islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
15455

37-الصافات

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ مِنْكُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ , وَعَنْ شُهُود الْحَرْب مَعَهُ , نِفَاقًا مِنْهُمْ , وَتَخْذِيلًا عَنْ الْإِسْلَام وَأَهْله { وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } : أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا , وَدَعُوا مُحَمَّدًا , فَلَا تَشْهَدُوا مَعَهُ مَشْهَدَهُ , فَإِنَّا نَخَاف عَلَيْكُمْ الْهَلَاك بِهَلَاكِهِ. { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : وَلَا يَشْهَدُونَ الْحَرْبَ وَالْقِتَالَ إِنْ شَهِدُوا إِلَّا تَعْذِيرًا , وَدَفْعًا عَنْ أَنْفُسهمْ الْمُؤْمِنِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21647 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ : مَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه إِلَّا أَكْلَة رَأْس , وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَهَمَهُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه , دَعُوا هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ هَالِك .)|وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا|وَقَوْله : { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } : أَيْ لَا يَشْهَدُونَ الْقِتَالَ , يَغِيبُونَ عَنْهُ . 21648 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن رُومَان ( { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } : أَيْ أَهْل النِّفَاق { وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا } : أَيْ إِلَّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا . )21649 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ } .. . إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذَا يَوْم الْأَحْزَاب , انْصَرَفَ رَجُل مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْن يَدَيْهِ شِوَاء وَرَغِيف وَنَبِيذ , فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ هَهُنَا فِي الشِّوَاء وَالرَّغِيف وَالنَّبِيذ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الرِّمَاح وَالسُّيُوف ؟ فَقَالَ : هَلُمَّ إِلَى هَذَا , فَقَدْ بَلَغَ بِك وَبِصَاحِبِك , وَالَّذِي يُحْلَف بِهِ لَا يَسْتَقْبِلهَا مُحَمَّد أَبَدًا , فَقَالَ : كَذَبْت وَالَّذِي يُحْلَف بِهِ ; قَالَ , وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمّه : أَمَا وَاللَّه لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَك ; قَالَ : وَذَهَبَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ ; قَالَ : فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِخَبَرِهِ { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلًا } .)

فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا

وَقَوْله { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ , فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ الشُّحّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ فِي الْغَنِيمَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21650 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } فِي الْغَنِيمَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21651 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } قَالَ : بِالْخَيْرِ , الْمُنَافِقُونَ , وَقَالَ غَيْره : مَعْنَاهُ : أَشِحَّة عَلَيْكُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِالْجُبْنِ وَالشُّحّ , وَلَمْ يُخَصِّص وَصْفَهُمْ مِنْ مَعَانِي الشُّحّ , بِمَعْنًى دُون مَعْنًى , فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ أَشِحَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْخَيْر وَالنَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه , عَلَى أَهْل مَسْكَنَة الْمُسْلِمِينَ. وَنُصِبَ قَوْله { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } عَلَى الْحَال مِنْ ذِكْر الِاسْم الَّذِي فِي قَوْله { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ } , كَأَنَّهُ قِيلَ : هُمْ جُبَنَاء عِنْدَ الْبَأْس , أَشِحَّاء عِنْدَ قَسْم الْغَنِيمَة بِالْغَنِيمَةِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنْ قَوْله : { قَدْ يَعْلَم اللَّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } فَيَكُون تَأْوِيله : قَدْ يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَال , وَيَشِحُّونَ عِنْدَ الْفَتْح بِالْغَنِيمَةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَطْعًا مِنْ قَوْله : { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أَشِحَّة , وَهُمْ هَكَذَا أَشِحَّة , وَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَصَفَهُمْ مِنْ الشُّحّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِمَا فِي أَنْفُسهمْ لَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالضِّغْن . كَمَا : 21652 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { أَشِحَّة عَلَيْكُمْ } أَيْ لِلضِّغْنِ الَّذِي فِي أَنْفُسهمْ .)|فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ|وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف } . .. إِلَى قَوْله { مِنَ الْمَوْت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا حَضَرَ الْبَأْس , وَجَاءَ الْقِتَال , خَافُوا الْهَلَاكَ وَالْقَتْلَ , رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد يَنْظُرُونَ إِلَيْك لِوَاذًا بِك , تَدُور أَعْيُنهمْ , خَوْفًا مِنْ الْقَتْل , وَفِرَارًا مِنْهُ . { كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت } يَقُول : كَدَوَرَانِ عَيْن الَّذِي يَغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت النَّازِل بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21653 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك تَدُور أَعْيُنهمْ } مِنَ الْخَوْف . )21654 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك تَدُور أَعْيُنهمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت } : أَيْ إِعْظَامًا وَفَرْقًا مِنْهُ .)|فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا| { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف } يَقُول : فَإِذَا انْقَطَعَتْ الْحَرْب وَاطْمَأَنُّوا { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } . وَأَمَّا قَوْله { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } , فَإِنَّهُ يَقُول : عَضُّوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ ذَرِبَة , وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْخَطِيب الذَّرِب اللِّسَان : خَطِيب مُسْلِق وَمُصْلِق , وَخَطِيب سَلَّاق وَصَلَّاق . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ سَلْقهمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْغَنِيمَة , بِمَسْأَلَتِهِمْ الْقَسْم لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21655 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } أَمَّا عِنْد الْغَنِيمَة , فَأَشَحّ قَوْم , وَأَسْوَأ مُقَاسَمَة : أَعْطُونَا أَعْطُونَا , فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ , وَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْس فَأَجْبَن قَوْم , وَأَخْذَله لِلْحَقِّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سَلْقهمْ إِيَّاهُمْ بِالْأَذَى . ذُكِرَ ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس : 21656 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } قَالَ : اسْتَقْبَلُوكُمْ . )21657 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد ( { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } قَالَ : كَلَّمُوكُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَهُمْ مِنَ الْقَوْل بِمَا تُحِبُّونَ , نِفَاقًا مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21658 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد } فِي الْقَوْل بِمَا تُحِبُّونَ , لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَة , وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَة , فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ . )وَأَشْبَه هَذِهِ الْأَقْوَال بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر } فَأَخْبَرَ أَنَّ سَلْقهمْ الْمُسْلِمِينَ شُحًّا مِنْهُمْ عَلَى الْغَنِيمَة وَالْخَيْر , فَمَعْلُوم إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْغَنِيمَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِطَلَبِ الْغَنِيمَة , دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَلَقُوكُمْ بِالْأَذَى ; لِأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَذًى , وَقَوْله : { أَشِحَّة عَلَى الْخَيْر } يَقُول : أَشِحَّة عَلَى الْغَنِيمَة , إِذَا ظَفِرَ الْمُؤْمِنُونَ . وَقَوْله : { لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , لَمْ يُصَدِّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَلَكِنَّهُمْ أَهْل كُفْر وَنِفَاق. { فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } يَقُول : فَأَذْهَبَ اللَّه أُجُور أَعْمَالهمْ وَأَبْطَلَهَا , وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَة كَانَ بَدْرِيًّا , فَأَحْبَطَ اللَّه عَمَلَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21659 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا , وَأَنَّ قَوْله : { أَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ } : أَحْبَطَ اللَّه عَمَلَهُ يَوْمَ بَدْر . )وَقَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ إِحْبَاط عَمَلهمْ الَّذِي كَانُوا عَمِلُوا قَبْل ارْتِدَادهمْ وَنِفَاقهمْ عَلَى اللَّه يَسِيرًا .

فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْسِب هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ , وَهُمْ قُرَيْش وَغَطَفَان . كَمَا : 21660 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { يَحْسِبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } قُرَيْش وَغَطَفَان . )وَقَوْله : { لَمْ يَذْهَبُوا } يَقُول : لَمْ يَنْصَرِفُوا , وَإِنْ كَانُوا قَدْ انْصَرَفُوا جُبْنًا وَهَلَعًا مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21661 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } قَالَ : يَحْسَبُونَهُمْ قَرِيبًا. )وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا , فَإِذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب | .|وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ|وَقَوْله : { وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يَأْتِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْزَابُ وَهُمْ الْجَمَاعَة : وَاحِدهمْ حِزْب { يَوَدُّوا } يَقُول : يَتَمَنَّوْا مِنَ الْخَوْف وَالْجُبْن أَنَّهُمْ غُيَّب عَنْكُمْ فِي الْبَادِيَة مَعَ الْأَعْرَاب خَوْفًا مِنَ الْقَتْل , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب } تَقُول : قَدْ بَدَا فُلَان إِذَا صَارَ فِي الْبَدْو فَهُوَ يَبْدُو , وَهُوَ بَادٍ ; وَأَمَّا الْأَعْرَاب : فَإِنَّهُمْ جَمْع أَعْرَابِيّ , وَوَاحِد الْعَرَب عَرَبِيّ , وَإِنَّمَا قِيلَ أَعْرَابِيّ لِأَهْلِ الْبَدْو , فَرْقًا بَيْنَ أَهْل الْبَوَادِي وَالْأَمْصَار , فَجَعَلَ الْأَعْرَاب لِأَهْلِ الْبَادِيَة , وَالْعَرَب لِأَهْلِ الْمِصْر .|يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا|وَقَوْله : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } يَقُول : يَسْتَخْبِر هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّاسَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ , يَعْنِي عَنْ أَخْبَاركُمْ بِالْبَادِيَةِ , هَلْ هَلَكَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ؟ نَقُول : يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَسْمَعُوا أَخْبَارَكُمْ بِهَلَاكِكُمْ , أَنْ لَا يَشْهَدُوا مَعَكُمْ مَشَاهِدكُمْ . { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : وَلَوْ كَانُوا أَيْضًا فِيكُمْ مَا نَفَعُوكُمْ , وَمَا قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا قَلِيلًا . يَقُول : إِلَّا تَعْذِيرًا ; لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ حِسْبَة وَلَا رَجَاء ثَوَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21662 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } قَالَ : أَخْبَاركُمْ , وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار جَمِيعًا سِوَى عَاصِم الْجَحْدَرِيّ : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } بِمَعْنَى : يَسْأَلُونَ مَنْ قَدَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاس عَنْ أَنْبَاء عَسْكَركُمْ وَأَخْبَاركُمْ , وَذُكِرَ عَنْ عَاصِم الْجَحْدَرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | يَسَّاءَلُونَ | بِتَشْدِيدِ السِّين , بِمَعْنَى : يَتَسَاءَلُونَ : أَيْ يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ. )وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ.

إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أُسْوَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : | إِسْوَةٌ | بِكَسْرِ الْأَلِف , خَلَا عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالضَّمِّ : { أُسْوَة } , وَكَانَ يَحْيَى بْن وَثَّاب يَقْرَأ هَذِهِ بِالْكَسْرِ , وَيَقْرَأ قَوْله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَة } بِالضَّمِّ , وَهُمَا لُغَتَانِ , وَذُكِرَ أَنَّ الْكَسْر فِي أَهْل الْحِجَاز , وَالضَّمّ فِي قَيْس . يَقُولُونَ : أُسْوَة , وَأُخْوَة . وَهَذَا عِتَاب مِنَ اللَّه لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَسْكَره بِالْمَدِينَةِ , مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة , أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِ , وَتَكُونُوا مَعَهُ حَيْثُ كَانَ , وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ . { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ } يَقُول : فَإِنَّ مَنْ يَرْجُو ثَوَابَ اللَّه وَرَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَة لَا يَرْغَب بِنَفْسِهِ , وَلَكِنَّهُ تَكُون لَهُ بِهِ أُسْوَة فِي أَنْ يَكُون مَعَهُ حَيْثُ يَكُون هُوَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21663 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان , قَالَ : (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر } أَنْ لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه , وَلَا عَنْ مَكَان هُوَ بِهِ . { وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } يَقُول : وَأَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّه فِي الْخَوْف وَالشِّدَّة وَالرَّخَاء .)

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ

وَقَوْله : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب } يَقُول : وَلَمَّا عَايَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُوله جَمَاعَات الْكُفَّار قَالُوا تَسْلِيمًا مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّه , وَإِيقَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْجَاز وَعْده لَهُمْ , الَّذِي وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ } [2 214 ]إِلَى قَوْله { قَرِيب } هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله , وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله , فَأَحْسَنَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ يَقِينهمْ , وَتَسْلِيمهمْ لِأَمْرِهِ الثَّنَاء , فَقَالَ : وَمَا زَادَهُمْ اجْتِمَاع الْأَحْزَاب عَلَيْهِمْ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِقَضَائِهِ وَأَمْره , وَرَزَقَهُمْ بِهِ النَّصْر وَالظَّفَر عَلَى الْأَعْدَاء , وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21664 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ } . . . الْآيَة قَالَ : ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ } [2 214 ]... إِلَى قَوْله { إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب } قَالَ : فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاء حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَاب فِي الْخَنْدَق , تَأَوَّلَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . )21665 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقهمْ وَتَصْدِيقهمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّه مِنَ الْبَلَاء يَخْتَبِرهُمْ بِهِ ( { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } : أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاء , وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ , وَتَصْدِيقًا بِتَحْقِيقِ مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهُمْ وَرَسُوله . )21666 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله } وَكَانَ اللَّه قَدْ وَعَدَهُمْ فِي سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَل الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } خَيْرهمْ وَأَصْبَرهمْ وَأَعْلَمهُمْ بِاللَّهِ { مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب } هَذَا وَاللَّه الْبَلَاء وَالنَّقْص الشَّدِيد , وَإِنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَوْا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الشِّدَّة وَالْبَلَاء { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله وَصَدَقَ اللَّه وَرَسُوله وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } وَتَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّه , وَتَسْلِيمًا لِقَضَاءِ اللَّه.)

إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بِاللَّهِ وَرَسُوله { رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : أَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر عَلَى الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء , وَحِين الْبَأْس { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } يَقُول : فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَل الَّذِي كَانَ نَذَرَهُ اللَّه وَأَوْجَبَهُ لَهُ عَلَى نَفْسه , فَاسْتُشْهِدَ بَعْض يَوْم بَدْر , وَبَعْض يَوْم أُحُد , وَبَعْض فِي غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاطِن { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَضَاءَهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ , كَمَا قَضَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ عَلَى الْوَفَاء لِلَّهِ بِعَهْدِهِ , وَالنَّصْر مِنَ اللَّه , وَالظَّفَر عَلَى عَدُوّه , وَالنَّحْب : النَّذْر فِي كَلَام الْعَرَب , وَلِلنَّحْبِ أَيْضًا فِي كَلَامهمْ وُجُوه غَيْر ذَلِكَ , مِنْهَا الْمَوْت , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>قَضَى نَحْبه فِي مُلْتَقَى الْقَوْم هَوْبَر <br>يَعْنِي : مَنِيَّته وَنَفْسه ; وَمِنْهَا الْخَطَر الْعَظِيم , كَمَا قَالَ جَرِير : <br>بِطَخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوك وَخَلَّيْنَا .......... عَشِيَّةَ بِسِطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْب <br>أَيْ عَلَى خَطَر عَظِيم ; وَمِنْهَا النَّحِيب , يُقَال : نَحَبَ فِي سَيْره يَوْمه أَجْمَعَ : إِذَا مَدّ فَلَمْ يَنْزِل يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ; وَمِنْهَا التَّنْحِيب , وَهُوَ الْخِطَار , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَإِذْ نَحَّبَتْ كَلْب عَلَى النَّاس أَيّهمْ .......... أَحَقّ بِتَاجِ الْمَاجِد الْمُتَكَوِّم ؟ <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21667 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } : أَيْ وَفُّوا اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَله , وَرَجَعَ إِلَى رَبّه , كَمَنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْر وَيَوْم أُحُد { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } مَا وَعَدَ اللَّه مِنْ نَصْره وَالشَّهَادَة عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابه . )21668 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : عَهْدَهُ فَقُتِلَ أَوْ عَاشَ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } يَوْمًا فِيهِ جِهَاد , فَيَقْضِي نَحْبه عَهْده , فَيُقْتَل أَوْ يَصْدُق فِي لِقَائِهِ . )* حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : عَهْدَهُ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَالَ : يَوْمًا فِيهِ قِتَال , فَيَصْدُق فِي اللِّقَاء . )* قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَاتَ عَلَى الْعَهْد . )21669 -قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن فُلَان - قَدْ سَمَّاهُ ذَهَبَ عَنِّي اسْمه -عَنْ أَبِيهِ ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : نَذْرَهُ . )21670 -حَدَّثَنَا ابْن إِدْرِيس , عَنْ طَلْحَة بْن يَحْيَى , عَنْ عَمّه عِيسَى بْن طَلْحَة : (أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُ : مَنْ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبهمْ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , وَدَخَلَ طَلْحَة مِنْ بَاب الْمَسْجِد وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ , فَقَالَ : | هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبهمْ . )21671 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَوْله ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَوْته عَلَى الصِّدْق وَالْوَفَاء . { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } الْمَوْت عَلَى مِثْل ذَلِكَ , وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا . )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ مُجَاهِد ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } قَالَ : النَّحْب : الْعَهْد . )21672 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } عَلَى الصِّدْق وَالْوَفَاء { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } مِنْ نَفْسه الصِّدْق وَالْوَفَاء . )21673 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : مَاتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيق وَالْإِيمَان { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } ذَلِكَ . )21674 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي بُكَيْر , قَالَ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه , أُخْبِرْنَاهُ عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } قَالَ : الْمَوْت عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } الْمَوْت عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّه عَلَيْهِ . )وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا , فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَفُوا قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى فَقَضَى نَحْبه , وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى وَلَمْ يَقْضِ نَحْبه , وَكَانَ مُنْتَظِرًا , عَلَى مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ صِفَاتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21675 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس , (أَنَّ أَنَسَ بْن النَّضْر تَغَيَّبَ عَنْ قِتَال بَدْر , فَقَالَ : تَغَيَّبْت عَنْ أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَئِنْ رَأَيْت قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَع ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد , وَهُزِمَ النَّاس , لَقِيَ سَعْد بْن مُعَاذ فَقَالَ : وَاللَّه إِنِّي لَأَجِد رِيح الْجَنَّة , فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر } . )* حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : زَعَمَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : (غَابَ أَنَس بْن النَّضْر , عَنْ قِتَال يَوْم بَدْر , فَقَالَ : غِبْت عَنْ قِتَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ , لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّه قِتَالًا , لَيَرَيَنَّ اللَّه مَا أَصْنَع ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد , انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , وَأَعْتَذِر إِلَيْك مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ , يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ , فَمَشَى بِسَيْفِهِ , فَلَقِيَهُ سَعْد بْن مُعَاذ , فَقَالَ : أَيْ سَعْد إِنِّي لَأَجِد رِيحَ الْجَنَّة دُونَ أُحُد , فَقَالَ سَعْد : يَا رَسُول اللَّه فَمَا اسْتَطَعْت أَنْ أَصْنَع مَا صَنَعَ . قَالَ أَنَس بْن مَالِك : فَوَجَدْنَاهُ بَيْن الْقَتْلَى , بِهِ بِضْع ثَمَانُونَ جِرَاحَة , بَيْن ضَرْبَة بِسَيْفٍ , وَطَعْنَة بِرُمْحٍ , وَرَمْيَة بِسَهْمٍ , فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْته بِبَنَانِهِ . قَالَ أَنَس : فَكُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ هَذِهِ الْآيَة { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه } نَزَلَتْ فِيهِ , وَفِي أَصْحَابه. )* حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت حُمَيْدًا يُحَدِّث , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ أَنَس بْن النَّضْر , غَابَ عَنْ قِتَال بَدْر , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 21676 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى وَعِيسَى بْن طَلْحَة عَنْ طَلْحَة (أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَكَانُوا لَا يَجْرُءُونَ عَلَى مَسْأَلَته , فَقَالُوا لِلْأَعْرَابِيِّ : سَلْهُ { مَنْ قَضَى نَحْبه } مَنْ هُوَ ؟ فَسَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ , فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ دَخَلْت مِنْ بَاب الْمَسْجِد وَعَلَيَّ ثِيَاب خُضْر ; فَلَمَّا رَآنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | أَيْنَ السَّائِلِي عَمَّنْ قَضَى نَحْبه ؟ | قَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه , قَالَ : | هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبه . )21677 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ , عَنْ إِسْحَاق بْن يَحْيَى الطَّلْحِيّ , عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَة , قَالَ : (قَامَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان , فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | طَلْحَة مِمَّنْ قَضَى نَحْبه . )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن تَمَّام الْكَلْبِيّ , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى بْن طَلْحَة , عَنْ عَمّه مُوسَى بْن طَلْحَة , عَنْ أَبِيهِ طَلْحَة , قَالَ : (لَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أُحُد وَصِرْنَا بِالْمَدِينَةِ , صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَر , فَخَطَبَ النَّاس وَعَزَّاهُمْ , وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأَجْر , ثُمَّ قَرَأَ : { رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } . . . الْآيَة , قَالَ : فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَالْتَفَتَ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ , فَقَالَ : | أَيّهَا السَّائِل هَذَا مِنْهُمْ |.)|وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا|وَقَوْله : { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } : وَمَا غَيَّرُوا الْعَهْدَ الَّذِي عَاقَدُوا رَبَّهُمْ تَغْيِيرًا , كَمَا غَيَّرَهُ الْمُعَوِّقُونَ الْقَائِلُونَ لِإِخْوَانِهِمْ : هَلُمَّ إِلَيْنَا , وَالْقَائِلُونَ : إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21678 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } يَقُول : مَا شَكُّوا وَمَا تَرَدَّدُوا فِي دِينهمْ , وَلَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ . )21679 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } : لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ كَمَا غَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ .)

وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ

وَقَوْله : { لِيَجْزِيَ اللَّه الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ - لِيَجْزِيَ اللَّه الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } : يَقُول : لِيُثِيبَ اللَّه أَهْل الصِّدْق بِصِدْقِهِمْ اللَّه بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ , وَوَفَائِهِمْ لَهُ بِهِ { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ } بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَنِفَاقهمْ { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } مِنْ نِفَاقهمْ , فَيَهْدِيهِمْ لِلْإِيمَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21680 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } يَقُول : إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ النِّفَاق إِلَى الْإِيمَان. )إِنْ قَالَ قَائِل : مَا وَجْه الشَّرْط فِي قَوْله { وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ } بِقَوْلِهِ : { إِنْ شَاءَ } وَالْمُنَافِق كَافِر وَهَلْ يَجُوز أَنْ لَا يَشَاءَ تَعْذِيبَ الْمُنَافِقَ , فَيُقَال وَيُعَذِّبهُ إِنْ شَاءَ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي تَوَهَّمْته . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ بِأَنْ لَا يُوَفِّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ مِنْ نِفَاقهمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى كُفْرهمْ إِنْ شَاءَ , فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ الْعَذَاب , فَالِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّوْفِيق لَا مِنَ الْعَذَاب إِنْ مَاتُوا عَلَى نِفَاقهمْ . وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْله : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ إِذْ لَمْ يَهْدِهِمْ لِلتَّوْبَةِ , فَيُوَفِّقهُمْ لَهَا , أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبهُمْ .|إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا سِتْر عَلَى ذُنُوب التَّائِبِينَ , رَحِيمًا بِالتَّائِبِينَ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَة .

لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا } بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان { بِغَيْظِهِمْ } يَقُول : بِكَرْبِهِمْ وَغَمّهمْ , بِفَوْتِهِمْ مَا أَمَلُوا مِنْ الظَّفَر , وَخَيْبَتهمْ مِمَّا كَانُوا طَمِعُوا فِيهِ مِنَ الْغَلَبَة { لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } يَقُول : لَمْ يُصِيبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَالًا وَلَا إِسَارًا { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بِجُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَة وَالرِّيح الَّتِي بَعَثَهَا عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21681 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } الْأَحْزَاب . )21682 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } وَذَلِكَ يَوْم أَبِي سُفْيَان وَالْأَحْزَاب , رَدَّ اللَّه أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بِالْجُنُودِ مِنْ عِنْده , وَالرِّيح الَّتِي بَعَثَ عَلَيْهِمْ . )21683 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { وَرَدَّ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } : أَيْ قُرَيْش وَغَطَفَان . )21684 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا شَبَابَة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي ذِئْب , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَق عَنِ الصَّلَاة , فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ , وَلَا الْعَصْرَ , وَلَا الْمَغْرِبَ , وَلَا الْعِشَاءَ , حَتَّى كَانَ بَعْد الْعِشَاء بِهَوِيٍّ كُفِينَا , وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَكَفَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا , فَأَقَامَ الصَّلَاةَ , وَصَلَّى الظُّهْرَ , فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا , كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتهَا , ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ , ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ , ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ كَذَلِكَ , جَعَلَ لِكُلِّ صَلَاة إِقَامَة , وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلَاة الْخَوْف { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } [2 239 ])* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي فُدَيْك , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَق , فَذَكَرَ نَحْوَهُ .|وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا|وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَلَى فِعْل مَا يَشَاء فِعْله بِخَلْقِهِ , فَيَنْصُر مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْذُلَهُ , لَا يَغْلِبهُ غَالِب ; { عَزِيزًا } يَقُول : هُوَ شَدِيد انْتِقَامه مِمَّنْ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ أَعْدَائِهِ . كَمَا : 21685 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكَانَ اللَّه قَوِيًّا عَزِيزًا } : قَوِيًّا فِي أَمْره , عَزِيزًا فِي نِقْمَته .)

دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلَ اللَّه الَّذِينَ أَعَانُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْش وَغَطَفَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَذَلِكَ هُوَ مُظَاهَرَتهمْ إِيَّاهُ , وَعَنَى بِذَلِكَ بَنِي قُرَيْظَةَ , وَهُمُ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْأَحْزَاب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَوْله { مِنْ أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي : مِنْ أَهْل التَّوْرَاة , وَكَانُوا يَهُود : وَقَوْله : { مِنْ صَيَاصِيهمْ } يَعْنِي : مِنْ حُصُونهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21686 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ قُرَيْظَة , يَقُول : أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهمْ . )21687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ , ظَاهَرُوا أَبَا سُفْيَان وَرَاسَلُوهُ , فَنَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيّ اللَّه . قَالَ : فَبَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحْش يَغْسِل رَأْسَهُ , وَقَدْ غَسَلَتْ شِقّه , إِذْ أَتَاهُ جَبْرَائِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : عَفَا اللَّه عَنْك , مَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَة سِلَاحَهَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة , فَانْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , فَإِنِّي قَدْ قَطَعْت أَوْتَارهمْ , وَفَتَحْت أَبْوَابَهُمْ , وَتَرَكْتهمْ فِي زِلْزَال وَبِلْبَال ; قَالَ : فَاسْتَلْأَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ سَلَكَ سِكَّة بَنِي غَنْم , فَاتَّبَعَهُ النَّاس وَقَدْ عَصَبَ حَاجِبَهُ بِالتُّرَابِ ; قَالَ : فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرُوهُمْ وَنَادَاهُمْ : يَا إِخْوَان الْقِرَدَةِ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم مَا كُنْت فَحَّاشًا , فَنَزَلُوا عَلَى حُكْم ابْن مُعَاذ , وَكَانَ بَيْنهمْ وَبَيْنَ قَوْمه حِلْف , فَرَجَوْا أَنْ تَأْخُذَهُ فِيهِمْ هَوَادَة , وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَبُو لُبَابَة أَنَّهُ الذَّبْح , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [8 27 ]فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَل مُقَاتِلَتهمْ , وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيّهمْ , وَأَنَّ عَقَارَهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَار , فَقَالَ قَوْمه وَعَشِيرَته : آثَرْت الْمُهَاجِرِينَ بِالْعَقَارِ عَلَيْنَا ; قَالَ : فَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ ذَوِي عَقَار , وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا لَا عَقَار لَهُمْ , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ وَقَالَ : | قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللَّه . )21688 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : (لَمَّا انْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَنْدَق رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة وَالْمُسْلِمُونَ , وَوَضَعُوا السِّلَاحَ , فَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْر أَتَى جِبْرِيل رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )كَمَا : 21689 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ ابْن شِهَاب الزُّهْرِيّ - (مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَق , عَلَى بَغْلَة عَلَيْهَا رَحَّالَة , عَلَيْهَا قَطِيفَة مِنْ دِيبَاج ; فَقَالَ : أَقَدْ وَضَعْت السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : | نَعَمْ | , قَالَ جِبْرِيل : مَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَة السِّلَاحَ بَعْدُ مَا رَجَعْت الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَب الْقَوْم , إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرك يَا مُحَمَّد بِالسَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , وَأَنَا عَامِد إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا , فَأَذَّنَ فِي النَّاس : إِنَّ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة , وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِرَايَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة وَابْتَدَرَهَا النَّاس , فَسَارَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْحُصُون , سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَة قَبِيحَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرِيقِ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه لَا عَلَيْك أَلَّا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخْبَاث , قَالَ : | لِمَ ؟ أَظُنّك سَمِعْت لِي مِنْهُمْ أَذًى | , قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّه . قَالَ : | لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا | . فَلَمَّا دَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونهمْ قَالَ : | يَا إِخْوَان الْقِرَدَة هَلْ أَخْزَاكُمْ اللَّه وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَته ؟ | قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم , مَا كُنْت جَهُولًا ; وَمَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابه بِالصُّورَيْنِ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ , فَقَالَ : | هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَد ؟ | فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه , قَدْ مَرَّ بِنَا دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ عَلَى بَغْلَة بَيْضَاء عَلَيْهَا رَحَّالَة عَلَيْهَا قَطِيفَة دِيبَاج , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | ذَاكَ جَبْرَائِيل بُعِثَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة يُزَلْزِل بِهِمْ حُصُونهمْ , وَيَقْذِف الرُّعْب فِي قُلُوبهمْ | ; فَلَمَّا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَة ; نَزَلَ عَلَى بِئْر مِنْ آبَارهَا فِي نَاحِيَة مِنْ أَمْوَالهمْ يُقَال لَهَا : بِئْر أَنَّا , فَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاس , فَأَتَاهُ رِجَال مِنْ بَعْد الْعِشَاء الْآخِرَة , وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة | , فَصَلَّوْا الْعَصْر فَمَا عَابَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ فِي كِتَابه وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُوله . )21690 -وَالْحَدِيث عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مَعْبَد بْن كَعْب بْن مَالِك الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : (وَحَاصَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة حَتَّى جَهَدَهُمْ الْحِصَار وَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ دَخَلَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنهمْ حِين رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْش وَغَطَفَان وَفَاءً لِكَعْبِ بْن أَسَد بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مُنْصَرِف عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ , قَالَ كَعْب بْن أَسَد لَهُمْ : يَا مَعْشَر يَهُود , إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْر مَا تَرَوْنَ , وَإِنِّي عَارِض عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا , فَخُذُوا أَيّهَا ; قَالُوا : وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : نُبَايِع هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقهُ , فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيّ مُرْسَل , وَأَنَّهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ , فَتَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ , قَالُوا : لَا نُفَارِق حُكْم التَّوْرَاة أَبَدًا , وَلَا نَسْتَبْدِل بِهِ غَيْره ; قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ , فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا , ثُمَّ نَخْرُج إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه رِجَالًا مُصْلَتِينَ بِالسُّيُوفِ , وَلَمْ نَتْرُك وَرَاءَنَا ثِقَلًا يُهِمّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّد , فَإِنْ نَهْلِك نَهْلِك وَلَمْ نَتْرُك وَرَاءَنَا شَيْئًا نَخْشَى عَلَيْهِ , وَإِنْ نَظْهَر فَلَعَمْرِي لَنَتَّخِذَنَّ النِّسَاء وَالْأَبْنَاءَ , قَالُوا : نَقْتُل هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين , فَمَا خَيْر الْعَيْش بَعْدَهُمْ ; قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ , فَإِنَّ اللَّيْلَة لَيْلَة السَّبْت , وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُون مُحَمَّد وَأَصْحَابه قَدْ أَمِنُوا , فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا أَنْ نُصِيبَ مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه غِرَّة . قَالُوا : نُفْسِد سَبْتَنَا وَنُحْدِث فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ؟ أَمَّا مَنْ قَدْ عَلِمْت فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ؟ قَالَ : مَا بَاتَ رَجُل مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّه لَيْلَة وَاحِدَة مِنْ الدَّهْر حَازِمًا , قَالَ : ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَكَانُوا مِنْ حُلَفَاء الْأَوْس , نَسْتَشِيرهُ فِي أَمْرنَا ; فَأَرْسَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَال , وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاء وَالصِّبْيَان يَبْكُونَ فِي وَجْهه , فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا لُبَابَة , أَتَرَى أَنْ نَنْزِل عَلَى حُكْم مُحَمَّد ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقه , إِنَّهُ الذَّبْح ; قَالَ أَبُو لُبَابَة : فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْت أَنِّي قَدْ خُنْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَة عَلَى وَجْهه , وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِد إِلَى عَمُود مِنْ عُمُده وَقَالَ : لَا أَبْرَح مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّه عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْت وَعَاهَدَ اللَّه لَا يَطَأ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا يَرَانِي اللَّه فِي بَلَد خُنْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا . فَلَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَره , وَكَانَ قَدْ اسْتَبْطَأَهُ , قَالَ : | أَمَّا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْت لَهُ . أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ , فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقهُ مِنْ مَكَانه حَتَّى يَتُوبَ اللَّه عَلَيْهِ | ; ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْن سعية , وَأُسِيد بْن سعية , وَأَسَد بْن عُبَيْد , وَهُمْ نَفَر مِنْ بَنِي هُذَيْل لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَة , وَلَا النَّضِير , نَسَبهمْ فَوْق ذَلِكَ , هُمْ بَنُو عَمّ الْقَوْم , أَسْلَمُوا تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَة عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عَمْرو بْن سُعْدَى الْقُرَظِيّ , فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَيْهِ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ تِلْكَ اللَّيْلَة ; فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَمْرو بْن سُعْدَى ; وَكَانَ عَمْرو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُل مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرهمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَا أَغْدِر بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا , فَقَالَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ حِين عَرَفَهُ : اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنِي إِقَالَة عَثَرَات الْكِرَام , ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ ; فَخَرَجَ عَلَى وَجْهه حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَة , ثُمَّ ذَهَبَ , فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ مِنْ أَرْض اللَّه إِلَى يَوْمه هَذَا ; فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ , فَقَالَ : | ذَاكَ رَجُل نَجَّاهُ اللَّه بِوَفَائِهِ | . قَالَ : وَبَعْض النَّاس كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ كَانَ أُوثِق بِرُمَّةٍ فِيمَنْ أُوثِق مِنْ بَنِي قُرَيْظَة حِين نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَصْبَحَتْ رُمَّته مُلْقَاة , وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَة , فَاللَّه أَعْلَم . فَلَمَّا أَصْبَحُوا , نَزَلُوا عَلَى حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْس , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَج , وَقَدْ فَعَلْت فِي مَوَالِي الْخَزْرَج بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت , وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل بَنِي قُرَيْظَة حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاع , وَكَانُوا حُلَفَاء الْخَزْرَج , فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمه , فَسَأَلَهُ إِيَّاهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول , فَوَهَبَهُمْ لَهُ ; فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْس , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَر الْأَوْس أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُل مِنْكُمْ ؟ | قَالُوا : بَلَى , قَالَ : | فَذَاكَ إِلَى سَعْد بْن مُعَاذ | ; وَكَانَ سَعْد بْن مُعَاذ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْمَة امْرَأَة مِنْ أَسْلَمَ يُقَال لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِده , كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى , وَتَحْتَسِب بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَة مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِين أَصَابَهُ السَّهْم بِالْخَنْدَقِ : | اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَة رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودهُ مِنْ قَرِيب | ; فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَة , أَتَاهُ قَوْمه فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَار , وَقَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مِنْ أَدَم , وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا , ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا أَبَا عَمْرو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ ; فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ : قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِم , فَرَجَعَ بَعْض مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمه إِلَى دَار بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , فَنَعَى إِلَيْهِمْ رِجَال بَنِي قُرَيْظَة قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِمْ سَعْد بْن مُعَاذ مِنْ كَلِمَته الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ ; فَلَمَّا انْتَهَى سَعْد إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ , قَالَ : قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ , فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرو إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاك مَوَالِيَك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ , فَقَالَ سَعْد : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه , إِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَمَا حَكَمْت , قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : وَعَلَى مَنْ هَهُنَا فِي النَّاحِيَة الَّتِي فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مُعْرِض عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | نَعَمْ | , قَالَ سَعْد : فَإِنِّي أَحْكُم فِيهِمْ أَنْ تُقْتَل الرِّجَال , وَتُقَسَّم الْأَمْوَال , وَتُسْبَى الذَّرَارِيّ وَالنِّسَاء . )21691 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّه مِنْ فَوْق سَبْعَة أَرْقِعَة | , ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا , فَحَبَسَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَار ابْنَة الْحَارِث امْرَأَة مِنْ بَنِي النَّجَّار , ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوق الْمَدِينَة , الَّتِي هِيَ سُوقهَا الْيَوْم , فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِق , ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ , فَضَرَبَ أَعْنَاقهمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِق , يَخْرُج بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا , وَفِيهِمْ عَدُوّ اللَّه حُيَيّ بْن أَخْطَبَ , وَكَعْب بْن أَسَد رَأْس الْقَوْم , وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ , وَالْمُكَثِّر مِنْهُمْ يَقُول : كَانُوا مِنْ الثَّمَانِمِائَةِ إِلَى التِّسْعِمِائَةِ , وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْن أَسَد وَهُمْ يُذْهَب بِهِمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا : يَا كَعْب , مَا تَرَى مَا يُصْنَع بِنَا ؟ فَقَالَ كَعْب : أَفِي كُلّ مَوْطِن لَا تَعْقِلُونَ ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِع , وَإِنَّهُ مَنْ يُذْهَب بِهِ مِنْكُمْ فَمَا يَرْجِع , هُوَ وَاللَّه الْقَتْل ; فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْب حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْن أَخْطَبَ عَدُوّ اللَّه , وَعَلَيْهِ حُلَّة لَهُ فُقَّاحِيَّة قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَة كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَة أُنْمُلَة أُنْمُلَة , لِئَلَّا يُسْلَبهَا ; مَجْمُوعَة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه بِحَبْلٍ , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتك , وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُل اللَّه يُخْذَل ; ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاس فَقَالَ : أَيّهَا النَّاس , إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّه , كِتَاب اللَّه وَقَدَره , وَمَلْحَمَة قَدْ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقه ; فَقَالَ جَبَل بْن جَوَّال )الثَّعْلَبِيّ : <br>لَعَمْرك مَا لَامَ ابْن أَخْطَبَ نَفْسَهُ .......... وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُل اللَّهَ يُخْذَل <br><br>لَجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَهَا .......... وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلَّ مُقَلْقَل <br>21692 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ عَائِشَة , (قَالَتْ : لَمْ يُقْتَل مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة , قَالَتْ : وَاللَّه إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَك ظُهْرًا , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُل رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ , إِذْ هَتَفَ هَاتِف بِاسْمِهَا : أَيْنَ فُلَانَة ؟ قَالَتْ : أَنَا وَاللَّه . قَالَتْ : قُلْت : وَيْلَك مَا لَك ؟ قَالَتْ : أُقْتَل ؟ قُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَتْ : لِحَدَثٍ أَحْدَثْته ; قَالَ : فَانْطُلِقَ بِهَا , فَضُرِبَتْ عُنُقهَا , فَكَانَتْ عَائِشَة تَقُول : مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْهَا طِيب نَفْس , وَكَثْرَة ضَحِكٍ , وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَل . )21693 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني زَيْد بْن رُومَان ( { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ } وَالصَّيَاصِي : الْحُصُون وَالْآطَام الَّتِي كَانُوا فِيهَا { وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ } . )21694 -حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مَالِك الْبَكْرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح ; وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنِ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة ( { مِنْ صَيَاصِيهمْ } قَالَ : مِنْ حُصُونهمْ . )21695 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { مِنْ صَيَاصِيهمْ } يَقُول : أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهمْ , قَالَ : قُصُورهمْ . )21696 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { مِنْ صَيَاصِيهمْ } : أَيْ مِنْ حُصُونهمْ وَآطَامهمْ . )21697 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ صَيَاصِيهمْ } قَالَ : الصَّيَاصِي : حُصُونهمْ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَتهمْ مِنَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . )وَأَصْل الصَّيَاصِي : جَمْع صِيصَة ; يُقَال : وَعَنَى بِهَا هَهُنَا : حُصُونَهُمْ ; وَالْعَرَب تَقُول لِطَرَفِ الْجَبَل : صِيصَة ; وَيُقَال لِأَصْلِ الشَّيْء : صِيصَة ; يُقَال : جَزّ اللَّه صِيصَةَ فُلَان : أَيْ أَصْله ; وَيُقَال لِشَوْكِ الْحَاكَة : صَيَاصِي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيج الْمُمَدَّد <br>وَهِيَ شَوْكَتَا الدِّيك . وَقَوْله : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمُ الرُّعْبَ } يَقُول : وَأَلْقَى فِي قُلُوبهمُ الْخَوْفَ مِنْكُمْ { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } يَقُول : تَقْتُلُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً , وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ حِين ظَهَرَ عَلَيْهِمْ { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } يَقُول : وَتَأْسِرُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً , وَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمُ الَّذِينَ سُبُوا , كَمَا : 21698 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } الَّذِينَ ضُرِبَتْ أَعْنَاقهمْ { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } الَّذِينَ سُبُوا . )21699 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ( { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } أَيْ قَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ .

إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ

{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } يَقُولُ : وَمَلَّكَكُمْ بَعْدَ مَهْلِكهمْ أَرْضَهُمْ , يَعْنِي مَزَارِعهمْ وَمَغَارِسَهُمْ { وَدِيَارَهُمْ } يَقُول : وَمَسَاكِنَهُمْ { وَأَمْوَالَهُمْ } يَعْنِي سَائِرَ الْأَمْوَال غَيْر الْأَرْض وَالدُّور . (وَقَوْله : { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا , أَيّ أَرْضٍ هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الرُّوم وَفَارِس وَنَحْوهَا مِنَ الْبِلَاد الَّتِي فَتَحَهَا اللَّه بَعْد ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21700 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ) { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : هِيَ الرُّوم وَفَارِس , وَمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ. (وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَكَّةُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ خَيْبَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21701 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَزِيد بْن رُومَان ) { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : خَيْبَر. (21702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ) { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } قَالَ : قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ أَهْلُ الْكِتَاب { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } قَالَ : خَيْبَر. (وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ , وَأَرْضًا لَمْ يَطَئُوهَا يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تَكُنْ مَكَّةَ وَلَا خَيْبَرَ , وَلَا أَرْضَ فَارِس وَالرُّوم وَلَا الْيَمَن , مِمَّا كَانَ وَطِئُوهُ يَوْمَئِذٍ , ثُمَّ وَطِئُوا ذَلِكَ بَعْدُ , وَأَوْرَثَهُمُوهُ اللَّهُ , وَذَلِكَ كُلّه دَاخِل فِي قَوْله { وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْض . { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ اللَّه عَلَى أَنْ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ , وَعَلَى نَصْره إِيَّاهُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأُمُور قُدْرَة , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء حَاوَلَ فِعْله .

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد { لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ } يَقُول فَإِنِّي أُمَتِّعكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الرِّجَال لِلنِّسَاءِ مِنَ الْمُتْعَة عِنْدَ فِرَاقهمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } [2 236 ]وَقَوْله : { وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } يَقُول : وَأُطَلِّقكُنَّ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّه بِهِ , وَأَدَّبَ بِهِ عِبَاده بِقَوْلِهِ : { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [65 1 ] { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } يَقُول : وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ رِضَا اللَّه وَرِضَا رَسُوله وَطَاعَتهمَا فَأَطِعْنَهُمَا { فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ } وَهُنَّ الْعَامِلَات مِنْهُنَّ بِأَمْرِ اللَّه وَأَمْر رَسُوله { أَجْرًا عَظِيمًا } , وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا , إِمَّا زِيَادَة فِي النَّفَقَة , أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَاعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فِيمَا ذُكِرَ , ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الصَّبْر عَلَيْهِ , وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ لَهُنَّ , وَالْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَبَيْن أَنْ يُمَتِّعهُنَّ وَيُفَارِقهُنَّ إِنْ لَمْ يَرْضَيْنَ بِالَّذِي يُقْسَم لَهُنَّ , وَقِيلَ : كَانَ سَبَب ذَلِكَ غَيْرَة كَانَتْ عَائِشَة غَارَتهَا . ذِكْر الرِّوَايَة بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل شَيْء مِنْ النَّفَقَة وَغَيْرهَا . 21703 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , (أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْرُج صَلَوَات , فَقَالُوا : مَا شَأْنه ؟ فَقَالَ عُمَر : إِنْ شِئْتُمْ لَأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ ; فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَتَكَلَّم وَيَرْفَع صَوْتَهُ , حَتَّى أَذِنَ لَهُ . قَالَ : فَجَعَلْت أَقُول فِي نَفْسِي : أَيّ شَيْء أُكَلِّم بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ يَضْحَك , أَوْ كَلِمَة نَحْوَهَا ؟ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ رَأَيْت فُلَانَة وَسَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَصَكَكْتهَا صَكَّة , فَقَالَ : | ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنْكُمْ | ; قَالَ : فَأَتَى حَفْصَة , فَقَالَ : لَا تَسْأَلِي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا , مَا كَانَتْ لَك مِنْ حَاجَة فَإِلَيَّ ; ثُمَّ تَتَبَّعَ نِسَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يُكَلِّمهُنَّ , فَقَالَ لِعَائِشَةَ : أَيَغُرُّك أَنَّك امْرَأَة حَسْنَاء , وَأَنَّ زَوْجَك يُحِبّك ؟ لَتَنْتَهِيَنَّ , أَوْ لَيَنْزِلَنَّ فِيك الْقُرْآن ! قَالَ : فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا ابْن الْخَطَّاب , أَوَمَا بَقِيَ لَك إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ نِسَائِهِ , وَلَنْ تَسْأَل الْمَرْأَة إِلَّا لِزَوْجِهَا ! قَالَ : وَنَزَلَ الْقُرْآن { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى قَوْله { أَجْرًا عَظِيمًا } قَالَ : فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَخَيَّرَهَا , وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ , فَقَالَتْ : هَلْ بَدَأْت بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِك قَبْلِي ؟ قَالَ : | لَا | , قَالَتْ : فَإِنِّي أَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , وَلَا تُخْبِرهُنَّ بِذَلِكَ ; قَالَ : ثُمَّ تَتَبَّعَهُنَّ فَجَعَلَ يُخَيِّرهُنَّ وَيَقْرَأ عَلَيْهِنَّ الْقُرْآنَ , وَيُخْبِرهُنَّ بِمَا صَنَعَتْ عَائِشَة , فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ . )21704 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } . . . إِلَى قَوْله : { أَجْرًا عَظِيمًا } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجَنَّة وَالنَّار فِي شَيْء كُنَّ أَرَدْنَهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَقَالَ عِكْرِمَة فِي غَيْرَة : كَانَتْ غَارَتهَا عَائِشَة , وَكَانَ تَحْته يَوْمئِذٍ تِسْع نِسْوَة , خَمْس مِنْ قُرَيْش : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان , وَسَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , وَأُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة , وَكَانَتْ تَحْته صَفِيَّة ابْنَة حُيَيّ الْخَيْبَرِيَّة , وَمَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة , وَجُوَيْرِيَّة بِنْت الْحَارِث مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِق , وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ , فَلَمَّا اخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , رُئِيَ الْفَرَح فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَتَابَعْنَ كُلّهنَّ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ . )* حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة , (فِي قَوْل اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى قَوْله { عَظِيمًا } قَالَا : أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجَنَّة وَالنَّار ; قَالَ قَتَادَة : وَهِيَ غَيْرَة مِنْ عَائِشَة فِي شَيْء أَرَادَتْهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَكَانَ تَحْتَهُ تِسْع نِسْوَة : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَأُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان , وَسَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , وَأُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة , وَزَيْنَب بِنْت جَحْش , وَمَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة , وَجُوَيْرِيَّة بِنْت الْحَارِث مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِق , وَصَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بْن أَخْطَبَ ; فَبَدَأَ بِعَائِشَة , وَكَانَتْ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ ; فَلَمَّا اخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , رُئِيَ الْفَرَح فِي وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ . )21705 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة قَالَ : (لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّه عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ } [33 52 ]فَقَصَرَهُ اللَّه عَلَيْهِنَّ , وَهُنَّ التِّسْع اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل الْغَيْرَة : 21706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } [33 51 ]الْآيَة , قَالَ : كَانَ أَزْوَاجه قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا , نَزَلَ التَّخْيِير مِنَ اللَّه لَهُ فِيهِنَّ { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } [33 33 ]فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحهُنَّ , وَبَيْن أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ , لَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا , وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ , لِمَنْ وَهَبَ نَفْسَهُ لَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَيُرْجِي مَنْ يَشَاء حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَمَنْ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ , { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ } إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ , إِيثَار بَعْضهنَّ عَلَى بَعْض , أَدْنَى أَنْ يَرْضَيْنَ ; قَالَ : { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } مَنْ ابْتَغَى أَصَابَهُ , وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ , فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا , أَوْ يُفَارِقهُنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَةً بَدْوِيَّة ذَهَبَتْ ; وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ , وَقَدْ شَرَطَ لَهُ هَذَا الشَّرْطَ , مَا زَالَ يَعْدِل بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ . )21707 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (لَمَّا نَزَلَ الْخِيَار , قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنِّي أُرِيد أَنْ أَذْكُر لَك أَمْرًا فَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك | ; قَالَتْ : قُلْت : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : فَرَدَّهُ عَلَيْهَا , فَقَالَتْ : مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : فَقَرَأَ عَلَيْهِنَّ { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . . . إِلَى آخِر الْآيَة ; قَالَتْ : قُلْت : بَلْ نَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; قَالَتْ : فَفَرِحَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (لَمَّا نَزَلَتْ آيَة التَّخْيِير , بَدَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَة , فَقَالَ : | يَا عَائِشَة إِنِّي عَارِض عَلَيْك أَمْرًا فَلَا تَفْتَاتِي فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْك , أَبِي بَكْر وَأُمّ رُومَان | فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّه وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : | قَالَ اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } إِلَى { عَظِيمًا } , فَقُلْت : إِنِّي أُرِيد اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , وَلَا أُؤَامِر فِي ذَلِكَ أَبَوِيّ أَبَا بَكْر وَأُمَّ رُومَان , فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْحُجَرَ فَقَالَ : | إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَا | , فَقُلْنَ : وَنَحْنُ نَقُول مِثْلُ مَا قَالَتْ عَائِشَة. )* حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ ابْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ عَمْرَة , عَنْ عَائِشَة , (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ إِلَى نِسَائِهِ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ , فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : | سَأَذْكُرُ لَك أَمْرًا وَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاك | , فَقُلْت : وَمَا هُوَ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : | إِنِّي أُمِرْت أَنْ أُخَيِّرَكُنَّ | , وَتَلَا عَلَيْهَا آيَة التَّخْيِير إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ ; قَالَتْ : قُلْت : وَمَا الَّذِي تَقُول ؟ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاك , فَإِنِّي أَخْتَار اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَسُرَّ بِذَلِكَ , وَعَرَضَ عَلَى نِسَائِهِ , فَتَتَابَعْنَ كُلّهنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . )* حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُوسَى بْن عَلِيّ , وَيُونُس بْن يَزِيد , عَنِ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : (لَمَّا أُمِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجه , بَدَأَنِي , فَقَالَ : | إِنِّي ذَاكِر لَك أَمْرًا , فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك | ; قَالَتْ : قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ ; قَالَتْ : ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } قَالَتْ : فَقُلْت : فَفِي أَيّ هَذَا أَسْتَأْمِر أَبَوَيَّ ؟ فَإِنِّي أُرِيد اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ; قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل مَا فَعَلْت , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِين قَالَهُ لَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاخْتَرْنَهُ طَلَاقًا مِنْ أَجْل أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَهُ.)

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ

وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة } يَقُول : مَنْ يَزْنِ مِنْكُنَّ الزِّنَا الْمَعْرُوف الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِ الْحَدَّ , يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب عَلَى فُجُورهَا فِي الْآخِرَة ضِعْفَيْنِ عَلَى فُجُور أَزْوَاج النَّاس غَيْرهمْ , كَمَا : 21708 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ } قَالَ : يَعْنِي عَذَاب الْآخِرَة. )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب } بِالْأَلِفِ , غَيْر أَبِي عَمْرو , فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | يُضَعَّف | بِتَشْدِيدِ الْعَيْن تَأَوُّلًا مِنْهُ فِي قِرَاءَته ذَلِكَ أَنَّ يُضَعَّف بِمَعْنَى : تَضْعِيف الشَّيْء مَرَّة وَاحِدَة , وَذَلِكَ أَنْ يُجْعَل الشَّيْء شَيْئَيْنِ , فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدَهُ : أَنْ يَجْعَل عَذَاب مَنْ يَأْتِي مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , مِثْلَيْ عَذَاب سَائِر النِّسَاء غَيْرهنَّ , وَيَقُول : إِنَّ { يُضَاعَف } بِمَعْنَى أَنْ يُجْعَل إِلَى الشَّيْء مِثْلَاهُ , حَتَّى يَكُونَ ثَلَاثَة أَمْثَاله فَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ { يُضَاعَف } عِنْدَهُ كَانَ أَنَّ عَذَابهَا ثَلَاثَة أَمْثَال عَذَاب غَيْرهَا مِنْ النِّسَاء مِنْ غَيْر أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلِذَلِكَ اخْتَارَ | يُضَعَّف | عَلَى يُضَاعَف , وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ يُضَاعَف مَا كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ , وَيَقُولُونَ : لَا نَعْلَم بَيْنَ وَيُضَاعَف وَيُضَعَّف فَرْقًا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَذَلِكَ { يُضَاعَف } , وَأَمَّا التَّأْوِيل الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرو , فَتَأْوِيل لَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم ادَّعَاهُ غَيْره , وَغَيْر أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , وَلَا يَجُوز خِلَاف مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مُجْمِعَة عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ مِنَ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ .|ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ|وَقَوْله : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَتْ مُضَاعَفَة الْعَذَاب عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَلَى اللَّه يَسِيرًا , وَاللَّه أَعْلَم .

وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقْنُت مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُوله وَتَعْمَل صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْكُنَّ وَتَعْمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ { نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } يَقُول : يُعْطِهَا اللَّه ثَوَابَ عَمَلهَا , مِثْلَيْ ثَوَاب عَمَل غَيْرهنَّ مِنْ سَائِر نِسَاء النَّاس { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } يَقُول : وَأَعْتَدْنَا لَهَا فِي الْآخِرَة عَيْشًا هَنِيئًا فِي الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21709 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَنْ يَقْنُت مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُوله } . . . الْآيَة , يَعْنِي : تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . { وَتَعْمَل صَالِحًا } تَصُوم وَتُصَلِّي. )21710 - حَدَّثَنِي سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : (سَأَلْت عَامِرًا عَنْ الْقُنُوت , قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : قُلْت { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [2 238 س . قَالَ : مُطِيعِينَ ; قَالَ : قُلْت { وَمَنْ يَقْنُت مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُوله } قَالَ : يُطِعْنَ. )21711 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَنْ يَقْنُت مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُوله } أَيْ مَنْ يُطِعْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُوله { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } وَهِيَ الْجَنَّة . )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَتَعْمَل صَالِحًا } فَقَرَأَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : { وَتَعْمَل } بِالتَّاءِ رَدًّا عَلَى تَأْوِيل مَنْ إِذْ جَاءَ بَعْدَ قَوْله { مِنْكُنَّ } , وَحَكَى بَعْضهمْ عَنِ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : كَمْ بِيعَ لَك جَارِيَة ؟ وَأَنَّهُمْ إِنْ قَدَّمُوا الْجَارِيَةَ قَالُوا : كَمْ جَارِيَة بِيعَتْ لَك ؟ فَأَنَّثُوا الْفِعْلَ بَعْدَ الْجَارِيَة , وَالْفِعْل فِي الْوَجْهَيْنِ لَكُمْ لَا لِلْجَارِيَةِ , وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَب أَنْشَدَهُ : أَيَا أُمّ عَمْرو مَنْ يَكُنْ عُقْر دَاره جِوَاء عَدِيّ يَأْكُل الْحَشَرَات وَيَسْوَدّ مِنْ لَفْح السُّمُوم جَبِينه وَيَعْرُو إِنْ كَانَ ذَوِي بَكَرَات فَقَالَ : وَإِنْ كَانُوا , وَلَمْ يَقُلْ : وَإِنْ كَانَ , وَهُوَ لِمَنْ , فَرَدَّهُ عَلَى الْمَعْنَى , وَأَمَّا أَهْل الْكُوفَة , فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّائِهَا : | وَيَعْمَل | بِالْيَاءِ عَطْفًا عَلَى يَقْنُت , إِذْ كَانَ الْجَمِيع عَلَى قِرَاءَة الْيَاء , وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي كَلَام الْعَرَب , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَرُدّ خَبَر | مِنْ | أَحْيَانًا عَلَى لَفْظهَا , فَتُوَحِّد وَتُذَكِّر , وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك أَفَأَنْت تُسْمِع الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إِلَيْك } ]10 42 : 43 [فَجَمَعَ مَرَّة لِلْمَعْنَى , وَوَحَّدَ أُخْرَى لِلَّفْظِ .

وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَزْوَاجِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء } مِنْ نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } اللَّه فَأَطَعْتُنَّهُ فِيمَا أَمَرَكُنَّ وَنَهَاكُنَّ , كَمَا : 21712 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء } يَعْنِي مِنْ نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة .)|اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ|وَقَوْله : { فَلَا تَخْضَعْن بِالْقَوْلِ } يَقُول : فَلَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ فِيمَا يَبْتَغِيه أَهْل الْفَاحِشَة مِنْكُنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21713 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا نِسَاءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْن بِالْقَوْلِ } يَقُول : لَا تُرَخِّصْنَ بِالْقَوْلِ , وَلَا تَخْضَعْنَ بِالْكَلَامِ . )21714 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } قَالَ : خُضْع الْقَوْل مَا يُكْرَه مِنْ قَوْل النِّسَاء لِلرِّجَالِ مِمَّا يَدْخُل فِي قُلُوب الرِّجَال .)|بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ|وَقَوْله : { فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض } يَقُول : فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبه ضَعْف ; فَهُوَ لِضَعْفِ إِيمَانه فِي قَلْبه , إِمَّا شَاكّ فِي الْإِسْلَام مُنَافِق , فَهُوَ لِذَلِكَ مِنْ أَمْره يَسْتَخِفّ بِحُدُودِ اللَّه , وَإِمَّا مُتَهَاوِن بِإِتْيَانِ الْفَوَاحِش . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا وَصَفَهُ بِأَنَّ فِي قَلْبه مَرَضًا ; لِأَنَّهُ مُنَافِق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21715 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض } قَالَ : نِفَاق . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ إِتْيَانَ الْفَوَاحِش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21716 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة ( { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض } قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : شَهْوَة الزِّنَا .)|مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا|وَقَوْله : { وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } يَقُول : وَقُلْنَ قَوْلًا قَدْ أَذِنَ اللَّه لَكُمْ بِهِ وَأَبَاحَهُ . كَمَا : 21717 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا } قَالَ : قَوْلًا جَمِيلًا حَسَنًا مَعْرُوفًا فِي الْخَيْر .)

