْ لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَحْدهَا حَتَّى لَا تُصِيبهَا الشَّمْس إِذَا غَرَبَتْ , وَإِنَّمَا لَهَا نَصِيبهَا مِنَ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ مَا دَامَتْ بِالْجَنْبِ الَّذِي يَلِي الشَّرْق , ثُمَّ لَا يَكُون لَهَا نَصِيب مِنْهَا إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِب الْغَرْب , وَلَا هِيَ غَرْبِيَّة وَحْدهَا , فَتُصِيبهَا الشَّمْس بِالْعَشِيِّ إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِب الْغَرْب , وَلَا تُصِيبهَا بِالْغَدَاةِ ; وَلَكِنَّهَا شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة , تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ وَتَغْرُب عَلَيْهَا , فَيُصِيبهَا حَرّ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ . قَالُوا : إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ , كَانَ أَجْوَد لِزَيْتِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19783 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : لَا يَسْتُرهَا مِنَ الشَّمْس جَبَل وَلَا وَادٍ , إِذَا طَلَعَتْ وَإِذَا غَرَبَتْ . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : الشَّجَرَة تَكُون فِي مَكَان لَا يَسْتُرهَا مِنَ الشَّمْس شَيْء , تَطْلُع عَلَيْهَا وَتَغْرُب عَلَيْهَا . )19784 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس ( { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ الَّتِي بِشِقِّ الْجَبَل , الَّتِي يُصِيبهَا شُرُوق الشَّمْس وَغُرُوبهَا , إِذَا طَلَعَتْ أَصَابَتْهَا وَإِذَا غَرَبَتْ أَصَابَتْهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19785 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ شَجَرَة وَسَط الشَّجَر , لَيْسَتْ مِنَ الشَّرْق وَلَا مِنْ الْغَرْب . )19786 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } مُتَيَامِنَة الشَّأْم , لَا شَرْقِيّ وَلَا غَرْبِيّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَتْ هَذِهِ الشَّجَرَة مِنْ شَجَر الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : وَاللَّه لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْض لَكَانَتْ شَرْقِيَّة أَوْ غَرْبِيَّة , وَلَكِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عُثْمَان , يَعْنِي ابْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : ( { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْض هَذِهِ الزَّيْتُونَة كَانَ شَرْقِيَّة أَوْ غَرْبِيَّة , وَلَكِنْ وَاللَّه مَا هِيَ فِي الْأَرْض , وَإِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه , وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَة فِي الدُّنْيَا لَكَانَتْ إِمَّا شَرْقِيَّة وَإِمَّا غَرْبِيَّة . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهَا شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة ; وَقَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : لَيْسَتْ شَرْقِيَّة تَطْلُع عَلَيْهَا الشَّمْس بِالْعَشِيِّ , دُون الْغَدَاة , وَلَكِنَّ الشَّمْس تُشْرِق عَلَيْهَا وَتَغْرُب , فَهِيَ شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَام ; لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا وَصَفَ الزَّيْت الَّذِي يُوقَد عَلَى هَذَا الْمِصْبَاح بِالصَّفَاءِ وَالْجَوْدَة , فَإِذَا كَانَ شَجَره شَرْقِيًّا غَرْبِيًّا كَانَ زَيْته لَا شَكَّ أَجْوَد وَأَصْفَى وَأَضْوَأ . وَقَوْله : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَكَاد زَيْت هَذِهِ الزَّيْتُونَة يُضِيء مِنْ صَفَائِهِ وَحُسْن ضِيَائِهِ . { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } يَقُول : فَكَيْفَ إِذَا مَسَّتْهُ النَّار . وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة } أَنَّ هَذَا الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّهُ كَلَامه , جَعَلَ مَثَله وَمَثَل كَوْنه مِنْ عِنْده مَثَل الْمِصْبَاح الَّذِي يُوقَد مِنَ الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } : أَنَّ حُجَج اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى خَلْقه تَكَاد مِنْ بَيَانهَا وَوُضُوحهَا تُضِيء لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا وَنَظَرَ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَهَا . { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } يَقُول : وَلَوْ لَمْ يَزِدْهَا اللَّه بَيَانًا وَوُضُوحًا بِإِنْزَالِهِ هَذَا الْقُرْآن إِلَيْهِمْ , مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى تَوْحِيده , فَكَيْفَ إِذَا نَبَّهَهُمْ بِهِ وَذَكَّرَهُمْ بِآيَاتِهِ فَزَادَهُمْ بِهِ حُجَّة إِلَى حُجَجه عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ ؟ فَذَلِكَ بَيَان مِنْ اللَّه وَنُور عَلَى الْبَيَان , وَالنُّور الَّذِي كَانَ قَدْ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قَبْل نُزُوله . وَقَوْله : { نُور عَلَى نُور } يَعْنِي النَّار عَلَى هَذَا الزَّيْت الَّذِي كَادَ يُضِيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ النَّار . كَمَا : 19788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { نُور عَلَى نُور } قَالَ : النَّار عَلَى الزَّيْت . )قَالَ : أَبُو جَعْفَر وَهُوَ عِنْدِي كَمَا ذَكَرْت مَثَل الْقُرْآن . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نُور عَلَى نُور } هَذَا الْقُرْآن نُور مِنْ عِنْد اللَّه , أَنْزَلَهُ إِلَى خَلْقه يَسْتَضِيئُونَ بِهِ . { عَلَى نُور } عَلَى الْحُجَج وَالْبَيَان الَّذِي قَدْ نَصَبَهُ لَهُمْ قَبْل مَجِيء الْقُرْآن وَإِنْزَاله إِيَّاهُ , مِمَّا يَدُلّ عَلَى حَقِيقَة وَحْدَانِيّته . فَذَلِكَ بَيَان مِنَ اللَّه , وَنُور عَلَى الْبَيَان , وَالنُّور الَّذِي كَانَ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قَبْل نُزُوله . وَذُكِرَ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي ذَلِكَ , مَا : 19789 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْله : ( { نُور عَلَى نُور } يُضِيء بَعْضه بَعْضًا , يَعْنِي الْقُرْآن .)|يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ|وَقَوْله : { يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُوَفِّق اللَّه لِاتِّبَاعِ نُوره , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن , مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده . وَقَوْله : { يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُوَفِّق اللَّه لِاتِّبَاعِ نُوره , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن , مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده.|وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ|وَقَوْله : { وَيَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ } يَقُول وَيُمَثِّل اللَّه الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه لِلنَّاسِ كَمَا مَثَّلَ لَهُمْ مَثَل هَذَا الْقُرْآن فِي قَلْب الْمُؤْمِن بِالْمِصْبَاحِ فِي الْمِشْكَاة وَسَائِر مَا فِي هَذِهِ الْآيَة مِنَ الْأَمْثَال .|وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ|يَقُول وَاللَّه يَضْرِب الْأَمْثَال وَغَيْرهَا مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , ذُو عِلْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح , فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . كَمَا : 19790 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد : (الْمِشْكَاة : الَّتِي فِيهَا الْفَتِيلَة الَّتِي فِيهَا الْمِصْبَاح . قَالَ : الْمَصَابِيح فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . )قَالَ : أَبُو جَعْفَر قَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون | مِنْ | فِي صِلَة | تُوقَد | , فَيَكُون الْمَعْنَى : تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة ذَلِكَ الْمِصْبَاح فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . وَعَنَى بِالْبُيُوتِ الْمَسَاجِد . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : بَعْضهمْ بِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19791 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَا : ثنا حَكَّام , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْل اللَّه : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : الْمَسَاجِد . )19792 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } وَهِيَ الْمَسَاجِد تُكْرَم , وَنُهِيَ عَنِ اللَّغْو فِيهَا . )19793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } يَعْنِي كُلّ مَسْجِد يُصَلَّى فِيهِ , جَامِع أَوْ غَيْره . )19794 - حَدَّثَنِي بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : مَسَاجِد تُبْنَى . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19795 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ فِي الْمَسَاجِد . )19796 - قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : (أَدْرَكْت أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَهُمْ يَقُولُونَ : الْمَسَاجِد بُيُوت اللَّه , وَإِنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يُكْرِم مَنْ زَارَهُ فِيهَا . )19797 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سَالِم بْن عُمَر , فِي قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : هِيَ الْمَسَاجِد . )19798 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : الْمَسَاجِد . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْبُيُوت كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19799 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَا : حَدَّثَنَا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : هِيَ الْبُيُوت كُلّهَا . )إِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِدَلَالَةِ قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } عَلَى أَنَّهَا بُيُوت بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا هِيَ الْمَسَاجِد . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } فَقَالَ : بَعْضهمْ مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُبْنَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : تُبْنَى . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُعَظَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19801 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } يَقُول : أَنْ تُعَظَّم لِذِكْرِهِ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع بِنَاء , كَمَا قَالَ : جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَإِذْ يَرْفَع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنَ الْبَيْت } [2 127 ]. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَى الرَّفْع فِي الْبُيُوت وَالْأَبْنِيَة .|وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ|وَقَوْله : { وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه } يَقُول : وَأَذِنَ لِعِبَادِهِ أَنْ يَذْكُرُوا اسْمه فِيهَا . وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآن فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19802 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : ( { وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه } يَقُول : يُتْلَى فِيهَا كِتَابه . )وَهَذَا الْقَوْل قَرِيب الْمَعْنَى مِمَّا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ تِلَاوَة كِتَاب اللَّه مِنْ مَعَانِي ذِكْر اللَّه . غَيْر أَنَّ الَّذِي قُلْنَا بِهِ أَظْهَر مَعْنَيَيْهِ , فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الْقَوْل بِهِ .|يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ|وَقَوْله : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يُسَبِّح لَهُ } بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْبَاء , بِمَعْنَى يُصَلِّي لَهُ فِيهَا رِجَال , وَبِجَعْلِ | يُسَبِّح | فِعْلًا لِ | الرِّجَال | وَخَبَرًا عَنْهُمْ , وَتُرْفَع بِهِ | الرِّجَال | . سِوَى عَاصِم وَابْن عَامِر , فَإِنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ : | يُسَبَّح لَهُ | بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْبَاء , عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , ثُمَّ يَرْفَعَانِ | الرِّجَال | بِخَبَرٍ ثَانٍ مُضْمَر , كَأَنَّهُمَا أَرَادَا : يُسَبِّح اللَّه فِي الْبُيُوت الَّتِي أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع , فَسَبَّحَ لَهُ رِجَال ; فَرَفَعَا | الرِّجَال | بِفِعْلٍ مُضْمَر . وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ أُولَاهُمَا بِالصَّوَابِ : قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ الْبَاء , وَجَعَلَهُ خَبَرًا لِ | الرِّجَال | وَفِعْلًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَار رَفْع الرِّجَال بِمُضْمَرٍ مِنَ الْفِعْل لَوْ كَانَ الْخَبَر عَنِ الْبُيُوت لَا يَتِمّ إِلَّا بِقَوْلِ : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا } فَأَمَّا وَالْخَبَر عَنْهَا دُون ذَلِكَ تَامّ , فَلَا وَجْه لِتَوْجِيهِ قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ } إِلَى غَيْره , أَيْ غَيْر الْخَبَر عَنِ الرِّجَال , وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يُصَلِّي لَهُ فِي هَذِهِ الْبُيُوت بِالْغَدَوَاتِ وَالْعَشِيَّات رِجَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19803 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعَافَى بْن عِمْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (كُلّ تَسْبِيح فِي الْقُرْآن فَهُوَ صَلَاة . )19804 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : ( { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يَقُول : يُصَلِّي لَهُ فِيهَا بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ . يَعْنِي بِالْغُدُوِّ : صَلَاة الْغَدَاة , وَيَعْنِي بِالْآصَالِ صَلَاة الْعَصْر , وَهُمَا أَوَّل مَا افْتَرَضَ اللَّه مِنَ الصَّلَاة , فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرهُمَا وَيَذْكُر بِهِمَا عِبَادَته . )19805 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : ( { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال } أَذِنَ اللَّه أَنْ تُبْنَى , فَيُصَلَّى فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال . )19806 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : فِي قَوْله : ( { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يَعْنِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة .)
وَقَوْله : { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَشْغَل هَؤُلَاءِ الرِّجَال الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِد الَّتِي أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع عَنْ ذِكْر اللَّه فِيهَا وَإِقَام الصَّلَاة , تِجَارَة وَلَا بَيْع . كَمَا : 19807 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ اسْمه فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَالْأَبْصَار } قَالَ : هُمْ قَوْم فِي تِجَارَاتهمْ وَبُيُوعهمْ , لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَاتهمْ وَلَا بُيُوعهمْ عَنْ ذِكْر اللَّه . )19808 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه : (أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى قَوْم مِنْ السُّوق قَامُوا وَتَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه : { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... الْآيَة . )19809 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنِ ابْن مَسْعُود , نَحْو ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , قَالَ : حُدِّثْت عَنِ ابْن مَسْعُود : (أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْل السُّوق حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ تَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ عَبْد اللَّه : هَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } . )وَقَالَ : بَعْضهمْ مَعْنَى ذَلِكَ { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع } عَنْ صَلَاتهمُ الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19810 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : ( { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول : عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة .)|وَإِقَامِ الصَّلَاةِ|قَوْله : { وَإِقَام الصَّلَاة } يَقُول : وَلَا يَشْغَلهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ إِقَام الصَّلَاة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا . وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19811 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ عَوْف اسْمه فِي : ( { إِقَام الصَّلَاة } قَالَ : يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْد مَوَاقِيت الصَّلَاة . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ قَوْله : { إِقَام الصَّلَاة } مَصْدَرًا مِنْ قَوْله أَقَمْت ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : أَوَلَيْسَ الْمَصْدَر مِنْهُ إِقَامَة , كَالْمَصْدَرِ مِنْ آجَرْت إِجَارَة ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ قَالَ : { إِقَام الصَّلَاة } أَوَتُجِيزُ أَنْ نَقُول : أَقَمْت إِقَامًا ؟ قِيلَ : وَلَكِنِّي أُجِيز أَعْجَبَنِي إِقَام الصَّلَاة . فَإِنْ قِيلَ : وَمَا وَجْه جَوَاز ذَلِكَ ؟ قِيلَ : إِنَّ الْحُكْم فِي أَقَمْت إِذَا جُعِلَ مِنْهُ مَصْدَر أَنْ يُقَال إِقْوَامًا , كَمَا يُقَال : أَقْعَدْت فُلَانًا إِقْعَادًا وَأَعْطَيْته إِعْطَاء ; وَلَكِنَّ الْعَرَب لَمَّا سَكَّنَتِ الْوَاو مِنْ | أَقَمْت | فَسَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِهَا وَهِيَ سَاكِنَة وَالْمِيم وَهِيَ سَاكِنَة , بَنَوْا الْمَصْدَر عَلَى ذَلِكَ ; إِذْ جَاءَتِ الْوَاو سَاكِنَة قَبْل أَلِف الْإِفْعَال وَهِيَ سَاكِنَة , فَسَقَطَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا , فَأَبْدَلُوا مِنْهَا هَاء فِي آخِر الْحَرْف , كَالتَّكْثِيرِ لِلْحَرْفِ , كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي قَوْلهمْ : وَعَدْته عِدَة , وَوَزَنْته زِنَة ; إِذْ ذَهَبَتِ الْوَاو مِنْ أَوَّله , كَثَّرُوهُ مِنْ آخِره بِالْهَاءِ ; فَلَمَّا أُضِيفَتْ الْإِقَامَة إِلَى الصَّلَاة , حَذَفُوا الزِّيَادَة الَّتِي كَانُوا زَادُوهَا لِلتَّكْثِيرِ , وَهِيَ الْهَاء فِي آخِرهَا ; لِأَنَّ الْخَافِض وَمَا خَفَضَ عِنْدهمْ كَالْحَرْفِ الْوَاحِد , فَاسْتَغْنَوْا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْف الزَّائِد . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي نَظِير ذَلِكَ : <br>إِنَّ الْخَلِيط أَجَدُّوا الْبَيْن فَانْجَرَدُوا .......... وَأَخْلَفُوك عِد الْأَمْر الَّذِي وَعَدُوا <br>يُرِيد : عِدَة الْأَمْر . فَأَسْقَطَ الْهَاء مِنَ الْعِدَة لَمَّا أَضَافَهَا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي إِقَام الصَّلَاة .|وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ|وَقَوْله : { وَإِيتَاء الزَّكَاة } قِيلَ : مَعْنَاهُ وَإِخْلَاص الطَّاعَة لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19812 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } [2 43 ]. { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } [19 55 ]. وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } [19 31 ]. وَقَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } [24 21 ]. وَقَوْله : { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاة } [19 13 ]. وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن , قَالَ : يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص .)|يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ|وَقَوْله : { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَقُول : يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب مِنْ هَوْله , بَيْن طَمَع بِالنَّجَاةِ وَحَذَر بِالْهَلَاكِ . { وَالْأَبْصَار } أَيّ نَاحِيَة يُؤْخَذ بِهِمْ : أَذَات الْيَمِين أَمْ ذَات الشِّمَال ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ : أَمِنْ قِبَل الْأَيْمَان أَوْ مِنْ قِبَل الشَّمَائِل ؟ وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 19813 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه : ( { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } ... إِلَى قَوْله : { تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَوْم الْقِيَامَة .)
وَقَوْله : { لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا عَمِلُوا } يَقُول : فَعَلُوا ذَلِكَ , يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه , وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة وَأَطَاعُوا رَبّهمْ , مَخَافَة عَذَابه يَوْم الْقِيَامَة ; كَيْ يُثِيبهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِأَحْسَن أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , وَيَزِيدهُمْ عَلَى ثَوَابه إِيَّاهُمْ عَلَى أَحْسَن أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , مِنْ فَضْله , فَيَفْضُل عَلَيْهِمْ عَنْ عِنْده بِمَا أَحَبَّ مِنْ كَرَامَته لَهُمْ .|وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ|وَقَوْله : { وَاللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَتَفَضَّل عَلَى مَنْ شَاءَ وَأَرَادَ مِنْ طَوْله وَكَرَامَته , مِمَّا لَمْ يَسْتَحِقّهُ بِعَمَلِهِ وَلَمْ يَبْلُغهُ بِطَاعَتِهِ ; { بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : بِغَيْرِ مُحَاسَبَة عَلَى مَا بَذَلَ لَهُ وَأَعْطَاهُ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } </subtitle>وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ أَهْل الْكُفْر بِهِ , فَقَالَ : وَالَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد رَبّهمْ وَكَذَّبُوا بِهَذَا الْقُرْآن وَبِمَنْ جَاءَ بِهِ , مَثَل أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا { كَسَرَابٍ } يَقُول : مِثْل سَرَاب , وَالسَّرَاب مَا لَصِقَ بِالْأَرْضِ , وَذَلِكَ يَكُون نِصْف النَّهَار وَحِين يَشْتَدّ الْحَرّ . وَالْآل مَا كَانَ كَالْمَاءِ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , وَذَلِكَ يَكُون أَوَّل النَّهَار , يَرْفَع كُلّ شَيْء ضُحًى . وَقَوْله : { بِقِيعَةٍ } وَهِيَ جَمْع قَاع , كَالْجِيرَةِ جَمْع جَار , وَالْقَاع مَا انْبَسَطَ مِنْ الْأَرْض وَاتَّسَعَ , وَفِيهِ يَكُون السَّرَاب . وَقَوْله : { يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء } يَقُول : يَظُنّ الْعَطْشَان مِنَ النَّاس السَّرَاب , مَاء . { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ } وَالْهَاء مِنْ ذِكْر الشَّرَاب , وَالْمَعْنَى : حَتَّى إِذَا جَاءَ الظَّمْآن السَّرَاب مُلْتَمِسًا مَاء يَسْتَغِيث بِهِ مِنْ عَطَشه { لَمْ يَجِد شَيْئًا } يَقُول : لَمْ يَجِد السَّرَاب شَيْئًا , فَكَذَلِكَ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي غُرُور يَحْسَبُونَ أَنَّهَا مُنْجِيَتهمْ عِنْد اللَّه مِنْ عَذَابه , كَمَا حَسِبَ الظَّمْآن الَّذِي رَأَى السَّرَاب فَظَنَّهُ مَاء يَرْوِيه مِنْ ظَمَئِهِ ; حَتَّى إِذَا هَلَكَ وَصَارَ إِلَى الْحَاجَة إِلَى عَمَله الَّذِي كَانَ يَرَى أَنَّهُ نَافِعه عِنْد اللَّه , لَمْ يَجِدهُ يَنْفَعهُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ كَانَ عَمَله عَلَى كُفْر بِاللَّهِ , وَوَجَدَ اللَّه هَذَا الْكَافِر عِنْد هَلَاكه بِالْمِرْصَادِ , فَوَفَّاهُ يَوْم الْقِيَامَة حِسَاب أَعْمَاله الَّتِي عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا وَجَازَاهُ بِهَا جَزَاءَهُ الَّذِي يَسْتَحِقّهُ عَلَيْهِ مِنْهُ . فَإِنْ قَالَ : قَائِل وَكَيْف قِيلَ : { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّرَاب شَيْئًا , فَعَلَامَ أُدْخِلَتِ الْهَاء فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ } ؟ قِيلَ : إِنَّهُ شَيْء يُرَى مِنْ بَعِيد كَالضَّبَابِ الَّذِي يُرَى كَثِيفًا مِنْ بَعِيد وَالْهَبَاء , فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ الْمَرْء رَقَّ وَصَارَ كَالْهَوَاءِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ مَوْضِع السَّرَاب لَمْ يَجِد السَّرَاب شَيْئًا , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ السَّرَاب مِنْ ذِكْر مَوْضِعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19814 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : (ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَر , فَقَالَ : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : وَكَذَلِكَ الْكَافِر يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يَحْسِب أَنَّ عِنْد اللَّه خَيْرًا , فَلَا يَجِد , فَيُدْخِلهُ النَّار . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب بِنَحْوِهِ . 19815 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } يَقُول : الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة . )19816 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } ... إِلَى قَوْله : { وَاللَّه سَرِيع الْحِسَاب } قَالَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِرَجُلٍ عَطِشَ فَاشْتَدَّ عَطَشه , فَرَأَى سَرَابًا فَحَسِبَهُ مَاء , فَطَلَبه وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ , حَتَّى أَتَاهُ , فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا , وَقُبِضَ عِنْد ذَلِكَ . يَقُول الْكَافِر كَذَلِكَ , يَحْسِب أَنَّ عَمَله مُغْنٍ عَنْهُ أَوْ نَافِعه شَيْئًا , وَلَا يَكُون آتِيًا عَلَى شَيْء حَتَّى يَأْتِيه الْمَوْت , فَإِذَا أَتَاهُ الْمَوْت لَمْ يَجِد عَمَله أَغْنَى عَنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَنْفَعهُ إِلَّا كَمَا نَفَعَ الْعَطْشَان الْمُشْتَدّ إِلَى السَّرَاب . )19817 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : بِقَاعٍ مِنَ الْأَرْض , وَالسَّرَاب عَمَله . زَادَ الْحَارِث فِي حَدِيثه عَنْ الْحَسَن وَالسَّرَاب عَمَل الْكَافِر . { إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } . إِتْيَانه إِيَّاهُ : مَوْته وَفِرَاقه الدُّنْيَا . { وَوَجَدَ اللَّه } عِنْد فِرَاقه الدُّنْيَا , { فَوَفَّاهُ حِسَابه } . )19818 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : بِقِيعَةٍ مِنْ الْأَرْض . { يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء } هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْكَافِر , يَقُول : يَحْسَب أَنَّهُ فِي شَيْء كَمَا يَحْسَب هَذَا السَّرَاب مَاء . { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } وَكَذَلِكَ الْكَافِر إِذَا مَاتَ لَمْ يَجِد عَمَله شَيْئًا { وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } . )19819 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } ... إِلَى قَوْله : { وَوَجَدَ اللَّه عِنْده } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلَّذِينَ كَفَرُوا ; { أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَدْ رَأَى السَّرَاب , وَوَثِقَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ مَاء , فَلَمَّا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ أَعْمَالهمْ صَالِحَة , وَأَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ مِنْهَا إِلَى خَيْر , فَلَمْ يَرْجِعُوا مِنْهَا إِلَّا كَمَا رَجَعَ صَاحِب السَّرَاب ; فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ .)|وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ|يَقُول وَاللَّه سَرِيع حِسَابه ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره لَا يَحْتَاج إِلَى عَقْد أَصَابِع وَلَا حِفْظ بِقَلْبٍ , وَلَكِنَّهُ عَالِم بِذَلِكَ كُلّه قَبْل أَنْ يَعْمَلهُ الْعَبْد وَمِنْ بَعْد مَا عَمِلَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } </subtitle>وَهَذَا مَثَل آخَر ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكُفَّار , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَثَل أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي أَنَّهَا عُمِلَتْ عَلَى خَطَأ وَفَسَاد وَضَلَالَة وَحِيرَة مِنْ عُمَّالهَا فِيهَا وَعَلَى غَيْر هُدًى , مَثَل ظُلُمَات فِي بَحْر لُجِّيّ . وَنَسَبَ الْبَحْر إِلَى اللُّجَّة , وَصْفًا لَهُ بِأَنَّهُ عَمِيق كَثِير الْمَاء . وَلُجَّة الْبَحْر : مُعْظَمه . { يَغْشَاهُ مَوْج } يَقُول يَغْشَى الْبَحْر مَوْج , { مِنْ فَوْقه مَوْج } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج مَوْج آخَر يَغْشَاهُ , { مِنْ فَوْقه سَحَاب } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج الثَّانِي الَّذِي يَغْشَى الْمَوْج الْأَوَّل سَحَاب . فَجَعَلَ الظُّلُمَات مَثَلًا لِأَعْمَالِهِمْ , وَالْبَحْر اللُّجِّيّ مَثَلًا لِقَلْبِ الْكَافِر , يَقُول : عَمِلَ بِنِيَّةِ قَلْب قَدْ غَمَرَهُ الْجَهْل وَتَغَشَّتْهُ الضَّلَال وَالْحِيرَة كَمَا يَغْشَى هَذَا الْبَحْر اللُّجِّيّ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , فَكَذَلِكَ قَلْب هَذَا الْكَافِر الَّذِي مَثَل عَمَله مَثَل هَذِهِ الظُّلُمَات , يَغْشَاهُ الْجَهْل بِاللَّهِ , بِأَنَّ اللَّه خَتَمَ عَلَيْهِ فَلَا يَعْقِل عَنِ اللَّه , وَعَلَى سَمْعه فَلَا يَسْمَع مَوَاعِظ اللَّه , وَجَعَلَ عَلَى بَصَره غِشَاوَة فَلَا يُبْصِر بِهِ حُجَج اللَّه , فَتِلْكَ ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب } ... إِلَى قَوْله : { مِنْ نُور } قَالَ : يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ الْأَعْمَال , وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيّ قَلْب الْإِنْسَان . قَالَ : يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , قَالَ : ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض ; يَعْنِي بِذَلِكَ الْغَشَاوَة الَّتِي عَلَى الْقَلْب وَالسَّمْع وَالْبَصَر . )وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } ... [2 7 ]الْآيَة , وَكَقَوْلِهِ : { أَفَرَأَيْت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ } ... إِلَى قَوْله : { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [45 23 ]. 19821 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } عَمِيق , وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ يَعْمَل فِي ضَلَالَة وَحِيرَة , قَالَ : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } . )وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , مَا : 19822 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : ( { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج } ... الْآيَة , قَالَ : ضَرَبَ مَثَلًا آخَر لِلْكَافِرِ , فَقَالَ : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } ... الْآيَة , قَالَ : فَهُوَ يَتَقَلَّب فِي خَمْس مِنَ الظُّلَم فَكَلَامه ظُلْمَة , وَعَمَله ظُلْمَة , وَمَدْخَله ظُلْمَة , وَمَخْرَجه ظُلْمَة , وَمَصِيره إِلَى الظُّلُمَات يَوْم الْقِيَامَة إِلَى النَّار . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , بِنَحْوِهِ . 19823 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج } . .. إِلَى قَوْله : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } قَالَ : شَرّ بَعْضه فَوْق بَعْض .)|إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا|وَقَوْله : { إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } يَقُول : إِذَا أَخْرَجَ النَّاظِر يَده فِي هَذِهِ الظُّلُمَات , لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا . فَإِنْ قَالَ : لَنَا قَائِل وَكَيْفَ قِيلَ : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا , مَعَ شِدَّة هَذِهِ الظُّلْمَة الَّتِي وَصَفَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْل الْقَائِل : لَمْ أَكَدْ أَرَى فُلَانًا , إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات مِنْهُ لِنَفْسِهِ رُؤْيَته بَعْد جَهْد وَشِدَّة , وَمِنْ دُون الظُّلُمَات الَّتِي وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا لَا يَرَى النَّاظِر يَده إِذَا أَخْرَجَهَا فِيهِ , فَكَيْفَ فِيهَا ؟ قِيلَ : فِي ذَلِكَ أَقْوَال نَذْكُرهَا , ثُمَّ نُخْبِر بِالصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ . أَحَدهَا : أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام إِذَا أَخْرَجَ يَده رَائِيًا لَهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ; أَيْ لَمْ يَعْرِف مِنْ أَيْنَ يَرَاهَا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَرَهَا , وَيَكُون قَوْله : { لَمْ يَكَدْ } فِي دُخُوله فِي الْكَلَام , نَظِير دُخُول الظَّنّ فِيمَا هُوَ يَقِين مِنَ الْكَلَام , كَقَوْلِهِ : { وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص } وَنَحْو ذَلِكَ . وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون قَدْ رَآهَا بَعْد بُطْء وَجَهْد , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : مَا كِدْت أَرَاك مِنْ الظُّلْمَة , وَقَدْ رَآهُ , وَلَكِنْ بَعْد إِيَاس وَشِدَّة . وَهَذَا الْقَوْل الثَّالِث أَظْهَر مَعَانِي الْكَلِمَة مِنْ جِهَة مَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب | أَكَاد | فِي كَلَامهَا . وَالْقَوْل الْآخَر الَّذِي قُلْنَا إِنَّهُ يَتَوَجَّه إِلَى أَنَّهُ مَعْنَى لَمْ يَرَهَا , قَوْل أَوْضَح مِنْ جِهَة التَّفْسِير , وَهُوَ أَخْفَى مَعَانِيه . وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , أَعْنِي أَنْ يَقُول : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا مَعَ شِدَّة الظُّلْمَة الَّتِي ذَكَرَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَثَل لَا خَبَر عَنْ كَائِن كَانَ.|وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا|يَقُول : مَنْ لَمْ يَرْزُقهُ اللَّه إِيمَانًا وَهُدًى مِنْ الضَّلَالَة وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ ,|فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ|يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ إِيمَان وَهُدًى وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَنْظُر يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك فَتَعْلَم أَنَّ اللَّه يُصَلِّي لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْ مَلَك وَإِنْس وَجِنّ . { وَالطَّيْر صَافَّات } فِي الْهَوَاء أَيْضًا تُسَبِّح لَهُ . { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } وَالتَّسْبِيح عِنْدك صَلَاة , فَيُقَال : قِيلَ : إِنَّ الصَّلَاة لِبَنِي آدَم وَالتَّسْبِيح لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْق , وَلِذَلِكَ فَصَّلَ فِيمَا بَيْن ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } قَالَ : وَالصَّلَاة لِلْإِنْسَانِ , وَالتَّسْبِيح لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْخَلْق . )19825 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } قَالَ : صَلَاته لِلنَّاسِ , وَتَسْبِيحه : عَامَّة لِكُلِّ شَيْء . )وَيَتَوَجَّه قَوْله : { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } لِوُجُوهٍ : أَحَدهَا أَنْ تَكُون الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { صَلَاته وَتَسْبِيحه } مِنْ ذِكْر | كُلّ | , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ قَدْ عَلِمَ اللَّه صَلَاته وَتَسْبِيحه , وَيَكُون | الْكُلّ | حِينَئِذٍ مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } وَهُوَ الْهَاء الَّتِي فِي الصَّلَاة . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون الْهَاء فِي الصَّلَاة وَالتَّسْبِيح أَيْضًا لِ | الْكُلّ | , وَيَكُون | الْكُلّ | مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره عَلَيْهِ فِي { عَلِمَ } وَيَكُون { عَلِمَ } فِعْلًا لِ | الْكُلّ | , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ قَدْ عَلِمَ كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ صَلَاة نَفْسه وَتَسْبِيحه الَّذِي كَلَّفَهُ وَأَلْزَمَهُ . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ تَكُون الْهَاء فِي الصَّلَاة وَالتَّسْبِيح مِنْ ذِكْر اللَّه , وَالْعِلْم لِ | الْكُلّ | , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ قَدْ عَلِمَ كُلّ مُسَبِّح وَمُصَلٍّ صَلَاة اللَّه الَّتِي كَلَّفَهُ إِيَّاهَا , وَتَسْبِيحه . وَأَظْهَر هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة عَلَى هَذَا الْكَلَام الْمَعْنَى الْأَوَّل , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : كُلّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ وَمُسَبِّح , قَدْ عَلِمَ اللَّه صَلَاته وَتَسْبِيحه.|وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ|وَقَوْله : { وَاللَّه عَلِيم بِمَا يَفْعَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَفْعَل كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَفْعَالهمْ , طَاعَتهَا وَمَعْصِيَتهَا , مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , وَهُوَ مُجَازِيهمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه .
وَقَوْله : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِلَّهِ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , دُون كُلّ مَنْ هُوَ دُونه مِنْ سُلْطَان وَمُلْك , فَإِيَّاهُ فَارْهَبُوا أَيّهَا النَّاس , وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا لَا إِلَى غَيْره , فَإِنَّ بِيَدِهِ خَزَائِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض , لَا يَخْشَى بِعَطَايَاكُمْ مِنْهَا فَقْرًا.|وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ|يَقُول وَأَنْتُمْ إِلَيْهِ بَعْد وَفَاتكُمْ , مَصِيركُمْ وَمَعَادكُمْ , فَيُوَفِّيكُمْ أُجُور أَعْمَالكُمْ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا فِي الدُّنْيَا , فَأَحْسِنُوا عِبَادَته , وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَته , وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { أَنَّ اللَّه يُزْجِي } يَعْنِي يَسُوق { سَحَابًا } حَيْثُ يُرِيد . { ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه } يَقُول ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْن السَّحَاب . وَأَضَافَ | بَيْن | إِلَى السَّحَاب , وَلَمْ يَذْكُر مَعَ غَيْره , وَ | بَيْن | لَا تَكُون مُضَافَة إِلَّا إِلَى جَمَاعَة أَوْ اثْنَيْنِ ; لِأَنَّ السَّحَاب فِي مَعْنَى جَمْع , وَاحِده سَحَابَة , كَمَا يُجْمَع النَّخْلَة : نَخْل , وَالتَّمْرَة تَمْر , فَهُوَ نَظِير قَوْل قَائِل : جَلَسَ فُلَان بَيْن النَّخْل . وَتَأْلِيف اللَّه السَّحَاب جَمْعه بَيْن مُتَفَرِّقهَا . وَقَوْله : { ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } يَقُول : ثُمَّ يَجْعَل السَّحَاب الَّذِي يُزْجِيه وَيُؤَلِّف بَعْضه إِلَى بَعْض { رُكَامًا } يَعْنِي مُتَرَاكِمًا بَعْضه عَلَى بَعْض . وَقَدْ : 19826 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِد , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , قَالَ : (الرِّيَاح أَرْبَع : يَبْعَث اللَّه الرِّيح الْأُولَى فَتَقُمّ الْأَرْض قَمًّا , ثُمَّ يَبْعَث الثَّانِيَة فَتُنْشِئ سَحَابًا , ثُمَّ يَبْعَث الثَّالِثَة فَتُؤَلِّف بَيْنه فَتَجْعَلهُ رُكَامًا , ثُمَّ يَبْعَث الرَّابِعَة فَتُمْطِرهُ.)|فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ|وَقَوْله : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } يَقُول : فَتَرَى الْمَطَر يَخْرُج مِنْ بَيْن السَّحَاب , وَهُوَ الْوَدْق , قَالَ : الشَّاعِر : <br>فَلَا مُزْنَة وَدَقَتْ وَدْقهَا .......... وَلَا أَرْض أَبْقَلَ إِبْقَالهَا <br>وَالْهَاء فِي قَوْله : { مِنْ خِلَاله } مِنْ ذِكْر السَّحَاب , وَالْخِلَال : جَمْع خَلَل . وَذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ : | مِنْ خَلَله | . 19827 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : (أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْف : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } : | مِنْ خَلَلِهِ . )19828 - قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عَبَّاس , (أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْف : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } : | مِنْ خَلَله . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عَبَّاس , (أَنَّهُ قَرَأَهَا : | مِنْ خَلَلِهِ | بِفَتْحِ الْخَاء , مِنْ غَيْر أَلِف . )قَالَ هَارُون : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي عَمْرو , فَقَالَ : إِنَّهَا لَحَسَنَة , وَلَكِنَّ خِلَاله أَعَمّ . وَأَمَّا قُرَّاء الْأَمْصَار , فَإِنَّهُمْ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى : { مِنْ خِلَاله } وَهِيَ الَّتِي نَخْتَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . 19829 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } قَالَ : الْوَدْق الْقَطْر , وَالْخِلَال : السَّحَاب .)|وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ|وَقَوْله : { وَيُنَزِّل مِنَ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } : قِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ مَعْنَاهُ : وَأَنَّ اللَّه يُنَزِّل مِنَ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِي السَّمَاء مِنْ بَرَد , مَخْلُوقَة هُنَالِكَ خَلْقه . كَأَنَّ الْجِبَال عَلَى هَذَا الْقَوْل , هِيَ مِنْ بَرَد , كَمَا يُقَال : جِبَال مِنْ طِين . وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّ اللَّه يُنَزِّل مِنْ السَّمَاء قَدْر جِبَال وَأَمْثَال جِبَال مِنْ بَرَد إِلَى الْأَرْض , كَمَا يُقَال : عِنْدِي بَيْتَانِ تِبْنًا . وَالْمَعْنَى قَدْر بَيْتَيْنِ مِنْ التِّبْن , وَالْبَيْتَانِ لَيْسَا مِنْ التِّبْن .|فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ|وَقَوْله : { فَيُصِيب بِهِ مَنْ يَشَاء وَيَصْرِفهُ عَمَّنْ يَشَاء } يَقُول : فَيُعَذِّب بِذَلِكَ الَّذِي يُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد مَنْ يَشَاء فَيُهْلِكهُ , أَوْ يُهْلِك بِهِ زُرُوعه وَمَاله .|وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ|مِنْ خَلْقه , يَعْنِي عَنْ زُرُوعهمْ وَأَمْوَالهمْ.|يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ|وَقَوْله : { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ } يَقُول : يَكَاد شِدَّة ضَوْء بَرْق هَذَا السَّحَاب يَذْهَب بِأَبْصَارِ مَنْ لَاقَى بَصَره . وَالسَّنَا : مَقْصُور , وَهُوَ ضَوْء الْبَرْق . كَمَا : 19830 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَكَاد سَنَا بَرْقه } قَالَ : ضَوْء بَرْقه . )19831 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَكَاد سَنَا بَرْقه } يَقُول : لَمَعَان الْبَرْق يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ . )19832 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ } قَالَ : سَنَاهُ : ضَوْء يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ . )وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ | يَذْهَب | , سِوَى أَبِي جَعْفَر الْقَارِي فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِضَمِّ الْيَاء : | يُذْهِب بِالْأَبْصَارِ | . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَخْتَار غَيْرهَا هِيَ فَتْحهَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَدْخَلَتْ الْبَاء فِي مَفْعُول | ذَهَبَتْ | , لَمْ يَقُولُوا إِلَّا ذَهَبَ بِهِ , دُون أَذْهَبْت بِهِ . وَإِذَا أَدْخَلُوا الْأَلِف فِي | أَذْهَبْت | , لَمْ يَكَادُوا أَنْ يُدْخِلُوا الْبَاء فِي مَفْعُوله , فَيَقُولُونَ أَذْهَبْته , وَذَهَبْت بِهِ .
وَقَوْله : { يُقَلِّب اللَّه اللَّيْل وَالنَّهَار } يَقُول يُعَقِّب اللَّه بَيْن اللَّيْل وَالنَّهَار وَيُصَرِّفهُمَا , إِذَا أَذْهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا , وَإِذَا أَذْهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ|يَقُول : إِنَّ فِي إِنْشَاء اللَّه السَّحَاب وَإِنْزَاله مِنْهُ الْوَدْق وَمِنَ السَّمَاء الْبَرَد وَفِي تَقْلِيبه اللَّيْل وَالنَّهَار , لَعِبْرَة لِمَنْ اعْتَبَرَ بِهِ وَعِظَة لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فَهْم وَعَقْل ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْبِئ وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا وَمُصَرِّفًا وَمُقَلِّبًا , لَا يُشْبِههُ شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رَجُلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة غَيْر عَاصِم : | وَاللَّه خَالِق كُلّ دَابَّة | . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَعَاصِم : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة } بِنَصْبِ | كُلّ | , وَ | خَلَقَ | عَلَى مِثَال | فَعَلَ | . وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِضَافَة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ | خَالِق | تَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضِيّ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَوْله : { خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء } يَعْنِي مِنْ نُطْفَة . { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } كَالْحَيَّاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا . وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ : { مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } وَالْمَشْي لَا يَكُون عَلَى الْبَطْن ; لِأَنَّ الْمَشْي إِنَّمَا يَكُون لِمَا لَهُ قَوَائِم , عَلَى التَّشْبِيه , أَنَّهُ لَمَّا خَالَطَ مَا لَهُ قَوَائِم مَا لَا قَوَائِم لَهُ , جَازَ , كَمَا قَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ } كَالطَّيْرِ , { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } كَالْبَهَائِمِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قِيلَ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي , وَ | مَنْ | لِلنَّاسِ , وَكُلّ هَذِهِ الْأَجْنَاس أَوْ أَكْثَرهَا لِغَيْرِهِمْ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ تَفْرِيق مَا هُوَ دَاخِل فِي قَوْله : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة } وَكَانَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ النَّاس وَغَيْرهمْ , ثُمَّ قَالَ : { فَمِنْهُمْ } لِاجْتِمَاعِ النَّاس وَالْبَهَائِم وَغَيْرهمْ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَاطهمْ , فَكَنَّى عَنْ جَمِيعهمْ كِنَايَته عَنْ بَنِي آدَم , ثُمَّ فَسَّرَهُمْ بِ | مَنْ | , إِذْ كَانَ قَدْ كَنَّى عَنْهُمْ كِنَايَة بَنِي آدَم خَاصَّة .|يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ|يَقُول : يُحْدِث اللَّه مَا يَشَاء مِنَ الْخَلْق .|إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى إِحْدَاث ذَلِكَ وَخَلْقه وَخَلْق مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء غَيْره , ذُو قُدْرَة لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَات مُبَيِّنَات } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ أَنْزَلْنَا أَيّهَا النَّاس عَلَامَات وَاضِحَات , دَالَّات عَلَى طَرِيق الْحَقّ , وَسَبِيل الرَّشَاد .|وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ|يَقُول : وَاللَّه يُرْشِد مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه بِتَوْفِيقِهِ , فَيَهْدِيه إِلَى دِين الْإِسْلَام , وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم وَالطَّرِيق الْقَاصِد الَّذِي لَا اعْوِجَاج فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول الْمُنَافِقُونَ : صَدَّقْنَا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا اللَّه وَأَطَعْنَا الرَّسُول .|ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ|يَقُول : ثُمَّ تُدْبِر كُلّ طَائِفَة مِنْهُمْ مِنْ بَعْد مَا قَالُوا هَذَا الْقَوْل عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَدْعُو إِلَى الْمُحَاكَمَة إِلَى غَيْره خَصْمهَا .|وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ|يَقُول : وَلَيْسَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , يَعْنِي قَوْله : { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } بِالْمُؤْمِنِينَ ; لِتَرْكِهِمُ الْأَحْكَام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْرَاضهمْ عَنْهُ إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يَكُنَ الْحَقّ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ , فَيَأْبَوْنَ وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْإِجَابَة إِلَى ذَلِكَ , قِبَل الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّه وَرَسُوله , يَأْتُوا إِلَى رَسُول اللَّه مُذْعِنِينَ , يَقُول { مُذْعِنِينَ } مُنْقَادِينَ لِحُكْمِهِ , مُقِرِّينَ بِهِ طَائِعِينَ غَيْر مُكْرَهِينَ ; يُقَال : مِنْهُ قَدْ أَذْعَنَ فُلَان بِحَقِّهِ إِذَا أَقَرَّ بِهِ طَائِعًا غَيْر مُسْتَكْرَه وَانْقَادَ لَهُ وَسَلَّمَ . وَكَانَ مُجَاهِد فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 19833 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } قَالَ : سِرَعًا .)
وَقَوْله : { أَفِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفِي قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ شَكّ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَهُ رَسُول فَهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْإِجَابَة إِلَى حُكْمه وَالرِّضَا بِهِ .|أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ| { أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيف اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَسُوله } إِذَا احْتَكَمُوا إِلَى حُكْم كِتَاب اللَّه وَحُكْم رَسُوله . وَقَوْله : { أَنْ يَحِيف اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَسُوله } وَالْمَعْنَى : أَنْ يَحِيف رَسُول اللَّه عَلَيْهِمْ , فَبَدَأَ بِاللَّهِ تَعَالَى ذِكْره تَعْظِيمًا لِلَّهِ , كَمَا يُقَال : مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ شِئْت , بِمَعْنَى شِئْت . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ } فَأَفْرَدَ الرَّسُول بِالْحُكْمِ , وَلَمْ يَقُلْ : لِيَحْكُمَا .|بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ|وَقَوْله : { بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } يَقُول : مَا خَافَ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ حُكْم اللَّه وَحُكْم رَسُوله , إِذْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِجَابَة إِلَى ذَلِكَ , مِمَّا دُعُوا إِلَيْهِ , أَنْ يَحِيف عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه , فَيَجُور فِي حُكْمه عَلَيْهِمْ ; وَلَكِنَّهُمْ قَوْم أَهْل ظُلْم لِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِهِمْ أَمْر رَبّهمْ وَمَعْصِيَتهمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُمْ مِنْ الرِّضَا بِحُكْمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا , وَالتَّسْلِيم لَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى حُكْم اللَّه وَإِلَى حُكْم رَسُوله , { لِيَحْكُم بَيْنهمْ } وَبَيْن خُصُومهمْ , { أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا } مَا قِيلَ لَنَا , { وَأَطَعْنَا } مَنْ دَعَانَا إِلَى ذَلِكَ . وَلَمْ يُعْنَ بِكَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَبَر عَنْ أَمْر قَدْ مَضَى فَيُقْضَى , وَلَكِنَّهُ تَأْنِيب مِنَ اللَّه الَّذِي أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِهِمْ وَتَأْدِيب مِنْهُ آخَرِينَ غَيْرهمْ .|وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ|وَقَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ وَبَيْن خُصُومهمْ , أَنْ يَقُولُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . { الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : هُمُ الْمُنَجَّحُونَ الْمُدْرِكُونَ طِلْبَاتِهِمْ , بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ , الْمُخَلَّدُونَ فِي جَنَّات اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله وَيَخْشَى اللَّه وَيَتَّقِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ , وَيُسَلِّم لِحُكْمِهِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ , وَيَخَفْ عَاقِبَة مَعْصِيَة اللَّه وَيَحْذَرهُ , وَيَتَّقِ عَذَاب اللَّه بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِي أَمْره وَنَهْيه ;|فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ|يَقُول : فَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِرِضَا اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَأَمْنهمْ مِنْ عَذَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ أَمَرْتهمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَة مَعْرُوفَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَحَلَفَ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ حُكْم اللَّه وَحُكْم رَسُوله إِذْ دُعُوا إِلَيْهِ { بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ } يَقُول : أَغْلَظ أَيْمَانهمْ وَأَشَدّهَا : { لَئِنْ أَمَرْتهمْ } يَا مُحَمَّد بِالْخُرُوجِ إِلَى جِهَاد عَدُوّك وَعَدُوّ الْمُؤْمِنِينَ { لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا } ; لَا تَحْلِفُوا , فَإِنَّ هَذِهِ { طَاعَة مَعْرُوفَة } مِنْكُمْ , فِيهَا التَّكْذِيب . كَمَا : 19834 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَة مَعْرُوفَة } قَالَ : قَدْ عُرِفَتْ طَاعَتكُمْ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ .)|إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ|يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ طَاعَتكُمْ اللَّه وَرَسُوله , أَوْ خِلَافكُمْ أَمْرهمَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُقْسِمِينَ بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ أَمَرْتهمْ لَيَخْرُجُنَّ وَغَيْرهمْ مِنْ أُمَّتك { أَطِيعُوا اللَّه } أَيّهَا الْقَوْم فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ . { وَأَطِيعُوا الرَّسُول } فَإِنَّ طَاعَته لِلَّهِ طَاعَة .|فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ| { فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَقُول فَإِنْ تُعْرِضُوا وَتُدْبِرُوا عَمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَتَأْبَوْا أَنْ تُذْعِنُوا لِحُكْمِهِ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ . { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } يَقُول : فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِعْل مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ مِنْ تَبْلِيغ رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ , عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ التَّبْلِيغ . { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } يَقُول وَعَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنْ تَفْعَلُوا مَا أَلْزَمَكُمْ وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ اتِّبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ . وَقُلْنَا إِنَّ قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } بِمَعْنَى فَإِنْ تَتَوَلَّوْا , فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم ; لِأَنَّهُ خِطَاب لِلَّذِينَ أُمِرَ رَسُول اللَّه بِأَنْ يَقُول لَهُمْ { أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } وَلَوْ كَانَ قَوْله : { تَوَلَّوْا } فِعْلًا مَاضِيًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَيْب , لَكَانَ فِي مَوْضِع قَوْله : { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا } . |وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا|وَقَوْله : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ تُطِيعُوا أَيّهَا النَّاس رَسُول اللَّه فِيمَا يَأْمُركُمْ وَيَنْهَاكُمْ , تَرْشُدُوا وَتُصِيبُوا الْحَقّ فِي أُمُوركُمْ .|وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ|يَقُول : وَغَيْر وَاجِب عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَى قَوْم بِرِسَالَةٍ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغهُمْ رِسَالَته بَلَاغًا يُبَيِّن لَهُمْ ذَلِكَ الْبَلَاغ عَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ , يَقُول فَلَيْسَ عَلَى مُحَمَّد أَيّهَا النَّاس إِلَّا أَدَاء رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ الطَّاعَة ; وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ لِحُظُوظِ أَنْفُسكُمْ تُصِيبُونَ , وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ بِأَنْفُسِكُمْ فَتُوبِقُونَ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينهمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْد خَوْفهمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } بِاللَّهِ وَرَسُوله { مِنْكُمْ } أَيّهَا النَّاس , { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : وَأَطَاعُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَاهُ وَنَهَيَاهُ ; { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض } يَقُول : لَيُوَرِّثَنَّهُمْ اللَّه أَرْض الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَب وَالْعَجَم , فَيَجْعَلهُمْ مُلُوكهَا وَسَاسَتهَا . { كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلهمْ ذَلِكَ بِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَهْلَكَ الْجَبَابِرَة بِالشَّأْمِ وَجَعَلَهُمْ مُلُوكهَا وَسُكَّانهَا . { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينهمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ } يَقُول : وَلَيُوَطِّئَنَّ لَهُمْ دِينهمْ , يَعْنِي مِلَّتهمْ الَّتِي ارْتَضَاهَا لَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِهَا . وَقِيلَ : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا , ثُمَّ تَلَقَّى ذَلِكَ بِجَوَابِ الْيَمِين بِقَوْلِهِ : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } لِأَنَّ الْوَعْد قَوْل يَصْلُح فِيهِ | أَنْ | , وَجَوَاب الْيَمِين كَقَوْلِهِ : وَعَدْتُك أَنْ أُكْرِمك , وَوَعَدْتُك لَأُكْرِمَنَّك . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمَا اسْتَخْلَفَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { كَمَا اسْتَخْلَفَ } بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام , بِمَعْنَى : كَمَا اسْتَخْلَفَ اللَّه الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم : | كَمَا اسْتُخْلِفَ | بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر اللَّام , عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى عَاصِم : { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } بِتَشْدِيدِ الدَّال , بِمَعْنَى : وَلَيُغَيِّرَنَّ حَالهمْ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْف إِلَى الْأَمْن , وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ بُدِّلَ فُلَان : إِذَا غُيِّرَتْ حَاله وَلَمْ يَأْتِ مَكَان غَيْره , وَكَذَلِكَ كُلّ مُغَيَّر عَنْ حَاله فَهُوَ عِنْدهمْ مُبَدَّل بِالتَّشْدِيدِ . وَرُبَّمَا قِيلَ بِالتَّخْفِيفِ , وَلَيْسَ بِالْفَصِيحِ . فَأَمَّا إِذَا جُعِلَ مَكَان الشَّيْء الْمُبَدَّل غَيْره , فَذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ : أَبْدَلْته فَهُوَ مُبْدَل . وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : أَبْدَلَ هَذَا الثَّوْب : أَيْ جَعَلَ مَكَانه آخَر غَيْره , وَقَدْ يُقَال بِالتَّشْدِيدِ ; غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مِنَ الْكَلَام مَا وَصَفْت . وَكَانَ عَاصِم يَقْرَؤُهُ : | وَلَيُبْدِلَنَّهُم | بِتَخْفِيفِ الدَّال . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : التَّشْدِيد , عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت قَبْل ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ , وَأَنَّ ذَاكَ تَغْيِير حَال الْخَوْف إِلَى الْأَمْن . وَأَرَى عَاصِمًا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَمْن لَمَّا كَانَ خِلَاف الْخَوْف وَجَّهَ الْمَعْنَى إِلَى أَنَّهُ ذَهَبَ بِحَالِ الْخَوْف وَجَاءَ بِحَالِ الْأَمْن , فَخَفَّفَ ذَلِكَ . وَمِنَ الدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ التَّخْفِيف إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ فِي إِبْدَال شَيْء مَكَان آخَر , قَوْل أَبِي النَّجْم : <br>عَزْل الْأَمِير لِلْأَمِيرِ الْمُبْدَل <br>وَقَوْله : { يَعْبُدُونَنِي } يَقُول : يَخْضَعُونَ لِي بِالطَّاعَةِ وَيَتَذَلَّلُونَ لِأَمْرِي وَنَهْيِي . { لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } يَقُول : لَا يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّايَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَلَا شَيْئًا غَيْرهَا , بَلْ يُخْلِصُونَ لِي الْعِبَادَة فَيُفْرِدُونَهَا إِلَيَّ دُون كُلّ مَا عُبِدَ مِنْ شَيْء غَيْرِي . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل شِكَايَة بَعْض أَصْحَابه إِلَيْهِ فِي بَعْض الْأَوْقَات الَّتِي كَانُوا فِيهَا مِنَ الْعَدُوّ فِي خَوْف شَدِيد مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الرُّعْب وَالْخَوْف وَمَا يَلْقَوْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَالْمَكْرُوه . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 19835 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَوْله : ( { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } ... الْآيَة , قَالَ : (مَكَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْر سِنِينَ خَائِفًا يَدْعُو إِلَى اللَّه سِرًّا وَعَلَانِيَة , قَالَ : ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة . قَالَ : فَمَكَثَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابه خَائِفُونَ , يُصْبِحُونَ فِي السِّلَاح وَيُمْسُونَ فِيهِ , فَقَالَ رَجُل : مَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْم نَأْمَن فِيهِ وَنَضَع عَنَّا السِّلَاح ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا تَغْبُرُونَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِس الرَّجُل مِنْكُمْ فِي الْمَلَإِ الْعَظِيم مُحْتَبِيًا فِيهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيدَة . )فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } ... إِلَى قَوْله : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ } | قَالَ : يَقُول : مَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ النِّعْمَة { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَلَيْسَ يَعْنِي الْكُفْر بِاللَّهِ . قَالَ : فَأَظْهَرَهُ اللَّه عَلَى جَزِيرَة الْعَرَب , فَآمَنُوا , ثُمَّ تَجَبَّرُوا , فَغَيَّرَ اللَّه مَا بِهِمْ . وَكَفَرُوا بِهَذِهِ النِّعْمَة , فَأَدْخَلَ اللَّه عَلَيْهِمُ الْخَوْف الَّذِي كَانَ رَفَعَهُ عَنْهُمْ ; قَالَ الْقَاسِم : قَالَ أَبُو عَلِيّ : بِقَتْلِهِمْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكُفْر الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ } فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ كُفْر بِالنِّعْمَةِ لَا كُفْر بِاللَّهِ . وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَة فِي ذَلِكَ مَا : 19836 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : كُنْت جَالِسًا مَعَ حُذَيْفَة وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ حُذَيْفَة : (ذَهَبَ النِّفَاق , وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان ! قَالَ : فَضَحِكَ عَبْد اللَّه , فَقَالَ : لِمَ تَقُول ذَلِكَ ؟ قَالَ : عَلِمْت ذَلِكَ , قَالَ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض } ... حَتَّى بَلَغَ آخِرهَا . )19837 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : قَعَدْت إِلَى ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة , فَقَالَ حُذَيْفَة : (ذَهَبَ النِّفَاق فَلَا نِفَاق , وَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان ! فَقَالَ عَبْد اللَّه : تَعْلَم مَا تَقُول ؟ قَالَ : فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ } ... حَتَّى بَلَغَ : { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فَضَحِكَ عَبْد اللَّه . قَالَ : فَلَقِيت أَبَا الشَّعْثَاء بَعْد ذَلِكَ بِأَيَّامٍ , فَقُلْت : مِنْ أَيّ شَيْء ضَحِكَ عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي , إِنَّ الرَّجُل رُبَّمَا ضَحِكَ مِنْ الشَّيْء الَّذِي يُعْجِبهُ وَرُبَّمَا ضَحِكَ مِنْ الشَّيْء الَّذِي لَا يُعْجِبهُ , فَمِنْ أَيّ شَيْء ضَحِكَ ؟ لَا أَدْرِي . )وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة مِنْ التَّأْوِيل أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ الْإِنْعَام عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِمَا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ مُنْعِم بِهِ عَلَيْهِمْ ; ثُمَّ قَالَ عَقِيب ذَلِكَ : فَمَنْ كَفَرَ هَذِهِ النِّعْمَة بَعْد ذَلِكَ { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . 19838 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْل اللَّه : ( { يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } قَالَ : تِلْكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )19839 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } قَالَ : لَا يَخَافُونَ غَيْرِي .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَأَطِيعُوا الرَّسُول } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَأَقِيمُوا } أَيّهَا النَّاس { الصَّلَاة } بِحُدُودِهَا فَلَا تُضَيِّعُوهَا . { وَآتُوا الزَّكَاة } الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ أَهْلهَا , وَأَطِيعُوا رَسُول رَبّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ.|لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ|يَقُول : كَيْ يَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ فَيُنَجِّيكُمْ مِنْ عَذَابه ,
وَقَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مُعْجِزِيهِ فِي الْأَرْض إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكهمْ . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : | لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا | بِالْيَاءِ . وَهُوَ مَذْهَب ضَعِيف عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة ; وَذَلِكَ أَنَّ | تَحْسِب | مُحْتَاج إِلَى مَنْصُوبَيْنِ . وَإِذَا قُرِئَ | يَحْسَبَنَّ | لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا إِلَّا عَلَى مَنْصُوب وَاحِد , غَيْر أَنِّي أَحْسِب أَنَّ قَائِله بِالْيَاءِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي | مُعْجِزِينَ | , وَأَنَّ مَنْصُوبه الثَّانِي فِي | الْأَرْض | , وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَصَدَ .|وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ| { وَمَأْوَاهُمْ } بَعْد هَلَاكهمْ { النَّار وَلَبِئْسَ الْمَصِير } الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَأْوَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ ثَلَاث مَرَّات مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَنُهُوا عَنْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سُمُّوا فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا بِإِذْنٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19840 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر , قَوْله : ( { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هِيَ عَلَى الذُّكُور دُون الْإِنَاث . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19841 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هِيَ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء , يَسْتَأْذِنُونَ عَلَى كُلّ حَال , بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث ; لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } جَمِيع أَمْلَاك أَيْمَاننَا , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى ; فَذَلِكَ عَلَى جَمِيع مَنْ عَمَّهُ ظَاهِر التَّنْزِيل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , لِيَسْتَأْذِنكُمْ فِي الدُّخُول عَلَيْكُمْ عَبِيدكُمْ وَإِمَاؤُكُمْ , فَلَا يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْكُمْ لَهُمْ . { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ } يَقُول : وَالَّذِينَ لَمْ يَحْتَلِمُوا مِنْ أَحْرَاركُمْ ثَلَاث مَرَّات , يَعْنِي ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات مِنْ سَاعَات لَيْلكُمْ وَنَهَاركُمْ . كَمَا : 19842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : عَبِيدكُمْ الْمَمْلُوكُونَ . { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ } قَالَ : لَمْ يَحْتَلِمُوا مِنْ أَحْرَاركُمْ . )قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ لِي عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : فَذَلِكَ عَلَى كُلّ صَغِير وَصَغِيرَة أَنْ يَسْتَأْذِن , كَمَا قَالَ : { ثَلَاث مَرَّات مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } قَالُوا : هِيَ الْعَتَمَة . قُلْت : فَإِذَا وَضَعُوا ثِيَابهمْ بَعْد الْعَتَمَة اسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحُوا ؟ قَالَ نَعَمْ . قُلْت لِعَطَاءٍ : هَلْ اسْتِئْذَانهمْ إِلَّا عِنْد وَضْع النَّاس ثِيَابهمْ ؟ قَالَ : لَا . 19843 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان وَيَعْقُوب بْن عُتْبَة وَإِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد , قَالُوا : (لَا اسْتِئْذَان عَلَى خَدَم الرَّجُل عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْعَوْرَات الثَّلَاث . )19844 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } يَقُول : إِذَا خَلَا الرَّجُل بِأَهْلِهِ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء , فَلَا يَدْخُل عَلَيْهِ خَادِم وَلَا صَبِيّ إِلَّا بِإِذْنٍ حَتَّى يُصَلِّي الْغَدَاة , فَإِذَا خَلَا بِأَهْلِهِ عِنْد صَلَاة الظُّهْر فَمِثْل ذَلِكَ . )19845 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنْ ثَعْلَبَة , عَنْ أَبِي مَالِك الْقُرَظِيّ : (أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد الْحَارِثِيّ , وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنِ الْإِذْن فِي الْعَوْرَات الثَّلَاث , فَقَالَ : إِذَا وَضَعْت ثِيَابِي مِنْ الظَّهِيرَة , لَمْ يَلِج عَلَيَّ أَحَد مِنْ الْخَدَم الَّذِي بَلَغَ الْحُلُم وَلَا أَحَد مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغ الْحُلُم مِنَ الْأَحْرَار , إِلَّا بِإِذْنٍ . )19846 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : قَالَ ابْن عَبَّاس : (ثَلَاث آيَات جَحَدَهُنَّ النَّاس : الْإِذْن كُلّه , وَقَالَ : { إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ } [49 13 ]وَقَالَ النَّاس : أَكْرَمكُمْ أَعْظَمكُمْ بَيْتًا , وَنَسِيت الثَّالِثَة . )19847 - حَدَّثَنِي ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنِ الْحَسَن , فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : إِذَا أَبَاتَ الرَّجُل خَادِمه مَعَهُ فَهُوَ إِذْنه , وَإِنْ لَمْ يُبِتْهُ مَعَهُ اسْتَأْذَنَ فِي هَذِهِ السَّاعَات . )19848 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : لَمْ تُنْسَخ . قُلْت : إِنَّ النَّاس لَا يَعْمَلُونَ بِهِ ! قَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان . )* - قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنِ الشَّعْبِيّ , وَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ( { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قُلْت : مَنْسُوخَة هِيَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّه مَا نُسِخَتْ , قُلْت : إِنَّ النَّاس لَا يَعْمَلُونَ بِهَا ! قَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان . )19849 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ نُسِخَتْ , وَلَكِنَّهَا مِمَّا يَتَهَاوَن النَّاس بِهِ . )19850 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : لَا يُعْمَل بِهَا الْيَوْم . )19851 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثنا حَنْظَلَة , أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يُسْأَل عَنِ الْإِذْن , فَقَالَ : (يُسْتَأْذَن عِنْد كُلّ عَوْرَة , ثُمَّ هُوَ طَوَّاف ; يَعْنِي الرَّجُل عَلَى أُمّه . )19852 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل مِنْ أَهْل الطَّائِف , عَنْ غَيْلَان بْن شُرَحْبِيل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَاب عَلَى اسْم صَلَاتكُمْ , قَالَ اللَّه { وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } وَإِنَّمَا الْعَتَمَة عَتَمَة الْإِبِل | .)|الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ|وَقَوْله : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } بِرَفْعِ | الثَّلَاث | , بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْ هَذِهِ الْأَوْقَات الَّتِي ذُكِرَتْ . كَأَنَّهُ عِنْدهمْ قِيلَ : هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة الَّتِي أَمَرْنَاكُمْ بِأَنْ لَا يَدْخُل عَلَيْكُمْ فِيهَا مَنْ ذَكَرْنَا إِلَّا بِإِذْنٍ , ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ ; لِأَنَّكُمْ تَضَعُونَ فِيهَا ثِيَابكُمْ وَتَخْلُونَ بِأَهْلِيكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | ثَلَاث عَوْرَات | بِنَصْبِ | الثَّلَاث | عَلَى الرَّدّ عَلَى | الثَّلَاث | الْأُولَى . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ ثَلَاث مَرَّات , ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .|لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ|وَقَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح بَعْدهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ مَعْشَر أَرْبَاب الْبُيُوت وَالْمَسَاكِن , { وَلَا عَلَيْهِمْ } يَعْنِي : وَلَا عَلَى الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْ أَوْلَادكُمْ الصِّغَار حَرَج وَلَا إِثْم بَعْدهنَّ , يَعْنِي بَعْد الْعَوْرَات الثَّلَاث . وَالْهَاء وَالنُّون فِي قَوْله : { بَعْدهنَّ } عَائِدَتَانِ عَلَى | الثَّلَاث | مِنْ قَوْله : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا حَرَج وَلَا جُنَاح عَلَى النَّاس أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمْ مَمَالِيكهمُ الْبَالِغُونَ وَصِبْيَانهمْ الصِّغَار بِغَيْرِ إِذْن بَعْد هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاث اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ فِي قَوْله : { مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنْ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19853 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الدُّخُول فِيمَا بَيْن ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْن , يَعْنِي فِيمَا بَيْن صَلَاة الْغَدَاة إِلَى الظُّهْر , وَبَعْد الظُّهْر إِلَى صَلَاة الْعِشَاء ; أَنَّهُ رَخَّصَ لِخَادِمِ الرَّجُل وَالصَّبِيّ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ مَنْزِله بِغَيْرِ إِذْن . قَالَ : وَهُوَ قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح بَعْدهنَّ } فَأَمَّا مَنْ بَلَغَ الْحُلُم فَإِنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى الرَّجُل وَأَهْله إِلَّا بِإِذْنٍ عَلَى كُلّ حَال .)|بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى|وَقَوْله : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ } رُفِعَ | الطَّوَّافُونَ | بِمُضْمَرٍ , وَذَلِكَ | هُمْ | . يَقُول لِهَؤُلَاءِ الْمَمَالِيك وَالصِّبْيَان الصِّغَار هُمْ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَيَعْنِي بِالطَّوَّافِينَ : أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ عَلَى مَوَالِيهمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ فِي مَنَازِلهمْ غَدْوَة وَعَشِيَّة بِغَيْرِ إِذْن , يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي غَيْر الْأَوْقَات الثَّلَاث الَّتِي أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَلَى سَادَاتهمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ فِيهَا إِلَّا بِإِذْنٍ .|بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ|يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَحْكَام الِاسْتِئْذَان فِي هَذِهِ الْآيَة , كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ جَمِيع أَعْلَامه وَأَدِلَّته وَشَرَائِع دِينه .|الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ|يَقُول : وَاللَّه ذُو عِلْم بِمَا يُصْلِح عِبَاده , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِذَا بَلَغَ الصِّغَار مِنْ أَوْلَادكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ - وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْكُمْ } مِنْ أَحْرَاركُمْ - { الْحُلُم } يَعْنِي الِاحْتِلَام وَاحْتَلَمُوا . { فَلْيَسْتَأْذِنُوا } يَقُول : فَلَا يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ فِي وَقْت مِنَ الْأَوْقَات إِلَّا بِإِذْنٍ , لَا فِي أَوْقَات الْعَوْرَات الثَّلَاث وَلَا فِي غَيْرهَا . وَقَوْله : { كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : كَمَا اسْتَأْذَنَ الْكِبَار مِنْ وَلَد الرَّجُل وَأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَار . وَخَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة الْأَطْفَال بِالذِّكْرِ وَتَعْرِيف حُكْمهمْ عِبَاده فِي الِاسْتِئْذَان دُون ذِكْر مَا مَلَكَتْ أَيْمَاننَا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا بِتَعْرِيفِهِمْ حُكْم الْأَطْفَال الْأَحْرَار وَالْمَمَالِيك ; لِأَنَّ حُكْم مَا مَلَكَتْ أَيْمَاننَا مِنْ ذَلِكَ حُكْم وَاحِد , سَوَاء فِيهِ حُكْم كِبَارهمْ وَصِغَارهمْ فِي أَنَّ الْإِذْن عَلَيْهِمْ فِي السَّاعَات الثَّلَاث الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي الْآيَة الَّتِي قَبْل . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19854 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (أَمَّا مَنْ بَلَغَ الْحُلُم , فَإِنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى الرَّجُل وَأَهْله - يَعْنِي مِنْ الصِّبْيَان الْأَحْرَار - إِلَّا بِإِذْنٍ عَلَى كُلّ حَال ; وَهُوَ قَوْله : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } . )19855 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : ( { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا } قَالَ : وَاجِب عَلَى النَّاس أَنْ يَسْتَأْذِنُوا إِذَا احْتَلَمُوا , عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاس . )19856 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (يَسْتَأْذِن الرَّجُل عَلَى أُمّه . قَالَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم } فِي ذَلِكَ .)|كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ|يَقُول : هَكَذَا يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته , أَحْكَامه وَشَرَائِع دِينه , كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ أَمْر هَؤُلَاءِ الْأَطْفَال فِي الِاسْتِئْذَان بَعْد الْبُلُوغ.|وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ|يَقُول : وَاللَّه عَلِيم بِمَا يُصْلِح خَلْقه وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّوَاتِي قَدْ قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَد مِنَ الْكِبَر مِنْ النِّسَاء , فَلَا يَحِضْنَ وَلَا يَلِدْنَ ; وَاحِدَتهنَّ قَاعِد . { اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } يَقُول : اللَّاتِي قَدْ يَئِسْنَ مِنَ الْبُعُولَة , فَلَا يَطْمَعْنَ فِي الْأَزْوَاج . { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } يَقُول : فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ حَرَج وَلَا إِثْم أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ , يَعْنِي جَلَابِيبهنَّ , وَهِيَ الْقِنَاع الَّذِي يَكُون فَوْق الْخِمَار وَالرِّدَاء الَّذِي يَكُون فَوْق الثِّيَاب , لَا حَرَج عَلَيْهِنَّ أَنْ يَضَعْنَ ذَلِكَ عِنْد الْمَحَارِم مِنَ الرِّجَال وَغَيْر الْمَحَارِم مِنَ الْغُرَبَاء غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19857 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } وَهِيَ الْمَرْأَة , لَا جُنَاح عَلَيْهَا أَنْ تَجْلِس فِي بَيْتهَا بِدِرْعٍ وَخِمَار وَتَضَع عَنْهَا الْجِلْبَاب مَا لَمْ تَتَبَرَّج لِمَا يَكْرَه اللَّه , وَهُوَ قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } ثُمَّ قَالَ : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } . )19858 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } يَعْنِي : الْجِلْبَاب , وَهُوَ الْقِنَاع ; وَهَذَا لِلْكَبِيرَةِ الَّتِي قَدْ قَعَدَتْ عَنِ الْوَلَد , فَلَا يَضُرّهَا أَنْ لَا تُجَلْبِب فَوْق الْخِمَار . وَأَمَّا كُلّ امْرَأَة مُسْلِمَة حُرَّة , فَعَلَيْهَا إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيض أَنْ تُدْنِي الْجِلْبَاب عَلَى الْخِمَار . وَقَالَ اللَّه فِي سُورَة الْأَحْزَاب : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } [33 59 ]وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رِجَال مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِذَا مَرَّتْ بِهِمْ امْرَأَة سَيِّئَة الْهَيْئَة وَالزِّيّ , حَسِبَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهَا مَزْنِيَّة وَأَنَّهَا مِنْ بُغْيَتهمْ , فَكَانُوا يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنَات بِالرَّفَثِ , وَلَا يَعْلَمُونَ الْحُرَّة مِنَ الْأَمَة ; فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } [33 59 ]يَقُول : إِذَا كَانَ زِيّهنَّ حَسَنًا لَمْ يَطْمَع فِيهِنَّ الْمُنَافِقُونَ . )19859 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء } الَّتِي قَعَدَتْ مِنَ الْوَلَد وَكَبِرَتْ . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : { اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } قَالَ : لَا يُرِدْنَهُ . { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : جَلَابِيبهنَّ . )19860 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : وَضْع الْخِمَار , قَالَ : الَّتِي لَا تَرْجُو نِكَاحًا , الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ أَنْ لَا يَكُون لَهَا فِي الرِّجَال حَاجَة وَلَا لِلرِّجَالِ فِيهَا حَاجَة ; فَإِذَا بَلَغْنَ ذَلِكَ وَضَعْنَ الْخِمَار غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ , ثُمَّ قَالَ : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } كَانَ أَبِي يَقُول هَذَا كُلّه . )19861 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ ذَرّ , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الْجِلْبَاب أَوْ الرِّدَاء . )شَكَّ سُفْيَان . 19862 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَبْد اللَّه : ( { لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الرِّدَاء . )19863 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : هِيَ الْمِلْحَفَة . )19864 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِل قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الْجِلْبَاب . )* -حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَكَم , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنِ الثَّوْرِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنِ ابْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : هُوَ الرِّدَاء . )19865 - قَالَ الْحَسَن , قَالَ : عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ الثَّوْرِيّ : وَأَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن وَسَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (هُوَ الرِّدَاء . )19866 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : ( { أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : تَضَع الْجِلْبَاب الْمَرْأَة الَّتِي قَدْ عَجُزَتْ وَلَمْ تُزَوَّج . قَالَ الشَّعْبِيّ : فَإِنَّ أُبَيّ بْن كَعْب يَقْرَأ : | أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابهنَّ . )19867 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : قُلْت لِابْنِ أَبِي نَجِيح , قَوْله : ( { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : الْجِلْبَاب . )قَالَ يَعْقُوب , قَالَ أَبُو يُونُس : قُلْت لَهُ : عَنْ مُجَاهِد ؟ قَالَ : نَعَمْ , فِي الدَّار وَالْحُجْرَة . 19868 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : جَلَابِيبهنَّ .)|غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ|وَقَوْله : { غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح فِي وَضْع أَرْدِيَتهنَّ إِذَا لَمْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ ذَلِكَ عَنْهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ الزِّينَة لِلرِّجَالِ . وَالتَّبَرُّج : هُوَ أَنْ تُظْهِر الْمَرْأَة مِنْ مَحَاسِنهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَسْتُرهُ .|وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ|وَقَوْله : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } يَقُول : وَإِنْ تَعَفَّفْنَ عَنْ وَضْع جَلَابِيبهنَّ وَأَرْدِيَتهنَّ , فَيَلْبَسْنَهَا , خَيْر لَهُنَّ مِنْ أَنْ يَضَعَنهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } قَالَ : أَنْ يَلْبَسْنَ جَلَابِيبهنَّ . )19870 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : ( { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } قَالَ : تَرْك ذَلِكَ , يَعْنِي تَرْك وَضْع الثِّيَاب . )19871 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } وَالِاسْتِعْفَاف : لُبْس الْخِمَار عَلَى رَأْسهَا , كَانَ أَبِي يَقُول هَذَا كُلّه .)|وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ| { وَاللَّه سَمِيع } مَا تَنْطِقُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ . { عَلِيم } بِمَا تُضْمِرهُ صُدُوركُمْ , فَاتَّقُوهُ أَنْ تَنْطِقُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ مَا قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَنْطِقُوا بِهَا , أَوْ تُضْمِرُوا فِي صُدُوركُمْ مَا قَدْ كَرِهَهُ لَكُمْ , فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ عُقُوبَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ أَوْ بُيُوت آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوت أُمَّهَاتكُمْ أَوْ بُيُوت إِخْوَانكُمْ أَوْ بُيُوت أَخَوَاتكُمْ أَوْ بُيُوت أَعْمَامكُمْ أَوْ بُيُوت عَمَّاتكُمْ أَوْ بُيُوت أَخْوَالكُمْ أَوْ بُيُوت خَالَاتكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه أَوْ صَدِيقكُمْ } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْآيَة فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة تَرْخِيصًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَكْل مَعَ الْعُمْيَان وَالْعُرْجَان وَالْمَرْضَى وَأَهْل الزَّمَانَة مِنْ طَعَامهمْ , مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ امْتَنَعُوا مِنْ أَنْ يَأْكُلُوا مَعَهُمْ مِنْ طَعَامهمْ , خَشْيَة أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَتَوْا بِأَكْلِهِمْ مَعَهُمْ مِنْ طَعَامهمْ شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [4 29 ]. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19872 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ } ... إِلَى قَوْله : { أَوْ أَشْتَاتًا } وَذَلِكَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ } [4 29 ]فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللَّه قَدْ نَهَانَا أَنْ نَأْكُل أَمْوَالنَا بَيْننَا بِالْبَاطِلِ , وَالطَّعَام مِنْ أَفْضَل الْأَمْوَال , فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَأْكُل عِنْد أَحَد . فَكَفَّ النَّاس عَنْ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } ... إِلَى قَوْله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } . )19873 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } ... الْآيَة , كَانَ أَهْل الْمَدِينَة قَبْل أَنْ يُبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخَالِطهُمْ فِي طَعَامهمْ أَعْمَى وَلَا مَرِيض , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا كَانَ بِهِمْ التَّقَذُّر وَالتَّقَزُّز . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَرِيض لَا يَسْتَوْفِي الطَّعَام كَمَا يَسْتَوْفِي الصَّحِيح , وَالْأَعْرَج الْمُنْحَبِس لَا يَسْتَطِيع الْمُزَاحَمَة عَلَى الطَّعَام , وَالْأَعْمَى لَا يُبْصِر طَيِّب الطَّعَام . فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح } فِي مُؤَاكَلَة الْمَرِيض وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَج . )فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيل هَؤُلَاءِ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي الْأَعْمَى حَرَج أَنْ تَأْكُلُوا مِنْهُ وَمَعَهُ , وَلَا فِي الْأَعْرَج حَرَج , وَلَا فِي الْمَرِيض حَرَج , وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ , أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ . فَوَجَّهُوا مَعْنَى | عَلَى | فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى مَعْنَى | فِي | . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة تَرْخِيصًا لِأَهْلِ الزَّمَانَة فِي الْأَكْل مِنْ بُيُوت مَنْ سَمَّى اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة ; لِأَنَّ قَوْمًا كَانُوا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ فِي بُيُوتهمْ مَا يُطْعِمُونَهُمْ , ذَهَبُوا بِهِمْ إِلَى بُيُوت آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتهمْ أَوْ بَعْض مَنْ سَمَّى اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , فَكَانَ أَهْل الزَّمَانَة يَتَخَوَّفُونَ مِنْ أَنْ يُطْعَمُوا ذَلِكَ الطَّعَام لِأَنَّهُ أَطْعَمَهُمْ غَيْر مِلْكه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19874 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ أَوْ بُيُوت آبَائِكُمْ } قَالَ : كَانَ رِجَال زَمْنَى - قَالَ ابْن عَمْرو فِي حَدِيثه : عُمْيَان وَعُرْجَان . وَقَالَ الْحَارِث : عُمْي عُرْج - أُولُوا حَاجَة , يَسْتَتْبِعهُمْ رِجَال إِلَى بُيُوتهمْ , فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا طَعَامًا ذَهَبُوا بِهِمْ إِلَى بُيُوت آبَائِهِمْ وَمَنْ عَدَّدَ مِنْهُمْ مِنَ الْبُيُوت , فَكَرِهَ ذَلِكَ الْمُسْتَتْبِعُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح } وَأَحَلَّ لَهُمْ الطَّعَام حَيْثُ وَجَدُوهُ . )19875 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَانَ الرَّجُل يَذْهَب بِالْأَعْمَى وَالْمَرِيض وَالْأَعْرَج إِلَى بَيْت أَبِيهِ , أَوْ إِلَى بَيْت أَخِيهِ , أَوْ عَمّه , أَوْ خَاله , أَوْ خَالَته , فَكَانَ الزَّمْنَى يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ , يَقُولُونَ : إِنَّمَا يَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى بُيُوت غَيْرهمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة رُخْصَة لَهُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْو حَدِيث ابْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ تَرْخِيصًا لِأَهْلِ الزَّمَانَة الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوت مَنْ خَلَّفَهُمْ فِي بُيُوته مِنَ الْغُزَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19876 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قُلْت لِلزُّهْرِيِّ , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } مَا بَال الْأَعْمَى ذُكِرَ هَا هُنَا وَالْأَعْرَج وَالْمَرِيض ؟ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا غَزَوْا خَلَّفُوا زَمْنَاهُمْ , وَكَانُوا يَدْفَعُونَ إِلَيْهِمْ مَفَاتِيح أَبْوَابهمْ , يَقُولُونَ : قَدْ أَحْلَلْنَا لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِمَّا فِي بُيُوتنَا ! وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ , يَقُولُونَ : لَا نَدْخُلهَا وَهِيَ غُيَّب . فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة رُخْصَة لَهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } فِي التَّخَلُّف عَنِ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . قَالُوا : وَقَوْله : { وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ } كَلَام مُنْقَطِع عَمَّا قَبْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19877 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج } قَالَ : هَذَا فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . وَفِي قَوْله : { وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ } ... إِلَى قَوْله : { أَوْ صَدِيقكُمْ } قَالَ : هَذَا شَيْء قَدْ انْقَطَعَ , إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي الْأَوَّل , لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبْوَاب وَكَانَتِ السُّتُور مُرْخَاة , فَرُبَّمَا دَخَلَ الرَّجُل الْبَيْت وَلَيْسَ فِيهِ أَحَد , فَرُبَّمَا وَجَدَ الطَّعَام وَهُوَ جَائِع , فَسَوَّغَهُ اللَّه أَنْ يَأْكُلهُ . قَالَ : وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْم الْبُيُوت الْيَوْم فِيهَا أَهْلهَا , وَإِذَا أُخْرِجُوا أَغْلَقُوهَا ; فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة تَرْخِيصًا لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّقُونَ مُؤَاكَلَة أَهْل الزَّمَانَة فِي مُؤَاكَلَتهمْ إِذَا شَاءُوا ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19878 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ مِقْسَم , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } قَالَ : كَانُوا يَتَّقُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مَعَ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج , فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } . )وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى قَوْله : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ وَكِيل الرَّجُل وَقَيِّمه , أَنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُل مِنْ ثَمَر ضَيْعَته , وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19879 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } وَهُوَ الرَّجُل يُوَكِّل الرَّجُل بِضَيْعَتِهِ , فَرَخَّصَ اللَّه لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْ ذَلِكَ الطَّعَام وَالتَّمْر وَيَشْرَب اللَّبَن . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ : مَنْزِل الرَّجُل نَفْسه أَنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19880 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } يَعْنِي : بَيْت أَحَدهمْ , فَإِنَّهُ يَمْلِكهُ , وَالْعَبِيد مِنْهُمْ مِمَّا مَلَكُوا . )19881 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } مِمَّا تُحِبُّونَ يَا ابْن آدَم . )19882 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحه } قَالَ : خَزَائِن لِأَنْفُسِهِمْ , لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ . )وَأَشْبَه الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج } ... إِلَى قَوْله : { أَوْ صَدِيقكُمْ } الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , وَذَلِكَ أَنَّ أَظْهَر مَعَانِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج } : أَنَّهُ لَا حَرَج عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سُمُّوا فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوت مَنْ ذَكَرَهُ اللَّه فِيهَا , عَلَى مَا أَبَاحَ لَهُمْ مِنَ الْأَكْل مِنْهَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَظْهَر مَعَانِيه , فَتَوْجِيه مَعْنَاهُ إِلَى الْأَغْلَب الْأَعْرَف مِنْ مَعَانِيه أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى الْأَنْكَر مِنْهَا , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَا خَالَفَ مِنْ التَّأْوِيل قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لَيْسَ فِي الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج حَرَج , أَوْلَى بِالصَّوَابِ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ } أَنَّهُ بِمَعْنَى : وَلَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس . ثُمَّ جَمَعَ هَؤُلَاءِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ قَبْل فِي الْخِطَاب , فَقَالَ : أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوت أَنْفُسكُمْ . وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب إِذَا جَمَعَتْ بَيْن خَبَر الْغَائِب وَالْمُخَاطَب , غَلَّبَتِ الْمُخَاطَب فَقَالَتْ : أَنْتَ وَأَخُوك قُمْتُمَا , وَأَنْتَ وَزَيْد جَلَسْتُمَا , وَلَا تَقُول : أَنْتَ وَأَخُوك جَلَسَا , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ } وَالْخَبَر عَنْ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج وَالْمَرِيض , غَلَّبَ الْمُخَاطَب , فَقَالَ : أَنْ تَأْكُلُوا , وَلَمْ يَقُلْ : أَنْ يَأْكُلُوا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَذَا الْأَكْل مِنْ بُيُوتهمْ قَدْ عَلِمْنَاهُ كَانَ لَهُمْ حَلَالًا إِذْ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ , أَوْ كَانَ أَيْضًا حَلَالًا لَهُمُ الْأَكْل مِنْ مَال غَيْرهمْ ؟ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَوَهَّمْت ; وَلَكِنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا غَابُوا فِي مَغَازِيهمْ وَتَخَلَّفَ أَهْل الزَّمَانَة مِنْهُمْ , دَفَعَ الْغَازِي مِفْتَاح مَسْكَنه إِلَى الْمُتَخَلِّف مِنْهُمْ , فَأَطْلَقَ لَهُ فِي الْأَكْل مِمَّا يَخْلُف فِي مَنْزِله مِنَ الطَّعَام , فَكَانَ الْمُتَخَلِّفُونَ يَتَخَوَّفُونَ الْأَكْل مِنْ ذَلِكَ وَرَبّه غَائِب , فَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِ فِي الْأَكْل مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْله . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل كَرَاهَة الْمُسْتَتْبِع أَكْل طَعَام غَيْر الْمُسْتَتْبَع ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : لَقِيلَ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَج أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ طَعَام غَيْر مَنْ أَضَافَكُمْ , أَوْ مِنْ طَعَام آبَاء مَنْ دَعَاكُمْ , وَلَمْ يَقُلْ : أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتكُمْ أَوْ بُيُوت آبَائِكُمْ . وَكَذَلِكَ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج فِي التَّخَلُّف عَنِ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه ; لِأَنَّ قَوْله : { أَنْ تَأْكُلُوا } خَبَر | لَيْسَ | , وَ | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى أَنَّهَا خَبَر لَهَا , فَهِيَ مُتَعَلِّقَة بِ | لَيْسَ | , فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج أَنْ يَأْكُل مِنْ بَيْته , وَلَا مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِ فِي التَّخَلُّف عَنِ الْجِهَاد . فَإِذْ كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا , تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَا ضِيق عَلَى الْأَعْمَى , وَلَا عَلَى الْأَعْرَج , وَلَا عَلَى الْمَرِيض , وَلَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوت أَنْفُسكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت آبَائِكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت أُمَّهَاتكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت إِخْوَانكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت أَخَوَاتكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت أَعْمَامكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت عَمَّاتكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت أَخْوَالكُمْ أَوْ مِنْ بُيُوت خَالَاتكُمْ أَوْ مِنَ الْبُيُوت الَّتِي مَلَكْتُمْ مَفَاتِحهَا أَوْ مِنْ بُيُوت صَدِيقكُمْ , إِذَا أَذِنُوا لَكُمْ فِي ذَلِكَ , عِنْد مَغِيبهمْ وَمَشْهَدهمْ . وَالْمَفَاتِح : الْخَزَائِن , وَاحِدهَا : | مَفْتَح | إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَر , وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاتِيح الَّتِي يُفْتَح بِهَا , فَهِيَ مِفْتَح وَمَفَاتِح ; وَهِيَ هَا هُنَا عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ جَمْع مِفْتَح الَّذِي يُفْتَح بِهِ . وَكَانَ قَتَادَة يَتَأَوَّل فِي قَوْله : { أَوْ صَدِيقكُمْ } مَا : 19883 -حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { أَوْ صَدِيقكُمْ } فَلَوْ أَكَلْت مِنْ بَيْت صَدِيقك مِنْ غَيْر أَمْره , لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْس . قَالَ مَعْمَر : قُلْت لِقَتَادَة : أَوَلَا أَشْرَب مِنْ هَذَا الْحُبّ ؟ قَالَ : أَنْتَ لِي صَدِيق .)|لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا|وَأَمَّا قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الْغَنِيّ مِنَ النَّاس يَتَخَوَّف أَنْ يَأْكُل مَعَ الْفَقِير , فَرُخِّصَ لَهُمْ فِي الْأَكْل مَعَهُمْ . ذِكْر مِنْ قَالَ ذَلِكَ : 19884 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } قَالَ : كَانَ الْغَنِيّ يَدْخُل عَلَى الْفَقِير مِنْ ذَوِي قَرَابَته وَصَدِيقه , فَيَدْعُوهُ إِلَى طَعَامه لِيَأْكُل مَعَهُ , فَيَقُول : وَاللَّه إِنِّي لَأَجْنَح أَنْ آكُل مَعَك - وَالْجُنْح : الْحَرَج - وَأَنَا غَنِيّ وَأَنْتَ فَقِير ! فَأُمِرُوا أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب , كَانُوا لَا يَأْكُل أَحَدهمْ وَحْده وَلَا يَأْكُل إِلَّا مَعَ غَيْره , فَأَذِنَ اللَّه لَهُمْ أَنْ يَأْكُل مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَحْده وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَعَ غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19885 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانُوا يَأْنَفُونَ وَيَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَأْكُل الرَّجُل الطَّعَام وَحْده حَتَّى يَكُون مَعَهُ غَيْره , فَرَخَّصَ اللَّه لَهُمْ , فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } . )19886 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : (كَانَتْ بَنُو كِنَانَة يَسْتَحِي الرَّجُل مِنْهُمْ أَنْ يَأْكُل وَحْده , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )19887 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا جَمِيعًا , وَلَا يَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ , وَكَانَ ذَلِكَ فِيهِمْ دِينًا ; فَأَنْزَلَ اللَّه : لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَج فِي مُؤَاكَلَة الْمَرِيض وَالْأَعْمَى , وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَج أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا . )19888 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } قَالَ : كَانَ مِنَ الْعَرَب مَنْ لَا يَأْكُل أَبَدًا جَمِيعًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْكُل إِلَّا جَمِيعًا , فَقَالَ اللَّه ذَلِكَ . )19889 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } فِي حَيّ مِنَ الْعَرَب كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ لَا يَأْكُل طَعَامه وَحْده , كَانَ يَحْمِلهُ بَعْض يَوْم حَتَّى يَجِد مَنْ يَأْكُلهُ مَعَهُ . قَالَ : وَأَحْسَب أَنَّهُ ذُكِرَ أَنَّهُمْ مِنْ كِنَانَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْف إِلَّا مَعَ ضَيْفهمْ , فَرُخِّصَ لَهُمْ فِي أَنْ يَأْكُلُوا كَيْف شَاءُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19890 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي صَالِح وَعِكْرِمَة , قَالَا : (كَانَتِ الْأَنْصَار إِذَا نَزَلَ بِهِمْ الضَّيْف لَا يَأْكُلُونَ حَتَّى يَأْكُل الضَّيْف مَعَهُمْ , فَرُخِّصَ لَهُمْ , قَالَ اللَّه : { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا } . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه وَضَعَ الْحَرَج عَنِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا مَعًا إِذَا شَاءُوا , أَوْ أَشْتَاتًا مُتَفَرِّقِينَ إِذَا أَرَادُوا . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ نَزَلَ بِسَبَبِ مَنْ كَانَ يَتَخَوَّف مِنَ الْأَغْنِيَاء الْأَكْل مَعَ الْفَقِير , وَجَائِز أَنْ يَكُون نَزَلَ بِسَبَبِ الْقَوْم الَّذِينَ ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَطْعَمُونَ وُحْدَانًا , وَبِسَبَبٍ غَيْر ذَلِكَ ; وَلَا خَبَر بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَقْطَع الْعُذْر , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر التَّنْزِيل عَلَى حَقِيقَة شَيْء مِنْهُ . وَالصَّوَاب التَّسْلِيم لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَالتَّوَقُّف فِيمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّته دَلِيل .|فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً|وَقَوْله : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَإِذَا دَخَلْتُمْ أَيّهَا النَّاس بُيُوت أَنْفُسكُمْ , فَسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِيكُمْ وَعِيَالكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19891 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله : ( { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَا : بَيْتك , إِذَا دَخَلْته فَقُلْ : سَلَام عَلَيْكُمْ . )19892 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَ : سَلِّمْ عَلَى أَهْلك ! قَالَ ابْن جَرِيح : وَسُئِلَ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : أَحَقّ عَلَى الرَّجُل إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْله أَنْ يُسَلِّم عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَقَالَهَا عَمْرو بْن دِينَار . وَتَلَوْا : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه مُبَارَكَة طَيِّبة } قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح ذَلِكَ غَيْر مَرَّة . )19893 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : (إِذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ { تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه مُبَارَكَة طَيِّبَة } . قَالَ : مَا رَأَيْته إِلَّا يُوجِبهُ . )قَالَ ابْن جُرَيْج , وَأَخْبَرَنِي زِيَاد , عَنِ ابْن طَاوُس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ بَيْته فَلْيُسَلِّمْ . )19894 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : (إِذَا خَرَجْت أَوَاجِب السَّلَام ؟ هَلْ أُسَلِّم عَلَيْهِمْ ؟ فَإِنَّمَا قَالَ : { إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا } ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمهُ وَاجِبًا وَلَا آثُر عَنْ أَحَد وُجُوبه , وَلَكِنْ أَحَبّ إِلَيَّ , وَمَا أَدَعهُ إِلَّا نَاسِيًا . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار : لَا , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْت أَحَد ؟ قَالَ : سَلِّمْ ! قُلْ : السَّلَام عَلَى النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته , السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ , السَّلَام عَلَى أَهْل الْبَيْت وَرَحْمَة اللَّه . قُلْت لَهُ : قَوْلك هَذَا إِذَا دَخَلْت بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد عَمَّنْ تَأْثُرهُ ؟ قَالَ : سَمِعْته وَلَمْ يُؤْثَر لِي عَنْ أَحَد . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَأَخْبَرَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : السَّلَام عَلَيْنَا مِنْ رَبّنَا , وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ . )19895 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : ثنا صَدَقَة , عَنْ زُهَيْر , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ , تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه مُبَارَكَة طَيِّبَة . قَالَ : مَا رَأَيْته إِلَّا يُوجِبهُ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبَّاد الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مُحَمَّد الْأَعْوَر , قَالَ : قَالَ لِي ابْن جُرَيْج , أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر : أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : فَذَكَرَ مِثْله . 19896 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } يَقُول : سَلِّمُوا عَلَى أَهَالِيكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتكُمْ , وَعَلَى غَيْر أَهَالِيكُمْ , فَسَلِّمُوا إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : فَإِذَا دَخَلْتُمُ الْمَسَاجِد فَسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19897 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَ : هِيَ الْمَسَاجِد , يَقُول : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ . )19898 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَ : إِذَا دَخَلْت الْمَسْجِد فَقُلْ : السَّلَام عَلَى رَسُول اللَّه ! وَإِذَا دَخَلْت بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد , فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ ! وَإِذَا دَخَلْت بَيْتك فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْكُمْ ! . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا مِنْ بُيُوت الْمُسْلِمِينَ فِيهَا نَاس مِنْكُمْ , فَلْيُسَلِّمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19899 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } أَيْ لِيُسَلِّم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , كَقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } [4 29 ]. )19900 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَ : إِذَا دَخَلَ الْمُسْلِم سَلَّمَ عَلَيْهِ , كَمِثْلِ قَوْله : { لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } [4 29 ]إِنَّمَا هُوَ : لَا تَقْتُل أَخَاك الْمُسْلِم . وَقَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } [2 85 ]قَالَ : يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , قُرَيْظَة وَالنَّضِير . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا لَيْسَ فِيهَا أَحَد , فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19901 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : (إِذَا دَخَلْت بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد , فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ ! وَإِذَا دَخَلْت بَيْتًا فِيهِ نَاس مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر الْمُسْلِمِينَ , فَقُلْ مِثْل ذَلِكَ . )19902 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ مَاهَان , قَالَ : (إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ , قَالَ : تَقُولُوا : السَّلَام عَلَيْنَا مِنْ رَبّنَا ! . )19903 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة عَنْ مَنْصُور , قَالَ شُعْبَة : وَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيم : إِذَا دَخَلْت بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد , فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ ! . )19904 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَشَجّ , عَنْ نَافِع : (أَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد , قَالَ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ ! . )19905 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : ثنا مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } قَالَ : إِذَا دَخَلْت بَيْتًا فِيهِ يَهُود فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْكُمْ ! وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَد فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ ! . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ : فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا مِنْ بُيُوت الْمُسْلِمِينَ , فَلْيُسَلِّمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا } وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ بَيْتًا دُون بَيْت , وَقَالَ : { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } يَعْنِي : بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , فَكَانَ مَعْلُومًا إِذْ لَمْ يُخَصِّص ذَلِكَ عَلَى بَعْض الْبُيُوت دُون بَعْض , أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ جَمِيعهَا , مَسَاجِدهَا وَغَيْر مَسَاجِدهَا . وَمَعْنَى قَوْله : { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ } نَظِير قَوْله : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } [4 29 ]. وَقَوْله : { تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه } وَنَصَبَ تَحِيَّة , بِمَعْنَى : تُحَيُّونَ أَنْفُسكُمْ تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه السَّلَام تَحِيَّة , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَلْيُحَيِّ بَعْضكُمْ بَعْضًا تَحِيَّة مِنْ عِنْد اللَّه . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : إِنَّمَا نُصِبَتْ بِمَعْنَى : أَمَرَكُمْ بِهَا تَفْعَلُونَهَا تَحِيَّة مِنْهُ , وَوَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ التَّحِيَّة الْمُبَارَكَة الطَّيِّبَة لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَجْر الْجَزِيل وَالثَّوَاب الْعَظِيم .|كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ|وَقَوْله : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَكَذَا يُفَصِّل اللَّه لَكُمْ مَعَالِم دِينكُمْ فَيُبَيِّنهَا لَكُمْ , كَمَا فَصَّلَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا أَحَلَّ لَكُمْ فِيهَا , وَعَرَّفَكُمْ سَبِيل الدُّخُول عَلَى مَنْ تَدْخُلُونَ عَلَيْهِ .|لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ|يَقُول : لِكَيْ تَفْقَهُوا عَنْ اللَّه أَمْره وَنَهْيه وَأَدَبه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا الْمُؤْمِنُونَ حَقّ الْإِيمَان , إِلَّا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله . { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ } يَقُول : وَإِذَا كَانُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { عَلَى أَمْر جَامِع } يَقُول : عَلَى أَمْر يَجْمَع جَمِيعهمْ مِنْ حَرْب حَضَرَتْ , أَوْ صَلَاة اجْتُمِعَ لَهَا , أَوْ تَشَاوُر فِي أَمْر نَزَلَ ; { لَمْ يَذْهَبُوا } يَقُول : لَمْ يَنْصَرِفُوا عَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْر , حَتَّى يَسْتَأْذِنُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19906 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } يَقُول : إِذَا كَانَ أَمْر طَاعَة لِلَّهِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع } قَالَ : أَمْر مِنْ طَاعَة اللَّه عَامّ . )19907 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْج , قَالَ : (سَأَلَ مَكْحُولًا الشَّامِيّ إِنْسَان وَأَنَا أَسْمَع , وَمَكْحُول جَالِس مَعَ عَطَاء , عَنْ قَوْل اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } فَقَالَ مَكْحُول : فِي يَوْم الْجُمُعَة , وَفِي زَحْف , وَفِي كُلّ أَمْر جَامِع , قَدْ أَمَرَ أَنْ لَا يَذْهَب أَحَد فِي يَوْم جُمُعَة حَتَّى يَسْتَأْذِن الْإِمَام , وَكَذَلِكَ فِي كُلّ جَامِع , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع } . )19908 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن حَسَّان , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : (كَانَ الرَّجُل إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَة وَالْإِمَام يَخْطُب , قَامَ فَأَمْسَكَ بِأَنْفِهِ , فَأَشَارَ إِلَيْهِ الْإِمَام أَنْ يَخْرُج . قَالَ : فَكَانَ رَجُل قَدْ أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى أَهْله , فَقَامَ إِلَى هَرِم بْن حِبَّان وَهُوَ يَخْطُب , فَأَخَذَ بِأَنْفِهِ , فَأَشَارَ إِلَيْهِ هَرِم أَنْ يَذْهَب , فَخَرَجَ إِلَى أَهْله فَأَقَامَ فِيهِمْ , ثُمَّ قَدِمَ ; قَالَ لَهُ هَرِم : أَيْنَ كُنْت ؟ قَالَ : فِي أَهْلِي ؟ قَالَ : أَبِإِذْنٍ ذَهَبْت ؟ قَالَ : نَعَمْ , قُمْت إِلَيْك وَأَنْتَ تَخْطُب , فَأَخَذْت بِأَنْفِي , فَأَشَرْت إِلَيَّ أَنِ اذْهَبْ فَذَهَبْت . فَقَالَ : أَفَاتَّخَذْت هَذَا دَغَلًا ؟ أَوْ كَلِمَة نَحْوهَا , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَخِّرْ رِجَال السُّوء إِلَى زَمَان السُّوء . )19909 - حَدَّثَنِي الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع } قَالَ : هُوَ الْجُمُعَة إِذَا كَانُوا مَعَهُ , لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ . )19910 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } قَالَ : الْأَمْر الْجَامِع حِين يَكُونُونَ مَعَهُ فِي جَمَاعَة الْحَرْب أَوْ جُمُعَة . قَالَ : وَالْجُمُعَة مِنَ الْأَمْر الْجَامِع , لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُج إِذَا قَعَدَ الْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا بِإِذْنِ سُلْطَان إِذَا كَانَ حَيْثُ يَرَاهُ أَوْ يَقْدِر عَلَيْهِ , وَلَا يَخْرُج إِلَّا بِإِذْنٍ . وَإِذَا كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ وَلَا يَعْمَل إِلَيْهِ , فَاللَّه أَوْلَى بِالْعُذْرِ .)|إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ|وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوك أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُوله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ لَا يَنْصَرِفُونَ يَا مُحَمَّد إِذَا كَانُوا مَعَك فِي أَمْر جَامِع , عَنْك إِلَّا بِإِذْنِك لَهُمْ , طَاعَة مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلَك وَتَصْدِيقًا بِمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي ; أُولَئِكَ الَّذِينَ يَصْدُقُونَ اللَّه وَرَسُوله حَقًّا , لَا مَنْ خَالَفَ أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله فَيَنْصَرِف عَنْك بِغَيْرِ إِذْن مِنْك لَهُ بَعْد تَقَدُّمك إِلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِف عَنْك إِلَّا بِإِذْنِك .|فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ|وَقَوْله : { فَإِذَا اسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنهمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا اسْتَأْذَنَك يَا مُحَمَّد الَّذِينَ لَا يَذْهَبُونَ عَنْك إِلَّا بِإِذْنِك فِي هَذِهِ الْمَوَاطِن لِبَعْضِ شَأْنهمْ - يَعْنِي لِبَعْضِ حَاجَاتهمْ الَّتِي تَعْرِض لَهُمْ - فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ فِي الِانْصِرَاف عَنْك لِقَضَائِهَا .|وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ|يَقُول : وَادْعُ اللَّه لَهُمْ بِأَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ عَنْ تَبَعَات مَا بَيْنه وَبَيْنهمْ .|إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ|لِذُنُوبِ عِبَاده التَّائِبِينَ , { رَحِيم } بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَصْحَابِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَجْعَلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَهَى اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِدُعَاءِ الرَّسُول عَلَيْهِمْ , وَقَالَ لَهُمْ : اتَّقُوا دُعَاءَهُ عَلَيْكُمْ , بِأَنْ تَفْعَلُوا مَا يُسْخِطهُ فَيَدْعُو لِذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَتَهْلِكُوا , فَلَا تَجْعَلُوا دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ غَيْره مِنْ النَّاس , فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُوجِبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } دَعْوَة الرَّسُول عَلَيْكُمْ مُوجِبَة , فَاحْذَرُوهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ نَهْي مِنْ اللَّه أَنْ يَدْعُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغِلَظٍ وَجَفَاء , وَأَمَرَ لَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ بِلِينٍ وَتَوَاضُع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19912 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا يَا رَسُول اللَّه , فِي لِين وَتَوَاضُع , وَلَا يَقُولُوا يَا مُحَمَّد , فِي تَجَهُّم . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ : يَا رَسُول اللَّه , فِي لِين وَتَوَاضُع . )19913 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يُفَخِّمُوهُ وَيُشَرِّفُوهُ . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي قَبْل قَوْله : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا } نَهْي مِنَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْتُوا مِنْ الِانْصِرَاف عَنْهُ فِي الْأَمْر الَّذِي يَجْمَع جَمِيعهمْ مَا يَكْرَههُ , وَالَّذِي بَعْده وَعِيد لِلْمُنْصَرِفِينَ بِغَيْرِ إِذْنه عَنْهُ , فَالَّذِي بَيْنهمَا بِأَنْ يَكُون تَحْذِيرًا لَهُمْ سَخَطه أَنْ يَضْطَرّهُ إِلَى الدُّعَاء عَلَيْهِمْ أَشْبَه مِنْ أَنْ يَكُون أَمْرًا لَهُمْ بِمَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر مِنْ تَعْظِيمه وَتَوْقِيره بِالْقَوْلِ وَالدُّعَاء .|قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا|وَقَوْله : { قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّكُمْ أَيّهَا الْمُنْصَرِفُونَ عَنْ نَبِيّكُمْ بِغَيْرِ إِذْنه , تَسَتُّرًا وَخُفْيَة مِنْهُ , وَإِنْ خَفِيَ أَمْر مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ اللَّه يَعْلَم ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ , فَلْيَتَّقِ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه فِي الِانْصِرَاف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِإِذْنِهِ , أَنْ تُصِيبهُمْ فِتْنَة مِنَ اللَّه أَوْ يُصِيبهُمْ عَذَاب أَلِيم , فَيَطْبَع عَلَى قُلُوبهمْ , فَيَكْفُرُوا بِاللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19914 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , فِي قَوْل اللَّه : ( { قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } قَالَ : كَانُوا يَسْتَتِر بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , فَيَقُومُونَ , فَقَالَ : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره أَنْ تُصِيبهُمْ فِتْنَة , قَالَ : يُطْبَع عَلَى قَلْبه , فَلَا يَأْمَن أَنْ يَظْهَر الْكُفْر بِلِسَانِهِ فَتُضْرَب عُنُقه . )19915 - حَدَّثَنَا ابْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } قَالَ : خِلَافًا . )19916 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قَدْ يَعْلَم الَّذِينَ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ بِغَيْرِ إِذْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللِّوَاذ : يَلُوذ عَنْهُ وَيَرُوغ وَيَذْهَب بِغَيْرِ إِذْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)|فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ| { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره } الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذَا , { أَنْ تُصِيبهُمْ فِتْنَة أَوْ يُصِيبهُمْ عَذَاب أَلِيم } . الْفِتْنَة هَا هُنَا . الْكُفْر , وَاللِّوَاذ : مَصْدَر لَاوَذْت بِفُلَانٍ مُلَاوَذَة وَلِوَاذًا , وَلِذَلِكَ ظَهَرَتِ الْوَاو , وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا لِلُذْت لَقِيلَ : لِيَاذًا , كَمَا يُقَال : قُمْت قِيَامًا , وَإِذَا قِيلَ : قَاوَمْتُك , قِيلَ : قِوَامًا طَوِيلًا . وَاللِّوَاذ : هُوَ أَنْ يَلُوذ الْقَوْم بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , يَسْتَتِر هَذَا بِهَذَا وَهَذَا بِهَذَا , كَمَا قَالَ الضَّحَّاك . وَقَوْله : { أَوْ يُصِيبهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : أَوْ يُصِيبهُمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا عَذَاب مِنَ اللَّه مُوجِع , عَلَى صَنِيعهمْ ذَلِكَ وَخِلَافهمْ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَوْله : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره } وَأُدْخِلَتْ | عَنْ | لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يَلُوذُونَ عَنْ أَمْره وَيُدْبِرُونَ عَنْهُ مُعْرِضِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ } مُلْك جَمِيع { السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول : فَلَا يَنْبَغِي لِمَمْلُوكٍ أَنْ يُخَالِف أَمْر مَالِكه فَيَعْصِيه , فَيَسْتَوْجِب بِذَلِكَ عُقُوبَته . يَقُول : فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس , لَا يَصْلُح لَكُمْ خِلَاف رَبّكُمْ الَّذِي هُوَ مَالِككُمْ , فَأَطِيعُوهُ وَائْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ وَلَا تَنْصَرِفُوا عَنْ رَسُوله إِذَا كُنْتُمْ مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع إِلَّا بِإِذْنِهِ .|قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ|وَقَوْله : { قَدْ يَعْلَم مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } مِنْ طَاعَتكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا : 19917 - حَدَّثَنِي أَيْضًا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قَدْ يَعْلَم مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } صَنِيعكُمْ هَذَا أَيْضًا.)|وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا|يَقُول : وَيَوْم يَرْجِع إِلَى اللَّه الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره . { فَيُنَبِّئهُمْ } يَقُول : فَيُخْبِرهُمْ حِينَئِذٍ , { بِمَا عَمِلُوا } فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُجَازِيهِمْ عَلَى مَا أَسْلَفُوا فِيهَا , مِنْ خِلَافهمْ عَلَى رَبّهمْ .|وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ|يَقُول : وَاللَّه ذُو عِلْم بِكُلِّ شَيْء عَمِلْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَهُمْ وَغَيْركُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , بَلْ هُوَ مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , وَهُوَ مُوفٍ كُلّ عَامِل مِنْكُمْ أَجْر عَمَله يَوْم تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ . آخِر تَفْسِير سُورَة النُّور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : تَبَارَكَ : تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة , كَمَا : 19918 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْق , عَنِ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : (تَبَارَكَ : تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة . )وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِل : تَقَدَّسَ رَبّنَا , فَقَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان } يَقُول : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فَصْلًا بَعْد فَصْل وَسُورَة بَعْد سُورَة , عَلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَكُونَ مُحَمَّد لِجَمِيعِ الْجِنّ وَالْإِنْس الَّذِينَ بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَيْهِ , نَذِيرًا : يَعْنِي مُنْذِرًا يُنْذِرهُمْ عِقَابه وَيُخَوِّفهُمْ عَذَابه , إِنْ لَمْ يُوَحِّدُوهُ وَلَمْ يُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة وَيَخْلَعُوا كُلّ مَا دُونه مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19919 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } قَالَ : النَّبِيّ النَّذِير . وَقَرَأَ : { وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير } [35 24 ]وَقَرَأَ : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ } [26 208 ]قَالَ : رُسُل . قَالَ : الْمُنْذِرُونَ : الرُّسُل . قَالَ : وَكَانَ نَذِيرًا وَاحِدًا بَلَّغَ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , ذُو الْقَرْنَيْنِ , ثُمَّ بَلَغَ السَّدَّيْنِ , وَكَانَ نَذِيرًا , وَلَمْ أَسْمَع أَحَدًا يُحِقّ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا . { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [6 19 ]قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنَ الْخَلْق , فَرَسُول اللَّه نَذِيره . وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [7 158 ]وَقَالَ : لَمْ يُرْسِل اللَّه رَسُولًا إِلَى النَّاس عَامَّة إِلَّا نُوحًا , بَدَأَ بِهِ الْخَلْق , فَكَانَ رَسُول أَهْل الْأَرْض كُلّهمْ , وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَمَ بِهِ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان ... الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } فَ | الَّذِي | مِنْ نَعْت | الَّذِي | الْأُولَى , وَهُمَا جَمِيعًا فِي مَوْضِع رَفْع , الْأُولَى بِقَوْلِهِ | تَبَارَكَ | , وَالثَّانِيَة نَعْت لَهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } الَّذِي لَهُ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُنْفِذ فِي جَمِيعهَا أَمْره وَقَضَاءَهُ , وَيُمْضِي فِي كُلّهَا أَحْكَامه . يَقُول : فَحَقَّ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يُطِيعهُ أَهْل مَمْلَكَته وَمَنْ فِي سُلْطَانه وَلَا يَعْصُوهُ , يَقُول : فَلَا تَعْصُوا نَذِيرِي إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَاتَّبِعُوهُ , وَاعْمَلُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنَ الْحَقّ .|وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا|يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَد وَقَالَ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه : مَا اتَّخَذَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده وَلَدًا , فَمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ وَلَدًا فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى رَبّه .|وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ|يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ كَانَ يُضِيف الْأُلُوهَة إِلَى الْأَصْنَام وَيَعْبُدهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَيَقُول فِي تَلْبِيَته | لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك , إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك , تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ | : كَذَبَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل , مَا كَانَ لِلَّهِ شَرِيك فِي مُلْكه وَسُلْطَانه فَيُصْلَح أَنْ يُعْبَد مِنْ دُونه ! يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَفْرِدُوا أَيّهَا النَّاس لِرَبِّكُمْ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده مُحَمَّد نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُلُوهَة , وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , دُون كُلّ مَا تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالْإِنْس , فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ خَلْقه وَفِي مُلْكه , فَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع ذَلِكَ .|وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ|وَقَوْله : { وَخَلَقَ كُلّ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَخَلَقَ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى مُحَمَّد الْفُرْقَان كُلّ شَيْء , فَالْأَشْيَاء كُلّهَا خَلْقه وَمِلْكه , وَعَلَى الْمَمَالِيك طَاعَة مَالِكهمْ وَخِدْمَة سَيِّدهمْ دُون غَيْره . يَقُول : وَأَنَا خَالِقكُمْ وَمَالِككُمْ , فَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَة دُون غَيْرِي .|فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا|وَقَوْله : { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } يَقُول : فَسَوَّى كُلّ مَا خَلَقَ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُح لَهُ , فَلَا خَلَل فِيهِ وَلَا تَفَاوُت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مُقْرِعًا مُشْرِكِي الْعَرَب بِعِبَادَتِهِمَا مَا دُونه مِنَ الْآلِهَة , وَمُعَجِّبًا أُولِي النُّهَى مِنْهُمْ , وَمُنَبِّههمْ عَلَى مَوْضِع خَطَأ فِعْلهمْ وَذَهَابهمْ عَنْ مَنْهَج الْحَقّ وَرُكُوبهمْ مِنْ سُبُل الضَّلَالَة مَا لَا يَرْكَبهُ إِلَّا كُلّ مَدْخُول الرَّأْي مَسْلُوب الْعَقْل : وَاتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُون الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَحْده , مِنْ غَيْر شَرِيك , الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ , { آلِهَة } يَعْنِي أَصْنَامًا بِأَيْدِيهِمْ يَعْبُدُونَهَا , لَا تَخْلُق شَيْئًا وَهِيَ تُخْلَق , وَلَا تَمْلِك لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا تَجُرّهُ إِلَيْهَا وَلَا ضَرًّا تَدْفَعهُ عَنْهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا بِضُرٍّ , وَلَا تَمْلِك إِمَاتَة حَيّ وَلَا إِحْيَاء مَيِّت وَلَا نَشْره مِنْ بَعْد مَمَاته , وَتَرَكُوا عِبَادَة خَالِق كُلّ شَيْء وَخَالِق آلِهَتهمْ وَمَالِك الضُّرّ وَالنَّفْع وَالَّذِي بِيَدِهِ الْمَوْت وَالْحَيَاة وَالنُّشُور . وَالنُّشُور : مَصْدَر نَشَرَ الْمَيِّت نُشُورًا , وَهُوَ أَنْ يُبْعَث وَيَحْيَا بَعْد الْمَوْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ فَقَدْ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة : مَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد { إِلَّا إِفْك } يَعْنِي : إِلَّا كَذِب وَبُهْتَان , { افْتَرَاهُ } اخْتَلَقَهُ وَتَخَرَّصَهُ بِقَوْلِهِ , { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَجِيئنَا بِهِ الْيَهُود , فَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } يَقُول : وَأَعَانَ مُحَمَّدًا عَلَى هَذَا الْإِفْك الَّذِي افْتَرَاهُ يَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَأَعَانَهُ قَوْم آخَرُونَ } قَالَ : يَهُود . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا|وَقَوْله : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَدْ أَتَى قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } ظُلْمًا , يَعْنِي بِالظُّلْمِ نِسْبَتهمْ كَلَام اللَّه وَتَنْزِيله إِلَى أَنَّهُ إِفْك افْتَرَاهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه فَكَانَ ظُلْم قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة الْقُرْآن بِقِيلِهِمْ هَذَا وَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته . وَالزُّور : أَصْله تَحْسِين الْبَاطِل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَقَدْ أَتَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي قِيلهمْ { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } كَذِبًا مَحْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19921 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } قَالَ : كَذِبًا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَة وَأَصِيلًا } . </subtitle>ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث , وَأَنَّهُ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا شَيْخ مِنْ أَهْل مِصْر , قَدِمَ مُنْذُ بِضْع وَأَرْبَعِينَ سَنَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن كَلَدَة بْن عَلْقَمَة بْن عَبْد مَنَاف بْن عَبْد الدَّار بْن قُصَيّ مِنْ شَيَاطِين قُرَيْش , وَكَانَ يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْصِب لَهُ الْعَدَاوَة , وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَة , تَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيث مُلُوك فَارِس وَأَحَادِيث رُسْتُم وأسفنديار , فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا فَذَكَرَ بِاللَّهِ وَحَدَّثَ قَوْمه مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم مِنْ نِقْمَة اللَّه , خَلَفَهُ فِي مَجْلِسه إِذَا قَامَ , ثُمَّ يَقُول : أَنَا وَاللَّه يَا مَعْشَر قُرَيْش أَحْسَن حَدِيثًا مِنْهُ , فَهَلُمُّوا فَأَنَا أُحَدِّثكُمْ أَحْسَن مِنْ حَدِيثه ! ثُمَّ يُحَدِّثهُمْ عَنْ مُلُوك فَارِس وَرُسْتُم وأسفنديار , ثُمَّ يَقُول : مَا مُحَمَّد أَحْسَن حَدِيثًا مِنِّي ! قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي النَّضْر ثَمَانِي آيَات مِنَ الْقُرْآن , قَوْله : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا قَالَ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } [68 15 ]وَكُلّ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْأَسَاطِير فِي الْقُرْآن . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْله : | فَأَنْزَلَ اللَّه فِي النَّضْر ثَمَانِي آيَات | , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس . 19923 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج : ( { أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } أَشْعَارهمْ وَكِهَانَتهمْ ; وَقَالَهَا النَّضْر بْن الْحَارِث . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ قَالُوا لِهَذَا الْقُرْآن إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ , يَعْنُونَ أَحَادِيثهمْ الَّتِي كَانُوا يَسْطُرُونَهَا فِي كُتُبهمْ , اكْتَتَبَهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود . { فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ } يَعْنُونَ بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ } فَهَذِهِ الْأَسَاطِير تُقْرَأ عَلَيْهِ , مِنْ قَوْلهمْ : أَمْلَيْت عَلَيْك الْكِتَاب وَأَمْلَلْت . { بُكْرَة وَأَصِيلًا } يَقُول : وَتُمْلَى عَلَيْهِ غَدْوَة وَعَشِيًّا .
وَقَوْله : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك : مَا الْأَمْر كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ وَأَنَّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ , بَلْ هُوَ الْحَقّ , أَنْزَلَهُ الرَّبّ الَّذِي يَعْلَم سِرّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَمُحْصِي ذَلِكَ عَلَى خَلْقه , وَمُجَازِيهمْ بِمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ قُلُوبهمْ وَأَضْمَرُوهُ فِي نُفُوسهمْ .|إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا|يَقُول : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَصْفَح عَنْ خَلْقه وَيَرْحَمهُمْ , فَيَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ , يَقُول : فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَته فِي خَلْقه , يُمْهِلكُمْ أَيّهَا الْقَائِلُونَ مَا قُلْتُمْ مِنَ الْإِفْك وَالْفَاعِلُونَ مَا فَعَلْتُمْ مِنَ الْكُفْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19924 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : مَا يُسِرّ أَهْل الْأَرْض وَأَهْل السَّمَاء .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا } </subtitle>ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مُشْرِكُو قَوْمه قَالُوا لَهُ لَيْلَة اجْتِمَاع أَشْرَافهمْ بِظَهْرِ الْكَعْبَة , وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء , وَسَأَلُوهُ الْآيَات . فَكَانَ فِيمَا كَلَّمُوهُ بِهِ حِينَئِذٍ , فِيمَا : 19925 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنِ ابْن عَبَّاس : (أَنْ قَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَنَا هَذَا - يَعْنِي مَا سَأَلُوهُ مِنْ تَسْيِير جِبَالهمْ عَنْهُمْ , وَإِحْيَاء آبَائِهِمْ , وَالْمَجِيء بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل - فَخُذْ لِنَفْسِك , سَلْ رَبّك يَبْعَث مَعَك مَلَكًا يُصَدِّقك بِمَا تَقُول وَيُرَاجِعنَا عَنْك , وَسَلْهُ فَيَجْعَل لَك قُصُورًا وَجِنَانًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , تُغْنِيك عَمَّا نَرَاك تَبْتَغِي , فَإِنَّك تَقُوم بِالْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا نَلْتَمِسهُ , حَتَّى نَعْلَم فَضْلك وَمَنْزِلَتك مِنْ رَبّك إِنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُم ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ! | فَأَنْزَلَ اللَّه فِي قَوْلهمْ : أَنْ خُذْ لِنَفْسِك مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذ لَهَا : أَنْ يَجْعَل لَهُ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا , أَوْ يَبْعَث مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقهُ بِمَا يَقُول وَيَرُدّ عَنْهُ مَنْ خَاصَمَهُ . { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ { مَا لِهَذَا الرَّسُول } يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي يَزْعُم أَنَّ اللَّه بَعَثَهُ إِلَيْنَا , { يَأْكُل الطَّعَام } كَمَا نَأْكُل , { وَيَمْشِي } فِي أَسْوَاقنَا كَمَا نَمْشِي . { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ { مَلَك } إِنْ كَانَ صَادِقًا مِنَ السَّمَاء , { فَيَكُون مَعَهُ } مُنْذِرًا لِلنَّاسِ , مُصَدِّقًا لَهُ عَلَى مَا يَقُول , أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز مِنْ فِضَّة أَوْ ذَهَب فَلَا يَحْتَاج مَعَهُ إِلَى التَّصَرُّف فِي طَلَب الْمَعَاش , { أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة } يَقُول : أَوْ يَكُون لَهُ بُسْتَان { يَأْكُل مِنْهَا } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يَأْكُل } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : يَأْكُل مِنْهَا الرَّسُول . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | نَأْكُل مِنْهَا | بِالنُّونِ , بِمَعْنَى : نَأْكُل مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ ; وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل بِأَنَّ مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَل رَبّه هَذِهِ الْخِلَال لِنَفْسِهِ لَا لَهُمْ ; فَإِذْ كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُولُوا لَهُ : سَلْ لِنَفْسِك ذَلِكَ لِنَأْكُل نَحْنُ . وَبَعْد , فَإِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } [25 10 ]دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ : اطْلُبْ ذَلِكَ لِنَفْسِك , لِتَأْكُل أَنْتَ مِنْهُ , لَا نَحْنُ .
ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مُشْرِكُو قَوْمه قَالُوا لَهُ لَيْلَة اجْتِمَاع أَشْرَافهمْ بِظَهْرِ الْكَعْبَة , وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء , وَسَأَلُوهُ الْآيَات . فَكَانَ فِيمَا كَلَّمُوهُ بِهِ حِينَئِذٍ , فِيمَا : 19925 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنِ ابْن عَبَّاس : (أَنْ قَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَنَا هَذَا - يَعْنِي مَا سَأَلُوهُ مِنْ تَسْيِير جِبَالهمْ عَنْهُمْ , وَإِحْيَاء آبَائِهِمْ , وَالْمَجِيء بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل - فَخُذْ لِنَفْسِك , سَلْ رَبّك يَبْعَث مَعَك مَلَكًا يُصَدِّقك بِمَا تَقُول وَيُرَاجِعنَا عَنْك , وَسَلْهُ فَيَجْعَل لَك قُصُورًا وَجِنَانًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , تُغْنِيك عَمَّا نَرَاك تَبْتَغِي , فَإِنَّك تَقُوم بِالْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا نَلْتَمِسهُ , حَتَّى نَعْلَم فَضْلك وَمَنْزِلَتك مِنْ رَبّك إِنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُم ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ! | فَأَنْزَلَ اللَّه فِي قَوْلهمْ : أَنْ خُذْ لِنَفْسِك مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذ لَهَا : أَنْ يَجْعَل لَهُ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا , أَوْ يَبْعَث مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقهُ بِمَا يَقُول وَيَرُدّ عَنْهُ مَنْ خَاصَمَهُ . { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ { مَا لِهَذَا الرَّسُول } يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي يَزْعُم أَنَّ اللَّه بَعَثَهُ إِلَيْنَا , { يَأْكُل الطَّعَام } كَمَا نَأْكُل , { وَيَمْشِي } فِي أَسْوَاقنَا كَمَا نَمْشِي . { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ { مَلَك } إِنْ كَانَ صَادِقًا مِنَ السَّمَاء , { فَيَكُون مَعَهُ } مُنْذِرًا لِلنَّاسِ , مُصَدِّقًا لَهُ عَلَى مَا يَقُول , أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز مِنْ فِضَّة أَوْ ذَهَب فَلَا يَحْتَاج مَعَهُ إِلَى التَّصَرُّف فِي طَلَب الْمَعَاش , { أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة } يَقُول : أَوْ يَكُون لَهُ بُسْتَان { يَأْكُل مِنْهَا } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يَأْكُل } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : يَأْكُل مِنْهَا الرَّسُول . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | نَأْكُل مِنْهَا | بِالنُّونِ , بِمَعْنَى : نَأْكُل مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ ; وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل بِأَنَّ مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَل رَبّه هَذِهِ الْخِلَال لِنَفْسِهِ لَا لَهُمْ ; فَإِذْ كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُولُوا لَهُ : سَلْ لِنَفْسِك ذَلِكَ لِنَأْكُل نَحْنُ . وَبَعْد , فَإِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } [25 10 ]دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ : اطْلُبْ ذَلِكَ لِنَفْسِك , لِتَأْكُل أَنْتَ مِنْهُ , لَا نَحْنُ .|وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا|وَقَوْله : { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } يَقُول : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُوله : { إِنْ تَتَّبِعُونَ } أَيّهَا الْقَوْم , بِاتِّبَاعِكُمْ مُحَمَّدًا { إِلَّا رَجُلًا } بِهِ سِحْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَبَّهُوا لَك الْأَشْبَاه بِقَوْلِهِمْ لَك : هُوَ مَسْحُور , فَضَلُّوا بِذَلِكَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَأَخْطَئُوا طَرِيق الْهُدَى وَالرَّشَاد { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يَقُول : فَلَا يَجِدُونَ { سَبِيلًا } إِلَى الْحَقّ , إِلَّا فِيمَا بَعَثْتُك بِهِ , وَمِنَ الْوَجْه الَّذِي ضَلُّوا عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19926 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } أَيْ الْتَمَسُوا الْهُدَى فِي غَيْر مَا بَعَثْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ فَضَلُّوا , فَلَنْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُصِيبُوا الْهُدَى فِي غَيْره . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 19927 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } قَالَ : مَخْرَجًا يُخْرِجهُمْ مِنَ الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبُوا لَك.)
وَقَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَقَدَّسَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِ | ذَلِكَ | الَّتِي فِي قَوْله : { جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : خَيْرًا مِمَّا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَك يَا مُحَمَّد , هَلَّا أُوتِيته وَأَنْتَ لِلَّهِ رَسُول ! ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ الَّذِي لَوْ شَاءَ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَيْر مِمَّا قَالُوا , فَقَالَ : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 19928 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } خَيْرًا مِمَّا قَالُوا . )19929 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } قَالَ : مِمَّا قَالُوا وَتَمَنَّوْا لَك , فَيَجْعَل لَك مَكَان ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق وَالْتِمَاس الْمَعَاش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19930 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا يَرَى الطَّبَرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : ( { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } مِنْ أَنْ تَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا يَلْتَمِسهُ النَّاس , { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا اسْتَعْظَمُوا أَنْ لَا تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَأَنْ لَا يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز , وَاسْتَنْكَرُوا أَنْ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَهُوَ لِلَّهِ رَسُول . فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِوَعْدِ اللَّه إِيَّاهُ أَنْ يَكُون وَعْدًا بِمَا هُوَ خَيْر مَا كَانَ عِنْد الْمُشْرِكِينَ عَظِيمًا , لَا مِمَّا كَانَ مُنْكَرًا عِنْدهمْ . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . بَسَاتِين تَجْرِي فِي أُصُول أَشْجَارهَا الْأَنْهَار . كَمَا : 19931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } قَالَ : حَوَائِط .)|وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا|وَقَوْله : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } يَعْنِي بِالْقُصُورِ : الْبُيُوت الْمَبْنِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19932 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } قَالَ : بُيُوتًا مَبْنِيَّة مَشِيدَة , كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنَ الْحِجَارَة قَصْرًا كَائِنًا مَا كَانَ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } مَشِيدَة فِي الدُّنْيَا , كُلّ هَذَا قَالَتْهُ قُرَيْش . وَكَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنْ حِجَارَة مَا كَانَ صَغِيرًا قَصْرًا . )19933 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب قَالَ : (قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شِئْت أَنْ نُعْطِيك مِنْ خَزَائِن الْأَرْض وَمَفَاتِيحهَا مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيّ قَبْلك وَلَا يُعْطَى مَنْ بَعْدك وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِمَّا لَك عِنْد اللَّه تَعَالَى ؟ فَقَالَ : | اجْمَعُوهَا لِي فِي الْآخِرَة ! | فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } . )
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَأَنْكَرُوا مَا جِئْتهمْ بِهِ يَا مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ , مِنْ أَجْل أَنَّك تَأْكُل الطَّعَام وَتَمْشِي فِي الْأَسْوَاق , وَلَكِنْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِالْمُعَادِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب , تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِالْقِيَامَةِ وَبَعْث اللَّه الْأَمْوَات أَحْيَاء لِحَشْرِ الْقِيَامَة .|وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا| { وَأَعْتَدْنَا } يَقُول : وَأَعْدَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِبَعْثِ اللَّه الْأَمْوَات أَحْيَاء بَعْد فَنَائِهِمْ لِقِيَامِ السَّاعَة , نَارًا تُسَعَّر عَلَيْهِمْ وَتَتَّقِد.
يَقُول : إِذَا رَأَتْ هَذِهِ النَّار الَّتِي أَعْتَدْنَاهَا لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ أَشْخَاصهمْ مِنْ مَكَان بَعِيد , تَغَيَّظَتْ عَلَيْهِمْ ; وَذَلِكَ أَنْ تَغْلِي وَتَفُور . يُقَال : فُلَان تَغَيَّظَ عَلَى فُلَان , وَذَلِكَ إِذْ غَضِبَ عَلَيْهِ فَغَلَى صَدْره مِنَ الْغَضَب عَلَيْهِ وَتَبَيَّنَ فِي كَلَامه . وَزَفِيرًا , وَهُوَ صَوْتهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قِيلَ : { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا } وَالتَّغَيُّظ : لَا يُسْمَع ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَمِعُوا لَهَا صَوْت التَّغَيُّظ , مِنْ التَّلَهُّب وَالتَّوَقُّد . 19934 - حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَصْبَغ بْن زَيْد الْوَرَّاق , عَنْ خَالِد بْن كَثِير , عَنْ فُدَيْك , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يَقُول عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْن عَيْنَيْ جَهَنَّم مَقْعَدًا | قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْن ؟ قَالَ : | أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْل اللَّه : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد ؟ } ... | الْآيَة . )19935 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر فِي قَوْله : { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : (إِنَّ جَهَنَّم لَتَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك وَلَا نَبِيّ إِلَّا خَرَّ تُرْعَد فَرَائِضه ; حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيم لَيَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ , فَيَقُول : يَا رَبّ لَا أَسْأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفْسِي ! . )19936 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ( إِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار , فَتَنْزَوِي وَيَنْقَبِض بَعْضهَا إِلَى بَعْض , فَيَقُول لَهَا الرَّحْمَن مَا لَك ؟ فَتَقُول : إِنَّهُ لَيَسْتَجِير مِنِّي ! فَيَقُول : أَرْسِلُوا عَبْدِي ! وَإِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار , فَيَقُول : يَا رَبّ مَا كَانَ هَذَا الظَّنّ بِك ! فَيَقُول : فَمَا كَانَ ظَنّك ؟ فَيَقُول : أَنْ تَسَعَنِي رَحْمَتك ! قَالَ : فَيَقُول أَرْسِلُوا عَبْدِي ! وَإِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار فَتَشْهَق إِلَيْهِ النَّار شُهُوق الْبَغْلَة إِلَى الشَّعِير وَتَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى أَحَد إِلَّا خَافَ | .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أُلْقِيَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ مِنَ النَّار مَكَانًا ضَيِّقًا , قَدْ قُرِنَتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال ; { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الثُّبُور , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْوَيْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19937 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس . فِي قَوْله : { وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } يَقُول : وَيْلًا . 19938 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } يَقُول : لَا تَدْعُوا الْيَوْم وَيْلًا وَاحِدًا , وَادْعُوا وَيْلًا كَثِيرًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : الثُّبُور الْهَلَاك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19939 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } الثُّبُور : الْهَلَاك . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالثُّبُور فِي كَلَام الْعَرَب أَصْله انْصِرَاف الرَّجُل عَنِ الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : مَا ثَبَرَك عَنْ هَذَا الْأَمْر ؟ أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ . وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع دُعَاء هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِالنَّدَمِ عَلَى انْصِرَافهمْ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْإِيمَان بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا الْعُقُوبَة مِنْهُ , كَمَا يَقُول الْقَائِل : وَانَدَامَتَاه , وَاحَسْرَتَاهُ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي قَوْله : { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } أَيْ هَلَكَة , وَيَقُول : هُوَ مَصْدَر مِنْ ثُبِرَ الرَّجُل : أَيْ أُهْلِكَ , وَيَسْتَشْهِد لِقِيلِهِ فِي ذَلِكَ بِبَيْتِ ابْن الزِّبَعْرَى : <br>إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَان فِي سَنَن الْغَ .......... يّ وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُور<br>
وَقَوْله : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم } أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ نَدَمًا وَاحِدًا : أَيْ مَرَّة وَاحِدَة , وَلَكِنْ ادْعُوا ذَلِكَ كَثِيرًا . وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } لِأَنَّ الثُّبُور مَصْدَر , وَالْمَصَادِر لَا تُجْمَع , وَإِنَّمَا تُوصَف بِامْتِدَادِ وَقْتهَا وَكَثْرَتهَا , كَمَا يُقَال : قَعَدَ قُعُودًا طَوِيلًا , وَأَكَلَ أَكْلًا كَثِيرًا . 19940 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَّل مَنْ يُكْسَى حُلَّة مِنْ النَّار إِبْلِيس , فَيَضَعهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ , وَيَسْحَبهَا مِنْ خَلْفه , وَذُرِّيَّته مِنْ خَلْفه , وَهُوَ يَقُول : يَا ثُبُورَاه ! وَهُمْ يُنَادُونَ : يَا ثُبُورهمْ ! حَتَّى يَقِفُوا عَلَى النَّار , وَهُوَ يَقُول : يَا ثُبُورَاه ! وَهُمْ يُنَادُونَ : يَا ثُبُورهمْ ! فَيُقَال : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } | .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَذَلِكَ خَيْر أَمْ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ : أَهَذِهِ النَّار الَّتِي وَصَفَ لَكُمْ رَبّكُمْ صِفَتهَا وَصِفَة أَهْلهَا خَيْر , أَمْ بُسْتَان الْخُلْد الَّذِي يَدُوم نَعِيمه وَلَا يَبِيد , الَّذِي وَعَدَ مَنِ اتَّقَاهُ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ ؟|كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا|وَقَوْله : { كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا } يَقُول : كَانَتْ جَنَّة الْخُلْد لِلْمُتَّقِينَ جَزَاء أَعْمَالهمْ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ وَثَوَاب تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ وَمَصِيرًا لَهُمْ , يَقُول : وَمَصِيرًا لِلْمُتَّقِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَة.
وَقَوْله : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } يَقُول : لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ فِي جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا اللَّه , مَا يَشَاءُونَ مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن .|خَالِدِينَ| { خَالِدِينَ } فِيهَا , يَقُول : لَابِثِينَ فِيهَا مَاكِثِينَ أَبَدًا , لَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُول عَنْهُمْ نَعِيمهَا .|كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا|وَقَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبّهمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حِين قَالُوا : { آتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك } [3 194 ]يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كَانَ إِعْطَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وَصَفَ صِفَتهَا فِي الْآخِرَة , وَعْدًا وَعَدَهُمْ اللَّه عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19941 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَفْعُولًا } قَالَ : فَسَأَلُوا الَّذِي وَعَدَهُمْ وَتَنَجَّزُوهُ . )19942 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } قَالَ : سَأَلُوهُ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا , طَلَبُوا ذَلِكَ فَأَعْطَاهُمْ وَعْدهمْ , إِذْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيهِمْ فَأَعْطَاهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ وَعْدًا مَسْئُولًا , كَمَا وَقَّتَ أَرْزَاق الْعِبَاد فِي الْأَرْض قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ فَجَعَلَهَا أَقْوَاتًا لِلسَّائِلِينَ , وَقَّتَ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَتهمْ . وَقَرَأَ : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } . [41 10 ])وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { وَعْدًا مَسْئُولًا } إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ وَعْدًا وَاجِبًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْئُول وَاجِب , وَإِنْ لَمْ يُسْأَل كَالدَّيْنِ , وَيَقُول : ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : لَأُعْطِيَنَّك أَلْفًا وَعْدًا مَسْئُولًا , بِمَعْنَى وَاجِب لَك فَتَسْأَلهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم نَحْشُر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنَ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ . كَمَا : 19943 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } فَيَقُول : { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ } قَالَ : عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر الْقَارِي وَعَبْد اللَّه بْن كَثِير : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَقُول } بِالْيَاءِ جَمِيعًا , بِمَعْنَى : وَيَوْم يَحْشُرهُمْ رَبّك , وَيَحْشُر مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون فَيَقُول . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | نَحْشُرهُمْ | بِالنُّونِ , | فَنَقُول | . وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ نَافِع . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .|فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ|وَقَوْله : { فَيَقُول أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ } يَقُول : فَيَقُول اللَّه لِلَّذِينَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه : أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ؟ يَقُول : أَنْتُمْ أَزَلْتُمُوهُمْ عَنْ طَرِيق الْهُدَى وَدَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى الْغَيّ وَالضَّلَالَة حَتَّى تَاهُوا وَهَلَكُوا , أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل ؟ يَقُول : أَمْ عِبَادِي هُمْ الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيل الرُّشْد وَالْحَقّ وَسَلَكُوا الْعَطَب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا سُبْحَانك مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَعِيسَى : تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّنَا وَتَبْرِئَة مِمَّا أَضَافَ إِلَيْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء نُوَالِيهِمْ , أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ , وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ بِالْمَالِ يَا رَبّنَا فِي الدُّنْيَا وَالصِّحَّة حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا هَلْكَى قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الشَّقَاء وَالْخِذْلَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : قَوْم قَدْ ذَهَبَتْ أَعْمَالهمْ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَال صَالِحَة . )19945 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : هَلْكَى . )19946 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : هَلْكَى . )19947 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الْحَسَن : ( { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا خَيْر فِيهِمْ . )19948 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قَالَ : يَقُول : لَيْسَ مِنْ الْخَيْر فِي شَيْء . الْبُور : الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْخَيْر شَيْء . )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { نَتَّخِذ } بِفَتْحِ النُّون ; سِوَى الْحَسَن وَيَزِيد بْن الْقَعْقَاع , فَإِنَّهُمَا قَرَآهُ : | أَنْ نُتَّخَذ | بِضَمِّ النُّون . فَذَهَبَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيله , مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وَمَنْ عَبَدَ مِنْ دُون اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الَّذِينَ تَبَرَّءُوا أَنْ يَكُون كَانَ لَهُمْ وَلِيّ غَيْر اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ النُّون , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ الْمَعْبُودِينَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّه أَنْ يَكُون كَانَ لَهُمْ أَنْ يُعْبَدُوا مِنْ دُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ إِذَا قِيلَ { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [5 116 ] { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } [5 117 ]قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ النُّون , لِعِلَلٍ ثَلَاث : إِحْدَاهُنَّ إِجْمَاع مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَالثَّانِيَة : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ نَظِير هَذِهِ الْقِصَّة فِي سُورَة سَبَأ , فَقَالَ : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانك أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } [34 40 : 41 ]فَأَخْبَرَ عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُمْ إِذَا سُئِلُوا عَنْ عِبَادَة مَنْ عَبَدَهُمْ تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّه مِنْ وِلَايَتهمْ , فَقَالُوا لِرَبِّهِمْ : { أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } [34 41 ]فَذَلِكَ يُوَضِّح عَنْ صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء } بِمَعْنَى : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذهُمْ مِنْ دُونك أَوْلِيَاء . وَالثَّالِثَة : أَنَّ الْعَرَب لَا تُدْخِل | مِنْ | هَذِهِ الَّتِي تَدْخُل فِي الْجَحْد إِلَّا فِي الْأَسْمَاء , وَلَا تُدْخِلهَا فِي الْأَخْبَار , لَا يَقُولُونَ : مَا رَأَيْت أَخَاك مِنْ رَجُل , وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : مَا رَأَيْت مِنْ أَحَد , وَمَا عِنْدِي مِنْ رَجُل ; وَقَدْ دَخَلَتْ هَا هُنَا فِي الْأَوْلِيَاء وَهِيَ فِي مَوْضِع الْخَبَر , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا | مِنْ | , كَانَ وَجْهًا حَسَنًا . وَأَمَّا الْبُور : فَمَصْدَر وَاحِد , وَجَمْع لِلْبَائِرِ , يُقَال : أَصْبَحَتْ مَنَازِلهمْ بُورًا : أَيْ خَالِيَة لَا شَيْء فِيهَا , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَارَتْ السُّوق وَبَارَ الطَّعَام : إِذَا خَلَا مِنْ الطُّلَّاب وَالْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَالِب , فَصَارَ كَالشَّيْءِ الْهَالِك ; وَمِنْهُ قَوْل ابْن الزِّبَعْرَى : <br>يَا رَسُول الْمَلِيك إِنَّ لِسَانِي .......... رَاتِق مَا فَتَقْت إِذْ أَنَا بُور <br>وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ بُور : مَصْدَر , كَالْعَدْلِ وَالزُّور وَالْقَطْع , لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع وَلَا يُؤَنَّث . وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْبُورِ فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّ أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكُفَّار كَانَتْ بَاطِلَة لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ , كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْن عَبَّاس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَمَّا هُوَ قَائِل لِلْمُشْرِكِينَ عِنْد تَبَرِّي مَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه مِنْهُمْ : قَدْ كَذَّبُوكُمْ أَيّهَا الْكَافِرُونَ مَنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَضَلُّوكُمْ وَدَعَوْكُمْ إِلَى عِبَادَتهمْ { بِمَا تَقُولُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِكُمْ , يَقُول : كَذَّبُوكُمْ بِكَذِبِكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19949 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } يَقُول اللَّه لِلَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عِيسَى وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَة , يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ . )19950 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } قَالَ : عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة , يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِمْ . )وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , مَا : 19951 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ آمَنُوا بِهِ وَكَذَّبَ هَؤُلَاءِ . )فَوَجَّهَ ابْن زَيْد تَأْوِيل قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } إِلَى : فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه بِمَا تَقُولُونَ مِنَ الْحَقّ , وَهُوَ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا الْكَافِرِينَ فِي زَعْمهمْ أَنَّهُمْ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلَالَة وَأَمَرُوهُمْ بِهَا , عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنَ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ , أَشْبَه وَأَوْلَى ; لِأَنَّهُ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } بِالتَّاءِ , عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَهُ : | فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ | بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِقَوْلِهِمْ .|فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا|وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } يَقُول : فَمَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْكُفَّار صَرْف عَذَاب اللَّه حِين نَزَلَ بِهِمْ عَنْ أَنْفُسهمْ , وَلَا نَصْرهَا مِنَ اللَّه حِين عَذَّبَهَا وَعَاقَبَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19952 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ . )قَالَ ابْن جُرَيْج : لَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْف الْعَذَاب عَنْهُمْ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ . 19953 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : لَا يَسْتَطِيعُونَ يَصْرِفُونَ عَنْهُمُ الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ حِين كَذَّبُوا , وَلَا أَنْ يَنْتَصِرُوا . قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجْتَمِع الْخَلَائِق : مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ؟ قَالَ : مَنْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُر الْيَوْم مَنْ عَبَدَهُ , وَقَالَ الْعَابِدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُرهُ الْيَوْم إِلَهه الَّذِي يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { بَلْ هُمُ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } [37 26 ]وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْد فَكِيدُونِ } [77 39 ])وَرُوِيَ عَنِ ابْن مَسْعُود فِي ذَلِكَ مَا : 19954 - حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : (هِيَ فِي حَرْف عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : | فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَك صَرْفًا . )فَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْهُ صَحِيحَة , صَحَّ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } وَيَصِير قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } خَبَرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ , وَيَكُون تَأْوِيل قَوْله حِينَئِذٍ : { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } فَمَا يَسْتَطِيع يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْكُفَّار لَك صَرْفًا عَنِ الْحَقّ الَّذِي هَدَاك اللَّه لَهُ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ , مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْبَلَاء الَّذِي هُمْ فِيهِ , بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ .|وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ - يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم } وَمَنْ يُشْرِك بِاللَّهِ فَيَظْلِم نَفْسه - فَذَلِكَ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا , كَالَّذِي ذَكَرْنَا أَنْ نُذِيقهُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : يُشْرِك ; { نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . )19956 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : هُوَ الشِّرْك :)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق } . </subtitle>وَهَذَا احْتِجَاج مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمه الَّذِينَ قَالُوا : { مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق } [25 7 ]وَجَوَاب لَهُمْ عَنْهُ , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا أَنْكَرَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق , مِنْ أَكْلك الطَّعَام وَمَشْيك فِي الْأَسْوَاق , وَأَنْتَ لِلَّهِ رَسُول ; فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّا مَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق كَالَّذِي تَأْكُل أَنْتَ وَتَمْشِي , فَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْك بِمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ حُجَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ | مَنْ | لَيْسَتْ فِي التِّلَاوَة , فَكَيْفَ قُلْت مَعْنَى الْكَلَام : إِلَّا مَنْ - إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام ؟ قِيلَ : قُلْنَا فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : | إِنَّهُمْ | , كِنَايَة أَسْمَاء لَمْ تُذْكَر , وَلَا بُدّ لَهَا مِنْ أَنْ تَعُود عَلَى مَنْ كُنِّيَ عَنْهُ بِهَا , وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر | مَنْ | وَإِظْهَاره فِي الْكَلَام اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { مِنَ الْمُرْسَلِينَ } عَلَيْهِ , كَمَا اكْتُفِيَ فِي قَوْله : { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَام مَعْلُوم } [37 164 ]مِنْ إِظْهَار | مَنْ | , وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا مِنَّا إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَام مَعْلُوم , كَمَا قِيلَ : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } [19 71 ]وَمَعْنَاهُ : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ هُوَ وَارِدهَا ; فَقَوْله : { إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام } صِلَة لِ | مَنْ | الْمَتْرُوك , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : مَا أَرْسَلْت إِلَيْك مِنَ النَّاس إِلَّا مَنْ إِنَّهُ لَيُبَلِّغك الرِّسَالَة , فَإِنَّهُ | لَيُبَلِّغك الرِّسَالَة | صِلَة لِ | مَنْ | .|وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ|وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَامْتَحَنَّا أَيّهَا النَّاس بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , جَعَلْنَا هَذَا نَبِيًّا وَخَصَّصْنَاهُ بِالرِّسَالَةِ , وَهَذَا مَلِكًا وَخَصَّصْنَاهُ بِالدُّنْيَا , وَهَذَا فَقِيرًا وَحَرَمْنَاهُ الدُّنْيَا ; لِنَخْتَبِر الْفَقِير بِصَبْرِهِ عَلَى مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيه الْغَنِيّ , وَالْمَلِك بِصَبْرِهِ عَلَى مَا أُعْطِيه الرَّسُول مِنَ الْكَرَاهَة , وَكَيْف رَضِيَ كُلّ إِنْسَان مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيَ وَقُسِمَ لَهُ , وَطَاعَته رَبّه مَعَ مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيَ غَيْره . يَقُول : فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ لَمْ أُعْطِ مُحَمَّدًا الدُّنْيَا , وَجَعَلْته يَطْلُب الْمَعَاش فِي الْأَسْوَاق , وَلِأَبْتَلِيَكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَخْتَبِر طَاعَتكُمْ رَبّكُمْ وَإِجَابَتكُمْ رَسُوله إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ , بِغَيْرِ عَرَض مِنْ الدُّنْيَا تَرْجُونَهُ مِنْ مُحَمَّد أَنْ يُعْطِيكُمْ عَلَى اتِّبَاعكُمْ إِيَّاهُ ; لِأَنِّي لَوْ أَعْطَيْته الدُّنْيَا , لَسَارَعَ كَثِير مِنْكُمْ إِلَى اتِّبَاعه طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ أَنْ يَنَال مِنْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19957 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : ثني عَبْد الْقُدُّوس , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } ... الْآيَة , يَقُول هَذَا الْأَعْمَى : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي بَصِيرًا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا الْفَقِير : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي غَنِيًّا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا السَّقِيم : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي صَحِيحًا مِثْل فُلَان . )19958 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } قَالَ : يُمْسِك عَنْ هَذَا وَيُوَسِّع عَلَى هَذَا , فَيَقُول : لَمْ يُعْطِنِي مِثْل مَا أَعْطَى فُلَانًا , وَيُبْتَلَى بِالْوَجَعِ كَذَلِكَ , فَيَقُول : لَمْ يَجْعَلنِي رَبِّي صَحِيحًا مِثْل فُلَان ; فِي أَشْبَاه ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاء , لِيَعْلَم مَنْ يَصْبِر مِمَّنْ يَجْزَع . )19959 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا يَرْوِي الطَّبَرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق } ... [25 7 ]الْآيَة : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } أَيْ جَعَلْت بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ بَلَاء , لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ , وَتَرَوْنَ مِنْ خِلَافهمْ , وَتَتَّبِعُوا الْهُدَى بِغَيْرِ أَنْ أُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ; وَلَوْ شِئْت أَنْ أَجْعَل الدُّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يُخَالِفُونَ لَفَعَلْت , وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَبْتَلِي الْعِبَاد بِكُمْ وَأَبْتَلِيكُمْ بِهِمْ.)|وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا|وَقَوْله : { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } يَقُول : وَرَبّك يَا مُحَمَّد بَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر عَلَى مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنَ الْمِحَن . كَمَا : 19960 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } إِنَّ رَبّك لَبَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة أَوْ نَرَى رَبّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسهمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ لِقَاءَنَا , وَلَا يَخْشَوْنَ عِقَابنَا , هَلَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْنَا مَلَائِكَة , فَتُخْبِرنَا أَنَّ مُحَمَّدًا مُحِقّ فِيمَا يَقُول , وَأَنَّ مَا جَاءَنَا بِهِ صِدْق , أَوْ نَرَى رَبّنَا فَيُخْبِرنَا بِذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْهُمْ : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنَ الْأَرْض يَنْبُوعًا } [17 90 ]ثُمَّ قَالَ بَعْد : { أَوْ تَأْتِي بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } [17 92 ]يَقُول اللَّه : لَقَدِ اسْتَكْبَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة فِي أَنْفُسهمْ , وَتَعَظَّمُوا , { وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } يَقُول : وَتَجَاوَزُوا فِي الِاسْتِكْبَار بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ حَدّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19961 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : (قَالَ كُفَّار قُرَيْش : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة } فَيُخْبِرُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ) { لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسهمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا } لِأَنَّ | عَتَا | مِنْ ذَوَات الْوَاو , فَأُخْرِجَ مَصْدَره عَلَى الْأَصْل بِالْوَاوِ . وَقِيلَ فِي سُورَة مَرْيَم : { وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الْكِبَر عِتِيًّا } [19 8 ]وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ الْمَصَادِر فِي هَذَا الْوَجْه جَمْع الْأَسْمَاء كَقَوْلِهِمْ : قَعَدَ قُعُودًا , وَهُمْ قَوْم قُعُود , فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْعَاتِي يُجْمَع عِتِيًّا بِنَاء عَلَى الْوَاحِد , جُعِلَ مَصْدَره أَحْيَانًا مُوَافِقًا لِجَمْعِهِ , وَأَحْيَانَا مَرْدُودًا إِلَى أَصْله.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَوْم يَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة أَوْ نَرَى رَبّنَا } بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد الْمَلَائِكَة , فَلَا بُشْرَى لَهُمْ يَوْمئِذٍ بِخَيْرٍ . { يَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ لِلْمُجْرِمِينَ حِجْرًا مَحْجُورًا , حَرَامًا عَلَيْكُمُ الْيَوْم الْبُشْرَى أَنْ تَكُون لَكُمْ مِنَ اللَّه ; وَمِنَ الْحِجْر قَوْل الْمُتَلَمِّس : <br>حَنَّتْ إِلَى نَخْلَة الْقُصْوَى فَقُلْت لَهَا .......... حِجْر حَرَام أَلَا تِلْكَ الدَّهَارِيس <br>وَمِنْهُ قَوْلهمْ : حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى فُلَان , وَحَجَرَ فُلَان عَلَى أَهْله ; وَمِنْهُ حِجْر الْكَعْبَة ; لِأَنَّهُ لَا يُدْخَل إِلَيْهِ فِي الطَّوَاف , وَإِنَّمَا يُطَاف مِنْ وَرَائِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر . <br>فَهَمَمْت أَنَا أَلْقَى إِلَيْهَا مَحْجَرًا .......... فَلِمِثْلِهَا يُلْقَى إِلَيْهِ الْمَحْجَر <br>أَيْ مِثْلهَا يُرْكَب مِنْهُ الْمَحْرَم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُخْبَر عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } وَمَنْ قَائِلُوهُ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ قَائِلُو ذَلِكَ الْمَلَائِكَة لِلْمُجْرِمِينَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19962 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنِ الْأَجْلَح , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْل اللَّه : ( { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : تَقُول الْمَلَائِكَة : حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ تَكُون لَكُمُ الْبُشْرَى . )19963 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ جَدِّي , عَنِ الْحَسَن , عَنْ قَتَادَة : ( { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : هِيَ كَلِمَة كَانَتِ الْعَرَب تَقُولهَا , كَانَ الرَّجُل إِذَا نَزَلَ بِهِ شِدَّة قَالَ : حِجْرًا , يَقُول : حَرَامًا مُحَرَّمًا . )19964 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } لَمَّا جَاءَتْ زَلَازِل السَّاعَة , فَكَانَ مِنْ زَلَازِلهَا أَنَّ السَّمَاء انْشَقَّتْ { فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَة وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا } [69 16 : 17 ]عَلَى شَفَة كُلّ شَيْء تَشَقَّق مِنَ السَّمَاء , فَذَلِكَ قَوْله : { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ } يَعْنِي الْمَلَائِكَة تَقُول لِلْمُجْرِمِينَ : حَرَامًا مُحَرَّمًا أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ أَنْ تَكُون لَكُمُ الْبُشْرَى الْيَوْم حِين رَأَيْتُمُونَا . )19965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : عَوْذًا مُعَاذًا . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ : الْمَلَائِكَة تَقُولهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ خَبَر مِنَ اللَّه عَنْ قِيلَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا عَايَنُوا الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19966 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ ابْن جُرَيْج : كَانَتِ الْعَرَب إِذَا كَرِهُوا شَيْئًا قَالُوا : حِجْرًا , فَقَالُوا حِين عَايَنُوا الْمَلَائِكَة . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : { حِجْرًا } عَوْذًا , يَسْتَعِيذُونَ مِنَ الْمَلَائِكَة . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْحِجْر هُوَ الْحَرَام , فَمَعْلُوم أَنَّ الْمَلَائِكَة هِيَ الَّتِي تُخْبِر أَهْل الْكُفْر أَنَّ الْبُشْرَى عَلَيْهِمْ حَرَام . وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَة فَإِنَّهَا الِاسْتِجَارَة , وَلَيْسَتْ بِتَحْرِيمٍ . وَمَعْلُوم أَنَّ الْكُفَّار لَا يَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ حَرَام عَلَيْكُمْ , فَيُوَجَّه الْكَلَام إِلَى أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ قِيل الْمُجْرِمِينَ لِلْمَلَائِكَةِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَدِمْنَا } وَعَمَدْنَا إِلَى مَا عَمِلَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ { مِنْ عَمَل } ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>وَقَدِمَ الْخَوَارِج الضُّلَّال .......... إِلَى عِبَاد رَبّهمْ وَقَالُوا <br><br>إِنَّ دِمَاءَكُمْ لَنَا حَلَال <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَدِمَ : عَمَدَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَقَدِمْنَا } قَالَ : عَمَدْنَا . )19968 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله وَقَوْله : ( { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } يَقُول : فَجَعَلْنَاهُ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوهُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا عَمِلُوهُ لِلشَّيْطَانِ . )وَالْهَبَاء : هُوَ الَّذِي يُرَى كَهَيْئَةِ الْغُبَار إِذَا دَخَلَ ضَوْء الشَّمْس مِنْ كُوَّة يَحْسَبهُ النَّاظِر غُبَارًا لَيْسَ بِشَيْءٍ تَقْبِض عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَلَا تَمَسّهُ , وَلَا يُرَى ذَلِكَ فِي الظِّلّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الْغُبَار الَّذِي يَكُون فِي الشَّمْس . )19970 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الشُّعَاع فِي كُوَّة أَحَدهمْ إِنْ ذَهَبَ يَقْبِض عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَطِعْ . )19971 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : شُعَاع الشَّمْس مِنَ الْكُوَّة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : مَا رَأَيْت شَيْئًا يَدْخُل الْبَيْت مِنَ الشَّمْس تَدْخُلهُ مِنَ الْكُوَّة , فَهُوَ الْهَبَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مَا تَسْفِيه الرِّيَاح مِنَ التُّرَاب , وَتَذْرُوهُ مِنْ حُطَام الْأَشْجَار , وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19972 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : مَا تَسْفِي الرِّيح وَتَبُثّهُ . )19973 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : هُوَ مَا تَذْرُو الرِّيح مِنْ حُطَام هَذَا الشَّجَر . )19974 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن يَزِيد , فِي قَوْله : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الْهَبَاء : الْغُبَار . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمَاء الْمُهْرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19975 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { هَبَاء مَنْثُورًا } يُقَال : الْمَاء الْمُهْرَاق .)
وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَهْل الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة خَيْر مُسْتَقَرًّا , وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ مِنْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة مِنْ مُسْتَقَرّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِأَمْوَالِهِمْ , وَمَا أُوتُوا مِنْ عَرَض هَذِهِ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا , وَأَحْسَن مِنْهُمْ فِيهَا مَقِيلًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ فِي الْجَنَّة قَائِلَة , فَيُقَال { وَأَحْسَن مَقِيلًا } فِيهَا ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَحْسَن فِيهَا قَرَارًا فِي أَوْقَات قَائِلَتهمْ فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة لَا يَمُرّ فِيهِمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا قَدْر مِيقَات النَّهَار مِنْ أَوَّله إِلَى وَقْت الْقَائِلَة , حَتَّى يَسْكُنُوا مَسَاكِنهمْ فِي الْجَنَّة , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَأَحْسَن مَقِيلًا } . ذِكْر الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : 19976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ ابْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } يَقُول : قَالُوا فِي الْغُرَف فِي الْجَنَّة , وَكَانَ حِسَابهمْ أَنْ عُرِضُوا عَلَى رَبّهمْ عَرْضَة وَاحِدَة , وَذَلِكَ الْحِسَاب الْيَسِير , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِب إِلَى أَهْله مَسْرُورًا } [84 8 : 9 ])19977 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يُفْرَغ مِنْ حِسَاب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي نِصْف النَّهَار , فَيُقِيل هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار . )19978 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : لَمْ يَنْتَصِف النَّهَار حَتَّى يَقْضِي اللَّه بَيْنهمْ , فَيُقِيل أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَأَهْل النَّار فِي النَّار . قَالَ : وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : { ثُمَّ إِنَّ مَقِيلهمْ لَإِلَى الْجَحِيم } . )19979 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ الْحِسَاب مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّله , وَقَالَ الْقَوْم حِين قَالُوا فِي مَنَازِلهمْ مِنَ الْجَنَّة , وَقَرَأَ { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } . )19980 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ سَعِيدًا الصَّوَّاف حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ : (أَنَّ يَوْم الْقِيَامَة يَقْضِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُون كَمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس , وَأَنَّهُمْ يَقِيلُونَ فِي رِيَاض الْجَنَّة حَتَّى يَفْرُغ مِنَ النَّاس , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى ذَلِكَ : خَيْر مُسْتَقَرًّا فِي الْجَنَّة مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَمَّ بِقَوْلِهِ : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } جَمِيع أَحْوَال الْجَنَّة فِي الْآخِرَة أَنَّهَا خَيْر فِي الِاسْتِقْرَار فِيهَا , وَالْقَائِلَة مِنْ جَمِيع أَحْوَال أَهْل النَّار , وَلَمْ يَخُصّ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَيْر مِنْ أَحْوَالهمْ فِي النَّار دُون الدُّنْيَا , وَلَا فِي الدُّنْيَا دُون الْآخِرَة , فَالْوَاجِب أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَيُقَال : أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة خَيْر مُسْتَقَرًّا فِي الْجَنَّة مِنْ أَهْل النَّار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَأَحْسَن مِنْهُمْ مَقِيلًا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , صَحَّ فَسَاد قَوْل مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ تَفْضِيل أَهْل الْجَنَّة بِقَوْلِ اللَّه : { خَيْر مُسْتَقَرًّا } عَلَى غَيْر الْوَجْه الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام النَّاس بَيْنهمْ فِي قَوْلهمْ : هَذَا خَيْر مِنْ هَذَا , وَهَذَا أَحْسَن مِنْ هَذَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } </subtitle>اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { تَشَقَّق } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز : | وَيَوْم تَشَّقَّق | بِتَشْدِيدِ الشِّين بِمَعْنَى : تَتَشَقَّق , فَأَدْغَمُوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الشِّين فَشَدَّدُوهَا , كَمَا قَالَ : { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } [37 8 ]وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { وَيَوْم تَشَقَّق } بِتَخْفِيفِ الشِّين وَالِاجْتِزَاء بِإِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء عَنِ الْغَمَام . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ غَمَام أَبْيَض مِثْل الْغَمَام الَّذِي ظَلَّلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَجُعِلَتِ الْبَاء , فِي قَوْله : { بِالْغَمَامِ } مَكَان | عَنْ | كَمَا تَقُول : رَمَيْت عَنِ الْقَوْس وَبِالْقَوْسِ , وَعَلَى الْقَوْس , بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19981 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ } قَالَ : هُوَ الَّذِي قَالَ : { فِي ظُلَل مِنَ الْغَمَام } [2 210 ]الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة , وَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ قَطُّ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ ابْن جُرَيْج : الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ غَمَام زَعَمُوا فِي الْجَنَّة . )19982 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد الْجَلِيل , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : (يَهْبِط اللَّه حِين يَهْبِط , وَبَيْنه وَبَيْن خَلْقه سَبْعُونَ حِجَابًا , مِنْهَا النُّور وَالظُّلْمَة وَالْمَاء , فَيُصَوِّت الْمَاء صَوْتًا تَنْخَلِع لَهُ الْقُلُوب . )19983 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنَ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } يَقُول : وَالْمَلَائِكَة حَوْله . )19984 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , أَنَّهُ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : (إِنَّ هَذِهِ السَّمَاء إِذَا انْشَقَّتْ نَزَلَ مِنْهَا مِنَ الْمَلَائِكَة أَكْثَر مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس , وَهُوَ يَوْم التَّلَاق , يَوْم يَلْتَقِي أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض , فَيَقُول أَهْل الْأَرْض : جَاءَ رَبّنَا , فَيَقُولُونَ : لَمْ يَجِئْ وَهُوَ آتٍ , ثُمَّ تَتَشَقَّق السَّمَاء الثَّانِيَة , ثُمَّ سَمَاء سَمَاء عَلَى قَدْر ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيف إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة , فَيَنْزِل مِنْهَا مِنْ الْمَلَائِكَة أَكْثَر مِنْ جَمِيع مَنْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاوَات وَمِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس . قَالَ : فَتَنْزِل الْمَلَائِكَة الْكَرُوبِيُّونَ , ثُمَّ يَأْتِي رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حَمَلَة الْعَرْش الثَّمَانِيَة بَيْن كَعْب كُلّ مَلَك وَرُكْبَته مَسِيرَة سَبْعِينَ سَنَة , وَبَيْن فَخِذه وَمَنْكِبه مَسِيرَة سَبْعِينَ سَنَة , قَالَ : وَكُلّ مَلَك مِنْهُمْ لَمْ يَتَأَمَّل وَجْه صَاحِبه , وَكُلّ مَلَك مِنْهُمْ وَاضِع رَأْسه بَيْن ثَدْيَيْهِ يَقُول : سُبْحَان الْمَلِك الْقُدُّوس , وَعَلَى رُءُوسهمْ شَيْء مَبْسُوط كَأَنَّهُ الْقَبَاء , وَالْعَرْش فَوْق ذَلِكَ , ثُمَّ وَقَفَ . )19985 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ هَارُون بْن وَثَّاب , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : (حَمَلَة الْعَرْش ثَمَانِيَة , فَأَرْبَعَة مِنْهُمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَك الْحَمْد عَلَى حِلْمك بَعْد عِلْمك , وَأَرْبَعَة يَقُولُونَ : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَك الْحَمْد عَلَى عَفْوك بَعْد قُدْرَتك . )19986 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : (إِذَا نَظَرَ أَهْل الْأَرْض إِلَى الْعَرْش يَهْبِط عَلَيْهِمْ , فَوْقهمْ شَخَصَتْ إِلَيْهِ أَبْصَارهمْ , وَرَجَفَتْ كُلَاهُمْ فِي أَجْوَافهمْ , قَالَ : وَطَارَتْ قُلُوبهمْ مِنْ مَقَرّهَا فِي صُدُورهمْ إِلَى حَنَاجِرهمْ . )19987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة حِين تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ , وَتَنْزِل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا . )وَقَوْله : { وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } يَقُول : وَنَزَلَ الْمَلَائِكَة إِلَى الْأَرْض تَنْزِيلًا
يَقُول : الْمُلْك الْحَقّ يَوْمئِذٍ خَالِص لِلرَّحْمَنِ دُون كُلّ مَنْ سِوَاهُ , وَبَطَلَتِ الْمَمَالِك يَوْمئِذٍ سِوَى مُلْكه , وَقَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُلُوك , فَبَطَلَ الْمُلْك يَوْمئِذٍ سِوَى مُلْك الْجَبَّار .|وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا|يَقُول : وَكَانَ يَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ يَوْمًا عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ عَسِيرًا , يَعْنِي صَعْبًا شَدِيدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم نَفْسه الْمُشْرِك بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْب اللَّه وَأَوْبَقَ نَفْسه بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَة خَلِيله الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيل رَبّه , يَقُول : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا , يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه . وَقَوْله { يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ اتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { الظَّالِم } وَبِقَوْلِهِ : { فُلَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه , طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيّ بْن خَلَف , وَقَالُوا : فُلَان هُوَ أُبَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19988 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : (كَانَ أُبَيّ بْن خَلَف يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَنَزَلَ : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذَتْ مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } ... إِلَى قَوْله { خَذُولًا } قَالَ : الظَّالِم : عُقْبَة , وَفُلَانًا خَلِيلًا : أُبَيّ بْن خَلَف . )19989 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : كَانَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط خَلِيلًا لِأُمَيَّة بْن خَلَف , فَأَسْلَمَ عُقْبَة , فَقَالَ أُمَيَّة : وَجْهِي مِنْ وَجْهك حَرَام إِنْ تَابَعْت مُحَمَّدًا , فَكَفَرَ ; وَهُوَ الَّذِي قَالَ : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } . )19990 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة وَعُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم فِي قَوْله : ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } قَالَ : اجْتَمَعَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَأُبَيّ بْن خَلَف , وَكَانَا خَلِيلَيْنِ , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : بَلَغَنِي أَنَّك أَتَيْت مُحَمَّدًا فَاسْتَمَعْت مِنْهُ , وَاللَّه لَا أَرْضَى عَنْك حَتَّى تَتْفُل فِي وَجْهه وَتُكَذِّبهُ , فَلَمْ يُسَلِّطهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , فَقُتِلَ عُقْبَة يَوْم بَدْر صَبْرًا , وَأَمَّا أُبَيّ بْن خَلَف فَقَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَوْم أُحُد فِي الْقِتَال , وَهُمَا اللَّذَانِ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } . )19991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } ... إِلَى قَوْله : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : هُوَ أُبَيّ بْن خَلَف , كَانَ يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . )19992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } قَالَ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط دَعَا مَجْلِسًا فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ , فَأَبَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُل , وَقَالَ : | وَلَا آكُل حَتَّى تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه | , فَقَالَ : مَا أَنْتَ بِآكِلٍ حَتَّى أَشْهَد ؟ قَالَ : | نَعَمْ | , قَالَ : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , فَلَقِيَهُ أُمَيَّة بْن خَلَف فَقَالَ : صَبَوْت : فَقَالَ : إِنَّ أَخَاك عَلَى مَا تَعْلَم , وَلَكِنِّي صَنَعْت طَعَامًا فَأَبَى أَنْ يَأْكُل حَتَّى أَقُول ذَلِكَ , فَقُلْته , وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِي . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِفُلَانٍ : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : الشَّيْطَان . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم نَفْسه الْمُشْرِك بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْب اللَّه وَأَوْبَقَ نَفْسه بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَة خَلِيله الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيل رَبّه , يَقُول : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا , يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه .
وَقَوْله { يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { الظَّالِم } وَبِقَوْلِهِ : { فُلَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط ; لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه , طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيّ بْن خَلَف , وَقَالُوا : فُلَان هُوَ أُبَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19988 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : (كَانَ أُبَيّ بْن خَلَف يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَنَزَلَ : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } ... إِلَى قَوْله { خَذُولًا } قَالَ : الظَّالِم : عُقْبَة , وَفُلَانًا خَلِيلًا : أُبَيّ بْن خَلَف . )19989 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : كَانَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط خَلِيلًا لِأُمَيَّة بْن خَلَف , فَأَسْلَمَ عُقْبَة , فَقَالَ أُمَيَّة : وَجْهِي مِنْ وَجْهك حَرَام إِنْ تَابَعْت مُحَمَّدًا , فَكَفَرَ ; وَهُوَ الَّذِي قَالَ : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } . )19990 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة وَعُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم فِي قَوْله : ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } قَالَ : اجْتَمَعَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَأُبَيّ بْن خَلَف , وَكَانَا خَلِيلَيْنِ , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : بَلَغَنِي أَنَّك أَتَيْت مُحَمَّدًا فَاسْتَمَعْت مِنْهُ , وَاللَّه لَا أَرْضَى عَنْك حَتَّى تَتْفُل فِي وَجْهه وَتُكَذِّبهُ , فَلَمْ يُسَلِّطهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , فَقُتِلَ عُقْبَة يَوْم بَدْر صَبْرًا . وَأَمَّا أُبَيّ بْن خَلَف فَقَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَوْم أُحُد فِي الْقِتَال , وَهُمَا اللَّذَانِ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } . )19991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } ... إِلَى قَوْله : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : هُوَ أُبَيّ بْن خَلَف , كَانَ يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . )19992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } قَالَ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط دَعَا مَجْلِسًا فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ , فَأَبَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُل , وَقَالَ : | وَلَا آكُل حَتَّى تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه | , فَقَالَ : مَا أَنْتَ بِآكِلٍ حَتَّى أَشْهَد ؟ قَالَ : | نَعَمْ | , قَالَ : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , فَلَقِيَهُ أُمَيَّة بْن خَلَف فَقَالَ : صَبَوْت : فَقَالَ : إِنَّ أَخَاك عَلَى مَا تَعْلَم , وَلَكِنِّي صَنَعْت طَعَامًا فَأَبَى أَنْ يَأْكُل حَتَّى أَقُول ذَلِكَ , فَقُلْته , وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِي . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِفُلَانٍ : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : الشَّيْطَان . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْر بَعْد إِذْ جَاءَنِي } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَذَا النَّادِم عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا , مِنْ مَعْصِيَة رَبّه فِي طَاعَة خَلِيله : لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ , وَهُوَ الذِّكْر , بَعْد إِذْ جَاءَنِي مِنْ عِنْد اللَّه , فَصَدَّنِي عَنْهُ .|وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا|يَقُول اللَّه : { وَكَانَ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } يَقُول : مُسَلِّمًا لِمَا يَنْزِل بِهِ مِنْ الْبَلَاء غَيْر مُنْقِذه وَلَا مُنْجِيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الرَّسُول يَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ : يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي الَّذِينَ بَعَثْتنِي إِلَيْهِمْ لِأَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدك اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى اتِّخَاذهمُ الْقُرْآن مَهْجُورًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اتِّخَاذهمْ ذَلِكَ هَجْرًا , قَوْلهمْ فِيهِ السَّيِّئ مِنَ الْقَوْل , وَزَعْمهمْ أَنَّهُ سِحْر , وَأَنَّهُ شِعْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } قَالَ : يَهْجُرُونَ فِيهِ بِالْقَوْلِ , يَقُولُونَ : هُوَ سِحْر . )19995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَقَالَ الرَّسُول } ... الْآيَة : يَهْجُرُونَ فِيهِ بِالْقَوْلِ . قَالَ مُجَاهِد : وَقَوْله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } [23 67 ]قَالَ : مُسْتَكْبِرِينَ بِالْبَلَدِ سَامِرًا مَجَالِس تَهْجُرُونَ , قَالَ : بِالْقَوْلِ السَّيِّئ فِي الْقُرْآن غَيْر الْحَقّ . )19996 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ , ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } قَالَ : قَالُوا فِيهِ غَيْر الْحَقّ ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَرِيض إِذَا هَذَى قَالَ غَيْر الْحَقّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الْخَبَر عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ هَجَرُوا الْقُرْآن وَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19997 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْمَعُوهُ , وَإِنْ دُعُوا إِلَى اللَّه قَالُوا لَا . وَقَرَأَ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } [6 26 ]قَالَ : يَنْهَوْنَ عَنْهُ , وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ , وَذَلِكَ هَجْرهمْ إِيَّاهُ .
وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَمَا جَعَلْنَا لَك يَا مُحَمَّد أَعْدَاء مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك , كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ مَنْ نَبَّأْنَاهُ مِنْ قَبْلك عَدُوًّا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه , فَلَمْ تُخَصَّص بِذَلِكَ مِنْ بَيْنهمْ . يَقُول : فَاصْبِرْ لِمَا نَالَك مِنْهُمْ كَمَا صَبَرَ مَنْ قَبْلك أُولُو الْعَزْم مِنْ رُسُلنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19998 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ } قَالَ : يُوَطِّن مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَاعِل لَهُ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ كَمَا جَعَلَ لِمَنْ قَبْله .)|وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا|وَقَوْله : { وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَكَفَاك يَا مُحَمَّد بِرَبِّك هَادِيًا يَهْدِيك إِلَى الْحَقّ , وَيُبَصِّرك الرُّشْد , وَنَصِيرًا : يَقُول : نَاصِرًا لَك عَلَى أَعْدَائِك , يَقُول : فَلَا يُهَوِّلَنَّك أَعْدَاؤُك مِنَ الْمُشْرِكِينَ , فَإِنِّي نَاصِرك عَلَيْهِمْ , فَاصْبِرْ لِأَمْرِي , وَامْضِ لِتَبْلِيغِ رِسَالَتِي إِلَيْهِمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة ذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاللَّهِ { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن } يَقُول : هَلَّا نَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن { جُمْلَة وَاحِدَة } كَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى جُمْلَة وَاحِدَة ؟ قَالَ اللَّه : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك } تَنْزِيله عَلَيْك الْآيَة بَعْد الْآيَة , وَالشَّيْء بَعْد الشَّيْء ; لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك نَزَّلْنَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19999 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : ( { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } قَالَ : كَانَ اللَّه يُنَزِّل عَلَيْهِ الْآيَة , فَإِذَا عَلِمَهَا نَبِيّ اللَّه نَزَلَتْ آيَة أُخْرَى , لِيُعَلِّمهُ الْكِتَاب عَنْ ظَهْر قَلْب , وَيُثَبِّت بِهِ فُؤَاده . )20000 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة } كَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , قَالَ : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك } قَالَ : كَانَ الْقُرْآن يَنْزِل عَلَيْهِ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ : لِيَعْلَم مُحَمَّد أَنَّ اللَّه يُجِيب الْقَوْم بِمَا يَقُولُونَ بِالْحَقِّ , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك } لِنُصَحِّح بِهِ عَزِيمَة قَلْبك وَيَقِين نَفْسك , وَنُشَجِّعك بِهِ .)|وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا|وَقَوْله { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } يَقُول : وَشَيْئًا بَعْد شَيْء عَلَّمْنَاكَهُ حَتَّى تَحْفَظَنَّهُ . وَالتَّرْتِيل فِي الْقِرَاءَة : التَّرَسُّل وَالتَّثَبُّت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20001 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } قَالَ : نَزَلَ مُتَفَرِّقًا . )20002 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } قَالَ : كَانَ يَنْزِل آيَة وَآيَتَيْنِ وَآيَات جَوَابًا لَهُمْ إِذَا سَأَلُوا عَنْ شَيْء أَنْزَلَهُ اللَّه جَوَابًا لَهُمْ , وَرَدًّا عَنِ النَّبِيّ فِيمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ . وَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره نَحْو مِنْ عِشْرِينَ سَنَة : )20003 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } قَالَ : كَانَ بَيْن مَا أُنْزِلَ الْقُرْآن إِلَى آخِره أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِأَرْبَعِينَ , وَمَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثِنْتَيْنِ أَوْ لِثَلَاثٍ وَسِتِّينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى التَّرْتِيل : التَّبْيِين وَالتَّفْسِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20004 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } قَالَ : فَسَّرْنَاهُ تَفْسِيرًا , وَقَرَأَ : { وَرَتِّلِ الْقُرْآن تَرْتِيلًا } [73 4])
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَأْتِيك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِمَثَلٍ يَضْرِبُونَهُ إِلَّا جِئْنَاك مِنَ الْحَقّ , بِمَا نُبْطِل بِهِ مَا جَاءُوا بِهِ , وَأَحْسَن مِنْهُ تَفْسِيرًا . كَمَا : 20005 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ } قَالَ : الْكِتَاب بِمَا تَرُدّ بِهِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْأَمْثَال الَّتِي جَاءُوا بِهَا وَأَحْسَن تَفْسِيرًا . )وَعَنَى بِقَوْلِهِ { وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } وَأَحْسَن مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْمَثَل بَيَانًا وَتَفْصِيلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } يَقُول : أَحْسَن تَفْصِيلًا . )20007 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } قَالَ : بَيَانًا . )20008 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَأَحْسَن تَفْسِيرًا } يَقُول : تَفْصِيلًا .)
وَقَوْله : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم أُولَئِكَ شَرّ مَكَانًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِنَبِيِّهِ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد , الْقَائِلُونَ لَك : { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة } وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ , الَّذِينَ يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم , فَيُسَاقُونَ إِلَى جَهَنَّم شَرّ مُسْتَقَرًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , وَأَضَلّ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا طَرِيقًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20009 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم } قَالَ : الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلهمْ قَادِر عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوههمْ { أُولَئِكَ شَرّ مَكَانًا } مِنْ أَهْل الْجَنَّة { وَأَضَلّ سَبِيلًا } قَالَ : طَرِيقًا . )20010 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم } قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَيْفَ يُحْشَر الْكَافِر عَلَى وَجْهه ؟ قَالَ : ( الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِر أَنْ يُمْشِيه عَلَى وَجْهه . )* - حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَان الْغَنَوِيّ يَزِيد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا خَلَّاد بْن يَحْيَى الْكُوفِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك يَقُول : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَيْف يَحْشُرهُمْ عَلَى وُجُوههمْ ؟ قَالَ : ( الَّذِي يَحْشُرهُمْ عَلَى أَرْجُلهمْ قَادِر بِأَنْ يَحْشُرهُمْ عَلَى وُجُوههمْ . )* - حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن مُحَمَّد الْوَرَّاق , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي دَاوُد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ يُحْشَر أَهْل النَّار عَلَى وُجُوههمْ ؟ فَقَالَ : ( إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامهمْ قَادِر عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوههمْ . )20011 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام قَالَ : ثنا حَزْم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : (قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ إِلَى جَهَنَّم } فَقَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوههمْ ؟ قَالَ : | أَرَأَيْت الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامهمْ أَلَيْسَ قَادِرًا أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوههمْ . )20012 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , عَنْ أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : ( يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عَلَى ثَلَاثَة أَصْنَاف : صِنْف عَلَى الدَّوَابّ , وَصِنْف عَلَى أَقْدَامهمْ , وَصِنْف عَلَى وُجُوههمْ | , فَقِيلَ : كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوههمْ ؟ قَالَ : | إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامهمْ , قَادِر أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوههمْ | .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُون وَزِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَعَّد مُشْرِكِي قَوْمه عَلَى كُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله وَيُخَوِّفهُمْ مِنْ حُلُول نِقْمَته بِهِمْ , نَظِير الَّذِي يَحِلّ بِمَنْ كَانَ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا : { وَلَقَدْ آتَيْنَا } يَا مُحَمَّد { مُوسَى الْكِتَاب } يَعْنِي التَّوْرَاة , كَالَّذِي آتَيْنَاك مِنَ الْفُرْقَان { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُون وَزِيرًا } يَعْنِي : مُعِينًا وَظَهِيرًا
يَقُول : فَقُلْنَا لَهُمَا : اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِإِعْلَامِنَا وَأَدِلَّتنَا , فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ : فَذَهَبَا فَكَذَّبُوهُمَا , فَدَمَّرْنَاهُمْ حِينَئِذٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَوْم نُوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل أَغْرَقْنَاهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَوْم نُوح لَمَّا كَذَّبُوا رُسُلنَا , وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ , أَغْرَقْنَاهُمْ بِالطُّوفَانِ|وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً|يَقُول : وَجَعَلْنَا تَغْرِيقنَا إِيَّاهُمْ وَإِهْلَاكنَا عِظَة وَعِبْرَة لِلنَّاسِ يَعْتَبِرُونَ بِهَا|وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا|يَقُول : وَأَعْدَدْنَا لَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي الْآخِرَة عَذَابًا أَلِيمًا , سِوَى الَّذِي حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِل الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَادًا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرَّسّ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَدَمَّرْنَا أَيْضًا عَادًا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرَّسّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَصْحَاب الرَّسّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَصْحَاب الرَّسّ مِنْ ثَمُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20013 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ( { وَأَصْحَاب الرَّسّ } قَالَ : قَرْيَة مِنْ ثَمُود . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ قَرْيَة مِنْ الْيَمَامَة يُقَال لَهَا الْفَلْج ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20014 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : قَالَ قَتَادَة : (الرَّسّ : قَرْيَة مِنَ الْيَمَامَة يُقَال لَهَا الْفَلْج . )20015 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ عِكْرِمَة : (أَصْحَاب الرَّسّ بِفَلْج هُمْ أَصْحَاب يس . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم رَسُّوا نَبِيّهمْ فِي بِئْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20016 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَ الرَّسّ بِئْرًا رَسُّوا فِيهَا نَبِيّهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ بِئْر كَانَتْ تُسَمَّى الرَّسّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20017 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , ( { وَأَصْحَاب الرَّسّ } قَالَ : هِيَ بِئْر كَانَتْ تُسَمَّى الرَّسّ . )20018 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَأَصْحَاب الرَّسّ } قَالَ : الرَّسّ بِئْر كَانَ عَلَيْهَا قَوْم . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : هُمْ قَوْم كَانُوا عَلَى بِئْر , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسّ فِي كَلَام الْعَرَب كُلّ مَحْفُور مِثْل الْبِئْر وَالْقَبْر وَنَحْو ذَلِكَ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>سَبَقْت إِلَى فَرَط بَاهِل .......... تَنَابِلَة يَحْفِرُونَ الرَّسَاسَا <br>يُرِيد أَنَّهُمْ يَحْفِرُونَ الْمَعَادِن , وَلَا أَعْلَم قَوْمًا كَانَتْ لَهُمْ قِصَّة بِسَبَبِ حُفْرَة , ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي كِتَابه إِلَّا أَصْحَاب الْأُخْدُود , فَإِنْ يَكُونُوا هُمُ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ { وَأَصْحَاب الرَّسّ } فَإِنَّا سَنَذْكُرُ خَبَرهمْ إِنْ شَاءَ اللَّه إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى سُورَة الْبُرُوج , وَإِنْ يَكُونُوا غَيْرهمْ فَلَا نَعْرِف لَهُمْ خَبَرًا , إِلَّا مَا جَاءَ مِنْ جُمْلَة الْخَبَر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَوْم رَسُّوا نَبِيّهمْ فِي حُفْرَة . إِلَّا مَا : 20019 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَوَّل النَّاس يَدْخُل الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة الْعَبْد الْأَسْوَد | . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ نَبِيًّا إِلَى أَهْل قَرْيَة فَلَمْ يُؤْمِن مِنْ أَهْلهَا أَحَد إِلَّا ذَلِكَ الْأَسْوَد , ثُمَّ إِنَّ أَهْل الْقَرْيَة عَدَوْا عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَحَفَرُوا لَهُ بِئْرًا فَأَلْقَوْهُ فِيهَا , ثُمَّ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ بِحَجَرٍ ضَخْم , قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ الْعَبْد يَذْهَب فَيَحْتَطِب عَلَى ظَهْره , ثُمَّ يَأْتِي بِحَطَبِهِ فَيَبِيعهُ , فَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا وَشَرَابًا , ثُمَّ يَأْتِي بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْبِئْر , فَيَرْفَع تِلْكَ الصَّخْرَة , فَيُعِينهُ اللَّه عَلَيْهَا , فَيُدْلِي إِلَيْهِ طَعَامه وَشَرَابه , ثُمَّ يُعِيدهَا كَمَا كَانَتْ , قَالَ : فَكَانَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُون , ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ يَوْمًا يَحْتَطِب , كَمَا كَانَ يَصْنَع , فَجَمَعَ حَطَبه , وَحَزَمَ حُزْمَته وَفَرَغَ مِنْهَا ; فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْتَمِلهَا وَجَدَ سِنَة , فَاضْطَجَعَ فَنَامَ , فَضَرَبَ اللَّه عَلَى أُذُنه سَبْع سِنِينَ نَائِمًا , ثُمَّ إِنَّهُ هَبَّ فَتَمَطَّى , فَتَحَوَّلَ لِشَقَّةِ الْآخَر , فَاضْطَجَعَ , فَضَرَبَ اللَّه عَلَى أُذُنه سَبْع سِنِينَ أُخْرَى , ثُمَّ إِنَّهُ هَبَّ فَاحْتَمَلَ حُزْمَته , وَلَا يَحْسِب إِلَّا أَنَّهُ نَامَ سَاعَة مِنْ نَهَار , فَجَاءَ إِلَى الْقَرْيَة فَبَاعَ حُزْمَته , ثُمَّ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَابًا كَمَا كَانَ يَصْنَع , ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْحُفْرَة فِي مَوْضِعهَا الَّتِي كَانَتْ فِيهِ فَالْتَمَسَهُ فَلَمْ يَجِدهُ , وَقَدْ كَانَ بَدَا لِقَوْمِهِ فِيهِ بَدَاء , فَاسْتَخْرَجُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ , قَالَ : فَكَانَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَسْأَلهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْأَسْوَد : مَا فَعَلَ فَيَقُولُونَ : مَا نَدْرِي , حَتَّى قَبَضَ اللَّه النَّبِيّ , فَأَهَبَّ اللَّه الْأَسْوَد مِنْ نَوْمَته بَعْد ذَلِكَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ ذَلِكَ الْأَسْوَد لَأَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة | )غَيْر أَنَّ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْخَبَر يَذْكُر مُحَمَّد بْن كَعْب عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ وَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ حُفْرَته , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ : { وَأَصْحَاب الرَّسّ } لِأَنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ أَصْحَاب الرَّسّ أَنَّهُ دَمَّرَهُمْ تَدْمِيرًا , إِلَّا أَنْ يَكُونُوا دُمِّرُوا بِأَحْدَاثٍ أَحْدَثُوهَا بَعْد نَبِيّهمْ الَّذِي اسْتَخْرَجُوهُ مِنْ الْحُفْرَة وَآمَنُوا بِهِ , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا .|وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا|يَقُول : وَدَمَّرْنَا بَيْن أَضْعَاف هَذِهِ الْأُمَم الَّتِي سَمَّيْنَاهَا لَكُمْ أُمَمًا كَثِيرَة . كَمَا : 20020 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن شَبِيب , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ جَعْفَر بْن عَلِيّ بْن أَبِي رَافِع مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَلَفْت بِالْمَدِينَةِ عَمِّي مِمَّنْ يُفْتِي عَلَى (أَنَّ الْقَرْن سَبْعُونَ سَنَة , )وَكَانَ عَمّه عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِع كَاتِب عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . 20021 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنِ الْحَجَّاج , عَنِ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : (الْقَرْن أَرْبَعُونَ سَنَة .)
وَقَوْله { وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُلّ هَذِهِ الْأُمَم الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا الَّتِي سَمَّيْنَاهَا لَكُمْ أَوْ لَمْ نُسَمِّهَا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال , يَقُول : مَثَّلْنَا لَهُ الْأَمْثَال وَنَبَّهْنَاهَا عَلَى حُجَجنَا عَلَيْهَا , وَأَعْذَرْنَا إِلَيْهَا بِالْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظ , فَلَمْ نُهْلِك أُمَّة إِلَّا بَعْد الْإِبْلَاغ إِلَيْهِمْ فِي الْمَعْذِرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20022 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال } قَالَ : كُلّ قَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَيْهِ , ثُمَّ انْتَقَمَ مِنْهُ .)|وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا|وَقَوْله : { وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُلّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا لَكُمْ أَمْرهمْ اسْتَأْصَلْنَاهُمْ , فَدَمَّرْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ إِبَادَة , وَأَهْلَكْنَاهُمْ جَمِيعًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20023 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا } قَالَ : تَبَّرَ اللَّه كُلًّا بِعَذَابٍ تَتْبِيرًا . )20024 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا } قَالَ : تَتْبِير بِالنَّبَطِيَّةِ . )20025 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا } قَالَ : بِالْعَذَابِ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَة الَّتِي أَمُطِرَتْ مَطَر السَّوْء } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَتَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْقُرْآن مَهْجُورًا عَلَى الْقَرْيَة الَّتِي أَمْطَرَهَا اللَّه مَطَر السَّوْء وَهِيَ سَدُوم , قَرْيَة قَوْم لُوط . وَمَطَر السَّوْء : هُوَ الْحِجَارَة الَّتِي أَمْطَرَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ بِهَا . كَمَا : 20026 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَة الَّتِي أَمُطِرَتْ مَطَر السَّوْء } قَالَ : حِجَارَة , وَهِيَ قَرْيَة قَوْم لُوط , وَاسْمهَا سَدُوم . قَالَ ابْن عَبَّاس : خَمْس قَرْيَات , فَأَهْلَكَ اللَّه أَرْبَعَة , وَبَقِيَتِ الْخَامِسَة , وَاسْمهَا صَعْوَة لَمْ تُهْلَك صَعْوَة . كَانَ أَهْلهَا لَا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَل , وَكَانَتْ سَدُوم أَعْظَمهَا , وَهِيَ الَّتِي نَزَلَ بِهَا لُوط , وَمِنْهَا بُعِثَ , وَكَانَ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي نَصِيحَة لَهُمْ : يَا سَدُوم , يَوْم لَكُمْ مِنَ اللَّه , أَنْهَاكُمْ أَنْ تَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ اللَّه , زَعَمُوا أَنَّ لُوطًا ابْن أَخِي إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمَا .)|أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا|وَقَوْله : { أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ . أَوَلَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ قَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَة الَّتِي أَمُطِرَتْ مَطَر السَّوْء يَرَوْنَ تِلْكَ الْقَرْيَة , وَمَا نَزَلَ بِهَا مِنْ عَذَاب اللَّه بِتَكْذِيبِ أَهْلهَا رُسُلهمْ , فَيَعْتَبِرُوا وَيَتَذَكَّرُوا , فَيُرَاجِعُوا التَّوْبَة مِنْ كُفْرهمْ وَتَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ|بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَذَّبُوا مُحَمَّدًا فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا رَأَوْا مَا حَلَّ بِالْقَرْيَةِ الَّتِي وَصَفْت , وَلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوهُ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ قَوْم لَا يَخَافُونَ نُشُورًا بَعْد الْمَمَات , يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِالْعِقَابِ وَالثَّوَاب , وَلَا يُؤْمِنُونَ بِقِيَامِ السَّاعَة , فَيَرْدَعهُمْ ذَلِكَ عَمَّا يَأْتُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20027 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا } بَعْثًا.)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَوْك إِنْ يَتَّخِذُونَك إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّه رَسُولًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِذَا رَآك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ قَصَصْت عَلَيْك قَصَصهمْ { إِنْ يَتَّخِذُونَك إِلَّا هُزُوًا } يَقُول : مَا يَتَّخِذُونَك إِلَّا سُخْرِيَة يَسْخَرُونَ مِنْك , يَقُولُونَ : { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّه } إِلَيْنَا { رَسُولًا } مِنْ بَيْن خَلْقه.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ كَادَ لَيُضِلّنَا عَنْ آلِهَتنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَهْزَءُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهُ : قَدْ كَادَ هَذَا يُضِلّنَا عَنْ آلِهَتنَا الَّتِي نَعْبُدهَا , فَيَصُدّنَا عَنْ عِبَادَتهَا لَوْلَا صَبْرنَا عَلَيْهَا , وَثُبُوتنَا عَلَى عِبَادَتهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20028 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : ( { إِنْ كَادَ لَيُضِلّنَا عَنْ آلِهَتنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } قَالَ : ثَبَتْنَا عَلَيْهَا .)|وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ|يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : سَيَبِينُ لَهُمْ حِين يُعَايِنُونَ عَذَاب اللَّه قَدْ حَلَّ بِهِمْ عَلَى عِبَادَتهمُ الْآلِهَة|مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا|يَقُول : مَنْ الرَّاكِب غَيْر طَرِيق الْهُدَى , وَالسَّالِك سَبِيل الرَّدَى أَنْتَ أَوْ هُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَرَأَيْت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ أَفَأَنْت تَكُون عَلَيْهِ وَكِيلًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { أَرَأَيْت } يَا مُحَمَّد { مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه } شَهْوَته الَّتِي يَهْوَاهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ يَعْبُد الْحَجَر , فَإِذَا رَأَى أَحْسَن مِنْهُ رَمَى بِهِ , وَأَخَذَ الْآخَر يَعْبُدهُ , فَكَانَ مَعْبُوده وَإِلَهه مَا يَتَخَيَّرهُ لِنَفْسِهِ ; فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { أَرَأَيْت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ أَفَأَنْت تَكُون عَلَيْهِ وَكِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَأَنْت تَكُون يَا مُحَمَّد عَلَى هَذَا حَفِيظًا فِي أَفْعَاله مَعَ عَظِيم جَهْله ؟
{ أَمْ تَحْسَب } يَا مُحَمَّد أَنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ { يَسْمَعُونَ } مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ , فَيَعُونَ { أَوْ يَعْقِلُونَ } مَا يُعَايِنُونَ مِنْ حُجَج اللَّه , فَيَفْهَمُونَ ؟ ! { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ } يَقُول : مَا هُمْ إِلَّا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَعْقِل مَا يُقَال لَهَا , وَلَا تَفْقَه , بَلْ هُمْ مِنْ الْبَهَائِم أَضَلّ سَبِيلًا ; لِأَنَّ الْبَهَائِم تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا , وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا , وَهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة لَا يُطِيعُونَ رَبّهمْ , وَلَا يَشْكُرُونَ نِعْمَة مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ , بَلْ يَكْفُرُونَهَا , وَيَعْصُونَ مَنْ خَلَقَهُمْ وَبَرَأَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { كَيْفَ مَدَّ } رَبّك { الظِّلّ } وَهُوَ مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20029 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } يَقُول : مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . )* -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْف مَدَّ الظِّلّ } قَالَ : مَدَّهُ مَا بَيْن صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس . )20030 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قَالَ : مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . )20031 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مِحْصَن , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } قَالَ : مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . )20032 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { كَيْف مَدَّ الظِّلّ } قَالَ . ظِلّ الْغَدَاة قَبْل أَنْ تَطْلُع الشَّمْس . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الظِّلّ : ظِلّ الْغَدَاة . )20033 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } قَالَ : مَدَّهُ مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس . )20034 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } يَعْنِي مِنْ صَلَاة الْغَدَاة إِلَى طُلُوع الشَّمْس .)|وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا|قَوْله : { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } يَقُول : وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ دَائِمًا لَا يَزُول , مَمْدُودًا لَا تُذْهِبهُ الشَّمْس , وَلَا تُنْقِصهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20035 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } يَقُول : دَائِمًا . )20036 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ , ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قَالَ : لَا تُصِيبهُ الشَّمْس وَلَا يَزُول . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم . قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قَالَ : لَا يَزُول . )20037 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قَالَ : دَائِمًا لَا يَزُول .)|ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا|وَقَوْله : { ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ دَلَّلْنَاك أَيّهَا النَّاس بِنَسْخِ الشَّمْس إِيَّاهُ عِنْد طُلُوعهَا عَلَيْهِ , أَنَّهُ خَلْق مِنْ خَلْق رَبّكُمْ , يُوجِدهُ إِذَا شَاءَ , وَيُفْنِيه إِذَا أَرَادَ ; وَالْهَاء فِي قَوْله | عَلَيْهِ | مِنْ ذِكْر الظِّلّ . وَمَعْنَاهُ : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَى الظِّلّ دَلِيلًا . قِيلَ : مَعْنَى دَلَالَتهَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الشَّمْس الَّتِي تَنْسَخهُ لَمْ يُعْلَم أَنَّهُ شَيْء , إِذَا كَانَتِ الْأَشْيَاء إِنَّمَا تُعْرَف بِأَضْدَادِهَا , نَظِير الْحُلْو الَّذِي إِنَّمَا يُعْرَف بِالْحَامِضِ وَالْبَارِد بِالْحَارِّ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20038 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا } يَقُول : طُلُوع الشَّمْس . )20039 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا } قَالَ : تَحْوِيه . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 20040 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا } قَالَ : أَخْرَجَتْ ذَلِكَ الظِّلّ فَذَهَبَتْ بِهِ.)
وَقَوْله : { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ قَبَضْنَا ذَلِكَ الدَّلِيل مِنْ الشَّمْس عَلَى الظِّلّ إِلَيْنَا قَبْضًا خَفِيًّا سَرِيعًا بِالْفَيْءِ الَّذِي نَأْتِي بِهِ بِالْعَشِيِّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20041 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } قَالَ : حَوَى الشَّمْس الظِّلّ . )وَقِيلَ : إِنَّ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا } عَائِدَة عَلَى الظِّلّ , وَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَام : ثُمَّ قَبَضْنَا الظِّلّ إِلَيْنَا بَعْد غُرُوب الشَّمْس ; وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْس إِذَا غَرَبَتْ غَابَ الظِّلّ الْمَمْدُود , قَالُوا : وَذَلِكَ وَقْت قَبْضه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { يَسِيرًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : سَرِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20042 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } يَقُول : سَرِيعًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : قَبْضًا خَفِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20043 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع , عَنْ مُجَاهِد : ( { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } قَالَ : خَفِيًّا . )20044 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : ( { قَبْضًا يَسِيرًا } قَالَ : خَفِيًّا , قَالَ : إِنَّ مَا بَيْن الشَّمْس وَالظِّلّ مَثَل الْخَيْط , وَالْيَسِير الْفَعِيل مِنَ الْيُسْر , وَهُوَ السَّهْل الْهَيِّن فِي كَلَام الْعَرَب . )فَمَعْنَى الْكَلَام إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , يَتَوَجَّه لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد ; لِأَنَّ سُهُولَة قَبْض ذَلِكَ قَدْ تَكُون بِسُرْعَةِ وَخَفَاء . وَقِيلَ إِنَّمَا قِيلَ { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } لِأَنَّ الظِّلّ بَعْد غُرُوب الشَّمْس لَا يَذْهَب كُلّه دَفْعَة , وَلَا يُقْبِل الظَّلَام كُلّه جُمْلَة , وَإِنَّمَا يُقْبَض ذَلِكَ الظِّلّ قَبْضًا خَفِيًّا , شَيْئًا بَعْد شَيْء وَيَعْقُب كُلّ جُزْء مِنْهُ يَقْبِضهُ , جُزْء مِنْ الظَّلَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِبَاسًا وَالنَّوْم سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَار نُشُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِي مَدَّ الظِّلّ ثُمَّ جَعَلَ الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا , هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس اللَّيْل لِبَاسًا . وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِبَاسًا } لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِخَلْقِهِ جَنَّة يَجْتَنُونَ فِيهَا وَيَسْكُنُونَ فَصَارَ لَهُمْ سِتْرًا يَسْتَتِرُونَ بِهِ , كَمَا يَسْتَتِرُونَ بِالثِّيَابِ الَّتِي يُكْسَوْنَهَا . وَقَوْله { وَالنَّوْم سُبَاتًا } يَقُول : وَجَعَلَ لَكُمْ النَّوْم رَاحَة تَسْتَرِيح بِهِ أَبْدَانكُمْ , وَتَهْدَأ بِهِ جَوَارِحكُمْ . وَقَوْله { وَجَعَلَ النَّهَار نُشُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ النَّهَار يَقَظَة وَحَيَاة , مِنْ قَوْلهمْ : نَشَرَ الْمَيِّت , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : <br>حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا .......... يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِر <br>وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { لَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا } [25 3 ]وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 20045 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَجَعَلَ النَّهَار نُشُورًا } قَالَ : يُنْشَر فِيهِ . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله { وَالنَّوْم سُبَاتًا } فِي اللَّيْل . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَوَصْف النَّهَار بِأَنَّ فِيهِ الْيَقَظَة وَالنُّشُور مِنَ النَّوْم أَشْبَه إِذْ كَانَ النَّوْم أَخَا الْمَوْت . وَالَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب لِأَنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ النَّهَار مَعَاشًا , وَفِيهِ الِانْتِشَار لِلْمَعَاشِ , وَلَكِنَّ النُّشُور مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَشَرَ , فَهُوَ بِالنَّشْرِ مِنَ الْمَوْت وَالنَّوْم أَشْبَه , كَمَا صَحَّتْ الرِّوَايَة عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذَا أَصْبَحَ وَقَامَ مِنْ نَوْمه : | الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا , وَإِلَيْهِ النُّشُور | .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح بُشْرًا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح الْمُلَقِّحَة { بُشْرًا } حَيَاة أَوْ مِنَ الْحَيَا وَالْغَيْث الَّذِي هُوَ مُنْزِله عَلَى عِبَاده { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا } يَقُول : وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّحَاب الَّذِي أَنْشَأْنَاهُ بِالرِّيَاحِ مِنْ فَوْقكُمْ أَيّهَا النَّاس مَاء طَهُورًا .
{ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَة مَيْتًا } يَعْنِي أَرْضًا قَحِطَة عَذِيَّة لَا تُنْبِت . وَقَالَ { بَلْدَة مَيْتًا } وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَة ; لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ لِنُحْيِيَ بِهِ مَوْضِعًا وَمَكَانًا مَيِّتًا { وَنُسْقِيه } مِنْ خَلْقنَا { أَنْعَامًا } مِنْ الْبَهَائِم { وَأَنَاسِيّ كَثِيرًا } يَعْنِي الْأَنَاسِيَّ : جَمْع إِنْسَان وَجَمْع أناسي , فَجَعَلَ الْيَاء عِوَضًا مِنْ النُّون الَّتِي فِي إِنْسَان , وَقَدْ يُجْمَع إِنْسَان : إنَاسِين , كَمَا يُجْمَع النَّشْيَان : نَشَايِين . فَإِنْ قِيلَ : أَنَاسِيّ جَمْع وَاحِده إِنْسِيّ , فَهُوَ مَذْهَب أَيْضًا مَحْكِيّ , وَقَدْ يُجْمَع أَنَاسِي مُخَفَّفَة الْيَاء , وَكَأَنَّ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَسْقَطَ الْيَاء الَّتِي بَيْن عَيْن الْفِعْل وَلَامه , كَمَا يُجْمَع الْقُرْقُور : قَرَاقِير وَقَرَاقِر . وَمِمَّا يُصَحِّح جَمْعهمْ إِيَّاهُ بِالتَّخْفِيفِ , قَوْل الْعَرَب : أَنَاسِيَة كَثِيرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ قَسَمْنَا هَذَا الْمَاء الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ الْمَيِّت مِنَ الْأَرْض بَيْن عِبَادِي , لِيَتَذَكَّرُوا نِعَمِي عَلَيْهِمْ , وَيَشْكُرُوا أَيَادِي عِنْدهمْ وَإِحْسَانِي إِلَيْهِمْ , { فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } يَقُول : إِلَّا جُحُودًا لِنِعَمِي عَلَيْهِمْ , وَأَيَادِي عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20046 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن مُسْلِم يُحَدِّث طَاوُسًا , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : (مَا عَام بِأَكْثَر مَطَرًا مِنْ عَام , وَلَكِنَّ اللَّه يُصَرِّفهُ بَيْن خَلْقه ; قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ } . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : (مَا عَام بِأَكْثَر مَطَرًا مِنْ عَام , وَلَكِنَّهُ يَصْرِفهُ فِي الْأَرَضِينَ , ثُمَّ تَلَا { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا } . )20047 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ } قَالَ : الْمَطَر يُنْزِلهُ فِي الْأَرْض , وَلَا يُنْزِلهُ فِي الْأَرْض الْأُخْرَى , قَالَ : فَقَالَ عِكْرِمَة : صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا . )20048 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا } قَالَ : الْمَطَر مَرَّة هَاهُنَا , وَمَرَّة هَاهُنَا . )20049 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جُحَيْفَة يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول : (لَيْسَ عَام بِأَمْطَر مِنْ عَام , وَلَكِنَّهُ يُصَرِّفهُ , ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنهمْ } . )وَأَمَّا قَوْله : { فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } فَإِنَّ الْقَاسِم 20050 -حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : ( { فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إِلَّا كُفُورًا } قَالَ : قَوْلهمْ فِي الْأَنْوَاء .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَة نَذِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ شِئْنَا يَا مُحَمَّد لَأَرْسَلْنَا فِي كُلّ مِصْر وَمَدِينَة نَذِيرًا يُنْذِرهُمْ بَأْسنَا عَلَى كُفْرهمْ بِنَا , فَيَخِفّ عَنْك كَثِير مِنْ أَعْبَاء مَا حَمَّلْنَاك مِنْهُ , وَيَسْقُط عَنْك بِذَلِكَ مُؤْنَة عَظِيمَة , وَلَكِنَّا حَمَّلْنَاك ثِقَل نِذَارَة جَمِيع الْقُرَى ; لِتَسْتَوْجِب بِصَبْرِك عَلَيْهِ إِنْ صَبَرْت مَا أَعَدَّ اللَّه لَك مِنَ الْكَرَامَة عِنْده , وَالْمَنَازِل الرَّفِيعَة قِبَله ,
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ فِيمَا يَدْعُونَك إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تَعْبُد آلِهَتهمْ , فَنُذِيقك ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات , وَلَكِنْ جَاهِدْهُمْ بِهَذَا الْقُرْآن جِهَادًا كَبِيرًا , حَتَّى يَنْقَادُوا لِلْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِض اللَّه , وَيَدِينُوا بِهِ وَيُذْعِنُوا لِلْعَمَلِ بِجَمِيعِهِ طَوْعًا وَكَرْهًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20051 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : (قَوْله { فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } قَالَ : بِالْقُرْآنِ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا . * -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } قَالَ : الْإِسْلَام . وَقَرَأَ : { وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [9 73 ]وَقَرَأَ : { وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة } [9 123 ]وَقَالَ : هَذَا الْجِهَاد الْكَبِير.)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي خَلَطَ الْبَحْرَيْنِ , فَأَمْرَجَ أَحَدهمَا فِي الْآخَر , وَأَفَاضَهُ فِيهِ . وَأَصْل الْمَرْج الْخَلْط , ثُمَّ يُقَال لِلتَّخْلِيَةِ : مَرَج ; لِأَنَّ الرَّجُل إِذَا خَلَّى الشَّيْء حَتَّى اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ , فَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَجَهُ ; وَمِنْهُ الْخَبَر عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَوْله لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو : | كَيْفَ بِك يَا عَبْد اللَّه إِذَا كُنْت فِي حُثَالَة مِنَ النَّاس , قَدْ مَرِجَتْ عُهُودهمْ وَأَمَانَاتهمْ , وَصَارُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه | يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَدْ مَرِجَتْ : اخْتَلَطَتْ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { فِي أَمْر مَرِيج } [50 5 ]: أَيْ مُخْتَلِط . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَرَجِ مَرَج مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَكُون فِيهِ أَخْلَاط مِنَ الدَّوَابّ , وَيُقَال : مَرَجْت دَابَّتك : أَيْ خَلَّيْتهَا تَذْهَب حَيْثُ شَاءَتْ . وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>رَعَى مَرَجَ رَبِيع مَمْرَجَا <br>وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20052 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } يَعْنِي أَنَّهُ خَلَعَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر . )20053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أَفَاضَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 20054 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } يَقُول : خَلَعَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { مَرَجَ } أَفَاضَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر .)|هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا|وَقَوْله { هَذَا عَذْب فُرَات } الْفُرَات : شَدِيد الْعُذُوبَة , يُقَال : هَذَا مَاء فُرَات : أَيْ شَدِيد الْعُذُوبَة . وَقَوْله { وَهَذَا مِلْح أُجَاج } يَقُول : وَهَذَا مِلْح مُرّ . يَعْنِي بِالْعَذْبِ الْفُرَات : مِيَاه الْأَنْهَار وَالْأَمْطَار , وَبِالْمِلْحِ الْأُجَاج : مِيَاه الْبِحَار . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ نِعْمَته عَلَى خَلْقه , وَعَظِيم سُلْطَانه , يَخْلِط مَاء الْبَحْر الْعَذْب بِمَاءِ الْبَحْر الْمِلْح الْأُجَاج , ثُمَّ يَمْنَع الْمِلْح مِنْ تَغْيِير الْعَذْب عَنْ عُذُوبَته , وَإِفْسَاده إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ وَقُدْرَته , لِئَلَّا يَضُرّ إِفْسَاده إِيَّاهُ بِرُكْبَانِ الْمِلْح مِنْهُمَا , فَلَا يَجِدُوا مَاء يَشْرَبُونَهُ عِنْد حَاجَتهمْ إِلَى الْمَاء , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } يَعْنِي حَاجِزًا يَمْنَع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ إِفْسَاد الْآخَر { وَحِجْرًا مَحْجُورًا } يَقُول : وَجَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى صَاحِبه أَنْ يُغَيِّرهُ وَيُفْسِدهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20055 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { هَذَا عَذْب فُرَات وَهَذَا مِلْح أُجَاج } يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , فَلَيْسَ يُفْسِد الْعَذْب الْمَالِح , وَلَيْسَ يُفْسِد الْمَالِح الْعَذْب , وَقَوْله { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } قَالَ : الْبَرْزَخ : الْأَرْض بَيْنهمَا { وَحِجْرًا مَحْجُورًا } يَعْنِي : حَجَرَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر بِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ , وَهُوَ مِثْل قَوْله { وَجَعَلَ بَيْن الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا } [27 61 ])20056 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } قَالَ : مَحْبِسًا . قَوْله : { وَحِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : لَا يَخْتَلِط الْبَحْر بِالْعَذْبِ . )20057 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } قَالَ : حَاجِزًا لَا يَرَاهُ أَحَد , لَا يَخْتَلِط الْعَذْب فِي الْبَحْر . )قَالَ ابْن جُرَيْج : (فَلَمْ أَجِد بَحْرًا عَذْبًا إِلَّا الْأَنْهَار الْعِذَاب , فَإِنَّ دِجْلَة تَقَع فِي الْبَحْر , فَأَخْبَرَنِي الْخَبِير بِهَا أَنَّهَا تَقَع فِي الْبَحْر , فَلَا تَمُور فِيهِ : بَيْنهمَا مِثْل الْخَيْط الْأَبْيَض ; فَإِذَا رَجَعَتْ لَمْ تَرْجِع فِي طَرِيقهَا مِنَ الْبَحْر , وَالنِّيل يَصُبّ فِي الْبَحْر . )20058 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } قَالَ : الْبَرْزَخ أَنَّهُمَا يَلْتَقِيَانِ فَلَا يَخْتَلِطَانِ , وَقَوْله { حِجْرًا مَحْجُورًا } أَيْ لَا تَخْتَلِط مُلُوحَة هَذَا بِعُذُوبَةِ هَذَا , لَا يَبْغِي أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر . )20059 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : هَذَا الْيُبْس . )20060 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : جَعَلَ هَذَا مِلْحًا أُجَاجًا , قَالَ : وَالْأُجَاج : الْمُرّ . )20061 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : ( { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْب فُرَات وَهَذَا مِلْح أُجَاج } يَقُول : خَلَعَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , فَلَا يُغَيِّر أَحَدهمَا طَعْم الْآخَر { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا } هُوَ الْأَجَل مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة { وَحِجْرًا مَحْجُورًا } جَعَلَ اللَّه بَيْن الْبَحْرَيْنِ حِجْرًا , يَقُول : حَاجِزًا حَجَزَ أَحَدهمَا عَنِ الْآخَر بِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ . )20062 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } وَجَعَلَ بَيْنهمَا سِتْرًا لَا يَلْتَقِيَانِ . قَالَ : وَالْعَرَب إِذَا كَلَّمَ أَحَدهمْ الْآخَر بِمَا يَكْرَه قَالَ : حِجْرًا , قَالَ : سِتْرًا دُون الَّذِي تَقُول . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي مَعْنَى قَوْله { وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ : إِنَّهُ جَعَلَ بَيْنهمَا حَاجِزًا مِنَ الْأَرْض أَوْ مِنَ الْيُبْس ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ فِي أَوَّل الْآيَة أَنَّهُ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ , وَالْمَرَج : هُوَ الْخَلْط فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى مَا بَيَّنْت قَبْل , فَلَوْ كَانَ الْبَرْزَخ الَّذِي بَيْن الْعَذْب الْفُرَات مِنَ الْبَحْرَيْنِ , وَالْمِلْح الْأُجَاج أَرْضًا أَوْ يُبْسًا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَرَج لِلْبَحْرَيْنِ , وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ مَرَجَهُمَا , وَإِنَّمَا عَرَفْنَا قُدْرَته بِحَجْزِهِ هَذَا الْمِلْح الْأُجَاج عَنْ إِفْسَاد هَذَا الْعَذْب الْفُرَات , مَعَ اخْتِلَاط كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ . فَأَمَّا إِذَا كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي حَيِّز عَنْ حَيِّز صَاحِبه , فَلَيْسَ هُنَاكَ مَرَج , وَلَا هُنَاكَ مِنَ الْأُعْجُوبَة مَا يُنَبِّه عَلَيْهِ أَهْل الْجَهْل بِهِ مِنَ النَّاس , وَيُذَكَّرُونَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ كُلّ مَا ابْتَدَعَهُ رَبّنَا عَجِيبًا , وَفِيهِ أَعْظَم الْعِبَر وَالْمَوَاعِظ وَالْحُجَج الْبَوَالِغ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي خَلَقَ مِنْ النُّطَف بَشَرًا إِنْسَانًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا , وَذَلِكَ سَبْعَة , وَصِهْرًا , وَهُوَ خَمْسَة . كَمَا : 20063 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } النَّسَب : سَبْع , قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ } ... [4 23 ]إِلَى قَوْله { وَبَنَات الْأُخْت } [4 23 ]وَالصِّهْر خَمْس , قَوْله : { وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } ... [4 23 ]إِلَى قَوْله { وَحَلَائِل أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابكُمْ } . [4 23])|وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا|وَقَوْله : { وَكَانَ رَبّك قَدِيرًا } يَقُول : وَرَبّك يَا مُحَمَّد ذُو قُدْرَة عَلَى خَلْق مَا يَشَاء مِنْ الْخَلْق , وَتَصْرِيفهمْ فِيمَا شَاءَ وَأَرَادَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يَضُرّهُمْ } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَعْبُد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونه آلِهَة لَا تَنْفَعهُمْ , فَتَجْلُب إِلَيْهِمْ نَفْعًا إِذَا هُمْ عَبَدُوهَا , وَلَا تَضُرّهُمْ إِنْ تَرَكُوا عِبَادَتهَا , وَيَتْرُكُونَ عِبَادَة مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ النِّعَم الَّتِي لَا كَفَاء لِأَدْنَاهَا , وَهِيَ مَا عَدَّدَ عَلَيْنَا جَلَّ جَلَاله فِي هَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } إِلَى قَوْله : { قَدِيرًا } . وَمِنْ قُدْرَته الْقُدْرَة الَّتِي لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مَعَهَا شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ فِعْل شَيْء أَرَادَ فِعْله , وَمَنْ إِذَا أَرَادَ عِقَاب بَعْض مَنْ عَصَاهُ مِنْ عِبَاده أَحَلَّ بِهِ مَا أَحَلَّ بِالَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن وَعَاد وَثَمُود وَأَصْحَاب الرَّسّ , وَقُرُونًا بَيْن ذَلِكَ كَثِيرًا , فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْهُ نَاصِر , وَلَا لَهُ عَنْهُ دَافِع .|وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ الْكَافِر مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبّه , مُظَاهِرًا لَهُ عَلَى مَعْصِيَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20064 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } قَالَ : يُظَاهِر الشَّيْطَان عَلَى مَعْصِيَة اللَّه بِعَيْنِهِ . )20065 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } قَالَ : مُعِينًا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ ابْن جُرَيْج : (أَبُو جَهْل مُعِينًا ظَاهَرَ الشَّيْطَان عَلَى رَبّه . )20066 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } قَالَ : عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبّه عَلَى الْمَعَاصِي . )20067 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } قَالَ : عَلَى رَبّه عَوِينًا . وَالظَّهِير : الْعَوِين . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ } قَالَ : لَا تَكُونَنَّ لَهُمْ عَوِينًا . وَقَرَأَ أَيْضًا قَوْل اللَّه : { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ } [33 26 ]قَالَ : ظَاهَرُوهُمْ : أَعَانُوهُمْ . )20068 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } يَعْنِي : أَبَا الْحَكَم الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبَا جَهْل بْن هِشَام . )وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } أَيْ وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه هَيِّنًا مِنْ قَوْل الْعَرَب : ظَهَرْت بِهِ , فَلَمْ أَلْتَفِت إِلَيْهِ , إِذَا جَعَلَهُ خَلْف ظَهْره فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيْهِ , وَكَأَنَّ الظَّهِير كَانَ عِنْده فَعِيل صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَيْهِ مِنْ مَظْهُور بِهِ , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَكَانَ الْكَافِر مَظْهُورًا بِهِ . وَالْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ وَجْه الْكَلَام , وَالْمَعْنَى الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ عِبَادَة هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ دُونه , فَأَوْلَى الْكَلَام أَنْ يُتْبِع ذَلِكَ ذَمّه إِيَّاهُمْ , وَذَمّ فِعْلهمْ دُون الْخَبَر عَنْ هَوَانهمْ عَلَى رَبّهمْ , وَلَمَا يَجْرِ لِاسْتِكْبَارِهِمْ عَلَيْهِ ذِكْر , فَيُتْبِع بِالْخَبَرِ عَنْ هَوَانهمْ عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا أَرْسَلْنَاك } يَا مُحَمَّد إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِ { إِلَّا مُبَشِّرًا } بِالثَّوَابِ الْجَزِيل , مَنْ آمَنَ بِك وَصَدَّقَك , وَآمَنَ بِالَّذِي جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , وَعَمِلُوا بِهِ { وَنَذِيرًا } مَنْ كَذَّبَك وَكَذَّبَ مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ , وَلَمْ يَعْمَلُوا .
يَقُول لَهُ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْتك إِلَيْهِمْ , مَا أَسْأَلكُمْ يَا قَوْم عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبِّي أَجْرًا , فَتَقُولُونَ : إِنَّمَا يَطْلُب مُحَمَّد أَمْوَالنَا بِمَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ , فَلَا نَتَّبِعهُ فِيهِ , وَلَا نُعْطِيه مِنْ أَمْوَالنَا شَيْئًا.|إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا|يَقُول : لَكِنْ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ اتَّخَذَ إِلَى رَبّه سَبِيلًا , طَرِيقًا بِإِنْفَاقِهِ مِنْ مَاله فِي سَبِيله , وَفِيمَا يُقَرِّبهُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَة وَالنَّفَقَة فِي جِهَاد عَدُوّهُ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سُبُل الْخَيْر.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَوَكَّلْ يَا مُحَمَّد عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَيَاة الدَّائِمَة الَّتِي لَا مَوْت مَعَهَا , فَثِقْ بِهِ فِي أَمْر رَبّك , وَفَوِّضْ إِلَيْهِ , وَاسْتَسْلِمْ لَهُ , وَاصْبِرْ عَلَى مَا نَابَك فِيهِ .|وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ|قَوْله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } يَقُول : وَاعْبُدْهُ شُكْرًا مِنْك لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْك .|وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا|قَوْله : { وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَاده خَبِيرًا } يَقُول : وَحَسْبك بِالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوت خَابِرًا بِذُنُوبِ خَلْقه , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا , وَهُوَ مُحْصٍ جَمِيعهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت } { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام } فَقَالَ : { وَمَا بَيْنهمَا } وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَالسَّمَاوَات جِمَاع ; لِأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الصِّنْفَيْنِ وَالشَّيْئَيْنِ , كَمَا قَالَ الْقَطَامِيّ : <br>أَلَمْ يَحْزُنك أَنَّ حِبَال قَيْس .......... وَتَغْلِب قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعًا <br>يُرِيد : وَحِبَال تَغْلِب فَثَنَّى , وَالْحِبَال جَمْع ; لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّيْئَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ .|فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ|وَقَوْله : { فِي سِتَّة أَيَّام } قِيلَ : كَانَ ابْتِدَاء ذَلِكَ يَوْم الْأَحَد , وَالْفَرَاغ يَوْم الْجُمُعَة|ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ|يَقُول : ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش الرَّحْمَن وَعَلَا عَلَيْهِ , وَذَلِكَ يَوْم السَّبْت فِيمَا قِيلَ .|الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا|وَقَوْله : { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } يَقُول : فَاسْأَلْ يَا مُحَمَّد خَبِيرًا بِالرَّحْمَنِ , خَبِيرًا بِخَلْقِهِ , فَإِنَّهُ خَالِق كُلّ شَيْء , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا خَلَقَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20069 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : ( { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } قَالَ : يَقُول لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَخْبَرْتُك شَيْئًا , فَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا أَخْبَرْتُك , أَنَا الْخَبِير وَالْخَبِير فِي قَوْله : { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله بِهِ .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يَضُرّهُمْ : { اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ } أَيْ اجْعَلُوا سُجُودكُمْ لِلَّهِ خَالِصًا دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , قَالُوا : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا } . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { لِمَا تَأْمُرنَا } بِمَعْنَى : أَنَسْجُدُ نَحْنُ يَا مُحَمَّد لِمَا تَأْمُرنَا أَنْتَ أَنْ نَسْجُد لَهُ ؟ ! وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | لِمَا يَأْمُرنَا | بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُر الرَّحْمَن ؟ ! . وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ مُسَيْلِمَة كَانَ يُدْعَى الرَّحْمَن , فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ , قَالُوا : أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرنَا رَحْمَن الْيَمَامَة ؟ يَعْنُونَ مُسَيْلِمَة بِالسُّجُودِ لَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .|وَزَادَهُمْ نُفُورًا|وَقَوْله : { وَزَادَهُمْ نُفُورًا } يَقُول : وَزَادَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَوْل الْقَائِل لَهُمْ : اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ مِنْ إِخْلَاص السُّجُود لِلَّهِ , وَإِفْرَاد اللَّه بِالْعِبَادَةِ بُعْدًا مِمَّا دُعُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِرَارًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَقَدَّسَ الرَّبّ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا ; وَيَعْنِي بِالْبُرُوجِ : الْقُصُور , فِي قَوْل بَعْضهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20070 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَسَلْم بْن جُنَادَة , قَالُوا : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , فِي قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } قَالَ : قُصُورًا فِي السَّمَاء , فِيهَا الْحَرَس . )20071 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثني إِسْمَاعِيل , عَنْ يَحْيَى بْن رَافِع , فِي قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } قَالَ : قُصُورًا فِي السَّمَاء . )20072 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } قَالَ : قُصُورًا فِي السَّمَاء . )20073 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن سَيْف , قَالَ : ثني عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : ( { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } قَالَ : قُصُورًا فِي السَّمَاء فِيهَا الْحَرَس . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ النُّجُوم الْكِبَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20074 - حَدَّثَنِي ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : ( { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا } قَالَ : النُّجُوم الْكِبَار . )20075 - قَالَ : ثنا الضَّحَّاك , عَنْ مَخْلَد , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (الْكَوَاكِب . )20076 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { بُرُوجًا } قَالَ : الْبُرُوج : النُّجُوم . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ قُصُور فِي السَّمَاء ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } [4 78 ]وَقَوْل الْأَخْطَل : <br>كَأَنَّهَا بُرْج رُومِيّ يُشَيِّدهُ .......... بَانٍ بِجِصٍّ وَآجُرّ وَأَحْجَار <br>يَعْنِي بِالْبُرْجِ : الْقَصْر.|وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا|قَوْله : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا } اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا } عَلَى التَّوْحِيد , وَوَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الشَّمْس , وَهِيَ السِّرَاج الَّتِي عُنِيَ عِنْدهمْ بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا } . كَمَا : 20077 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا } قَالَ : السِّرَاج : الشَّمْس . )وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | وَجَعَلَ فِيهَا سُرُجًا | عَلَى الْجِمَاع , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله : وَجَعَلَ فِيهَا نُجُومًا { وَقَمَرًا مُنِيرًا } وَجَعَلُوا النُّجُوم سُرُجًا إِذْ كَانَ يُهْتَدَى بِهَا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَجْه مَفْهُوم , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .|وَقَمَرًا مُنِيرًا|وَقَوْله : { وَقَمَرًا مُنِيرًا } يَعْنِي بِالْمُنِيرِ : الْمُضِيء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } . </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّه جَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا خِلْفًا مِنَ الْآخَر , فِي أَنَّ مَا فَاتَ أَحَدهمَا مِنْ عَمَل يُعْمَل فِيهِ لِلَّهِ , أُدْرِكَ قَضَاؤُهُ فِي الْآخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20078 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ شَمِر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَقِيق قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : فَاتَتْنِي الصَّلَاة اللَّيْلَة , فَقَالَ : أَدْرِكْ مَا فَاتَك مِنْ لَيْلَتك فِي نَهَارك , فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر , أَوْ أَرَادَ شُكُورًا . )20079 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } يَقُول : مَنْ فَاتَهُ شَيْء مِنَ اللَّيْل أَنْ يَعْمَلهُ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ , أَوْ مِنَ النَّهَار أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ . )20080 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } قَالَ : جَعَلَ أَحَدهمَا خِلَفًا لِلْآخَرِ , إِنْ فَاتَ رَجُلًا مِنَ النَّهَار شَيْء أَدْرَكَهُ مِنَ اللَّيْل , وَإِنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْل أَدْرَكَهُ مِنَ النَّهَار . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مُخَالِفًا صَاحِبه , فَجَعَلَ هَذَا أَسْوَد وَهَذَا أَبْيَض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } قَالَ : أَسْوَد وَأَبْيَض . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُمَر بْن قَيْس بْن أَبِي مُسْلِم الْمَاصِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } قَالَ : أَسْوَد وَأَبْيَض . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَخْلُف صَاحِبه , إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا , وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ هَذَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20082 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ عُمَر بْن قَيْس الْمَاصِر , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } هَذَا يَخْلُف هَذَا , وَهَذَا يَخْلُف هَذَا . )20083 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة } قَالَ : لَوْ لَمْ يَجْعَلهُمَا خِلْفَة لَمْ يُدْرَ كَيْفَ يُعْمَل , لَوْ كَانَ الدَّهْر لَيْلًا كُلّه كَيْفَ يَدْرِي أَحَد كَيْف يَصُوم , أَوْ كَانَ الدَّهْر نَهَارًا كُلّه كَيْفَ يَدْرِي أَحَد كَيْفَ يُصَلِّي . )قَالَ : وَالْخِلْفَة : مُخْتَلِفَانِ , يَذْهَب هَذَا وَيَأْتِي هَذَا , جَعَلَهُمَا اللَّه خِلْفَة لِلْعِبَادِ , وَقَرَأَ { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } وَالْخِلْفَة : مَصْدَر , فَلِذَلِكَ وُحِّدَتْ , وَهِيَ خَبَر عَنِ اللَّيْل وَالنَّهَار ; وَالْعَرَب تَقُول : خَلَفَ هَذَا مِنْ كَذَا خِلْفَة , وَذَلِكَ إِذَا جَاءَ شَيْء مَكَان شَيْء ذَهَبَ قَبْله , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَلَهَا بِالْمَاطِرُونَ إِذَا .......... أَكَلَ النَّمْل الَّذِي جَمَعَا <br><br>خِلْفَة حَتَّى إِذَا ارْتَبَعَتْ .......... سَكَنَتْ مِنْ جِلَّق بِيَعَا <br>وَكَمَا قَالَ زُهَيْر : <br>بِهَا الْعَيْن وَالْآرَام يَمْشِينَ خِلْفَة .......... وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مَجْثَم <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : يَمْشِينَ خِلْفَة : تَذْهَب مِنْهَا طَائِفَة , وَتَخْلُف مَكَانهَا طَائِفَة أُخْرَى . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنَّ زُهَيْرًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : خِلْفَة : مُخْتَلِفَات الْأَلْوَان , وَأَنَّهَا ضُرُوب فِي أَلْوَانهَا وَهَيْئَاتهَا . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّهَا تَذْهَب فِي مَشْيهَا كَذَا , وَتَجِيء كَذَا .|لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا|وَقَوْله { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار , وَخُلُوف كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا الْآخَر حُجَّة وَآيَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر أَمْر اللَّه , فَيُنِيب إِلَى الْحَقّ { أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أَوْ أَرَادَ شُكْر نِعْمَة اللَّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20084 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } قَالَ : شُكْر نِعْمَة رَبّه عَلَيْهِ فِيهِمَا . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر } ذَاكَ آيَة لَهُ { أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } قَالَ : شُكْر نِعْمَة رَبّه عَلَيْهِ فِيهِمَا . )وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَذَّكَّر } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يَذَّكَّر } مُشَدَّدَة , بِمَعْنَى يَتَذَكَّر . وَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | يَذْكُر | مُخَفَّفَة ; وَقَدْ يَكُون التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِي مِثْل هَذَا بِمَعْنًى وَاحِد . يُقَال : ذَكَرْت حَاجَة فُلَان وَتَذَكَّرْتهَا . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِيهِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } . </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } بِالْحِلْمِ وَالسَّكِينَة وَالْوَقَار غَيْر مُسْتَكْبِرِينَ , وَلَا مُتَجَبِّرِينَ , وَلَا سَاعِينَ فِيهَا بِالْفَسَادِ وَمَعَاصِي اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20085 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَة . )20086 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : بِالْحِلْمِ وَالْوَقَار . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث ; قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَة . )* -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنِ الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَة . )20087 -حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن : ( { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَا : بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَار . )20088 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ عَمَّار , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَة . )* - قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 20089 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عَمْرو الْمَلَائِيّ : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّوَاضُع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20090 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَاف وَالتَّوَاضُع . )20091 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض بِالطَّاعَةِ . )20092 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثني عَمِّي , عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيم بْن سُوَيْد , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ يَقُول : (الْتَمَسْت تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } فَلَمْ أَجِدهَا عِنْد أَحَد , فَأُتِيت فِي النَّوْم , فَقِيلَ لِي : هُمُ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض . )20093 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (لَا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض . )20094 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَعِبَاد الرَّحْمَن الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاس , وَلَا يَتَجَبَّرُونَ , وَلَا يُفْسِدُونَ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَة لِلْمُتَّقِينَ } [28 83 ])وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالْحِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ عَلَى مَنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20095 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن فِي : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : حُلَمَاء , وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا . )20096 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : حُلَمَاء . )20097 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا } قَالَ : عُلَمَاء حُلَمَاء لَا يَجْهَلُونَ.)|وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا|وَقَوْله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } يَقُول : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ بِاللَّهِ بِمَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ الْقَوْل , أَجَابُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْقَوْل , وَالسَّدَاد مِنَ الْخِطَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20098 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن : ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ } ... الْآيَة , قَالَ : حُلَمَاء , وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا . )20099 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن الْمُخْتَار , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْم ذُلُل , ذَلَّتْ مِنْهُمْ وَاللَّه الْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار وَالْجَوَارِح , حَتَّى يَحْسَبهُمْ الْجَاهِل مَرْضَى , وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّاء الْقُلُوب , وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنَ الْخَوْف مَا لَمْ يَدْخُل غَيْرهمْ , وَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا عِلْمهمْ بِالْآخِرَةِ , فَقَالُوا : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن , وَاللَّه مَا حُزْنهمْ حُزْن الدُّنْيَا , وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسهمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّة , أَبْكَاهُمُ الْخَوْف مِنَ النَّار , وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّه , تَقَطَّع نَفْسه عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَات , وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَة إِلَّا فِي مَطْعَم وَمَشْرَب , فَقَدْ قَلَّ عِلْمه , وَحَضَرَ عَذَابه . )20100 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : سَدَادًا . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : سَدَادًا مِنَ الْقَوْل . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنِ الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 20101 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } حُلَمَاء . )20102 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : (حُلَمَاء لَا يَجْهَلُونَ , وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلَمُوا وَلَمْ يُسَفِّهُوا . هَذَا نَهَارهمْ فَكَيْف لَيْلهمْ ؟ خَيْر لَيْل ; صَفُّوا أَقْدَامهمْ , وَأَجْرَوْا دُمُوعهمْ عَلَى خُدُودهمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي فِكَاك رِقَابهمْ . )* - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَادَة , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : (حُلَمَاء لَا يَجْهَلُونَ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلَمُوا .)
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ يُصَلُّونَ لِلَّهِ , يُرَاوِحُونَ بَيْن سُجُود فِي صَلَاتهمْ وَقِيَام . وَقَوْله : { وَقِيَامًا } جَمْع قَائِم , كَمَا الصِّيَام جَمْع صَائِم.
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَدْعُونَ اللَّه أَنْ يَصْرِف عَنْهُمْ عِقَابه وَعَذَابه حَذَرًا مِنْهُ وَوَجَلًا .|إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا|وَقَوْله : { إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا } يَقُول : إِنَّ عَذَاب جَهَنَّم كَانَ غَرَامًا مُلِحًّا دَائِمًا لَازِمًا غَيْر مُفَارِق مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّار , وَمُهْلِكًا لَهُ , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : رَجُل مُغْرَم , مِنَ الْغُرْم وَالدَّيْن . وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَرِيمِ غَرِيم لِطَلَبِهِ حَقّه , وَإِلْحَاحه عَلَى صَاحِبه فِيهِ . وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْمُولَع لِلنِّسَاءِ : إِنَّهُ لَمُغْرَم بِالنِّسَاءِ , وَفُلَان مُغْرَم بِفُلَانٍ : إِذَا لَمْ يَصْبِر عَنْهُ ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : <br>إِنْ يُعَاقِب يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْ .......... طِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي <br>يَقُول : إِنْ يُعَاقِب يَكُنْ عِقَابه عِقَابًا لَازِمًا , لَا يُفَارِق صَاحِبه مُهْلِكًا لَهُ . وَقَوْل بِشْر بْن أَبِي خَازِم : <br>يَوْم النِّسَار وَيَوْم الْجِفَا .......... رِ كَانَ عِقَابًا وَكَانَ غَرَامًا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20103 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن اللَّانِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُعَافِي بْن عِمْرَان الْمَوْصِلِيّ , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب فِي قَوْله : ( { إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا } قَالَ : إِنَّ اللَّه سَأَلَ الْكُفَّار عَنْ نِعَمه , فَلَمْ يَرُدُّوهَا إِلَيْهِ , فَأَغْرَمهُمْ , فَأَدْخَلَهُمُ النَّار . )20104 -قَالَ : ثنا الْمُعَافِي , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا } قَالَ : قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلّ غَرِيم مُفَارِق غَرِيمه إِلَّا غَرِيم جَهَنَّم . )20105 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا } قَالَ : الْغَرَام : الشَّرّ . )20106 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { إِنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا } قَالَ : لَا يُفَارِقهُ .)
وَقَوْله { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } يَقُول : إِنَّ جَهَنَّم سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا , يَعْنِي بِالْمُسْتَقَرِّ : الْقَرَار , وَبِالْمُقَامِ : الْإِقَامَة ; كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : سَاءَتْ جَهَنَّم مَنْزِلًا وَمُقَامًا . وَإِذَا ضُمَّتِ الْمِيم مِنَ الْمُقَام فَهُوَ مِنَ الْإِقَامَة , وَإِذَا فُتِحَتْ فَهُوَ مِنْ : قُمْت , وَيُقَال : الْمَقَام إِذَا فُتِحَتْ الْمِيم أَيْضًا هُوَ الْمَجْلِس . وَمِنْ الْمُقَام بِضَمِّ الْمِيم بِمَعْنَى الْإِقَامَة , قَوْل سَلَامَة بْن جَنْدَل : <br>يَوْمَانِ : يَوْم مُقَامَات وَأَنْدِيَة .......... وَيَوْم سَيْر إِلَى الْأَعْدَاء تَأْوِيبَا <br>وَمِنْ الْمَقَام الَّذِي بِمَعْنَى الْمَجْلِس , قَوْل عَبَّاس بْن مِرْدَاس : <br>فَأَتِّي مَا وَأَيُّك كَانَ شَرًّا .......... فَقِيدَ إِلَى الْمَقَامَة لَا يَرَاهَا <br>يَعْنِي : الْمَجْلِس .