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَرْن فِي بُيُوتكُنَّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَقَرْن } بِفَتْحِ الْقَاف , بِمَعْنَى : وَاقْرَرْنَ فِي بُيُوتكُنَّ , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَذَفَ الرَّاءَ الْأُولَى مِنْ اقْرَرْنَ , وَهِيَ مَفْتُوحَة , ثُمَّ نَقَلَهَا إِلَى الْقَاف , كَمَا قِيلَ : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [56 65 ]وَهُوَ يُرِيد فَظَلِلْتُمْ , فَأُسْقِطَتْ اللَّام الْأُولَى , وَهِيَ مَكْسُورَة , ثُمَّ نُقِلَتْ كَسْرَتهَا إِلَى الظَّاء , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { وَقِرْنَ } بِكَسْرِ الْقَاف , بِمَعْنَى : كُنَّ أَهْل وَقَار وَسَكِينَة { فِي بُيُوتكُنَّ } . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة وَهِيَ الْكَسْر فِي الْقَاف أَوْلَى عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنَ الْوَقَار عَلَى مَا اخْتَرْنَا , فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَاءَة بِكَسْرِ الْقَاف , لِأَنَّهُ يُقَال : وَقِرَ فُلَان فِي مَنْزِله فَهُوَ يَقِر وُقُورًا , فَتُكْسَر الْقَاف فِي تَفْعَل ; فَإِذَا أَمَرَ مِنْهُ قِيلَ : قِرْ , كَمَا يُقَال مِنْ وَزَنَ : يَزِن زِنْ , وَمِنْ وَعَدَ : يَعِد عِدْ , وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقَرَار , فَإِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ : اقْرَرْنَ , لِأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْعَرَب : ظَلْتُ أَفْعَل كَذَا , وَأَحَسْتُ بِكَذَا , فَأَسْقَطَ عَيْنَ الْفِعْل , وَحَوَّلَ حَرَكَتهَا إِلَى فَائِهِ فِي فَعَلَ وَفَعَلْنَا وَفَعَلْتُمْ , لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي , فَلَا يَقُول : ظِلّ قَائِمًا , وَلَا تَظَلّ قَائِمًا , فَلَيْسَ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنْ اعْتَلَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْقَاف فِي ذَلِكَ يَقُول الْعَرَب فِي ظَلِلْت وَأَحْسَسْت ظَلْتُ , وَأَحَسْتُ بِعِلَّةٍ تُوجِب صِحَّته لِمَا وَصَفْت مِنَ الْعِلَّة , وَقَدْ حَكَى بَعْضهمْ عَنْ بَعْض الْأَعْرَاب سَمَاعًا مِنْهُ : يَنْحَطَنَّ مِنْ الْجَبَلِ , وَهُوَ يُرِيد : يَنْحَطِطْنَ , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا , فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّة لِأَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَة مِنَ الْحُجَّة الْأُخْرَى .|وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى|وَقَوْله : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قِيلَ : إِنَّ التَّبَرُّجَ فِي هَذَا الْمَوْضِع التَّبَخْتُر وَالتَّكَسُّر. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21718 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } : أَيْ إِذَا خَرَجْتُنَّ مِنْ بُيُوتكُنَّ ; قَالَ : كَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَة وَتَكَسُّر وَتَغَنُّج , يَعْنِي بِذَلِكَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى فَنَهَاهُنَّ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . )21719 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : سَمِعْت ابْنَ أَبِي نَجِيح , يَقُول فِي قَوْله : ( { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قَالَ : التَّبَخْتُر , وَقِيلَ : إِنَّ التَّبَرُّجَ هُوَ إِظْهَار الزِّينَة , وَإِبْرَاز الْمَرْأَة مَحَاسِنَهَا لِلرِّجَالِ . )وَأَمَّا قَوْله : { تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيل اخْتَلَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ مَا بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 211720 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر ( { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قَالَ : الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى : مَا بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ مَا بَيْن آدَم وَنُوح . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21721 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الْحَكَم ( { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قَالَ : وَكَانَ بَيْن آدَم وَنُوح ثَمَانمِائَةِ سَنَة , فَكَانَ نِسَاؤُهُمْ مِنْ أَقْبَح مَا يَكُون مِنْ النِّسَاء , وَرِجَالهمْ حِسَان , فَكَانَتْ الْمَرْأَة تُرِيد الرَّجُلَ عَلَى نَفْسه , فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ بَيْن نُوح وَإِدْرِيس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21722 - حَدَّثَنِي ابْن زُهَيْر , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , يَعْنِي ابْن أَبِي الْفُرَات , قَالَ : ثنا عِلْبَاء بْن أَحْمَر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قَالَ : كَانَ فِيمَا بَيْن نُوح وَإِدْرِيس , وَكَانَتْ أَلْف سَنَة ; وَإِنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَد آدَم كَانَ أَحَدهمَا يَسْكُن السَّهْلَ , وَالْآخَر يَسْكُن الْجَبَلَ , وَكَانَ رِجَال الْجَبَل صِبَاحًا , وَفِي النِّسَاء دَمَامَة , وَكَانَ نِسَاء السَّهْل صِبَاحًا , وَفِي الرِّجَال دَمَامَة , وَإِنَّ إِبْلِيس أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْل السَّهْل فِي صُورَة غُلَام , فَأَجَرَ نَفْسَهُ مِنْهُ , وَكَانَ يَخْدُمهُ , وَاتَّخَذَ إِبْلِيس شَيْئًا مِثْل ذَلِكَ الَّذِي يُزَمِّر فِيهِ الرِّعَاء , فَجَاءَ فِيهِ بِصَوْتٍ لَمْ يُسْمَع مِثْله , فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ حَوْلهمْ , فَانْتَابُوهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ , وَاتَّخَذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَة , فَتَتَبَرَّجَ الرِّجَال لِلنِّسَاءِ . قَالَ : وَيَتَزَيَّن النِّسَاء لِلرِّجَالِ , وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْجَبَل هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عِيدهمْ ذَلِكَ , فَرَأَى النِّسَاءَ , فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ , فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِنَّ , فَنَزَلُوا مَعَهُنَّ , فَظَهَرَتْ الْفَاحِشَة فِيهِنَّ , فَهُوَ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره نَهَى نِسَاء النَّبِيِّ أَنْ يَتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى , وَجَائِز أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَم وَعِيسَى , فَيَكُون مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَام , فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَفِي الْإِسْلَام جَاهِلِيَّة حَتَّى يُقَال : عَنَى بِقَوْلِهِ { الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَام ؟ قِيلَ : فِيهِ أَخْلَاق مِنْ أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة . كَمَا : 21723 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } قَالَ : يَقُول : الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْإِسْلَام , قَالَ : وَفِي الْإِسْلَام جَاهِلِيَّة ؟ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاء , وَقَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُنَازِعهُ : يَا ابْن فُلَانَة , لِأُمٍّ كَانَ يُعَيِّرهُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا أَبَا الدَّرْدَاء إِنَّ فِيك جَاهِلِيَّة | , قَالَ : أَجَاهِلِيَّة كُفْر أَوْ إِسْلَام ؟ قَالَ : | بَلْ جَاهِلِيَّة كُفْر | , قَالَ : فَتَمَنَّيْت أَنْ لَوْ كُنْت ابْتَدَأْت إِسْلَامِي يَوْمَئِذٍ . قَالَ : وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | ثَلَاث مِنْ عَمَل أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يَدَعهُنَّ النَّاس : الطَّعْن بِالْأَنْسَابِ , وَالِاسْتِمْطَار بِالْكَوَاكِبِ , وَالنِّيَاحَة . )21724 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بْن بِلَال , عَنْ ثَوْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب , قَالَ لَهُ : (أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } هَلْ كَانَتْ إِلَّا وَاحِدَة , فَقَالَ ابْن عَبَّاس : وَهَلْ كَانَتْ مِنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَة ؟ فَقَالَ عُمَر : لِلَّهِ دَرّك يَا ابْنَ عَبَّاس , كَيْفَ قُلْت ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , هَلْ كَانَتْ مِنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَة ؟ قَالَ : فَأْتِ بِتَصْدِيقِ مَا تَقُول مِنْ كِتَاب اللَّه , قَالَ : نَعَمْ { وَجَاهِدُوا فِي اللَّه حَقَّ جِهَاده } [22 78 ]كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّة . قَالَ عُمَر : فَمَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ ؟ قَالَ : قَبِيلَتَانِ مِنْ قُرَيْش : مَخْزُوم , وَبَنُو عَبْد شَمْس , فَقَالَ عُمَر : صَدَقْت . )وَجَائِز أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْن آدَم وَنُوح , وَجَائِز أَنْ يَكُونَ مَا بَيْن إِدْرِيس وَنُوح , فَتَكُون الْجَاهِلِيَّة الْآخِرَة , مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّد , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلهُ ظَاهِر التَّنْزِيل . فَالصَّوَاب أَنْ يُقَال فِي ذَلِكَ , كَمَا قَالَ اللَّه : إِنَّهُ نَهَى عَنْ تَبَرُّج الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى .|وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا|وَقَوْله : { وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ } يَقُول : وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ , وَآتِينَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْكُنَّ فِي أَمْوَالكُنَّ { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فِيمَا أَمَرَاكُنَّ وَنَهَيَاكُنَّ { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت } يَقُول : إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ يَا أَهْلَ بَيْت مُحَمَّد , وَيُطَهِّرَكُمْ مِنْ الدَّنَس الَّذِي يَكُون فِي أَهْل مَعَاصِي اللَّه تَطْهِيرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21725 - بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } فَهُمْ أَهْل بَيْت طَهَّرَهُمْ اللَّه مِنْ السُّوء , وَخَصَّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ . )21726 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَ : الرِّجْس هَا هُنَا : الشَّيْطَان , وَسِوَى ذَلِكَ مِنْ الرِّجْس : الشِّرْك. )اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ { أَهْلَ الْبَيْت } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21727 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَكْر بْن يَحْيَى بْن زَبَّانَ الْعَنَزِيّ , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي خَمْسَة : فِيَّ , وَفِي عَلِيّ , وَحَسَن , وَحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا | { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . )21728 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ مُصْعَب بْن شَيْبَة , عَنْ صَفِيَّة بِنْت شَيْبَةَ قَالَتْ : قَالَتْ عَائِشَة : (خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات غَدَاة , وَعَلَيْهِ مِرْط مُرَجَّل مِنْ شَعْر أَسْوَد , فَجَاءَ الْحَسَن , فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ , ثُمَّ قَالَ : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . )21729 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أَنَس (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ سِتَّة أَشْهَر , كُلَّمَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَيَقُول : | الصَّلَاة أَهْل الْبَيْت | { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . )21730 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم بْن سُوَيْد النَّخَعِيّ , عَنْ هِلَال , يَعْنِي ابْن مِقْلَاص , عَنْ زُبَيْد , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أُمّ سَلَمَة , قَالَتْ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي , وَعَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن , فَجَعَلْت لَهُمْ خَزِيرَة , فَأَكَلُوا وَنَامُوا , وَغَطَّى عَلَيْهِمْ عَبَاءَة أَوْ قَطِيفَة , ثُمَّ قَالَ : | اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي , أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْس وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا | . 21731 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو دَاوُدَ , عَنْ أَبِي الْحَمْرَاء , قَالَ : (رَابَطْت الْمَدِينَة سَبْعَة أَشْهُر عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْر , جَاءَ إِلَى بَاب عَلِيّ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ : | الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ | { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . )* حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 21732 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ كُلْثُوم الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَبِي عَمَّار , قَالَ : (إِنِّي لَجَالِس عِنْدَ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع إِذْ ذَكَرُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَشَتَمُوهُ ; فَلَمَّا قَامُوا , قَالَ : اجْلِسْ حَتَّى أُخْبِرَك عَنْ هَذَا الَّذِي شَتَمُوا , إِنِّي عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ جَاءَهُ عَلِيّ وَفَاطِمَة وَحَسَن وَحُسَيْن , فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاء لَهُ , ثُمَّ قَالَ : | اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي , اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْس وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا | . قُلْت : يَا رَسُول اللَّه وَأَنَا ؟ قَالَ : | وَأَنْتَ | ; قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي . )* حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , قَالَ : ثني شَدَّاد أَبُو عَمَّار قَالَ : سَمِعْت وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع يُحَدِّث , قَالَ : (سَأَلْت عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي مَنْزِله , فَقَالَتْ فَاطِمَة : قَدْ ذَهَبَ يَأْتِي بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ جَاءَ , فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلْت , فَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِرَاش وَأَجْلَسَ فَاطِمَةَ عَنْ يَمِينه , وَعَلِيًّا عَنْ يَسَاره وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا بَيْن يَدَيْهِ , فَلَفَعَ عَلَيْهِمْ بِثَوْبِهِ وَقَالَ : وَ { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي , اللَّهُمَّ أَهْلِي أَحَقُّ | . قَالَ وَاثِلَة : فَقُلْت مِنْ نَاحِيَة الْبَيْت : وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّه مِنْ أَهْلِك ؟ قَالَ : | وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي | , قَالَ وَاثِلَة : إِنَّهَا لَمِنْ أَرْجَى مَا أَرْتَجِي . )* حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَامَ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّةَ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنْ أُمّ سَلَمَةَ , قَالَتْ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا , فَجَلَّلَ عَلَيْهِمْ كِسَاءَ خَيْبَرِيًّا , فَقَالَ : | اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي , اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا | قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ : أَلَسْت مِنْهُمْ ؟ قَالَ : أَنْتَ إِلَى خَيْر . )21733 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَرْبِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ أُمّ سَلَمَةَ , قَالَتْ : (جَاءَتْ فَاطِمَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْمَةٍ لَهَا قَدْ صَنَعَتْ فِيهَا عَصِيدَةً تَحِلّهَا عَلَى طَبَق , فَوَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ : | وَأَيْنَ ابْن عَمّك وَابْنَاك ؟ | فَقَالَتْ : فِي الْبَيْت , فَقَالَ : | ادْعِيهِمْ | , فَجَاءَتْ إِلَى عَلِيّ , فَقَالَتْ : أَجِبْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ وَابْنَاك. قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ : فَلَمَّا رَآهُمْ مُقْبِلِينَ مَدّ يَدَهُ إِلَى كِسَاء كَانَ عَلَى الْمَنَامَة فَمَدَّهُ وَبَسَطَهُ وَأَجْلَسَهُمْ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَخَذَ بِأَطْرَافِ الْكِسَاء الْأَرْبَعَة بِشِمَالِهِ , فَضَمَّهُ فَوْقَ رُءُوسهمْ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى إِلَى رَبّه , فَقَالَ : | هَؤُلَاءِ أَهْل الْبَيْت , فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا . )21734 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي بَيْتهَا { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَتْ : وَأَنَا جَالِسَة عَلَى بَاب الْبَيْت , فَقُلْت : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه أَلَسْت مِنْ أَهْل الْبَيْت ؟ قَالَ : | إِنَّك إِلَى خَيْر , أَنْتِ مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | قَالَتْ : وَفِي الْبَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . )21735 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن يَعْقُوب , قَالَ : ثني هَاشِم بْن هَاشِم بْن عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَهْب بْن زَمْعَةَ , قَالَ : أَخْبَرَتْنِي أُمّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ عَلِيًّا وَالْحَسَنَيْنِ , ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ تَحْتَ ثَوْبه , ثُمَّ جَأَرَ إِلَى اللَّه , ثُمَّ قَالَ : | هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي | , فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّه أَدْخِلْنِي مَعَهُمْ , قَالَ : | إِنَّك مِنْ أَهْلِي . )21736 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن عُبَيْد الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْت أُمّ سَلَمَةَ { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } فَدَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَفَاطِمَة , فَأَجْلَسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ , وَدَعَا عَلِيًّا فَأَجْلَسَهُ خَلْفَهُ , فَتَجَلَّلَ هُوَ وَهُمْ بِالْكِسَاءِ ثُمَّ قَالَ : وَهَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي , فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا | - قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : أَنَا مَعَهُمْ مَكَانَك وَأَنْتِ عَلَى خَيْر . )21737 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَانَ , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن يَحْيَى الْمُرِّيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي الدَّيْلَم , قَالَ : (قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الشَّام : أَمَا قَرَأْت فِي الْأَحْزَاب : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَ : وَلَأَنْتُمْ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . )21738 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا بُكَيْر بْن مِسْمَار , قَالَ : سَمِعْت عَامِر بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ سَعْد : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي , فَأَخَذَ عَلِيًّا وَابْنَيْهِ وَفَاطِمَةَ , وَأَدْخَلَهُمْ تَحْتَ ثَوْبه , ثُمَّ قَالَ : | رَبِّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَأَهْل بَيْتِي . )21739 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْقُدُّوس , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ حَكِيم بْن سَعْد , قَالَ : (ذَكَرْنَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عِنْدَ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ : فِيهِ نَزَلَتْ : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ : جَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِي , فَقَالَ : | لَا تَأْذَنِي لِأَحَدٍ | , فَجَاءَتْ فَاطِمَة , فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَحْجُبهَا عَنْ أَبِيهَا , ثُمَّ جَاءَ الْحَسَن , فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَمْنَعَهُ أَنْ يَدْخُل عَلَى جَدّه وَأُمّه , وَجَاءَ الْحُسَيْن , فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَحْجُبهُ , فَاجْتَمَعُوا حَوْلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِسَاط , فَجَلَّلَهُمْ نَبِيّ اللَّه بِكِسَاءٍ كَانَ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : | هَؤُلَاءِ أَهْل بَيْتِي , فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْبِسَاط ; قَالَتْ : فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه : وَأَنَا , قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ وَقَالَ : | إِنَّك إِلَى خَيْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَزْوَاجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21740 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْأَصْبَغُ , عَنْ عَلْقَمَةَ , قَالَ : كَانَ عِكْرِمَة يُنَادِي فِي السُّوق : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة .

أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَزْوَاجِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْنَ نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُنَّ , بِأَنْ جَعَلَكُنَّ فِي بُيُوت تُتْلَى فِيهَا آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة , فَاشْكُرْنَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ , وَاحْمَدْنَهُ عَلَيْهِ ; وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه } وَاذْكُرْنَ مَا يُقْرَأ فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات كِتَاب اللَّه وَالْحِكْمَة ; وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ : مَا أُوحِيَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْكَام دِين اللَّه , وَلَمْ يَنْزِل بِهِ قُرْآن , وَذَلِكَ السُّنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21741 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة } : أَيْ السُّنَّة , قَالَ : يَمْتَنّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا لُطْف بِكُنَّ , إِذْ جَعَلَكُنَّ فِي الْبُيُوت الَّتِي تُتْلَى فِيهَا آيَاته وَالْحِكْمَة , خَبِيرًا بِكُنَّ إِذْ اخْتَارَكُنَّ لِرَسُولِهِ أَزْوَاجًا.)

قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَات وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَات وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَات وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَات وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَات وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَات أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْمُتَذَلِّلِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالْمُتَذَلِّلَات , وَالْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَات رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات لِلَّهِ , وَالْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَالْمُطِيعَات لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ , وَالصَّادِقِينَ لِلَّهِ فِيمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ وَالصَّادِقَات فِيهِ , وَالصَّابِرِينَ لِلَّهِ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء عَلَى الثَّبَات عَلَى دِينه , وَحِينَ الْبَأْس وَالصَّابِرَات , وَالْخَاشِعَة قُلُوبهمْ لِلَّهِ وَجَلًا مِنْهُ وَمِنْ عِقَابه وَالْخَاشِعَات , وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَات , وَهُمْ الْمُؤَدُّونَ حُقُوقَ اللَّه مِنْ أَمْوَالهمْ وَالْمُؤَدِّيَات , وَالصَّائِمِينَ شَهْرَ رَمَضَان الَّذِي فَرَضَ اللَّه صَوْمه عَلَيْهِمْ وَالصَّائِمَات , الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ , وَالْحَافِظَات ذَلِكَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهنَّ إِنْ كُنَّ حَرَائِر , أَوْ مَنْ مَلَكهنَّ إِنْ كُنَّ إِمَاء , وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتهمْ وَجَوَارِحهمْ وَالذَّاكِرَات , كَذَلِكَ أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ , وَأَجْرًا عَظِيمًا : يَعْنِي ثَوَابًا فِي الْآخِرَة عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالهمْ عَظِيمًا , وَذَلِكَ الْجَنَّة. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21742 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (دَخَلَ نِسَاء عَلَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْنَ : قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَلَمْ نُذْكَر بِشَيْءٍ , أَمَا فِينَا مَا يُذْكَر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات } : أَيْ الْمُطِيعِينَ وَالْمُطِيعَات { وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَات } : أَيْ الْخَائِفِينَ وَالْخَائِفَات { أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مَغْفِرَة } لِذُنُوبِهِمْ { وَأَجْرًا عَظِيمًا } فِي الْجَنَّة . )21743 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَجْرًا عَظِيمًا } قَالَ : الْجَنَّة وَفِي قَوْله : { وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات } قَالَ : الْمُطِيعِينَ وَالْمُطِيعَات . )21744 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر , قَالَ : (الْقَانِتَات : وَالْمُطِيعَات . )21745 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : (يَا رَسُولَ اللَّه يُذْكَر الرِّجَال وَلَا نُذْكَر , فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } )* حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , أَنَّ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , حَدَّثَهُ , عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : قُلْت : (يَا رَسُولَ اللَّه , أَيُذْكَرُ الرِّجَال فِي كُلّ شَيْء , وَلَا نُذْكَر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } . . . . الْآيَة . )21746 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سَيَّار بْن مُظَاهِر الْعَنَزِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْن مُهَلَّب , عَنْ قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : (قَالَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَالَهُ يَذْكُر الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا يَذْكُر الْمُؤْمِنَات ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } . . . الْآيَةَ . )21747 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } قَالَ : قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لِلنِّسَاءِ لَا يُذْكَرْنَ مَعَ الرِّجَال فِي الصَّلَاح ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . )21748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمَعْمَر , قَالَ : ثنا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن حَكِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن شَيْبَة , قَالَ : سَمِعْت أُمّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُول : (قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّه , مَا لَنَا لَا نُذْكَر فِي الْقُرْآن كَمَا يُذْكَر الرِّجَال ؟ قَالَتْ : فَلَمْ يَرُعْنِي ذَاتَ يَوْم ظُهْرًا إِلَّا نِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَر وَأَنَا أُسَرِّح رَأْسِي , فَلَفَفْت شَعْرِي ثُمَّ خَرَجْت إِلَى حُجْرَة مِنْ حُجَرهنَّ , فَجَعَلْت سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيد , فَإِذَا هُوَ يَقُول عَلَى الْمِنْبَر : | يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّهَ يَقُول فِي كِتَابه | : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } . . . . إِلَى قَوْله : { أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا } )

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَكُنْ لِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله فِي أَنْفُسهمْ قَضَاء أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ أَمْرهمْ غَيْر الَّذِي قَضَى فِيهِمْ , وَيُخَالِفُوا أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله وَقَضَاءَهُمَا فَيَعْصُوهُمَا , وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَا أَوْ نَهَيَا { فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } يَقُول : فَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَسَلَكَ غَيْرَ سَبِيل الْهُدَى وَالرَّشَاد . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي زَيْنَب بِنْت جَحْش حِين خَطَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَتَاهُ زَيْد بْن حَارِثَة , فَامْتَنَعَتْ مِنْ إِنْكَاحه نَفْسَهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21749 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا } . . . . إِلَى آخِر الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ يَخْطُب عَلَى فَتَاهُ زَيْد بْن حَارِثَة , فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْش الْأَسَدِيَّة فَخَطَبَهَا , فَقَالَتْ : لَسْت بِنَاكِحَتِهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَانْكِحِيهِ | , فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه أُؤَامَر فِي نَفْسِي ! فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة } . . . إِلَى قَوْله : { ضَلَالًا مُبِينًا } قَالَتْ : قَدْ رَضِيته لِي يَا رَسُول اللَّه مَنْكَحًا ؟ قَالَ : | نَعَمْ | , قَالَتْ : إِذَنْ لَا أَعْصِي رَسُولَ اللَّه , قَدْ أَنْكَحْته نَفْسِي . )21750 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ } قَالَ : زَيْنَب بِنْت جَحْش وَكَرَاهَتهَا نِكَاحَ زَيْد بْن حَارِثَة حِين أَمَرَهَا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )21751 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي زَيْنَب بِنْت جَحْش , وَكَانَتْ بِنْت عَمَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَطَبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضِيَتْ , وَرَأَتْ أَنَّهُ يَخْطُبهَا عَلَى نَفْسه ; فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ يَخْطُبهَا عَلَى زَيْد بْن حَارِثَة أَبَتْ وَأَنْكَرَتْ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ } قَالَ : فَتَابَعَتْهُ بَعْد ذَلِكَ وَرَضِيَتْ . )21752 - حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْد الْوَصَّافِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حِمْيَر , قَالَ : ثنا ابْن لَهِيعَة , عَنِ ابْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب بِنْت جَحْش لِزَيْدِ بْن حَارِثَة , فَاسْتَنْكَفَتْ مِنْهُ وَقَالَتْ : أَنَا خَيْر مِنْهُ حَسَبًا , وَكَانَتْ امْرَأَة فِيهَا حِدَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا } . . الْآيَة كُلّهَا . )وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَذَلِكَ أَنَّهَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَوَّجَهَا زَيْد بْن حَارِثَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21753 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا } . . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَكَانَتْ مِنْ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ النِّسَاء , فَوَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَوَّجَهَا زَيْدَ بْن حَارِثَة , فَسَخِطَتْ هِيَ وَأَخُوهَا , وَقَالَا : إِنَّمَا أَرَدْنَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجْنَا عَبْدَهُ ! قَالَ : فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ } . . . إِلَى آخِر الْآيَة قَالَ : وَجَاءَ أَمْر أَجْمَع مِنْ هَذَا : { النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ } [33 6 ]. قَالَ : فَذَاكَ خَاصّ , وَهَذَا إِجْمَاع .)

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتَابًا مِنَ اللَّه لَهُ { وَ } اذْكُرْ يَا مُحَمَّد { إِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ } بِالْهِدَايَةِ { وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ } بِالْعِتْقِ , يَعْنِي زَيْد بْن حَارِثَة مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ } , وَذَلِكَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْت جَحْش فِيمَا ذُكِرَ رَآهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَتْهُ , وَهِيَ فِي حِبَال مَوْلَاهُ , فَأُلْقِيَ فِي نَفْس زَيْد كَرَاهَتهَا لِمَا عَلِمَ اللَّه مِمَّا وَقَعَ فِي نَفْس نَبِيّه مَا وَقَعَ , فَأَرَادَ فِرَاقَهَا , فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدٌ , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك } وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ أَنْ تَكُونَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ لِيَنْكِحَهَا , { وَاتَّقِ اللَّهَ } وَخَفْ اللَّه فِي الْوَاجِب لَهُ عَلَيْك فِي زَوْجَتك { وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } يَقُول : وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَحَبَّة فِرَاقه إِيَّاهَا لِتَتَزَوَّجهَا إِنْ هُوَ فَارَقَهَا , وَاللَّه مُبْدٍ مَا تُخْفِي فِي نَفْسك مِنْ ذَلِكَ { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَخَاف أَنْ يَقُول النَّاس : أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَته وَنَكَحَهَا حِين طَلَّقَهَا , وَاللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ مِنَ النَّاس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21754 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ } وَهُوَ زَيْد أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ , وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَعْتَقَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } قَالَ : وَكَانَ يُخْفِي فِي نَفْسه وَدَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا . قَالَ الْحَسَن : مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ آيَة كَانَتْ أَشَدّ عَلَيْهِ مِنْهَا قَوْله : { وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } وَلَوْ كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَهَا { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } قَالَ : خَشِيَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَة النَّاس . )21755 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَوَّجَ زَيْد بْن حَارِثَة زَيْنَب بِنْت جَحْش , ابْنَة عَمَّته , فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُرِيدهُ وَعَلَى الْبَاب سِتْر مِنْ شَعْر , فَرَفَعَتْ الرِّيح السِّتْر فَانْكَشَفَ , وَهِيَ فِي حُجْرَتهَا حَاسِرَة , فَوَقَعَ إِعْجَابهَا فِي قَلْب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ كُرِّهَتْ إِلَى الْآخَر , فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه , إِنِّي أُرِيد أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي , قَالَ : | مَالَك , أَرَابَك مِنْهَا شَيْءٌ ؟ | قَالَ : لَا , وَاللَّه مَا رَابَنِي مِنْهَا شَيْء يَا رَسُولَ اللَّه , وَلَا رَأَيْت إِلَّا خَيْرًا , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ | , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّه وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } تُخْفِي فِي نَفْسك إِنْ فَارَقَهَا تَزَوَّجْتهَا . )21756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الْجُرَشِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَبِي حَمْزَة , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( { وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } فِي زَيْنَب بِنْت جَحْش . )21757 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَانَ , عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن , قَالَ : (كَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجه , فَلَمَّا أَتَاهُ زَيْد يَشْكُوهَا قَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك , قَالَ اللَّه : { وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه } . )21758 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِر , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (لَوْ كَتَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَاب اللَّه لَكَتَمَ : { وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } .)

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيّ مِنْ حَرَج فِيمَا فَرَضَ اللَّه لَهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ عَلَى النَّبِيّ مِنْ حَرَج مِنْ إِثْم فِيمَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ مِنْ نِكَاح امْرَأَة مَنْ تَبَنَّاهُ بَعْدَ فِرَاقه إِيَّاهَا , كَمَا : 21763 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيّ مِنْ حَرَج فِيمَا فَرَضَ اللَّه لَهُ } : أَيْ أَحَلَّ اللَّه لَهُ .)|سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ|وَقَوْله : { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل } يَقُول : لَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى لِيُؤْثِم نَبِيَّهُ فِيمَا أَحَلَّ لَهُ مِثَالَ فِعْله بِمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الرُّسُل الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِمْهُمْ بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ , لَمْ يَكُنْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَخْشَى النَّاسَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ أَوْ أَحَلَّهُ لَهُ , وَنُصِبَ قَوْله : { سُنَّةَ اللَّه } عَلَى مَعْنَى : حَقًّا مِنَ اللَّه , كَأَنَّهُ قَالَ : فَعَلْنَا ذَلِكَ سُنَّةً مِنَّا.|وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا|وَقَوْله : { وَكَانَ أَمْر اللَّه قَدَرًا مَقْدُورًا } يَقُول : وَكَانَ أَمْر اللَّه قَضَاء مَقْضِيًّا , وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 21764 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَكَانَ أَمْر اللَّه قَدَرًا مَقْدُورًا } إِنَّ اللَّهَ كَانَ عِلْمه مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا , فَأَتَمَّهُ فِي عِلْمه أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا , وَيَأْمُرَهُمْ وَيَنْهَاهُمْ , وَيَجْعَلَ ثَوَابًا لِأَهْلِ طَاعَته , وَعِقَابًا لِأَهْلِ مَعْصِيَتَهُ ; فَلَمَّا ائْتَمَرَ ذَلِكَ الْأَمْر قَدَّرَهُ , فَلَمَّا قَدَّرَهُ كَتَبَ وَغَابَ عَلَيْهِ , فَسَمَّاهُ الْغَيْب وَأُمّ الْكِتَاب , وَخَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَاب أَرْزَاقهمْ وَآجَالهمْ وَأَعْمَالهمْ , وَمَا يُصِيبهُمْ مِنَ الْأَشْيَاء مِنْ الرَّخَاء وَالشِّدَّة مِنَ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ أَنَّهُ يُصِيبهُمْ ; وَقَرَأَ : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنَ الْكِتَاب حَتَّى } [7 37 ]إِذَا نَفِدَ ذَلِكَ { جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } [7 37 ]وَأَمَرَ اللَّه الَّذِي ائْتَمَرَ قَدَّرَهُ حِينَ قَدَّرَهُ مُقَدَّرًا , فَلَا يَكُون إِلَّا مَا فِي ذَلِكَ , وَمَا فِي ذَلِكَ الْكِتَاب , وَفِي ذَلِكَ التَّقْدِير , ائْتَمَرَ أَمْرًا ثُمَّ قَدَّرَهُ , ثُمَّ خَلَقَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : كَانَ أَمْر اللَّه الَّذِي مَضَى وَفَرَغَ مِنْهُ , وَخَلَقَ عَلَيْهِ الْخَلْق { قَدَرًا مَقْدُورًا } شَاءَ أَمْرًا لِيُمْضِيَ بِهِ أَمْرَهُ وَقَدَرَهُ , وَشَاءَ أَمْرًا يَرْضَاهُ مِنْ عِبَاده فِي طَاعَته ; فَلَمَّا أَنْ كَانَ الَّذِي شَاءَ مِنْ طَاعَته لِعِبَادِهِ رَضِيَهُ لَهُمْ , وَلَمَّا أَنْ كَانَ الَّذِي شَاءَ أَرَادَ أَنْ يَنْفُذ فِيهِ أَمْره وَتَدْبِيرَهُ وَقَدَرَهُ , وَقَرَأَ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس } [7 179 ]فَشَاءَ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْل النَّار , وَشَاءَ أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالَ أَهْل النَّار , فَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّة عَمَلهمْ } [6 108 ]وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْل أَوْلَادهمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيَرُدُّوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } [6 137 ]هَذِهِ أَعْمَال أَهْل النَّار { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا فَعَلُوهُ } [6 137 ]قَالَ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ } [6 112 س إِلَى قَوْله : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّك مَا فَعَلُوهُ } وَقَرَأَ : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانهمْ } . . . إِلَى { كُلّ شَيْء قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه } أَنْ يُؤْمِنُوا بِذَلِكَ , قَالَ : فَأَخْرَجُوهُ مِنْ اسْمه الَّذِي تَسَمَّى بِهِ , قَالَ : هُوَ الْفَعَّال لِمَا يُرِيد , فَزَعَمُوا أَنَّهُ مَا أَرَادَ .)

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل مُحَمَّد مِنْ الرُّسُل , الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ , وَيَخَافُونَ اللَّهَ فِي تَرْكهمْ تَبْلِيغَ ذَلِكَ إِيَّاهُمْ , وَلَا يَخَافُونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّهُمْ إِيَّاهُ يَرْهَبُونَ إِنْ هُمْ قَصَّرُوا عَنْ تَبْلِيغهمْ رِسَالَةَ اللَّه إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ . يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : فَمِنْ أُولَئِكَ الرُّسُل الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , فَكُنْ وَلَا تَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّ اللَّهَ يَمْنَعك مِنْ جَمِيع خَلْقه , وَلَا يَمْنَعك أَحَد مِنْ خَلْقه مِنْهُ , إِنْ أَرَادَ بِك سُوءًا . | وَالَّذِينَ | مِنْ قَوْله : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه } خَفَضَ رَدًّا عَلَى | الَّذِينَ | الَّتِي فِي قَوْله : { سُنَّةَ اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا } , وَقَوْله : { وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَفَاك يَا مُحَمَّد بِاللَّهِ حَافِظًا لِأَعْمَالِ خَلْقه , وَمُحَاسِبًا لَهُمْ عَلَيْهَا.

مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ وَلَكِنْ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَانَ أَيّهَا النَّاس مُحَمَّد أَبَا زَيْد بْن حَارِثَة , وَلَا أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ , الَّذِينَ لَمْ يَلِدهُ مُحَمَّد , فَيَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاح زَوْجَته بَعْد فِرَاقه إِيَّاهَا , وَلَكِنَّهُ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ , الَّذِي خَتَمَ النُّبُوَّة فَطُبِعَ عَلَيْهَا , فَلَا تُفْتَح لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إِلَى قِيَام السَّاعَة , وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ وَمَقَالكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ ذَا عِلْم لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21765 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيدُ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي زَيْد , إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِابْنِهِ ; وَلَعَمْرِي وَلَقَدْ وُلِدَ لَهُ ذُكُور , إِنَّهُ لَأَبُو الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم وَالطَّيِّب وَالْمُطَهَّر { وَلَكِنْ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ } : أَيْ آخِرهمْ { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا } . )21766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن قَادِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ نُسَيْر بْن ذُعْلُوق , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن فِي قَوْله : { مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي زَيْد بْن حَارِثَة . وَالنَّصْب فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى تَكْرِير كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالرَّفْع بِمَعْنَى الِاسْتِئْنَاف , وَلَكِنْ هُوَ رَسُول اللَّه , وَالْقِرَاءَة النَّصْب عِنْدنَا . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَخَاتَم النَّبِيِّينَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى الْحَسَن وَعَاصِم بِكَسْرِ التَّاء مِنْ خَاتِم النَّبِيِّينَ , بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَ النَّبِيِّينَ , ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : { وَلَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ } فَذَلِكَ دَلِيل عَلَى صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ التَّاء , بِمَعْنَى أَنَّهُ الَّذِي خَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ ; وَقَرَأَ ذَلِكَ فِيمَا يُذْكَر الْحَسَن وَعَاصِم : { خَاتَم النَّبِيِّينَ } بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى أَنَّهُ آخِر النَّبِيِّينَ , كَمَا قَرَأَ : | مَخْتُوم خَاتَمه مِسْك | بِمَعْنَى : آخِره مِسْك مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ .

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ اذْكُرُوا اللَّهَ بِقُلُوبِكُمْ وَأَلْسِنَتكُمْ وَجَوَارِحكُمْ ذِكْرًا كَثِيرًا , فَلَا تَخْلُو أَبْدَانكُمْ مِنْ ذِكْره فِي حَال مِنْ أَحْوَال طَاقَتكُمْ ذَلِكَ

مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ

{ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا } يَقُول : صَلُّوا لَهُ غَدْوَة صَلَاةَ الصُّبْح , وَعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْر .

بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ

وَقَوْله : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَته } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : رَبّكُمْ الَّذِي تَذْكُرُونَهُ الذِّكْر الْكَثِيرَ , وَتُسَبِّحُونَهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا , إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ , الَّذِي يَرْحَمكُمْ , وَيُثْنِي عَلَيْكُمْ هُوَ , وَيَدْعُو لَكُمْ مَلَائِكَته , وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : { يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَته } يُشِيع عَنْكُمْ الذِّكْر الْجَمِيلَ فِي عِبَاد اللَّه , وَقَوْله : { لِيُخْرِجكُمْ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور } يَقُول : تَدْعُو مَلَائِكَة اللَّه لَكُمْ , فَيُخْرِجكُمْ اللَّه مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى , وَمِنَ الْكُفْر إِلَى الْإِسْلَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21767 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } يَقُول : لَا يَفْرِض عَلَى عِبَاده فَرِيضَة إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا , ثُمَّ عَذَرَ أَهْلهَا فِي حَال عُذْر , غَيْر الذِّكْر , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَل لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَلَمْ يَعْذِر أَحَدًا فِي تَرْكه إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْله , قَالَ : { اذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبكُمْ } [4 103 ]بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , وَفِي السَّفَر وَالْحَضَر , وَالْغِنَى وَالْفَقْر , وَالسَّقَم وَالصِّحَّة , وَالسِّرّ وَالْعَلَانِيَة , وَعَلَى كُلّ حَال , وَقَالَ : { سَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا } فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَيْكُمْ هُوَ وَمَلَائِكَته قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَته } . )21768 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلًا } صَلَاة الْغَدَاة , وَصَلَاة الْعَصْر . )وَقَوْله : { لِيُخْرِجكُمْ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور } : أَيْ مِنْ الضَّلَالَات إِلَى الْهُدَى . 21769 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَته لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور } قَالَ : مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى , قَالَ : وَالضَّلَالَة : الظُّلُمَات , وَالنُّور : الْهُدَى .)|وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا|وَقَوْله : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَرَسُوله ذَا رَحْمَة أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُطِيعُونَ , وَلِأَمْرِهِ مُتَّبِعُونَ

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ

{ تَحِيَّتهمْ يَوْم يَلْقَوْنَهُ سَلَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : تَحِيَّة هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَة فِي الْجَنَّة سَلَام , يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَمَنَة لَنَا وَلَكُمْ بِدُخُولِنَا هَذَا الْمَدْخَلَ مِنْ اللَّه أَنْ يُعَذِّبَنَا بِالنَّارِ أَبَدًا , كَمَا : 21770 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { تَحِيَّتهمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَام } قَالَ : تَحِيَّة أَهْل الْجَنَّة السَّلَام.)|وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا|وَقَوْله : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } يَقُول : وَأَعَدَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابًا لَهُمْ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا كَرِيمًا , وَذَلِكَ هُوَ الْجَنَّة , كَمَا : 21771 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } : أَيْ الْجَنَّةَ.)

قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا يَأَيُّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد { إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا } عَلَى أُمَّتك بِإِبْلَاغِك إِيَّاهُمْ مَا أَرْسَلْنَاك بِهِ مِنْ الرِّسَالَة , وَمُبَشِّرهمْ بِالْجَنَّةِ إِنْ صَدَّقُوك وَعَمِلُوا بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , { وَنَذِيرًا } مِنْ النَّار أَنْ يَدْخُلُوهَا , فَيُعَذَّبُوا بِهَا إِنْ هُمْ كَذَّبُوك , وَخَالَفُوا مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21772 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا } عَلَى أُمَّتك بِالْبَلَاغِ , وَمُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ , { وَنَذِيرًا } بِالنَّارِ .

قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

وَقَوْله : { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه } يَقُول : وَدَاعِيًا إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لَهُ , وَإِخْلَاص الطَّاعَة لِوَجْهِهِ دُون كُلّ مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , كَمَا : 21773 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه } إِلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه . )وَقَوْله : { بِإِذْنِهِ } يَقُول : بِأَمْرِهِ إِيَّاكَ بِذَلِكَ { وَسِرَاجًا مُنِيرًا } يَقُول : وَضِيَاء لِخَلْقِهِ يَسْتَضِيء بِالنُّورِ الَّذِي أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه عِبَاده { مُنِيرًا } يَقُول : ضِيَاء يُنِير لِمَنْ اسْتَضَاءَ بِضَوْئِهِ , وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ , أَنَّهُ يَهْدِي بِهِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّته .

وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ

وَقَوْله : { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّه فَضْلًا كَبِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبَشِّرْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ يَا مُحَمَّد بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّه فَضْلًا كَبِيرًا ; يَقُول : بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَاب اللَّه عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ تَضْعِيفًا كَثِيرًا , وَذَلِكَ هُوَ الْفَضْل الْكَبِير مِنَ اللَّه لَهُمْ , وَقَوْله : { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } يَقُول : وَلَا تُطِعْ لِقَوْلِ كَافِر وَلَا مُنَافِق , فَتَسْمَع مِنْهُ دُعَاءَهُ إِيَّاكَ إِلَى التَّقْصِير فِي تَبْلِيغ رِسَالَات اللَّه إِلَى مَنْ أَرْسَلَك بِهَا إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه { وَدَعْ أَذَاهُمْ } يَقُول : وَأَعْرِض عَنْ أَذَاهُمْ لَك , وَاصْبِرْ عَلَيْهِ , وَلَا يَمْنَعك ذَلِكَ عَنِ الْقِيَام بِأَمْرِ اللَّه فِي عِبَاده , وَالنُّفُوذ لِمَا كَلَّفَك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21774 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَدَعْ أَذَاهُمْ } قَالَ . أَعْرِضْ عَنْهُمْ. )21775 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَدَعْ أَذَاهُمْ } : أَيْ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ .)

فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ

وَقَوْله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } يَقُول : وَفَوِّضْ إِلَى اللَّه أُمُورَك , وَثِقْ بِهِ , فَإِنَّهُ كَافِيك جَمِيعَ مَنْ دُونَهُ , حَتَّى يَأْتِيَك بِأَمْرِهِ وَقَضَاؤُهُ { وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } يَقُول : وَحَسْبك بِاللَّهِ قَيِّمًا بِأُمُورِك , وَحَافِظًا لَك وَكَالِئًا .

فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } يَعْنِي مِنْ قَبْل أَنْ تُجَامِعُوهُنَّ { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا } يَعْنِي : مِنْ إِحْصَاء أَقْرَاء , وَلَا أَشْهُر تُحْصُونَهَا عَلَيْهِنَّ , { فَمَتِّعُوهُنَّ } يَقُول : أَعْطُوهُنَّ مَا يَسْتَمْتِعْنَ بِهِ مِنْ عَرَض أَوْ عَيْن مَال , وَقَوْله : { وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } يَقُول : وَخَلُّوا سَبِيلَهُنَّ تَخْلِيَة بِالْمَعْرُوفِ , وَهُوَ التَّسْرِيح الْجَمِيل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21776 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا } فَهَذَا فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج الْمَرْأَةَ , ثُمَّ يُطَلِّقهَا مِنْ قَبْل أَنْ يَمَسَّهَا , فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَة بَانَتْ مِنْهُ , وَلَا عِدَّة عَلَيْهَا تَتَزَوَّج مَنْ شَاءَتْ , ثُمَّ قَرَأَ : { فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } يَقُول : إِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا , فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا النِّصْف , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا , مَتَّعَهَا عَلَى قَدْر عُسْره وَيُسْره , وَهُوَ السَّرَاح الْجَمِيل . )وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُتْعَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ : { فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ } [2 237 ]ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21777 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَات } . . . إِلَى قَوْله : { سَرَاحًا جَمِيلًا } قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحَرْف الْمُتْعَة { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ } . )* حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَة { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } قَالَ : نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة .)

فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } يَعْنِي : اللَّاتِي تَزَوَّجْتهنَّ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى , كَمَا : 21778 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورهنَّ } قَالَ : صَدَقَاتهنَّ . )21779 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } قَالَ : كَانَ كُلّ امْرَأَة آتَاهَا مَهْرًا , فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَهُ . )21780 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكَ يَقُول فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } إِلَى قَوْله : { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَة مَا شَاءَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا .)|أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ|وَقَوْله : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْك } يَقُول : وَأَحْلَلْنَا لَك إِمَاءَك اللَّوَاتِي سَبَيْتهنَّ , فَمَلَكْتهنَّ بِالسِّبَاءِ , وَصِرْنَ لَك بِفَتْحِ اللَّه عَلَيْك مِنْ الْفَيْء { وَبَنَات عَمّك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالِك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } فَأَحَلَّ اللَّه لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنَات عَمّه وَعَمَّاته وَخَاله وَخَالَاته , الْمُهَاجِرَات مَعَهُ مِنْهُنَّ دُونَ مَنْ لَمْ يُهَاجِر مِنْهُنَّ مَعَهُ , كَمَا : 21781 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أُمّ هَانِئٍ , قَالَتْ : (خَطَبَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاعْتَذَرْت لَهُ بِعُذْرِي , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } .... إِلَى قَوْله { اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } قَالَتْ : فَلَمْ أَحِلَّ لَهُ , لَمْ أُهَاجِر مَعَهُ , كُنْت مِنْ الطُّلَقَاء . )وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : | وَبَنَات خَالَاتك وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك | بِوَاوٍ ; وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَته مُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قِرَاءَتنَا بِغَيْرِ الْوَاو , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُدْخِل الْوَاوَ فِي نَعْت مَنْ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْره أَحْيَانًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِنَّ رُشَيْدًا وَابْنَ مَرْوَان لَمْ يَكُنْ .......... لِيَفْعَلَ حَتَّى يَصْدُر الْأَمْر مَصْدَرَا <br>وَرُشَيْد هُوَ ابْن مَرْوَان , وَكَانَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَتَأَوَّل قِرَاءَةَ عَبْد اللَّه هَذِهِ أَنَّهُنَّ نَوْع غَيْر بَنَات خَالَاته , وَأَنَّهُنَّ كُلّ مُهَاجِرَة هَاجَرَتْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذُكِرَ الْخَبَر عَنْهُ بِذَلِكَ : 21782 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي حَرْف ابْن مَسْعُود : ( وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك | يَعْنِي بِذَلِكَ : كُلّ شَيْء هَاجَرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ بَنَات الْعَمّ وَالْعَمَّة , وَلَا مِنْ بَنَات الْخَال وَالْخَالَة .)|مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا|وَقَوْله : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } يَقُول : وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ بِغَيْرِ صَدَاق , كَمَا : 21783 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } بِغَيْرِ صَدَاق , فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَل ذَلِكَ , وَأُحِلَّ لَهُ خَاصَّة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . )وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَامْرَأَة مُؤْمِنَة وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ | بِغَيْرِ إِنْ , وَمَعْنَى ذَلِكَ وَمَعْنَى قِرَاءَتنَا وَفِيهَا | إِنْ | وَاحِد , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل فِي الْكَلَام : لَا بَأْس أَنْ يَطَأ جَارِيَة مَمْلُوكَة إِنْ مَلَكَهَا , وَجَارِيَة مَمْلُوكَة مَلَكَهَا .|لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ|وَقَوْله { إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } يَقُول : إِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا , فَحَلَال لَهُ أَنْ يَنْكِحهَا وَإِذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ مَهْر { خَالِصَة لَك } يَقُول : لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتك أَنْ يَقْرَبَ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَك يَا مُحَمَّد خَالِصَة أَخْلَصَتْ لَك مِنْ دُون سَائِر أُمَّتك , كَمَا : 21784 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَيْسَ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْر وَلِيّ وَلَا مَهْر , إِلَّا لِلنَّبِيِّ , كَانَتْ لَهُ خَالِصَة مِنْ دُون النَّاس , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِث أَنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ. )21785 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } . . . إِلَى قَوْله { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : كَانَ كُلّ امْرَأَة آتَاهَا مَهْرًا فَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّه لَهُ إِلَى أَنْ وَهَبَ هَؤُلَاءِ أَنْفُسَهُنَّ لَهُ , فَأُحْلِلْنَ لَهُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ مَهْر خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا امْرَأَة لَهَا زَوْج . )21786 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ صَالِح بْن مُسْلِم , قَالَ : (سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسهَا لِرَجُلٍ , قَالَ : لَا يَكُون , لَا تَحِلّ لَهُ , إِنَّمَا كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { إِنْ وَهَبَتْ } بِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى وَجْه الْجَزَاء , بِمَعْنَى : إِنْ تَهَبْ , وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : | وَأَنْ وَهَبَتْ | بِفَتْحِ الْأَلِف , بِمَعْنَى : وَأَحْلَلْنَا لَهُ امْرَأَة مُؤْمِنَة أَنْ يَنْكِحهَا , لِهِبَتِهَا لَهُ نَفْسَهَا . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافهَا فِي كَسْر الْأَلِف لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } لَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَذُكِرَ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيّ النِّسَاء شَاءَ , فَقَصَرَهُ اللَّه عَلَى هَؤُلَاءِ , فَلَمْ يَعْدُهُنَّ , وَقَصَرَ سَائِرَ أُمَّته عَلَى مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21787 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ زِيَاد رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , (أَنَّ الَّتِي أَحَلَّ اللَّه لِلنَّبِيِّ مِنْ النِّسَاء هَؤُلَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ اللَّه { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } . . إِلَى قَوْله : { فِي أَزْوَاجهمْ } وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع . )21788 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } . . . إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ النِّسَاء ; وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ يَنْكِح فِي أَيّ النِّسَاء شَاءَ , لَمْ يُحَرَّم ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَكَانَ نِسَاؤُهُ يَجِدْنَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا أَنْ يَنْكِح فِي أَيّ النَّاس أَحَبَّ ; فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : إِنِّي قَدْ حَرَّمْت عَلَيْك مِنَ النَّاس سِوَى مَا قَصَصْت عَلَيْك , أَعْجَبَ ذَلِكَ نِسَاءَهُ . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُؤْمِنَات , وَهَلْ كَانَتْ عِنْدَ رَسُول اللَّه امْرَأَة كَذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَكُنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَة إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاح أَوْ مِلْك يَمِين , فَأَمَّا بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ أَحَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21789 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ عَنْبَسَة بْن الْأَزْهَر , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : (لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا . )21790 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } قَالَ : أَنْ تَهَبَ . )وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ , فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : كَانَتْ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أُمّ شَرِيك , وَقَالَ بَعْضهمْ : زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21791 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ( { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } قَالَ : هِيَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث . )وَقَالَ بَعْضهمْ : زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ أُمّ الْمَسَاكِين امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار . 21792 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثني الْحَكَم , قَالَ : كَتَبَ عَبْد الْمَلِك إِلَى أَهْل الْمَدِينَة يَسْأَلهُمْ , قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيّ , قَالَ شُعْبَة : وَهُوَ ظَنِّي عَلِيّ بْن حُسَيْن , قَالَ : وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ الْحَكَم , أَنَّهُ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ , قَالَ : (هِيَ امْرَأَة مِنَ الْأَسَد يُقَال لَهَا أُمّ شَرِيك , وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ . )21793 -قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي السَّفَر , عَنِ الشَّعْبِيّ , (أَنَّهَا امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ , وَهِيَ مِمَّنْ أَرْجَأَ . )21794 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خَوْلَة بِنْت حَكِيم بْن الْأَوْقَص مِنْ بَنِي سُلَيْم , (كَانَتْ مِنْ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )21795 - قَالَ : ثني سَعِيد بْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث (أَنَّ أُمّ شَرِيك كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ امْرَأَة صَالِحَة .)|الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا|وَقَوْله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجهمْ إِذَا أَرَادُوا نِكَاحَهُنَّ مِمَّا لَمْ نَفْرِضهُ عَلَيْك , وَمَا خَصَصْنَاهُمْ بِهِ مِنَ الْحُكْم فِي ذَلِكَ دُونَك , وَهُوَ أَنَّا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ عَقْد نِكَاح عَلَى حُرَّة مُسْلِمَة إِلَّا بِوَلِيٍّ عَصَبَة وَشُهُود عُدُول , وَلَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21796 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَةَ , قَالَ : ثنا مُطَهَّر , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ مَطَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه : ( { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : إِنَّ مِمَّا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ. )21797 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد ( { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : فِي الْأَرْبَع . )21798 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجهمْ } قَالَ : كَانَ مِمَّا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ لَا تَزَوَّجَ امْرَأَة إِلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاق عِنْد شَاهِدَيْ عَدْل , وَلَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَرْبَع , وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ . )وَقَوْله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ عِلْمنَا مَا فَرَضْنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجهمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع , وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ , فَإِنَّ جَمِيعَهُنَّ إِذَا كُنَّ مُؤْمِنَات أَوْ كِتَابِيَّات , لَهُمْ حَلَال بِالسِّبَاءِ وَالتَّسَرِّي وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب الْمِلْك , وَقَوْله : { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْك حَرَج وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك يَا مُحَمَّد أَزْوَاجَك اللَّوَاتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآيَة , وَامْرَأَة مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ , إِنْ أَرَادَ النَّبِيّ أَنْ يَسْتَنْكِحهَا ; لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْك إِثْم وَضِيق فِي نِكَاح مَنْ نَكَحْت مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الَّتِي أَبَحْت لَكَ نِكَاحَهُنَّ مِنَ الْمُسَمَّيَات فِي هَذِهِ الْآيَة , وَكَانَ اللَّه غَفُورًا لَك وَلِأَهْلِ الْإِيمَان بِك , رَحِيمًا بِك وَبِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى سَالِف ذَنْب مِنْهُمْ سَلَف بَعْدَ تَوْبَتهمْ مِنْهُ .

إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِقَوْلِهِ : تُرْجِي : تُؤَخِّر , وَبِقَوْلِهِ : تُؤْوِي : تَضُمّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21799 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ } يَقُول : تُؤَخِّر. )21800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ } قَالَ : تَعْزِل بِغَيْرِ طَلَاق مِنْ أَزْوَاجك مَنْ تَشَاء { وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } قَالَ : تَرُدّهَا إِلَيْك . )21801 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } قَالَ : فَجَعَلَهُ اللَّه فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ , وَيَأْتِي مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قَسْم , وَكَانَ نَبِيّ اللَّه يَقْسِم . )21802 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } قَالَ : لَمَّا أَشْفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقهُنَّ , قُلْنَ : يَا نَبِيّ اللَّه , اجْعَلْ لَنَا مِنْ مَالِك وَنَفْسك مَا شِئْت ; فَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَأَ مِنْهُنَّ سَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , وَجُوَيْرِيَّة , وَصَفِيَّة , وَأُمّ حَبِيبَة , وَمَيْمُونَة ; وَكَانَ مِمَّنْ آوَى إِلَيْهِ : عَائِشَة , وَأُمّ سَلَمَة , وَحَفْصَة , وَزَيْنَب. )21803 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } فَمَا شَاءَ صَنَعَ فِي الْقِسْمَة بَيْنَ النِّسَاء , أَحَلَّ اللَّه لَهُ ذَلِكَ . )* حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , فِي قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } وَكَانَ مِمَّنْ آوَى إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : عَائِشَة , وَحَفْصَة , وَزَيْنَب , وَأُمّ سَلَمَة , فَكَانَ قَسْمه مِنْ نَفْسه لَهُنَّ سِوَى قِسْمَة ; وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَى : سَوْدَة , وَجُوَيْرِيَّة , وَصَفِيَّة , وَأُمّ حَبِيبَة , وَمَيْمُونَة , فَكَانَ يَقْسِم لَهُنَّ مَا شَاءَ , وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يُفَارِقهُنَّ , فَقُلْنَ : اقْسِمْ لَنَا مِنْ نَفْسك مَا شِئْت , وَدَعْنَا نَكُون عَلَى حَالنَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تُطَلِّق وَتُخَلِّي سَبِيلَ مَنْ شِئْت مِنْ نِسَائِك , وَتُمْسِك مَنْ شِئْت مِنْهُنَّ فَلَا تُطَلِّق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21804 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ } أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ { وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } يَعْنِي : نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَعْنِي بِالْإِرْجَاءِ : يَقُول : مَنْ شِئْت خَلَّيْت سَبِيلَهُ مِنْهُنَّ , وَيَعْنِي بِالْإِيوَاءِ : يَقُول : مَنْ أَحْبَبْت : أَمْسَكْت مِنْهُنَّ. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : تَتْرُك نِكَاحَ مَنْ شِئْت , وَتَنْكِح مَنْ شِئْت مِنْ نِسَاء أُمَّتك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21805 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ امْرَأَة لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطُبهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يَتْرُكهَا. )وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّه لِنَبِيِّهِ حِين غَار بَعْضهنَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَطَلَبَ بَعْضهنَّ مِنَ النَّفَقَة زِيَادَة عَلَى الَّذِي كَانَ يُعْطِيهَا , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدَّار الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَأَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ مَنْ اخْتَارَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا , وَيُمْسِك مَنْ اخْتَارَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قِيلَ لَهُنَّ : اقْرَرْنَ الْآنَ عَلَى الرِّضَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , قَسَمَ لَكُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ لَمْ يَقْسِم , أَوْ قَسَمَ لِبَعْضِكُنَّ , وَلَمْ يَقْسِم لِبَعْضِكُنَّ , وَفَضَّلَ بَعْضَكُنَّ عَلَى بَعْض فِي النَّفَقَة , أَوْ لَمْ يُفَضِّل , سَوَّى بَيْنَكُنَّ , أَوْ لَمْ يُسَوِّ , فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَيْسَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ مَعَ مَا جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ ذَلِكَ , يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْم , إِلَّا امْرَأَة مِنْهُنَّ أَرَادَ طَلَاقَهَا , فَرَضِيَتْ بِتَرْكِ الْقَسْم لَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , قَالَ : (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَ أَزْوَاجَهُ , قُلْنَ لَهُ : افْرِضْ لَنَا مِنْ نَفْسك وَمَالِك مَا شِئْت , فَأَمَرَهُ اللَّه فَآوَى أَرْبَعًا , وَأَرْجَى خَمْسًا . )21807 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : (أَمَا تَسْتَحْيِي الْمَرْأَة أَنْ تَهَبَ نَفْسهَا لِلرَّجُلِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه . { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } فَقُلْت : إِنَّ رَبّك لَيُسَارِع فِي هَوَاك . )* حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , يَعْنِي الْعَبْدِيّ , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , (أَنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّر النِّسَاءَ اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ : أَمَا تَسْتَحْيِي امْرَأَة أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ صَدَاق , فَنَزَلَتْ , أَوْ فَأَنْزَلَ اللَّه : { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } فَقُلْت : إِنِّي لَأَرَى رَبَّك يُسَارِع لَك فِي هَوَاك )21808 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء } الْآيَة . قَالَ : كَانَ أَزْوَاجه قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا , ثُمَّ نَزَلَ التَّخْيِير مِنَ اللَّه لَهُ فِيهِنَّ , فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى } فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحهُنَّ وَبَيْنَ أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ , لَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا , وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَيُرْجِي مَنْ يَشَاء , حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَع رَأْسَهُ إِلَيْهَا , وَمَنْ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ , ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ , وَيَرْضَيْنَ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ إِيثَار بَعْضهنَّ عَلَى بَعْض { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ } يَرْضَيْنَ , قَالَ : { وَمَنِ ابْتَغَيْت } مِمَّنْ عَزَلْت : مَنِ ابْتَغَى أَصَابَهُ , وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ , فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا , أَوْ يُفَارِقهُنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة بَدْوِيَّة ذَهَبَتْ , وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَقَدْ شَرَطَ اللَّه لَهُ هَذَا الشَّرْطَ , مَا زَالَ يَعْدِل بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ لِنَبِيِّهِ أَنْ يُرْجِيَ مِنْ النِّسَاء اللَّوَاتِي أَحَلَّهُنَّ لَهُ مَنْ يَشَاء , وَيُؤْوِي إِلَيْهِ مِنْهُنَّ مَنْ يَشَاء , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُر مَعْنَى الْإِرْجَاء وَالْإِيوَاء عَلَى الْمَنْكُوحَات اللَّوَاتِي كُنَّ فِي حِبَاله , عِنْدَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة دُونَ غَيْرهنَّ مِمَّنْ يُسْتَحْدَث إِيوَاؤُهَا أَوْ إِرْجَاؤُهَا مِنْهُنَّ . إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْكَلَام : تُؤَخِّر مَنْ تَشَاء مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك , وَأَحْلَلْت لَك نِكَاحَهَا , فَلَا تَقْبَلهَا وَلَا تَنْكِحهَا , أَوْ مِمَّنْ هُنَّ فِي حِبَالِك , فَلَا تَقْرَبهَا , وَتَضُمّ إِلَيْك مَنْ تَشَاء مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك , أَوْ أَرَدْت مِنْ النِّسَاء الَّتِي أَحْلَلْت لَك نِكَاحَهُنَّ , فَتَقْبَلهَا أَوْ تَنْكِحهَا , وَمِمَّنْ هِيَ فِي حِبَالِك فَتُجَامِعهَا إِذَا شِئْت , وَتَتْرُكهَا إِذَا شِئْت بِغَيْرِ قَسْم .|وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ|وَقَوْله : { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاح عَلَيْك } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ نَكَحْت مِنْ نِسَائِك فَجَامَعْت مِمَّنْ لَمْ تَنْكِح , فَعَزَلْته عَنِ الْجِمَاع , فَلَا جُنَاح عَلَيْك. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21809 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاح عَلَيْك } قَالَ : جَمِيعًا هَذِهِ فِي نِسَائِهِ , إِنْ شَاءَ أَتَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ , وَلَا جُنَاح عَلَيْهِ . )21810 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت } قَالَ : وَمَنْ ابْتَغَى أَصَابَهُ , وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ اسْتَبْدَلْت مِمَّنْ أَرْجَيْت , فَخَلَّيْت سَبِيلَهُ مِنْ نِسَائِك , أَوْ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُنَّ مِمَّنْ أَحْلَلْت لَك فَلَا جُنَاح عَلَيْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21811 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ } يَعْنِي بِذَلِكَ : النِّسَاء اللَّاتِي أَحَلَّ اللَّه لَهُ مِنْ بَنَات الْعَمّ وَالْعَمَّة وَالْخَال وَالْخَالَة { وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك } يَقُول : إِنْ مَاتَ مِنْ نِسَائِك اللَّاتِي عِنْدَك أَحَد , أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهُ , فَقَدْ أَحْلَلْت لَك أَنْ تَسْتَبْدِلَ مِنْ اللَّاتِي أَحْلَلْت لَك مَكَان مَنْ مَاتَ مِنْ نِسَائِك اللَّاتِي هُنَّ عِنْدَك , أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهُ مِنْهُنَّ , وَلَا يَصْلُح لَك أَنْ تَزْدَادَ عَلَى عِدَّة نِسَائِك اللَّاتِي عِنْدَك شَيْئًا . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ ابْتَغَيْت إِصَابَتَهُ مِنْ نِسَائِك { مِمَّنْ عَزَلْت } عَنْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك } لِدَلَالَةِ قَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ } عَلَى صِحَّة ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِأَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ إِذَا هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْدَلَ بِالْمَيِّتَةِ أَوْ الْمُطَلَّقَة مِنْهُنَّ , إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِذَلِكَ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُن الْمَنْكُوحَة مِنْهُنَّ , وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل بَعِيد .|ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ|وَقَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ } يَقُول : هَذَا الَّذِي جَعَلْت لَك يَا مُحَمَّد مِنْ إِذْنِي لَك أَنْ تُرْجِيَ مَنْ تَشَاء مِنْ النِّسَاء اللَّوَاتِي جَعَلْت لَك إِرْجَاءَهُنَّ , وَتُؤْوِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ , وَوَضْعِي عَنْك الْحَرَجَ فِي ابْتِغَائِك إِصَابَة مَنْ ابْتَغَيْت إِصَابَته مِنْ نِسَائِك , وَعَزْلِك عَنْ ذَلِكَ مَنْ عَزَلْت مِنْهُنَّ , أَقْرَب لِنِسَائِك أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ بِهِ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ مِنْ تَفْضِيل مَنْ فَضَّلْت مِنْ قَسْم , أَوْ نَفَقَة وَإِيثَار مَنْ آثَرْت مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى غَيْره مِنْ نِسَائِك , إِذَا هُنَّ عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ رِضَايَ مِنْك بِذَلِكَ , وَإِذْنِي لَك بِهِ , وَإِطْلَاق مِنِّي لَا مِنْ قِبَلك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ } إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ هَذَا جَاءَ مِنْ اللَّه لِرُخْصَةٍ , كَانَ أَطْيَب لِأَنْفُسِهِنَّ , وَأَقَلَّ لِحُزْنِهِنَّ . )21813 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ذَلِكَ , نَحْوه . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ } الرَّفْع غَيْر جَائِز غَيْره عِنْدَنَا , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّهنَّ لَيْسَ بِنَعْتٍ لِلْهَاءِ فِي قَوْله { آتَيْتهنَّ } , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَيَرْضَيْنَ كُلّهنَّ , فَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيد لِمَا فِي يَرْضَيْنَ مِنْ ذِكْر النِّسَاء ; وَإِذَا جُعِلَ تَوْكِيدًا لِلْهَاءِ الَّتِي فِي آتَيْتهنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى , وَالْقِرَاءَة بِنَصْبِهِ غَيْر جَائِزَة لِذَلِكَ , وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَخْطِئَة قَارِئِهِ كَذَلِكَ .|وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا|وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم مَا فِي قُلُوبكُمْ } يَقُول : وَاللَّه يَعْلَم مَا فِي قُلُوب الرِّجَال مِنْ مَيْلهَا إِلَى بَعْض مَنْ عِنْدَهُ مِنْ النِّسَاء دُونَ بَعْض بِالْهَوَى وَالْمَحَبَّة ; يَقُول : فَلِذَلِكَ وُضِعَ عَنْك الْحَرَج يَا مُحَمَّد فِيمَا وُضِعَ عَنْك مِنْ ابْتِغَاء مَنْ ابْتَغَيْت مِنْهُنَّ , مِمَّنْ عَزَلْت تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْك بِذَلِكَ وَتَكْرِمَة { وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه ذَا عِلْم بِأَعْمَالِ عِبَاده , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا { حَلِيمًا } يَقُول : ذَا حِلْم عَلَى عِبَاده , أَنْ يُعَاجِلَ أَهْل الذُّنُوب مِنْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ , وَلَكِنَّهُ ذُو حِلْم وَأَنَاة عَنْهُمْ , لِيَتُوبَ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ , وَيُنِيب مِنْ ذُنُوبه مَنْ أَنَابَ مِنْهُمْ .

إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد نِسَائِك اللَّاتِي خَيَّرْتهنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21814 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } .. . الْآيَة إِلَى { رَقِيبًا } قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ نِسَائِهِ الْأُوَل شَيْئًا . )21815 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْد } . . . إِلَى قَوْله : { إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك } قَالَ : لَمَّا خَيَّرَهُنَّ , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ , فَقَالَ : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج } وَهُنَّ التِّسْع الَّتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء بَعْد الَّتِي أَحْلَلْنَا لَك بِقَوْلِنَا { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } .. . إِلَى قَوْله { اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } , وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَجَّهُوا الْكَلَام إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : لَا يَحِلّ لَك مِنْ النِّسَاء إِلَّا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا لَك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21816 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ زِيَاد , قَالَا لِأُبَيِّ بْن كَعْب : (هَلْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ مَاتَ أَزْوَاجه أَنْ يَتَزَوَّجَ ؟ قَالَ : مَا كَانَ يُحَرَّم عَلَيْهِ ذَلِكَ ; فَقَرَأْت عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } قَالَ : فَقَالَ : أَحَلَّ لَهُ ضَرْبًا مِنْ النِّسَاء , وَحَرَّمَ عَلَيْهِ مَا سِوَاهُنَّ ; أَحَلَّ لَهُ كُلّ امْرَأَة آتَى أَجْرَهَا , وَمَا مَلَكَتْ يَمِينه مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ , وَبَنَات عَمّه وَبَنَات عَمَّاته , وَبَنَات خَاله وَبَنَات خَالَاته , وَكُلّ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَة لَهُ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . )* حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ زِيَاد الْأَنْصَارِيّ قَالَ : قُلْت لِأُبَيِّ بْن كَعْب : (أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَكَانَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ؟ قَالَ : وَمَا يُحَرِّم ذَلِكَ عَلَيْهِ , قَالَ : قُلْت قَوْله : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } قَالَ : إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ ضَرْبًا مِنْ النِّسَاء . )* حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , عَنْ زِيَاد , رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , قَالَ : قُلْت لِأُبَيِّ بْن كَعْب : (أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَفَّيْنَ , أَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ؟ فَقَالَ : وَمَا يَمْنَعهُ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَرُبَّمَا قَالَ دَاوُدُ : وَمَا يُحَرِّم عَلَيْهِ ذَلِكَ ؟ قُلْت : قَوْله : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } فَقَالَ : إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ ضَرْبًا مِنْ النِّسَاء , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } . . . إِلَى قَوْله : { إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } ثُمَّ قِيلَ لَهُ : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } . )21817 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } قَالَ : أُمِرَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَعْرَابِيَّة وَلَا غَرِيبَة , وَيَتَزَوَّج بَعْد مِنْ نِسَاء تِهَامَة , وَمَنْ شَاءَ مِنْ بَنَات الْعَمّ وَالْعَمَّة , وَالْخَال وَالْخَالَة إِنْ شَاءَ ثَلَاثَمِائَةٍ . )21818 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } هَؤُلَاءِ الَّتِي سَمَّى اللَّه إِلَّا { بَنَات عَمّك } . . . الْآيَة . )21819 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكَ يَقُول فِي قَوْله : ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } يَعْنِي : مِنْ بَعْد التَّسْمِيَة , يَقُول : لَا يَحِلّ لَك امْرَأَة إِلَّا ابْنَة عَمّ أَوْ ابْنَة عَمَّة , أَوْ ابْنَة خَال أَوْ ابْنَة خَالَة , أَوْ امْرَأَة وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك , مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ هَاجَرَ مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي حَرْف ابْن مَسْعُود : | وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك | يَعْنِي بِذَلِكَ : كُلّ شَيْء هَاجَرَ مَعَهُ لَيْسَ مِنْ بَنَات الْعَمّ وَالْعَمَّة , وَلَا مِنْ بَنَات الْخَال وَالْخَالَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ غَيْر الْمُسْلِمَات ; فَأَمَّا الْيَهُودِيَّات وَالنَّصْرَانِيَّات وَالْمُشْرِكَات فَحَرَام عَلَيْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } لَا يَهُودِيَّة , وَلَا نَصْرَانِيَّة , وَلَا كَافِرَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصِّحَّةِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد بَعْد اللَّوَاتِي أَحْلَلْتهنَّ لَك بِقَوْلِي : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } .. إِلَى قَوْله : { وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء } عَقِيب قَوْله : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُولَ : قَدْ أَحْلَلْت لَك هَؤُلَاءِ , وَلَا يَحْلِلْنَ لَك إِلَّا بِنَسْخِ أَحَدهمَا صَاحِبه , وَعَلَى أَنْ يَكُونَ وَقْت فَرْض إِحْدَى الْآيَتَيْنِ , فِعْل الْأُخْرَى مِنْهُمَا , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَا بُرْهَان وَلَا دَلَالَة عَلَى نَسْخ حُكْم إِحْدَى الْآيَتَيْنِ حُكْم الْأُخْرَى , وَلَا تَقَدَّمَ تَنْزِيل إِحْدَاهُمَا قَبْل صَاحِبَتهَا , وَكَانَ غَيْر مُسْتَحِيل مَخْرَجهمَا عَلَى الصِّحَّة , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : إِحْدَاهُمَا نَاسِخَة الْأُخْرَى . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ مِنْ بَعْد الْمُسْلِمَات يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة وَلَا كَافِرَة , مَعْنًى مَفْهُوم , إِذْ كَانَ قَوْله { مِنْ بَعْد } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : مِنْ بَعْد الْمُسَمَّيَات الْمُتَقَدِّم ذِكْرهنَّ فِي الْآيَة قَبْل هَذِهِ الْآيَة , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة الْمُتَقَدِّم فِيهَا ذِكْر الْمُسَمَّيَات بِالتَّحْلِيلِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر إِبَاحَة الْمُسْلِمَات كُلّهنَّ , بَلْ كَانَ فِيهَا ذِكْر أَزْوَاجه وَمِلْك يَمِينه الَّذِي يَفِيء اللَّه عَلَيْهِ , وَبَنَات عَمّه وَبَنَات عَمَّاته , وَبَنَات خَاله وَبَنَات خَالَاته , اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَهُ , وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ , فَتَكُون الْكَوَافِر مَخْصُوصَات بِالتَّحْرِيمِ , صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , دُون قَوْل مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِيهِ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { يَحِلّ } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : لَا يَحِلّ لَك شَيْء مِنْ النِّسَاء بَعْد , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة : وَلَا تَحِلّ لَك النِّسَاء | بِالتَّاءِ , تَوْجِيهًا مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ فِعْل لِلنِّسَاءِ , وَالنِّسَاء جَمْع لِلْكَثِيرِ مِنْهُنَّ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْت لَهُمْ , وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى الْقِرَاءَة بِهَا , وَشُذُوذ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ .|وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ|وَقَوْله : { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد الْمُسْلِمَات , لَا يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة وَلَا كَافِرَة , وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِالْمُسْلِمَاتِ غَيْرَهُنَّ مِنَ الْكَوَافِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21821 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج } وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِالْمُسْلِمَاتِ غَيْرَهُنَّ مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُود وَالْمُشْرِكِينَ { وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك } . )21822 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , فِي قَوْله : ( { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك } قَالَ : لَا يَحِلّ لَك أَنْ تَتَزَوَّج مِنْ الْمُشْرِكَات إِلَّا مَنْ سَبَيْت فَمَلَكَتْهُ يَمِينك مِنْهُنَّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِأَزْوَاجِك اللَّوَاتِي هُنَّ فِي حِبَالك أَزْوَاجًا غَيْرهنَّ , بِأَنْ تُطَلِّقهُنَّ , وَتَنْكِح غَيْرَهُنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21823 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ } يَقُول : لَا يَصْلُح لَك أَنْ تُطَلِّق شَيْئًا مِنْ أَزْوَاجِك لَيْسَ يُعْجِبك , فَلَمْ يَكُنْ يَصْلُح ذَلِكَ لَهُ. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا أَنْ تُبَادِل مِنْ أَزْوَاجك غَيْرك , بِأَنْ تُعْطِيَهُ زَوْجَتَك وَتَأْخُذَ زَوْجَتَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21824 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَبَادَلُونَ بِأَزْوَاجِهِمْ . يُعْطِي هَذَا امْرَأَتَهُ هَذَا وَيَأْخُذ امْرَأَتَهُ , فَقَالَ : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنهنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك } لَا بَأْس أَنْ تُبَادِل بِجَارِيَتِك مَا شِئْت أَنْ تُبَادِل , فَأَمَّا الْحَرَائِر فَلَا ; قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا أَنْ تُطَلِّق أَزْوَاجَك فَتَسْتَبْدِل بِهِنَّ غَيْرَهُنَّ أَزْوَاجًا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْلَ الَّذِي قَالَ مَعْنَى قَوْله : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } لَا يَحِلّ لَك الْيَهُودِيَّة أَوْ النَّصْرَانِيَّة وَالْكَافِرَة , قَوْل لَا وَجْه لَهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ } كَافِرَة لَا مَعْنَى لَهُ , إِذْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمَات مَنْ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } الَّذِي دَلَلْنَا عَلَيْهِ قَبْل , وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد فِي ذَلِكَ أَيْضًا , فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُبَادَلَة , لَكَانَتْ الْقِرَاءَة وَالتَّنْزِيل : وَلَا أَنْ تُبَادِل بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج , أَوْ : وَلَا أَنْ تُبَدِّل بِهِنَّ بِضَمِّ التَّاء ; وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُجْمَع عَلَيْهَا , وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ , بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى : وَلَا أَنْ تَسْتَبْدِل بِهِنَّ , مَعَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ ابْن زَيْد مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّة غَيْر مَعْرُوف فِي أُمَّة نَعْلَمهُ مِنَ الْأُمَم : أَنْ يُبَادِل الرَّجُل آخَر بِامْرَأَتِهِ الْحُرَّة , فَيُقَال : كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ , فَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فِعْل مِثْله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَة عَلَى نِسَائِهِ اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْده , فَيَكُون مُوَجِّهًا تَأْوِيلَ قَوْله : { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج } إِلَى مَا تَأَوَّلْت , أَوْ قَالَ : وَأَيْنَ ذِكْر أَزْوَاجه اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَتَكُون الْهَاء مِنْ قَوْله : { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ } مَنْ ذَكَرَهُنَّ وَتَوَهَّمَ أَنَّ الْهَاء فِي ذَلِكَ عَائِدَة عَلَى النِّسَاء , فِي قَوْله : { لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد } ؟ قِيلَ : قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنْ النِّسَاء اللَّوَاتِي كَانَ اللَّه أَحَلَّهُنَّ لَهُ عَلَى نِسَائِهِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَهُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَإِنَّمَا نَهَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ يُفَارِق مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بِطَلَاقٍ أَرَادَ بِهِ اسْتِبْدَال غَيْرهَا بِهَا ; لِإِعْجَابِ حُسْن الْمُسْتَبْدَلَة لَهُ بِهَا إِيَّاهُ إِذْ كَانَ اللَّه قَدْ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ وَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالدَّار الْآخِرَة , وَالرِّضَا بِاللَّهِ وَرَسُوله , فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , فَحُرِّمْنَ عَلَى غَيْره بِذَلِكَ , وَمُنِعَ مِنْ فِرَاقهنَّ بِطَلَاقٍ ; فَأَمَّا نِكَاح غَيْرهنَّ فَلَمْ يَمْنَع مِنْهُ , بَلْ أَحَلَّ اللَّه لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي كِتَابه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْبَض حَتَّى أَحَلَّ اللَّه لَهُ نِسَاءَ أَهْل الْأَرْض . 21825 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : (مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلّ لَهُ النِّسَاء ; تَعْنِي أَهْل الْأَرْض . )* حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (مَا مَاتَ رَسُول اللَّه حَتَّى أُحِلّ لَهُ النِّسَاء . )- حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُعَلَّى , قَالَ : ثنا وُهَيْبٌ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : (مَا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ النِّسَاء مَا شَاءَ . )* حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد عُمَر بْن شَبَّة , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : أَحْسِب عُبَيْد بْن عُمَيْر , حَدَّثَنِي , قَالَ أَبُو زَيْد , وَقَالَ أَبُو عَاصِم مَرَّة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (مَا مَاتَ رَسُول اللَّه حَتَّى أَحَلَّ اللَّه لَهُ النِّسَاءَ . قَالَ : وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْر : شَهِدْت رَجُلًا يُحَدِّثهُ عَطَاء. )* حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلّ لَهُ النِّسَاء . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى نَبِيّه بِهَذِهِ الْآيَة طَلَاقَ نِسَائِهِ اللَّوَاتِي خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ , فَمَا وَجْه الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا , وَأَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ سَوْدَة حَتَّى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْك طَلَاقه إِيَّاهَا , وَوَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ ؟ قِيلَ : كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُول هَذِهِ الْآيَة . وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيم اللَّه عَلَى نَبِيّه طَلَاقَهُنَّ , الرِّوَايَة الْوَارِدَة أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى حَفْصَة مُعَاقِبهَا حِين اعْتَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ , كَانَ مِنْ قِيله لَهَا : قَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَك , فَكَلَّمْته فَرَاجَعَك , فَوَاللَّهِ لَئِنْ طَلَّقَك , أَوْ لَوْ كَانَ طَلَّقَك لَا كَلَّمْته فِيك ! وَذَلِكَ لَا شَكَّ قَبْلَ نُزُول آيَة التَّخْيِير ; لِأَنَّ آيَةَ التَّخْيِير إِنَّمَا نَزَلَتْ حِين انْقَضَى وَقْت يَمِين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اعْتِزَالهنَّ . وَأَمَّا أَمْر الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ أَمْر سَوْدَةَ كَانَ قَبْلَ نُزُول هَذِهِ الْآيَة , أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ بَيْن فِرَاقه وَالْمُقَام مَعَهُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ لَا قَسْم لَهُنَّ , وَأَنَّهُ يُرْجِي مَنْ يَشَاء مِنْهُنَّ , وَيُؤْوِي مِنْهُنَّ مَنْ يَشَاء , وَيُؤْثِر مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ , وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلَا جُنَاح عَلَيْك ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرّ أَعْيُنهنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتهنَّ كُلّهنَّ } , وَمِنَ الْمُحَال أَنْ يَكُونَ الصُّلْح بَيْنهَا وَبَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى عَلَى تَرْكهَا يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ فِي حَال لَا يَوْمَ لَهَا مِنْهُ . وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَّا فِي حَال كَانَ لَهَا مِنْهُ يَوْم هُوَ لَهَا حَقّ كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَاؤُهُ إِلَيْهَا , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ بَعْدَ التَّخْيِير لِمَا قَدْ وَصَفْت قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَا يَحِلّ لَك يَا مُحَمَّد النِّسَاء مِنْ بَعْد اللَّوَاتِي أَحْلَلْتهنَّ لَك فِي الْآيَة قَبْل , وَلَا أَنْ تُطَلِّق نِسَاءَك اللَّوَاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ , فَتُبَدِّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاج وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْن مَنْ أَرَدْت أَنْ تَبَدَّلَ بِهِ مِنْهُنَّ , إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك , وَأَنَّ فِي قَوْله { أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ } رَفْع ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد , وَلَا الِاسْتِبْدَال بِأَزْوَاجِك , وَإِلَّا فِي قَوْله : { إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك } اسْتِثْنَاء مِنْ النِّسَاء , وَمَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد اللَّوَاتِي أَحْلَلْتهنَّ لَك , إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينك مِنَ الْإِمَاء , فَإِنَّ لَك أَنْ تَمْلِك مِنْ أَيّ أَجْنَاس النَّاس شِئْت مِنَ الْإِمَاء .|وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا|وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء رَقِيبًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مَا أَحَلَّ لَك , وَحَرَّمَ عَلَيْك , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , حَفِيظًا لَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَلَا يَئُودُهُ حِفْظ ذَلِكَ كُلّه . 21826 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء رَقِيبًا } : أَيْ حَفِيظًا , فِي قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة .)

وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَن لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله , لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ نَبِيّ اللَّه إِلَّا أَنْ تُدْعَوْا إِلَى طَعَام تَطْعَمُونَهُ { غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } يَعْنِي : غَيْر مُنْتَظِرِينَ إِدْرَاكَهُ وَبُلُوغَهُ ; وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَنَى هَذَا الشَّيْء يَأْنِي أَنًى وَأَنْيًا وَإِنَاءً ; قَالَ الْحُطَيْئَة : <br>وَآنَيْت الْعَشَاءَ إِلَى سُهَيْل .......... أَوْ الشِّعْرَى فَطَالَ بِي الْأَنَاءُ <br>وَفِيهِ لُغَة أُخْرَى , يُقَال : قَدْ آنَ لَك : أَيْ تَبَيَّنَ لَك أَيْنًا , وَنَالَ لَك , وَأَنَال لَك ; وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : هَاجَتْ وَمِثْلِي نَوْلُهُ أَنْ يَرْبَعَا حَمَامَة نَاخَتْ حَمَامًا سُجَّعَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21827 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِلَى طَعَام غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } قَالَ : مُتَحَيِّنِينَ نُضْجَهُ . )21828 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , ( { غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } يَقُول : غَيْر نَاظِرِينَ الطَّعَامَ أَنْ يُصْنَعَ . )21829 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } قَالَ : غَيْر مُتَحَيِّنِينَ طَعَامَهُ . )* حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَنُصِبَ { غَيْر } فِي قَوْله : { غَيْر نَاظِرِينَ إِنَاهُ } عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { إِلَّا أَنْ يُؤْذَن لَكُمْ } لِأَنَّ الْكَاف وَالْمِيم مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة , وَهِيَ مِنْ صِفَة الْكَاف وَالْمِيم . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : لَا يَجُوز فِي | غَيْرِ | الْجَرّ عَلَى الطَّعَام , إِلَّا أَنْ تَقُولَ : أَنْتُمْ , وَيَقُول : أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت : أَبْدَى لِعَبْدِ اللَّه عَلَيَّ امْرَأَة مُبْغِضًا لَهَا , لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا النَّصْب , إِلَّا أَنْ تَقُول : مُبْغِضٌ لَهَا هُوَ ; لِأَنَّك إِذَا أَجْرَيْت صِفَتَهُ عَلَيْهَا , وَلَمْ تُظْهِر الضَّمِيرَ الَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا , لَوْ قُلْت : هَذَا رَجُل مَعَ امْرَأَة مُلَازِمَهَا , كَانَ لَحْنًا , حَتَّى تَرْفَعَ , فَتَقُولَ مُلَازِمُهَا , أَوْ تَقُولَ مُلَازِمِهَا هُوَ , فَتَجُرّ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : لَوْ جَعَلْت | غَيْرِ | فِي قَوْله : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } خَفْضًا كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ قَبْلَهَا الطَّعَام وَهُوَ نَكِرَة , فَيُجْعَل فِعْلهمْ تَابِعًا لِلطَّعَامِ , لِرُجُوعِ ذِكْر الطَّعَام فِي إِنَاهُ , كَمَا تَقُول الْعَرَب : رَأَيْت زَيْدًا مَعَ امْرَأَة مُحْسِنًا إِلَيْهَا وَمُحْسِنٍ إِلَيْهَا , فَمَنْ قَالَ مُحْسِنًا جَعَلَهُ مِنْ صِفَة زَيْد , وَمَنْ خَفَضَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ : رَأَيْته مَعَ الَّتِي يُحْسِن إِلَيْهَا ; فَإِذَا صَارَتْ الصِّلَة لِلنَّكِرَةِ أَتْبَعَتْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِعْلًا لِغَيْرِ النَّكِرَة , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : فَقُلْت لَهُ هَذِهِ هَاتِهَا إِلَيْنَا بِأَدْمَاءَ مُقْتَادِهَا فَجَعَلَ الْمُقْتَادَ تَابِعًا لِإِعْرَابِ بِأَدْمَاءَ , لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : بِأَدْمَاء تَقْتَادهَا , فَخَفَضَهُ ; لِأَنَّهُ صِلَة لَهَا , قَالَ : وَيُنْشَد : | بِأَدْمَاءِ مُقْتَادِهَا | بِخَفْضِ الْأَدْمَاء لِإِضَافَتِهَا إِلَى الْمُقْتَاد , قَالَ : وَمَعْنَاهُ : هَاتِهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ اقْتَادَهَا , وَأَنْشَدَ أَيْضًا : <br>وَإِنَّ امْرَأً أَهْدَى إِلَيْك وَدُونَهُ .......... مِنَ الْأَرْض مَوْمَاةٌ وَبَيْدَاء فَيْهَق <br>لَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ وَأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ الْمُعَان مُوَفَّق وَحُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب سَمَاعًا يُنْشَد : <br>أَرَأَيْت إِذْ أَعْطَيْتُك الْوُدّ كُلَّهُ .......... وَلَمْ يَكُ عِنْدِي إِنْ أَبَيْت إِبَاء <br><br>أَمُسْلِمَتِي لِلْمَوْتِ أَنْتِ فَمَيِّت .......... وَهَلْ لِلنُّفُوسِ الْمُسْلِمَات بَقَاء <br>وَلَمْ يَقُلْ : فَمَيِّت أَنَا , وَقَالَ الْكِسَائِيّ : سَمِعْت الْعَرَبَ تَقُول : يَدك بَاسِطهَا , يُرِيدُونَ أَنْتَ , وَهُوَ كَثِير فِي الْكَلَام , قَالَ : فَعَلَى هَذَا يَجُوز خَفْض | غَيْر | . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا , الْقَوْل بِإِجَازَةِ جَرّ | غَيْرِ | فِي | غَيْرَ نَاظِرِينَ | فِي الْكَلَام , لَا فِي الْقِرَاءَة , لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَبْيَات الَّتِي حَكَيْنَاهَا ; فَأَمَّا فِي الْقِرَاءَة فَغَيْرُ جَائِز فِي | غَيْرَ | غَيْرُ النَّصْب ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَى نَصْبهَا .|إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ|وَقَوْله : { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا } يَقُول : وَلَكِنْ إِذَا دَعَاكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْخُلُوا الْبَيْتَ الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ بِدُخُولِهِ { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا } يَقُول : فَإِذَا أَكَلْتُمْ الطَّعَامَ الَّذِي دُعِيتُمْ لِأَكْلِهِ فَانْتَشِرُوا , يَعْنِي فَتَفَرَّقُوا وَاخْرُجُوا مِنْ مَنْزِله . { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } فَقَوْله : { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } فِي مَوْضِع خَفْض عَطْفًا بِهِ عَلَى نَاظِرِينَ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَنْتَ غَيْر سَاكِتٍ وَلَا نَاطِقٍ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : | مُسْتَأْنِسِينَ | فِي مَوْضِع نَصْب عَطْفًا عَلَى مَعْنَى نَاظِرِينَ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ : إِلَّا أَنْ يُؤْذَن لَكُمْ إِلَى طَعَام لَا نَاظِرِينَ إِنَاهُ , فَيَكُون قَوْله : { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ } نَصْبًا حِينَئِذٍ , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ إِذَا حَالَتْ بَيْنَ الْأَوَّل وَالثَّانِي , فَتَرُدّ أَحْيَانًا عَلَى لَفْظ الْأَوَّل , وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهُ , وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَبَا الْقَمْقَام أَنْشَدَهُ : <br>أَجِدّك لَسْت الدَّهْر رَائِيَ رَامَةٍ .......... وَلَا عَاقِل إِلَّا وَأَنْتَ جَنِيبُ <br>وَلَا مُصْعِدٍ فِي الْمُصْعِدِينَ لَمِنْعِجٍ وَلَا هَابِطًا مَا عِشْت هَضْب شَطِيبِ فَرَدَّ | مُصْعِدٍ | عَلَى أَنَّ | رَائِيَ | فِيهِ بَاءٌ خَافِضَة , إِذْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصْعِد مِمَّا حَال بَيْنهمَا مِنَ الْكَلَام . وَمَعْنَى قَوْله : { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } : وَلَا مُتَحَدِّثِينَ بَعْدَ فَرَاغكُمْ مِنْ أَكْل الطَّعَام إِينَاسًا مِنْ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ بِهِ , كَمَا : 21830 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي السَّبَب الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم طَعِمُوا عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلِيمَة زَيْنَب بِنْت جَحْش , ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فِي مَنْزِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْله حَاجَة , فَمَنَعَهُ الْحَيَاء مِنْ أَمْرهمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21831 -حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : بَنَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْت جَحْش , فَبَعَثْت دَاعِيًا إِلَى الطَّعَام , فَدَعَوْت , فَيَجِيء الْقَوْم يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيء الْقَوْم يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ , فَقُلْت : يَا نَبِيّ اللَّه قَدْ دَعَوْت حَتَّى مَا أَجِد أَحَدًا أَدْعُوهُ , قَالَ : | ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ | , وَإِنَّ زَيْنَب لَجَالِسَة فِي نَاحِيَة الْبَيْت , وَكَانَتْ قَدْ أُعْطِيَتْ جَمَالًا , وَبَقِيَ ثَلَاثَة نَفَر يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْت , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا نَحْو حُجْرَة عَائِشَة , فَقَالَ : | السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت | فَقَالُوا : وَعَلَيْك السَّلَام يَا رَسُولَ اللَّه , كَيْفَ وَجَدْت أَهْلَك ؟ قَالَ : فَأَتَى حُجَر نِسَائِهِ , فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَة , فَرَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا الثَّلَاثَة يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْت , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيد الْحَيَاء , فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا نَحْو حُجْرَة عَائِشَة , فَلَا أَدْرِي أَخْبَرْته , أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الرَّهْطَ قَدْ خَرَجُوا , فَرَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْله فِي أُسْكُفَّة دَاخِل الْبَيْت , وَالْأُخْرَى خَارِجه , إِذْ أُرْخِي السِّتْر بَيْنِي وَبَيْنَهُ , وَأُنْزِلَتْ آيَة الْحِجَاب . * حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَة بِشْر بْن دِحْيَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (سَأَلَنِي أُبَيّ بْن كَعْب عَنِ الْحِجَاب , فَقُلْت : أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ , نَزَلَتْ فِي شَأْن زَيْنَب ; أَوْلَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيق , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { ذَلِكُمْ أَطْهَر لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهنَّ } . )* حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (أَخْبَرَنِي أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ كَانَ ابْن عَشْر سِنِينَ مَقْدَم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , فَكُنْت أَعْلَم النَّاس بِشَأْنِ الْحِجَاب حِين أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْت جَحْش ; أَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا , فَدَعَا الْقَوْم فَأَصَابُوا مِنْ الطَّعَام حَتَّى خَرَجُوا , وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْط عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْث , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ , وَخَرَجْت مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا , فَمَشَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْت مَعَهُ , حَتَّى جَاءَ عَتَبَة حُجْرَة عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ , ثُمَّ ظَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا , فَرَجَعَ وَرَجَعْت مَعَهُ , حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَب , فَإِذَا هُمْ جُلُوس لَمْ يَقُومُوا , فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْت مَعَهُ , فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا , فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا , وَأُنْزِلَ الْحِجَاب . )* حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس , قَالَ : (دَعَوْت الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , صَبِيحَة بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْت جَحْش , فَأَوْسَعَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا , ثُمَّ رَجَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَع , فَأَتَى حُجَر نِسَائِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ , فَدَعَوْنَ لَهُ , وَرَجَعَ إِلَى بَيْته وَأَنَا مَعَهُ ; فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَاب إِذَا رَجُلَانِ قَدْ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيث فِي نَاحِيَة الْبَيْت , فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا وَلَّى رَاجِعًا ; فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّى عَنْ بَيْته , وَلَّيَا مُسْرِعِينَ , فَلَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْته , أَوْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ إِلَى بَيْته , فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ , وَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب . )21832 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : (قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ حَجَبْت عَنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْك الْبَرّ وَالْفَاجِر , فَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب . )* حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُوف , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : أَنَا أَعْلَم النَّاس بِهَذِهِ الْآيَة , آيَة الْحِجَاب ; (لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَب إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ طَعَامًا , وَدَعَا الْقَوْمَ , فَجَاءُوا فَدَخَلُوا وَزَيْنَب مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْت , وَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ , وَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُج ثُمَّ يَدْخُل وَهُمْ قُعُود , قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ } . . . . إِلَى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } قَالَ : فَقَامَ الْقَوْم وَضُرِبَ الْحِجَاب . )* حَدَّثَنِي عُمَر بْن إِسْمَاعِيل بْن مُجَالِد , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ بَيَان , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (بَنَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ , فَأَرْسَلَنِي , فَدَعَوْت قَوْمًا إِلَى الطَّعَام ; فَلَمَّا أَكَلُوا وَخَرَجُوا , قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْطَلِقًا قِبَلَ بَيْت عَائِشَة , فَرَأَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ , فَانْصَرَفَ رَاجِعًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } )21833 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا ابْن نَهْشَل , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (أَمَرَ عُمَر نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ , فَقَالَتْ زَيْنَب : يَا ابْن الْخَطَّاب , إِنَّك لَتَغَار عَلَيْنَا , وَالْوَحْي يَنْزِل فِي بُيُوتنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } . )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا أَشْهَل بْن حَاتِم , قَالَ : ثنا ابْن عَوْن , عَنْ عَمْرو بْن سَعْد , عَنْ أَنَس قَالَ : (وَكُنْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ يَمُرّ عَلَى نِسَائِهِ , قَالَ : فَأَتَى بِامْرَأَةٍ عَرُوس , ثُمَّ جَاءَ وَعِنْدَهَا قَوْم , فَانْطَلَقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ , وَاحْتَبَسَ وَعَادَ وَقَدْ خَرَجُوا ; قَالَ : فَدَخَلَ فَأَرْخَى بَيْنِي وَبَيْنه سِتْرًا , قَالَ : فَحَدَّثْت أَبَا طَلْحَةَ , فَقَالَ : إِنْ كَانَ كَمَا تَقُول : لَيَنْزِلَنَّ فِي هَذَا شَيْء , قَالَ : وَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْت أُمّ سَلَمَةَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21834 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } قَالَ : كَانَ هَذَا فِي بَيْت أُمّ سَلَمَةَ , قَالَ : أَكَلُوا , ثُمَّ أَطَالُوا الْحَدِيثَ , فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُل وَيَخْرُج وَيَسْتَحْيِي مِنْهُمْ , وَاللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ. )21835 - قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ عِنْد ذَلِكَ .)|لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ|وَقَوْله : { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } . يَقُول : إِنَّ دُخُولَكُمْ بُيُوتَ النَّبِيّ مِنْ غَيْر أَنْ يُؤْذَن لَكُمْ , وَجُلُوسكُمْ فِيهَا مُسْتَأْنِسِينَ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ فَرَاغكُمْ مِنْ أَكْل الطَّعَام الَّذِي دُعِيتُمْ لَهُ , كَانَ يُؤْذِي النَّبِيّ , فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْهَا إِذَا قَعَدْتُمْ فِيهَا لِلْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَرَاغ مِنْ الطَّعَام , أَوْ يَمْنَعَكُمْ مِنْ الدُّخُول إِذَا دَخَلْتُمْ بِغَيْرِ إِذْن مَعَ كَرَاهِيَته لِذَلِكَ مِنْكُمْ { وَاللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ } أَنْ يَتَبَيَّن لَكُمْ , وَإِنْ اسْتَحْيَا نَبِيّكُمْ فَلَمْ يُبَيِّن لَكُمْ كَرَاهِيَة ذَلِكَ حَيَاء مِنْكُمْ { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } يَقُول : وَإِذَا سَأَلْتُمْ أَزْوَاجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ اللَّوَاتِي لَسْنَ لَكُمْ بِأَزْوَاجٍ مَتَاعًا { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } يَقُول : مِنْ وَرَاء سِتْر بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ , وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِنَّ بُيُوتَهُنَّ { ذَلِكُمْ أَطْهَر لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُؤَالكُمْ إِيَّاهُنَّ الْمَتَاع إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ذَلِكَ مِنْ وَرَاء حِجَاب أَطْهَر لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهنَّ مِنْ عَوَارِض الْعَيْن فِيهَا الَّتِي تَعْرِض فِي صُدُور الرِّجَال مِنْ أَمْر النِّسَاء , وَفِي صُدُور النِّسَاء مِنْ أَمْر الرِّجَال , وَأَحْرَى مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِنَّ سَبِيل . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ سَبَبَ أَمْر اللَّه النِّسَاءَ بِالْحِجَابِ , إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْل أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَة مَعَهُمَا , فَأَصَابَتْ يَدهَا يَدَ الرَّجُل , فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21836 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد (أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْعَم وَمَعَهُ بَعْض أَصْحَابه , فَأَصَابَتْ يَد رَجُل مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَةَ , فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب . )وَقِيلَ : نَزَلَتْ مِنْ أَجْل مَسْأَلَة عُمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21837 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُمَيْد الطَّوِيل , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : (قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه , إِنَّ نِسَاءَك يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر , فَلَوْ أَمَرْتهنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب. )* حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ أَنَس , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 21838 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثني عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى | الْمَنَاصِع | وَهُوَ صَعِيد أَفْيَح , وَكَانَ عُمَر يَقُول : يَا رَسُولَ اللَّه , احْجُبْ نِسَاءَك , فَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل , فَخَرَجَتْ سَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ , زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ امْرَأَة طَوِيلَة , فَنَادَاهَا عُمَر بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى : قَدْ عَرَفْنَاك يَا سَوْدَة , حِرْصًا أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَاب , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه الْحِجَاب . )21839 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن نُمَيْر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ : (خَرَجَتْ سَوْدَة لِحَاجَتِهَا بَعْدَمَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَاب , وَكَانَتْ امْرَأَة تَفْرَع النِّسَاءَ طُولًا , فَأَبْصَرَهَا عُمَر , فَنَادَاهَا : يَا سَوْدَة , إِنَّك وَاللَّه مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا , فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ , أَوْ كَيْفَ تَصْنَعِينَ ؟ فَانْكَفَأَتْ فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى , فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ , وَمَا قَالَ لَهَا , وَإِنَّ فِي يَده لَعَرْقًا , فَأُوحِيَ إِلَيْهِ , ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ , وَإِنَّ الْعَرْق لَفِي يَده , فَقَالَ : | لَقَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ . )* حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا هَمَّام , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : (أَمَرَ عُمَر نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَقَالَتْ زَيْنَب : يَا ابْن الْخَطَّاب , إِنَّك لَتَغَار عَلَيْنَا وَالْوَحْي يَنْزِل فِي بُيُوتنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } . )* حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوب النَّهْرَانِيّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن عَبْد رَبّه , قَالَ : ثني ابْن حَرْب , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى | الْمَنَاصِع | وَهُوَ صَعِيد أَفْيَح ; وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْجُبْ نِسَاءَك , فَلَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل , فَخَرَجَتْ سَوْدَة بِنْت زَمْعَةَ زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة مِنْ اللَّيَالِي عِشَاء , وَكَانَتْ امْرَأَة طَوِيلَة , فَنَادَاهَا عُمَر بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى : قَدْ عَرَفْنَاك يَا سَوْدَة , حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَاب , قَالَتْ عَائِشَة : فَأَنْزَلَ اللَّه الْحِجَابَ , قَالَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا } . . . الْآيَةَ.)|وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ|وَقَوْله : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه , وَمَا يَصْلُح ذَلِكَ لَكُمْ { وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْده أَبَدًا } يَقُول : وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْده أَبَدًا لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ , وَلَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي رَجُل كَانَ يَدْخُل قَبْلَ الْحِجَاب , قَالَ : لَئِنْ مَاتَ مُحَمَّد لَأَتَزَوَّجَنَّ امْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ سَمَّاهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْده أَبَدًا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21840 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْده أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّه عَظِيمًا } قَالَ : رُبَّمَا بَلَغَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُول : لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ بَعْده , قَالَ : فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه } .. . الْآيَة . )21841 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِر (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ , وَقَدْ مَلَكَ قَيْلَةَ بِنْت الْأَشْعَث , فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل بَعْدَ ذَلِكَ , فَشَقَّ عَلَى أَبِي بَكْر مَشَقَّة شَدِيدَة , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا خَلِيفَة رَسُول اللَّه إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ إِنَّهَا لَمْ يُخَيِّرهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْجُبهَا , وَقَدْ بَرَّأَهَا مِنْهُ بِالرِّدَّةِ الَّتِي ارْتَدَّتْ مَعَ قَوْمهَا , فَاطْمَأَنَّ أَبُو بَكْر وَسَكَنَ . )* حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِر , (أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَقَدْ مَلَكَ بِنْت الْأَشْعَث بْن قَيْس , وَلَمْ يُجَامِعهَا , ذَكَرَ نَحْوَهُ .)|أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ|وَقَوْله : { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّه عَظِيمًا } يَقُول : إِنَّ أَذَاكُمْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِكَاحكُمْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْده عِنْدَ اللَّه عَظِيم مِنْ الْإِثْم .

بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ تُظْهِرُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ شَيْئًا أَيّهَا النَّاس مِنْ مُرَاقَبَة النِّسَاء , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَوْ أَذًى لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ : لَأَتَزَوَّجَنَّ زَوْجَتَهُ بَعْدَ وَفَاته , { أَوْ تُخْفُوهُ } يَقُول : أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا , يَقُول : فَإِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ ذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُوركُمْ وَأُمُور غَيْركُمْ , عَلِيم لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَهُوَ يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ .

إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانهنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانهنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتهنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا حَرَج عَلَى أَزْوَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا إِثْم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاح فِي هَؤُلَاءِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وُضِعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاح فِي وَضْع جَلَابِيبهنَّ عِنْدَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21842 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ } . . . الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : أَنْ تَضَعَ الْجِلْبَابَ . )21843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ } وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَنْ يَرَوْهُنَّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : وُضِعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاح فِيهِنَّ فِي تَرْك الِاحْتِجَاب . 21844 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله ( { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ } . . . إِلَى { شَهِيدًا } : فَرَخَّصَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ وَضْع الْجُنَاح عَنْهُنَّ فِي هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة عَقِيبَ آيَة الْحِجَاب , وَبَعْد قَوْل اللَّه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب } فَلَا يَكُون قَوْله : { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ } اسْتِثْنَاء مِنْ جُمْلَة الَّذِينَ أُمِرُوا بِسُؤَالِهِنَّ الْمَتَاع مِنْ وَرَاء الْحِجَاب إِذَا سَأَلُوهُنَّ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَشْبَه مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَر مُبْتَدَإِ عَنْ غَيْر ذَلِكَ الْمَعْنَى . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : لَا إِثْمَ عَلَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فِي إِذْنهنَّ لِآبَائِهِنَّ , وَتَرْك الْحِجَاب مِنْهُنَّ , وَلَا لِأَبْنَائِهِنَّ وَلَا لِإِخْوَانِهِنَّ , وَلَا لِأَبْنَاءِ إِخْوَانهنَّ , وَعَنَى بِإِخْوَانِهِنَّ وَأَبْنَاء إِخْوَانهنَّ إِخْوَتهنَّ وَأَبْنَاء إِخْوَتهنَّ , وَخَرَجَ مَعَهُمْ جَمْع ذَلِكَ مَخْرَج جَمْع فَتًى إِذَا جُمِعَ فِتْيَان , فَكَذَلِكَ جَمْع أَخ إِذَا جُمِعَ إِخْوَان . وَأَمَّا إِذَا جُمِعَ إِخْوَة , فَذَلِكَ نَظِير جَمْع فَتَى إِذَا جُمِعَ فِتْيَة , وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانهنَّ , وَلَمْ يُذْكَر فِي ذَلِكَ الْعَمّ عَلَى مَا قَالَ الشَّعْبِيّ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَصِفهُنَّ لِأَبْنَائِهِ . 21845 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُدَ , عَنِ الشَّعْبِيّ وَعِكْرِمَة فِي قَوْله : { لَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانهنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانهنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتهنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } قُلْت : مَا شَأْن الْعَمّ وَالْخَال لَمْ يُذْكَرَا ؟ قَالَ : لِأَنَّهُمَا يَنْعَتَانِهَا لِأَبْنَائِهِمَا , وَكَرِهَا أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عِنْدَ خَالهَا وَعَمّهَا . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر يَنْعَتَانِهَا. وَقَوْله : { وَلَا نِسَائِهِنَّ } يَقُول : وَلَا جُنَاح عَلَيْهِنَّ أَيْضًا فِي أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا : 21846 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَا نِسَائِهِنَّ } قَالَ : نِسَاء الْمُؤْمِنَات الْحَرَائِر لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَرَيْنَ تِلْكَ الزِّينَةَ , قَالَ : وَإِنَّمَا هَذَا كُلّه فِي الزِّينَة , قَالَ : وَلَا يَجُوز لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى شَيْء مِنْ عَوْرَة الْمَرْأَة , قَالَ : وَلَوْ نَظَر الرَّجُل إِلَى فَخِذ الرَّجُل لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا , قَالَ : { وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكْشِف قُرْطَهَا لِلرَّجُلِ , قَالَ : وَأَمَّا الْكُحْل وَالْخَاتَم وَالْخِضَاب , فَلَا بَأْسَ بِهِ , قَالَ : وَالزَّوْج لَهُ فَضْل , وَالْآبَاء مِنْ وَرَاء الرَّجُل لَهُمْ فَضْل . قَالَ : وَالْآخَرُونَ يَتَفَاضَلُونَ , قَالَ : وَهَذَا كُلّه يَجْمَعهُ مَا ظَهَرَ مِنْ الزِّينَة , قَالَ : وَكَانَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ الْمَمَالِيك . )وَقَوْله : { وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ النِّسَاء.|وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا|وَقَوْله : { وَاتَّقِينَ اللَّهَ } يَقُول : وَخِفْنَ اللَّهَ أَيّهَا النِّسَاء أَنْ تَتَعَدَّيْنَ مَا حَدّ اللَّه لَكُنَّ , فَتُبْدِينَ مِنْ زِينَتكُنَّ مَا لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُبْدِينَهُ , أَوْ تَتْرُكْنَ الْحِجَابَ الَّذِي أَمَرَكُنَّ اللَّه بِلُزُومِهِ , إِلَّا فِيمَا أَبَاحَ لَكُنَّ تَرْكَهُ , وَالْزَمْنَ طَاعَتَهُ { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ شَاهِد عَلَى مَا تَفْعَلْنَهُ مِنْ احْتِجَابكُنَّ , وَتَرْككُنَّ الْحِجَابَ لِمَنْ أَبَحْت لَكُنَّ تَرْكَ ذَلِكَ لَهُ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُنَّ ; يَقُول : فَاتَّقِينَ اللَّهَ فِي أَنْفُسكُنَّ لَا تَلْقَيْنَ اللَّه , وَهُوَ شَاهِد عَلَيْكُمْ بِمَعْصِيَتِهِ , وَخِلَاف أَمْره وَنَهْيه , فَتَهْلَكْنَ , فَإِنَّهُ شَاهِد عَلَى كُلّ شَيْء .

وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا : 21847 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } يَقُول : يُبَارِكُونَ عَلَى النَّبِيّ. )وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ يَرْحَم النَّبِيَّ , وَتَدْعُو لَهُ مَلَائِكَته وَيَسْتَغْفِرُونَ , وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ غَيْر اللَّه إِنَّمَا هُوَ دُعَاء , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته. { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْعُوا لِنَبِيِّ اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلِّمْ { وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ تَسْلِيمًا } يَقُول : وَحَيُّوهُ تَحِيَّة الْإِسْلَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21848 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عُثْمَان بْن مَوْهِب , عَنْ مُوسَى بْن طَلْحَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَتَى رَجُل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : سَمِعْت اللَّهَ يَقُول : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ } . . . الْآيَة , فَكَيْفَ الصَّلَاة عَلَيْك ؟ فَقَالَ : | قُلْ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِ مُحَمَّد , كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . )21849 - حَدَّثَنِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْكُوفِيّ , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن الْأَجْلَح , عَنِ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } قُمْت إِلَيْهِ , فَقُلْت : السَّلَام عَلَيْك قَدْ عَرَفْنَاهُ , فَكَيْفَ الصَّلَاة عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : | قُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم , إِنَّك حَمِيد مَجِيد , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . )21850 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْرَائِيل , عَنْ يُونُس بْن خَبَّاب , قَالَ : (خَطَبَنَا بِفَارِس فَقَالَ : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ } . . الْآيَة , فَقَالَ : أَنْبَأَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاس يَقُول : هَكَذَا أُنْزِلَ , فَقُلْنَا : أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْك , فَكَيْفَ الصَّلَاة عَلَيْك ؟ فَقَالَ : | اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم , إِنَّك حَمِيد مَجِيد , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . )21851 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ زِيَاد , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله ( { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ } . . . الْآيَة , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه هَذَا السَّلَام قَدْ عَرَفْنَاهُ , فَكَيْفَ الصَّلَاة عَلَيْك ؟ فَقَالَ : قُولُوا | اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْدك وَرَسُولك وَأَهْل بَيْته كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد . )21852 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر بْن مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه هَذَا السَّلَام قَدْ عَرَفْنَاهُ , فَكَيْفَ الصَّلَاة , وَقَدْ غَفَرَ اللَّه لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : | قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى آل إِبْرَاهِيم , اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى آل إِبْرَاهِيم | )21853 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ عَلِمْنَا السَّلَام عَلَيْك , فَكَيْفَ الصَّلَاة عَلَيْك ؟ قَالَ : | قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد , كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيم , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيم | وَقَالَ الْحَسَن : وَاللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتك وَبَرَكَاتك عَلَى آل مُحَمَّد , كَمَا جَعَلْتهَا عَلَى إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد | .)

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ } إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَبَّهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَرُكُوبهمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَصْحَاب التَّصَاوِير , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرُومُونَ تَكْوِينَ خَلْق مِثْل خَلْق اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21854 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَلَمَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمْ أَصْحَاب التَّصَاوِير . )21855 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } قَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّه مَا زَالَ أُنَاس مِنْ جَهَلَة بَنِي آدَم حَتَّى تَعَاطَوْا أَذَى رَبّهمْ ; وَأَمَّا أَذَاهُمْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ طَعْنهمْ عَلَيْهِ فِي نِكَاحه صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ فِيمَا ذُكِرَ . )21856 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اتَّخَذَ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ بْن أَخْطَبَ . )وَقَوْله : { لَعَنَهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَبْعَدَهُمُ اللَّه مِنْ رَحْمَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابًا يُهِينهُمْ فِيهِ بِالْخُلُودِ فِيهِ .

أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ

وَقَوْله : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ } كَانَ مُجَاهِد يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله { يُؤْذُونَ } إِلَى يَقْفُونَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ : 21857 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ } قَالَ : يَقْفُونَ. )فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى مَا قَالَ مُجَاهِد : وَالَّذِينَ يَقْفُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , وَيَعِيبُونَهُمْ طَلَبًا لِشَيْنِهِمْ { بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } يَقُول : بِغَيْرِ مَا عَمِلُوا , كَمَا : 21858 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } قَالَ عَمِلُوا . )21859 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَثَّامُ بْن عَلِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَرَأَ ابْن عُمَر : ( { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } قَالَ : فَكَيْفَ إِذَا أُوذِيَ بِالْمَعْرُوفِ , فَذَلِكَ يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب . )* حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّامُ بْن عَلِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ثَوْر , عَنِ ابْن عُمَر ( { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } قَالَ : كَيْفَ بِالَّذِي يَأْتِي إِلَيْهِمْ الْمَعْرُوف . )21860 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } فَإِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِن , فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطهُ , وَيَغْضَب لَهُ . )وَقَوْله : { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } يَقُول : فَقَدِ احْتَمَلُوا زُورًا وَكَذِبًا وَفِرْيَة شَنِيعَة ; وَبُهْتَان : أَفْحَش الْكَذِب { وَإِثْمًا مُبِينًا } يَقُول : وَإِثْمًا يُبَيِّن لِسَامِعِهِ أَنَّهُ إِثْم وَزُور.

فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ , لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسهنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ لِحَاجَتِهِنَّ , فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ , وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ , لِئَلَّا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق , إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِر بِأَذًى مِنْ قَوْل , ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْإِدْنَاء الَّذِي أَمَرَهُنَّ اللَّه بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ , فَلَا يُبْدِينَ مِنْهُنَّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21861 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } أَمَرَ اللَّه نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ فِي حَاجَة أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْق رُءُوسهنَّ بِالْجَلَابِيبِ , وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَة . )21862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } فَلَبِسَهَا عِنْدَنَا ابْن عَوْن , قَالَ : وَلَبِسَهَا عِنْدَنَا مُحَمَّد , قَالَ مُحَمَّد : وَلَبِسَهَا عِنْدِي عُبَيْدَة ; قَالَ ابْن عَوْن بِرِدَائِهِ , فَتَقَنَّعَ بِهِ , فَغَطَّى أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ الْيُسْرَى , وَأَخْرَجَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى , وَأَدْنَى رِدَاءَهُ مِنْ فَوْق حَتَّى جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ حَاجِبه أَوْ عَلَى الْحَاجِب . )21863 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنِ ابْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة , عَنْ قَوْله : ( { قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } قَالَ : فَقَالَ بِثَوْبِهِ , فَغَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ , وَأَبْرَزَ ثَوْبَهُ عَنْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُمِرْنَ أَنْ يَشْدُدْنَ جَلَابِيبهنَّ عَلَى جِبَاههنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } .... إِلَى قَوْله : { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } قَالَ : كَانَتْ الْحُرَّة تَلْبَس لِبَاس الْأَمَة , فَأَمَرَ اللَّه نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ; وَإِدْنَاء الْجِلْبَاب : أَنْ تَقَنَّعَ وَتَشُدّ عَلَى جَبِينهَا. )21865 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ } أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ أَنْ يُقَنَّعْنَ عَلَى الْحَوَاجِب { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } وَقَدْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَة إِذَا مَرَّتْ تَنَاوَلُوهَا بِالْإِيذَاءِ , فَنَهَى اللَّه الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ . )21866 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَم أَنَّهُنَّ حَرَائِر فَلَا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق بِأَذًى مِنْ قَوْل وَلَا رِيبَة . )21867 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : (قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة عَلَى غَيْر مَنْزِل , فَكَانَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرهنَّ إِذَا كَانَ اللَّيْل خَرَجْنَ يَقْضِينَ حَوَائِجَهُنَّ , وَكَانَ رِجَال يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيق لِلْغَزْلِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يُقَنَّعْنَ بِالْجِلْبَابِ حَتَّى تُعْرَف الْأَمَة مِنْ الْحُرَّة .)|جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا|وَقَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِدْنَاؤُهُنَّ جَلَابِيبهنَّ إِذَا أَدْنَيْنَهَا عَلَيْهِنَّ أَقْرَب وَأَحْرَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِمَّنْ مَرَرْنَ بِهِ , وَيَعْلَمُوا أَنَّهُنَّ لَسْنَ بِإِمَاءٍ , فَيَتَنَكَّبُوا عَنْ أَذَاهُنَّ بِقَوْلٍ مَكْرُوه , أَوْ تَعَرُّض بِرِيبَةٍ { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكهنَّ إِدْنَاءَهُنَّ الْجَلَابِيبَ عَلَيْهِنَّ { رَحِيمًا } بِهِنَّ أَنْ يُعَاقِبهُنَّ بَعْد تَوْبَتهنَّ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيب عَلَيْهِنَّ.

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَهْل النِّفَاق , الَّذِينَ يَسْتَسِرُّونَ الْكُفْرَ , وَيُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ { وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَعْنِي : رِيبَة مِنْ شَهْوَة الزِّنَا وَحُبّ الْفُجُور. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيلِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21868 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا مَالِك بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : هُمْ الزُّنَاة. )21869 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : شَهْوَة الزِّنَا . )* قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح التَّمَّار , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَةَ فِي قَوْله : ( { فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : شَهْوَة الزِّنَا . )21870 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح ( { وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : الزُّنَاة . )21871 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } ... الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ صِنْف مِنْ الْمُنَافِقِينَ { وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } أَصْحَاب الزِّنَا , قَالَ : أَهْل الزِّنَا مِنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ يَطْلُبُونَ النِّسَاء فَيَبْتَغُونَ الزِّنَا . وَقَرَأَ : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض } [33 32 ]قَالَ : وَالْمُنَافِقُونَ أَصْنَاف عَشْرَة فِي بَرَاءَة , قَالَ : فَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض صِنْف مِنْهُمْ مَرَض مِنْ أَمْر النِّسَاء.)|وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ|وَقَوْله : { وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة } يَقُول : وَأَهْل الْإِرْجَاف فِي الْمَدِينَة بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِل , وَكَانَ إِرْجَافهمْ فِيمَا ذُكِرَ كَالَّذِي : 21872 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة } .... الْآيَة , الْإِرْجَاف : الْكَذِب الَّذِي كَانَ نَافَقَهُ أَهْل النِّفَاق , وَكَانُوا يَقُولُونَ : أَتَاكُمْ عَدَد وَعُدَّة . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يُظْهِرُوا مَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ النِّفَاق , فَأَوْعَدَهُمُ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } .... الْآيَة ; فَلَمَّا أَوْعَدَهُمُ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة كَتَمُوا ذَلِكَ وَأَسَرُّوهُ. )21873 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة } هُمْ أَهْل النِّفَاق أَيْضًا الَّذِينَ يُرْجِفُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . )وَقَوْله : { لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ } يَقُول : لَنُسَلِّطَنَّك عَلَيْهِمْ وَلَنُحَرِّشَنَّكَ بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21874 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ } يَقُول : لَنُسَلِّطَنَّك عَلَيْهِمْ . )21875 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ } : أَيْ لَنَحْمِلَنَّكَ عَلَيْهِمْ لَنُحَرِّشَنَّك بِهِمْ.)|ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا|قَوْله : { ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : ثُمَّ لَأَنْفِيَنهمْ عَنْ مَدِينَتك فَلَا يَسْكُنُونَ مَعَك فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمُدَّة وَالْأَجَل , حَتَّى تَنْفِيَهُمْ عَنْهَا , فَنُخْرِجَهُمْ مِنْهَا , كَمَا : 21876 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا } أَيْ بِالْمَدِينَةِ .)

عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ

وَقَوْله : { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَطْرُودِينَ مَنْفِيِّينَ { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } يَقُول : حَيْثُمَا لُقُوا مِنَ الْأَرْض أُخِذُوا وَقُتِّلُوا لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَقْتِيلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21877 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَلْعُونِينَ } عَلَى كُلّ حَال { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } أُخِذُوا { وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا } إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ . )وَنُصِبَ قَوْله : { مَلْعُونِينَ } عَلَى الشَّتْم , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُونَ الْقَلِيل مِنْ صِفَة الْمَلْعُونِينَ , فَيَكُون قَوْله مَلْعُونِينَ مَرْدُودًا عَلَى الْقَلِيل , فَيَكُون مَعْنَاهُ : ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إِلَّا أَقِلَّاء مَلْعُونِينَ يُقَتَّلُونَ حَيْثُ أُصِيبُوا .

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل } هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ فِي مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ مِنْ ضُرَبَاء هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ , إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا نِفَاقَهُمْ أَنْ يُقَتِّلَهُمْ تَقْتِيلًا , وَيَلْعَنهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21878 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل } ... الْآيَة , يَقُول : هَكَذَا سُنَّة اللَّه فِيهِمْ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ .)|وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا|وَقَوْله : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَنْ تَجِد يَا مُحَمَّد لِسُنَّةِ اللَّه الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقه تَغْيِيرًا , فَأَيْقَنَ أَنَّهُ غَيْر مُغَيِّر فِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ سُنَّته .

بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُك النَّاس عَنِ السَّاعَة قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْدَ اللَّه وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُون قَرِيبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَسْأَلُك النَّاس } يَا مُحَمَّد { عَنِ السَّاعَة } مَتَى هِيَ قَائِمَة ؟ قُلْ لَهُمْ : إِنَّمَا عِلْم السَّاعَة { عِنْدَ اللَّه } لَا يَعْلَم وَقْتَ قِيَامهَا غَيْره { وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُون قَرِيبًا } يَقُول : وَمَا أَشْعَرَك يَا مُحَمَّد لَعَلَّ قِيَامَ السَّاعَة يَكُون مِنْك قَرِيبًا , قَدْ قَرُبَ وَقْت قِيَامهَا , وَدَنَا حِين مَجِيئِهَا .

لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ أَبْعَدَ الْكَافِرِينَ بِهِ مِنْ كُلّ خَيْر , وَأَقْصَاهُمْ عَنْهُ { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } يَقُول : وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة نَارًا تَتَّقِد وَتَتَسَعَّر لِيُصْلِيَهُمُوهَا { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } يَقُول : مَاكِثِينَ فِي السَّعِير أَبَدًا , إِلَى غَيْر نِهَايَة { لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا } يَتَوَلَّاهُمْ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ مِنَ السَّعِير الَّتِي أَصْلَاهُمُوهَا اللَّه { وَلَا نَصِيرًا } يَنْصُرهُمْ , فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عِقَاب اللَّه إِيَّاهُمْ .

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ

{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } يَقُول : مَاكِثِينَ فِي السَّعِير أَبَدًا , إِلَى غَيْر نِهَايَة { لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا } يَتَوَلَّاهُمْ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ مِنَ السَّعِير الَّتِي أُصْلَاهُمُوهَا اللَّه { وَلَا نَصِيرًا } يَنْصُرهُمْ , فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عِقَاب اللَّه إِيَّاهُمْ .

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي النَّار يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَجِد هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا فِي يَوْم تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي النَّار حَالًا بَعْدَ حَال { يَقُولُونَ } وَتِلْكَ حَالهمْ فِي النَّار : { يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ } فِي الدُّنْيَا وَأَطَعْنَا رَسُولَهُ , فِيمَا جَاءَنَا بِهِ عَنْهُ مِنْ أَمْره وَنَهْيه , فَكُنَّا مَعَ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , يَا لَهَا حَسْرَة وَنَدَامَة , مَا أَعْظَمهَا وَأَجَلّهَا .

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الْكَافِرُونَ يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم : رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا أَئِمَّتنَا فِي الضَّلَالَة وَكُبَرَاءَنَا فِي الشِّرْك { فَضَلُّونَا السَّبِيلَ } يَقُول : فَأَزَالُونَا عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَطَرِيق الْهُدَى , وَالْإِيمَان بِك , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِك , وَإِخْلَاص طَاعَتك فِي الدُّنْيَا { رَبّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب } يَقُول : عَذِّبْهُمْ مِنْ الْعَذَاب مِثْلَيْ عَذَابنَا الَّذِي تَعَذَّبْنَا { وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } يَقُول : وَاخْزِهِمْ خِزْيًا كَبِيرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21879 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا } أَيْ رُءُوسنَا فِي الشَّرّ وَالشِّرْك . 21880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا } قَالَ : هُمْ رُءُوس الْأُمَم الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ , قَالَ : سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا وَاحِد . وَقَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { سَادَتنَا } . وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : | سَادَاتنَا | عَلَى الْجِمَاع , وَالتَّوْحِيدُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدَنَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَعْنًا كَبِيرًا } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار بِالثَّاءِ : | وَكَثِيرًا | مِنَ الْكَثْرَة , سِوَى عَاصِم , فَإِنَّهُ قَرَأَهُ { لَعْنًا كَبِيرًا } مِنَ الْكِبَر , وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالثَّاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الْكَافِرُونَ يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم : رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا أَئِمَّتنَا فِي الضَّلَالَة وَكُبَرَاءَنَا فِي الشِّرْك { فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ } يَقُول : فَأَزَالُونَا عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَطَرِيق الْهُدَى , وَالْإِيمَان بِك , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِك , وَإِخْلَاص طَاعَتك فِي الدُّنْيَا { رَبّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب } يَقُول : عَذِّبْهُمْ مِنْ الْعَذَاب مِثْلَيْ عَذَابنَا الَّذِي تَعَذَّبْنَا { وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } يَقُول : وَاخْزِهِمْ خِزْيًا كَبِيرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21879 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا } أَيْ رُءُوسنَا فِي الشَّرّ وَالشِّرْك. 21880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا } قَالَ : هُمْ رُءُوس الْأُمَم الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ , قَالَ : سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا وَاحِد . وَقَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { سَادَتنَا } , وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : | سَادَاتنَا | عَلَى الْجِمَاع , وَالتَّوْحِيدُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدَنَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَعْنًا كَبِيرًا } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار بِالثَّاءِ : | وَكَثِيرًا | مِنْ الْكَثْرَة , سِوَى عَاصِم , فَإِنَّهُ قَرَأَهُ { لَعْنًا كَبِيرًا } مِنَ الْكِبَر . وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالثَّاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .

يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِأَصْحَابِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله لَا تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّه بِقَوْلٍ يَكْرَههُ مِنْكُمْ , وَلَا بِفِعْلٍ لَا يُحِبّهُ مِنْكُمْ , وَلَا تَكُونُوا أَمْثَالَ الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى نَبِيّ اللَّه , فَرَمَوْهُ بِعَيْبٍ كَذِبًا وَبَاطِلًا { فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا } فِيهِ مِنَ الْكَذِب وَالزُّور بِمَا أَظْهَرَ مِنَ الْبُرْهَان عَلَى كَذِبهمْ { وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا } يَقُول : وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ اللَّه مُشَفَّعًا فِيمَا يَسْأَل , ذَا وَجْه وَمَنْزِلَة عِنْده بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَذَى الَّذِي أُوذِيَ بِهِ مُوسَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : رَمَوْهُ بِأَنَّهُ آدَر , وَرُوِيَ بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا . ذِكْر الرِّوَايَة الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ , وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21881 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنِ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } قَالَ : قَالَ لَهُ قَوْمه : إِنَّك آدَر , قَالَ : فَخَرَجَ ذَات يَوْم يَغْتَسِل , فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَة , فَخَرَجَتْ الصَّخْرَة تَشْتَدّ بِثِيَابِهِ , وَخَرَجَ يَتْبَعهَا عُرْيَانًا حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَجَالِس بَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : فَرَأَوْهُ لَيْسَ بِآدَر , قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا } . )21882 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن دَاوُدَ الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } قَالَ : قَالُوا : هُوَ آدَر , قَالَ : فَذَهَبَ مُوسَى يَغْتَسِل , فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَر , فَمَرَّ الْحَجَر بِثِيَابِهِ , فَتَبِعَ مُوسَى قَفَاهُ , فَقَالَ : ثِيَابِي حَجَر , فَمَرَّ بِمَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ , فَرَأَوْهُ , فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا | { وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا } . )21883 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } ... إِلَى { وَجِيهًا } قَالَ : كَانَ أَذَاهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ قَالُوا : وَاللَّه مَا يَمْنَع مُوسَى أَنْ يَضَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَر , فَآذَى ذَلِكَ مُوسَى ; فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم يَغْتَسِل وَثَوْبه عَلَى صَخْرَة ; فَلَمَّا قَضَى مُوسَى غُسْله وَذَهَبَ إِلَى ثَوْبه لِيَأْخُذَهُ , انْطَلَقَتْ الصَّخْرَة تَسْعَى بِثَوْبِهِ , وَانْطَلَقَ يَسْعَى فِي أَثَرهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَى مَجْلِس بَنِي إِسْرَائِيل وَهُوَ يَطْلُبهَا ; فَلَمَّا رَأَوْا مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَجَرِّدًا لَا ثَوْبَ عَلَيْهِ قَالُوا : وَلِلَّهِ مَا نَرَى بِمُوسَى بَأْسًا , وَإِنَّهُ لَبَرِيءٌ مِمَّا كُنَّا نَقُول لَهُ , فَقَالَ اللَّه : { فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا } . )21884 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } ... الْآيَة , قَالَ : كَانَ مُوسَى رَجُلًا شَدِيد الْمُحَافَظَة عَلَى فَرْجه وَثِيَابه , قَالَ : فَكَانُوا يَقُولُونَ : مَا يَحْمِلهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا عَيْب فِي فَرْجه يَكْرَه أَنْ يُرَى ; فَقَامَ يَوْمًا يَغْتَسِل فِي الصَّحْرَاء , فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَة , فَاشْتَدَّتْ بِثِيَابِهِ , قَالَ : وَجَاءَ يَطْلُبهَا عُرْيَانًا , حَتَّى اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ عُرْيَانًا , فَرَأَوْهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالُوا , وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا . قَالَ : وَالْوَجِيه فِي كَلَام الْعَرَب : الْمُحِبّ الْمَقْبُول . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ أَبْرَص. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21885 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (قَالَ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّ مُوسَى آدَر ; وَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ أَبْرَص مِنْ شِدَّة تَسَتُّره , وَكَانَ يَأْتِي كُلَّ يَوْم عَيْنًا , فَيَغْتَسِل وَيَضَع ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَة عِنْدَهَا , فَعَدَتْ الصَّخْرَة بِثِيَابِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَجْلِس بَنِي إِسْرَائِيل , وَجَاءَ مُوسَى يَطْلُبهَا ; فَلَمَّا رَأَوْهُ عُرْيَانًا لَيْسَ بِهِ شَيْء مِمَّا قَالُوا , لَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّخْرَة يَضْرِبهَا بِعَصَاهُ , فَأَثَّرَتْ الْعَصَا فِي الصَّخْرَة . )* حَدَّثَنَا بَحْر بْن حَبِيب بْن عَرَبِيّ , قَالَ : ثنا رُوح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي هَذِهِ الْآيَة ( { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا } ... الْآيَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا , لَا يَكَاد يُرَى مِنْ جِلْده شَيْء اسْتِحْيَاء مِنْهُ , فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ , وَقَالُوا : مَا تَسَتَّرَ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْب فِي جِلْده , إِمَّا بَرَصٌ , وَإِمَّا أُدْرَة , وَإِمَّا آفَة , وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا , وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ , فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَر , ثُمَّ اغْتَسَلَ ; فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْله أَقْبَلَ عَلَى ثَوْبه لِيَأْخُذَهُ , وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ , فَأَخَذَ مُوسَى عَصَا وَطَلَبَ الْحَجَر , وَجَعَلَ يَقُول : ثَوْبِي حَجَر , حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا كَأَحْسَنِ النَّاس خَلْقًا , وَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا , وَإِنَّ الْحَجَر قَامَ , فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ , فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِذَلِكَ , فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي الْحَجَر لَنَدْبًا مِنْ أَثَر ضَرْبه ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا . )21886 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | كَانَ مُوسَى رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا | ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ. )21887 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : حَدَّثَ الْحَسَن , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا يَغْتَسِلُونَ وَهُمْ عُرَاة , وَكَانَ نَبِيّ اللَّه مُوسَى حَيِيًّا , فَكَانَ يَتَسَتَّر إِذَا اغْتَسَلَ , فَطَعَنُوا فِيهِ بِعَوْرَةٍ , قَالَ : فَبَيْنَا نَبِيّ اللَّه يَغْتَسِل يَوْمًا , إِذْ وَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَة , فَانْطَلَقَتْ الصَّخْرَة وَاتَّبَعَهَا نَبِيّ اللَّه ضَرْبًا بِعَصَاهُ : ثَوْبِي يَا حَجَر , ثَوْبِي يَا حَجَر , حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , أَوْ تَوَسَّطَهُمْ , فَقَامَتْ , فَأَخَذَ نَبِيّ اللَّه ثِيَابَهُ , فَنَظَرُوا إِلَى أَحْسَن النَّاس خَلْقًا , وَأَعْدَله مُرُوءَة , فَقَالَ الْمَلَأ : قَاتَلَ اللَّه أَفَّاكِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَكَانَتْ بَرَاءَته الَّتِي بَرَّأَهُ اللَّه مِنْهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْل هَارُون أَخِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21888 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } ... الْآيَة , قَالَ : صَعِدَ مُوسَى وَهَارُون الْجَبَلَ , فَمَاتَ هَارُون , فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : أَنْتَ قَتَلْته , وَكَانَ أَشَدّ حُبًّا لَنَا مِنْك , وَأَلْيَن لَنَا مِنْك , فَآذَوْهُ بِذَلِكَ , فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلَتْهُ حَتَّى مَرُّوا بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَتَكَلَّمَتْ الْمَلَائِكَة بِمَوْتِهِ , حَتَّى عَرَفَ بَنُو إِسْرَائِيل أَنَّهُ قَدْ مَاتَ , فَبَرَّأَهُ اللَّه مِنْ ذَلِكَ فَانْطَلَقُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ , فَلَمْ يَطَّلِع عَلَى قَبْره أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه إِلَّا الرَّخَم , فَجَعَلَهُ اللَّه أَصَمّ أَبْكَم . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل آذَوْا نَبِيّ اللَّه بِبَعْضِ مَا كَانَ يَكْرَه أَنْ يُؤْذَى بِهِ , فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا آذَوْهُ بِهِ , وَجَائِز أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ قِيلهمْ إِنَّهُ أَبْرَص , وَجَائِز أَنْ يَكُونَ كَانَ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْل أَخِيهِ هَارُون , وَجَائِز أَنْ يَكُونَ كُلّ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ كُلّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ آذَوْهُ بِهِ , وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّا قَالَ اللَّه إِنَّهُمْ آذَوْا مُوسَى , فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا .

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ , فَتَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ عُقُوبَته . وَقَوْله : { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } يَقُول : قُولُوا فِي رَسُول اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ قَوْلًا قَاصِدًا غَيْرَ جَائِز , حَقًّا غَيْر بَاطِل , كَمَا : 21889 -حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } يَقُول : سَدَادًا . )21890 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنِ الْكَلْبِيّ ( { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } قَالَ : صِدْقًا . )21891 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } أَيْ عَدْلًا , قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي بِهِ فِي مَنْطِقه وَفِي عَمَله كُلّه , وَالسَّدِيد : الصِّدْق . )21892 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنِ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْل اللَّه : ( { وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } قُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه.)

قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ

وَقَوْله : { يُصْلِح لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا السَّدَاد مِنْ الْقَوْل يُوَفِّقكُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَال , فَيُصْلِح أَعْمَالَكُمْ { وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } يَقُول : وَيَعْفُ لَكُمْ عَنْ ذُنُوبكُمْ , فَلَا يُعَاقِبكُمْ عَلَيْهَا { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَيَعْمَل بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَاهُ , وَيَقُلْ السَّدِيدَ { فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } يَقُول : فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَرَامَةِ الْعُظْمَى مِنَ اللَّه .

فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ طَاعَتَهُ وَفَرَائِضَهُ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال عَلَى أَنَّهَا إِنْ أَحْسَنَتْ أُثِيبَتْ وَجُوزِيَتْ , وَإِنْ ضَيَّعَتْ عُوقِبَتْ , فَأَبَتْ حَمْلهَا شَفَقًا مِنْهَا أَنْ لَا تَقُومَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهَا , وَحَمَلَهَا آدَم { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا } لِنَفْسِهِ { جَهُولًا } بِالَّذِي فِيهِ الْحَظّ لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21893 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } قَالَ : الْأَمَانَة : الْفَرَائِض الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّه عَلَى الْعِبَاد . )21894 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنِ الْعَوَّام , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا } قَالَ : الْأَمَانَة : الْفَرَائِض الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّه عَلَى عِبَاده . )21895 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب وَجُوَيْبِر , كِلَاهُمَا عَنِ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } ... إِلَى قَوْله { جَهُولًا } قَالَ : الْأَمَانَة : الْفَرَائِض . قَالَ جُوَيْبِر فِي حَدِيثه : فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى آدَم , قَالَ : أَيْ رَبّ وَمَا الْأَمَانَة ؟ قَالَ : قِيلَ : إِنْ أَدَّيْتهَا جُزِيت , وَإِنْ ضَيَّعْتهَا عُوقِبْت , قَالَ : أَيْ رَبّ حَمَلْتهَا بِمَا فِيهَا , قَالَ : فَمَا مَكَثَ فِي الْجَنَّة إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس حَتَّى عَمِلَ بِالْمَعْصِيَةِ , فَأُخْرِجَ مِنْهَا . )* حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } قَالَ : عُرِضَتْ عَلَى آدَم , فَقَالَ : خُذْهَا بِمَا فِيهَا , فَإِنْ أَطَعْت غَفَرْت لَك , وَإِنْ عَصَيْت عَذَّبْتُك , قَالَ : قَدْ قَبِلْت , فَمَا كَانَ إِلَّا قَدْر مَا بَيْن الْعَصْر إِلَى اللَّيْل مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم حَتَّى أَصَابَ الْخَطِيئَةَ. )* حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ , وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ , فَكَرِهُوا ذَلِكَ , وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْر مَعْصِيَة , وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّه أَنْ لَا يَقُومُوا بِهَا , ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَم , فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا , وَهُوَ قَوْله : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } غِرًّا بِأَمْرِ اللَّه . )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبَى , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } : الطَّاعَةَ عَرَضَهَا عَلَيْهَا قَبْل أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى آدَم , فَلَمْ تُطِقْهَا , فَقَالَ لِآدَمَ : يَا آدَم إِنِّي قَدْ عَرَضْت الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , فَلَمْ تُطِقْهَا , فَهَلْ أَنْتَ آخِذهَا بِمَا فِيهَا ؟ فَقَالَ : يَا رَبّ : وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت , وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت , فَأَخَذَهَا آدَم فَتَحَمَّلَهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } . )21896 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } قَالَ آدَم : قِيلَ لَهُ : خُذْهَا بِحَقِّهَا , قَالَ : وَمَا حَقّهَا ؟ قِيلَ : إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت , وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت , فَمَا لَبِثَ مَا بَيْنَ الظُّهْر وَالْعَصْر حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهَا . )21897 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } فَلَمْ يُطِقْنَ حَمْلهَا , فَهَلْ أَنْتَ يَا آدَم آخِذهَا بِمَا فِيهَا قَالَ آدَم : وَمَا فِيهَا يَا رَبّ ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت , وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت , فَقَالَ : تَحَمَّلْتهَا , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قَدْ حَمَّلْتُكهَا ; فَمَا مَكَثَ آدَم إِلَّا مِقْدَار مَا بَيْنَ الْأُولَى إِلَى الْعَصْر حَتَّى أَخْرَجَهُ إِبْلِيس لَعَنَهُ اللَّه مِنَ الْجَنَّة ; وَالْأَمَانَة : الطَّاعَة . )21898 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة , قَالَ : ثني عِيسَى بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي حَبِيب , عَنِ الْحَكَم بْن عَمْرو , وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ الْأَمَانَةَ وَالْوَفَاء نَزَلَا عَلَى ابْن آدَم مَعَ الْأَنْبِيَاء , فَأُرْسِلُوا بِهِ , فَمِنْهُمْ رَسُول اللَّه , وَمِنْهُمْ نَبِيّ , وَمِنْهُمْ نَبِيّ رَسُول . نَزَلَ الْقُرْآن وَهُوَ كَلَام اللَّه , وَنَزَلَتْ الْعَرَبِيَّة وَالْعَجَمِيَّة , فَعَلِمُوا أَمْر الْقُرْآن , وَعَلِمُوا أَمْر السُّنَن بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَلَمْ يَدَع اللَّه شَيْئًا مِنْ أَمْره مِمَّا يَأْتُونَ وَمِمَّا يَجْتَنِبُونَ , وَهِيَ الْحُجَج عَلَيْهِمْ , إِلَّا بَيَّنَّهُ لَهُمْ , فَلَيْسَ أَهْل لِسَان إِلَّا وَهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَسَن مِنَ الْقَبِيح , ثُمَّ الْأَمَانَة أَوَّل شَيْء يُرْفَع , وَيَبْقَى أَثَرهَا فِي جُذُور قُلُوب النَّاس , ثُمَّ يُرْفَع الْوَفَاء وَالْعَهْد وَالذِّمَم , وَتَبْقَى الْكُتُب , فَعَالِم يَعْمَل , وَجَاهِل يَعْرِفهَا وَيُنْكِرهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي , فَلَا يَهْلِك عَلَى اللَّه إِلَّا هَالِك , وَلَا يُغْفِلهُ إِلَّا تَارِك , وَالْحَذَر أَيّهَا النَّاس , وَإِيَّاكُمْ وَالْوَسْوَاس الْخَنَّاس , وَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا . )21899 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمَجِيد الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا الْعَوَّام الْعَطَّار , قَالَ : ثنا قَتَادَة , وَأَبَان بْن أَبِي عَيَّاش , عَنْ خُلَيْد الْعَصْرِيّ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَمْس مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَة مَعَ إِيمَان دَخَلَ الْجَنَّةَ : مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَات الْخَمْس , عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعهنَّ وَسُجُودهنَّ وَمَوَاقِيتهنَّ , وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مِنْ مَاله طَيِّب النَّفْس بِهَا | وَكَانَ يَقُول : | وَأَيْم اللَّه لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِن , وَصَامَ رَمَضَان , وَحَجّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا , وَأَدَّى الْأَمَانَةَ | قَالُوا : يَا أَبَا الدَّرْدَاء : وَمَا الْأَمَانَة ؟ قَالَ : الْغُسْل مِنَ الْجَنَابَة , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَن ابْنَ آدَم عَلَى شَيْء مِنْ دِينه غَيْرَهُ . )21900 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : (مِنَ الْأَمَانَة أَنَّ الْمَرْأَةَ اؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجهَا . )21901 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ أَنْ يَفْتَرِض عَلَيْهِنَّ الدِّين , وَيَجْعَل لَهُنَّ ثَوَابًا وَعِقَابًا , وَيَسْتَأْمِنهُنَّ عَلَى الدِّين , فَقُلْنَ : لَا , نَحْنُ مُسَخَّرَات لِأَمْرِك , لَا نُرِيد ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَعَرَضَهَا اللَّه عَلَى آدَم , فَقَالَ : بَيْن أُذُنِي وَعَاتِقِي | ; قَالَ ابْن زَيْد , فَقَالَ اللَّه لَهُ : أَمَا إِذْ تَحَمَّلْت هَذَا فَسَأُعِينُك , أَجْعَل لِبَصَرِك حِجَابًا , فَإِذَا خَشِيت أَنْ تَنْظُر إِلَى مَا لَا يَحِلّ لَك , فَأَرْخِ عَلَيْهِ حِجَابَهُ , وَاجْعَلْ لِلِسَانِك بَابًا وَغَلْقًا , فَإِذَا خَشِيت فَأَغْلِقْ , وَاجْعَلْ لِفَرْجِك لِبَاسًا , فَلَا تَكْشِفهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْت لَك . )21902 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } يَعْنِي بِهِ : الدِّين وَالْفَرَائِض وَالْحُدُود { فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } قِيلَ لَهُنَّ : احْمِلْنَهَا تُؤَدِّينَ حَقّهَا , فَقُلْنَ : لَا نُطِيق ذَلِكَ { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } قِيلَ لَهُ : أَتَحْمِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ : أَتُؤَدِّي حَقَّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ اللَّه : إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا عَنْ حَقّهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَمَانَات النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21903 -حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن السَّائِب , عَنْ زَاذَانَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه يُكَفِّر الذُّنُوبَ كُلَّهَا - أَوْ قَالَ : يُكَفِّر كُلّ شَيْء -إِلَّا الْأَمَانَة ; يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَة , فَيُقَال لَهُ : أَدِّ أَمَانَتَك , فَيَقُول : أَيْ رَبّ وَقَدْ ذَهَبَتْ الدُّنْيَا , ثَلَاثًا ; فَيُقَال : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَة فَيُذْهَب بِهِ إِلَيْهَا , فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرهَا , فَيَجِدهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا , فَيَحْمِلهَا , فَيَضَعهَا عَلَى عَاتِقه , فَيَصْعَد بِهَا إِلَى شَفِير جَهَنَّم , حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زَلَّتْ , فَهَوَى فِي أَثَرهَا أَبَد الْآبِدِينَ | . قَالُوا : وَالْأَمَانَة فِي الصَّلَاة , وَالْأَمَانَة فِي الصَّوْم , وَالْأَمَانَة فِي الْحَدِيث ; وَأَشَدّ ذَلِكَ الْوَدَائِع , فَلَقِيت الْبَرَاء فَقُلْت : أَلَا تَسْمَع إِلَى مَا يَقُول أَخُوك عَبْد اللَّه ؟ فَقَالَ : صَدَقَ . )* قَالَ : شَرِيك , وثني عَيَّاش الْعَامِرِيّ عَنْ زَاذَانَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , لَمْ يَذْكُر الْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاة , وَفِي كُلّ شَيْء . 21904 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ ابْن أَبِي هِلَال , عَنْ أَبِي حَازِم , قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى سَمَاء الدُّنْيَا , فَأَبَتْ ; ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا , حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا , ثُمَّ الْأَرَضِينَ ثُمَّ الْجِبَال , ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَم , فَقَالَ : نَعَمْ , بَيْن أُذُنِي وَعَاتِقِي , فَثَلَاث آمُرك بِهِنَّ , فَإِنَّهُنَّ لَك عَوْن : إِنِّي جَعَلْت لَك لِسَانًا بَيْن لَحْيَيْنِ , فَكُفَّهُ عَنْ كُلّ شَيْء نَهَيْتُك عَنْهُ ; وَجَعَلْت لَك فَرْجًا وَوَارَيْته , فَلَا تَكْشِفهُ إِلَى مَا حَرَّمْت عَلَيْك . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ إِنَّمَا عَنَى بِهِ ائْتِمَان آدَمَ ابْنه قَابِيل عَلَى أَهْله وَوَلَده , وَخِيَانَة قَابِيل أَبَاهُ فِي قَتْله أَخَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21905 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنِ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (كَانَ لَا يُولَد لِآدَمَ مَوْلُود إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَة , فَكَانَ يُزَوِّج غُلَامَ هَذَا الْبَطْن جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْن الْآخَر , وَيُزَوِّج جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْن غُلَامَ هَذَا الْبَطْن الْآخَر , حَتَّى وُلِدَ لَهُ اثْنَانِ , يُقَال لَهُمَا قَابِيل , وَهَابِيل ; وَكَانَ قَابِيل صَاحِب زَرْع , وَكَانَ هَابِيل صَاحِب ضَرْع , وَكَانَ قَابِيل أَكْبَرهمَا , وَكَانَ لَهُ أُخْت أَحْسَن مِنْ أُخْت هَابِيل , وَإِنَّ هَابِيل طَلَبَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيل , فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ : هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي , وَهِيَ أَحْسَن مِنْ أُخْتك , وَأَنَا أَحَقّ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا , فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ فَأَبَى , وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّه أَيّهمَا أَحَقّ بِالْجَارِيَةِ , وَكَانَ آدَم يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا , أَيْ بِمَكَّةَ يَنْظُر إِلَيْهَا , قَالَ اللَّه لِآدَمَ : يَا آدَم هَلْ تَعْلَم أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا , قَالَ : إِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ , فَقَالَ آدَم لِلسَّمَاءِ : احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ , فَأَبَتْ ; وَقَالَ لِلْأَرْضِ , فَأَبَتْ ; فَقَالَ لِلْجِبَالِ , فَأَبَتْ ; فَقَالَ لِقَابِيل , فَقَالَ : نَعَمْ , تَذْهَب وَتَرْجِع وَتَجِد أَهْلَك كَمَا يَسُرّك ; فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَم وَقَرَّبَا قُرْبَانًا , وَكَانَ قَابِيل يَفْخَر عَلَيْهِ فَيَقُول : أَنَا أَحَقّ بِهَا مِنْك , هِيَ أُخْتِي , وَأَنَا أَكْبَر مِنْك , وَأَنَا وَصِيّ وَالِدِي ; فَلَمَّا قَرَّبَا , قَرَّبَ هَابِيل جَذَعَة سَمِينَة , وَقَرَّبَ قَابِيل حُزْمَة سُنْبُل , فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً عَظِيمَة , فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا , فَنَزَلَتْ النَّار فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيل , وَتَرَكَتْ قُرْبَان قَابِيل , فَغَضِبَ وَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي , فَقَالَ هَابِيل { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدَك لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْك لِأَقْتُلَك إِنِّي أَخَاف اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [5 27 : 28 ]إِلَى قَوْله : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } س 5 30 [فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ , فَرَاغَ الْغُلَام مِنْهُ فِي رُءُوس الْجِبَال ; وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّام , وَهُوَ يَرْعَى غَنَمَهُ فِي جَبَل , وَهُوَ نَائِم , فَرَفَعَ صَخْرَةً , فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ , فَمَاتَ , وَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ , وَلَا يَعْلَم كَيْفَ يُدْفَن , فَبَعَثَ اللَّه غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبَهُ , فَحَفَرَ لَهُ , ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ ; فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعْجَزْت أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي } ]5 31 [فَهُوَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } ]5 31 [فَرَجَعَ آدَم فَوَجَدَ ابْنَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ , فَذَلِكَ حِينَ يَقُول : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } ... إِلَى آخِر الْآيَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّهُ عُنِيَ بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : جَمِيع مَعَانِي الْأَمَانَات فِي الدِّين , وَأَمَانَات النَّاس , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخُصّ بِقَوْلِهِ : { عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ } بَعْض مَعَانِي الْأَمَانَات لِمَا وَصَفْنَا. وَبِنَحْوِ قَوْلنَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْل اللَّه : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21906 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } يَعْنِي قَابِيل حِين حَمَلَ أَمَانَةَ آدَم لَمْ يَحْفَظ لَهُ أَهْله. )21907 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان } قَالَ آدَم { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } قَالَ : ظَلُومًا لِنَفْسِهِ , جَهُولًا فِيمَا احْتَمَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبّه . )21908 -حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس ( { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } غِرٌّ بِأَمْرِ اللَّه . )21909 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } قَالَ : ظَلُومًا لَهَا , يَعْنِي لِلْأَمَانَةِ , جَهُولًا عَنْ حَقّهَا .)

قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيُعَذِّب اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات وَيَتُوبَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحَمَلَ الْإِنْسَان الْأَمَانَةَ كَيْمَا يُعَذِّبَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ فِيهَا الَّذِينَ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ فَرَائِض اللَّه , مُؤْمِنِينَ بِهَا , وَهُمْ مُسْتَسِرُّونَ الْكُفْرَ بِهَا , { وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ } بِاللَّهِ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , { وَالْمُشْرِكَات وَيَتُوب اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات } يَرْجِع بِهِمْ إِلَى طَاعَته , وَأَدَاء الْأَمَانَات الَّتِي أَلْزَمهُمْ إِيَّاهَا حَتَّى يُؤَدُّوهَا { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , بِسِتْرِهِ عَلَيْهَا , وَتَرْكه عِقَابَهُمْ عَلَيْهَا { رَحِيمًا } أَنْ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ تَوْبَتهمْ مِنْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21910 - حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } حَتَّى يَنْتَهِيَ { لِيُعَذِّبَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات } فَيَقُول : اللَّذَانِ خَانَاهَا , اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا : الْمُنَافِق وَالْمُشْرِك. )21911 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لِيُعَذِّب اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات } هَذَانِ اللَّذَانِ خَانَاهَا , وَيَتُوبَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات , هَذَانِ اللَّذَانِ أَدَّيَاهَا { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } . )آخِر سُورَة الْأَحْزَاب , وَلِلَّهِ الْحَمْد .

وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الشُّكْر الْكَامِل , وَالْحَمْد التَّامّ كُلّه , لِلْمَعْبُودِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات السَّبْع , وَمَا فِي الْأَرَضِينَ السَّبْع دُونَ كُلّ مَا يَعْبُدُونَهُ , وَدُونَ كُلَّ شَيْء سِوَاهُ , لَا مَالِك لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْره ; فَالْمَعْنَى : الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيعه|وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ|يَقُول : وَلَهُ الشُّكْر الْكَامِل فِي الْآخِرَة , كَالَّذِي هُوَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا الْعَاجِلَة ; لِأَنَّ مِنْهُ النِّعَم كُلّهَا عَلَى كُلّ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي الدُّنْيَا , وَمِنْهُ يَكُون ذَلِكَ فِي الْآخِرَة , فَالْحَمْد لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَآجِل الْآخِرَة ; لِأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ قِبَله لَا يَشْرَكهُ فِيهَا أَحَد مِنْ دُونه , وَهُوَ الْحَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقَهُ وَصَرْفَهُ إِيَّاهُمْ فِي تَقْدِيره , خَبِير بِهِمْ وَبِمَا يُصْلِحهُمْ , وَبِمَا عَمِلُوا , وَمَا هُمْ عَامِلُونَ , مُحِيط بِجَمِيعِ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21912 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير } حَكِيم فِي أَمْره , خَبِير بِخَلْقِهِ.)

أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْلَم مَا يَلِج فِي الْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَعْلَم مَا يَدْخُل الْأَرْضَ وَمَا يَغِيب فِيهَا مِنْ شَيْء ; مِنْ قَوْلهمْ : وَلَجْت فِي كَذَا : إِذَا دَخَلْت فِيهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>رَأَيْت الْقَوَافِي يَتَّلِجْنَ مَوَالِجَا .......... تَضَايَقُ عَنْهَا أَنْ تَوَلَّجَها الْإِبَر <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : | يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا | : يَدْخُلْنَ مَدَاخِل { وَمَا يَخْرُج مِنْهَا } يَقُول : وَمَا يَخْرُج مِنْ الْأَرْض |وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا|{ وَمَا يَنْزِل مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُج فِيهَا } يَعْنِي : وَمَا يَصْعَد فِي السَّمَاء ; وَذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه أَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , مِمَّا ظَهَرَ فِيهَا وَمَا بَطَنَ ,|وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ| { وَهُوَ الرَّحِيم الْغَفُور } وَهُوَ الرَّحِيم بِأَهْلِ التَّوْبَة مِنْ عِبَاده أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بَعْد تَوْبَتهمْ , الْغَفُور لِذُنُوبِهِمْ إِذَا تَابُوا مِنْهَا .

إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِم الْغَيْب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَسْتَعْجِلُك يَا مُحَمَّد الَّذِينَ جَحَدُوا قُدْرَة اللَّه عَلَى إِعَادَة خَلْقه بَعْد فَنَائِهِمْ بِهَيْئَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا بِهَا مِنْ قَبْل فَنَائِهِمْ مِنْ قَوْمك بِقِيَامِ السَّاعَة , اسْتِهْزَاءً بِوَعْدِك إِيَّاهُمْ , وَتَكْذِيبًا لِخَبَرِك , قُلْ لَهُمْ : بَلَى تَأْتِيكُمْ وَرَبِّي , قَسَمًا بِهِ لَتَأْتِيَنَّكُمْ السَّاعَة , ثُمَّ عَادَ جَلَّ جَلَاله بَعْدَ ذِكْره السَّاعَةَ عَلَى نَفْسه , وَتَمْجِيدهَا , فَقَالَ : { عَالِم الْغَيْب } وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : | عَالِم الْغَيْب | عَلَى مِثَال فَاعِل , بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف , إِذْ دَخَلَ بَيْنَ قَوْله : { وَرَبِّي } , وَبَيْنَ قَوْله : { عَالِم الْغَيْب } كَلَام حَائِل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة , عَالِم عَلَى مِثَال فَاعِل , غَيْر أَنَّهُمْ خَفَضُوا عَالِم رَدًّا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى قَوْله { وَرَبِّي } إِذْ كَانَ مِنْ صِفَته , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَقِيَّة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | عَلَّام الْغَيْب | عَلَى مِثَال فَعَّال , وَبِالْخَفْضِ رَدًّا لِإِعْرَابِهِ عَلَى إِعْرَاب قَوْله { وَرَبِّي } إِذْ كَانَ مِنْ نَعْته . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا , أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَات الثَّلَاث , قِرَاءَات مَشْهُورَات فِي قُرَّاء الْأَمْصَار مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ ; غَيْر أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا : | عَلَّام الْغَيْب | عَلَى الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْتهَا عَنْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة ; فَأَمَّا اخْتِيَار عَلَّام عَلَى عَالِم , فَلِأَنَّهَا أَبْلَغ فِي الْمَدْح . وَأَمَّا الْخَفْض فِيهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ نَعْت الرَّبّ , وَهُوَ فِي مَوْضِع الْجَرّ , وَعَنَى بِقَوْلِهِ : | عَلَّام الْغَيْب | عَلَّام مَا يَغِيب عَنْ أَبْصَار الْخَلْق , فَلَا يَرَاهُ أَحَد , إِمَّا مَا لَمْ يُكَوِّنهُ مِمَّا سَيُكَوِّنُهُ , أَوْ مَا قَدْ كَوَّنَهُ فَلَمْ يُطْلِع عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ , وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَفْسه بِعِلْمِهِ الْغَيْب , إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقَهُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَم وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَد سِوَاهُ , وَإِنْ كَانَتْ جَائِيَةً , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ : بَلَى وَرَبّكُمْ لَتَأْتِيَنَّكُمْ السَّاعَة , وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَم وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَد سِوَى عَلَّام الْغُيُوب , الَّذِي لَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة .|لَا يَعْزُبُ عَنْهُ|يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { لَا يَعْزُب عَنْهُ } لَا يَغِيب عَنْهُ , وَلَكِنَّهُ ظَاهِر لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21913 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { لَا يَعْزُب عَنْهُ } يَقُول : لَا يَغِيب عَنْهُ . )21914 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ } قَالَ : لَا يَغِيب . )21915 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة } : أَيْ لَا يَغِيب عَنْهُ . )وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ|وَقَوْله : { مِثْقَال ذَرَّة } يَعْنِي : زِنَة ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَغِيب عَنْهُ شَيْء مِنْ زِنَة ذَرَّة فَمَا فَوْقَهَا فَمَا دُونَهَا , أَيْنَ كَانَ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض|وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ| { وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ } يَقُول : وَلَا يَعْزُب عَنْهُ أَصْغَر مِنْ مِثْقَال ذَرَّة { وَلَا أَكْبَر } مِنْهُ|إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ| { إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين } يَقُول : هُوَ مُثْبَت فِي كِتَاب يُبَيِّن لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَثْبَته وَأَحْصَاهُ وَعَلِمَهُ , فَلَمْ يَعْزُب عَنْ عِلْمه .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب الْمُبِين , كَيْ يُثِيب الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّه وَرَسُوله بِهِ , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ عَلَى طَاعَتهمْ رَبّهمْ|أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ| { أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ لِذُنُوبِهِمْ { وَرِزْق كَرِيم } يَقُول : وَعَيْش هَنِيء يَوْم الْقِيَامَة فِي الْجَنَّة , كَمَا : 21916 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة } لِذُنُوبِهِمْ { وَرِزْق كَرِيم } فِي الْجَنَّة .)

لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب , لِيَجْزِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَصَفَ , وَلِيَجْزِيَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ ; يَقُول : وَكَيْ يُثِيب الَّذِينَ عَمِلُوا فِي إِبْطَال أَدِلَّتنَا وَحُجَجنَا مُعَاوِنِينَ , يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا نَقْدِر عَلَيْهِمْ|أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ| { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب } يَقُول : هَؤُلَاءِ لَهُمْ عَذَاب مِنْ شَدِيد الْعَذَاب الْأَلِيم ; وَيَعْنِي بِالْأَلِيمِ : الْمُوجِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21917 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَسَعَوْا فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ } : أَيْ لَا يُعْجِزُونِ { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب مِنْ رِجْز أَلِيم } قَالَ : الرِّجْز : سُوء الْعَذَاب , الْأَلِيم : الْمُوجِع . )21918 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ } قَالَ : جَاهِدِينَ لِيَهْبِطُوهَا أَوْ يُبْطِلُوهَا , قَالَ : وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , وَقَرَأَ : { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [41 26 ].)

أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك هُوَ الْحَقّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كِتَاب مُبِين , لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا , وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا مَا قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ , وَلِيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ; فَيَرَى فِي مَوْضِع نَصْب عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْله : يَجْزِي , فِي قَوْله : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } وَعَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَّام , وَنُظَرَائِهِ الَّذِينَ قَدْ قَرَءُوا كُتُب اللَّه الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْفُرْقَان , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : وَلِيَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّه الَّذِي هُوَ التَّوْرَاة , الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْك يَا مُحَمَّد مِنْ رَبّك هُوَ الْحَقّ . وَقِيلَ : عُنِيَ بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : أَصْحَاب رَسُول اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21919 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك هُوَ الْحَقّ } قَالَ : أَصْحَاب مُحَمَّد .)|وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ|وَقَوْله : ( { وَيَهْدِي إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الْحَمِيد } يَقُول : وَيُرْشِد مَنْ اتَّبَعَهُ , وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ إِلَى سَبِيل اللَّه الْعَزِيز فِي انْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الْحَمِيد عِنْدَ خَلْقه , فَأَيَادِيه عِنْدَهُمْ , وَنِعَمه لَدَيْهِمْ . وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد يَهْدِي إِلَى الْإِسْلَام.)

إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد , مُتَعَجِّبِينَ مِنْ وَعْده إِيَّاهُمُ الْبَعْث بَعْد الْمَمَات بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { هَلْ نَدُلّكُمْ } أَيّهَا النَّاس { عَلَى رَجُل يُنَبِّئكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } يَقُول : يُخْبِركُمْ أَنَّكُمْ بَعْد تَقَطُّعكِمْ فِي الْأَرْض بَلَاء وَبَعْد مَصِيركُمْ فِي التُّرَاب رُفَاتًا , عَائِدُونَ كَهَيْئَتِكُمْ قَبْل الْمَمَات خَلْقًا جَدِيدًا , كَمَا : 21920 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق } قَالَ : ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْش وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّاس , { يُنَبِّئكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق } : إِذَا أَكَلَتْكُمْ الْأَرْض , وَصِرْتُمْ رُفَاتًا وَعِظَامًا , وَقَطَّعَتْكُمْ السِّبَاع وَالطَّيْر { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } سَتَحْيَوْنَ وَتُبْعَثُونَ . )21921 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { هَلْ نَدُلّكُمْ عَلَى رَجُل } إِلَى { خَلْق جَدِيد } قَالَ : يَقُول : { إِذَا مُزِّقْتُمْ } : وَإِذَا بُلِيتُمْ وَكُنْتُمْ عِظَامًا وَتُرَابًا وَرُفَاتًا , ذَلِكَ { كُلّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } قَالَ : يُنَبِّئكُمْ إِنَّكُمْ , فَكَسَرَ إِنْ وَلَمْ يُعْمِل يُنَبِّئكُمْ فِيهَا , وَلَكِنْ ابْتَدَأَ بِهَا ابْتِدَاء ; لِأَنَّ النَّبَأ خَبَر وَقَوْل , فَالْكَسْر فِي إِنَّ لِمَعْنَى الْحِكَايَة فِي قَوْله : { يُنَبِّئكُمْ } دُون لَفْظه , كَأَنَّهُ قِيلَ : يَقُول لَكُمْ : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد } .)

إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ , وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَات بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , مُعْجَبِينَ مِنْ رَسُول اللَّه فِي وَعْده إِيَّاهُمْ ذَلِكَ : أَفْتَرَى هَذَا الَّذِي يَعِدنَا أَنَّا بَعْدَ أَنْ نُمَزَّقَ كُلَّ مُمَزَّق فِي خَلْق جَدِيد عَلَى اللَّه كَذِبًا , فَتَخَلَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَاطِلًا مِنَ الْقَوْل , وَتَخَرَّصَ عَلَيْهِ قَوْل الزُّورِ { أَمْ بِهِ جِنَّة } يَقُول : أَمْ هُوَ مَجْنُون فَيَتَكَلَّم بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21922 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : (قَالُوا تَكْذِيبًا : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } قَالَ : قَالُوا : إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَكْذِب عَلَى اللَّه , أَمْ بِهِ جِنَّة , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا { بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } الْآيَة . )21923 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد ; ثُمَّ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : ( { أَفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّة } الرَّجُل مَجْنُون فَيَتَكَلَّم بِمَا لَا يَعْقِل , فَقَالَ اللَّه : { الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَاب وَالضَّلَال الْبَعِيد } .)|بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ|وَقَوْله : { بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَاب وَالضَّلَال الْبَعِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا الْأَمْر كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَظَنُّوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا , أَوْ أَنَّ بِهِ جِنَّة , لَكِنْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة , وَفِي الذَّهَاب الْبَعِيد عَنْ طَرِيق الْحَقّ , وَقَصْد السَّبِيل , فَهُمْ مِنْ أَجْل ذَلِكَ يَقُولُونَ فِيهِ مَا يَقُولُونَ . 21924 -حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد ; قَالَ اللَّه : ( { بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَاب وَالضَّلَال الْبَعِيد } وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُمْ لِيَعْتَبِرُوا , وَقَرَأَ : { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } [64 7 ]الْآيَة كُلّهَا , وَقَرَأَ : { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } [34 3 ]. )وَقُطِعَتْ الْأَلِف مِنْ قَوْله : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّه } فِي الْقَطْع وَالْوَصْل , فَفُتِحَتْ لِأَنَّهَا أَلِف اسْتِفْهَام . فَأَمَّا الْأَلِف الَّتِي بَعْدَهَا , الَّتِي هِيَ أَلِف أَفْتَعَلَ , فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ لِأَنَّهَا خَفِيفَة زَائِدَة تَسْقُط فِي اتِّصَال الْكَلَام , وَنَظِيرهَا : { سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لَهُمْ } [63 6 ]وَ { بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت } [38 75 ]و { أَصْطَفَى الْبَنَات } [37 153 ]وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَأَمَّا أَلِف | آلْآنَ | | وَ آلذَّكَرَيْنِ | فَطُوِّلَتْ هَذِهِ , وَلَمْ تُطَوَّل تِلْكَ ; لِأَنَّ آلْآنَ وَ آلذَّكَرَيْنِ كَانَتْ مَفْتُوحَة , فَلَوْ أُسْقِطَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر فَرْق , فَجُعِلَ التَّطْوِيل فِيهَا فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر , وَأَلِف الِاسْتِفْهَام مَفْتُوحَة , فَكَانَتَا مُفْتَرِقَتَيْنِ بِذَلِكَ , فَأَغْنَى ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى الْفَرْق مِنْ التَّطْوِيل.

طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنْ نَشَأْ نَخْسِف بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِط عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَمْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْمُعَادِ , الْجَاحِدُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَات , الْقَائِلُونَ لِرَسُولِنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّة } إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْض , فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا , فَإِنَّ أَرْضِي وَسَمَائِي مُحِيطَة بِهِمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفهمْ , وَعَنْ أَيْمَانهمْ , وَعَنْ شَمَائِلهمْ , فَيَرْتَدِعُوا عَنْ جَهْلهمْ , وَيَنْزَجِرُوا عَنْ تَكْذِيبهمْ بِآيَاتِنَا حَذَرًا أَنْ نَأْمُرَ الْأَرْضَ فَتُخْسَفَ بِهِمْ , أَوْ السَّمَاءَ فَتُسْقِط عَلَيْهِ قِطَعًا , فَإِنَّا إِنْ نَشَأْ نَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ فَعَلْنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21925 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } قَالَ : يَنْظُرُونَ عَنْ أَيْمَانهمْ , وَعَنْ شَمَائِلهمْ , كَيْفَ السَّمَاء قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ { إِنْ نَشَأْ نَخْسِف بِهِمُ الْأَرْضَ } كَمَا خَسَفْنَا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ { أَوْ نُسْقِط عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء } : أَيْ قِطَعًا مِنَ السَّمَاء .)|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ|وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِكُلِّ عَبْد مُنِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِحَاطَة السَّمَاء وَالْأَرْض بِعِبَادِ اللَّه { لَآيَة } يَقُول : لَدَلَالَة { لِكُلِّ عَبْد مُنِيب } يَقُول : لِكُلِّ عَبْد أَنَابَ إِلَى رَبّه بِالتَّوْبَةِ , وَرَجَعَ إِلَى مَعْرِفَة تَوْحِيده , وَالْإِقْرَار بِرُبُوبِيَّتِهِ , وَالِاعْتِرَاف بِوَحْدَانِيِّتِهِ , وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ , عَلَى أَنَّ فَاعِل ذَلِكَ لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء أَرَادَ فِعْله , وَلَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ فِعْل شَيْء شَاءَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21926 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِكُلِّ عَبْد مُنِيب } وَالْمُنِيب : الْمُقْبِل التَّائِب .)

فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَعْطَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا , وَقُلْنَا لِلْجِبَالِ : { أَوِّبِي مَعَهُ } : سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ . وَالتَّأْوِيب عِنْد الْعَرَب : الرُّجُوع , وَمَبِيت الرَّجُل فِي مَنْزِله وَأَهْله ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>يَوْمَانِ يَوْم مَقَامَات وَأَنْدِيَة .......... وَيَوْم سَيْر إِلَى الْأَعْدَاء تَأْوِيب <br>أَيْ رُجُوع , وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقْرَؤُهُ : | أُوبِي مَعَهُ | مِنْ آبَ يَئُوب , بِمَعْنَى : تَصَرَّفِي مَعَهُ ; وَتِلْكَ قِرَاءَة لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَة الْحُجَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21927 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن الْحَسَن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس ( { أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي مَعَهُ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } يَقُول : سَبِّحِي مَعَهُ . )21928 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْعَلَائِيّ , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } يَقُول : سَبِّحِي . )21929 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي , بِلِسَانِ الْحَبَشَة . 21930 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي مَعَهُ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي. )21931 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } : أَيْ سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ. )21932 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي مَعَهُ ; قَالَ : وَالطَّيْرُ أَيْضًا . )21933 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } قَالَ : سَبِّحِي . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , قَوْله : ( { يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ } سَبِّحِي مَعَهُ . )وَقَوْله : { وَالطَّيْر } وَفِي نَصْب الطَّيْر وَجْهَانِ : أَحَدهمَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْن زَيْد مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ نُودِيَتْ كَمَا نُودِيَتْ الْجِبَال , فَتَكُون مَنْصُوبَة مِنْ أَجْل أَنَّهَا مَعْطُوفَة عَلَى مَرْفُوع , بِمَا لَا يَحْسُن إِعَادَة رَافِعه عَلَيْهِ , فَيَكُون كَالْمَصْرُوفِ عَنْ جِهَته . وَالْآخَر : فِعْل ضَمِير مَتْرُوك اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : فَقُلْنَا : يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ , وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ , وَإِنْ رُفِعَ رَدًّا عَلَى مَا فِي قَوْله | سَبِّحِي | مِنْ ذِكْر الْجِبَال كَانَ جَائِزًا , وَقَدْ يَجُوز رَفْع الطَّيْر وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى الْجِبَال , وَإِنْ لَمْ يَحْسُن نِدَاؤُهَا بِالَّذِي نُودِيَتْ بِهِ الْجِبَال , فَيَكُون ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَلَا يَا عَمْرُو وَالضِّحَاكَ سِيرَا .......... فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّرِيق<br>|وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ|وَقَوْله : { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } ذُكِرَ أَنَّ الْحَدِيدَ كَانَ فِي يَده كَالطِّينِ الْمَبْلُول يُصَرِّفهُ فِي يَده كَيْفَ يَشَاء بِغَيْرِ إِدْخَال نَار , وَلَا ضَرْبٍ بِحَدِيدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21934 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } سَخَّرَ اللَّه لَهُ الْحَدِيدَ بِغَيْرِ نَار. )21935 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } كَانَ يُسَوِّيهَا بِيَدِهِ , وَلَا يُدْخِلهَا نَارًا , وَلَا يَضْرِبهَا بِحَدِيدَةٍ .)

ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ

وَقَوْله : { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات } يَقُول : وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات , وَهِيَ التَّوَامُّ الْكَوَامِلُ مِنْ الدُّرُوع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21936 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات } دُرُوع , وَكَانَ أَوَّل مَنْ صَنَعَهَا دَاوُدَ , إِنَّمَا كَانَ قَبْل ذَلِكَ صَفَائِح . )21937 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات } قَالَ : السَّابِغَات : دُرُوع الْحَدِيد .)|وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ|وَقَوْله : { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّرْد , فَقَالَ بَعْضهمْ : السَّرْد : هُوَ مِسْمَار حَلَق الدِّرْع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21938 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : كَانَ يَجْعَلهَا بِغَيْرِ نَار , وَلَا يَقْرَعهَا بِحَدِيدٍ , ثُمَّ يَسْرُدهَا . وَالسَّرْد : الْمَسَامِير الَّتِي فِي الْحَلَق . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْحَلَق بِعَيْنِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21939 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : السَّرْد : حَلَقه ; أَيْ قَدِّرْ تِلْكَ الْحَلَق. )قَالَ : وَقَالَ الشَّاعِر : <br>أَجَادَ الْمُسَدِّي سَرْدهَا وَأَذَالَهَا <br>قَالَ : يَقُول : وَسَّعَهَا , وَأَجَادَ حَلَقهَا . 21940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } يَعْنِي بِالسَّرْدِ : ثَقْب الدُّرُوع فَيَسُدّ قَتِيرَهَا . )وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب : يُقَال دِرْع مَسْرُودَة : إِذَا كَانَتْ مَسْمُورَة الْحَلَق ; وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : <br>206 وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا .......... دَاوُدُ أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ <br>وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ اللَّه لِدَاوُدَ : { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ صَفَائِح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21941 -حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا خَالِد بْن قَيْس , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : كَانَتْ صَفَائِح , فَأُمِرَ أَنْ يَسْرُدهَا حَلَقًا . )وَعَنَى بِقَوْلِهِ { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } : وَقَدِّرْ الْمَسَامِير فِي حَلَق الدُّرُوع حَتَّى يَكُونَ بِمِقْدَارٍ لَا تُغَلِّظ الْمِسْمَارَ , وَتُضَيِّق الْحَلَقَة , فَتَفْصِم الْحَلَقَة , وَلَا تُوَسِّع الْحَلَقَة , وَتُصَغِّر الْمَسَامِيرَ وَتَدُقَّهَا , فَتَسْلُس فِي الْحَلَقَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21942 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : قَدِّرْ الْمَسَامِيرَ وَالْحَلَق , لَا تَدُقّ الْمَسَامِير فَتَسْلُس , وَلَا تُجِلّهَا . قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , وَقَالَ الْحَارِث : فَتَفْصِم . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : لَا تُصَغِّر الْمِسْمَارَ , وَتُعَظِّم الْحَلَقَة فَتَسْلُس , وَلَا تُعَظِّم الْمِسْمَارَ وَتُصَغِّر الْحَلَقَة فَيَفْصِم الْمِسْمَار . )21943 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْحَكَم , فِي قَوْله : ( { وَقَدِّرْ فِي السَّرْد } قَالَ : لَا تُغَلِّظ الْمِسْمَارَ فَيَفْصِم الْحَلَقَة , وَلَا تَدُقّهُ فَيُقْلِق.)|وَاعْمَلُوا صَالِحًا|وَقَوْله : { وَاعْمَلُوا صَالِحًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاعْمَلْ يَا دَاوُدُ أَنْتَ وَآلَك بِطَاعَةِ اللَّه|إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ| { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنِّي بِمَا تَعْمَل أَنْتَ وَأَتْبَاعك ذُو بَصَر لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهُ شَيْء , وَأَنَا مُجَازِيك وَإِيَّاهُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ .

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } بِنَصْبِ الرِّيحَ , بِمَعْنَى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا , وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم : | وَلِسُلَيْمَان الرِّيحُ | رَفْعًا بِحَرْفِ الصِّفَة , إِذْ لَمْ يَظْهَر النَّاصِب . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا النَّصْب لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَوْله : { غُدُوّهَا شَهْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , غُدُوّهَا إِلَى انْتِصَاف النَّهَار مَسِيرَة شَهْر , وَرَوَاحهَا مِنْ انْتِصَاف النَّهَار إِلَى اللَّيْل مَسِيرَة شَهْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21944 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلِسُلَيْمَان الرِّيح غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ : تَغْدُو مَسِيرَة شَهْر , وَتَرُوح مَسِيرَةَ شَهْر , قَالَ : مَسِيرَة شَهْرَيْنِ فِي يَوْم . )21945 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : ( { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ : ذُكِرَ لِي أَنَّ مَنْزِلًا بِنَاحِيَةِ دِجْلَة مَكْتُوب فِيهِ كِتَاب كَتَبَهُ بَعْض صَحَابَة سُلَيْمَان , إِمَّا مِنَ الْجِنّ , وَإِمَّا مِنَ الْإِنْس : نَحْنُ نَزَّلْنَاهُ وَمَا بَنَيْنَاهُ , وَمَبْنِيًّا وَجَدْنَاهُ , غَدَوْنَا مِنْ إِصْطَخْرَ فَقُلْنَاهُ , وَنَحْنُ رَائِحُونَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّه فَبَائِتُونَ بِالشَّامِ. )21946 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ : كَانَ لَهُ مَرْكَب مِنْ خَشَب , وَكَانَ فِيهِ أَلْف رُكْن , فِي كُلّ رُكْن أَلْف بَيْت تَرْكَب فِيهِ الْجِنّ وَالْإِنْس , تَحْت كُلّ رُكْن أَلْف شَيْطَان , يَرْفَعُونَ ذَلِكَ الْمَرْكَب هُمْ وَالْعِصَار ; فَإِذَا ارْتَفَعَ أَتَتْ الرِّيح رُخَاء , فَسَارَتْ بِهِ , وَسَارُوا مَعَهُ , يَقِيل عِنْدَ قَوْم بَيْنه وَبَيْنهمْ شَهْر , وَيُمْسِي عِنْدَ قَوْم بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْر , وَلَا يَدْرِي الْقَوْم إِلَّا وَقَدْ أَظَلَّهُمْ مَعَهُ الْجُيُوش وَالْجُنُود . )21947 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله ( { غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ : كَانَ يَغْدُو فَيُقِيل فِي إِصْطَخْرَ , ثُمَّ يَرُوح مِنْهَا , فَيَكُون رَوَاحهَا بِكَابِل . )* -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنِ الْحَسَن بِمِثْلِهِ.|وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ|وَقَوْله : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْن الْقِطْر } يَقُول : وَأَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ النُّحَاس , وَأَجْرَيْنَاهَا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 21948 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر } عَيْن النُّحَاس , كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَن , وَإِنَّمَا يُنْتَفَع الْيَوْم بِمَا أَخْرَجَ اللَّه لِسُلَيْمَان . )21949 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْن الْقِطْر } قَالَ : الصُّفْر سَالَ كَمَا يَسِيل الْمَاء , يُعْمَل بِهِ كَمَا كَانَ يُعْمَل الْعَجِين فِي اللَّبَن . )21950 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر } يَقُول : النُّحَاس . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر } يَعْنِي : عَيْنَ النُّحَاس أُسِيلَتْ .)|وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ|وَقَوْله : { وَمِنَ الْجِنّ مَنْ يَعْمَل بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنَ الْجِنّ مَنْ يُطِيعهُ , وَيَأْتَمِر بِأَمْرِهِ , وَيَنْتَهِي لِنَهْيِهِ , فَيَعْمَل بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَأْمُرهُ طَاعَة لَهُ { بِإِذْنِ رَبّه } يَقُول : بِأَمْرِ اللَّه بِذَلِكَ , وَتَسْخِيره إِيَّاهُ لَهُ.|وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ| { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرنَا } يَقُول : وَمَنْ يَزُلْ وَيَعْدِل مِنَ الْجِنّ عَنْ أَمْرنَا الَّذِي أَمَرْنَا مِنْ طَاعَة سُلَيْمَان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب السَّعِير } فِي الْآخِرَة , وَذَلِكَ عَذَاب نَار جَهَنَّم الْمُوقَدَة. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21951 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرنَا } أَيْ يَعْدِل مِنْهُمْ عَنْ أَمْرنَا عَمَّا أَمَرَهُ بِهِ سُلَيْمَان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب السَّعِير } .)

إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل وَجِفَان كَالْجَوَابِ وَقُدُور رَاسِيَات } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : يَعْمَل الْجِنّ لِسُلَيْمَان مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب , وَهِيَ جَمْع مِحْرَاب , وَالْمِحْرَاب : مُقَدَّم كُلّ مَسْجِد وَبَيْت وَمُصَلَّى , وَمِنْهُ قَوْل عَدِيّ بْن زَيْد : <br>كَدُمَى الْعَاج فِي الْمَحَارِيب أَوْ كَالْ .......... بَيْض فِي الرَّوْض زَهْره مُسْتَنِير <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21952 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيبَ } قَالَ : بُنْيَان دُون الْقُصُور . )21953 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب } وَقُصُور وَمَسَاجِد . )21954 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب } قَالَ : الْمَحَارِيب : الْمَسَاكِن , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب } [3 39 ]. )21955 -حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمِلِيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك : ( { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب } قَالَ : الْمَحَارِيب : الْمَسَاجِد . )وَقَوْله : { وَتَمَاثِيل } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ تَمَاثِيل مِنْ نُحَاس وَزُجَاج , كَمَا : 21956 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَتَمَاثِيل } قَالَ : مِنْ نُحَاس . )21957 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَتَمَاثِيل } قَالَ : مِنْ زُجَاج وَشَبَه . )21958 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه ( { وَتَمَاثِيل } قَالَ : الصُّوَر . )وَقَوْله : { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } يَقُول : وَيَنْحِتُونَ لَهُ مَا شَاءَ مِنْ جِفَان كَالْجَوَابِ ; وَهِيَ جَمْع جَابِيَة , وَالْجَابِيَة : الْحَوْض الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاء , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : <br>تَرُوح عَلَى نَادِي الْمُحَلَّق جَفْنَة .......... كَجَابِيَةِ الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ تَفْهَق <br>وَكَمَا قَالَ الْآخَر : <br>فَصَبَّحَتْ جَابِيَة صُهَارِجَا .......... كَأَنَّهَا جِلْد السَّمَاء خَارِجَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21959 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } يَقُول : كَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْض . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } يَعْنِي بِالْجَوَابِ : الْحِيَاض . )21960 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } قَالَ : كَالْحِيَاضِ . )21961 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } قَالَ : حِيَاض الْإِبِل . )21962 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } قَالَ : جِفَان كَجَوْبَةِ الْأَرْض مِنَ الْعَظْم , وَالْجَوْبَة مِنَ الْأَرْض : يُسْتَنْقَع فِيهَا الْمَاء . )21963 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } كَالْحِيَاضِ. )* - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك : ( { وَجِفَان كَالْجَوَابِ } قَالَ : كَحِيَاضِ الْإِبِل مِنَ الْعَظْم . )وَقَوْله : { وَقُدُور رَاسِيَات } يَقُول : وَقُدُور ثَابِتَات لَا يُحَرَّكْنَ عَنْ أَمَاكِنهنَّ , وَلَا تُحَوَّل لِعِظَمِهِنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21964 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَقُدُور رَاسِيَات } قَالَ : عِظَام . )21965 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقُدُور رَاسِيَات } قَالَ : (عِظَام ثَابِتَات الْأَرْض لَا يَزُلْنَ عَنْ أَمْكِنَتهنَّ . )21966 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقُدُور رَاسِيَات } قَالَ : مِثَال الْجِبَال مِنْ عِظَمهَا , يُعْمَل فِيهَا الطَّعَام مِنَ الْكِبَر وَالْعِظَم , لَا تُحَرَّك , وَلَا تُنْقَل , كَمَا قَالَ لِلْجِبَالِ : رَاسِيَات .)|اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا|وَقَوْله : { اعْمَلُوا آل دَاوُدَ شُكْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقُلْنَا لَهُمْ اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّه يَا آل دَاوُدَ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّكُمْ بِهَا عَنْ سَائِر خَلْقه مَعَ الشُّكْر لَهُ عَلَى سَائِر نِعَمه الَّتِي عَمّكُمْ بِهَا مَعَ سَائِر خَلْقه ; وَتُرِك ذِكْر : وَقُلْنَا لَهُمْ , اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ , وَأَخْرَجَ قَوْلَهُ { شُكْرًا } مَصْدَرًا مِنْ قَوْله { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ } لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله { اعْمَلُوا } اشْكُرُوا رَبَّكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ , وَأَنَّ الْعَمَلَ بِالَّذِي رَضِيَ اللَّه , لِلَّهِ شُكْر. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21967 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَادَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَوْله : ( { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } قَالَ : الشُّكْر : تَقْوَى اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ . )21968 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ , عَنْ زَهْرَة بْن مَعْبَد , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ يَقُول : ( { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } وَأَفْضَل الشُّكْر الْحَمْد. )21969 - قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله ( { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } قَالَ : أَعْطَاكُمْ وَعَلَّمَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا لَمْ يُسَخِّر لِغَيْرِكُمْ , وَعَلَّمَكُمْ مَنْطِقَ الطَّيْر , اشْكُرُوا لَهُ يَا آل دَاوُدَ , قَالَ : الْحَمْد طَرَفٌ مِنْ الشُّكْر .)|وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ|وَقَوْله : { وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الشَّكُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الْمُخْلِصُو تَوْحِيدِي , وَالْمُفْرِدُو طَاعَتِي وَشُكْرِي عَلَى نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21970 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُور } يَقُول : قَلِيل مِنْ عِبَادِي الْمُوَحِّدُونَ تَوْحِيدَهُمْ .)

فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْته إِلَّا دَابَّة الْأَرْض تَأْكُل مِنْسَأَته } </subtitle>فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا أَمْضَيْنَا قَضَاءَنَا عَلَى سُلَيْمَان بِالْمَوْتِ فَمَاتَ { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْته } يَقُول : لَمْ يَدُلّ الْجِنّ عَلَى مَوْت سُلَيْمَان { إِلَّا دَابَّة الْأَرْض } وَهِيَ الْأَرَضَة وَقَعَتْ فِي عَصَاهُ , الَّتِي كَانَ مُتَّكِئًا عَلَيْهَا فَأَكَلَتْهَا , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21971 - حَدَّثَنِي ابْن الْمُثَنَّى وَعَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِلَّا دَابَّة الْأَرْض تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } يَقُول : الْأَرَضَة تَأْكُل عَصَاهُ . )* -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } قَالَ : عَصَاهُ . )21972 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِلَّا دَابَّة الْأَرْض } قَالَ : الْأَرَضَة { تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } قَالَ : عَصَاهُ. )* -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد ( { تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } قَالَ : عَصَاهُ . )21973 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } أَكَلَتْ عَصَاهُ حَتَّى خَرَّ . )21974 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السَّرِيّ : (الْمِنْسَأَة : الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَة . )21975 -حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : (الْمِنْسَأَة : الْعَصَا . )وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِنْسَأَتَهُ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : | مِنْسَاتَهُ | غَيْر مَهْمُوزَة ; وَزَعَمَ مَنْ اعْتَلَّ لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ الْمِنْسَاةَ : الْعَصَا , وَأَنَّ أَصْلهَا مِنْ نَسَأْت بِهَا الْغَنَم , قَالَ : وَهِيَ مِنَ الْهَمْز الَّذِي تَرَكَتْهُ الْعَرَب , كَمَا تَرَكُوا هَمْزَ النَّبِيّ وَالْبَرِيَّة وَالْخَابِيَة , وَأَنْشَدَ لِتَرْكِ الْهَمْز فِي ذَلِكَ بَيْتًا لِبَعْضِ الشُّعَرَاء : <br>إِذَا دَبَبْت عَلَى الْمِنْسَاةِ مِنْ هَرَم .......... فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْك اللَّهْو وَالْغَزَل <br>وَذَكَرَ الْفَرَّاء عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّوَاسِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا أَبَا عَمْرو , فَقَالَ : | مِنْسَاتَهُ | بِغَيْرِ هَمْز. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { مِنْسَأَتَهُ } بِالْهَمْزِ , وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِفْعَلَة , مِنْ نَسَأْت الْبَعِيرَ : إِذَا زَجَرْته لِيَزْدَادَ سَيْره , كَمَا يُقَال : نَسَأْت اللَّبَنَ : إِذَا صَبَبْت عَلَيْهِ الْمَاء , وَهُوَ النَّسِيء , وَكَمَا يُقَال : نَسَأَ اللَّه فِي أَجَلِك أَيْ أَدَامَ اللَّه فِي أَيَّام حَيَاتك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ , وَإِنْ كُنْت أَخْتَار الْهَمْزَ فِيهَا لِأَنَّهُ الْأَصْل .|فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ|وَقَوْله : { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنّ } يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : فَلَمَّا خَرَّ سُلَيْمَان سَاقِطًا بِانْكِسَارِ مِنْسَأَته تَبَيَّنَتْ الْجِنّ { أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ } الَّذِي يَدَّعُونَ عِلْمَهُ { مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين } الْمُذِلّ حَوْلًا كَامِلًا بَعْدَ مَوْت سُلَيْمَان , وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ حَيّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21976 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن مَسْعُود أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَكَانَ سُلَيْمَان نَبِيّ اللَّه إِذَا صَلَّى رَأَى شَجَرَة نَابِتَة بَيْن يَدَيْهِ , فَيَقُول لَهَا : مَا اسْمك ؟ فَتَقُول : كَذَا , فَيَقُول : لِأَيِّ شَيْء أَنْتِ ؟ فَإِنْ كَانَتْ تُغْرَس غُرِسَتْ , وَإِنْ كَانَ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ , فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْم , إِذْ رَأَى شَجَرَة بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهَا : مَا اسْمك ؟ قَالَتْ : الْخَرُّوب , قَالَ : لِأَيِّ شَيْء أَنْتِ ؟ قَالَتْ : لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْت , فَقَالَ سُلَيْمَان : اللَّهُمَّ عَمّ عَلَى الْجِنّ مَوْتِي حَتَّى يَعْلَم الْإِنْس أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ , فَنَحَتَهَا عَصًا فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا مَيِّتًا , وَالْجِنّ تَعْمَل , فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَة , فَسَقَطَ , فَتَبَيَّنَتْ الْإِنْس أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا حَوْلًا فِي الْعَذَاب الْمُهِين | قَالَ : وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ , قَالَ : فَشَكَرَتْ الْجِنّ لِلْأَرَضَةِ , فَكَانَتْ تَأْتِيهَا بِالْمَاءِ ). 21977 -حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنِ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (كَانَ سُلَيْمَان يَتَجَرَّد فِي بَيْت الْمَقْدِس السَّنَة وَالسَّنَتَيْنِ , وَالشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ , وَأَقَلّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَر , يَدْخُل طَعَامه وَشَرَابه , فَدَخَلَهُ فِي الْمَرَّة الَّتِي مَاتَ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْم يُصْبِح فِيهِ , إِلَّا تَنْبُت فِيهِ شَجَرَة , فَيَسْأَلهَا مَا اسْمك , فَتَقُول الشَّجَرَة : اسْمِي كَذَا وَكَذَا , فَيَقُول لَهَا : لِأَيِّ شَيْء نَبَتّ ؟ فَتَقُول : نَبَتّ لِكَذَا وَكَذَا , فَيَأْمُر بِهَا فَتُقْطَع , فَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِغَرْسٍ غَرَسَهَا , وَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِدَوَاءٍ , قَالَتْ : نَبَتّ دَوَاءً لِكَذَا وَكَذَا , فَيَجْعَلهَا كَذَلِكَ , حَتَّى نَبَتَتْ شَجَرَة يُقَال لَهَا الْخَرُّوبَة , فَسَأَلَهَا : مَا اسْمك ؟ فَقَالَتْ لَهُ : أَنَا الْخَرُّوبَة , فَقَالَ : لِأَيِّ شَيْء نَبَتّ ؟ قَالَتْ : لِخَرَابِ هَذَا الْمَسْجِد ; قَالَ سُلَيْمَان : مَا كَانَ اللَّه لِيُخَرِّبهُ وَأَنَا حَيّ , أَنْتِ الَّتِي عَلَى وَجْهك هَلَاكِي وَخَرَاب بَيْت الْمَقْدِس , فَنَزَعَهَا وَغَرَسَهَا فِي حَائِط لَهُ , ثُمَّ دَخَلَ الْمِحْرَاب , فَقَامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ , فَمَاتَ وَلَا تَعْلَم بِهِ الشَّيَاطِين فِي ذَلِكَ , وَهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ يَخَافُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَيُعَاقِبَهُمْ ; وَكَانَتْ الشَّيَاطِين تَجْتَمِع حَوْل الْمِحْرَاب , وَكَانَ الْمِحْرَاب لَهُ كُوًى بَيْن يَدَيْهِ وَخَلْفه , وَكَانَ الشَّيْطَان الَّذِي يُرِيد أَنْ يَخْلَع يَقُول : أَلَسْت جَلْدًا إِنْ دَخَلْت , فَخَرَجْت مِنْ الْجَانِب الْآخَر ; فَدَخَلَ شَيْطَان مِنْ أُولَئِكَ فَمَرَّ , وَلَمْ يَكُنْ شَيْطَان يَنْظُر إِلَى سُلَيْمَان فِي الْمِحْرَاب إِلَّا احْتَرَقَ , فَمَرَّ وَلَمْ يَسْمَع صَوْت سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام , ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَسْمَع , ثُمَّ رَجَعَ فَوَقَعَ فِي الْبَيْت فَلَمْ يَحْتَرِق , وَنَظَرَ إِلَى سُلَيْمَان قَدْ سَقَطَ فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ سُلَيْمَان قَدْ مَاتَ , فَفَتَحُوا عَنْهُ فَأَخْرَجُوهُ وَوَجَدُوا مِنْسَأَتَهُ , وَهِيَ الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَة , قَدْ أَكَلَتْهَا الْأَرَضَة , وَلَمْ يَعْلَمُوا مُنْذُ كَمْ مَاتَ , فَوَضَعُوا الْأَرَضَة عَلَى الْعَصَا , فَأَكَلَتْ مِنْهَا يَوْمًا وَلَيْلَة , ثُمَّ حَسِبُوا عَلَى ذَلِكَ النَّحْو , فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ سَنَة , وَهِيَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : | فَمَكَثُوا يَدْأَبُونَ لَهُ مِنْ بَعْد مَوْته حَوْلًا كَامِلًا | فَأَيْقَنَ النَّاس عِنْد ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَّ كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ , وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا الْغَيْبَ لَعَلِمُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَان , وَلَمْ يَلْبَثُوا فِي الْعَذَاب سَنَة يَعْمَلُونَ لَهُ , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْته إِلَّا دَابَّة الْأَرْض تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين } يَقُول : تَبَيَّنَ أَمْرهمْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ , ثُمَّ إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِلْأَرَضَةِ : لَوْ كُنْت تَأْكُلِينَ الطَّعَامَ أَتَيْنَاك بِأَطْيَب الطَّعَام , وَلَوْ كُنْت تَشْرَبِينَ الشَّرَابَ سَقَيْنَاك أَطْيَب الشَّرَاب , وَلَكِنَّا سَنَنْقُلُ إِلَيْك الْمَاءَ وَالطِّينَ , فَالَّذِي يَكُون فِي جَوْف الْخَشَب , فَهُوَ مَا تَأْتِيهَا بِهِ الشَّيَاطِين شُكْرًا لَهَا. )21978 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَتْ الْجِنّ تُخْبِر الْإِنْسَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْب أَشْيَاء , وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا فِي غَد , فَابْتُلُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَان , فَمَاتَ , فَلَبِثَ سَنَة عَلَى عَصَاهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ , وَهُمْ مُسَخَّرُونَ تِلْكَ السَّنَة يَعْمَلُونَ دَائِبِينَ { فَلَمَّا تَبَيَّنَتِ الْجِنّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين } وَلَقَدْ لَبِثُوا يَدْأَبُونَ , وَيَعْمَلُونَ لَهُ حَوْلًا . )21979 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْته إِلَّا دَابَّة الْأَرْض تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } قَالَ : قَالَ سُلَيْمَان لِمَلَكِ الْمَوْت : يَا مَلَك الْمَوْت , إِذَا أُمِرْت بِي فَأَعْلِمْنِي ; قَالَ : فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا سُلَيْمَان , قَدْ أُمِرْت بِك , قَدْ بَقِيَتْ لَك سُوَيْعَة , فَدَعَا الشَّيَاطِين فَبَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحًا مِنْ قَوَارِير , لَيْسَ لَهُ بَاب , فَقَامَ يُصَلِّي , وَاتَّكَأَ عَلَى عَصَاهُ ; قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَلَك الْمَوْت فَقَبَضَ رُوحه وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ ; وَلَمْ يَصْنَع ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ مَلَك الْمَوْت , قَالَ : وَالْجِنّ تَعْمَل بَيْن يَدَيْهِ , وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ , يَحْسِبُونَ أَنَّهُ حَيٌّ , قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه دَابَّة الْأَرْض , قَالَ : دَابَّة تَأْكُل الْعِيدَان يُقَال لَهَا الْقَادِح , فَدَخَلَتْ فِيهَا فَأَكَلَتْهَا , حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ جَوْفَ الْعَصَا , ضَعُفَتْ وَثَقُلَ عَلَيْهَا , فَخَرَّ مَيِّتًا , قَالَ : فَلَمَّا رَأَتْ الْجِنّ ذَلِكَ , انْفَضُّوا وَذَهَبُوا , قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْته إِلَّا دَابَّة الْأَرْض تَأْكُل مِنْسَأَتَهُ } قَالَ : وَالْمِنْسَأَة : الْعَصَا . )21980 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (كَانَ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ يُصَلِّي , فَمَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي وَالْجِنّ يَعْمَلُونَ لَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ , حَتَّى أَكَلَتْ الْأَرَضَة عَصَاهُ , فَخَرَّ , و | أَنْ | فِي قَوْله : { أَنْ لَوْ كَانُوا } فِي مَوْضِع رَفْع بِتَبَيَّنَ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَ وَانْكَشَفَ , أَنْ لَوْ كَانَ الْجِنّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ , مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب الْمُهِين. )وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْن عَبَّاس مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : تَبَيَّنَتْ الْإِنْس الْجِنّ , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب بِتَكْرِيرِهَا عَلَى الْجِنّ , وَكَذَلِكَ يَجِب عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة أَنْ تَكُون الْجِنّ مَنْصُوبَة , غَيْر أَنِّي لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار يَقْرَأ ذَلِكَ بِنَصْبِ الْجِنّ , وَلَوْ نُصِبَ كَانَ فِي قَوْله { تَبَيَّنَتْ } ضَمِير مِنْ ذِكْر الْإِنْس .

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنهمْ آيَة جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ كَانَ لِوَلَدِ سَبَأ فِي مَسْكَنهمْ عَلَامَة بَيِّنَة , وَحُجَّة وَاضِحَة , عَلَى أَنَّهُ لَا رَبّ لَهُمْ إِلَّا الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ النِّعَم الَّتِي كَانُوا فِيهَا . وَسَبَأ عَنْ رَسُول اللَّه اسْم أَبِي الْيَمَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21981 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي حَيَّان الْكَلْبِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن هَانِئٍ , عَنْ عُرْوَة الْمُرَادِيّ , عَنْ رَجُل مِنْهُمْ يُقَال لَهُ : فَرْوَة بْن مُسَيْك , قَالَ : قُلْت : (يَا رَسُولَ اللَّه أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ مَا كَانَ ؟ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَة , أَوْ جَبَلًا , أَوْ دَوَابّ ؟ فَقَالَ : | لَا , كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَب وَلَهُ عَشَرَة أَوْلَاد , فَتَيَمَّنَ مِنْهُمْ سِتَّة , وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَة , فَأَمَّا الَّذِينَ تَيَمَّنُوا مِنْهُمْ فَكِنْدَة , وَحِمْيَر , وَالْأَزْد , وَالْأَشْعَرِيُّونَ , وَمُذْحَج , وَأَنْمَار الَّذِينَ مِنْهَا خَثْعَمُ وَبُجَيْلَةُ , وَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا : فَعَامِلَة , وَجُذَام , وَلَخْم , وَغَسَّان | ). * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثني الْحَسَن بْن الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبُو سَبْرَة النَّخَعِيّ , عَنْ فَرْوَة بْن مُسَيْك الْقَطِيعِيّ , قَالَ : قَالَ رَجُل : (يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ ؟ أَرْض أَوْ امْرَأَة ؟ قَالَ : لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَة , وَلَكِنَّهُ رَجُل وَلَد عَشَرَة مِنَ الْوَلَد , فَتَيَامَنَ سِتَّة , وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَة , فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا : فَلَخْم , وَجُذَام , وَعَامِلَة , وَغَسَّان ; وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا : فَكِنْدَة , وَالْأَشْعَرِيُّونَ , وَالْأَزْد , وَمُذْحَج , وَحِمْيَر , وَأَنْمَار | ; فَقَالَ رَجُل : مَا أَنْمَارُ ؟ قَالَ : | الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ وَبُجَيْلَةُ | (. -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ يَحْيَى بْن هَانِئٍ الْمُرَادِيّ , عَنْ أَبِيهِ , أَوْ عَنْ عَمّه | أَسْبَاط شَكّ | قَالَ : قَدِمَ فَرْوَة بْن مُسَيْك عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه , أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأ , أَجَبَلًا كَانَ أَوْ أَرْضًا ؟ فَقَالَ : )| لَمْ يَكُنْ جَبَلًا وَلَا أَرْضًا , وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَب وَلَدَ عَشْرَة قَبَائِل | , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : | وَأَنْمَار الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ بُجَيْلَة وَخَثْعَم | (. فَإِنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ أَنَّ سَبَأ رَجُل , كَانَ الْإِجْرَاء فِيهِ وَغَيْر الْإِجْرَاء مُعْتَدِلَيْنِ . أَمَّا الْإِجْرَاء فَعَلَى أَنَّهُ اسْم رَجُل مَعْرُوف , وَأَمَّا تَرْك الْإِجْرَاء فَعَلَى أَنَّهُ اسْم قَبِيلَة أَوْ أَرْض , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : | فِي مَسَاكِنهمْ | فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : | فِي مَسَاكِنهمْ | عَلَى الْجِمَاع بِمَعْنَى مَنَازِل آل سَبَأ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ | فِي مَسْكِنِهِمْ | عَلَى التَّوْحِيد وَبِكَسْرِ الْكَاف , وَهِيَ لُغَة لِأَهْلِ الْيَمَن فِيمَا ذُكِرَ لِي , وَقَرَأَ حَمْزَة : { مَسْكَنهمْ } عَلَى التَّوْحِيد وَفَتْح الْكَاف . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا : أَنَّ كُلّ ذَلِكَ قِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعْنَى , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَوْله : { آيَة } قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا قَبْل , وَأَمَّا قَوْله : { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بُسْتَانَانِ كَانَا بَيْن جَبَلَيْنِ , عَنْ يَمِين مَنْ أَتَاهُمَا وَشِمَاله . وَكَانَ مِنْ صِنْفهمَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا مَا : 21982 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة , فِي قَوْله : ) { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنهمْ آيَة جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال } قَالَ : كَانَتْ جَنَّتَانِ بَيْن جَبَلَيْنِ , فَكَانَتْ الْمَرْأَة تَخْرُج , مِكْتَلهَا عَلَى رَأْسهَا , فَتَمْشِي بَيْن جَبَلَيْنِ , فَيَمْتَلِئ مِكْتَلهَا , وَمَا مَسَّتْ بِيَدِهَا , فَلَمَّا طَغَوْا بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ دَابَّة , يُقَال لَهَا | جُرَذ | , فَنَقَبَتْ عَلَيْهِمْ , فَغَرَّقَتْهُمْ , فَمَا بَقِيَ لَهُمْ إِلَّا أَثْل , وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل . (21983 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ) { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنهمْ آيَة جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال } إِلَى قَوْله : { فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ يُرَى فِي قَرْيَتهمْ بَعُوضَة قَطُّ , وَلَا ذُبَاب , وَلَا بُرْغُوث , وَلَا عَقْرَب , وَلَا حَيَّة , وَإِنْ كَانَ الرَّكْب لَيَأْتُونَ وَفِي ثِيَابهمْ الْقُمَّل وَالدَّوَابّ , فَمَا هُمْ إِلَّا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى بُيُوتهمْ , فَتَمُوت الدَّوَابّ , قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَان لَيَدْخُل الْجَنَّتَيْنِ , فَيَمْسِك الْقُفَّةَ عَلَى رَأْسه , فَيَخْرُج حِين يَخْرُج وَقَدْ امْتَلَأَتْ تِلْكَ الْقُفَّة مِنْ أَنْوَاع الْفَاكِهَة وَلَمْ يَتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئًا بِيَدِهِ ; قَالَ : وَالسَّدّ يَسْقِيهَا . (وَرُفِعَتْ الْجَنَّتَانِ فِي قَوْله : ) { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال } تَرْجَمَة عَنِ الْآيَة ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنهمْ آيَة هِيَ جَنَّتَانِ عَنْ أَيْمَانهمْ وَشَمَائِلهمْ.(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ|وَقَوْله : { كُلُوا مِنْ رِزْق رَبّكُمْ } الَّذِي يَرْزُقكُمْ مِنْ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ زُرُوعهمَا وَأَثْمَارهمَا , { وَاشْكُرُوا لَهُ } عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ رِزْقه ذَلِكَ ; وَإِلَى هَذَا مُنْتَهَى الْخَبَر , ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَر عَنِ الْبَلْدَة , فَقِيلَ : هَذِهِ بَلْدَة طَيِّبَة : أَيْ لَيْسَتْ بِسَبِخَةٍ , وَلَكِنَّهَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِفَتهَا عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد أَنْ كَانَتْ كَمَا وَصَفَهَا ابْن زَيْد , مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْء مُؤْذٍ , الْهَمَج وَالدَّبِيب وَالْهَوَامّ { وَرَبّ غَفُور } يَقُول : وَرَبّ غَفُور لِذُنُوبِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21984 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { بَلْدَة طَيِّبَة وَرَبّ غَفُور } وَرَبّكُمْ غَفُور لِذُنُوبِكُمْ , قَوْم أَعْطَاهُمُ اللَّه نِعْمَةً , وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَته.)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَعْرَضَتْ سَبَأ عَنْ طَاعَة رَبّهَا وَصَدَّتْ عَنْ اتِّبَاع مَا دَعَتْهَا إِلَيْهِ رُسُلهَا مِنْ أَنَّهُ خَالِقهَا , كَمَا : 21985 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : (لَقَدْ بَعَثَ اللَّه إِلَى سَبَأ , ثَلَاثَة عَشَر نَبِيًّا , فَكَذَّبُوهُمْ { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَثَقَبْنَا عَلَيْهِمْ حِين أَعْرَضُوا عَنْ تَصْدِيق رُسُلنَا سَدّهمْ الَّذِي كَانَ يَحْبِس عَنْهُمْ السُّيُول . )وَالْعَرِم : الْمُسَنَّاة الَّتِي تَحْبِس الْمَاء , وَاحِدهَا : عَرِمَة , وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى بِقَوْلِهِ : <br>فَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَة .......... وَمَأْرِبُ عَفَّى عَلَيْهِ الْعَرِم <br><br>رِجَام بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيَر .......... إِذَا جَاءَ مَاؤُهُمْ لَمْ يَرِم <br>وَكَانَ الْعَرِم فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا بَنَتْه بِلْقِيس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21986 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : سَمِعْت الْمُغِيرَةَ بْن حَكِيم , قَالَ : (لَمَّا مَلَكَتْ بِلْقِيس , جَعَلَ قَوْمهَا يَقْتَتِلُونَ عَلَى مَاء وَادِيهمْ ; قَالَ : فَجَعَلَتْ تَنْهَاهُمْ فَلَا يُطِيعُونَهَا فَتَرَكَتْ مُلْكهَا , وَانْطَلَقَتْ إِلَى قَصْر لَهَا , وَتَرَكَتْهُمْ ; فَلَمَّا كَثُرَ الشَّرّ بَيْنَهُمْ , وَنَدِمُوا أَتَوْهَا , فَأَرَادُوهَا عَلَى أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مُلْكهَا , فَأَبَتْ , فَقَالُوا : لَتَرْجِعِنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكِ , فَقَالَتْ : إِنَّكُمْ لَا تُطِيعُونَنِي , وَلَيْسَتْ لَكُمْ عُقُول , وَلَا تُطِيعُونِي , قَالُوا : فَإِنَّا نُطِيعُك , وَإِنَّا لَمْ نَجِد فِينَا خَيْرًا بَعْدَك , فَجَاءَتْ فَأَمَرَتْ بِوَادِيهِمْ , فَسُدَّ بِالْعَرِمِ. قَالَ أَحْمَد , قَالَ وَهْب , قَالَ أَبِي : فَسَأَلْت الْمُغِيرَة بْن حَكِيم عَنْ الْعَرِم , فَقَالَ : هُوَ بِكَلَامِ حِمْيَر الْمُسَنَّاة ; فَسَدَّتْ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ , فَحَبَسَتْ الْمَاءَ مِنْ وَرَاء السَّدّ , وَجَعَلَتْ لَهُ أَبْوَابًا بَعْضهَا فَوْق بَعْض , وَبَنَتْ مِنْ دُونه بِرْكَة ضَخْمَة , فَجَعَلَتْ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجًا عَلَى عِدَّة أَنْهَارهمْ ; فَلَمَّا جَاءَ الْمَطَر احْتَبَسَ السَّيْل مِنْ وَرَاء السَّدّ , فَأَمَرَتْ بِالْبَابِ الْأَعْلَى فَفُتِحَ , فَجَرَى مَاؤُهُ فِي الْبِرْكَة , وَأَمَرَتْ بِالْبَعْرِ فَأُلْقِيَ فِيهَا , فَجَعَلَ بَعْض الْبَعْر يَخْرُج أَسْرَعَ مِنْ بَعْض , فَلَمْ تَزَلْ تُضَيِّق تِلْكَ الْأَنْهَار , وَتُرْسِل الْبَعْرَ فِي الْمَاء , حَتَّى خَرَجَ جَمِيعًا مَعًا , فَكَانَتْ تَقْسِمهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , حَتَّى كَانَ مِنْ شَأْنهَا وَشَأْن سُلَيْمَان مَا كَانَ . )21987 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُمَر الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح بْن زُرَيْق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , فِي قَوْله ( { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } قَالَ : الْمُسَنَّاة بِلَحْنِ الْيَمَن . )21988 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { سَيْل الْعَرِم } قَالَ : شَدِيد . )وَقِيلَ : إِنَّ الْعَرِمَ : اسْم وَادٍ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } قَالَ : وَادٍ كَانَ بِالْيَمَنِ , كَانَ يَسِيل إِلَى مَكَّة , وَكَانُوا يَسْقُونَ وَيَنْتَهِي سَيْلهمْ إِلَيْهِ. )21990 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيْلَ الْعَرِم وَادٍ كَانَتْ تَجْتَمِع إِلَيْهِ مَسَايِل مِنْ أَوْدِيَة شَتَّى , فَعَمِدُوا فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِالْقِيرِ وَالْحِجَارَة , وَجَعَلُوا عَلَيْهِ أَبْوَابًا , وَكَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهِ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ , وَيَسُدُّونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَعْنُوا بِهِ مِنْ مَائِهِ شَيْئًا . )21991 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم } وَادٍ يُدْعَى الْعَرِم , وَكَانَ إِذَا مَطَرَ سَالَتْ أَوْدِيَة الْيَمَن إِلَى الْعَرِم , وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمَاء , فَعَمَدَتْ سَبَأ إِلَى الْعَرِم , فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ , فَحَجَزُوهُ بِالصَّخْرِ وَالْقَار , فَانْسَدَّ زَمَانًا مِنْ الدَّهْر , لَا يَرْجُونَ الْمَاءَ , يَقُول : لَا يَخَافُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْعَرِم : صِفَة لِلْمُسَنَّاةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ وَلَيْسَ بِاسْمٍ لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21992 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { سَيْل الْعَرِم } يَقُول : الشَّدِيد , وَكَانَ السَّبَب الَّذِي سَبَّبَ اللَّه لِإِرْسَالِ ذَلِكَ السَّيْل عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي جُرَذًا ابْتَعَثَهُ اللَّه عَلَى سَدّهمْ , فَثَقَبَ فِيهِ ثُقْبًا. )ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة مَا حَدَثَ عَنْ ذَلِكَ الثُّقْب مِمَّا كَانَ فِيهِ خَرَاب جَنَّتَيْهِمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ صِفَة ذَلِكَ أَنَّ السَّيْلَ لَمَّا وَجَدَ عَمَلًا فِي السَّدّ عَمِلَ فِيهِ , ثُمَّ فَاضَ الْمَاء عَلَى جَنَّاتهمْ , فَغَرَّقَهَا وَخَرَّبَ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21993 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : (كَانَ لَهُمْ , يَعْنِي لِسَبَأٍ سَدّ , قَدْ كَانُوا بَنَوْهُ بُنْيَانًا أَبَدًا , وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَرُدّ عَنْهُمْ السَّيْل إِذَا جَاءَ أَنْ يَغْشَى أَمْوَالَهُمْ , وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي عِلْمهمْ مِنْ كِهَانَتهمْ , أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَرِّب عَلَيْهِمْ سَدّهمْ ذَلِكَ فَأْرَة , فَلَمْ يَتْرُكُوا فُرْجَة بَيْنَ حَجَرَيْنِ , إِلَّا رَبَطُوا عِنْدَهَا هِرَّةً ; فَلَمَّا جَاءَ زَمَانُهُ , وَمَا أَرَادَ اللَّه بِهِمْ مِنْ التَّغْرِيق , أَقْبَلَتْ فِيمَا يَذْكُرُونَ فَأْرَة حَمْرَاء إِلَى هِرَّة مِنْ تِلْكَ الْهِرَر , فَسَاوَرَتْهَا , حَتَّى اسْتَأْخَرَتْ عَنْهَا أَيْ الْهِرَّة , فَدَخَلَتْ فِي الْفُرْجَة الَّتِي كَانَتْ عِنْدهَا , فَغَلْغَلَتْ فِي السَّدّ , فَحَفَرَتْ فِيهِ حَتَّى وَهَّنَتْهُ لِلسَّيْلِ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ ; فَلَمَّا جَاءَ السَّيْل وَجَدَ خَلَلًا , فَدَخَلَ فِيهِ حَتَّى قَلَعَ السَّدّ , وَفَاضَ عَلَى الْأَمْوَال , فَاحْتَمَلَهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّه ; فَلَمَّا تَفَرَّقُوا نَزَلُوا عَلَى كِهَانَة عِمْرَان بْن عَامِر . )21994 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (لَمَّا تَرَكَ الْقَوْم أَمْر اللَّه , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ جُرَذًا يُسَمَّى الْخُلْد , فَثَقَبَهُ مِنْ أَسْفَله حَتَّى غَرَّقَ بِهِ جَنَّاتهمْ , وَخَرَّبَ بِهِ أَرْضَهُمْ عُقُوبَةً بِأَعْمَالِهِمْ. )21995 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (لَمَّا طَغَوْا وَبَغَوْا , يَعْنِي سَبَأ , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ جُرَذًا , فَخَرَقَ عَلَيْهِمْ السَّدّ , فَأَغْرَقَهُمُ اللَّه . )21996 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : (بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِ جُرَذًا , وَسَلَّطَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْبِس الْمَاءَ الَّذِي يَسْقِيهَا , فَأُخْرِبَ فِي أَفْوَاه تِلْكَ الْحِجَارَة , وَكُلّ شَيْء مِنْهَا مِنْ رَصَاص وَغَيْره , حَتَّى تَرَكَهَا حِجَارَة , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه سَيْل الْعَرِم , فَاقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّدّ , وَمَا كَانَ يَحْبِس , وَاقْتَلَعَ تِلْكَ الْجَنَّتَيْنِ , فَذَهَبَ بِهِمَا ; وَقَرَأَ : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِم وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } قَالَ : ذَهَبَ بِتِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتْ صِفَة ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي كَانُوا يَعْمُرُونَ بِهِ جَنَّاتهمْ سَالَ إِلَى مَوْضِع غَيْر الْمَوْضِع الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ , فَبِذَلِكَ خَرِبَتْ جَنَّاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21997 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ , يَعْنِي عَلَى الْعَرِم , دَابَّة مِنَ الْأَرْض , فَثَقَبَتْ فِيهِ ثَقْبًا , فَسَالَ ذَلِكَ الْمَاء إِلَى مَوْضِع غَيْر الْمَوْضِع الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ , وَأَبْدَلَهُمُ اللَّه مَكَان جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط , وَذَلِكَ حِين عَصَوْا , وَبَطِرُوا الْمَعِيشَةَ . (وَالْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم , وَلَا يَكُون إِرْسَال ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِسَالَتِهِ عَلَيْهِمْ , أَوْ عَلَى جَنَّاتهمْ وَأَرْضهمْ , لَا بِصَرْفِهِ عَنْهُمْ .|وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ|وَقَوْله : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَكَان بَسَاتِينهمْ مِنَ الْفَوَاكِه وَالثِّمَار , بَسَاتِين مِنْ جَنَى ثَمَر الْأَرَاك , وَالْأَرَاك : هُوَ الْخَمْط . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21998 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (أَبْدَلَهُمُ اللَّه مَكَانَ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط , وَالْخَمْط : الْأَرَاك . )21999 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , يَقُول فِي قَوْله : ( { ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط } قَالَ : أَرَاهُ قَالَ : الْخَمْط : الْأَرَاك . )22000 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد ( { أُكُل خَمْط } قَالَ : الْخَمْط : الْأَرَاك . )- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط } قَالَ : الْأَرَاك . )22001 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط } وَالْخَمْط : الْأَرَاك , وَأُكُله : بَرِيره . )22002 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط } قَالَ : بَدَّلَهُمُ اللَّه بِجِنَانِ الْفَوَاكِه وَالْأَعْنَاب , إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّاتهمْ خَمْطًا , وَهُوَ الْأَرَاك . )22003 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } قَالَ : أَذْهَبَ تِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ , وَأَبْدَلَهُمْ الَّذِي أَخْبَرَك ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط ; قَالَ : قَالَ خَمْط : الْأَرَاك , قَالَ : جَعَلَ مَكَان الْعِنَب أَرَاكًا , وَالْفَاكِهَة أَثْلًا , وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار بِتَنْوِينِ أُكُل غَيْر أَبِي عَمْرو , فَإِنَّهُ يُضِيفهَا إِلَى الْخَمْط , بِمَعْنَى : ذَوَاتَيْ ثَمَرِ خَمْطٍ . وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إِلَى الْخَمْط , وَيُنَوِّنُونَ الْأُكُل , فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْخَمْطَ هُوَ الْأُكُل , فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فِي إِعْرَابه , وَبِضَمِّ الْأَلِف وَالْكَاف مِنَ الْأُكُل قَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار , غَيْر نَافِع , فَإِنَّهُ كَانَ يُخَفِّف مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { ذَوَاتَيْ أُكُل } بِضَمِّ الْأَلِف وَالْكَاف لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَبِتَنْوِينِ أُكُل لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مِنْ غَيْر أَنْ أَرَى خَطَأَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الْخَمْط ; وَذَلِكَ فِي إِضَافَته وَتَرْك إِضَافَته , نَظِير قَوْل الْعَرَب : فِي بُسْتَان فُلَان أَعْنَابٌ كَرْمٌ وَأَعْنَابُ كَرْمٍ , فَتُضِيف أَحْيَانًا الْأَعْنَاب إِلَى الْكَرْم ; لِأَنَّهَا مِنْهُ , وَتُنَوِّن أَحْيَانًا , ثُمَّ تُتَرْجِم بِالْكَرْمِ عَنْهَا , إِذْ كَانَتْ الْأَعْنَاب ثَمَر الْكَرْم , وَأَمَّا الْأَثْل فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ الطُّرَفَاء ; وَقِيلَ : شَجَر شَبِيه بِالطُّرَفَاءِ , غَيْر أَنَّهُ أَعْظَم مِنْهَا . وَقِيلَ : إِنَّهَا السَّمَر. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22004 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { وَأَثْل } , قَالَ : الْأَثْل : الطُّرَفَاء . )وَقَوْله : { وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل } يَقُول : ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل , وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 22005 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل } قَالَ : بَيْنَمَا شَجَر الْقَوْم خَيْر الشَّجَر , إِذْ صَيَّرَهُ اللَّه مِنْ شَرّ الشَّجَر بِأَعْمَالِهِمْ .)

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ

وَقَوْله : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ سَبَأ مِنْ إِرْسَالنَا عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم , حَتَّى هَلَكَتْ أَمْوَالهمْ , وَخَرِبَتْ جَنَّاتهمْ , جَزَاء مِنَّا عَلَى كُفْرهمْ بِنَا , وَتَكْذِيبهمْ رُسُلنَا ; | وَذَلِكَ | مِنْ قَوْله : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ } فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ جَزَيْنَاهُمْ عَلَيْهِ ; وَمَعْنَى الْكَلَام : جَزَيْنَاهُمْ ذَلِكَ بِمَا كَفَرُوا . وَقَوْله : { وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : | وَهَلْ يُجَازَى | بِالْيَاءِ وَبِفَتْحِ الزَّاي عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله | إِلَّا الْكَفُورُ | رَفْعًا , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَهَلْ نُجَازِي } بِالنُّونِ وَبِكَسْرِ الزَّاي { إِلَّا الْكَفُورَ } بِالنَّصْبِ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ . وَمَعْنَى الْكَلَام : كَذَلِكَ كَافَأْنَاهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُور لِنِعْمَةِ اللَّه ؟. فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَمَا يَجْزِي اللَّه أَهْلَ الْإِيمَان بِهِ عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , فَيَخُصّ أَهْل : الْكُفْر بِالْجَزَاءِ ؟ فَيُقَال وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ ؟ قِيلَ : إِنَّ الْمُجَازَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُكَافَأَة , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره وَعَدَ أَهْلَ الْإِيمَان بِهِ التَّفَضُّلَ عَلَيْهِمْ , وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة عَشْر أَمْثَالهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ مِنْ التَّضْعِيف , وَوَعَدَ الْمُسِيءَ مِنْ عِبَاده أَنْ يَجْعَلَ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ سَيِّئَاته , مِثْلَهَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى جُرْمه , وَالْمُكَافَأَة لِأَهْلِ الْكَبَائِر وَالْكُفْر وَالْجَزَاء لِأَهْلِ الْإِيمَان مَعَ التَّفَضُّل , فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : | وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُور | ؟ كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَا يُجَازَى : لَا يُكَافَأ عَلَى عَمَله إِلَّا الْكَفُور , إِذَا كَانَتْ الْمُكَافَأَة مِثْل الْمُكَافَأ عَلَيْهِ , وَاللَّه لَا يَغْفِر لَهُ مِنْ ذُنُوبه شَيْئًا , وَلَا يُمَحِّص شَيْء مِنْهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ يَتَفَضَّل عَلَيْهِ عَلَى مَا وَصَفْت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَهَلْ نُجَازِي } : نُعَاقِب . )حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور } إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ كَرَامَةً تَقَبَّلَ حَسَنَاته , وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة . )قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا (أَنَّ رَجُلًا بَيْنَمَا هُوَ فِي طَرِيق مِنْ طَرِيق الْمَدِينَة , إِذَا مَرَّتْ بِهِ امْرَأَة , فَأَتْبَعهَا بَصَره , حَتَّى أَتَى عَلَى حَائِط , فَشَجَّ وَجْهَهُ , فَأَتَى نَبِيّ اللَّه وَوَجْهه يَسِيل دَمًا , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه فَعَلْت كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه : | إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ كَرَامَة , عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا , وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعَبْدٍ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة , كَأَنَّهُ عَيْر أَبْتَر | .)

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ نِعْمَته الَّتِي كَانَ أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ , وَجَعَلْنَا بَيْنَ بَلَدهمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَهِيَ الشَّام , قُرًى ظَاهِرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبَى نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قَالَ : الشَّام. )22008 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } يَعْنِي الشَّام . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قَالَ : الشَّام . )وَقِيلَ : عُنِيَ بِالْقُرَى الَّتِي بُورِكَ فِيهَا بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22009 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } قَالَ : الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا : هِيَ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . )وَقَوْله : { قُرًى ظَاهِرَةً } يَعْنِي : قُرًى مُتَّصِلَةً , وَهِيَ قُرًى عَرَبِيَّةٌ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22010 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَنَ , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } قَالَ : قُرًى مُتَوَاصِلَةً , قَالَ : كَانَ أَحَدهمْ يَغْدُو فَيَقِيل فِي قَرْيَة وَيَرُوح , فَيَأْوِي إِلَى قَرْيَة أُخْرَى . قَالَ : وَكَانَتْ الْمَرْأَة تَضَع زِنْبِيلهَا عَلَى رَأْسهَا , ثُمَّ تَمْتَهِن بِمِغْزَلِهَا , فَلَا تَأْتِي بَيْتَهَا حَتَّى يَمْتَلِئَ مِنْ كُلّ الثِّمَار . (22011 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ) { قُرًى ظَاهِرَةً } : أَيْ مُتَوَاصِلَةً. (22012 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ) { قُرًى ظَاهِرَةً } يَعْنِي : قُرًى عَرَبِيَّةً , بَيْن الْمَدِينَة وَالشَّام . (22013 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ) { قُرًى ظَاهِرَةً } قَالَ : السَّرَوَات . (22014 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ) { قُرًى ظَاهِرَةً } يَعْنِي : قُرًى عَرَبِيَّةً , وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّام . (22015 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ) { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } قَالَ : كَانَ بَيْنَ قَرْيَتهمْ وَبَيْنَ الشَّام قُرًى ظَاهِرَة , قَالَ : إِنْ كَانَتْ الْمَرْأَة لَتَخْرُج مَعَهَا مِغْزَلهَا وَمِكْتَلهَا عَلَى رَأْسهَا , تَرُوح مِنْ قَرْيَة وَتَغْدُوهَا , وَتَبِيت فِي قَرْيَة لَا تَحْمِل زَادًا وَلَا مَاءً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّام .(وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ|وَقَوْله : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا بَيْنَ قُرَاهُمْ وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا سَيْرًا مُقَدَّرًا مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ , وَقَرْيَة إِلَى قَرْيَة , لَا يَنْزِلُونَ إِلَّا فِي قَرْيَة , وَلَا يَغْدُونَ إِلَّا مِنْ قَرْيَة .|سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ|وَقَوْله : { سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } يَقُول : وَقُلْنَا لَهُمْ سِيرُوا فِي هَذِهِ الْقُرَى مَا بَيْنَ قُرَاكُمْ , وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا , آمِنِينَ لَا تَخَافُونَ جُوعًا وَلَا عَطَشًا , وَلَا مِنْ أَحَد ظُلْمًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22016 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } : لَا يَخَافُونَ ظُلْمًا وَلَا جُوعًا , وَإِنَّمَا يَغْدُونَ فَيُقِيلُونَ , وَيَرُوحُونَ فَيَبِيتُونَ فِي قَرْيَة أَهْل جَنَّة وَنَهَر , حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَضَع مِكْتَلهَا عَلَى رَأْسهَا , وَتَمْتَهِن بِيَدِهَا , فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلهَا مِنْ الثَّمَر قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلهَا مِنْ غَيْر أَنْ تَخْتَرِف شَيْئًا , وَكَانَ الرَّجُل يُسَافِر لَا يَحْمِل مَعَهُ زَادًا وَلَا سِقَاء مِمَّا بُسِطَ لِلْقَوْمِ . )22017 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَيَّامًا آمِنِينَ } قَالَ : لَيْسَ فِيهَا خَوْف .)

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } </subtitle>اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا } عَلَى وَجْه الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة بِالْأَلِفِ ; وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة : | بَعِّدْ | بِتَشْدِيدِ الْعَيْن عَلَى الدُّعَاء أَيْضًا . وَذُكِرَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | رَبّنَا بَاعَدَ بَيْن أَسْفَارنَا | عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنَ اللَّه أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ , وَحُكِيَ عَنْ آخَر أَنَّهُ قَرَأَهُ : | رَبّنَا بَعَّدَ | عَلَى وَجْه الْخَبَر أَيْضًا غَيْر أَنَّ الرَّبّ مُنَادًى . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا : { رَبّنَا بَاعِدْ } وَ | بَعِّدْ | لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار وَمَا عَدَاهُمَا فَغَيْر مَعْرُوف فِيهِمْ ; عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل أَيْضًا يُحَقِّق قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْه الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة , وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَزِيد الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى بُعْدًا مِنْ الصَّوَاب . فَإِذَا كَانَ هُوَ الصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة , فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا , فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّام فَلَوَات وَمَفَاوِز , لِنَرْكَب فِيهَا الرَّوَاحِل , وَنَتَزَوَّد مَعَنَا فِيهَا الْأَزْوَاد ; وَهَذَا مِنْ الدَّلَالَة عَلَى بَطَر الْقَوْم نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ , وَجَهْلهمْ بِمِقْدَارِ الْعَافِيَة ; وَلَقَدْ عَجَّلَ لَهُمْ رَبّهمْ الْإِجَابَة , كَمَا عَجَّلَ لِلْقَائِلِينَ : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنَ السَّمَاء أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } [8 32 ]أَعْطَاهُمْ مَا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبُوا مِنَ الْمَسْأَلَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22018 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { فَقَالُوا رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا } قَالَ : كَانَتْ لَهُمْ قُرًى مُتَّصِلَة بِالْيَمَنِ , كَانَ بَعْضهَا يَنْظُر إِلَى بَعْض , فَبَطِرُوا ذَلِكَ , وَقَالُوا : رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا , قَالَ : فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَيْل الْعَرِم , وَجَعَلَ طَعَامهمْ أَثْلًا وَخَمْطًا وَشَيْئًا مِنْ سِدْر قَلِيل . )22019 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَقَالُوا رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } قَالَ : فَإِنَّهُمْ بَطِرُوا عَيْشَهُمْ , وَقَالُوا : لَوْ كَانَ جَنَى جَنَّاتنَا أَبْعَد مِمَّا هِيَ كَانَ أَجْدَر أَنْ نَشْتَهِيَهُ , فَمَزَّقُوا بَيْنَ الشَّام وَسَبَأ , وَبَدَّلُوا بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط وَأَثْل , وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل . )22020 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَقَالُوا رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا } بَطِرَ الْقَوْم نِعْمَةَ اللَّه , وَغَمَطُوا كَرَامَةَ اللَّه , قَالَ اللَّه { وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } . )22021 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَقَالُوا رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارنَا } حَتَّى نَبِيت فِي الْفَلَوَات وَالصَّحَارِي { فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } . )وَقَوْله { فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } وَكَانَ ظُلْمهمْ إِيَّاهَا عَمَلهمْ بِمَا يُسْخِط اللَّهَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَاصِيه , مِمَّا يُوجِب لَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } يَقُول : صَيَّرْنَاهُمْ أَحَادِيثَ لِلنَّاسِ يَضْرِبُونَ بِهِمْ الْمَثَل فِي السَّبْت , فَيُقَال : تَفَرَّقَ الْقَوْم أَيَادِي سَبَا , وَأَيْدِي سَبَا , إِذَا تَفَرَّقُوا وَتَقَطَّعُوا .|وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ|وَقَوْله { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّق } يَقُول : وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْبِلَاد كُلّ مُقَطَّع , كَمَا : 22022 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّق } قَالَ قَتَادَة : قَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ : أَمَّا غَسَّان فَقَدْ لَحِقُوا بِالشَّامِ , وَأَمَّا الْأَنْصَار فَلَحِقُوا بِيَثْرِب , وَأَمَّا خُزَاعَة فَلَحِقُوا بِتِهَامَة , وَأَمَّا الْأَزْدَ فَلَحِقُوا بِعَمَّان. )22023 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : (يَزْعُمُونَ أَنَّ عِمْرَان بْن عَامِر , وَهُوَ عَمّ الْقَوْم كَانَ كَاهِنًا , فَرَأَى فِي كَهَانَته أَنَّ قَوْمه سَيُمَزَّقُونَ وَيَتَبَاعَدُونَ , فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي قَدْ عَلِمْت أَنَّكُمْ سَتُمَزَّقُونَ , فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمّ بَعِيد , وَجَمَل شَدِيد , وَمَزَاد جَدِيد , فَلْيَلْحَقْ بِكَأْسٍ أَوْ كُرُود , قَالَ : فَكَانَتْ وَادِعَة بْن عَمْرو ; وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمّ مُدْنٍ , وَأَمْرَد عَنٍ , فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِ شَنّ , فَكَانَتْ عَوْف بْن عَمْرو , وَهُمُ الَّذِينَ يُقَال لَهُمْ بَارِق ; وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيد عَيْشًا آيِنًا , وَحَرَمًا آمِنًا , فَلْيَلْحَقْ بِالْأَرْزَيْنِ , فَكَانَتْ خُزَاعَة ; وَمَنْ كَانَ يُرِيد الرَّاسِيَات فِي الْوَحْل , الْمُطْعِمَات فِي الْمَحْل , فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِب ذَات النَّخْل , فَكَانَتْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فَهُمَا هَذَانِ الْحَيَّانِ مِنْ الْأَنْصَار ; وَمَنْ كَانَ يُرِيد خَمْرًا وَخَمِيرًا , وَذَهَبًا وَحَرِيرًا , وَمُلْكًا وَتَأْمِيرًا فَلْيَلْحَقْ بِكُوثَى وَبُصْرَى , فَكَانَتْ غَسَّان بَنُو جَفْنَة مُلُوك الشَّام وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ . قَالَ ابْن إِسْحَاق : قَدْ سَمِعْت بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول : إِنَّمَا قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة طَرِيفَة امْرَأَة عِمْرَان بْن عَامِر , وَكَانَتْ كَاهِنَة , فَرَأَتْ فِي كِهَانَتهَا ذَلِكَ , وَاللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ ; قَالَ : فَلَمَّا تَفَرَّقُوا , نَزَلُوا عَلَى كِهَانَة عِمْرَان بْن عَامِر .)|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ|وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي تَمْزِيقَنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّق { لَآيَات } يَقُول : لَعِظَة وَعِبْرَة وَدَلَالَة عَلَى وَاجِب حَقّ اللَّه عَلَى عَبْده مِنْ الشُّكْر عَلَى نِعَمه إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ , وَحَقّه مِنْ الصَّبْر عَلَى مِحْنَته إِذَا امْتَحَنَهُ بِبَلَاءٍ لِكُلِّ صَبَّار شَكُور عَلَى نِعَمه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22024 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور } كَانَ مُطَرِّف يَقُول : نِعْمَ الْعَبْد الصَّبَّار الشَّكُور , الَّذِي إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ , وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ .)

وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } </subtitle>اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَلَقَدْ صَدَّقَ } بِتَشْدِيدِ الدَّال مِنْ صَدَّقَ , بِمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ ظَنًّا مِنْهُ : { وَلَا تَجِد أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [7 17 ]وَقَالَ : { فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَك مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [38 82 : 83 ]ثُمَّ صَدَّقَ ظَنَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ , فَحَقَّقَ ذَلِكَ بِهِمْ , وَبِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام وَالْبَصْرَة | وَلَقَدْ صَدَقَ | بِتَخْفِيفِ الدَّال , بِمَعْنَى : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ قَدْ صَدَّقَ عَلَى كَفَرَة بَنِي آدَمَ فِي ظَنّه , وَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ الَّذِي ظَنَّ حِينَ قَالَ : { ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفهمْ وَعَنْ أَيْمَانهمْ وَعَنْ شَمَائِلهمْ وَلَا تَجِد أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [8 17 ], وَحِين قَالَ : { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنهمْ } [4 119 ]... الْآيَة , قَالَ ذَلِكَ عَدُوّ اللَّه , ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ لَا عِلْمًا , فَصَارَ ذَلِكَ حَقًّا بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِتَشْدِيدِ الدَّال : وَلَقَدْ ظَنَّ إِبْلِيس بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُل خَمْط , عُقُوبَة مِنَّا لَهُمْ , ظَنًّا غَيْر يَقِين , عَلِمَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ وَيُطِيعُونَهُ فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَصَدَّقَ ظَنَّهُ عَلَيْهِمْ , بِإِغْوَائِهِ إِيَّاهُمْ , حَتَّى أَطَاعُوهُ , وَعَصَوْا رَبَّهُمْ , إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ , فَإِنَّهُمْ ثَبَتُوا عَلَى طَاعَة اللَّه وَمَعْصِيَة إِبْلِيس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22025 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : ( { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ } مُشَدَّدَة , وَقَالَ : ظَنَّ ظَنًّا , فَصَدَّقَ ظَنَّهُ . )22026 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ } قَالَ : ظَنَّ ظَنًّا فَاتَّبَعُوا ظَنّه . )22027 - قَالَ : ثنا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ } قَالَ اللَّه : مَا كَانَ إِلَّا ظَنًّا ظَنَّهُ , وَاللَّه لَا يُصَدِّق كَاذِبًا , وَلَا يُكَذِّب صَادِقًا . )22028 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنَّهُ } قَالَ : أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَرَّمْتهمْ عَلَيَّ , وَفَضَّلْتهمْ وَشَرَّفْتهمْ , لَا تَجِد أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ , وَكَانَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ بِغَيْرِ عِلْم , فَقَالَ اللَّه : { فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .)

وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَان إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا كَانَ لِإِبْلِيسَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ حُجَّة يُضِلّهُمْ بِهَا , إِلَّا بِتَسْلِيطَنَاهُ عَلَيْهِمْ , لِيَعْلَم حِزْبنَا وَأَوْلِيَاؤُنَا { مَنْ يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ } يَقُول : مَنْ يُصَدِّق بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب { مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ } فَلَا يُوقِن بِالْمُعَادِ , وَلَا يُصَدِّق بِثَوَابٍ وَلَا عِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22029 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَان } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : وَاللَّه مَا ضَرَبَهُمْ بِعَصًا وَلَا سَيْف وَلَا سَوْط , إِلَّا أَمَانِيّ وَغُرُورًا دَعَاهُمْ إِلَيْهَا . )22030 - قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِلَّا لِنَعْلَم مَنْ يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ } قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ بَلَاء لِيَعْلَم اللَّه الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِن . )وَقِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : ( { إِلَّا لِنَعْلَم مَنْ يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ } إِلَّا لِنَعْلَم ذَلِكَ مَوْجُودًا ظَاهِرًا لِيَسْتَحِقّ بِهِ الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ .)|وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ|وَقَوْله : { وَرَبّك عَلَى كُلّ شَيْء حَفِيظ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَرَبّك يَا مُحَمَّد عَلَى أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة بِهِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا { حَفِيظ } لَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْهُ , وَهُوَ مُجَاز جَمِيعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة , بِمَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر وَشَرّ .(

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُون اللَّه لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَذَا فِعْلنَا بِوَلِيِّنَا وَمَنْ أَطَاعَنَا , دَاوُدَ وَسُلَيْمَان الَّذِي فَعَلْنَا بِهِمَا مِنْ إِنْعَامنَا عَلَيْهِمَا النِّعَم الَّتِي لَا كِفَاء لَهَا إِذْ شَكَرَانَا , وَذَاكَ فِعْلنَا بِسَبَإٍ الَّذِينَ فَعَلْنَا بِهِمْ , إِذْ بَطِرُوا نِعْمَتَنَا , وَكَذَّبُوا رُسُلَنَا , وَكَفَرُوا أَيَادِيَنَا , فَقُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ مِنْ قَوْمك , الْجَاحِدِينَ نِعَمَنَا عِنْدَهُمْ : ادْعُوا أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ لِلَّهِ شَرِيك مِنْ دُونه , فَسَلُوهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِكُمْ بَعْض أَفْعَالنَا , بِالَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ مِنْ إِنْعَام أَوْ إِيَاس , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرُّبُوبِيَّة لَا تَصْلُح وَلَا تَجُوز , ثُمَّ وَصَفَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه , فَقَالَ : إِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض مِنْ خَيْر وَلَا شَرّ وَلَا ضُرّ وَلَا نَفْع , فَكَيْفَ يَكُونَ إِلَهًا مَنْ كَانَ كَذَلِكَ . وَقَوْله : { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا هُمْ إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , مُنْفَرِدِينَ بِمُلْكِهِ مِنْ دُون اللَّه , يَمْلِكُونَهُ عَلَى وَجْه الشَّرِكَة ; لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي الْمَمْلُوكَات , لَا تَكُون لِمَالِكِهَا إِلَّا عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إِمَّا مَقْسُومًا , وَإِمَّا مُشَاعًا ; يَقُول : وَآلِهَتهمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه , لَا يَمْلِكُونَ وَزْن ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , لَا مُشَاعًا وَلَا مَقْسُومًا , فَكَيْفَ يَكُون مَنْ كَانَ هَكَذَا شَرِيكًا لِمَنْ لَهُ مُلْك جَمِيع ذَلِكَ .|وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ|وَقَوْله : { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير } يَقُول : وَمَا لِلَّهِ مِنْ الْآلِهَة الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونه مُعِين عَلَى خَلْق شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَلَا عَلَى حِفْظه , إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُلْك شَيْء مِنْهُ مُشَاعًا وَلَا مَقْسُومًا , فَيُقَال : هُوَ لَك شَرِيك مِنْ أَجْل أَنَّهُ أَعَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُلْك شَيْء مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22031 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُون اللَّه لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْك } يَقُول : مَا لِلَّهِ مِنْ شَرِيك فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ } مِنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه { مِنْ ظَهِير } مِنْ عَوْن بِشَيْءٍ .)

سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَنْفَع شَفَاعَة شَافِع كَائِنًا مَنْ كَانَ الشَّافِع لِمَنْ شَفَعَ لَهُ , إِلَّا أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ أَذِنَ اللَّه فِي الشَّفَاعَة . يَقُول تَعَالَى : فَإِذَا كَانَتْ الشَّفَاعَات لَا تَنْفَع عِنْدَ اللَّه أَحَدًا إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّه فِي الشَّفَاعَة لَهُ , وَاللَّه لَا يَأْذَن لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي الشَّفَاعَة لِأَحَدٍ مِنَ الْكَفَرَة بِهِ , وَأَنْتُمْ أَهْل كُفْر بِهِ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ , فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَنْ تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه زَعْمًا مِنْكُمْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ , لِيُقَرِّبكُمْ إِلَى اللَّه زُلْفَى , وَلِيَشْفَع لَكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ ; | فَمَنْ | إِذْ كَانَ هَذَا مَعْنَى الْكَلَام الَّتِي فِي قَوْله { إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } : الْمَشْفُوع لَهُ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَذِنَ لَهُ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة الْقُرَّاء بِضَمِّ الْأَلِف مِنْ | أَذِنَ لَهُ | عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : { أَذِنَ لَهُ } عَلَى اخْتِلَاف أَيْضًا عَنْهُ فِيهِ , بِمَعْنَى أَذِنَ اللَّه لَهُ .|حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ|وَقَوْله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } يَقُول : حَتَّى إِذَا جُلِيَ عَنْ قُلُوبهمْ , وَكُشِفَ عَنْهَا الْفَزَع وَذَهَبَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22032 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } يَعْنِي : جُلِيَ . )22033 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } قَالَ : كَشَفَ عَنْهَا الْغِطَاء يَوْمَ الْقِيَامَة . )22034 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (إِذَا جُلِيَ عَنْ قُلُوبهمْ. )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَة مَنْ هُمْ ؟ وَمَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ الْمَلَائِكَة , قَالُوا : وَإِنَّمَا يُفَزَّع عَنْ قُلُوبهمْ مِنْ غَشْيَة تُصِيبهُمْ عِنْدَ سَمَاعهمْ اللَّه بِالْوَحْيِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22035 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُدَ , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ ابْن مَسْعُود فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } قَالَ : إِذَا حَدَثَ أَمْر عِنْدَ ذِي الْعَرْش سَمِعَ مَنْ دُونَهُ مِنَ الْمَلَائِكَة صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفَا , فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ , فَإِذَا ذَهَبَ الْفَزَع عَنْ قُلُوبهمْ تَنَادَوْا : { مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ } قَالَ : فَيَقُول مَنْ شَاءَ , قَالَ : الْحَقّ , وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير . )22036 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت دَاوُدَ , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق ; قَالَ : (إِذَا حَدَثَ عِنْد ذِي الْعَرْش أَمْر سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة صَوْتًا , كَجَرِّ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفَا , قَالَ : فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ , فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ , قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ؟ قَالَ : فَيَقُول مَنْ شَاءَ اللَّه : الْحَقّ , وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير . )* - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عَامِر , عَنِ ابْن مَسْعُود , أَنَّهُ قَالَ : (إِذَا حَدَثَ أَمْر عِنْدَ ذِي الْعَرْش , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَزَع , حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَنَادَوْا : مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } قَالَ : إِنَّ الْوَحْيَ إِذَا أُلْقِيَ سَمِعَ أَهْل السَّمَوَات صَلْصَلَة كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفْوَان , قَالَ : فَيَتَنَادَوْنَ فِي السَّمَوَات . مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالَ : فَيَتَنَادَوْنَ : الْحَقّ , وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير . )* - وَبِهِ عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 22037 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (يَنْزِل الْأَمْر مِنْ عِنْد رَبّ الْعِزَّة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَيَفْزَع أَهْل السَّمَاء الدُّنْيَا , حَتَّى يَسْتَبِين لَهُمُ الْأَمْر الَّذِي نَزَلَ فِيهِ , فَيَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : قَالَ الْحَقّ , وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير , فَذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } الْآيَة . )22038 -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : ثنا أَبُو هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي السَّمَاء ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَة بِأَجْنِحَتِهَا جَمِيعًا , وَلِقَوْلِهِ صَوْت كَصَوْتِ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفَا الصَّفْوَان , فَذَلِكَ قَوْله | : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } | . (22039 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : قَالَ الْحَارِث بْن هِشَام لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )كَيْفَ يَأْتِيك الْوَحْي ؟ قَالَ : | يَأْتِينِي فِي صَلْصَلَة كَصَلْصَلَةِ الْجَرَس فَيَفْصِم عَنِّي حِينَ يَفْصِم وَقَدْ وَعَيْته , وَيَأْتِي أَحْيَانًا فِي مِثْل صُورَة الرَّجُل , فَيُكَلِّمُنِي بِهِ كَلَامًا , وَهُوَ أَهْوَن عَلَيَّ . )22040 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن أَبَانَ الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا نَعِيم , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن جَابِر , عَنِ ابْن أَبِي زَكَرِيَّا , عَنْ جَابِر بْن حَيْوَةَ , عَنْ النَّوَّاس بْن سَمْعَان , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِالْأَمْرِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ , أَخَذَتْ السَّمَوَات مِنْهُ رَجْفَة أَوْ قَالَ رِعْدَة شَدِيدَة خَوْفَ أَمْر اللَّه , فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل السَّمَوَات صَعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا , فَيَكُون أَوَّل مَنْ يَرْفَع رَأْسَهُ جَبْرَائِيل , فَيُكَلِّمهُ اللَّه مِنْ وَحْيه بِمَا أَرَادَ , ثُمَّ يَمُرّ جَبْرَائِيل عَلَى الْمَلَائِكَة كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتهَا . مَاذَا قَالَ رَبّنَا يَا جَبْرَائِيل ؟ فَيَقُول جَبْرَائِيل . قَالَ الْحَقّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير , قَالَ : فَيَقُولُونَ كُلّهمْ مِثْل مَا قَالَ جَبْرَائِيل , فَيَنْتَهِي جَبْرَائِيل بِالْوَحْيِ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّه | ). 22041 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } الْآيَة . قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ إِلَى مُحَمَّد , دَعَا جِبْرِيل , فَلَمَّا تَكَلَّمَ رَبّنَا بِالْوَحْيِ , كَانَ صَوْته كَصَوْتِ الْحَدِيد عَلَى الصَّفَا ; فَلَمَّا سَمِعَ أَهْل السَّمَوَات صَوْت الْحَدِيد خَرُّوا سُجَّدًا ; فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِمْ جَبْرَائِيل بِالرِّسَالَةِ رَفَعُوا رُءُوسهمْ , فَقَالُوا : { مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } وَهَذَا قَوْل الْمَلَائِكَة . )22042 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } إِلَى { وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } قَالَ : لَمَّا أَوْحَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الرَّسُول مِنَ الْمَلَائِكَة , فَبَعَثَ بِالْوَحْيِ , سَمِعَتْ الْمَلَائِكَة صَوْتَ الْجَبَّار يَتَكَلَّم بِالْوَحْيِ ; فَلَمَّا كَشَفَ عَنْ قُلُوبهمْ سَأَلُوا عَمَّا قَالَ اللَّه , فَقَالُوا : الْحَقّ , وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقُول إِلَّا حَقًّا , وَأَنَّهُ مُنْجِز مَا وَعَدَ . قَالَ ابْن عَبَّاس : وَصَوْت الْوَحْي كَصَوْتِ الْحَدِيد عَلَى الصَّفَا ; فَلَمَّا سَمِعُوهُ خَرُّوا سُجَّدًا ; فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسهمْ { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } ثُمَّ أَمَرَ اللَّه نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ { قُلْ مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَوَات } إِلَى قَوْله : { فِي ضَلَال مُبِين } . )22043 حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْقَاسِم , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } الْآيَة , قَالَ : الْوَحْي يَنْزِل مِنَ السَّمَاء , فَإِذَا قَضَاهُ { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } . )22044 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } قَالَ : إِنَّ الْوَحْيَ إِذَا قَضَى فِي زَوَايَا السَّمَاء , قَالَ : مِثْل وَقْع الْفُولَاذ عَلَى الصَّخْرَة , قَالَ : فَيُشْفِقُونَ , لَا يَدْرُونَ مَا حَدَثَ , فَيَفْزَعُونَ , فَإِذَا مَرَّتْ بِهِمْ الرُّسُل { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } . )وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ : الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَة : إِنَّمَا يُفَزَّع عَنْ قُلُوبهمْ فَزَعهمْ مِنْ قَضَاء اللَّه الَّذِي يَقْضِيه حَذَرًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قِيَام السَّاعَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22045 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ } الْآيَة , قَالَ : يُوحِي اللَّه إِلَى جَبْرَائِيل , فَتُفَرَّق الْمَلَائِكَة , أَوْ تُفَزَّع مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ شَيْء مِنْ أَمْر السَّاعَة , فَإِذَا جُلِيَ عَنْ قُلُوبهمْ , وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَمْر السَّاعَة { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مِنْ فِعْل مَلَائِكَة السَّمَوَات إِذَا مَرَّتْ بِهَا الْمُعَقِّبَات فَزَعًا أَنْ يَكُونَ حَدَثَ أَمْر السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22046 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } الْآيَة , زَعَمَ ابْن مَسْعُود أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُعَقِّبَات الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْأَرْض يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ , إِذَا أَرْسَلَهُمْ الرَّبّ فَانْحَدَرُوا سُمِعَ لَهُمْ صَوْت شَدِيد , فَيَحْسَب الَّذِينَ هُمْ أَسْفَل مِنْهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ مِنْ أَمْر السَّاعَة , فَخَرُّوا سُجَّدًا , وَهَكَذَا كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوْف رَبّهمْ. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ , قَالُوا : وَإِنَّمَا يُفَزِّع الشَّيْطَان عَنْ قُلُوبهمْ ; قَالَ : وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ عِنْد نُزُول الْمَنِيَّة بِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22047 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ } قَالَ : فَزَّعَ الشَّيْطَان عَنْ قُلُوبهمْ وَفَارَقَهُمْ وَأَمَانِيّهمْ , وَمَا كَانَ يُضِلّهُمْ { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } قَالَ : وَهَذَا فِي بَنِي آدَمَ , وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْت أَقَرُّوا بِهِ حِينَ لَمْ يَنْفَعهُمْ الْإِقْرَار . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّعْبِيّ , عَنِ ابْن مَسْعُود لِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْيِيدِهِ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْكَلَام : لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْدَهُ , إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ , فَإِذَا أَذِنَ اللَّه لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَع فَزِعَ لِسَمَاعِهِ إِذْنَهُ , حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ , فَجُلِيَ عَنْهَا , وَكُشِفَ الْفَزَع عَنْهُمْ , قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ؟ قَالَتْ الْمَلَائِكَة : الْحَقَّ , { وَهُوَ الْعَلِيّ } عَلَى كُلّ شَيْء { الْكَبِير } الَّذِي لَا شَيْءَ دُونَهُ . وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل فَزِعَ فِي مَعْنَيَيْنِ , فَتَقُول لِلشُّجَاعِ الَّذِي بِهِ تَنْزِل الْأُمُور الَّتِي يُفَزَّع مِنْهَا : وَهُوَ مُفَزَّع ; وَتَقُول لِلْجَبَانِ الَّذِي يَفْزَع مِنْ كُلّ شَيْء : إِنَّهُ لَمُفَزَّع , وَكَذَلِكَ تَقُول لِلرَّجُلِ الَّذِي يَقْضِي لَهُ النَّاس فِي الْأُمُور بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَنْ نَازَلَهُ فِيهَا : هُوَ مُغَلِّب ; وَإِذَا أُرِيد بِهِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ غَالِبًا ; وَتَقُول لِلرَّجُلِ أَيْضًا الَّذِي هُوَ مَغْلُوب أَبَدًا : مُغَلَّب . وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار أَجْمَعُونَ : { فُزِّعَ } بِالزَّايِ وَالْعَيْن عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن مَسْعُود وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ , وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | حَتَّى إِذَا فُرِغَ عَنْ قُلُوبهمْ | بِالرَّاءِ وَالْغَيْن عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن زَيْد , وَقَدْ يَحْتَمِل تَوْجِيه مَعْنَى قِرَاءَة الْحَسَن ذَلِكَ كَذَلِكَ , إِلَى | حَتَّى إِذَا فُرِغَ عَنْ قُلُوبهمْ | فَصَارَتْ فَارِغَة مِنَ الْفَزَع الَّذِي كَانَ حَلَّ بِهَا. ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | فَزِعَ | بِمَعْنَى : كَشَفَ اللَّه الْفَزَعَ عَنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ الْقِرَاءَة بِالزَّايِ وَالْعَيْن ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل عَلَيْهَا , وَلِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْيِيدِهَا , وَالدَّلَالَة عَلَى صِحَّتهَا .

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قُلِ اللَّه وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ : مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِإِنْزَالِهِ الْغَيْثَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا حَيَاةً لِحُرُوثِكُمْ , وَصَلَاحًا لِمَعَايِشِكُمْ , وَتَسْخِيره الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم لِمَنَافِعِكُمْ , وَمَنَافِع أَقْوَاتكُمْ , وَالْأَرْض بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا أَقْوَاتكُمْ وَأَقْوَات أَنْعَامكُمْ ؟ وَتَرَكَ الْخَبَرَ عَنْ جَوَاب الْقَوْم اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , ثُمَّ ذَكَرَهُ , وَهُوَ : فَإِنْ قَالُوا : لَا نَدْرِي , فَقُلْ : الَّذِي يَرْزُقكُمْ ذَلِكَ اللَّه , { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : قُلْ لَهُمْ : إِنَّا لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال , أَوْ إِنَّكُمْ عَلَى ضَلَال أَوْ هُدًى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22048 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قُلْ مَنْ يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَوَات وَالْأَرْض قُلِ اللَّه وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } قَالَ : قَدْ قَالَ ذَلِكَ أَصْحَاب مُحَمَّد لِلْمُشْرِكِينَ , وَاللَّه مَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَلَى أَمْر وَاحِد , إِنَّ أَحَد الْفَرِيقَيْنِ لَمُهْتَدٍ , وَقَدْ قَالَ قَوْم : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِنَّا لَعَلَى هُدًى , وَإِنَّكُمْ لَفِي ضَلَال مُبِين . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22049 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الشَّهِيدِيّ , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف عَنْ عِكْرِمَة وَزِيَاد , فِي قَوْله : ( { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } قَالَ : إِنَّا لَعَلَى هُدًى ; وَإِنَّكُمْ لَفِي ضَلَال مُبِين . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول | أَوْ | فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : لَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَكّ , وَلَكِنَّ هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُهْتَدِي , قَالَ : وَقَدْ يَقُول الرَّجُل لِعَبْدِهِ : أَحَدنَا ضَارِب صَاحِبَهُ , وَلَا يَكُون فِيهِ إِشْكَال عَلَى السَّامِع أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الضَّارِب . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّا لَعَلَى هُدًى , وَإِنَّكُمْ إِيَّاكُمْ فِي ضَلَال مُبِين ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تَضَع | أَوْ | فِي مَوْضِع وَاو الْمُوَالَاة , قَالَ جَرِير : <br>أَثَعْلَبَة الْفَوَارِس أَوْ رِيَاحَا .......... عَدَلْت بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا <br>قَالَ : يَعْنِي ثَعْلَبَة وَرِيَاحًا , قَالَ : وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهَذَا مَنْ لَا يُشَكّ فِي دِينه , وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى , وَأُولَئِكَ فِي ضَلَال , فَيُقَال : هَذَا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا عَلَى جِهَة الِاسْتِهْزَاء , فَقَالَ : هَذَا لَهُمْ , وَقَالَ : <br>فَإِنْ يَكُنْ حُبّهمْ رُشْدًا أُصِبْهُ .......... وَلَسْت بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيَّا <br>وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَى | أَوْ | وَمَعْنَى الْوَاو فِي هَذَا الْمَوْضِع فِي الْمَعْنَى , غَيْرَ أَنَّ الْقَرِينَة عَلَى غَيْر ذَلِكَ لَا تَكُون | أَوْ | بِمَنْزِلَةِ الْوَاو , وَلَكِنَّهَا تَكُون فِي الْأَمْر الْمُفَوَّض , كَمَا تَقُول : إِنْ شِئْت فَخُذْ دِرْهَمًا أَوْ اثْنَيْنِ , فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً . قَالَ : وَهُوَ فِي قَوْل مَنْ لَا يُبْصِر الْعَرَبِيَّةَ , وَيَجْعَل | أَوْ | بِمَنْزِلَةِ الْوَاو , وَيَجُوز لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةً ; لِأَنَّهُ فِي قَوْلهمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : خُذْ دِرْهَمًا أَوْ اثْنَيْنِ ; قَالَ : وَالْمَعْنَى فِي { إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ } إِنَّا لَضَالُّونَ أَوْ مُهْتَدُونَ , وَإِنَّكُمْ أَيْضًا لَضَالُّونَ , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّ رَسُولَهُ الْمُهْتَدِي , وَأَنَّ غَيْرَهُ الضَّالّ . قَالَ : وَأَنْتَ تَقُول فِي الْكَلَام لِلرَّجُلِ يَكْذِبك , وَاللَّه إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ , وَأَنْتَ تَعْنِيه , وَكَذَّبْته تَكْذِيبًا غَيْرَ مَكْشُوف , وَهُوَ فِي الْقُرْآن وَكَلَام الْعَرَب كَثِير , أَنْ يُوَجِّه الْكَلَام إِلَى أَحْسَن مَذَاهِبه , إِذَا عَرَفَ , كَقَوْلِ الْقَائِل لِمَنْ قَالَ : وَاللَّه لَقَدْ قَدِمَ فُلَان , وَهُوَ كَاذِب , فَيَقُول : قُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّه , أَوْ قُلْ : فِيمَا أَظُنّ , فَيُكَذِّبهُ بِأَحْسَن تَصْرِيح التَّكْذِيب . قَالَ : وَمِنْ كَلَام الْعَرَب أَنْ يَقُولُوا : قَاتَلَهُ اللَّه , ثُمَّ يَسْتَقْبِح فَيَقُولُونَ : قَاتَلَهُ اللَّه , وَكَاتَعَهُ اللَّه . قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ : وَيْحك , وَوَيْسك , إِنَّمَا هِيَ فِي مَعْنَى : وَيْلَك , إِلَّا أَنَّهَا دُونَهَا , وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ أَمْر مِنَ اللَّه لِنَبِيِّهِ بِتَكْذِيبِ مَنْ أَمَرَهُ بِخِطَابِهِ بِهَذَا الْقَوْل بِأَجْمَل التَّكْذِيب , كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبٍ لَهُ يُخَاطِبهُ , وَهُوَ يُرِيد تَكْذِيبَهُ فِي خَبَر لَهُ : أَحَدنَا كَاذِب , وَقَائِل ذَلِكَ يَعْنِي صَاحِبه , لَا نَفْسه ; فَلِهَذَا الْمَعْنَى صَيَّرَ الْكَلَامَ بِأَوْ .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَل عَمَّا تَعْمَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : أَحَد فَرِيقَيْنَا عَلَى هُدًى وَالْآخَر عَلَى ضَلَال , لَا تُسْأَلُونَ أَنْتُمْ عَمَّا أَجْرَمْنَا نَحْنُ مِنْ جُرْم , وَرَكِبْنَا مِنْ إِثْم , وَلَا نُسْأَل نَحْنُ عَمَّا تَعْمَلُونَ أَنْتُمْ مِنْ عَمَل ,

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ

قُلْ لَهُمْ : يَجْمَع بَيْنَنَا رَبّنَا يَوْم الْقِيَامَة عِنْدَهُ , ثُمَّ يَفْتَح بَيْنَنَا بِالْحَقِّ . يَقُول : ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ , فَيَتَبَيَّن عِنْدَ ذَلِكَ الْمُهْتَدِي مِنَّا مِنْ الضَّالّ { وَهُوَ الْفَتَّاح الْعَلِيم } يَقُول : وَاللَّه الْقَاضِي الْعَلِيم بِالْقَضَاءِ بَيْن خَلْقه ; لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَنْهُ خَافِيَة , وَلَا يَحْتَاج إِلَى شُهُود تُعَرِّفهُ الْمُحِقّ مِنَ الْمُبْطِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22050 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ يَجْمَع بَيْنَنَا رَبّنَا } يَوْم الْقِيَامَةَ { ثُمَّ يَفْتَح بَيْنَنَا } : أَيْ يَقْضِي بَيْنَنَا . )22051 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَهُوَ الْفَتَّاح الْعَلِيم } يَقُول : الْقَاضِي .)

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام : أَرُونِي أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ أَلْحَقْتُمُوهُمْ بِاللَّهِ فَصَيَّرْتُمُوهُمْ لَهُ شُرَكَاء فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُمْ : مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض , أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات , { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَذَبُوا , لَيْسَ الْأَمْر كَمَا وَصَفُوا , وَلَا كَمَا جَعَلُوا وَقَالُوا مِنْ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا , بَلْ هُوَ الْمَعْبُود الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ , وَلَا يَصْلُح أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك فِي مُلْكه , الْعَزِيز فِي انْتِقَامه مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنْ خَلْقه , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمك خَاصَّة , وَلَكِنَّا أَرْسَلْنَاك كَافَّة لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ , الْعَرَب مِنْهُمْ وَالْعَجَم , وَالْأَحْمَر وَالْأَسْوَد , بَشِيرًا مَنْ أَطَاعَك , وَنَذِيرًا مَنْ كَذَّبَك , { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَك كَذَلِكَ إِلَى جَمِيع الْبَشَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22052 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة لِلنَّاسِ } قَالَ : أَرْسَلَ اللَّه مُحَمَّدًا إِلَى الْعَرَب وَالْعَجَم , فَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّه أَطْوَعهمْ لَهُ . )ذَكَرَ لَنَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | أَنَا سَابِق الْعَرَب , وَصُهَيْب سَابِق الرُّوم , وَبِلَال سَابِق الْحَبَشَة , وَسَلْمَان سَابِق فَارِس | .

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } </subtitle> { قُلْ لَكُمْ مِيعَاد يَوْم لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِذَا سَمِعُوا وَعِيدَ اللَّه الْكُفَّار وَمَا هُوَ فَاعِل بِهِمْ فِي مُعَادهمْ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه : { مَتَى هَذَا الْوَعْد } جَائِيًا , وَفِي أَيّ وَقْت هُوَ كَائِن { إِنْ كُنْتُمْ } فِيمَا تَعِدُونَنَا مِنْ ذَلِكَ { صَادِقِينَ } أَنَّهُ كَائِن ,

أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ

{ قُلْ لَكُمْ مِيعَاد يَوْم لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } </subtitle>قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { قُلْ } لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { لَكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { مِيعَاد يَوْم } هُوَ آتِيكُمْ { لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ } إِذَا جَاءَكُمْ { سَاعَة } فَتَنْظُرُوا لِلتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَة { وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ } قَبْلَهُ بِالْعَذَابِ ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكُمْ ذَلِكَ أَجَلًا .

فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب : { لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن } الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ بَيْن يَدَيْهِ , كَمَا : 22053 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَيْن يَدَيْهِ } قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن , وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب وَالْأَنْبِيَاء .)|وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ|وَقَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهمْ } يَتَلَاوَمُونَ , يُحَاوِر بَعْضهمْ بَعْضًا , يَقُول الْمُسْتَضْعَفُونَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا يَسْتَكْبِرُونَ : لَوْلَا أَنْتُمْ أَيّهَا الرُّؤَسَاء وَالْكُبَرَاء فِي الدُّنْيَا لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَآيَاته .

فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } فِي الدُّنْيَا , فَرَأَسُوا فِي الضَّلَالَة وَالْكُفْر بِاللَّهِ { لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } فِيهَا فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِأَهْلِ الضَّلَالَة مِنْهُمْ إِذْ قَالُوا لَهُمْ { لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى } وَمَنَعْنَاكُمْ مِنْ اتِّبَاع الْحَقّ { بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } مِنْ عِنْد اللَّه , يُبَيِّن لَكُمْ { بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } فَمَنَعَكُمْ إِيثَاركُمْ الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَلَى الْإِيمَان مِنْ اتِّبَاع الْهُدَى , وَالْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُوله .

فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } </subtitle>وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } مِنْ الْكَفَرَة بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا , فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ فِي الضَّلَالَة { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } فِيهَا , فَكَانُوا لَهُمْ رُؤَسَاء { بَلْ مَكْر } كُمْ لَنَا بِ { اللَّيْل وَالنَّهَار } صَدَّنَا عَنِ الْهُدَى { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ } أَمْثَالًا وَأَشْبَاهًا فِي الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة ; فَأُضِيف إِلَى اللَّيْل وَالنَّهَار , وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَكْر الْمُسْتَكْبِرِينَ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , عَلَى اتِّسَاع الْعَرَب فِي الَّذِي قَدْ عُرِفَ مَعْنَاهَا فِيهِ مِنْ مَنْطِقهَا , مِنْ نَقْل صِفَة الشَّيْء إِلَى غَيْره , فَتَقُول لِلرَّجُلِ : يَا فُلَان نَهَارُك صَائِم وَلَيْلُك قَائِم , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَنِمْت وَمَا لَيْل الْمَطِيّ بِنَائِمٍ <br>وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ مَضَى بَيَانًا لَهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22054 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } يَقُول : بَلْ مَكْركُمْ بِنَا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار أَيُّهَا الْعُظَمَاء الرُّؤَسَاء حَتَّى أَزَلْتُمُونَا عَنْ عِبَادَة اللَّه . )وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَأْوِيله عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مَا : 22055 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار } قَالَ : مَرّ اللَّيْل وَالنَّهَار . )وَقَوْله : { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ } يَقُول : حِين تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ. وَقَوْله : { وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } يَقُول : شُرَكَاء , كَمَا : 22056 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } شُرَكَاء .)|وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ|قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } يَقُول : وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ طَاعَة اللَّه فِي الدُّنْيَا حِين عَايَنُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ , كَمَا : 22057 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , ( { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } بَيْنَهُمْ { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } .)|وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ|قَوْله : { وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا } وَغُلَّتْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي جَهَنَّم إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي جَوَامِع مِنْ نَار جَهَنَّم , جَزَاء بِمَا كَانُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا يَكْفُرُونَ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا يَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا ثَوَابًا لِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة الَّتِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَهَا , وَمُكَافَأَةً لَهُمْ عَلَيْهَا .

فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا بَعَثْنَا إِلَى أَهْل قَرْيَة نَذِيرًا يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِيَّانَا , إِلَّا قَالَ كُبَرَاؤُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا فِي الضَّلَالَة كَمَا قَالَ قَوْم فِرْعَوْن مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَهُ : إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ مِنْ النِّذَارَة , وَبُعِثْتُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَالْبَرَاءَة مِنَ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد كَافِرُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22058 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } قَالَ : هُمْ رُءُوسهمْ وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ .)

فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل الِاسْتِكْبَار عَلَى اللَّه مِنْ كُلّ قَرْيَة أَرْسَلْنَا فِيهَا نَذِيرًا لِأَنْبِيَائِنَا وَرُسُلنَا : { نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا } وَمَا نَحْنُ فِي الْآخِرَة { بِمُعَذَّبِينَ } لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّة وَالْعَمَل لَمْ يُخَوِّلنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَاد , وَلَمْ يَبْسُط لَنَا فِي الرِّزْق , وَإِنَّمَا أَعْطَانَا مَا أَعْطَانَا مِنْ ذَلِكَ لِرِضَاهُ أَعْمَالَنَا , وَآثَرَنَا بِمَا آثَرَنَا عَلَى غَيْرنَا لِفَضْلِنَا , وَزُلْفَة لَنَا عِنْدَهُ , يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق } مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش فِي الدُّنْيَا { لِمَنْ يَشَاء } مِنْ خَلْقه { وَيَقْدِر } فَيُضَيِّق عَلَى مَنْ يَشَاء لَا لِمَحَبَّةٍ فِيمَنْ يَبْسُط لَهُ ذَلِكَ وَلَا خَيْر فِيهِ وَلَا زُلْفَة لَهُ , اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ , وَلَا لِبُغْضٍ مِنْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَلَا مَقْت , وَلَكِنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ مِحْنَة لِعِبَادِهِ وَابْتِلَاء , وَأَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَل ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِعِبَادِهِ , وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَحَبَّة لِمَنْ بَسَطَ لَهُ وَمَقْت لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22059 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } الْآيَة , قَالَ : قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا , فَأَخْبَرَهُمُ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } , قَالَ : وَهَذَا قَوْل الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالُوا : لَوْ لَمْ يَكُنْ اللَّه عَنَّا رَاضِيًا لَمْ يُعْطِنَا هَذَا , كَمَا قَالَ قَارُون : لَوْلَا أَنَّ اللَّه رَضِيَ بِي وَبِحَالِي مَا أَعْطَانِي هَذَا , قَالَ : { أَوْ لَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَك مِنْ قَبْله مِنَ الْقُرُون } [28 78 ]... إِلَى آخِر الْآيَة .)

مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل الِاسْتِكْبَار عَلَى اللَّه مِنْ كُلّ قَرْيَة أَرْسَلْنَا فِيهَا نَذِيرًا لِأَنْبِيَائِنَا وَرُسُلنَا : { نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا } وَمَا نَحْنُ فِي الْآخِرَة { بِمُعَذَّبِينَ } لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّة وَالْعَمَل لَمْ يُخَوَّلنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ , وَلَمْ يَبْسُط لَنَا فِي الرِّزْق , وَإِنَّمَا أَعْطَانَا مَا أَعْطَانَا مِنْ ذَلِكَ لِرِضَاهُ أَعْمَالَنَا , وَآثَرَنَا بِمَا آثَرَنَا عَلَى غَيْرنَا لِفَضْلِنَا , وَزُلْفَة لَنَا عِنْده , يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق } مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش فِي الدُّنْيَا { لِمَنْ يَشَاء } مِنْ خَلْقه { وَيَقْدِر } فَيُضَيِّق عَلَى مَنْ يَشَاء لَا لِمَحَبَّةٍ فِيمَنْ يَبْسُط لَهُ ذَلِكَ وَلَا خَيْر فِيهِ وَلَا زُلْفَة لَهُ , اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ , وَلَا لِبُغْضٍ مِنْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَلَا مَقْت , وَلَكِنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ مِحْنَةً لِعِبَادِهِ وَابْتِلَاءً , وَأَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَل ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِعِبَادِهِ , وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَحَبَّة لِمَنْ بَسَطَ لَهُ وَمَقْت لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22059 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } الْآيَة , قَالَ : قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا , فَأَخْبَرَهُمُ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } , قَالَ : وَهَذَا قَوْل الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالُوا : لَوْ لَمْ يَكُنْ اللَّه عَنَّا رَاضِيًا لَمْ يُعْطِنَا هَذَا , كَمَا قَالَ قَارُون : لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ بِي وَبِحَالِي مَا أَعْطَانِي هَذَا , قَالَ : { أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَك مِنْ قَبْله مِنَ الْقُرُون } [28 78 ]... إِلَى آخِر الْآيَة .)

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا أَمْوَالكُمْ الَّتِي تَفْتَخِرُونَ بِهَا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى النَّاس , وَلَا أَوْلَادكُمْ الَّذِينَ تَتَكَبَّرُونَ بِهِمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ مِنَّا قُرْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22060 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عِنْدَنَا زُلْفَى } قَالَ : قُرْبَى . )22061 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } لَا يَعْتَبِر النَّاس بِكَثْرَةِ الْمَال وَالْوَلَد , وَإِنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُعْطَى الْمَالَ , وَرُبَّمَا حُبِسَ عَنِ الْمُؤْمِن . )وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } وَلَمْ يَقُلْ بِاللَّتَيْنِ , وَقَدْ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ , وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ كُلّ نَوْع مِنْهُمَا جَمْع يَصْلُح فِيهِ الَّتِي ; وَلَوْ قَالَ قَائِل : أَرَادَ بِذَلِكَ أَحَد النَّوْعَيْنِ لَمْ يَبْعُد قَوْله , وَكَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِر : <br>نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا , وَأَنْتَ بِمَا .......... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف <br>وَلَمْ يَقُلْ : رَاضِيَانِ.|إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا|وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا , فَإِنَّهُ تُقَرِّبهُمْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ بِطَاعَتِهِمْ اللَّه فِي ذَلِكَ وَأَدَائِهِمْ فِيهِ حَقّه إِلَى اللَّه زُلْفَى دُونَ أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22062 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } قَالَ : لَمْ تَضُرّهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَقَرَأَ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة } [10 26 ]فَالْحُسْنَى : الْجَنَّة , وَالزِّيَادَة : مَا أَعْطَاهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبهُمْ بِهِ , كَمَا حَاسَبَ الْآخَرِينَ , فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيل نَصَبَ بِوُقُوعِ تُقَرِّب عَلَيْهِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ | مَنْ | فِي مَوْضِع رَفْع , فَيَكُون كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا .)|فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا|وَقَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف } يَقُول : فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ اللَّه عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الضِّعْف مِنْ الثَّوَاب , بِالْوَاحِدَةِ عَشْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22063 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف بِمَا عَمِلُوا } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ الْوَاحِد عَشْر , وَفِي سَبِيل اللَّه بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائَة .|وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ|وَقَوْله : { فِي الْغُرُفَات آمِنُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي غُرُفَات الْجَنَّات آمِنُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه .

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب مُحْضَرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي آيَاتنَا , يَعْنِي : فِي حُجَجنَا وَآي كِتَابنَا , يَبْتَغُونَ إِبْطَالَهُ , وَيُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُوره مُعَاوِنِينَ , يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ , وَيُعْجِزُونَنَا { أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب مُحْضَرُونَ } يَعْنِي فِي عَذَاب جَهَنَّم مُحْضَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة

قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ

{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيُوَسِّعهُ عَلَيْهِ تَكْرِمَة لَهُ وَغَيْر تَكْرِمَة , وَيَقْدِر عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ فَيُضَيِّقهُ وَيُقَتِّرهُ إِهَانَةً لَهُ وَغَيْر إِهَانَة , بَلْ مِحْنَة وَاخْتِبَارًا { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ } يَقُول : وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ نَفَقَة فِي طَاعَة اللَّه , فَإِنَّ اللَّهَ يُخْلِفُهَا عَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22064 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر ( { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ } قَالَ : مَا كَانَ فِي غَيْر إِسْرَاف وَلَا تَقْتِير. )وَقَوْله : { وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ } يَقُول : وَهُوَ خَيْر مَنْ قِيلَ إِنَّهُ يَرْزُق وَوُصِفَ بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُوصَف بِذَلِكَ مَنْ دُونَهُ , فَيُقَال : فُلَان يَرْزُق أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ .

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم نَحْشُر هَؤُلَاءِ الْكُفَّار بِاللَّهِ جَمِيعًا , ثُمَّ نَقُول لِلْمَلَائِكَةِ : أَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَعْبُدُونَكُمْ مِنْ دُوننَا ؟ فَتَتَبَرَّأ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَة

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ

{ قَالُوا سُبْحَانَك } رَبّنَا , تَنْزِيهًا لَك وَتَبْرِئَةً مِمَّا أَضَافَ إِلَيْك هَؤُلَاءِ مِنْ الشُّرَكَاء وَالْأَنْدَاد { أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } لَا نَتَّخِذ وَلِيًّا دُونَك { بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22065 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } اسْتِفْهَام , كَقَوْلِهِ لِعِيسَى : { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } )[5 116 ]وَقَوْله : { أَكْثَرهمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } يَقُول : أَكْثَرهمْ بِالْجِنِّ مُصَدِّقُونَ , يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنَات اللَّه , تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم لَا يَمْلِك بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُول لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَالْيَوْم لَا يَمْلِك بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمَلَائِكَة لِلَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْبُدُونَكُمْ نَفْعًا يَنْفَعُونَكُمْ بِهِ وَلَا ضَرًّا يَنَالُونَكُمْ بِهِ , أَوْ تَنَالُونَهُمْ بِهِ { وَنَقُول لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } يَقُول : وَنَقُول لِلَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّه فَوَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْر مَوْضِعهَا , وَجَعَلُوهَا لِغَيْرِ مَنْ تَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ : { ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا } فِي الدُّنْيَا { تُكَذِّبُونَ } فَقَدْ وَرَدْتُمُوهَا .

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ آيَات كِتَابنَا { بَيِّنَات } يَقُول : وَاضِحَات أَنَّهُنَّ حَقّ مِنْ عِنْدنَا|قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ| { قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ } يَقُول : قَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ : لَا تَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا , فَمَا هُوَ إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ مِنَ الْأَوْثَان , وَيُغَيِّر دِينَكُمْ وَدِينَ آبَائِكُمْ|وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى| { وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْك مُفْتَرًى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ : مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُو عَلَيْنَا يَا مُحَمَّد , يَعْنُونَ الْقُرْآنَ , إِلَّا إِفْك , يَقُول : إِلَّا كَذِبٌ مُفْتَرًى ; يَقُول : مُخْتَلَق . مُتَخَرَّص|وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ| { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ الْكُفَّار لِلْحَقِّ , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُمْ , يَعْنِي : لَمَّا بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا : هَذَا سِحْر مُبِين ; يَقُول : مَا هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين , يُبَيِّن لِمَنْ رَآهُ وَتَأَمَّلَهُ أَنَّهُ سِحْر.

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُب يَدْرُسُونَهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا : هَذَا سِحْر مُبِين بِمَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ كُتُبًا يَدْرُسُونَهَا : يَقُول : يَقْرَءُونَهَا , كَمَا : 22066 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُب يَدْرُسُونَهَا } : أَيْ يَقْرَءُونَهَا .)|وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ| { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } يَقُول : وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِك يَا مُحَمَّد فِيمَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ قَبْلَك مِنْ نَبِيّ يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى الْعَرَب كِتَابًا قَبْلَ الْقُرْآن , وَلَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا قَبْلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ

وَقَوْله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم رُسُلنَا وَتَنْزِيلنَا|وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ| { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : وَلَمْ يَبْلُغ قَوْمك يَا مُحَمَّد عُشْر مَا أَعْطَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم مِنَ الْقُوَّة وَالْأَيْدِي وَالْبَطْش , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّعَم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22068 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } مِنَ الْقُوَّة فِي الدُّنْيَا. )22069 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : مَا جَاوَزُوا مِعْشَارَ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ . )22070 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يُخْبِركُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْمَ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ مِنَ الْقُوَّة وَغَيْر ذَلِكَ . )22071 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } قَالَ : مَا بَلَغَ هَؤُلَاءِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْشَار مَا آتَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ , وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ الدُّنْيَا , وَبَسَطْنَا عَلَيْهِمْ { فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } يَقُول : فَكَذَّبُوا رُسُلِي فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ رِسَالَتِي , فَعَاقَبْنَاهُمْ بِتَغْيِيرِنَا بِهِمْ مَا كُنَّا آتَيْنَاهُمْ مِنْ النِّعَم , فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ كَانَ نَكِير . يَقُول : كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ وَعُقُوبَتِي .)

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : إِنَّمَا أَعِظُكُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِوَاحِدَةٍ وَهِيَ طَاعَة اللَّه , كَمَا : 22072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِنَّمَا أَعِظكُمْ بِوَاحِدَةٍ } قَالَ : بِطَاعَةِ اللَّه . )وَقَوْله : { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } يَقُول : وَتِلْكَ الْوَاحِدَة الَّتِي أَعِظكُمْ بِهَا هِيَ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ , { وَفُرَادَى } فُرَادَى , فَأَنْ فِي مَوْضِع خَفْض تَرْجَمَة عَنِ الْوَاحِدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22073 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } قَالَ : وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ . )22074 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ({ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } رَجُلًا وَرَجُلَيْنِ , وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ : إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ , وَتِلْكَ الْوَاحِدَة أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ بِالنَّصِيحَةِ وَتَرْك الْهَوَى . { مَثْنَى } يَقُول : يَقُوم الرَّجُل مِنْكُمْ مَعَ آخَر فَيَتَصَادَقَانِ عَلَى الْمُنَاظَرَة , هَلْ عَلِمْتُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنُونًا قَطُّ ؟ ثُمَّ يَنْفَرِد كُلّ وَاحِد مِنْكُمْ , فَيَتَفَكَّر وَيَعْتَبِر فَرْدًا هَلْ كَانَ ذَلِكَ بِهِ ؟ فَتَعْلَمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ نَذِير لَكُمْ .)|ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ|وَقَوْله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّة } يَقُول : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ|إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ|وَقَوْله { إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد } يَقُول : مَا مُحَمَّد إِلَّا نَذِير لَكُمْ يُنْذِركُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِاللَّهِ عِقَابه أَمَامَ عَذَاب جَهَنَّم قَبْل أَنْ تَصْلَوْهَا , وَقَوْله : | هُوَ | كِنَايَة اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك الْمُكَذِّبِيكَ , الرَّادِّينَ عَلَيْك مَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك : مَا أَسْأَلكُمْ مِنْ جُعْل عَلَى إِنْذَارِيكُمْ عَذَابَ اللَّه , وَتَخْوِيفكُمْ بِهِ بَأْسَهُ , وَنَصِيحَتِي لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , فَهُوَ لَكُمْ لَا حَاجَة لِي بِهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي لَمْ أَسْأَلكُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا فَتَتَّهِمُونِي , وَتَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى اتِّبَاعِي لِمَالٍ آخُذهُ مِنْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22075 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر } : أَيْ جُعْل { فَهُوَ لَكُمْ } يَقُول : لَمْ أَسْأَلكُمْ عَلَى الْإِسْلَام جُعْلًا .)|إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ|وَقَوْله : { إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول : مَا ثَوَابِي عَلَى دُعَائِكُمْ إِلَى الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَتَبْلِيغكُمْ رِسَالَته , إِلَّا عَلَى اللَّه|وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ| { وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : وَاللَّه عَلَى حَقِيقَة مَا أَقُول لَكُمْ شَهِيد يَشْهَد لِي بِهِ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا .

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمِك { إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ } وَهُوَ الْوَحْي , يَقُول : يُنَزِّلهُ مِنَ السَّمَاء , فَيَقْذِفهُ إِلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَّام الْغُيُوب } يَقُول : عَلَّام مَا يَغِيب عَنِ الْأَبْصَار , وَلَا مُظْهِرَ لَهَا , وَمَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا هُوَ كَائِن , وَذَلِكَ مِنْ صِفَة الرَّبّ ; غَيْر أَنَّهُ رُفِعَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْخَبَر , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب إِذَا وَقَعَ النَّعْت بَعْدَ الْخَبَر , فِي أَنَّ أَتْبَعُوا النَّعْتَ إِعْرَاب مَا فِي الْخَبَر , فَقَالُوا : إِنَّ أَبَاك يَقُوم الْكَرِيمُ , فَرُفِعَ الْكَرِيم عَلَى مَا وَصَفْت , وَالنَّصْب فِيهِ جَائِز , لِأَنَّهُ نَعْت لِلْأَبِ , فَيَتْبَع إِعْرَابه

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

{ قُلْ جَاءَ الْحَقّ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : جَاءَ الْقُرْآن وَوَحْي اللَّه { وَمَا يُبْدِئ الْبَاطِل } يَقُول : وَمَا يُنْشِئ الْبَاطِل خَلْقًا ; وَالْبَاطِل هُوَ فِيمَا فَسَّرَهُ أَهْل التَّأْوِيل : إِبْلِيس { وَمَا يُعِيد } يَقُول : وَلَا يُعِيدهُ حَيًّا بَعْدَ فَنَائِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22076 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ } : أَيْ بِالْوَحْيِ { عَلَّام الْغُيُوب قُلْ جَاءَ الْحَقّ } أَيْ الْقُرْآن { وَمَا يُبْدِئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد } , وَالْبَاطِل : إِبْلِيس : أَيْ مَا يَخْلُق إِبْلِيس أَحَدًا , وَلَا يَبْعَثهُ . )22077 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } , فَقَرَأَ : { بَلْ نَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل } [21 18 ]... إِلَى قَوْله { وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ } [21 18 ]قَالَ : يُزْهِق اللَّه الْبَاطِلَ , وَيُثْبِت اللَّه الْحَقّ الَّذِي دَمَغَ بِهِ الْبَاطِلَ , يَدْمَغ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل , فَيُهْلِك الْبَاطِلَ وَيُثْبِت الْحَقَّ , فَذَلِكَ قَوْله { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } .)

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْت فَإِنَّمَا أَضِلّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك : إِنْ ضَلَلْت عَنِ الْهُدَى , فَسَلَكْت غَيْر طَرِيق الْحَقّ , فَإِنَّمَا ضَلَالِي عَنْ الصَّوَاب عَلَى نَفْسِي , يَقُول : فَإِنَّ ضَلَالِي عَنْ الْهُدَى عَلَى نَفْسِي ضَرّه { وَإِنْ اهْتَدَيْت } يَقُول : وَإِنْ اسْتَقَمْت عَلَى الْحَقّ { فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } يَقُول : فَبِوَحْيِ اللَّه الَّذِي يُوحِي إِلَيَّ , وَتَوْفِيقه لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى مَحَجَّة الْحَقّ وَطَرِيق الْهُدَى . وَقَوْله : { إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب } يَقُول : إِنَّ رَبِّي سَمِيع لِمَا أَقُول لَكُمْ , حَافِظ لَهُ , وَهُوَ الْمُجَازِي لِي عَلَى صِدْقِي فِي ذَلِكَ , وَذَلِكَ مِنِّي غَيْر بَعِيد , فَيَتَعَذَّر عَلَيْهِ سَمَاع مَا أَقُول لَكُمْ , وَمَا تَقُولُونَ , وَمَا يَقُولهُ غَيْرنَا , وَلَكِنَّهُ قَرِيب مِنْ كُلّ مُتَكَلِّم يَسْمَع كُلّ مَا يَنْطِق بِهِ , أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل الْوَرِيد .

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد إِذْ فَزِعُوا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ } قَالَ : وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } عِنْدَ نُزُول نِقْمَة اللَّه بِهِمْ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22078 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْلُهُ : ( { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } إلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذَا مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا . )22079 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكَ يَقُول فِي قَوْله : ( { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } قَالَ : هَذَا عَذَاب الدُّنْيَا . )22080 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل بَدْر , نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , قَالَ : وَهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّه كُفْرًا , وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار جَهَنَّم , أَهْل بَدْر مِنَ الْمُشْرِكِينَ. )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ جَيْش يَخْسِف بِهِمْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22081 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : ( { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : هُمُ الْجَيْش الَّذِي يَخْسِف بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ , يَبْقَى مِنْهُمْ رَجُل يُخْبِر النَّاسَ بِمَا لَقِيَ أَصْحَابه . )22082 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَةَ بْن الْيَمَان يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , (وَذَكَرَ فِتْنَة تَكُون بَيْنَ أَهْل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . قَالَ : | فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ السُّفْيَانِيّ مِنَ الْوَادِي الْيَابِس فِي فَوْرَة ذَلِكَ , حَتَّى يَنْزِل دِمَشْق , فَيَبْعَث جَيْشَيْنِ : جَيْشًا إِلَى الْمَشْرِق , وَجَيْشًا إِلَى الْمَدِينَة , حَتَّى يَنْزِلُوا بِأَرْضِ بَابِل فِي الْمَدِينَة الْمَلْعُونَة , وَالْبُقْعَة الْخَبِيثَة , فَيَقْتُلُونَ أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة آلَاف , وَيَبْقُرُونَ بِهَا أَكْثَر مِنْ مِائَة امْرَأَة , وَيَقْتُلُونَ بِهَا ثَلَاثمِائَةِ كَبْش مِنْ بَنِي الْعَبَّاس , ثُمَّ يَنْحَدِرُونَ إِلَى الْكُوفَة فَيُخْرِجُونَ مَا حَوْلهَا , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الشَّام , فَتَخْرُج رَايَة هَذَا مِنَ الْكُوفَة , فَتَلْحَق ذَلِكَ الْجَيْش مِنْهَا عَلَى الْفِئَتَيْنِ فَيَقْتُلُونَهُمْ , لَا يَفْلِت مِنْهُمْ مُخْبِر , وَيَسْتَنْقِذُونَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنَ السَّبْي وَالْغَنَائِم , وَيُخَلِّي جَيْشَهُ التَّالِي بِالْمَدِينَةِ , فَيَنْهَبُونَهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهَا , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّة , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ , بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل , فَيَقُول : يَا جَبْرَائِيل اذْهَبْ فَأَبِدْهُمْ , فَيَضْرِبهَا بِرِجْلِهِ ضَرْبَة يَخْسِف اللَّه بِهِمْ , فَذَلِكَ قَوْله فِي سُورَة سَبَأ { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } الْآيَة , وَلَا يَنْفَلِت مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ : أَحَدهمَا بَشِير , وَالْآخَر نَذِير , وَهُمَا مِنْ جُهَيْنَة , فَلِذَلِكَ جَاءَ الْقَوْل : * وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ * )22083 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : سَأَلْت رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , عَنِ الْحَدِيث الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رِبْعِيّ , عَنْ حُذَيْفَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ قِصَّة ذَكَرَهَا فِي الْفِتَن , قَالَ : (فَقُلْت لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيث سَمِعْته مِنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : فَقَرَأْته عَلَيْهِ , قَالَ : لَا , قُلْت : فَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِر ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : فَمَا قِصَّته , فَمَا خَبَره ؟ قَالَ : جَاءَنِي قَوْم فَقَالُوا : مَعَنَا حَدِيث عَجِيب , أَوْ كَلَام هَذَا مَعْنَاهُ , نَقْرَؤُهُ وَتَسْمَعهُ , قُلْت لَهُمْ : هَاتُوهُ , فَقَرَءُوهُ عَلَيَّ , ثُمَّ ذَهَبُوا فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي , أَوْ كَلَام هَذَا مَعْنَاهُ . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ : 22084 -حَدَّثَنِي بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيث مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَانَ , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رِبْعِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَدِيث طَوِيلٌ , قَالَ : (رَأَيْته فِي كِتَاب الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , عَنْ شَيْخ , عَنْ رَوَّاد , عَنْ سُفْيَان بِطُولِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا فَزِعُوا عِنْد خُرُوجهمْ مِنْ قُبُورهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22085 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , قَوْله : ( { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا } قَالَ : فَزِعُوا يَوْم الْقِيَامَة حِين خَرَجُوا مِنْ قُبُورهمْ , وَقَالَ قَتَادَة : ) { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } حِين عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه. (22086 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنِ ابْن مَعْقِل ) { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : أَفْزَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة فَلَمْ يُفَوَّتُوا . (وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , وَأَشْبَهَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : وَعِيد اللَّه الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمه لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْل هَذِهِ الْآيَة جَاءَتْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ وَعَنْ أَسْبَابهمْ , وَبِوَعِيدِ اللَّه إِيَّاهُمْ مَغَبَّته , وَهَذِهِ الْآيَة فِي سِيَاق تِلْكَ الْآيَات , فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَالهمْ أَشْبَهَ مِنْهُ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا لِمَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك , فَتُعَايِنهُمْ حِين فَزِعُوا مِنْ مُعَايَنَتهمْ عَذَاب اللَّه { فَلَا فَوْت } يَقُول فَلَا سَبِيلَ حِينَئِذٍ أَنْ يَفُوتُوا بِأَنْفُسِهِمْ , أَوْ يُعْجِزُونَا هَرَبًا , وَيَنْجُوا مِنْ عَذَابنَا , كَمَا : 22087 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ) { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } يَقُول : فَلَا نَجَاة . (22088 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ) { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : لَا هَرَبَ . (وَقَوْله : { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } يَقُول : وَأَخَذَهُمُ اللَّه بِعَذَابِهِ مِنْ مَوْضِع قَرِيب ; لِأَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا مِنَ اللَّه قَرِيب لَا يَبْعُدُونَ عَنْهُ .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حِين عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه آمَنَّا بِهِ , يَعْنِي : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَرَسُوله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } قَالُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ . )22090 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قَالُوا آمَنَّا بِهِ } عِنْدَ ذَلِكَ , يَعْنِي : حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه . )22091 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } بَعْدَ الْقَتْل وَقَوْله { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } يَقُول : وَمِنْ أَيّ وَجْه لَهُمْ التَّنَاوُش . )وَاخْتَلَفَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار فِي ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة { التَّنَاوُش } بِغَيْرِ هَمْز , بِمَعْنَى : التَّنَاوُل ; وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : | التَّنَاؤُش | بِالْهَمْزِ , بِمَعْنَى : التَّنَؤُش , وَهُوَ الْإِبْطَاء , يُقَال مِنْهُ : تَنَاءَشْت الشَّيْءَ : أَخَذْته مِنْ بَعِيد , وَنُشْته : أَخَذْته مِنْ قَرِيب ; وَمِنْ التَّنَؤُش قَوْل الشَّاعِر : <br>تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُونَ أَطَاعَنِي .......... وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْأُمُور أُمُور <br>وَمِنَ النَّوْش قَوْل الرَّاجِز : <br>فَهِيَ تَنُوش الْحَوْضَ نَوْشًا مِنْ عَلَا .......... نَوْشًا بِهِ تَقْطَع أَجْوَازَ الْفَلَا <br>وَيُقَال لِلْقَوْمِ فِي الْحَرْب , إِذَا دَنَا بَعْضهمْ إِلَى بَعْض بِالرِّمَاحِ وَلَمْ يَتَلَاقَوْا : قَدْ تَنَاوَشَ الْقَوْم . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ , فِي حِين لَا يَنْفَعهُمْ قِيلَ ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } أَيْ وَأَيْنَ لَهُمْ التَّوْبَة وَالرَّجْعَة : أَيْ قَدْ بَعُدَتْ عَنْهُمْ , فَصَارُوا مِنْهَا كَمَوْضِعٍ بَعِيد أَنْ يَتَنَاوَلُوهَا ; وَإِنَّمَا وَصَفْت ذَلِكَ الْمَوْضِع بِالْبَعِيدِ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة , فَقَالَ اللَّه : أَنَّى لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ الْمَقْبُولَة , وَالتَّوْبَة الْمَقْبُولَة إِنَّمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَدْ ذَهَبَتْ الدُّنْيَا فَصَارَتْ بَعِيدًا مِنَ الْآخِرَة , فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْت قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْهَمْزِ هَمَزُوا , وَهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى مَنْ لَمْ يَهْمِز , وَلَكِنَّهُمْ هَمَزُوهُ لِانْضِمَامِ الْوَاو فَقَلَبُوهَا , كَمَا قِيلَ : { وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ } [77 11 ]فَجَعَلَتْ الْوَاو مِنْ وُقِّتَتْ , إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَة هَمَزُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22092 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : ( { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : يَسْأَلُونَ الرَّدّ , وَلَيْسَ بِحِينِ رَدٍّ . )* - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس نَحْوه . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } يَقُول : فَكَيْفَ لَهُمْ بِالرَّدِّ . )22093 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : الرَّدّ. )22094 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : (التَّنَاوُل { مِنْ مَكَان بَعِيد } . )22095 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : هَؤُلَاءِ قَتْلَى أَهْل بَدْر مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَقَرَأَ : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } الْآيَة , قَالَ : التَّنَاوُش : التَّنَاوُل , وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوُل التَّوْبَة مِنْ مَكَان بَعِيد , وَقَدْ تَرَكُوهَا فِي الدُّنْيَا , قَالَ : وَهَذَا بَعْدَ الْمَوْت فِي الْآخِرَة . )قَالَ : وَقَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } بَعْدَ الْقَتْل { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } وَقَرَأَ : { وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار } [4 18 ]قَالَ : لَيْسَ لَهُمْ تَوْبَة , وَقَالَ : عَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَتُوبُوا مَرَّةً وَاحِدَةً , فَيَقْبَلهَا اللَّه مِنْهُمْ , فَأَبَوْا , أَوْ يُعْرَضُونَ التَّوْبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ , قَالَ : فَهُمْ يَعْرِضُونَهَا فِي الْآخِرَة خَمْس عَرْضَاتٍ , فَيَأْبَى اللَّه أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ ; قَالَ : وَالتَّائِب عِنْدَ الْمَوْت لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَة { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا } [6 27 ]الْآيَة , وَقَرَأَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [32 12 ]22096 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْل : ( { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : وَأَنَّى لَهُمْ الرَّجْعَة. )وَقَوْله : { مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول : مِنْ آخِرَتهمْ إِلَى الدُّنْيَا , كَمَا : 22097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مِنْ مَكَان بَعِيد } مِنَ الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا .)

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْل وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ } يَقُول : وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا يَسْأَلُونَهُ رَبَّهُمْ عِنْدَ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ , وَمُعَايَنَتهمْ إِيَّاهُ مِنَ الْإِقَالَة لَهُ , وَذَلِكَ الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22098 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْل } : أَيْ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا . )وَقَوْله : { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول : وَهُمُ الْيَوْم يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مُحَمَّدًا مِنْ مَكَان بَعِيد , يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرْجُمُونَهُ , وَمَا أَتَاهُمْ مِنْ كِتَاب اللَّه بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَام , فَيَقُول بَعْضهمْ : هُوَ سَاحِر , وَبَعْضهمْ شَاعِر , وَغَيْر ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22099 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : قَوْلهمْ سَاحِر , بَلْ هُوَ كَاهِن , بَلْ هُوَ شَاعِر . )22100 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } أَيْ يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ , يَقُولُونَ : لَا بَعْث , وَلَا جَنَّةَ , وَلَا نَارَ . )22101 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : بِالْقُرْآنِ .)

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكّ مُرِيب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِين فَزِعُوا , فَلَا فَوْت , وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب , فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ { وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } حِينَئِذٍ مِنْ الْإِيمَان بِمَا كَانُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ يَكْفُرُونَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22102 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْأُبُلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ . )* - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . )* -حَدَّثَنِي ابْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . )22103 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصَّمَد الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : مِنْ الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا لِيَتُوبُوا . )22104 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } كَانَ الْقَوْم يَشْتَهُونَ طَاعَةَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا عَمِلُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا حِينَ عَايَنُوا مَا عَايَنُوا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَال وَوَلَد وَزَهْرَة الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22105 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; قَالَ : ثني الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : مِنْ مَال أَوْ وَلَد أَوْ زَهْرَة . )22106 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : فِي الدُّنْيَا الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَالْحَيَاة , وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا تَمَنَّوْا حِينَ عَايَنُوا مِنْ عَذَاب اللَّه مَا عَايَنُوا , مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْهُ , وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ , فَقَالَ اللَّه : وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوُش ذَلِكَ مِنْ مَكَان بَعِيد , وَقَدْ كَفَرُوا مِنْ قَبْل ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَأَنْ يَكُونَ قَوْله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى مَا تَمَنَّوْهُ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْره . )وَقَوْله : { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } يَقُول فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , فَحُلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ عِنْد نُزُول سَخَط اللَّه بِهِمْ , وَمُعَايَنَتهمْ بَأْسَهُ كَمَا فَعَلْنَا بِأَشْيَاعِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ بِاللَّهِ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ كُفَّار الْأُمَم , فَلَمْ نَقْبَل مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت , كَمَا لَمْ نَقْبَل فِي مِثْل ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ ضُرَبَائِهِمْ , وَالْأَشْيَاع : جَمْع شِيَع , وَشِيَع : جَمْع شِيعَة , فَأَشْيَاع جَمْع الْجَمْع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22107 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح ( { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } قَالَ الْكُفَّار مِنْ قَبْلهمْ . )22108 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } أَيْ فِي الدُّنْيَا كَانُوا إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ إِيمَان . )وَقَوْله : { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكّ مُرِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ عَايَنُوا بَأْسَ اللَّه , وَبَيْنَ الْإِيمَان : إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْل فِي الدُّنْيَا فِي شَكّ مِنْ نُزُول الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَعَايَنُوهُ , وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيّهمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ , وَعِبَادَة الْأَوْثَان أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكهمْ , وَمُحِلّ بِهِمْ عُقُوبَته فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَآجِل الْآخِرَة قَبْل نُزُوله بِهِمْ { مُرِيب } يَقُول : مُوجِب لِصَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مَا يَرِيبهُ مِنْ مَكْرُوه , مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَرَابَ الرَّجُل : إِذَا أَتَى رِيبَة وَرَكِبَ فَاحِشَة ; كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>يَا قَوْم مَالِي وَأَبَا ذُؤَيْب ؟ .......... كُنْت إِذَا أَتَوْته مِنْ غَيْب <br><br>يَشُمّ عِطْفِي وَيَبَزُّ .......... ثَوْبِي كَأَنَّمَا أَرَبْته بِرَيْبِ <br>يَقُول : كَأَنَّمَا أَتَيْت إِلَيْهِ رِيبَة آخِر تَفْسِير سُورَة سَبَأ .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَمْد لِلَّهِ فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الشُّكْر الْكَامِل لِلْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ خَالِق السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرْض ,|جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ| { جَاعِل الْمَلَائِكَة رُسُلًا } إِلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , وَفِيمَا شَاءَ مِنْ أَمْره وَنَهْيه { أُولِي أَجْنِحَة مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع } يَقُول : أَصْحَاب أَجْنِحَة : يَعْنِي مَلَائِكَة , فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَجْنِحَة , وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَة أَجْنِحَة , وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَة , كَمَا : 22109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أُولِي أَجْنِحَة مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع } قَالَ بَعْضهمْ : لَهُ جَنَاحَانِ , وَبَعْضهمْ : ثَلَاثَة , وَبَعْضهمْ أَرْبَعَة )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي عِلَّة تَرْك إِجْرَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع , وَهِيَ تَرْجَمَة عَنْ أَجْنِحَة , وَأَجْنِحَة نَكِرَة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة. تُرِكَ إِجْرَاؤُهُنَّ لِأَنَّهُنَّ مَصْرُوفَات عَنْ وُجُوههنَّ , وَذَلِكَ أَنَّ مَثْنَى مَصْرُوف عَنْ اثْنَيْنِ , وَثُلَاث عَنْ ثَلَاثَة , وَرُبَاع عَنْ أَرْبَعَة , فَصُرِفَ نَظِيرُ عُمَرَ , وَزُفَر , إِذْ صُرِفَ هَذَا عَنْ عَامِر إِلَى عُمَر , وَهَذَا عَنْ زَافِر إِلَى زُفَر , وَأَنْشَدَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ : <br>وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمْ ثُنَاء وَمَوْحَدَا .......... وَتَرَكْت مَرَّة مِثْل أَمْس الْمُدْبِر <br>وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : لَمْ يُصْرَف ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوهِم بِهِ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ , قَالَ : وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَل إِلَّا فِي حَال الْعَدَد , وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : هُنَّ مَصْرُوفَات عَنْ الْمَعَارِف ; لِأَنَّ الْأَلِف وَاللَّامَ لَا تَدْخُلهَا , وَالْإِضَافَة لَا تَدْخُلهَا ; قَالَ : وَلَوْ دَخَلَتْهَا الْإِضَافَة وَالْأَلِف وَاللَّام لَكَانَتْ نَكِرَةً , وَهِيَ تَرْجَمَة عَنْ النَّكِرَة ; قَالَ : وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآن , مِثْل : { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } [34 46 ], وَكَذَلِكَ وُحَاد وَأُحَاد , وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَصْرُوف الْعَدَد.|يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ|وَقَوْله : { يَزِيد فِي الْخَلْق مَا يَشَاء } وَذَلِكَ زِيَادَته تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي خَلْق هَذَا الْمَلَك مِنَ الْأَجْنِحَة عَلَى الْآخَر مَا يَشَاء , وَنُقْصَانه عَنِ الْآخَر مَا أَحَبَّ , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي جَمِيع خَلْقه يَزِيد مَا يَشَاء فِي خَلْق مَا شَاءَ مِنْهُ , وَيَنْقُص مَا شَاءَ مِنْ خَلْق مَا شَاءَ , لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر , وَلَهُ الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان|إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ| { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدِير عَلَى زِيَادَة مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ , وَنُقْصَان مَا شَاءَ مِنْهُ مِمَّنْ شَاءَ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلَا مُمْسِك لَهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَفَاتِيح الْخَيْر وَمَغَالِقه كُلّهَا بِيَدِهِ ; فَمَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ خَيْر فَلَا مُغْلِق لَهُ , وَلَا مُمْسِك عَنْهُمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْره لَا يَسْتَطِيع أَمْره أَحَد , وَكَذَلِكَ مَا يُغْلِق مِنْ خَيْر عَنْهُمْ فَلَا يَبْسُطهُ عَلَيْهِمْ , وَلَا يَفْتَحهُ لَهُمْ , فَلَا فَاتِحَ لَهُ سِوَاهُ , لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلّهَا إِلَيْهِ وَلَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22110 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة } : أَيْ مِنْ خَيْر { فَلَا مُمْسِك لَهَا } فَلَا يَسْتَطِيع أَحَد حَبْسهَا { وَمَا يُمْسِك فَلَا مُرْسِل لَهُ مِنْ بَعْده } )وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { فَلَا مُمْسِك لَهَا } فَأَنَّثَ مَا لِذِكْرِ الرَّحْمَة مِنْ بَعْده ,|وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ|وَقَالَ : { وَمَا يُمْسِك فَلَا مُرْسِل لَهُ مِنْ بَعْده } فَذَكَّرَ لِلَفْظِ | مَا | لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظ مُذَكَّر , وَلَوْ أَنَّثَ فِي مَوْضِع التَّذْكِير لِلْمَعْنَى , وَذَكَّرَ فِي مَوْضِع التَّأْنِيث لِلَّفْظِ جَازَ , وَلَكِنَّ الْأَفْصَحَ مِنْ الْكَلَام التَّأْنِيث إِذَا ظَهَرَ بَعْد مَا يَدُلّ عَلَى تَأْنِيثهَا وَالتَّذْكِير إِذَا لَمْ يَظْهَر ذَلِكَ .|وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ|وَقَوْله : { وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول : وَهُوَ الْعَزِيز فِي نِقْمَته مِمَّنْ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ خَلْقه بِحَبْسِ رَحْمَته عَنْهُ وَخَيْرَاته , الْحَكِيم فِي تَدْبِير خَلْقه , وَفَتْحه لَهُمْ الرَّحْمَة إِذَا كَانَ فَتْح ذَلِكَ صَلَاحًا , وَإِمْسَاكه إِيَّاهُ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ إِمْسَاكه حِكْمَة .

وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش : { يَا أَيّهَا النَّاس اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه } الَّتِي أَنْعَمَهَا { عَلَيْكُمْ } بِفَتْحِهِ لَكُمْ مِنْ خَيْرَاته مَا فَتَحَ وَبَسْطه لَكُمْ مِنَ الْعَيْش مَا بَسَطَ وَفَكِّرُوا فَانْظُرُوا هَلْ مِنْ خَالِق سِوَى فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِيح أَرْزَاقكُمْ وَمَغَالِقهَا { يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْض } فَتَعْبُدُوهُ دُونَهُ { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُودَ تَنْبَغِي لَهُ الْعِبَادَة إِلَّا الَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِح الْأَشْيَاء وَخَزَائِنهَا , وَمَغَالِق ذَلِكَ كُلّه , فَلَا تَعْبُدُوا أَيُّهَا النَّاس شَيْئًا سِوَاهُ , فَإِنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى نَفْعكُمْ وَضَرّكُمْ سِوَاهُ , فَلَهُ فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَة , وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالْأُلُوهَةِ { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول : فَأَيّ وَجْه عَنْ خَالِقكُمْ وَرَازِقكُمْ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعكُمْ وَضَرّكُمْ تُصْرَفُونَ , كَمَا : 22111 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول الرَّجُل : إِنَّهُ لَيُوفَكُ عَنِّي كَذَا وَكَذَا )وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْإِفْك , وَتَأْوِيل قَوْله : { تُؤْفَكُونَ } فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَة عَنْ تَكْرِيره .

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُل مِنْ قَبْلِك وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنْ يُكَذِّبك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمك فَلَا يَحْزُنُنَّك ذَاكَ , وَلَا يَعْظُم عَلَيْك , فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّة أَمْثَالهمْ مِنْ كَفَرَة الْأُمَم بِاللَّهِ , مِنْ قَبْلهمْ , وَتَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِك , وَلَنْ يَعْدُو مُشْرِكُو قَوْمك أَنْ يَكُونُوا مِثْلهمْ , فَيَتَّبِعُوا فِي تَكْذِيبك مِنْهَاجَهُمْ , وَيَسْلُكُوا سَبِيلَهُمْ { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِلَى اللَّه مَرْجِع أَمْرك وَأَمْرهمْ , فَمُحِلٌّ بِهِمْ الْعُقُوبَةَ , إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتنَا فِي اتِّبَاعك , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّتِك , وَقَبُول مَا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَة , نَظِير مَا أَحْلَلْنَا بِنُظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا قَبْلك , وَمُنَجِّيك وَأَتْبَاعَك مِنْ ذَلِكَ , سُنَّتنَا بِمَنْ قَبْلَك فِي رُسُلنَا وَأَوْلِيَائِنَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22112 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُل مِنْ قَبْلِك } يُعَزِّي نَبِيَّهُ كَمَا تَسْمَعُونَ)

وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

وَقَوْله : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُشْرِكِي قُرَيْش , الْمُكَذِّبِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ وَعْد اللَّه إِيَّاكُمْ بَأْسَهُ عَلَى إِصْرَاركُمْ عَلَى الْكُفْر بِهِ , وَتَكْذِيب رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَحْذِيركُمْ نُزُول سَطْوَته بِكُمْ عَلَى ذَلِكَ حَقّ , فَأَيْقِنُوا بِذَلِكَ , وَبَادِرُوا حُلُولَ عُقُوبَتكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَة إِلَى طَاعَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْش فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَرِيَاسَتكُمْ الَّتِي تَتَرَأَّسُونَ بِهَا فِي ضُعَفَائِكُمْ فِيهَا عَنِ اتِّبَاع مُحَمَّد وَالْإِيمَان { وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور } يَقُول : وَلَا يَخْدَعَنَّكُمْ بِاللَّهِ الشَّيْطَان , فَيُمَنِّيكُمْ الْأَمَانِيّ , وَيَعِدكُمْ مِنْ اللَّه الْعِدَات الْكَاذِبَة , وَيَحْمِلكُمْ عَلَى الْإِصْرَار عَلَى كُفْركُمْ بِاللَّهِ , كَمَا : 22113 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور } يَقُول : الشَّيْطَان)

وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الشَّيْطَانَ } الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنْ تَغْتَرُّوا بِغُرُورِهِ إِيَّاكُمْ بِاللَّهِ { لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } يَقُول : فَأَنْزِلُوهُ مِنْ أَنْفُسكُمْ مَنْزِلَ الْعَدُوّ مِنْكُمْ , وَاحْذَرُوهُ بِطَاعَةِ اللَّه وَاسْتِغْشَاشكُمْ إِيَّاهُ , حَذَّرَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ الَّذِي تَخَافُونَ غَائِلَته عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاته , فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ , يَعْنِي شِيعَتَهُ , وَمَنْ أَطَاعَهُ إِلَى طَاعَته وَالْقَبُول مِنْهُ , وَالْكُفْر بِاللَّهِ { لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير } يَقُول : لِيَكُونُوا مِنَ الْمُخَلَّدِينَ فِي نَار جَهَنَّم الَّتِي تَتَوَقَّد عَلَى أَهْلهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22114 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } فَإِنَّهُ لَحَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم عَدَاوَته , وَعَدَاوَته أَنْ يُعَادِيَهُ بِطَاعَةِ اللَّه { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ } وَحِزْبه : أَوْلِيَاؤُهُ . { لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير } : أَيْ لِيَسُوقَهُمْ إِلَى النَّار , فَهَذِهِ عَدَاوَته )22115 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير } وَقَالَ : هَؤُلَاءِ حِزْبه مِنَ الْإِنْس , يَقُول : أُولَئِكَ حِزْب الشَّيْطَان , وَالْحِزْب : وُلَاته الَّذِينَ يَتَوَلَّاهُمْ وَيَتَوَلَّوْنَهُ , وَقَرَأَ : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّه الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } ) [7 196 ].

وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَاب شَدِيد وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاللَّهِ وَرَسُوله { لَهُمْ عَذَاب } مِنَ اللَّه { شَدِيد } , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار . وَقَوْله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : وَالَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّه , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ { لَهُمْ مَغْفِرَة } مِنَ اللَّه لِذُنُوبِهِمْ { وَأَجْر كَبِير } وَذَلِكَ الْجَنَّة , كَمَا : 22116 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْر كَبِير } وَهِيَ الْجَنَّة)

وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَان أَعْمَاله السَّيِّئَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , وَعِبَادَة مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَرَآهُ حَسَنًا , فَحَسِبَ سَيِّئَ ذَلِكَ حَسَنًا , وَظَنَّ أَنَّ قُبْحه جَمِيل , لِتَزْيِينِ الشَّيْطَان ذَلِكَ لَهُ , ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات ; وَحُذِفَ مِنَ الْكَلَام : ذَهَبَتْ نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات , اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } مِنْهُ .|فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ|وَقَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : فَإِنَّ اللَّهَ يَخْذُل مَنْ يَشَاء عَنْ الْإِيمَان بِهِ وَاتِّبَاعك وَتَصْدِيقك , فَيُضِلّهُ عَنْ الرَّشَاد إِلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ , { وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيُوَفِّق مَنْ يَشَاء لِلْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعك , وَالْقَبُول مِنْك , فَتَهْدِيه إِلَى سَبِيل الرَّشَاد { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } يَقُول : فَلَا تُهْلِك نَفْسَك حُزْنًا عَلَى ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَتَكْذِيبهمْ لَك. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : الشَّيْطَان زَيَّنَ لَهُمْ { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } : أَيْ لَا يَحْزُنك ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء , وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء )22118 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } قَالَ : الْحَسَرَات : الْحَزَن , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } )[39 56 ], وَوَقَعَ قَوْله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء } مَوْضِع الْجَوَاب , وَإِنَّمَا هُوَ مَنْبَع الْجَوَاب ; لِأَنَّ الْجَوَابَ هُوَ الْمَتْرُوك الَّذِي ذَكَرْت , فَاكْتَفَى بِهِ مِنَ الْجَوَاب لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَوَاب وَمَعْنَى الْكَلَام . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات } فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى أَبِي جَعْفَر الْمَدَنِيّ { فَلَا تَذْهَب نَفْسُك } بِفَتْحِ التَّاء مِنْ { تَذْهَب } , وَنَفْسُك بِرَفْعِهَا , وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : | فَلَا تُذْهِب | بِضَمِّ التَّاء مِنْ { تُذْهِب } , وَنَفْسَك بِنَصْبِهَا , بِمَعْنَى : لَا تُذْهِب أَنْتَ يَا مُحَمَّد نَفْسَك . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ.|إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِمَا يَصْنَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّد ذُو عِلْم بِمَا يَصْنَع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان سُوء أَعْمَالهمْ , وَهُوَ مُحْصِيه عَلَيْهِمْ , وَمُجَازِيهمْ بِهِ جَزَاءَهُمْ .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِير سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَيِّت فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا كَذَلِكَ النُّشُور } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِير السَّحَاب لِلْحَيَا وَالْغَيْث { فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَيِّت } يَقُول : فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مُجْدَب الْأَهْل , مَحْل الْأَرْض , دَاثِر لَا نَبْت فِيهِ وَلَا زَرْع { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْض بَعْدَ مَوْتهَا } يَقُول : فَأَخْصَبْنَا بِغَيْثِ ذَلِكَ السَّحَاب الْأَرْض الَّتِي سُقْنَاهُ إِلَيْهَا بَعْدَ جُدُوبهَا , وَأَنْبَتْنَا فِيهَا الزَّرْعَ بَعْدَ الْمَحْل { كَذَلِكَ النُّشُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَكَذَا يَنْشُر اللَّه الْمَوْتَى بَعْد بَلَائِهِمْ فِي قُبُورهمْ , فَيُحْيِيهِمْ بَعْد فَنَائِهِمْ , كَمَا أَحْيَيْنَا هَذِهِ الْأَرْض بِالْغَيْثِ بَعْد مَمَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22119 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (يَكُون بَيْن النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُونَ , فَلَيْسَ مِنْ بَنِي آدَم إِلَّا وَفِي الْأَرْض مِنْهُ شَيْء . قَالَ : فَيُرْسِل اللَّه مَاء مِنْ تَحْت الْعَرْش مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرَّجُل , فَتَنْبُت أَجْسَادهمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا تَنْبُت الْأَرْض مِنْ الثَّرَى , ثُمَّ قَرَأَ : { وَاللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَيِّت } إِلَى قَوْله : { كَذَلِكَ النُّشُور } قَالَ : ثُمَّ يَقُوم مَلَك بِالصُّوَرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض , فَيَنْفُخ فِيهِ , فَتَنْطَلِق كُلّ نَفْس إِلَى جَسَدهَا , فَتَدْخُل فِيهِ )22120 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِير سَحَابًا } قَالَ : يُرْسِل الرِّيَاحَ فَتَسُوق السَّحَابَ , فَأَحْيَا اللَّه بِهِ هَذِهِ الْأَرْض الْمَيِّتَة بِهَذَا الْمَاء , فَكَذَلِكَ يَبْعَثهُ يَوْمَ الْقِيَامَة)

سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ بِعِبَادَةِ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22121 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ } يَقُول : مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ بِعِبَادَتِهِ الْآلِهَة { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّة فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22122 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا } يَقُول : فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّه )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ كَانَ يُرِيد عِلْم الْعِزَّة لِمَنْ هِيَ , فَإِنَّهُ لِلَّهِ جَمِيعًا كُلّهَا : أَيْ كُلّ وَجْه مِنَ الْعِزَّة فَلِلَّهِ . وَالَّذِي , هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّةَ , فَبِاللَّهِ فَلْيَتَعَزَّزْ , فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا , دُون كُلّ مَا دُونَهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان . وَإِنَّمَا قُلْت : ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْل هَذِهِ الْآيَة , جَرَتْ بِتَقْرِيعِ اللَّه الْمُشْرِكِينَ عَلَى عِبَادَتهمْ الْأَوْثَانَ , وَتَوْبِيخه إِيَّاهُمْ , وَوَعِيده لَهُمْ عَلَيْهَا , فَأَوْلَى بِهَذِهِ أَيْضًا أَنْ تَكُون مِنْ جِنْس الْحَثّ عَلَى فِرَاق ذَلِكَ , فَكَانَتْ قِصَّتهَا شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا , وَكَانَتْ فِي سِيَاقهَا .|إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ|وَقَوْله : { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِلَى اللَّه يَصْعَد ذِكْر الْعَبْد إِيَّاهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ { وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } يَقُول : وَيَرْفَع ذِكْر الْعَبْد رَبّه إِلَيْهِ عَمَله الصَّالِح , وَهُوَ الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَالِانْتِهَاء إِلَى مَا أُمِرَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي جَعْفَر بْن عَوْن , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُخَارِق , عَنْ أَبِيهِ الْمُخَارِق بْن سُلَيْم , قَالَ : قَالَ لَنَا عَبْد اللَّه : (إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَاب اللَّه . إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ : سُبْحَانَ اللَّه وَبِحَمْدِهِ , الْحَمْد لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , وَاللَّه أَكْبَر , تَبَارَكَ اللَّه , أَخَذَهُنَّ مَلَك , فَجَعَلَهُنَّ تَحْت جَنَاحَيْهِ , ثُمَّ صَعِدَ بِهِنَّ إِلَى السَّمَاء , فَلَا يَمُرّ بِهِنَّ عَلَى جَمْع مِنْ الْمَلَائِكَة إِلَّا اسْتَغْفَرُوا لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يُحَيِّي بِهِنَّ وَجْهَ الرَّحْمَن , ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } )22124 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , قَالَ : قَالَ كَعْب : (إِنَّ لِسُبْحَان اللَّه , وَالْحَمْد لِلَّهِ , وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , وَاللَّه أَكْبَر , لَدَوِيًّا حَوْل الْعَرْش كَدَوِيِّ النَّحْل , يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ , وَالْعَمَل الصَّالِح فِي الْخَزَائِن )22125 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سَلِيم , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب الْأَشْعَرِيّ , قَوْله : ( { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } قَالَ : الْعَمَل الصَّالِح يَرْفَع الْكَلِمَ الطَّيِّبَ )22126 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } قَالَ : الْكَلَام الطَّيِّب : ذِكْر اللَّه , وَالْعَمَل الصَّالِح : أَدَاء فَرَائِضه ; فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانه فِي أَدَاء فَرَائِضه , حُمِلَ عَلَيْهِ ذِكْر اللَّه فَصَعِدَ بِهِ إِلَى اللَّه , وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ , وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ , رُدَّ كَلَامه عَلَى عَمَله , فَكَانَ أَوْلَى بِهِ )22127 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } قَالَ : الْعَمَل الصَّالِح يَرْفَع الْكَلَامَ الطَّيِّبَ )22128 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَا يَقْبَل اللَّه قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ , مَنْ قَالَ وَأَحْسَن الْعَمَلَ قَبِلَ اللَّه مِنْهُ)|وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ|وَقَوْله : { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَكْسِبُونَ السَّيِّئَات لَهُمْ عَذَاب جَهَنَّم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22129 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَات لَهُمْ عَذَاب شَدِيد } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الشِّرْك )وَقَوْله : { وَمَكْر أُولَئِكَ هُوَ يَبُور } يَقُول : وَعَمَل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَبُور , فَيَبْطُل فَيَذْهَب ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ , فَلَمْ يَنْفَع عَامِله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22130 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَكْر أُولَئِكَ هُوَ يَبُور } : أَيْ يَفْسُد )22131 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب ( { وَمَكْر أُولَئِكَ هُوَ يَبُور } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الرِّيَاء )- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا سَهْل بْن أَبِي عَامِر , قَالَ : ثنا جَعْفَر الْأَحْمَر , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , فِي قَوْله ( { وَمَكْر أُولَئِكَ هُوَ يَبُور } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الرِّيَاء )22132 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَكْر أُولَئِكَ هُوَ يَبُور } قَالَ : بَارَ فَلَمْ يَنْفَعهُمْ , وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ , وَضَرّهمْ)

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاللَّه خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } </subtitle>وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَع إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُره إِلَّا فِي كِتَاب إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاللَّه خَلَقَكُمْ } أَيّهَا النَّاس { مِنْ تُرَاب } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْ تُرَاب , فَجَعَلَ خَلْق أَبِيهِمْ مِنْهُ لَهُمْ خَلْقًا { ثُمَّ مِنْ نُطْفَة } يَقُول : ثُمَّ خَلَقَكُمْ مِنْ نُطْفَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } يَعْنِي أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْهُمُ الْأُنْثَى مِنَ الذَّكَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22133 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَاللَّه خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب } يَعْنِي آدَم { ثُمَّ مِنْ نُطْفَة } يَعْنِي ذُرِّيَّته { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } فَزَوَّجَ بَعْضَكُمْ بَعْضًا)|وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ|وَقَوْله : { وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَع إِلَّا بِعِلْمِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ حَمْل وَلَا نُطْفَة إِلَّا وَهُوَ عَالِم بِحَمْلِهَا إِيَّاهُ وَوَضْعهَا , وَمَا هُوَ ؟ ذَكَر أَوْ أُنْثَى ؟ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .|وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ|وَقَوْله : { وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُره إِلَّا فِي كِتَاب } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر فَيَطُول عُمُره , وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُر آخَر غَيْره عَنْ عُمُر هَذَا الَّذِي عَمَّرَ عُمُرًا طَوِيلًا { إِلَّا فِي كِتَاب } عِنْده مَكْتُوب قَبْل أَنْ تَحْمِلَ بِهِ أُمّه , وَقَبْل أَنْ تَضَعَهُ , قَدْ أَحْصَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَعَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ , لَا يُزَاد فِيمَا كَتَبَ لَهُ وَلَا يُنْقَص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22134 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر } إِلَى { يَسِير } يَقُول : لَيْسَ أَحَد قَضَيْت لَهُ طُول الْعُمُر وَالْحَيَاة إِلَّا وَهُوَ بَالِغ مَا قَدَّرْت لَهُ مِنَ الْعُمُر , وَقَدْ قَضَيْت ذَلِكَ لَهُ , وَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَاب الَّذِي قَدَّرْت لَهُ , لَا يُزَاد عَلَيْهِ ; وَلَيْسَ أَحَد قَضَيْت لَهُ أَنَّهُ قَصِير الْعُمُر وَالْحَيَاة بِبَالِغ الْعُمُر , وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَاب الَّذِي قَدَّرْت لَهُ لَا يُزَاد عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُره إِلَّا فِي كِتَاب } يَقُول : كُلّ ذَلِكَ فِي كِتَاب عِنْدَهُ )22135 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : (مَنْ قَضَيْت لَهُ أَنْ يُعَمَّر حَتَّى يُدْرِكَهُ الْكِبَر , أَوْ يُعَمَّر أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ , فَكُلٌّ بَالِغٌ أَجَلَهُ الَّذِي قَدْ قَضَى لَهُ , كُلّ ذَلِكَ فِي كِتَاب )22136 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره إِلَّا فِي كِتَاب } قَالَ : أَلَا تَرَى النَّاس : الْإِنْسَان يَعِيش مِائَة سَنَة , وَآخَر يَمُوت حِينَ يُولَد ؟ فَهَذَا هَذَا )فَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله { وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره } عَلَى هَذَا التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَتْ فِي الظَّاهِر أَنَّهَا كِنَايَة عَنْ اسْم الْمُعَمَّر الْأَوَّل , فَهِيَ كِنَايَة اسْم آخَر غَيْره , وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ أَظْهَرَ لَظَهَرَ بِلَفْظِ الْأَوَّل , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : عِنْدِي ثَوْب وَنِصْفه , وَالْمَعْنَى : وَنِصْف الْآخَر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره بِفَنَاءِ مَا فَنِيَ مِنْ أَيَّام حَيَاته , فَذَلِكَ هُوَ نُقْصَان عُمُره . وَالْهَاء عَلَى هَذَا التَّأْوِيل لِلْمُعَمَّرِ الْأَوَّل ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : مَا يَطُول عُمُر أَحَد , وَلَا يَذْهَب مِنْ عُمُره شَيْء , فَيُنْقَص إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَاب عَبْد اللَّه مَكْتُوب قَدْ أَحْصَاهُ وَعَلِمَهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22137 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره إِلَّا فِي كِتَاب } قَالَ : مَا يَقْضِي مِنْ أَيَّامه الَّتِي عُدِّدَتْ لَهُ إِلَّا فِي كِتَاب )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الصَّوَاب , التَّأْوِيل الْأَوَّل ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَر مَعْنَيَيْهِ , وَأَشْبَههمَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيل .|إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ|وَقَوْله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير } : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ إِحْصَاءَ أَعْمَار خَلْقه عَلَيْهِ يَسِير سَهْل , طَوِيل ذَلِكَ وَقَصِيره , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ .

إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْب فُرَات سَائِغ شَرَابه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يَعْتَدِل الْبَحْرَانِ فَيَسْتَوِيَانِ , أَحَدهمَا عَذْب فُرَات ; وَالْفُرَات : هُوَ أَعْذَب الْعَذْب , { وَهَذَا مِلْح أُجَاج } يَقُول : وَالْآخَر مِنْهُمَا مِلْح أُجَاج , وَذَلِكَ هُوَ مَاء الْبَحْر الْأَخْضَر ; وَالْأُجَاج : الْمُرّ , وَهُوَ أَشَدّ الْمِيَاه مُلُوحَة , كَمَا : 22138 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هَذَا مِلْح أُجَاج } وَالْأُجَاج : الْمُرّ)|وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ|وَقَوْله : { وَمِنْ كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } يَقُول : وَمِنْ كُلّ الْبِحَار تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا , وَذَلِكَ السَّمَك مِنْ عَذْبهمَا الْفُرَات , وَمِلْحهمَا الْأُجَاج { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا } يَعْنِي : الدُّرّ وَالْمَرْجَان تَسْتَخْرِجُونَهَا مِنَ الْمِلْح الْأُجَاج . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل وَجْه { تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة } , وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَج مِنَ الْمِلْح فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته { وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَرَى السُّفُنَ فِي كُلّ تِلْكَ الْبِحَار مَوَاخِرَ , تَمْخُر الْمَاءَ بِصُدُورِهَا , وَذَلِكَ خَرْقهَا إِيَّاهُ إِذَا مَرَّتْ وَاحِدَتهَا مَاخِرَة . يُقَال مِنْهُ : مَخَرَتْ تَمْخُر , وَتَمْخَر مَخْرًا , وَذَلِكَ إِذَا شَقَّتْ الْمَاءَ بِصُدُورِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22139 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمِنْ كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } : أَيْ مِنْهُمَا جَمِيعًا { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا } هَذَا اللُّؤْلُؤ , { وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } : فِيهِ السُّفُن مُقْبِلَة وَمُدْبِرَة بِرِيحٍ وَاحِدَة )22140 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَتَرَى الْفُلْك فِيهِ مَوَاخِرَ } يَقُول : جِوَارِي)|لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ|وَقَوْله : { لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله } يَقُول : لِتَطْلُبُوا بِرُكُوبِكُمْ فِي هَذِهِ الْبِحَار فِي الْفُلْك مِنْ مَعَايِشكُمْ , وَلِتَتَصَرَّفُوا فِيهَا فِي تِجَارَاتكُمْ , وَتَشْكُرُوا اللَّه عَلَى تَسْخِيره ذَلِكَ لَكُمْ , وَمَا رَزَقَكُمْ مِنْهُ مِنْ طَيِّبَات الرِّزْق , وَفَاخِر الْحُلِيّ .

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُدْخِل اللَّيْلَ فِي النَّهَار , وَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ اللَّيْل أَدْخَلَهُ فِي النَّهَار فَزَادَهُ فِيهِ , وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل , وَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ أَجْزَاء النَّهَار زَادَ فِي أَجْزَاء اللَّيْل , فَأَدْخَلَهُ فِيهَا , كَمَا : 22141 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } زِيَادَة هَذَا فِي نُقْصَان هَذَا , وَنُقْصَان هَذَا فِي زِيَادَة هَذَا )22142 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } يَقُول : هُوَ انْتِقَاص أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر)|وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى|وَقَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } يَقُول : وَأَجْرَى لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ نِعْمَة مِنْهُ عَلَيْكُمْ , وَرَحْمَةً مِنْهُ بِكُمْ , لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَاب , وَتَعْرِفُوا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَار. وَقَوْله : { كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } يَقُول : كُلّ ذَلِكَ يَجْرِي لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22143 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } أَجَل مَعْلُوم , وَحَدّ لَا يَقْصُر دُونَهُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ)|ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ|وَقَوْله : { ذَلِكُمُ اللَّه رَبّكُمْ } يَقُول : الَّذِي يَفْعَل هَذِهِ الْأَفْعَال مَعْبُودكُمْ أَيّهَا النَّاس الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , وَهُوَ اللَّه رَبّكُمْ , كَمَا : 22144 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ذَلِكُمُ اللَّه رَبّكُمْ لَهُ الْمُلْك } : أَيْ هُوَ الَّذِي يَفْعَل هَذَا )وَقَوْله : { لَهُ الْمُلْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَهُ الْمُلْك التَّامّ الَّذِي لَا شَيْء إِلَّا وَهُوَ فِي مُلْكه وَسُلْطَانه .|وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ|وَقَوْله { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ تَعْبُدُونَ أَيّهَا النَّاس مِنْ دُون رَبّكُمْ الَّذِي هَذِهِ الصِّفَة الَّتِي ذَكَرهَا فِي هَذِهِ الْآيَات الَّذِي لَهُ الْمُلْك الْكَامِل , الَّذِي لَا يُشْبِههُ مُلْك صِفَته { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } يَقُول : مَا يَمْلِكُونَ قِشْر نَوَاة فَمَا فَوْقهَا , وَلِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22145 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } قَالَ : هُوَ جِلْد النَّوَاة )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { مِنْ قِطْمِير } يَقُول : الْجِلْد الَّذِي يَكُون عَلَى ظَهْر النَّوَاة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } يَعْنِي : قِشْر النَّوَاة . 22146 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { مِنْ قِطْمِير } قَالَ : لِفَافَة النَّوَاة كَسَحَاةِ الْبَيْضَة )22147 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } وَالْقِطْمِير : الْقِشْرَة الَّتِي عَلَى رَأْس النَّوَاة )22148 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , فِي قَوْله : ( { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير } قَالَ : هُوَ الْقِمَع الَّذِي يَكُون عَلَى التَّمْرَة )22149 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا مُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : : قِشْر النَّوَاة(

إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } </subtitle>قَوْله : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ تَدْعُوا أَيّهَا النَّاس هَؤُلَاءِ الْآلِهَة الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ; لِأَنَّهَا جَمَاد لَا تَفْهَم عَنْكُمْ مَا تَقُولُونَ { وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } يَقُول : وَلَوْ سَمِعُوا دُعَاءَكُمْ إِيَّاهُمْ , وَفَهِمُوا عَنْكُمْ أَنَّهَا قَوْلكُمْ , بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ سَمْعًا يَسْمَعُونَ بِهِ , مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَاطِقَة , وَلَيْسَ كُلّ سَامِع قَوْلًا مُتَيَسِّرًا لَهُ الْجَوَاب عَنْهُ. يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان : فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَنْ هَذِهِ صِفَته , وَهُوَ لَا نَفْع لَكُمْ عِنْدَهُ , وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ضَرّكُمْ , وَتَدْعُونَ عِبَادَةَ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعكُمْ وَضَرّكُمْ , وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22150 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } ; أَيْ مَا قَبِلُوا ذَلِكَ عَنْكُمْ , وَلَا نَفَعُوكُمْ فِيهِ)|وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ|وَقَوْله : { وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان : وَيَوْم الْقِيَامَة تَتَبَرَّأ آلِهَتكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الدُّنْيَا , كَمَا : 22151 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيَوْم الْقِيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } إِيَّاهُمْ , وَلَا يَرْضَوْنَ , وَلَا يُقِرُّونَ بِهِ)|وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ|وَقَوْله : { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يُخْبِرك يَا مُحَمَّد عَنْ آلِهَة هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَكُون مِنْ أَمْرهَا وَأَمْر عَبَدَتهَا يَوْمَ الْقِيَامَة , مِنْ تَبَرُّئِهَا مِنْهُمْ , وَكُفْرهَا بِهِمْ , مِثْل ذِي خِبْرَة بِأَمْرِهَا وَأَمْرهمْ ; وَذَلِكَ الْخَبِير هُوَ اللَّه الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء كَانَ أَوْ يَكُون سُبْحَانَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22152 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } وَاللَّه هُوَ الْخَبِير أَنَّهُ سَيَكُونُ هَذَا مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة)

أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس أَنْتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّه وَاللَّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا النَّاس أَنْتُمْ أُولُو الْحَاجَة وَالْفَقْر إِلَى رَبّكُمْ , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا , وَفِي رِضَاهُ فَسَارِعُوا , يُغْنِكُمْ مِنْ فَقْركُمْ , وَتَنْجَح لَدَيْهِ حَوَائِجكُمْ { وَاللَّه هُوَ الْغَنِيّ } عَنْ عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ , وَعَنْ خِدْمَتكُمْ , وَعَنْ غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء , مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْركُمْ , { الْحَمِيد } يَعْنِي : الْمَحْمُود عَلَى نِعَمه , فَإِنَّ كُلّ نِعْمَة بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ فَمِنْهُ , فَلَهُ الْحَمْد وَالشُّكْر بِكُلِّ حَال .

اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد } </subtitle>وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَة إِلَى حَمْلهَا لَا يُحْمَل مِنْهُ شَيْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِر يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ يَشَأْ يُهْلِككُمْ أَيّهَا النَّاس رَبّكُمْ , لِأَنَّهُ أَنْشَأَكُمْ مِنْ غَيْر مَا حَاجَة بِهِ إِلَيْكُمْ { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد } يَقُول : وَيَأْتِ بِخَلْقٍ سِوَاكُمْ يُطِيعُونَهُ , وَيَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ , وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ , كَمَا : 22153 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد } : أَيْ وَيَأْتِ بِغَيْرِكُمْ)

فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

وَقَوْله : { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ } يَقُول : وَمَا إِذْهَابكُمْ وَالْإِتْيَان بِخَلْقٍ سِوَاكُمْ عَلَى اللَّه بِشَدِيدٍ , بَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَسِير سَهْل , يَقُول : فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيّهَا النَّاس , وَأَطِيعُوهُ قَبْل أَنْ يَفْعَل بِكُمْ ذَلِكَ .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

وَقَوْله : { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا تَحْمِل آثِمَة إِثْم أُخْرَى غَيْرهَا { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَة إِلَى حَمْلهَا لَا يُحْمَل مِنْهُ شَيْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يَقُول تَعَالَى : وَإِنْ تَسْأَل ذَات ثِقَل مِنْ الذُّنُوب مَنْ يَحْمِل عَنْهَا ذُنُوبَهَا , وَتَطْلُب ذَلِكَ لَمْ تَجِد مَنْ يَحْمِل عَنْهَا شَيْئًا مِنْهَا , وَلَوْ كَانَ الَّذِي سَأَلَتْهُ ذَا قَرَابَة مِنْ أَب أَوْ أَخ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22154 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَة إِلَى حَمْلهَا لَا يُحْمَل مِنْهُ شَيْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يَقُول : يَكُون عَلَيْهِ وِزْر لَا يَجِد أَحَدًا يَحْمِل عَنْهُ مِنْ وِزْره شَيْئًا )22155 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَة إِلَى حَمْلهَا لَا يُحْمَل مِنْهُ شَيْء } كَنَحْوِ : { لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } )22156 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَة إِلَى حَمْلهَا } إِلَى ذُنُوبهَا { لَا يُحْمَل مِنْهُ شَيْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } : أَيْ قَرِيب الْقَرَابَة مِنْهَا , لَا يَحْمِل مِنْ ذُنُوبهَا شَيْئًا , وَلَا تَحْمِل عَلَى غَيْرهَا مِنْ ذُنُوبهَا شَيْئًا { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } ; وَنَصَبَ ذَا قُرْبَى عَلَى تَمَام | كَانَ | لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَسْأَلهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهَا ذُنُوبهَا ذَا قُرْبَى لَهَا ; وَأُنِّثَتْ | مُثْقَلَة | ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِالْكَلَامِ إِلَى النَّفْس , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِنْ تَدْعُ نَفْس مُثْقَلَة مِنْ الذُّنُوب إِلَى حَمْل ذُنُوبهَا , وَإِنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْس تُؤَدِّي عَنْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى , كَمَا قِيلَ : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت } [2 185 ]يَعْنِي بِذَلِكَ : كُلّ ذَكَر وَأُنْثَى)|إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ|وَقَوْله : { إِنَّمَا تُنْذِر الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا تُنْذِر يَا مُحَمَّد الَّذِينَ يَخَافُونَ عِقَابَ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة مِنْ غَيْر مُعَايَنَة مِنْهُمْ لِذَلِكَ , وَلَكِنْ لِإِيمَانِهِمْ بِمَا أَتَيْتهمْ بِهِ , وَتَصْدِيقهمْ لَك فِيمَا أَنْبَأْتهمْ عَنِ اللَّه ; فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفَعهُمْ إِنْذَارك , وَيَتَّعِظُونَ بِمَوَاعِظِك , لَا الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ , كَمَا : 22157 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْل : ( { إِنَّمَا تُنْذِر الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } : أَيْ يَخْشَوْنَ النَّارَ )وَقَوْله : { وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } يَقُول : وَأَدَّوْا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ , وَقَوْله : { وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَتَطَهَّر مِنْ دَنَس الْكُفْر وَالذُّنُوب بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّه , وَالْإِيمَان بِهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , فَإِنَّمَا يَتَطَهَّر لِنَفْسِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ يُثِيبهَا بِهِ رِضَا اللَّه , وَالْفَوْز بِجِنَانِهِ , وَالنَّجَاة مِنْ عِقَابه , الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ , كَمَا : 22158 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } : أَيْ مَنْ يَعْمَل صَالِحًا فَإِنَّمَا يَعْمَلهُ لِنَفْسِهِ )وَقَوْله : { وَإِلَى اللَّه الْمَصِير } يَقُول : وَإِلَى اللَّه مَصِير كُلّ عَامِل مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس , مُؤْمِنكُمْ وَكَافِركُمْ , وَبَرّكُمْ وَفَاجِركُمْ , وَهُوَ مُجَاز جَمِيعكُمْ بِمَا قَدَّمَ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ عَلَى مَا أَهَلَّ مِنْهُ .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى } عَنْ دِين اللَّه الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالْبَصِير } الَّذِي قَدْ أَبْصَرَ فِيهِ رَشَدَهُ , فَاتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَصَدَّقَهُ , وَقَبِلَ عَنِ اللَّه مَا ابْتَعَثَهُ بِهِ

سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ

{ وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور } يَقُول : وَمَا تَسْتَوِي ظُلُمَات الْكُفْر , وَنُور الْإِيمَان

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

{ وَلَا الظِّلّ } قِيلَ : وَلَا الْجَنَّة { وَلَا الْحَرُور } قِيلَ : النَّار , كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ : وَمَا تَسْتَوِي الْجَنَّة وَالنَّار ; وَالْحَرُور بِمَنْزِلَةِ السَّمُوم , وَهِيَ الرِّيَاح الْحَارَّة , وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى , عَنْ رِوَايَة ابْن الْعَجَّاج , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْحَرُور بِاللَّيْلِ , وَالسَّمُوم بِالنَّهَارِ , وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ : الْحَرُور فِي هَذَا الْمَوْضِع وَالنَّهَار مَعَ الشَّمْس , وَأَمَّا الْفَرَّاء فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول : الْحَرُور يَكُون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار , وَالسَّمُوم لَا يَكُون بِاللَّيْلِ إِنَّمَا يَكُون بِالنَّهَارِ . الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ الْحَرُور يَكُون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار , غَيْر أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِأَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَشْبَهَ مَعَ الشَّمْس ; لِأَنَّ الظِّلَّ إِنَّمَا يَكُون فِي يَوْم شَمْس , فَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيد بِالْحَرُورِ : الَّذِي يُوجَد فِي حَال وُجُود الظِّلّ .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

وَقَوْله : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَات } يَقُول : وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء الْقُلُوب بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَمَعْرِفَة تَنْزِيل اللَّه , وَالْأَمْوَات الْقُلُوب لِغَلَبَةِ الْكُفْر عَلَيْهَا , حَتَّى صَارَتْ لَا تَعْقِل عَنِ اللَّه أَمْره وَنَهْيَهُ , وَلَا تَعْرِف الْهُدَى مِنْ الضَّلَال ; وَكُلّ هَذِهِ أَمْثَال ضَرَبَهَا اللَّه لِلْمُؤْمِنِ وَالْإِيمَان , وَالْكَافِر وَالْكُفْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22159 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير } الْآيَة , قَالَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَهْلِ الطَّاعَة وَأَهْل الْمَعْصِيَة . يَقُول : وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالظُّلُمَات وَالْحَرُور , وَلَا الْأَمْوَات , فَهُوَ مَثَل أَهْل الْمَعْصِيَة . وَلَا يَسْتَوِي الْبَصِير وَلَا النُّور , وَلَا الظِّلّ وَالْأَحْيَاء , فَهُوَ مَثَل أَهْل الطَّاعَة )22160 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى } الْآيَة خَلْقًا , فَضَّلَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْض ; فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَعَبْد حَيّ الْأَثَر , حَيّ الْبَصَر , حَيّ النِّيَّة , حَيّ الْعَمَل , وَأَمَّا الْكَافِر فَعَبْد مَيِّت , مَيِّت الْبَصَر , مَيِّت الْقَلْب , مَيِّت الْعَمَل )22161 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور وَلَا الظِّلّ وَلَا الْحَرُور وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه ; فَالْمُؤْمِن بَصِير فِي دِين اللَّه , وَالْكَافِر أَعْمَى , كَمَا لَا يَسْتَوِي الظِّلّ وَلَا الْحَرُور , وَلَا الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات , فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي هَذَا الْمُؤْمِن الَّذِي يُبْصِر دِينَهُ , وَلَا هَذَا الْأَعْمَى , وَقَرَأَ : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس } [6 122 ]قَالَ : الْهُدَى الَّذِي هَدَاهُ اللَّه بِهِ وَنَوَّرَ لَهُ . هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِهَذَا الْمُؤْمِن الَّذِي يُبْصِر دِينَهُ , وَهَذَا الْكَافِر الْأَعْمَى , فَجَعَلَ الْمُؤْمِن حَيًّا , وَجَعَلَ الْكَافِر مَيِّتًا , مَيِّت الْقَلْب { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } قَالَ : هَدَيْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَام كَمَنْ مَثَله فِي الظُّلُمَات أَعْمَى الْقَلْب , وَهُوَ فِي الظُّلُمَات , أَهَذَا وَهَذَا سَوَاء )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول | لَا | مَعَ حَرْف الْعَطْف فِي قَوْله : { وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور وَلَا الظِّلّ وَلَا الْحَرُور } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قَالَ : وَلَا الظِّلّ وَلَا الْحَرُور , فَيُشْبِه أَنْ تَكُونَ | لَا | زَائِدَة ; لِأَنَّك لَوْ قُلْت : لَا يَسْتَوِي عَمْرو وَلَا زَيْد فِي هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ | لَا | زَائِدَة ; وَكَانَ غَيْره يَقُول : إِذَا لَمْ تَدْخُل | لَا | مَعَ الْوَاو , فَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُل اكْتِفَاءً بِدُخُولِهَا فِي أَوَّل الْكَلَام , فَإِذَا أُدْخِلَتْ فَإِنَّهُ يُرَاد بِالْكَلَامِ أَنَّ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام إِذَا أُعِيدَتْ | لَا | مَعَ الْوَاو عِنْدَ صَاحِب هَذَا الْقَوْل : لَا يُسَاوِي الْأَعْمَى الْبَصِير وَلَا يُسَاوِي الْبَصِير الْأَعْمَى , فَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ . وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِع مَنْ يَشَاء وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا لَا يَقْدِر أَنْ يُسْمِع مَنْ فِي الْقُبُور كِتَابَ اللَّه , فَيَهْدِيهِمْ بِهِ إِلَى سَبِيل الرَّشَاد , فَكَذَلِكَ لَا يَقْدِر أَنْ يُنْفَع بِمَوَاعِظ اللَّه , وَبَيَان حُجَجه , مَنْ كَانَ مَيِّت الْقَلْب مِنْ أَحْيَاء عِبَاده , عَنْ مَعْرِفَة اللَّه , وَفَهْم كِتَابه وَتَنْزِيله , وَوَاضِح حُجَجه , كَمَا : 22162 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِع مَنْ يَشَاء وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور } كَذَلِكَ الْكَافِر لَا يَسْمَع , وَلَا يَنْتَفِع بِمَا يَسْمَع)

وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

وَقَوْله : { إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِير تُنْذِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ , الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ , وَلَمْ يُرْسِلْك رَبّك إِلَيْهِمْ إِلَّا لِتُبَلِّغهُمْ رِسَالَتَهُ , وَلَمْ يُكَلِّفك مِنَ الْأَمْر مَا لَا سَبِيلَ لَك إِلَيْهِ ; فَأَمَّا اهْتِدَاؤُهُمْ وَقَبُولهمْ مِنْك مَا جِئْتهمْ بِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّه لَا بِيَدِك , وَلَا بِيَدِ غَيْرك مِنَ النَّاس , فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات إِنْ هُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَك .

إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك } يَا مُحَمَّد { بِالْحَقِّ } وَهُوَ الْإِيمَان بِاللَّهِ وَشَرَائِع الدِّين الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى عِبَاده { بَشِيرًا } يَقُول : مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ مَنْ صَدَّقَك وَقَبِلَ مِنْك مَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنَ النَّصِيحَة { وَنَذِيرًا } تُنْذِر النَّاسَ مَنْ كَذَّبَك وَرَدَّ عَلَيْك مَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ النَّصِيحَة .|وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ| { وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير } يَقُول : وَمَا مِنْ أُمَّة مِنَ الْأُمَم الدَّائِنَة بِمِلَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا مِنْ قَبْلِك نَذِير يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا عَلَى كُفْرهمْ بِاللَّهِ , كَمَا : 22163 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير } كُلّ أُمَّة كَانَ لَهَا رَسُول)

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ

وَقَوْله : { وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُسَلِّيًا نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه مِنْ التَّكْذِيب : وَإِنْ يُكَذِّبك يَا مُحَمَّد مُشْرِكُو قَوْمك , فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ ; يَقُول : بِحُجَجِ مِنَ اللَّه وَاضِحَة . { وَبِالزُّبُرِ } يَقُول : وَجَاءَتْهُمْ بِالْكُتُبِ مِنْ عِنْد اللَّه , كَمَا : 22164 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ } أَيْ الْكُتُب )وَقَوْله : { بِالْكِتَابِ الْمُنِير } يَقُول : وَجَاءَهُمْ مِنَ اللَّه الْكِتَاب الْمُنِير لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ أَنَّهُ الْحَقّ , كَمَا : * 22165 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَبِالْكِتَابِ الْمُنِير } يُضَعِّف الشَّيْءَ وَهُوَ وَاحِد)

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ

وَقَوْله : { ثُمَّ أَخَذْت الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ أَهْلَكْنَا الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَةَ رُسُلنَا , وَحَقِيقَة مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ آيَاتنَا , وَأَصَرُّوا عَلَى جُحُودهمْ { فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } يَقُول : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ , وَحُلُول عُقُوبَتِي بِهِمْ .

وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنَ الثَّمَرَات مُخْتَلِفًا أَلْوَانهَا وَمِنَ الْجِبَال جُدُد بِيض وَحُمْر مُخْتَلِف أَلْوَانهَا وَغَرَابِيب سُود } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء غَيْثًا , فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلِفًا أَلْوَانهَا ; يَقُول : فَسَقَيْنَاهُ أَشْجَارًا فِي الْأَرْض , فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَشْجَار ثَمَرَات مُخْتَلِفًا أَلْوَانهَا , مِنْهَا الْأَحْمَر , وَمِنْهَا الْأَسْوَد وَالْأَصْفَر , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانهَا { وَمِنَ الْجِبَال جُدُد بِيض وَحُمْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْجِبَال طَرَائِق , وَهِيَ الْجُدَد , وَهِيَ الْخُطَط تَكُون فِي الْجِبَال بِيض وَحُمْر وَسُود , كَالطُّرُقِ ; وَاحِدَتهَا جُدَّة ; وَمِنْهُ قَوْل امْرِئِ الْقَيْس فِي صِفَة حِمَار : <br>كَأَنَّ سَرَاته وَجُدَّة مَتْنه .......... كَنَائِن يَجْرِي فَوْقَهُنَّ دَلِيص <br>يَعْنِي بِالْجُدَّةِ : الْخُطَّة السَّوْدَاء تَكُون فِي مَتْن الْحِمَار. وَقَوْله : { مُخْتَلِف أَلْوَانهَا } يَعْنِي : مُخْتَلِف أَلْوَان الْجُدَد { وَغَرَابِيب سُود } , وَذَلِكَ . مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِير ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ أَسْوَد غِرْبِيب , إِذَا وَصَفُوهُ بِشِدَّةِ السَّوَاد , وَجَعَلَ السَّوَادَ هَا هُنَا صِفَة لِلْغَرَابِيبِ.

وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

وَقَوْله : { وَمِنَ النَّاس وَالدَّوَابّ وَالْأَنْعَام مُخْتَلِف أَلْوَانه كَذَلِكَ } كَمَا مِنْ الثَّمَرَات وَالْجِبَال مُخْتَلِف أَلْوَانه بِالْحُمْرَةِ وَالْبَيَاض وَالسَّوَاد وَالصُّفْرَة , وَغَيْر ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22166 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ ثَمَرَات مُخْتَلِفًا أَلْوَانهَا } أَحْمَر وَأَخْضَر وَأَصْفَر . { وَمِنَ الْجِبَال جُدَد بِيض } : أَيْ طَرَائِق بِيض { وَحُمْر مُخْتَلِف أَلْوَانهَا } أَيْ جِبَال حُمْر وَبِيض { وَغَرَابِيب سُود } هُوَ الْأَسْوَد , يَعْنِي لَوْنه كَمَا اخْتَلَفَ أَلْوَان هَذِهِ اخْتَلَفَ أَلْوَان النَّاس وَالدَّوَابّ وَالْأَنْعَام كَذَلِكَ )22167 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَمِنَ الْجِبَال جُدَد بِيض } طَرَائِق بِيض , وَحُمْر وَسُود , وَكَذَلِكَ النَّاس مُخْتَلِف أَلْوَانهمْ )-حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمِلِيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك قَوْله ( { وَمِنَ الْجِبَال جُدَد بِيض } قَالَ : هِيَ طَرَائِق حُمْر وَسُود)|إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ|وَقَوْله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يَخَاف اللَّهَ فَيَتَّقِي عِقَابَهُ بِطَاعَتِهِ الْعُلَمَاء , بِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاء مِنْ شَيْء , وَأَنَّهُ يَفْعَل مَا يُرِيد ; لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَيْقَنَ بِعِقَابِهِ عَلَى مَعْصِيَته , فَخَافَهُ وَرَهِبَهُ خَشْيَة مِنْهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22168 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ } قَالَ : الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير )22169 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاءُ } قَالَ : كَانَ يُقَال : كَفَى بِالرَّهْبَةِ عِلْمًا)|إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ|| وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَزِيز غَفُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ عَزِيز فِي انْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ , غَفُور لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ .

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } يَقُول : وَأَدَّوْا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لِمَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا .|وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ|وَقَالَ : وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِمَعْنَى : وَيُقِيمُوا الصَّلَاة .|وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً|وَقَوْله : { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً } يَقُول : وَتَصَدَّقُوا بِمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ الْأَمْوَال سِرًّا فِي خَفَاء , وَعَلَانِيَةً : جِهَارًا , وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ , وَيَتَطَوَّعُونَ أَيْضًا بِالصَّدَقَةِ مِنْهُ بَعْد أَدَاء الْفَرْض الْوَاجِب عَلَيْهِمْ فِيهِ.|يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ|وَقَوْله : { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَرْجُونَ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ : لَنْ تَكْسُد وَلَنْ تَهْلِك ; مِنْ قَوْلهمْ : بَارَتْ السُّوق : إِذَا كَسَدَتْ وَبَارَ الطَّعَام , وَقَوْله : { تِجَارَة } جَوَاب لِأَوَّلِ الْكَلَام .

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

وَقَوْله : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } يَقُول : وَيُوَفِّيهِمْ اللَّه عَلَى فِعْلهمْ ذَلِكَ ثَوَاب أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا|وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ| { وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله } يَقُول : وَكَيْ يَزِيدهُمْ عَلَى الْوَفَاء مِنْ فَضْله مَا هُوَ لَهُ أَهْل , وَكَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء . 22170 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَ مُطَرِّف إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء )-حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد , عَنْ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء )- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء ( { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْله } )|إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ|وَقَوْله : { إِنَّهُ غَفُور شَكُور } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ غَفُور لِذُنُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ , كَمَا : 22171 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّهُ غَفُور شَكُور } : إِنَّهُ غَفُور لِذُنُوبِهِمْ , شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ)

فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب } يَا مُحَمَّد , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيْهِ { هُوَ الْحَقّ } يَقُول : هُوَ الْحَقّ عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك أَنْ تَعْمَل بِهِ , وَتَتَّبِع مَا فِيهِ دُونَ غَيْره مِنَ الْكُتُب الَّتِي أَوْحَيْت إِلَى غَيْرك { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : هُوَ يُصَدِّق مَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ , فَصَارَ أَمَامه مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلْتهَا إِلَى مَنْ قَبْلَك مِنْ الرُّسُل , كَمَا : 22172 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لِلْكُتُبِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُ )وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَذُو عِلْم وَخِبْرَة بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير بِمَا يُصْلِحهُمْ مِنْ التَّدْبِير .

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } </subtitle>اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكِتَاب الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَوْرَثَهُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ مَنْ عِبَاده , وَمَنْ الْمُصْطَفَوْنَ مِنْ عِبَاده , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْكِتَاب : هُوَ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه مِنْ قَبْل الْفُرْقَان , وَالْمُصْطَفَوْنَ مِنْ عِبَاده : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ : أَهْل الْإِجْرَام مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22173 -حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ . عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } إِلَى قَوْله : { الْفَضْل الْكَبِير } هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَّثَهُمْ اللَّه كُلّ كِتَاب أَنْزَلَهُ , فَظَالِمهمْ يُغْفَر لَهُ , وَمُقْتَصِدهمْ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا , وَسَابِقهمْ يَدْخُل الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب )22174 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عِيسَى , عَنْ يَزِيد بْن الْحَارِث , عَنْ شَقِيق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : (هَذِهِ الْأُمَّة ثَلَاثَة أَثْلَاث يَوْم الْقِيَامَة : ثُلُث يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب , وَثُلُث يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا , وَثُلُث يَجِيئُونَ بِذُنُوبٍ عِظَام , حَتَّى يَقُولَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ وَهُوَ أَعْلَم تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَتَقُول الْمَلَائِكَة : هَؤُلَاءِ جَاءُوا بِذُنُوبٍ عِظَام إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِك , فَيَقُول الرَّبّ : أَدْخِلُوا هَؤُلَاءِ فِي سَعَة رَحْمَتِي , وَتَلَا عَبْد اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } )22175 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَةَ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا عَوْن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : ثنا كَعْب الْأَحْبَار (أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة ; أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { كُلّ كَفُور } )- حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ عَوْف , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : ( { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } )[35 33 ]. - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة الْفَزَارِيّ , عَنْ عَوْف بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : ثنا كَعْب (أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , كُلّهمْ فِي الْجَنَّة ; أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه قَالَ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { لُغُوب } وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم , قَالَ : قَالَ كَعْب : فَهَؤُلَاءِ أَهْل النَّار )-حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث يَقُول : قَالَ كَعْب : (إِنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة , أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُول : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } حَتَّى بَلَغَ قَوْله : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } )22176 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْله تَعَالَى : ( { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { بِإِذْنِ اللَّه } فَقَالَ : تَمَاسَّتْ مَنَاكِبهمْ وَرَبّ الْكَعْبَة , ثُمَّ أُعْطُوا الْفَضْلَ بِأَعْمَالِهِمْ )22177 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ , فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } قَالَ : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : أَمَّا مَا سَمِعْت مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة , فَكُلّهمْ نَاجٍ )22178 - قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة , قَالَ : (إِنَّهَا أُمَّة مَرْحُومَة ; الظَّالِم مَغْفُور لَهُ , وَالْمُقْتَصِد فِي الْجَنَّات عِنْدَ اللَّه , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ فِي الدَّرَجَات عِنْدَ اللَّه )وَقَالَ آخَرُونَ : الْكِتَاب الَّذِي أُورِثَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , هُوَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ; وَالْمُصْطَفَوْنَ هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ مِنْهُمْ هُوَ الْمُنَافِق , وَهُوَ فِي النَّار ; وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ فِي الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22179 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّار الْحُسَيْن بْن حُرَيْث الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن مُوسَى , عَنْ حُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ عَبْد اللَّه ( { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : اثْنَانِ فِي الْجَنَّة , وَوَاحِد فِي النَّار )22180 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله ( { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : )جَعَلَ أَهْل الْإِيمَان عَلَى ثَلَاثَة مَنَازِل , كَقَوْلِهِ : { أَصْحَاب الشِّمَال مَا أَصْحَاب الشِّمَال } [56 41 ] { وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين } [56 27 ]. { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [56 - 10 - 11 ], فَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِثَال (22181 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة ) { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } الْآيَة , قَالَ : الِاثْنَانِ فِي الْجَنَّة , وَوَاحِد فِي النَّار , وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي فِي الْوَاقِعَة : { وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين } { وَأَصْحَاب الشِّمَال مَا أَصْحَاب الشِّمَال } { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } (22182 - حَدَّثَنَا سَهْل بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَجِيد , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ) { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَشْأَمَة { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَيْمَنَة { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : هُمْ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاس كُلّهمْ (22183 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : قَالَ عَوْف , قَالَ الْحَسَن : )أَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَافِق , سَقَطَ هَذَا , وَأَمَّا الْمُقْتَصِد وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , فَهُمَا صَاحِبَا الْجَنَّة (* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : )الظَّالِم لِنَفْسِهِ : الْمُنَافِق (22184 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ) { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } هَذَا الْمُنَافِق فِي قَوْل قَتَادَة وَالْحَسَن { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : هَذَا صَاحِب الْيَمِين { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : هَذَا الْمُقَرَّب . قَالَ قَتَادَة : كَانَ النَّاس ثَلَاث مَنَازِل فِي الدُّنْيَا , وَثَلَاث مَنَازِل عِنْدَ الْمَوْت , وَثَلَاث مَنَازِل فِي الْآخِرَة . أَمَّا الدُّنْيَا , فَكَانُوا : مُؤْمِن , وَمُنَافِق , وَمُشْرِك (وَأَمَّا عِنْدَ الْمَوْت , فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْح وَرَيْحَان وَجَنَّة نَعِيم وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم وَتَصْلِيَة جَحِيم } [56 88 - 94 ]. وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَكَانُوا أَزْوَاجًا ثَلَاثَة , { وَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [56 8 - 11 ]. - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ) { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَشْأَمَة { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة , { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : فَهُمْ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاس كُلّهمْ (- حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ) { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : سَقَطَ هَذَا { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : سَبَقَ هَذَا بِالْخَيْرَاتِ , وَهَذَا مُقْتَصِد عَلَى أَثَره (وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ قَبْل الْفُرْقَان . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتْلُونَ غَيْرَ كِتَابهمْ , وَلَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَام وَالشَّرَائِع ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْإِيمَانَ بِالْكِتَابِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا , فَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِكُلِّ كِتَاب أَنْزَلَهُ اللَّه مِنَ السَّمَاء قَبْل كِتَابهمْ وَعَامِلُونَ بِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ كِتَاب أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاء قَبْل الْفُرْقَان , فَإِنَّهُ يَأْمُر بِالْعَمَلِ بِالْفُرْقَانِ عِنْدَ نُزُوله , وَبِاتِّبَاعِ مَنْ جَاءَ بِهِ , وَذَلِكَ عَمَل مَنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَعَمِلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ بِمَا فِي الْقُرْآن , وَبِمَا فِي غَيْره مِنَ الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَهُ . وَإِنَّمَا قِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } الْكُتُب الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } ثُمَّ أَتْبَع ذَلِكَ قَوْله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } فَكَانَ مَعْلُومًا , إِذْ كَانَ مَعْنَى الْمِيرَاث إِنَّمَا هُوَ انْتِقَال مَعْنًى مِنْ قَوْم إِلَى آخَرِينَ , وَلَمْ تَكُنْ أُمَّة عَلَى عَهْد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ كِتَاب مِنْ قَوْم كَانُوا قَبْلَهُمْ غَيْر أُمَّته , أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَاده هُمْ مُؤْمِنُو أُمَّته ; وَأَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَإِنَّهُ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ النِّفَاق وَالشِّرْك عِنْدِي أَشْبَه بِمَعْنَى الْآيَة مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنَافِق أَوْ الْكَافِر , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَتْبَع هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } فَعَمّ بِدُخُولِ الْجَنَّة جَمِيع الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ قَوْلَهُ { يَدْخُلُونَهَا } إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْمُقْتَصِد وَالسَّابِق ; قِيلَ لَهُ : وَمَا بُرْهَانُك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ خَبَر أَوْ عَقْل ؟ فَإِنْ قَالَ : قِيَام الْحُجَّة أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة سَيَدْخُلُ النَّارَ , وَلَوْ لَمْ يَدْخُل النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة أَحَد وَجَبَ أَنْ لَا يَكُون لِأَهْلِ الْإِيمَان وَعِيد ; قِيلَ : إِنَّهُ لَيُسَدِّد فِي الْآيَة خَبَر أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ , وَإِنَّمَا فِيهَا إِخْبَار مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ جَنَّات عَدْن , وَجَائِز أَنْ يَدْخُلهَا الظَّالِم لِنَفْسِهِ بَعْد عُقُوبَة اللَّه إِيَّاهُ عَلَى ذُنُوبه الَّتِي أَصَابَهَا فِي الدُّنْيَا , وَظُلْمه نَفْسه فِيهَا بِالنَّارِ , أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ عِقَابه , ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّةَ , فَيَكُون مِمَّنْ عَمَّهُ خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَار , وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدهَا نَظَر , مَعَ دَلِيل الْكِتَاب عَلَى صِحَّته عَلَى النَّحْو الَّذِي بَيَّنْت. ذِكْر الرِّوَايَة الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 22185 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو ثَابِت )أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَجَلَسَ إِلَى جَنْب أَبِي الدَّرْدَاء , فَقَالَ : اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتِي , وَارْحَمْ غُرْبَتِي , وَيَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : لَئِنْ كُنْت صَادِقًا لَأَنَا أَسْعَد بِهِ مِنْك ! سَأُحَدِّثُك حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّث بِهِ مُنْذُ سَمِعْته ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } فَأَمَّا السَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , فَيَدْخُلهَا بِغَيْرِ حِسَاب , وَأَمَّا الْمُقْتَصِد فَيُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا , وَأَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ فَيُصِيبهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَان مِنَ الْغَمّ وَالْحَزَن , فَذَلِكَ قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } (22186 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة عَنِ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيف حَدَّثَ عَنْ رَجُل مِنْ كِنَانَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة , وَكُلّهمْ فِي الْجَنَّة | ). وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } : الَّذِينَ اخْتَرْنَاهُمْ لِطَاعَتِنَا وَاجْتَبَيْنَاهُمْ . وَقَوْله : { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } يَقُول : فَمِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا , مَنْ يَظْلِم نَفْسَهُ بِرُكُوبِهِ الْمَآثِم , وَاجْتِرَامه الْمَعَاصِي , وَاقْتِرَافه الْفَوَاحِشَ { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } وَهُوَ غَيْر الْمُبَالِغ فِي طَاعَة رَبّه , وَغَيْر الْمُجْتَهِد فِيمَا أَلْزَمهُ مِنْ خِدْمَة رَبّه , حَتَّى يَكُونَ عَمَله فِي ذَلِكَ قَصْدًا { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } وَهُوَ الْمُبَرَّز الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي خِدْمَة رَبّه , وَأَدَاء مَا لَزِمَهُ مِنْ فَرَائِضه , فَسَبَقَهُمْ بِصَالِحِ الْأَعْمَال , وَهِيَ الْخَيْرَات الَّتِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ|بِإِذْنِ اللَّهِ| { بِإِذْنِ اللَّه } يَقُول : بِتَوْفِيقِ اللَّه إِيَّاهُ لِذَلِكَ .|ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ|وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْل الْكَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُبُوقُ هَذَا السَّابِق مِنْ سَبْقه بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه , هُوَ الْفَضْل الْكَبِير الَّذِي فَضَلَ بِهِ مَنْ كَانَ مُقَصِّرًا عَنْ مَنْزِلَته فِي طَاعَة اللَّه مِنْ الْمُقْتَصِد وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ .

فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَسَاتِين إِقَامَة يَدْخُلُونَهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْرَثْنَاهُمُ الْكِتَابَ , الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا يَوْمَ الْقِيَامَة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر مِنْ ذَهَب } يَلْبَسُونَ فِي جَنَّات عَدْن أَسْوِرَة مِنْ ذَهَب { وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } يَقُول : وَلِبَاسهمْ فِي الْجَنَّة حَرِير .

لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

وَقَوْله : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَزَن الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ عَلَى إِذْهَابه عَنْهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الْحَزَن الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْلَ دُخُولهمْ الْجَنَّةَ مِنْ خَوْف النَّار , إِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22187 - حَدَّثَنِي قَتَادَة بْن سَعِيد بْن قَتَادَة السَّدُوسِيّ , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام صَاحِب الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : حَزَن النَّار )22188 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن الْمُخْتَار , عَنِ الْحَسَن ( { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [25 63 ]. قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْم ذُلُل , ذَلَّتْ وَاللَّه الْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار وَالْجَوَارِح , حَتَّى يَحْسِبهُمُ الْجَاهِل مَرْضَى , وَمَا بِالْقَوْمِ مَرَض , وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّةُ الْقُلُوب , وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنْ الْخَوْف مَا لَمْ يَدْخُل غَيْرَهُمْ , وَمَنَعَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا عِلْمهمْ بِالْآخِرَةِ , فَقَالُوا : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } , وَالْحَزَن , وَاللَّه مَا حَزَنهمْ حَزَن الدُّنْيَا , وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسهمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ أَبْكَاهُمُ الْخَوْف مِنَ النَّار , وَأَنَّهُ مَنْ لَا يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّه يَقْطَع نَفْسَهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَات , وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَة إِلَّا فِي مَطْعَم أَوْ مَشْرَب , فَقَدْ قَلَّ عِلْمه , وَحَضَرَ عَذَابه )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22189 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : ( { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : الْمَوْت )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ حَزَن الْخُبْز . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22190 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , يَعْنِي ابْن حُمَيْد , عَنْ شِمْر , قَالَ : (لَمَّا أَدْخَلَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , قَالُوا { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : حَزَن الْخُبْز )وَقَالَ آخَرُونَ . عُنِيَ بِذَلِكَ : الْحَزَن مِنْ التَّعَب الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 22191 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ وَيَنْصَبُونَ وَهُمْ فِي خَوْف , أَوْ يَحْزَنُونَ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْحَزَن الَّذِي يَنَال الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22192 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو ثَابِت أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( أَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَيُصِيبهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَان مِنَ الْغَمّ وَالْحَزَن , فَذَلِكَ قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } | ). وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَكْرَمهمْ بِمَا أَكْرَمهمْ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا حِين دَخَلُوا الْجَنَّةَ { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } وَخَوْف دُخُول النَّار مِنَ الْحَزَن , وَالْفَجْع مِنَ الْمَوْت مِنَ الْحَزَن , وَالْجَزَع مِنَ الْحَاجَة إِلَى الْمَطْعَم مِنَ الْحَزَن , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه إِذْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَمِدُوهُ عَلَى إِذْهَابه الْحَزَن عَنْهُمْ نَوْعًا دُونَ نَوْع , بَلْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَمُّوا جَمِيعَ أَنْوَاع الْحَزَن بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَا حَزَنَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ , فَحَمْدهمْ عَلَى إِذْهَابه عَنْهُمْ جَمِيعَ مَعَانِي الْحَزَن . وَقَوْله : { إِنَّ رَبّنَا لَغَفُور شَكُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذِهِ الْأَصْنَاف الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ اصْطَفَاهُمْ مِنْ عِبَاده عِنْدَ دُخُولهمْ الْجَنَّة : إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور لِذُنُوبِ عِبَاده الَّذِينَ تَابُوا مِنْ ذُنُوبهمْ , فَسَاتِرهَا عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , شَكُور لَهُمْ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ , وَصَالِح مَا قَدَّمُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22193 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور } لِحَسَنَاتِهِمْ )22194 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شِمْر ( { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور } غَفَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ ذَنْب , وَشَكَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْهُمْ)

فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة مِنْ فَضْله لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الَّذِينَ أُدْخِلُوا الْجَنَّة { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة } : أَيْ رَبّنَا الَّذِي أَنْزَلَنَا هَذِهِ الدَّارَ , يَعْنُونَ الْجَنَّةَ ; فَدَار الْمُقَامَة : دَار الْإِقَامَة الَّتِي لَا نُقْلَة مَعَهَا , وَلَا تَحَوُّل ; وَالْمِيم إِذَا ضُمَّتْ مِنْ الْمُقَامَة , فَهِيَ مِنَ الْإِقَامَة ; فَإِذَا فُتِحَتْ فَهِيَ مِنَ الْمَجْلِس , وَالْمَكَان الَّذِي يُقَام فِيهِ , قَالَ الشَّاعِر : يَوْمَانِ يَوْم مَقَامَات وَأَنْدِيَة وَيَوْم سَيْر إِلَى الْأَعْدَاء تَأْوِيب وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22195 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة مِنْ فَضْله } أَقَامُوا فَلَا يَتَحَوَّلُونَ )وَقَوْله : { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب } يَقُول : لَا يُصِيبنَا فِيهَا تَعَب وَلَا وَجَع { وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } يَعْنِي بِاللُّغُوبِ : الْعَنَاءَ وَالْإِعْيَاءَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } قَالَ : اللُّغُوب : الْعَنَاء )22197 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب } : أَيْ وَجَع)

وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بِاللَّهِ وَرَسُوله { لَهُمْ نَار جَهَنَّم } يَقُول : لَهُمْ نَار جَهَنَّمَ مُخَلَّدِينَ فِيهَا , لَا حَظّ لَهُمْ فِي الْجَنَّة وَلَا نَعِيمهَا , كَمَا : 22198 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ } بِالْمَوْتِ فَيَمُوتُوا ; لِأَنَّهُمْ لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَاحُوا . { وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا } يَقُول : وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَاب نَار جَهَنَّم بِإِمَاتَتِهِمْ , يُخَفَّف ذَلِكَ عَنْهُمْ , كَمَا : 22199 - حَدَّثَنِي مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ ثنا أَبُو هِلَال الرَّاسِبِيّ , عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , قَالَ : )مَسَاكِين أَهْل النَّار لَا يَمُوتُونَ , لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَاحُوا (22200 - حَدَّثَنِي عُقْبَة عَنْ سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا غَسَّان بْن مُضَر , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن يَزِيد ; وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد ; وَحَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ , لَكِنَّ نَاسًا - أَوْ كَمَا قَالَ -تُصِيبهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ , أَوْ قَالَ : بِخَطَايَاهُمْ , فَيُمِيتهُمْ إِمَاتَة حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة , فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِر , فَبُيُّوا عَلَى أَهْل الْجَنَّة , فَقَالَ : يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُت الْحَبَّة فِي حَمِيل السَّيْل | فَقَالَ رَجُل مِنَ الْقَوْم حِينَئِذٍ : كَأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ ). فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا } وَقَدْ قِيلَ فِي مَوْضِع آخَر : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [17 97 ]. ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ هَذَا النَّوْع مِنَ الْعَذَاب .|كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ|وَقَوْله : { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَكَذَا يُكَافَأ كُلّ جَحُود لِنِعَمِ رَبّه يَوْم الْقِيَامَة , بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ نَارَ جَهَنَّم بِسَيِّئَاتِهِمْ الَّتِي قَدَّمُوهَا فِي الدُّنْيَا .

وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ

وَقَوْله : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْكُفَّار يَسْتَغِيثُونَ , وَيَضِجُّونَ فِي النَّار , يَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا : أَيْ نَعْمَل بِطَاعَتِك { غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } قَبْل مِنْ مَعَاصِيك , وَقَوْله : { يَصْطَرِخُونَ } يَفْتَعِلُونَ مِنْ الصُّرَاخ , حُوِّلَتْ تَاؤُهَا طَاء لِقُرْبِ مَخْرَجهَا مِنْ الصَّاد لَمَّا ثَقُلَتْ .|أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ|وَقَوْله : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22201 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقُول : الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه إِلَى ابْن آدَم ( { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } : أَرْبَعُونَ سَنَة )22202 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُجَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (إِذَا بَلَغَ أَحَدكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , فَلْيَأْخُذْ حِذْره مِنْ اللَّه )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سِتُّونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس ( { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } قَالَ : سِتُّونَ سَنَة )- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه فِيهِ لِابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَة )22204 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن شُعَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي فُدَيْك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْفَضْل , عَنْ أَبِي حُسَيْن الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نُودِيَ : أَيْنَ أَبْنَاء السِّتِّينَ , وَهُوَ الْعُمُر الَّذِي قَالَ اللَّه : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } | (. 22205 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْفَرَج الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن مَازِن الْكِنَانِيّ , قَالَ : ثني مَعْمَر بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْغِفَارِيّ يَقُول : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )وَلَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَى صَاحِب السِّتِّينَ سَنَة وَالسَّبْعِينَ | (. 22206 - حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح الْفَزَارِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْقَارِي الْإِسْكَنْدَرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حَازِم , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَمَّرَهُ اللَّه سِتِّينَ سَنَة فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمُر | )22207 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا أَسَد بْن حُمَيْد , عَنْ سَعِيد بْن طَرِيف , عَنْ الْأَصْبَغ بْن نَبَاتَةَ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : ) { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : الْعُمُر الَّذِي عَمَّرَكُمْ اللَّه بِهِ سِتُّونَ سَنَة (وَأَشْبَه الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة إِذْ كَانَ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا فِي إِسْنَاده بَعْض مَنْ يَجِب التَّثَبُّت فِي نَقْله , قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة ; لِأَنَّ فِي الْأَرْبَعِينَ يَتَنَاهَى عَقْل الْإِنْسَان وَفَهْمه , وَمَا قَبْل ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ مُنْتَقِص عَنْ كَمَالِهِ فِي حَال الْأَرْبَعِينَ.|وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ|وَقَوْله : { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّذِير , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22208 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : النَّذِير : النَّبِيّ , وَقَرَأَ : { هَذَا نَذِير مِنَ النُّذُر الْأُولَى } [53 56 ], وَقِيلَ : عَنَى بِهِ الشَّيْب , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ يَا مَعْشَر الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْش مِنْ السِّنِينَ , مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ , مِنْ ذَوِي الْأَلْبَاب وَالْعُقُول , وَاتَّعَظَ مِنْهُمْ مَنْ اتَّعَظَ , وَتَابَ مَنْ تَابَ , وَجَاءَكُمْ مِنَ اللَّه مُنْذِر يُنْذِركُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْم مِنْ عَذَاب اللَّه , فَلَمْ تَتَذَكَّرُوا مَوَاعِظَ اللَّه , وَلَمْ تَقْبَلُوا مِنْ نَذِير اللَّه الَّذِي جَاءَكُمْ مَا أَتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ)|فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَذُوقُوا } نَار عَذَاب جَهَنَّم الَّذِي قَدْ صَلَيْتُمُوهُ أَيّهَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ { فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } يَقُول : فَمَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَكْسَبُوهَا غَضَبَ اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ نَصِير يَنْصُرهُمْ مِنَ اللَّه لِيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْ عِقَابه .

فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ

وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَالِم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ عَالِم مَا تُخْفُونَ أَيّهَا النَّاس فِي أَنْفُسكُمْ وَتُضْمِرُونَهُ , وَمَا لَمْ تُضْمِرُوهُ وَلَمْ تَنْوُوهُ مِمَّا سَتَنْوُونَهُ , وَمَا هُوَ غَائِب عَنْ أَبْصَاركُمْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاتَّقُوهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكُمْ , وَأَنْتُمْ تُضْمِرُونَ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ الشَّكّ فِي وَحْدَانِيَّة اللَّه , أَوْ فِي نُبُوَّة مُحَمَّد , غَيْر الَّذِي تُبْدُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ , { إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور }

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي جَعَلَكُمْ أَيّهَا النَّاس خَلَائِفَ فِي الْأَرْض مِنْ بَعْد عَاد وَثَمُود , وَمَنْ مَضَى مِنْ قَبْلكُمْ مِنَ الْأُمَم فَجَعَلَكُمْ تَخْلُفُونَهُمْ فِي دِيَارهمْ وَمَسَاكِنهمْ , كَمَا : 22209 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض } أُمَّة بَعْدَ أُمَّة , وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْن)|فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ|وَقَوْله: { فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَعَلَى نَفْسه ضُرّ كُفْره , لَا يَضُرّ بِذَلِكَ غَيْرَ نَفْسه , لِأَنَّهُ الْمُعَاقَب عَلَيْهِ دُونَ غَيْره .|وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا|وَقَوْله : { وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا مَقْتًا } يَقُول تَعَالَى : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا بُعْدًا مِنْ رَحْمَة اللَّه|وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا| { وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ إِلَّا خَسَارًا } يَقُول : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ بِاللَّهِ إِلَّا هَلَاكًا.

أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك { أَرَأَيْتُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } يَقُول : أَرُونِي أَيّ شَيْء خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض|أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ| { أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } يَقُول : أَمْ لِشُرَكَائِكُمْ شِرْك مَعَ اللَّه فِي السَّمَوَات , إِنْ لَمْ يَكُونُوا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض شَيْئًا|أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ| { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ } يَقُول : أَمْ آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاء بِأَنْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ , فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ , فَهُمْ عَلَى بُرْهَان مِمَّا أَمَرْتهمْ فِيهِ مِنَ الْإِشْرَاك بِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22210 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } لَا شَيْء وَاللَّه خَلَقُوا مِنْهَا { أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } لَا وَاللَّه مَا لَهُمْ فِيهَا شِرْك { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة } مِنْهُ , يَقُول : أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُوَ يَأْمُرهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا(بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا|وَقَوْله : { بَلْ إِنْ يَعِد الظَّالِمُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } وَذَلِكَ قَوْل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } [39 3 ]. خِدَاعًا مِنْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ وَغُرُورًا , وَإِنَّمَا تَزَلَّفَهُمْ آلِهَتهمْ إِلَى النَّار , وَتُقْصِيهِمْ مِنَ اللَّه وَرَحْمَته .

أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْضَ } لِئَلَّا تَزُولَا مِنْ أَمَاكِنهمَا { وَلَئِنْ زَالَتَا } يَقُول : وَلَوْ زَالَتَا { إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده } يَقُول : مَا أَمْسَكَهُمَا أَحَد سِوَاهُ .|وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا|وَوُضِعَتْ | لَئِنْ | فِي قَوْله { وَلَئِنْ زَالَتَا } فِي مَوْضِع | لَوْ | لِأَنَّهُمَا يُجَابَانِ بِجَوَابٍ وَاحِد , فَيَتَشَابَهَانِ فِي الْمَعْنَى ; وَنَظِير ذَلِكَ قَوْله : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْده يَكْفُرُونَ } [30 15 ]. بِمَعْنَى : وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا , وَكَمَا قَالَ : { وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } [2 145 ]. بِمَعْنَى : لَوْ أَتَيْت , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22211 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا } مِنْ مَكَانهمَا )22212 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قَالَ : مِنْ الشَّام , قَالَ : مَنْ لَقِيت ؟ قَالَ : لَقِيت كَعْبًا , فَقَالَ : مَا حَدَّثَك كَعْب ؟ قَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ تَدُور عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ : فَصَدَّقْته أَوْ كَذَّبْته ؟ قَالَ : مَا صَدَّقْته وَلَا كَذَّبْته , قَالَ : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت مِنْ رِحْلَتك إِلَيْهِ بِرَاحِلَتِك وَرَحْلهَا , وَكَذَبَ كَعْب ; إِنَّ اللَّهَ يَقُول : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده } )22213 - حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ذَهَبَ جُنْدَب الْبَجَلِيّ إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَدِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : حَدِّثْنَا مَا حَدَّثَك , فَقَالَ : حَدَّثَنِي (أَنَّ السَّمَاءَ فِي قُطْب كَقُطْبِ الرَّحَا , وَالْقُطْب عَمُود عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ عَبْد اللَّه : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت رِحْلَتك بِمِثْلِ رَاحِلَتك ; ثُمَّ قَالَ : مَا تَنْتَكِت الْيَهُودِيَّة فِي قَلْب عَبْد فَكَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ , ثُمَّ قَالَ : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا } كَفَى بِهَا زَوَالًا أَنْ تَدُور )وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا عَمَّنْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقه فِي تَرْكه تَعْجِيلَ عَذَابه لَهُ , غَفُورًا لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ , وَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَالْعَمَل بِمَا يُرْضِيه .

وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِير لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَقْسَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ ; يَقُول : أَشَدّ الْأَيْمَان , فَبَالَغُوا فِيهَا , لَئِنْ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّه مُنْذِر يُنْذِرهُمْ بَأْس اللَّهِ { لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم } يَقُول : لَيَكُونُنَّ أَسْلَكَ لِطَرِيقِ الْحَقّ , وَأَشَدّ قَبُولًا لِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ النَّذِير مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ إِحْدَى الْأُمَم الَّتِي خَلَتْ مِنْ قَبْلهمْ ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } يَعْنِي بِالنَّذِيرِ : مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد يُنْذِرهُمْ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْرهمْ , كَمَا : 22214 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)|مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا|وَقَوْله : { مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا } يَقُول : مَا زَادَهُمْ مَجِيء النَّذِير مِنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ وَاتِّبَاع الْحَقّ , وَسُلُوك هُدَى الطَّرِيق , إِلَّا نُفُورًا وَهَرَبًا .

أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ

وَقَوْله : { اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض } يَقُول : نَفَرُوا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض , وَخُدْعَة سَيِّئَة , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنْ اتِّبَاعه مَعَ كُفْرهمْ بِهِ .|وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ|وَالْمَكْر هَاهُنَا : هُوَ الشِّرْك , كَمَا : 22215 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَكْر السَّيِّئ } وَهُوَ الشِّرْك )وَأُضِيف الْمَكْر إِلَى السَّيِّئ , وَالسَّيِّئ مِنْ نَعْت الْمَكْر , كَمَا قِيلَ : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } [56 95 ]. وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | مَكْرًا سَيِّئًا | , وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيق الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّئَ فِي الْمَعْنَى مِنْ نَعْت الْمَكْر , وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ مُحَرَّكَة بِالْخَفْضِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ وَتَسْكِين الْهَمْزَة اعْتِلَالًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَرَكَات لَمَّا كَثُرَتْ فِي ذَلِكَ ثَقُلَ , فَسَكّنَا الْهَمْزَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْت صَاحِبْ قَوِّمِ <br>فَسَكَّنَ الْبَاءَ , لِكَثْرَةِ الْحَرَكَات. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مِنْ تَحْرِيك الْهَمْزَة فِيهِ إِلَى الْخَفْض , وَغَيْر جَائِز فِي الْقُرْآن أَنْ يُقْرَأ بِكُلِّ مَا جَازَ فِي الْعَرَبِيَّة ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا هِيَ مَا قَرَأَتْ بِهِ الْأَئِمَّة الْمَاضِيَة , وَجَاءَ بِهِ السَّلَف عَلَى النَّحْو الَّذِي أَخَذُوا عَمَّنْ قَبْلهمْ. وَقَوْله : { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } يَقُول : وَلَا يَنْزِل الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ , يَعْنِي بِالَّذِينَ يَمْكُرُونَهُ ; وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَكْرُوه ذَلِكَ الْمَكْر الَّذِي مَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا بِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ مَا : 22216 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } وَهُوَ الشِّرْك)|فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ|وَقَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد إِلَّا سُنَّة اللَّه بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا عَلَى كُفْرهمْ بِهِ أَلِيم الْعِقَاب . يَقُول : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِي عَلَى شِرْكهمْ بِي وَتَكْذِيبهمْ رَسُولِي مِثْل الَّذِي أَحْلَلْت بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَشْكَالهمْ مِنَ الْأُمَم , كَمَا : 22217 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } : أَيْ عُقُوبَة الْأَوَّلِينَ .|فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا| { فَلَنْ تَجِد لِسُنَّتِ اللَّه تَبْدِيلًا } يَقُول : فَلَنْ تَجِد يَا مُحَمَّد لِسُنَّةِ اللَّه تَغْيِيرًا(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا|وَقَوْله : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّه تَحْوِيلًا } يَقُول : وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه فِي خَلْقه تَبْدِيلًا ; يَقُول : لَنْ يُغَيِّر ذَلِكَ , وَلَا يُبَدِّلهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَرَدّ لِقَضَائِهِ .

مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَسِرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ , فِي الْأَرْض الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا بِكُفْرِهِمْ بِنَا وَتَكْذِيبهمْ رُسُلَنَا , فَإِنَّهُمْ تُجَّار يَسْلُكُونَ طَرِيق الشَّام { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } مِنَ الْأُمَم الَّتِي كَانُوا يَمُرُّونَ بِهَا أَلَمْ نُهْلِكهُمْ وَنُخَرِّب مَسَاكِنَهُمْ وَنَجْعَلهُمْ مَثَلًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ , فَيَتَّعِظُوا بِهِمْ , وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْآلِهَة بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ , وَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ بِأُولَئِكَ مَا فَعَلَ { وَكَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } لَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِثْل الَّذِي فَعَلَ بِأُولَئِكَ مِنْ تَعْجِيل النِّقْمَة , وَالْعَذَاب لَهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّة } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22218 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } يُخْبِركُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْم مَا لَمْ يُعْطِكُمْ)|وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا|وَقَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَنْ يُعْجِزنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ عَبَدَة الْآلِهَة , الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا فَيَسْبِقُونَا هَرَبًا فِي الْأَرْض , إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا هَلَاكَهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعْجِزَهُ شَيْء يُرِيدهُ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , وَلَنْ يَقْدِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بِخَلْقِهِ , وَمَا هُوَ كَائِن , وَمَنْ هُوَ الْمُسْتَحِقّ مِنْهُمْ تَعْجِيل الْعُقُوبَة , وَمَنْ هُوَ عَنْ ضَلَالَته مِنْهُمْ رَاجِع إِلَى الْهُدَى آئِب , قَدِيرًا عَلَى الِانْتِقَام مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَتَوْفِيق مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ .

أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّه النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاسَ . يَقُول وَلَوْ يُعَاقِب اللَّه النَّاسَ , وَيُكَافِئهُمْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي , وَاجْتَرَحُوا مِنْ الْآثَام , مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة تَدِبّ عَلَيْهَا { وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول : وَلَكِنْ يُؤَخِّر عِقَابَهُمْ وَمُؤَاخَذَتهمْ بِمَا كَسَبُوا إِلَى أَجَل مَعْلُوم عِنْدَهُ , مَحْدُود لَا يَقْصُرُونَ دُونَهُ , وَلَا يُجَاوِزُونَهُ إِذَا بَلَغُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22219 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة } إِلَّا مَا حَمَلَ نُوح فِي السَّفِينَة)|فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا|وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا جَاءَ أَجَل عِقَابهمْ , فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا مَنْ الَّذِي يَسْتَحِقّ أَنْ يُعَاقِبَ مِنْهُمْ , وَمَنْ الَّذِي يَسْتَوْجِب الْكَرَامَةَ , وَمَنْ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لَهُ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ فِيهَا بِهِ مُشْرِكًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَد مِنْهُمْ , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ أَمْرهمْ. آخِر تَفْسِير سُورَة فَاطِر

أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يس } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { يس } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ , وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22220 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ لَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يس } قَالَ : فَإِنَّهُ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : يَا رَجُل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22221 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلة , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { يس } قَالَ : يَا إِنْسَان , بِالْحَبَشِيَّةِ )22222 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ شَرْقِيّ , قَالَ : (سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : تَفْسِير { يس } : يَا إِنْسَان )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ مِفْتَاح كَلَام اِفْتَتَحَ اللَّه بِهِ كَلَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22223 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { يس } مِفْتَاح كَلَام , اِفْتَتَحَ اللَّه بِهِ كَلَامه )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22224 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يس } قَالَ : كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن )قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِيمَا مَضَى فِي نَظَائِر ذَلِكَ مِنْ حُرُوف الْهِجَاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته وَتَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع.

فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

وَقَوْله : { وَالْقُرْآن الْحَكِيم } يَقُول : وَالْقُرْآن الْمُحْكَم بِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامه , وَبَيِّنَات حُجَجه

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

{ إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُقْسِمًا بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيله لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِ اللَّه إِلَى عِبَاده , كَمَا : 22225 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } قَسَم كَمَا تَسْمَعُونَ { إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم }

سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ

وَقَوْله : { عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : عَلَى طَرِيق لَا اِعْوِجَاج فِيهِ مِنْ الْهُدَى , وَهُوَ الْإِسْلَام , كَمَا : 22226 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } : أَيْ عَلَى الْإِسْلَام )وَفِي قَوْله : { عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ عَلَى اِسْتِقَامَة مِنْ الْحَقّ , فَيَكُون حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ قَوْله { عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } مِنْ صِلَة الْإِرْسَال . وَالْآخَر أَنْ يَكُون خَبَرًا مُبْتَدَأ , كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , إِنَّك عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم } </subtitle>اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : و | تَنْزِيلُ الْعَزِيز | بِرَفْعِ تَنْزِيل , وَالرَّفْع فِي ذَلِكَ يَتَّجِه مِنْ وَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا : بِأَنْ يُجْعَل خَبَرًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّهُ تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم. وَالْآخَر : بِالِابْتِدَاءِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , هَذَا تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَبَعْض أَهْل الشَّام : { تَنْزِيلَ } نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَر مِنْ قَوْله : { إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } لِأَنَّ الْإِرْسَال إِنَّمَا هُوَ عَنْ التَّنْزِيل , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : لَمُنَزَّل تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم حَقًّا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ يَا مُحَمَّد إِرْسَال الرَّبّ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , الرَّحِيم بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ , وَأَنَابَ مِنْ كُفْره وَفُسُوقه أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى سَالِف جُرْمه بَعْد تَوْبَته لَهُ

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أَنْذَرَ اللَّه مَنْ قَبْلهمْ مِنْ آبَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22227 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ أَبَاؤُهُمْ } قَالَ : قَدْ أُنْذِرُوا )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِر آبَاؤُهُمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22228 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } قَالَ بَعْضهمْ : لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ مِنْ إِنْذَار النَّاس قَبْلهمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ : أَيْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِير , حَتَّى جَاءَهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } إِذَا وَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ آبَاءَهُمْ قَدْ كَانُوا أُنْذِرُوا , وَلَمْ يُرِدْ بِهَا الْجَحْد , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : إِذَا أُرِيدَ بِهِ غَيْر الْجَحْد لِتُنْذِرهُمْ الَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ { فَهُمْ غَافِلُونَ } وَقَالَ : فَدُخُول الْفَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوز , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ : وَهُوَ عَلَى الْجَحْد أَحْسَن , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَى قَوْم لَمْ يُنْذَر آبَاؤُهُمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفَتْرَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا الْجَحْد , فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لِتُنْذِرهُمْ بِمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ , فَتُلْقَى الْبَاء , فَتَكُون | مَا | فِي مَوْضِع نَصْب { فَهُمْ غَافِلُونَ } يَقُول : فَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا اللَّه فَاعِل : بِأَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ , مِنْ إِحْلَال نِقْمَته , وَسَطَوْته بِهِمْ .

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ

وَقَوْله : { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْل عَلَى أَكْثَرهمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ وَجَبَ الْعِقَاب عَلَى أَكْثَرهمْ , لِأَنَّ اللَّه قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِمْ فِي أُمّ الْكِتَاب أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَلَا يُصَدِّقُونَ رَسُوله .

إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا جَعَلْنَا أَيْمَان هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مَغْلُولَة إِلَى أَعْنَاقهمْ بِالْأَغْلَالِ , فَلَا تُبْسَط بِشَيْءٍ مِنْ الْخَيْرَات ; وَهِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا ذُكِرَ : وَإِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان |. وَقَوْله : { إِلَى الْأَذْقَان } يَعْنِي : فَأَيْمَانهمْ مَجْمُوعَة بِالْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقهمْ , فَكُنِّيَ عَنْ الْأَيْمَان , وَلَمْ يُجْرَ لَهَا ذِكْر لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَى الْكَلَام , وَأَنَّ الْأَغْلَال إِذَا كَانَتْ فِي الْأَعْنَاق لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَأَيْدِي الْمَغْلُولِينَ مَجْمُوعَة بِهَا إِلَيْهَا فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ كَوْن الْأَغْلَال فِي الْأَعْنَاق مِنْ ذِكْر الْأَيْمَان , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْت وَجْهًا .......... أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي <br><br>أَأَلْخَيْر الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيه .......... أَمْ الشَّرّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي <br>فَكَنَّى عَنْ الشَّرّ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْر وَحْده لِعِلْمِ سَامِع ذَلِكَ بِمَعْنَى قَائِله , إِذْ كَانَ الشَّرّ مَعَ الْخَيْر يُذْكَر . وَالْأَذْقَان : جَمْع ذَقَن , وَالذَّقَن : مَجْمَع اللَّحْيَيْنِ . وَقَوْله : { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } وَالْمُقْمَح : هُوَ الْمُقَنَّع , وَهُوَ أَنْ يُحْدِر الذَّقَن حَتَّى يَصِير فِي الصَّدْر , ثُمَّ يَرْفَع رَأْسه فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة. وَفِي قَوْل بَعْض الْكُوفِيِّينَ : هُوَ الْغَاضّ بَصَره , بَعْد رَفْع رَأْسه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22229 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قَالَ : هُوَ كَقَوْلِ اللَّه : { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك } [17 29 ]يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَيْدِيهمْ مُوَثَّقَة إِلَى أَعْنَاقهمْ , لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْسُطُوهَا بِخَيْرٍ )22230 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قَالَ : رَافِعُو رُءُوسهمْ , وَأَيْدِيهمْ مَوْضُوعَة عَلَى أَفْوَاههمْ )22231 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ } : أَيْ فَهُمْ مَغْلُولُونَ عَنْ كُلّ خَيْر)

وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ

وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَدًّا , وَهُوَ الْحَاجِز بَيْن الشَّيْئَيْنِ ; إِذَا فَتَحَ كَانَ مِنْ فِعْل بَنِي آدَم , وَإِذَا كَانَ مِنْ فِعْل اللَّه كَانَ بِالضَّمِّ . وَبِالضَّمِّ قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ بِفَتْحِ السِّين { سَدًّا } فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَاهُمَا ; وَالضَّمّ أَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَائِزَة صَحِيحَة . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفهمْ سَدًّا } أَنَّهُ زَيَّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ , فَهُمْ يَعْمَهُونَ , وَلَا يُبْصِرُونَ رُشْدًا , وَلَا يَتَنَبَّهُونَ حَقًّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22232 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفهمْ سَدًّا } قَالَ : عَنْ الْحَقّ )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفهمْ سَدًّا } عَنْ الْحَقّ فَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ )22233 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفهمْ سَدًّا } قَالَ : ضَلَالَات )22234 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفهمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } قَالَ : جَعَلَ هَذَا سَدًّا بَيْنهمْ وَبَيْن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان , فَهُمْ لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ , وَقَرَأَ : { وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَقَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَة رَبّك لَا يُؤْمِنُونَ } [ سُورَة يُونُس : الْآيَة : 96 ] . .. الْآيَة كُلّهَا , وَقَالَ : مَنْ مَنَعَهُ اللَّه لَا يَسْتَطِيع )وَقَوْله : { أَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } يَقُول : فَأَغْشَيْنَا أَبْصَار هَؤُلَاءِ : أَيْ جَعَلْنَا عَلَيْهَا غِشَاوَة فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ , كَمَا : 22235 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } هُدًى , وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ )وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام حِين حَلَفَ أَنْ يَقْتُلهُ أَوْ يَشْدَخ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 22236 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْل : (لَئِنْ رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ , فَأُنْزِلَتْ : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا } . . إِلَى قَوْله { فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } قَالَ : فَكَانُوا يَقُولُونَ : هَذَا مُحَمَّد , فَيَقُول : أَيْنَ هُوَ , أَيْنَ هُوَ ؟ لَا يُبْصِرهُ )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ | بِالْعَيْنِ بِمَعْنَى أَعْشَيْنَاهُمْ عَنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَشَا هُوَ أَنْ يَمْشِي بِاللَّيْلِ وَلَا يُبْصِر .

وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَوَاء يَا مُحَمَّد عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْل , أَيْ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْك إِلَيْهِمْ الْإِنْذَار , أَوْ تَرْك الْإِنْذَار , فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , لِأَنَّ اللَّه قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ .

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ

وَقَوْله : { إِنَّمَا تُنْذِر مَنْ اِتَّبَعَ الذِّكْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يَنْفَع إِنْذَارك يَا مُحَمَّد مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ , وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَحْكَام اللَّه { وَخَشِيَ الرَّحْمَن } يَقُول : وَخَافَ اللَّه حِين يَغِيب عَنْ أَبْصَار النَّاظِرِينَ , لَا الْمُنَافِق الَّذِي يَسْتَخِفّ بِدِينِ اللَّه إِذَا خَلَا , وَيَظْهَر الْإِيمَان فِي الْمَلَأ , وَلَا الْمُشْرِك الَّذِي قَدْ طَبَعَ اللَّه عَلَى قَلْبه. وَقَوْله : { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } يَقُول : فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد هَذَا الَّذِي اِتَّبَعَ الذِّكْر وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ بِمَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّه لِذُنُوبِهِ { وَأَجْر كَرِيم } يَقُول : وَثَوَاب مِنْهُ لَهُ فِي الْآخِرَة كَرِيم , وَذَلِكَ أَنْ يُعْطِيه عَلَى عَمَله ذَلِكَ الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22237 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّمَا تُنْذِر مَنْ اِتَّبَعَ الذِّكْر } وَاتِّبَاع الذِّكْر : اِتِّبَاع الْقُرْآن)

وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } مِنْ خَلْقنَا { وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا } فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , وَصَالِح الْأَعْمَال وَسَيِّئِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22238 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا } مِنْ عَمَل )22239 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا } قَالَ : مَا عَمِلُوا )22240 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مَا قَدَّمُوا } قَالَ : أَعْمَالهمْ )وَقَوْله : { وَآثَارهمْ } يَعْنِي : وَآثَار خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ , وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم أَرَادُوا أَنْ يَقْرَبُوا مِنْ مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَقْرُب عَلَيْهِمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22241- حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ مَنَازِل الْأَنْصَار مُتَبَاعِدَة مِنْ الْمَسْجِد , فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى الْمَسْجِد فَنَزَلَتْ { وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارهمْ } فَقَالُوا : نَثْبُت فِي مَكَاننَا )* حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ الْأَنْصَار بَعِيدَة مَنَازِلهمْ مِنْ الْمَسْجِد , فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا , قَالَ : فَنَزَلَتْ { وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارهمْ } فَثَبَتُوا )22242 -حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ جَابِر , قَالَ : أَرَادَ بَنُو سَلَمَة قُرْب الْمَسْجِد , قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَنِي سَلَمَة ! دِيَاركُمْ , إِنَّهَا تُكْتَب آثَاركُمْ | ). 22243 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت كَهْمَسًا يُحَدِّث , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ جَابِر , قَالَ : أَرَادَ بَنُو سَلَمَة أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْب الْمَسْجِد , قَالَ : وَالْبِقَاع خَالِيَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : ( يَا بَنِي سَلَمَة ! إِنَّهَا تُكْتَب آثَاركُمْ | قَالَ : فَأَقَامُوا وَقَالُوا : مَا يَسُرّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا ). 22244 -حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَالِد الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ طَرِيف , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : (شَكَّتْ بَنُو سَلَمَة بُعْد مَنَازِلهمْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارهمْ } فَقَالَ : | عَلَيْكُمْ مَنَازِلكُمْ تُكْتَب آثَاركُمْ | )22245 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلة , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ ثَابِت , قَالَ : (مَشَيْت مَعَ أَنَس , فَأَسْرَعْت الْمَشْي , فَأَخَذَ بِيَدِي , فَمَشَيْنَا رُوَيْدًا , فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاة قَالَ أَنَس : مَشَيْت مَعَ زَيْد بْن ثَابِت , فَأَسْرَعْت الْمَشْي , فَقَالَ : يَا أَنَس أَمَا شَعُرْت أَنَّ الْآثَار تُكْتَب )22246 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن أَنَّ بَنِي سَلَمَة كَانَتْ دُورهمْ قَاصِيَة عَنْ الْمَسْجِد , فَهَمُّوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا قُرْب الْمَسْجِد , فَيَشْهَدُونَ الصَّلَاة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَاركُمْ يَا بَنِي سَلَمَة ؟ | فَمَكَثُوا فِي دِيَارهمْ )22247 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم اِبْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله ( { مَا قَدَّمُوا وَآثَارهمْ } قَالَ : خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ )* حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَآثَارهمْ } قَالَ : خُطَاهُمْ )22248 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَآثَارهمْ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : وَآثَارهمْ قَالَ : خُطَاهُمْ . وَقَالَ قَتَادَة : (لَوْ كَانَ مُغْفِلًا شَيْئًا مِنْ شَأْنك يَا اِبْن آدَم أَغْفَلَ مَا تَعْفِي الرِّيَاح مِنْ هَذِهِ الْآثَار )وَقَوْله : { وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُلّ شَيْء كَانَ أَوْ هُوَ كَائِن أَحْصَيْنَاهُ , فَأَثْبَتْنَاهُ فِي أُمّ الْكِتَاب , وَهُوَ الْإِمَام الْمُبِين . وَقِيلَ : { مُبِين } لِأَنَّهُ يُبَيِّن عَنْ حَقِيقَة جَمِيع مَا أَثْبَتَ فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22249- حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { فِي إِمَام مُبِين } قَالَ : فِي أُمّ الْكِتَاب )22250 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين } كُلّ شَيْء مَحْصِيّ عِنْد اللَّه فِي كِتَاب )22251 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب الَّتِي عِنْد اللَّه فِيهَا الْأَشْيَاء كُلّهَا هِيَ الْإِمَام الْمُبِين)

لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَاب الْقَرْيَة إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَثِّلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك مَثَلًا أَصْحَاب الْقَرْيَة - ذُكِرَ أَنَّهَا أَنْطَاكِيَة , { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي هَؤُلَاءِ الرُّسُل , وَفِيمَنْ كَانَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى أَصْحَاب الْقَرْيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانُوا رُسُل عِيسَى ابْن مَرْيَم , وَعِيسَى الَّذِي أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22252 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ({ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَاب الْقَرْيَة إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم بَعَثَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى أَنْطَاكِيَة مَدِينَة بِالرُّومِ فَكَذَّبُوهُمَا , فَأَعَزَّهُمَا بِثَالِثٍ , { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } ) 22253 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة ( { وَاضْرِبْ لَهُمْ مِثْلًا أَصْحَاب الْقَرْيَة } قَالَ : أَنْطَاكِيَة )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا رُسُلًا أَرْسَلَهُمْ اللَّه إِلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22254 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار , وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : (كَانَ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَة , فِرْعَوْن مِنْ الْفَرَاعِنَة يُقَال لَهُ أبطيحس بْن أبطيحس يَعْبُد الْأَصْنَام , صَاحِب شِرْك , فَبَعَثَ اللَّه الْمُرْسَلِينَ , وَهُمْ ثَلَاثَة : صَادِق , وَمَصْدُوق , وَسَلُّوم , فَقَدِمَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْل مَدِينَته , مِنْهُمْ اِثْنَانِ فَكَذَّبُوهُمَا , ثُمَّ عَزَّزَ اللَّه بِثَالِثٍ ; فَلَمَّا دَعَتْهُ الرُّسُل وَنَادَتْهُ بِأَمْرِ اللَّه , وَصُدِّعَتْ بِاَلَّذِي أُمِرَتْ بِهِ , وَعَابَتْ دِينه , وَمَا هُمْ عَلَيْهِ , قَالَ لَهُمْ : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنكُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم } )

لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

وَقَوْله : { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَزْنَا بِثَالِثٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حِين أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ يَدْعُوَانِهِمْ إِلَى اللَّه فَكَذَّبُوهُمَا فَشَدَّدْنَاهُمَا بِثَالِثٍ , وَقَوَّيْنَاهُمَا بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قَالَ : شَدَّدْنَا )22256 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله ( { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قَالَ : زِدْنَا )22257 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قَالَ : جَعَلْنَاهُمْ ثَلَاثَة , قَالَ : ذَلِكَ التَّعَزُّز , قَالَ : وَالتَّعَزُّز : الْقُوَّة)|فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ|وَقَوْله : { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } يَقُول : فَقَالَ الْمُرْسَلُونَ الثَّلَاثَة لِأَصْحَابِ الْقَرْيَة : إِنَّا إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم مُرْسَلُونَ , بِأَنْ تُخْلِصُوا الْعِبَادَة لِلَّهِ وَحْده , لَا شَرِيك لَهُ , وَتَتَبَرَّءُوا مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام . وَبِالتَّشْدِيدِ فِي قَوْله : { فَعَزَّزْنَا } قَرَأَتْ الْقُرَّاء سِوَى عَاصِم , فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ , وَالْقِرَاءَة عِنْدنَا بِالتَّشْدِيدِ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ , إِذَا شُدِّدَ : فَقَوَّيْنَا , وَإِذَا خُفِّفَ : فَغَلَبْنَا , وَلَيْسَ لَغَلَبْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِع كَثِير مَعْنًى.

فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَن مِنْ شَيْء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَصْحَاب الْقَرْيَة لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ حِين أَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ بِمَا أُرْسِلُوا بِهِ : مَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم إِلَّا أُنَاس مِثْلنَا , وَلَوْ كُنْتُمْ رُسُلًا كَمَا تَقُولُونَ , لَكُنْتُمْ مَلَائِكَة { وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَن مِنْ شَيْء } يَقُول : قَالُوا : وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَن إِلَيْكُمْ مِنْ رِسَالَة وَلَا كِتَاب وَلَا أَمَرَكُمْ فِينَا بِشَيْءٍ { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ } فِي قِيلكُمْ إِنَّكُمْ إِلَيْنَا مُرْسَلُونَ

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ

{ قَالُوا رَبّنَا يَعْلَم إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } يَقُول : قَالَ الرُّسُل : رَبّنَا يَعْلَم إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ فِيمَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ , وَإِنَّا لَصَادِقُونَ

إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ

{ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين } يَقُول : وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نُبَلِّغكُمْ رِسَالَة اللَّه الَّتِي أُرْسِلْنَا بِهَا إِلَيْكُمْ بَلَاغًا يُبَيِّن لَكُمْ أَنَّا أَبْلَغْنَاكُمُوهَا , فَإِنْ قَبِلْتُمُوهَا فَحَظّ أَنْفُسكُمْ تُصِيبُونَ , وَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوهَا فَقَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا , وَاَللَّه وَلِيّ الْحُكْم فِيهِ.

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم } </subtitle>. يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَصْحَاب الْقَرْيَة لِلرُّسُلِ : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } يَعْنُونَ : إِنَّا تَشَاءَمْنَا بِكُمْ , فَإِنْ أَصَابَنَا بَلَاء مِنْ أَجْلكُمْ , كَمَا : 22258 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } قَالُوا : إِنَّ أَصَابَنَا شَرّ , فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلكُمْ )وَقَوْله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } يَقُول : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَمَّا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ أُرْسِلْتُمْ إِلَيْنَا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ آلِهَتنَا , وَالنَّهْي عَنْ عِبَادَتنَا لَنَرْجُمَنَّكُمْ , قِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ لَنَرْجُمَنَّكُمْ بِالْحِجَارَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22259 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بِالْحِجَارَةِ { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم } يَقُول : وَلِيَنَالَنكُمْ مِنَّا عَذَاب مُوجِع)

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ الرُّسُل لِأَصْحَابِ الْقَرْيَة : { طَائِركُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } يَقُولُونَ : أَعْمَالكُمْ وَأَرْزَاقكُمْ وَحَظّكُمْ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ مَعَكُمْ , ذَلِكَ كُلّه فِي أَعْنَاقكُمْ , وَمَا ذَلِكَ مِنْ شُؤْمنَا إِنْ أَصَابَكُمْ سُوء فِيمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ , وَسُبِقَ لَكُمْ مِنْ اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22260 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , ( { قَالُوا طَائِركُمْ مَعَكُمْ } : أَيْ أَعْمَالكُمْ مَعَكُمْ )22261 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَتْ لَهُمْ الرُّسُل : ( { طَائِركُمْ مَعَكُمْ } : أَيْ أَعْمَالكُمْ مَعَكُمْ )وَقَوْله : { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ | إِنَّ | وَفَتْح أَلْف الِاسْتِفْهَام : بِمَعْنَى إِنْ ذَكَّرْنَاكُمْ فَمَعَكُمْ طَائِركُمْ , ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَى | إِنَّ | الَّتِي هِيَ حَرْف جَزَاء أَلِف اِسْتِفْهَام فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , وَفِي قَوْل بَعْض الْكُوفِيِّينَ مَنْوِيّ بِهِ التَّكْرِير , كَأَنَّهُ قِيلَ : طَائِركُمْ مَعَكُمْ إِنْ ذُكِّرْتُمْ فَمَعَكُمْ طَائِركُمْ , فَحَذَفَ الْجَوَاب اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا أَنْكَرَ قَائِل هَذَا الْقَوْل الْقَوْل الْأَوَّل , لِأَنَّ أَلِف الِاسْتِفْهَام قَدْ حَالَتْ بَيْن الْجَزَاء وَبَيْن الشَّرْط , فَلَا تَكُون شَرْطًا لِمَا قَبْل حَرْف الِاسْتِفْهَام . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي رَزِين أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } بِمَعْنَى : أَلِأَنْ ذُكِّرْتُمْ طَائِركُمْ مَعَكُمْ ؟ . وَذُكِرَ عَنْ بَعْض قَارِئِيهِ أَنَّهُ قَرَأَهُ : | قَالُوا طَائِركُمْ مَعَكُمْ أَيْنَ ذُكِرْتُمْ | بِمَعْنَى : حَيْثُ ذُكِرْتُمْ بِتَخْفِيفِ الْكَاف مِنْ ذُكِرْتُمْ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا نُجِيز الْقِرَاءَة بِغَيْرِهَا الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهِيَ دُخُول أَلِف الِاسْتِفْهَام عَلَى حَرْف الْجَزَاء , وَتَشْدِيد الْكَاف عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَارِئِيهِ كَذَلِكَ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22262 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } : أَيْ إِنْ ذَكَّرْنَاكُمْ اللَّه تَطَيَّرْتُمْ بِنَا ؟ { بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ } )وَقَوْله : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ } يَقُول : قَالُوا لَهُمْ : مَا بِكُمْ التَّطَيُّر بِنَا , وَلَكِنَّكُمْ قَوْم أَهْل مَعَاصٍ لِلَّهِ وَآثَام , قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْكُمْ الذُّنُوب وَالْآثَام .

وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ

وَقَوْله : { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة رَجُل يَسْعَى } يَقُول : وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى مَدِينَة هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الرُّسُل رَجُل يَسْعَى إِلَيْهِمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْمَدِينَة هَذِهِ عَزَمُوا , وَاجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُمْ عَلَى قَتْل هَؤُلَاءِ الرُّسُل الثَّلَاثَة فِيمَا ذُكِرَ , فَبَلَغَ ذَلِكَ هَذَا الرَّجُل , وَكَانَ مَنْزِله أَقْصَى الْمَدِينَة , وَكَانَ مُؤْمِنًا , وَكَانَ اِسْمه فِيمَا ذُكِرَ | حَبِيب بْن مُرِّيّ | . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَار. ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 22263 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : (كَانَ صَاحِب يس | حَبِيب بْن مُرِّيّ | )22264 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : (كَانَ مِنْ حَدِيث صَاحِب يس فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْل أَنْطَاكِيَة , وَكَانَ اِسْمه | حَبِيبًا | , وَكَانَ يَعْمَل الْجَرِير , وَكَانَ رَجُلًا سَقِيمًا , قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَام , وَكَانَ مَنْزِله عِنْد بَاب مِنْ أَبْوَاب الْمَدِينَة قَاصِيًا , وَكَانَ مُؤْمِنًا ذَا صَدَقَة , يَجْمَع كَسْبه إِذَا أَمْسَى فِيمَا يَذْكُرُونَ , فَيَقْسِمهُ نِصْفَيْنِ , فَيُطْعِم نِصْفًا عِيَاله , وَيَتَصَدَّق بِنِصْفِ , فَلَمْ يُهِمّهُ سَقَمه وَلَا عَمَله وَلَا ضَعْفه , عَنْ عَمَل رَبّه , قَالَ : فَلَمَّا أَجْمَعَ قَوْمه عَلَى قَتْل الرُّسُل , بَلَغَ ذَلِكَ حَبِيبًا وَهُوَ عَلَى بَاب الْمَدِينَة الْأَقْصَى , فَجَاءَ يَسْعَى إِلَيْهِمْ يُذَكِّرهُمْ بِاَللَّهِ , وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اِتِّبَاع الْمُرْسَلِينَ , فَقَالَ : { يَا قَوْم اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } )22265 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَعْمَر بْن عَمْرو بْن حَزْم أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ : (ذُكِرَ لَهُ حَبِيب بْن زَيْد بْن عَاصِم أَخُو بَنِي مَازِن بْن النَّجَّار الَّذِي كَانَ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب قَطَعَهُ بِالْيَمَامَةِ حِين جَعَلَ يَسْأَلهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَقُول : أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ؟ فَيَقُول : نَعَمْ , ثُمَّ يَقُول : أَتَشْهَد أَنِّي رَسُول اللَّه ؟ فَيَقُول لَهُ : لَا أَسْمَع , فَيَقُول مُسَيْلِمَة : أَتَسْمَعُ هَذَا , وَلَا تَسْمَع هَذَا ؟ فَيَقُول : نَعَمْ , فَجَعَلَ يَقْطَعهُ عُضْوًا عُضْوًا , كُلَّمَا سَأَلَهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فِي يَدَيْهِ . قَالَ كَعْب حِين قِيلَ لَهُ اِسْمه حَبِيب : وَكَانَ وَاَللَّه صَاحِب يس اِسْمه حَبِيب )22266 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ مِقْسَم أَبِي الْقَاسِم مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (كَانَ اِسْم صَاحِب يس حَبِيبًا , وَكَانَ الْجُذَام قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ )22267 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة رَجُل يَسْعَى } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِسْمه حَبِيب , وَكَانَ فِي غَار يَعْبُد رَبّه , فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ )وَقَوْله : { قَالَ يَا قَوْم اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الرَّجُل الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة لِقَوْمِهِ : يَا قَوْم اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَاقْبَلُوا مِنْهُمْ مَا أَتَوْكُمْ بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى الرُّسُل سَأَلَهُمْ : هَلْ يَطْلُبُونَ عَلَى مَا جَاءُوا بِهِ أَجْرًا ؟ فَقَالَتْ الرُّسُل : لَا , فَقَالَ لِقَوْمِهِ حِينَئِذٍ : اِتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلكُمْ عَلَى نَصِيحَتهمْ لَكُمْ أَجْرًا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22268 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا اِنْتَهَى إِلَيْهِمْ , يَعْنِي إِلَى الرُّسُل , قَالَ : (هَلْ تَسْأَلُونَ عَلَى هَذَا مِنْ أَجْر ؟ قَالُوا : لَا , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : { يَا قَوْم اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اِتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ } )22269 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار , وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه(

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ

{ اِتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ } : أَيْ لَا يَسْأَلُونَكُمْ أَمْوَالكُمْ عَلَى مَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ الْهُدَى , وَهُمْ لَكُمْ نَاصِحُونَ , فَاتَّبِعُوهُمْ تَهْتَدُوا بِهُدَاهُمْ (وَقَوْله : { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } يَقُول : وَهُمْ عَلَى اِسْتِقَامَة مِنْ طَرِيق الْحَقّ , فَاهْتَدُوا أَيّهَا الْقَوْم بِهُدَاهُمْ .

فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الرَّجُل الْمُؤْمِن { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي } : أَيْ وَأَيّ شَيْء لِي لَا أَعْبُد الرَّبّ الَّذِي خَلَقَنِي { وَإِلَيْهِ } يَقُول : وَإِلَيْهِ تَصِيرُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم وَتَرُدُّونَ جَمِيعًا , وَهَذَا حِين أَبْدَى لِقَوْمِهِ إِيمَانه بِاَللَّهِ وَتَوْحِيده , كَمَا : 22270 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار , وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ : (نَادَاهُمْ , يَعْنِي نَادَى قَوْمه بِخِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام , وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينه وَعِبَادَة رَبّه , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِك نَفْعه وَلَا ضُرّه غَيْره , فَقَالَ : { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونه آلِهَة } ثُمَّ عَابَهَا , فَقَالَ : { إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ } وَشِدَّة { لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونَ } )

وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ

وَقَوْله : { أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونه آلِهَة } يَقُول : أَأَعْبُدُ مِنْ دُون اللَّه آلِهَة , يَعْنِي مَعْبُودًا سِوَاهُ { إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ } يَقُول : إِذْ مَسَّنِي الرَّحْمَن بِضُرٍّ وَشِدَّة { لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا } يَقُول : لَا تُغْنِي عَنِّي شَيْئًا بِكَوْنِهَا إِلَيَّ شُفَعَاء , وَلَا تَقْدِر عَلَى دَفْع ذَلِكَ الضُّرّ عَنِّي { وَلَا يُنْقِذُونَ } يَقُول : وَلَا يُخَلِّصُونِي مِنْ ذَلِكَ الضُّرّ إِذَا مَسَّنِي .

وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ

وَقَوْله : { إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : { إِنِّي } إِنْ اِتَّخَذْت مِنْ دُون اللَّه آلِهَة هَذِهِ صِفَتهَا { إِذَنْ لَفِي ضَلَال مُبِين } لِمَنْ تَأَمَّلَهُ , جَوْره عَنْ سَبِيل الْحَقّ .

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ

وَقَوْله : { إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } فَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَالَ هَذَا الْقَوْل هَذَا الْمُؤْمِن لِقَوْمِهِ يُعَلِّمهُمْ إِيمَانه بِاَللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22271 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب , وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه ( { إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } إِنِّي آمَنْت بِرَبِّكُمْ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ , فَاسْمَعُوا قَوْلِي )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ خَاطَبَ بِذَلِكَ الرُّسُل , وَقَالَ لَهُمْ : اِسْمَعُوا قَوْلِي لِتَشْهَدُوا لِي بِمَا أَقُول لَكُمْ عِنْد رَبِّي , وَأَنِّي قَدْ آمَنْت بِكُمْ وَاتَّبَعْتُكُمْ ; فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا الْقَوْل , وَنَصَحَ لِقَوْمِهِ النَّصِيحَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه وَثَبُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة قَتْلهمْ إِيَّاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22272 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } هَذَا رَجُل دَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه , وَأَبْدَى لَهُمْ النَّصِيحَة فَقَتَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ , وَهُوَ يَقُول : اللَّهُمَّ اِهْدِ قَوْمِي , اللَّهُمَّ اِهْدِ قَوْمِي , اللَّهُمَّ اِهْدِ قَوْمِي , حَتَّى أَقْعَصُوهُ وَهُوَ كَذَلِكَ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ وَثَبُوا عَلَيْهِ , فَوَطِئُوهُ بِأَقْدَامِهِمْ حَتَّى مَاتَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22273 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا بَلَغَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ كَعْب , وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ لَهُمْ : ( { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُد الَّذِي فَطَرَنِي } . . إِلَى قَوْله : { فَاسْمَعُونِ } وَثَبُوا وَثْبَة رَجُل وَاحِد فَقَتَلُوهُ وَاسْضَتْعَفُوهُ لِضَعْفِهِ وَسَقَمه , وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يَدْفَع عَنْهُ )22274 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ يَقُول : (وَطِئُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَ قُصْبه مِنْ دُبُره)

وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قِيلَ اِدْخُلْ الْجَنَّة قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لَهُ إِذْ قَتَلُوهُ كَذَلِكَ فَلَقِيَهُ : { اُدْخُلْ الْجَنَّة } فَلَمَّا دَخَلَهَا وَعَايَنَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّه بِهِ لِإِيمَانِهِ وَصَبْره فِيهِ { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } يَقُول : يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله غَفَرَ لِي رَبِّي ذُنُوبِي , وَجَعَلَنِي مِنْ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُ جَنَّته , كَانَ إِيمَانِي بِاَللَّهِ وَصَبْرِي فِيهِ , حَتَّى قُتِلْت , فَيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَيَسْتَوْجِبُوا الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22275 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ يَقُول : قَالَ اللَّه لَهُ : (اُدْخُلْ الْجَنَّة , فَدَخَلَهَا حَيًّا يُرْزَق فِيهَا , قَدْ أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ سَقَم الدُّنْيَا وَحُزْنهَا وَنَصَبهَا , فَلَمَّا أَفْضَى إِلَى رَحْمَة اللَّه وَجَنَّته وَكَرَامَته { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } )22276 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { اُدْخُلْ الْجَنَّة } فَلَمَّا دَخَلَهَا { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } قَالَ : فَلَا تَلْقَى الْمُؤْمِن إِلَّا نَاصِحًا , وَلَا تَلْقَاهُ غَاشًّا , فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } تَمَنَّى عَلَى اللَّه أَنْ يَعْلَم قَوْمه مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه , وَمَا هَجَمَ عَلَيْهِ )22277 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : قِيلَ : قَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة ; قَالَ ذَاكَ حِين رَأَى الثَّوَاب )* حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : وَجَبَتْ لَك الْجَنَّة )* حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة )22278 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي قَوْله : ( { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } قَالَ : إِيمَانِي بِرَبِّي , وَتَصْدِيقِي رُسُله , وَاَللَّه أَعْلَم)

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لَهُ إِذْ قَتَلُوهُ كَذَلِكَ فَلَقِيَهُ : { اُدْخُلْ الْجَنَّة } فَلَمَّا دَخَلَهَا وَعَايَنَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّه بِهِ لِإِيمَانِهِ وَصَبْره فِيهِ { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } يَقُول : يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله غَفَرَ لِي رَبِّي ذُنُوبِي , وَجَعَلَنِي مِنْ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُ جَنَّته , كَانَ إِيمَانِي بِاَللَّهِ وَصَبْرِي فِيهِ , حَتَّى قُتِلْت , فَيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَيَسْتَوْجِبُوا الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22275- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ يَقُول : قَالَ اللَّه لَهُ : (اُدْخُلْ الْجَنَّة , فَدَخَلَهَا حَيًّا يُرْزَق فِيهَا , قَدْ أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ سَقَم الدُّنْيَا وَحُزْنهَا وَنَصَبهَا , فَلَمَّا أَفْضَى إِلَى رَحْمَة اللَّه وَجَنَّته وَكَرَامَته { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } )22276 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { اُدْخُلْ الْجَنَّة } فَلَمَّا دَخَلَهَا { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } قَالَ : فَلَا تَلْقَى الْمُؤْمِن إِلَّا نَاصِحًا , وَلَا تَلْقَاهُ غَاشًّا , فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ } تَمَنَّى عَلَى اللَّه أَنْ يَعْلَم قَوْمه مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَة اللَّه , وَمَا هَجَمَ عَلَيْهِ )22277 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : قِيلَ : قَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة ; قَالَ ذَاكَ حِين رَأَى الثَّوَاب )* حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : وَجَبَتْ لَك الْجَنَّة )* حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد ( { قِيلَ اُدْخُلْ الْجَنَّة } قَالَ : وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة )22278 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي قَوْله : ( { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } قَالَ : إِيمَانِي بِرَبِّي , وَتَصْدِيقِي رُسُله , وَاَللَّه أَعْلَم)


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس