islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
14917

43-الزخرف

حم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد مَيِّت عَنْ قَلِيل , وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِيكَ مِنْ قَوْمك وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مَيِّتُونَ { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَيَأْخُذ لِلْمَظْلُومِ مِنْكُمْ مِنْ الظَّالِم , وَيَفْصِل بَيْن جَمِيعكُمْ بِالْحَقِّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ اِخْتِصَام الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ , وَاخْتِصَام الْمَظْلُوم وَالظَّالِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23206 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : يُخَاصِم الصَّادِق الْكَاذِب , وَالْمَظْلُوم الظَّالِم , وَالْمُهْتَدِي الضَّالّ , وَالضَّعِيف الْمُسْتَكْبِر . )23207 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : أَهْل الْإِسْلَام وَأَهْل الْكُفْر . )23208 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا اِبْن الدَّرَاوَرْدِيّ , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ الزُّبَيْر : يَا رَسُول اللَّه , أَيُكَرَّر عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصّ الذُّنُوب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ : صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | نَعَمْ حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّه. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنِّي بِذَلِكَ اِخْتِصَام أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23209 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (نَزَلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الْآيَة وَمَا نَدْرِي مَا تَفْسِيرهَا حَتَّى وَقَعَتْ الْفِتْنَة , فَقُلْنَا : هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبّنَا أَنْ نَخْتَصِم فِي { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } )23210 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ } الْآيَة , قَالُوا : مَا خُصُومَتنَا بَيْننَا وَنَحْنُ إِخْوَان , قَالَ : فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان بْن عَفَّان , قَالُوا : هَذِهِ خُصُومَتنَا بَيْننَا . )23211 -حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْقِبْلَة. )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِذَلِكَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد سَتَمُوتُ , وَإِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس سَتَمُوتُونَ , ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ أَيّهَا النَّاس تَخْتَصِمُونَ عِنْد رَبّكُمْ , مُؤْمِنكُمْ وَكَافِركُمْ , وَمُحِقُّوكُمْ وَمُبْطِلُوكُمْ , وَظَالِمُوكُمْ وَمَظْلُومُوكُمْ , حَتَّى يُؤْخَذ لِكُلِّ مِنْكُمْ مِمَّنْ لِصَاحِبِهِ قَبْله حَقّ حَقّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } خِطَاب جَمِيع عِبَاده , فَلَمْ يُخَصِّص بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّه بِهِ ; وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة فِي مَعْنَى , ثُمَّ يَكُون دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَزَلَتْ بِهِ .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَيَأْخُذ لِلْمَظْلُومِ مِنْكُمْ مِنْ الظَّالِم , وَيَفْصِل بَيْن جَمِيعكُمْ بِالْحَقِّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ اِخْتِصَام الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ , وَاخْتِصَام الْمَظْلُوم وَالظَّالِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23206 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : يُخَاصِم الصَّادِق الْكَاذِب , وَالْمَظْلُوم الظَّالِم , وَالْمُهْتَدِي الضَّالّ , وَالضَّعِيف الْمُسْتَكْبِر . )23207 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : أَهْل الْإِسْلَام وَأَهْل الْكُفْر . )23208 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا اِبْن الدَّرَاوَرْدِيّ , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ الزُّبَيْر : يَا رَسُول اللَّه , أَيُكَرَّر عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصّ الذُّنُوب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ : صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | نَعَمْ حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّه. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ اِخْتِصَام أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23209 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (نَزَلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الْآيَة وَمَا نَدْرِي مَا تَفْسِيرهَا حَتَّى وَقَعَتْ الْفِتْنَة , فَقُلْنَا : هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبّنَا أَنْ نَخْتَصِم فِي { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } )23210 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ } الْآيَة , قَالُوا : مَا خُصُومَتنَا بَيْننَا وَنَحْنُ إِخْوَان , قَالَ : فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان بْن عَفَّان , قَالُوا : هَذِهِ خُصُومَتنَا بَيْننَا. )23211 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله ( { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْقِبْلَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِذَلِكَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد سَتَمُوتُ , وَإِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس سَتَمُوتُونَ , ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ أَيّهَا النَّاس تَخْتَصِمُونَ عِنْد رَبّكُمْ , مُؤْمِنكُمْ وَكَافِركُمْ , وَمُحِقُّوكُمْ وَمُبْطِلُوكُمْ , وَظَالِمُوكُمْ وَمَظْلُومُوكُمْ , حَتَّى يُؤْخَذ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِمَّنْ لِصَاحِبِهِ قَبْله حَقّ حَقّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } خِطَاب جَمِيع عِبَاده , فَلَمْ يُخَصِّص بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّه بِهِ ; وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة فِي مَعْنَى , ثُمَّ يَكُون دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَزَلَتْ بِهِ .

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

وَقَوْله : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمِمَّنْ خَلَقَ اللَّه أَعْظَم فِرْيَة مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه , فَادَّعَى أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَصَاحِبَة , أَوْ أَنَّهُ حَرَّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ مِنْ الْمَطَاعِم { وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } يَقُول : وَكَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّه إِذْ أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد , وَابْتَعَثَهُ اللَّه بِهِ رَسُولًا , وَأَنْكَرَ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23212 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } : أَيْ بِالْقُرْآنِ وَقَوْله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَلَيْسَ فِي النَّار مَأْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَامْتَنَعَ مِنْ تَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتِّبَاعه عَلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِمَّا أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ التَّوْحِيد , وَحُكْم الْقُرْآن ؟)

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ , وَمَا ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالُوا : وَالصِّدْق الَّذِي جَاءَ بِهِ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ أَيْضًا , هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23213 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } يَقُول : مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه { وَصَدَّقَ بِهِ } يَعْنِي : رَسُوله . )وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ : أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23214 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُصَعِّد الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن خَالِد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ أَسِيد بْن صَفْوَان , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقَ بِهِ , قَالَ : أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالصِّدْق : الْقُرْآن , وَالْمُصَدِّقُونَ بِهِ : الْمُؤْمِنُونَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23215 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } قَالَ : هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالْقُرْآنِ , وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ . )23216 - يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جِبْرِيل , وَالصِّدْق : الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَصَدَّقَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23217 - مُحَمَّد , مَال : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : الْمُؤْمِنُونَ , وَالصِّدْق : الْقُرْآن , وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23218 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قَالَ : الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ . )- قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْقُرْآن يَجِيئُونَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا , فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } كُلّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَتَصْدِيق رُسُله , وَالْعَمَل بِمَا اُبْتُعِثَ بِهِ رَسُوله مِنْ بَيْن رُسُل اللَّه وَأَتْبَاعه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , وَأَنْ يُقَال : الصِّدْق هُوَ الْقُرْآن , وَشَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْمُصَدِّق بِهِ : الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ , مِنْ جَمِيع خَلْق اللَّه كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ نَبِيّ اللَّه وَأَتْبَاعه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } عَقِيب قَوْله : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَذَّبَ عَلَى اللَّه وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } وَذَلِكَ ذَمّ مِنْ اللَّه لِلْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ , الْمُكَذِّبِينَ بِتَنْزِيلِهِ وَوَحْيه , الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون عَقِيب ذَلِكَ مَدْح مَنْ كَانَ بِخِلَافِ صِفَة هَؤُلَاءِ الْمَذْمُومِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَوَصَفَهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا , وَتَصْدِيقهمْ بِتَنْزِيلِ اللَّه وَوَحْيه , وَاَلَّذِي كَانُوا يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَمَنْ بَعْدهمْ , الْقَائِمُونَ فِي كُلّ عَصْر وَزَمَان بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَحُكْم كِتَابه , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَخُصّ وَصْفه بِهَذِهِ الصِّفَة الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَشْخَاص بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَا عَلَى أَهْل زَمَان دُون غَيْرهمْ , وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِصِفَةٍ , ثُمَّ مَدَحَهُمْ بِهَا , وَهِيَ الْمَجِيء بِالصِّدْقِ وَالتَّصْدِيق بِهِ , فَكُلّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَصْفه فَهُوَ دَاخِل فِي جُمْلَة هَذِهِ الْآيَة إِذَا كَانَ مِنْ بَنِي آدَم . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود . | وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ | فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَته أَنَّ الَّذِي مِنْ قَوْله { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } لَمْ يُعْنَ بِهَا وَاحِد بِعَيْنِهِ , وَأَنَّهُ مُرَاد بِهَا جِمَاعٌ ذَلِكَ صِفَتهمْ , وَلَكِنَّهَا أُخْرِجَتْ بِلَفْظِ الْوَاحِد , إِذْ لَمْ تَكُنْ مُوَقَّتَة . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ , أَنَّ | الَّذِي | فِي هَذَا الْمَوْضِع جُعِلَ فِي مَعْنَى جَمَاعَة بِمَنْزِلَةِ | مَنْ | . وَمِمَّا يُؤَيِّد مَا قُلْنَا أَيْضًا قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } فَجُعِلَ الْخَبَر عَنْ | الَّذِي | جِمَاعًا , لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى جِمَاع . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَصَدَّقَ بِهِ } : غَيْر الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ , فَقَوْل بَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ التَّنْزِيل : وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ; فَكَانَتْ تَكُون | الَّذِي | مُكَرَّرَة مَعَ التَّصْدِيق , لِيَكُونَ الْمُصَدِّق غَيْر الْمُصَدِّق ; فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُكَرَّر , فَإِنَّ الْمَفْهُوم مِنْ الْكَلَام , أَنَّ التَّصْدِيق مِنْ صِفَة الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ; لَا وَجْه لِلْكَلَامِ غَيْر ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ | الَّذِي | فِي مَعْنَى الْجِمَاع بِمَا قَدْ بَيَّنَّا , كَانَ الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيله مَا بَيَّنَّا .|أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ|وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ . هُمْ الَّذِينَ اِتَّقُوا اللَّه بِتَوْحِيدِهِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , فَخَافُوا عِقَابه , كَمَا : 23219 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول : اِتَّقُوا الشِّرْك .)

أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ

وَقَوْله : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْد رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة , مَا تَشْتَهِيه أَنْفُسهمْ , وَتَلَذّهُ أَعْيُنهمْ { ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ , جَزَاء مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا فَأَطَاعَ اللَّه فِيهَا , وَائْتَمَرَ لِأَمْرِهِ , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ فِيهَا عَنْهُ .

وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيُكَفِّر اللَّه عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِينَ عَمِلُوا وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَزَى هَؤُلَاءِ الْمُحْسِنِينَ رَبّهمْ بِإِحْسَانِهِمْ , كَيْ يُكَفِّر عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَعْمَال , فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن رَبّهمْ , بِمَا كَانَ مِنْهُمْ فِيهَا مِنْ تَوْبَة وَإِنَابَة مِمَّا اِجْتَرَحُوا مِنْ السَّيِّئَات فِيهَا { وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ } يَقُول : وَيُثِيبهُمْ ثَوَابهمْ { بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا } فِي الدُّنْيَا { يَعْمَلُونَ } مِمَّا يَرْضَى اللَّه عَنْهُمْ دُون أَسْوَئِهَا , كَمَا : 23220 -يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } : أَيْ وَلَهُمْ ذُنُوب , أَيْ رَبّ نَعَمْ { لَهُمْ } فِيهَا { مَا يَشَاءُونَ عِنْد رَبّهمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّر اللَّه عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } , وَقَرَأَ : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } [8 2 ]... إِلَى أَنْ بَلَغَ { وَمَغْفِرَة } [8 4 ]لِئَلَّا يَيْأَس مَنْ لَهُمْ الذُّنُوب أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْهُمْ { وَرِزْق كَرِيم } [8 4 ], وَقَرَأَ : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } [33 35 ]. .. إِلَى آخِر الْآيَة .)

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَلَى عَبْده } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : | أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عِبَاده | عَلَى الْجِمَاع , بِمَعْنَى : أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ مُحَمَّدًا وَأَنْبِيَاءَهُ مِنْ قَبْله مَا خَوَّفْتهمْ أُمَمهمْ مِنْ أَنْ تَنَالهُمْ آلِهَتهمْ بِسُوءٍ ; وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء لِلْكُوفَةِ : { بِكَافٍ عَبْده } عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده مُحَمَّدًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار . فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب لِصِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَة الْقِرَاءَة بِهِمَا فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23221 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } يَقُول : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )23222 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } قَالَ : بَلَى , وَاَللَّه لَيَكْفِينَهُ اللَّه وَيُعِزّهُ وَيَنْصُرهُ كَمَا وَعَدَهُ.)|وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ|وَقَوْله : { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيُخَوِّفك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد بِاَلَّذِينَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان وَالْآلِهَة أَنْ تُصِيبك بِسُوءٍ , بِبَرَاءَتِك مِنْهَا , وَعَيْبك لَهَا , وَاَللَّه كَافِيك ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23223 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } الْآلِهَة , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى شِعْب بِسُقَام لِيَكْسِر الْعُزَّى , فَقَالَ سَادِنهَا , وَهُوَ قَيِّمهَا : يَا خَالِد أَنَا أُحَذِّركهَا , إِنَّ لَهَا شِدَّة لَا يَقُوم إِلَيْهَا شَيْء , فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِد بِالْفَأْسِ فَهَشَّمَ أَنْفهَا . )23224 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول : بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ . )23225 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } قَالَ : يُخَوِّفُونَك بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي مِنْ دُونه .)|وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ|وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَيُضِلّهُ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَسَبِيل الرُّشْد , فَمَا لَهُ سِوَاهُ مِنْ مُرْشِد وَمُسَدِّد إِلَى طَرِيق الْحَقّ , وَمُوَفِّق لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ , وَتَصْدِيق رَسُوله , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ { وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يَقُول : وَمَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَالْعَمَل بِكِتَابِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ , يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مَزِيغ يُزِيغهُ عَنْ الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى الِارْتِدَاد إِلَى الْكُفْر { أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِعَزِيزٍ فِي اِنْتِقَامه مِنْ كَفَرَة خَلْقه , ذِي اِنْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .

فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ

{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يَقُول : وَمَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَالْعَمَل بِكِتَابِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ , يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مَزِيغ يُزِيغهُ عَنْ الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى الِارْتِدَاد إِلَى الْكُفْر { أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِعَزِيزٍ فِي اِنْتِقَامه مِنْ كَفَرَة خَلْقه , ذِي اِنْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّه بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَات ضُرّه أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته قُلْ حَسْبِيَ اللَّه عَلَيْهِ يَتَوَكَّل الْمُتَوَكِّلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام : مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ لَيَقُولُنَّ : الَّذِي خَلَقَهُ اللَّه ; فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , فَقُلْ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم هَذَا الَّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَصْنَام وَالْآلِهَة { إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّه بِضُرٍّ } يَقُول : بِشِدَّة فِي مَعِيشَتِي , هَلْ هُنَّ كَاشِفَات عَنِّي مَا يُصِيبنِي بِهِ رَبِّي مِنْ الضُّرّ ؟ { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } يَقُول : إِنْ أَرَادَنِيَ بِرَحْمَةٍ أَنْ يُصِيبنِي سَعَة فِي مَعِيشَتِي , وَكَثْرَة مَالِي , وَرَخَاء وَعَافِيَة فِي بَدَنِي , هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات عَنِّي مَا أَرَادَ أَنْ يُصِيبنِي بِهِ مِنْ تِلْكَ الرَّحْمَة ؟ وَتَرَك الْجَوَاب لِاسْتِغْنَاءِ السَّامِع بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ , وَدَلَالَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى : فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَا , فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّه مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , إِيَّاهُ أَعْبُد , وَإِلَيْهِ أَفْزَع فِي أُمُورِي دُون كُلّ شَيْء سِوَاهُ , فَإِنَّهُ الْكَافِي , وَبِيَدِهِ الضُّرّ وَالنَّفْع , لَا إِلَى الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , { عَلَيْهِ يَتَوَكَّل الْمُتَوَكِّلُونَ } يَقُول : عَلَى اللَّه يَتَوَكَّل مَنْ هُوَ مُتَوَكِّل , وَبِهِ فَلْيَثِقْ لَا بِغَيْرِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23226- بِشْر , قَالَ : ثنا . يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه } حَتَّى بَلَغَ { كَاشِفَات ضُرّه } يَعْنِي : الْأَصْنَام { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته } )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة { كَاشِفَات ضُرّه } و { مُمْسِكَات رَحْمَته } , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ بِالْإِضَافَةِ وَخَفْض الضُّرّ وَالرَّحْمَة , وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة بِالتَّنْوِينِ , وَنَصْب الضُّرّ وَالرَّحْمَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { كَيْد الْكَافِرِينَ } [8 18 ]فِي حَال الْإِضَافَة وَالتَّنْوِين .

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { قُلْ يَا قَوْم اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ إِنِّي عَامِل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك , الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام آلِهَة يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه اِعْمَلُوا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى تَمَكُّنكُمْ مِنْ الْعَمَل الَّذِي تَعْمَلُونَ وَمَنَازِلكُمْ , كَمَا : 23227 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { عَلَى مَكَانَتكُمْ } قَالَ : عَلَى نَاحِيَتكُمْ { إِنِّي عَامِل } كَذَلِكَ عَلَى تُؤَدَة عَلَى عَمَل مَنْ سَلَفَ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه قَبْلِي { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } إِذَا جَاءَكُمْ بَأْس اللَّه , مَنْ الْمُحِقّ مِنَّا مِنْ الْمُبْطِل , وَالرَّشِيد مِنْ الْغَوِيّ .)

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ

وَقَوْله : { مَنْ يَأْتِيه عَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه , مَا أَتَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَاب , يَعْنِي : يُذِلّهُ وَيُهِينهُ { وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم } يَقُول : وَيَنْزِل عَلَيْهِ عَذَاب دَائِم لَا يُفَارِقهُ .

وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب تِبْيَانًا لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ { فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ } يَقُول : فَمَنْ عَمِلَ بِمَا فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ وَاتَّبَعَهُ فَلِنَفْسِهِ , يَقُول : فَإِنَّمَا عَمِلَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ , وَإِيَّاهَا بَغَى الْخَيْر لَا غَيْرهَا , لِأَنَّهُ أَكْسَبَهَا رِضَا اللَّه وَالْفَوْز بِالْجَنَّةِ , وَالنَّجَاة مِنْ النَّار . { وَمَنْ ضَلَّ } يَقُول : وَمَنْ جَارَ عَنْ الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك , وَالْبَيَان الَّذِي بَدَّدْنَاهُ لَك , فَضَلَّ عَنْ قَصْد الْمَحَجَّة , وَزَالَ عَنْ سَوَاء السَّبِيل , فَإِنَّمَا يَجُور عَلَى نَفْسه , وَإِلَيْهَا يَسُوق الْعَطَب وَالْهَلَاك , لِأَنَّهُ يُكْسِبهَا سَخَط اللَّه , وَأَلِيم عِقَابه , وَالْخِزْي الدَّائِم . { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد عَلَى مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِ مِنْ النَّاس بِرَقِيبٍ تَرْقُب أَعْمَالهمْ , وَتَحْفَظ عَلَيْهِمْ أَفْعَالهمْ , إِنَّمَا أَنْتَ رَسُول , وَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ , وَعَلَيْنَا الْحِسَاب , كَمَا : 23228 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } أَيْ بِحَفِيظٍ . )23229 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } قَالَ : بِحَفِيظٍ .)

لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْأُلُوهَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , أَنَّهُ يُمِيت وَيُحْيِي , وَيَفْعَل مَا يَشَاء , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ شَيْء سِوَاهُ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيم قُدْرَته , فَقَالَ : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } فَيَقْبِضهَا عِنْد فَنَاء أَجَلهَا , وَانْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا , وَيُتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا , كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْد مَمَاتهَا { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت } ذُكِرَ أَنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام , فَيَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أَجْسَادهَا أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وَحَبَسَهَا , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا إِلَى أَجَل مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى اِنْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23230- اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } الْآيَة . قَالَ : يَجْمَع بَيْن أَرْوَاح الْأَحْيَاء , وَأَرْوَاح الْأَمْوَات , فَيَتَعَارَف مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتَعَارَف , فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادهَا. )23231 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } قَالَ : تَقْبِض الْأَرْوَاح عِنْد نِيَام النَّائِم , فَتَقْبِض رُوحه فِي مَنَامه , فَتَلْقَى الْأَرْوَاح بَعْضهَا بَعْضًا : أَرْوَاح الْمَوْتَى وَأَرْوَاح النِّيَام , فَتَلْتَقِي فَتُسَاءَل , قَالَ : فَيُخَلِّي عَنْ أَرْوَاح الْأَحْيَاء , فَتَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا , وَتُرِيد الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِع , فَيَحْبِس الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى , قَالَ : إِلَى بَقِيَّة آجَالهَا . )23232 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } قَالَ : فَالنَّوْم وَفَاة { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى } الَّتِي لَمْ يَقْبِضهَا { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } )|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ|وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي قَبْض اللَّه نَفْس النَّائِم وَالْمَيِّت وَإِرْسَاله بَعْد نَفْس هَذَا تَرْجِع إِلَى جِسْمهَا , وَحَبْسه لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمهَا لَعِبْرَة وَعِظَة لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ , وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّه يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِذَا شَاءَ , وَيُمِيت مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ .

وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ دُونه آلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا شُفَعَاء تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي حَاجَاتهمْ . وَقَوْله : { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : أَتَتَّخِذُونَ هَذِهِ الْآلِهَة شُفَعَاء كَمَا تَزْعُمُونَ وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا , وَلَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا , قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَكُونُوا تَعْبُدُونَهَا لِذَلِكَ , وَتَشْفَع لَكُمْ عِنْد اللَّه , فَأَخْلِصُوا عِبَادَتكُمْ لِلَّهِ , وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ , فَإِنَّ الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ , لَا يَشْفَع عِنْده إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ , وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا , وَأَنْتُمْ مَتَى أَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَة , فَدَعَوْتُمُوهُ , وَشَفَعَكُمْ { لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } , يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , وَمَا تَعْبُدُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونه لَهُ ; يَقُول : فَاعْبُدُوا الْمَلِك لَا الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِلَى اللَّه مَصِيركُمْ , وَهُوَ مُعَاقِبكُمْ عَلَى إِشْرَاككُمْ بِهِ , إِنْ مِتُّمْ عَلَى شِرْككُمْ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا , لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاعْبُدُوا الْمَالِك الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي يَقْدِر عَلَى نَفْعكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى ضُرّكُمْ فِيهَا , وَعِنْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23233- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء } الْآلِهَة { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } الشَّفَاعَة . )23234 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَثَّنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا } قَالَ : لَا يَشْفَع عِنْده أَحَد إِلَّا بِإِذْنِهِ .)

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ دُونه آلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا شُفَعَاء تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي حَاجَاتهمْ . وَقَوْله : { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : أَتَتَّخِذُونَ هَذِهِ الْآلِهَة شُفَعَاء كَمَا تَزْعُمُونَ وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعًا وَلَا ضُرًّا , وَلَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا , قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَكُونُوا تَعْبُدُونَهَا لِذَلِكَ , وَتَشْفَع لَكُمْ عِنْد اللَّه , فَأَخْلِصُوا عِبَادَتكُمْ لِلَّهِ , وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ , فَإِنَّ الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ , لَا يَشْفَع عِنْده إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ , وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا , وَأَنْتُمْ مَتَى أَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَة , فَدَعَوْتُمُوهُ , وَشَفَعَكُمْ { لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } , يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , وَمَا تَعْبُدُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونه لَهُ ; يَقُول : فَاعْبُدُوا الْمَلِك لَا الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِلَى اللَّه مَصِيركُمْ , وَهُوَ مُعَاقِبكُمْ عَلَى إِشْرَاككُمْ بِهِ , إِنْ مِتُّمْ عَلَى شِرْككُمْ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا , لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاعْبُدُوا الْمَالِك الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي يَقْدِر عَلَى نَفْعكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى ضُرّكُمْ فِيهَا , وَعِنْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23233- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء } الْآلِهَة { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } الشَّفَاعَة. )23234 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا } قَالَ : لَا يَشْفَع عِنْده أَحَد إِلَّا بِإِذْنِهِ .)

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أُفْرِدَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالذِّكْرِ , فَدُعِيَ وَحْده , وَقِيلَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْمَعَادِ وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { اِشْمَأَزَّتْ } : نَفَرَتْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه . { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول : وَإِذَا ذُكِرَ الْآلِهَة الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُون اللَّه مَعَ اللَّه , فَقِيلَ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَى , وَإِنَّ شَفَاعَتهَا لَتُرْتَجَى , إِذْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يَسْتَبْشِرُونَ بِذَلِكَ وَيَفْرَحُونَ , كَمَا : 23235 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } : أَيْ نَفَرَتْ قُلُوبهمْ وَاسْتَكْبَرَتْ { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } الْآلِهَة { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } )23236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { اِشْمَأَزَّتْ } قَالَ : اِنْقَبَضَتْ , قَالَ : وَذَلِكَ يَوْم قَرَأَ عَلَيْهِمْ | النَّجْم | عِنْد بَاب الْكَعْبَة . )23237 - مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { اِشْمَأَزَّتْ } قَالَ : نَفَرَتْ { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } أَوْثَانهمْ .)

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , اللَّه خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } الَّذِي لَا تَرَاهُ الْأَبْصَار , وَلَا تَحُسّهُ الْعُيُون وَالشَّهَادَة الَّذِي تَشْهَدهُ أَبْصَار خَلْقه , وَتَرَاهُ أَعْيُنهمْ { أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك } فَتَفْصِل بَيْنهمْ بِالْحَقِّ يَوْم تَجْمَعهُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْنهمْ { فِيمَا كَانُوا فِيهِ } فِي الدُّنْيَا { يَخْتَلِفُونَ } مِنْ الْقَوْل فِيك , وَفِي عَظَمَتك وَسُلْطَانك , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ اِخْتِلَافهمْ بَيْنهمْ , فَتَقْضِي يَوْمئِذٍ بَيْننَا وَبَيْن هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا ذَكَرْت وَحْدك اِشْمَأَزَّتْ قُلُوبهمْ , إِذَا ذُكِرَ مَنْ دُونك اِسْتَبْشَرُوا بِالْحَقِّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23238- حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَاطِر : قَالَ خَالِق . وَفِي قَوْله { عَالِم الْغَيْب } قَالَ : مَا غَابَ عَنْ الْعِبَاد فَهُوَ يَعْلَمهُ , { وَالشَّهَادَة } : مَا عَرَفَ الْعِبَاد وَشَهِدُوا , فَهُوَ يَعْلَمهُ.)

أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ يَوْم الْقِيَامَة , وَهُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ { مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالهَا وَزِينَتهَا { وَمِثْله مَعَهُ } مُضَاعَفًا , فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِوَضًا مِنْ أَنْفُسهمْ , لَفَدَوْا بِذَلِكَ كُلّه أَنْفُسهمْ عِوَضًا مِنْهَا , لِيَنْجُوَ مِنْ سُوء عَذَاب اللَّه , الَّذِي هُوَ مُعَذِّبهمْ بِهِ يَوْمئِذٍ { وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه } يَقُول : وَظَهَرَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ مِنْ أَمْر اللَّه وَعَذَابه , الَّذِي كَانَ أَعَدَّهُ لَهُمْ , مَا لَمْ يَكُونُوا قَبْل ذَلِكَ يَحْتَسِبُونَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ .

وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَحَاقَ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْم الْقِيَامَة { سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } مِنْ الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا , إِذْ أُعْطُوا كُتُبهمْ بِشَمَائِلِهِمْ { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ , فَلَزِمَهُمْ عَذَاب اللَّه الَّذِي كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا يَعِدهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , فَكَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ , إِنْكَارًا أَنْ يُصِيبهُمْ ذَلِكَ , أَوْ يَنَالهُمْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ , وَأَحَاطَ ذَلِكَ بِهِمْ .

وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا أَصَابَ الْإِنْسَان بُؤْس وَشِدَّة دَعَانَا مُسْتَغِيثًا بِنَا مِنْ جِهَة مَا أَصَابَهُ مِنْ الضُّرّ , { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } يَقُول : ثُمَّ إِذَا أَعْطَيْنَاهُ فَرَجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الضُّرّ , بِأَنْ أَبْدَلْنَاهُ بِالضُّرِّ رَخَاء وَسَعَة , وَبِالسَّقَمِ صِحَّة وَعَافِيَة , فَقَالَ : إِنَّمَا أُعْطِيت الَّذِي أُعْطِيت مِنْ الرَّخَاء وَالسَّعَة فِي الْمَعِيشَة , وَالصِّحَّة فِي الْبَدَن وَالْعَافِيَة , عَلَى عِلْم عِنْدِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِأَنِّي لَهُ أَهْل لِشَرَفِي وَرِضَاهُ بِعَمَلِي ( عِنْدِي ) يَعْنِي : فِيمَا عِنْدِي , كَمَا يُقَال : أَنْتَ مُحْسِن فِي هَذَا الْأَمْر عِنْدِي : أَيْ فِيمَا أَظُنّ وَأَحْسِب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23239- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } حَتَّى بَلَغَ { عَلَى عِلْم } عِنْدِي : أَيْ عَلَى خَيْر عِنْدِي . )23240 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } قَالَ : أَعْطَيْنَاهُ.)|قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ|وَقَوْله : { أُوتِيتهُ عَلَى عِلْم } : أَيْ عَلَى شَرَف أَعْطَانِيهِ .|بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ|وَقَوْله : { بَلْ هِيَ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلْ عَطِيَّتنَا إِيَّاهُمْ تِلْكَ النِّعْمَة مِنْ بَعْد الضُّرّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِتْنَة لَهُمْ ; يَعْنِي بَلَاء اِبْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ , وَاخْتِبَارًا اِخْتَبَرْنَاهُمْ بِهِ { وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ } لِجَهْلِهِمْ , وَسُوء رَأْيهمْ { لَا يَعْلَمُونَ } لِأَيِّ سَبَب أُعْطُوا ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23241- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يُرِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { بَلْ هِيَ فِتْنَة } : أَيْ بَلَاء .)

أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة - يَعْنِي قَوْلهمْ : لِنِعْمَةِ اللَّه الَّتِي خَوَّلَهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ : أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْم عِنْدنَا - { الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَعْنِي : الَّذِي مِنْ قَبْل مُشْرِكِي قُرَيْش مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة لِرُسُلِهَا , تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لَهُمْ , وَاسْتِهْزَاء بِهِمْ . وَقَوْله. { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يَقُول : فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حِين أَتَاهُمْ بَأْس اللَّه عَلَى تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنْ الْأَعْمَال , وَذَلِكَ عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان . يَقُول : لَمْ تَنْفَعهُمْ خِدْمَتهمْ إِيَّاهَا , وَلَمْ تَشْفَع آلِهَتهمْ لَهُمْ عِنْد اللَّه حِينَئِذٍ , وَلَكِنَّهَا أَسْلَمَتْهُمْ وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ .

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ

وَقَوْله : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } يَقُول : فَأَصَابَ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة , وَبَال سَيِّئَات مَا كَسَبُوا مِنْ الْأَعْمَال , فَعُوجِلُوا بِالْخِزْيِ فِي دَار الدُّنْيَا , وَذَلِكَ كَقَارُون الَّذِي قَالَ حِين وَعَظَ { إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي } [28 78 ]فَخَسَفَ اللَّه بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض { فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللَّه وَمَا كَانَ مِنْ الْمُنْتَصِرِينَ } [28 78 ]يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك , وَظَلَمُوا أَنْفُسهمْ وَقَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة سَيُصِيبُهُمْ أَيْضًا وَبَال { سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } كَمَا أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ بِقَوْلِهِمْ إِيَّاهَا { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } يَقُول : وَمَا يَفُوقُونَ رَبّهمْ وَلَا يَسْبِقُونَهُ هَرَبًا فِي الْأَرْض مِنْ عَذَابه إِذَا نَزَلَ بِهِمْ , وَلَكِنَّهُ يُصِيبهُمْ { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا } فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ , فَأَحَلَّ بِهِمْ خِزْيه فِي عَاجِل الدُّنْيَا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَا ذَلِكَ : 23242 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } الْأُمَم الْمَاضِيَة { وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا } مِنْ هَؤُلَاءِ , قَالَ : مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)

وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَعْلَم يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَشَفْنَا عَنْهُمْ ضُرّهمْ , فَقَالُوا : إِنَّمَا أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْم مِنَّا , أَنَّ الشِّدَّة وَالرَّخَاء وَالسَّعَة وَالضِّيق وَالْبَلَاء بِيَدِ اللَّه , دُون كُلّ مَنْ سِوَاهُ , يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء , فَيُوَسِّعهُ عَلَيْهِ , وَيَقْدِر ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , فَيُضَيِّقهُ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُجَج اللَّه عَلَى عِبَاده , لِيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَذَكَّرُوا , وَيَعْلَمُوا أَنَّ الرَّغْبَة إِلَيْهِ وَالرَّهْبَة دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات } يَقُول : إِنَّ فِي بَسْط اللَّه الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء , وَتَقْتِيره عَلَى مَنْ أَرَادَ لَآيَات , يَعْنِي : دَلَالَات وَعَلَامَات { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ , فَيُقِرُّونَ بِهِ إِذَا تَبَيَّنُوهُ وَعَلِمُوا حَقِيقَته أَنَّ الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ هُوَ اللَّه دُون كُلّ مَا سِوَاهُ.

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا قَوْم مِنْ أَهْل الشِّرْك , قَالُوا لَمَّا دُعُوا إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ : كَيْفَ نُؤْمِن وَقَدْ أَشْرَكْنَا وَزَنَيْنَا , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه , وَاَللَّه يَعِد فَاعِل ذَلِكَ النَّار , فَمَا يَنْفَعنَا مَعَ مَا قَدْ سَلَفَ مِنَّا الْإِيمَان , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23243 - مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل مَكَّة قَالُوا : يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَان , وَدَعَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , وَقَتَلَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه لَمْ يُغْفَر لَهُ , فَكَيْفَ نُهَاجِر وَنُسْلِم , وَقَدْ عَبَدْنَا الْآلِهَة , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه وَنَحْنُ أَهْل الشِّرْك ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } يَقُول : لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَتِي , إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا وَقَالَ : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } وَإِنَّمَا يُعَاتِب اللَّه أُولِي الْأَلْبَاب وَإِنَّمَا الْحَلَال وَالْحَرَام لِأَهْلِ الْإِيمَان , فَإِيَّاهُمْ عَاتَبَ , وَإِيَّاهُمْ أَمَرَ إِنْ أَسْرَفَ أَحَدهمْ عَلَى نَفْسه , أَنْ لَا يَقْنُط مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَأَنْ يُنِيب وَلَا يُبْطِئ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْرَاف , وَالذَّنْب الَّذِي عَمِلَ ; وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه فِي سُورَة آل عِمْرَان الْمُؤْمِنِينَ حِين سَأَلُوا اللَّه الْمَغْفِرَة , فَقَالُوا : { رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا } [3 147 ]. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَم أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُصِيبُونَ الْإِسْرَاف , فَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ إِسْرَافهمْ . )23244 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : قَتْل النَّفْس فِي الْجَاهِلِيَّة . )23245- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات الثَّلَاث بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيّ وَأَصْحَابه ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } إِلَى قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب بَغْتَة وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } )23246 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَم , فِي قَوْله : ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } قَالَ : إِنَّمَا هِيَ لِلْمُشْرِكِينَ . )23247 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } حَتَّى بَلَغَ { الذُّنُوب جَمِيعًا } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُنَاسًا أَصَابُوا ذُنُوبًا عِظَامًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أَشْفَقُوا أَنْ لَا يُتَاب عَلَيْهِمْ , فَدَعَاهُمْ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } )23248 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة , قَالُوا : كَيْفَ نُجِيبك وَأَنْتَ تَزْعُم أَنَّهُ مَنْ زَنَى , أَوْ قَتَلَ , أَوْ أَشْرَكَ بِالرَّحْمَنِ كَانَ هَالِكًا مِنْ أَهْل النَّار ؟ فَكُلّ هَذِهِ الْأَعْمَال قَدْ عَمِلْنَاهَا ; فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } )23249 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } الْآيَة قَالَ : كَانَ قَوْم مَسْخُوطِينَ فِي أَهْل الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه قَالُوا : لَوْ أَتَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ ; فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : كَيْفَ يَقْبَلكُمْ اللَّه وَرَسُوله فِي دِينه ؟ فَقَالُوا : أَلَا نَبْعَث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا ؟ فَلَمَّا بَعَثُوا , نَزَلَ الْقُرْآن : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } )23250 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : تَجَالَسَ شُتَيْر بْن شُكْل وَمَسْرُوق فَقَالَ شُتَيْر : إِمَّا أَنْ تُحَدِّث مَا سَمِعْت مِنْ اِبْن مَسْعُود فَأُصَدِّقك , وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّث فَتُصَدِّقنِي فَقَالَ مَسْرُوق : لَا بَلْ حَدِّثْ فَأُصَدِّقك , فَقَالَ : سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول : (إِنَّ أَكْبَر آيَة فَرَجًا فِي الْقُرْآن { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَقَالَ مَسْرُوق : صَدَقْت . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْإِسْلَام , وَقَالُوا : تَأْوِيل الْكَلَام : إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء , قَالُوا : وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه , وَقَالُوا : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْهِجْرَة وَفَتَنُوهُمْ , فَأَشْفَقُوا أَنْ لَا يَكُون لَهُمْ تَوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23251 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ - يَعْنِي عُمَر : (كُنَّا نَقُول : مَا لِمَنْ اُفْتُتِنَ مِنْ تَوْبَة ; وَكَانُوا يَقُولُونَ : مَا اللَّه بِقَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا , تَرَكْنَا الْإِسْلَام بِبَلَاءٍ أَصَابَنَا بَعْد مَعْرِفَته , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحِمَهُ اللَّه } الْآيَة , قَالَ عُمَر : فَكَتَبْتهَا بِيَدِي , ثُمَّ بَعَثْت بِهَا إِلَى هِشَام بْن الْعَاصِ , قَالَ هِشَام : فَلَمَّا جَاءَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا وَلَا أَفْهَمهَا , فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِينَا لَمَّا كُنَّا نَقُول , فَجَلَسْت عَلَى بَعِيرِي , ثُمَّ لَحِقْت بِالْمَدِينَةِ . )23252 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد , وَنَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ , كَانُوا أَسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وَعُذِّبُوا , فَافْتُتِنُوا ; كُنَّا نَقُول : لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ هَؤُلَاءِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَبَدًا ; قَوْم أَسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينهمْ بِعَذَابٍ عُذِّبُوهُ , فَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات , وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَاتِبًا ; قَالَ : فَكَتَبَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد , إِلَى أُولَئِكَ النَّفَر , فَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا . )23253 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : (أَيّ آيَة فِي الْقُرْآن أَوْسَع ؟ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ آيَات مِنْ الْقُرْآن : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } [4 110 ]. وَنَحْوهَا , فَقَالَ عَلِيّ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَوْسَع مِنْ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } إِلَى آخِر الْآيَة . )23254 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سَعِيد الْأَزْدِيّ , عَنْ أَبِي الْكَنُود , (قَالَ : دَخَلَ عَبْد اللَّه الْمَسْجِد , فَإِذَا قَاصّ يَذْكُر النَّار وَالْأَغْلَال , قَالَ : فَجَاءَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسه , فَقَالَ مَا يُذَكِّر أَتُقْنِطُ النَّاس { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } الْآيَة . )23255 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ الْقُرَظِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } قَالَ : هِيَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. )23256 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي قُنْبُل , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْمُزَنِيّ يَقُول : ثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الجلائي , أَنَّهُ سَمِعَ ثَوْبَان مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا أُحِبّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } | . .. الْآيَة , فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , وَمَنْ أَشْرَكَ ؟ فَسَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : | أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ , أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ | ثَلَاث مَرَّات . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْم كَانُوا يَرَوْنَ أَهْل الْكَبَائِر مِنْ أَهْل النَّار , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ أَنَّهُ يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23257 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاذ الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : كُنَّا مَعْشَر أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرَى أَوْ نَقُول : (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْ حَسَنَاتنَا إِلَّا وَهِيَ مَقْبُولَة , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ } [47 32 ]فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قُلْنَا : مَا هَذَا الَّذِي يُبْطِل أَعْمَالنَا ؟ فَقُلْنَا : الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش , قَالَ : فَكُنَّا إِذَا رَأَيْنَا مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْهَا قُلْنَا : قَدْ هَلَكَ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } [4 48 ]فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة كَفَفْنَا عَنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , فَكُنَّا إِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا خِفْنَا عَلَيْهِ , إِنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا رَجَوْنَا لَهُ . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ جَمِيع مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه مِنْ أَهْل الْإِيمَان وَالشِّرْك , لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } جَمِيع الْمُسْرِفِينَ , فَلَمْ يُخَصِّص بِهِ مُسْرِفًا دُون مُسْرِف . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَيَغْفِر اللَّه الشِّرْك ؟ قِيلَ : نَعَمْ إِذَا تَابَ مِنْهُ الْمُشْرِك. وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ { إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } لِمَنْ يَشَاء , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل , أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ يَقْرَؤُهُ : وَأَنَّ اللَّه قَدْ اِسْتَثْنَى مِنْهُ الشِّرْك إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبه , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ , وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِر الشِّرْك إِلَّا بَعْد تَوْبَة بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } [19 46 ]. فَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَإِنَّ صَاحِبه فِي مَشِيئَة رَبّه , إِنْ شَاءَ تَفَضَّلَ عِلِّيّه , فَعَفَا لَهُ عَنْهُ , وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ عَلَيْهِ فَجَازَاهُ بِهِ .|أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ|وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه . كَذَلِكَ : 23258 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَات قَبْل فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ.|اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه يَسْتُر عَلَى الذُّنُوب كُلّهَا بِعَفْوِهِ عَنْ أَهْلهَا وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا إِذَا تَابُوا مِنْهَا { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم } بِهِمْ , أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَقْبِلُوا أَيّهَا النَّاس إِلَى رَبّكُمْ بِالتَّوْبَةِ , وَارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ , وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيده , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لَهُ , وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ , كَمَا : 23259 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } : أَيْ أَقْبِلُوا إِلَى رَبّكُمْ . )23260 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأَنِيبُوا } قَالَ : أَجِيبُوا. )23261 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } قَالَ : الْإِنَابَة : الرُّجُوع إِلَى الطَّاعَة , وَالنُّزُوع عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ } [30 31])|وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ|وَقَوْله : { وَأَسْلِمُوا لَهُ } يَقُول : وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار بِالدِّينِ الْحَنِيفِيّ { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب } مِنْ عِنْده عَلَى كُفْركُمْ بِهِ.|ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ| { ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } يَقُول : ثُمَّ لَا يَنْصُركُمْ نَاصِر , فَيُنْقِذكُمْ مِنْ عَذَابه النَّازِل بِكُمْ .

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ

وَقَوْله : { وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّبِعُوا أَيّهَا النَّاس مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبّكُمْ فِي تَنْزِيله , وَاجْتَنِبُوا مَا نَهَاكُمْ فِيهِ عَنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمِنْ الْقُرْآن شَيْء وَهُوَ أَحْسَن مِنْ شَيْء ؟ قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن كُلّه حَسَن , وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا تَوَهَّمْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَاتَّبِعُوا مِمَّا أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ رَبّكُمْ مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْخَبَر , وَالْمَثَل , وَالْقَصَص , وَالْجَدَل , وَالْوَعْد , وَالْوَعِيد أَحْسَنه أَنْ تَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ , وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَى عَنْهُ , لِأَنَّ النَّهْي مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْكِتَاب , فَلَوْ عَمِلُوا بِمَا نُهُوا عَنْهُ كَانُوا عَامِلِينَ بِأَقْبَحِهِ , فَذَلِكَ وَجْهه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23262 - مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي الْكِتَاب { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب } )قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب بَغْتَة } يَقُول : مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ عَذَاب اللَّه فَجْأَة { وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِهِ حَتَّى يَغْشَاكُمْ فَجْأَة .

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ , وَأَسْلِمُوا لَهُ { أَنْ تَقُول نَفْس } بِمَعْنَى لِئَلَّا تَقُول نَفْس { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِي أَنْ تَمِيد بِكُمْ } [16 15 ]بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَمِيد بِكُمْ , فَأَنْ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فِي مَوْضِع نَصْب . وَقَوْله { يَا حَسْرَتَا } يَعْنِي أَنْ تَقُول : يَا نَدَمًا , كَمَا : 23263 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { يَا حَسْرَتَا } قَالَ : النَّدَامَة . )وَالْأَلِف فِي قَوْله { يَا حَسْرَتَا } هِيَ كِنَايَة الْمُتَكَلِّم , وَإِنَّمَا أُرِيدَ : يَا حَسْرَتِي ; وَلَكِنَّ الْعَرَب تُحَوِّل الْيَاء فِي كِنَايَة اِسْم الْمُتَكَلِّم فِي الِاسْتِغَاثَة أَلِفًا , فَتَقُول : يَا وَيْلَتَا , وَيَا نَدَمًا , فَيُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى لَفْظ الدُّعَاء , وَرُبَّمَا قِيلَ : يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد , كَمَا قِيلَ : يَا لَهْف , وَيَا لَهْفًا عَلَيْهِ , وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَبَا ثَرْوَان أَنْشَدَهُ : <br>تَزُورُونَهَا وَلَا أَزُور نِسَاءَكُمْ .......... أَلَهْف لِأَوْلَادِ الْإِمَاء الْحَوَاطِب <br>خَفْضًا كَمَا يُخْفَض فِي النِّدَاء إِذَا أَضَافَهُ الْمُتَكَلِّم إِلَى نَفْسه , وَرُبَّمَا أَدْخَلُوا الْهَاء بَعْد هَذِهِ الْأَلِف , فَيَخْفِضُونَهَا أَحْيَانًا , وَيَرْفَعُونَهَا أَحْيَانًا ; وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض بَنِي أَسَد أَنْشَدَ : <br>يَا رَبّ يَا رَبَّاهِ إِيَّاكَ أَسَلْ .......... عَفَرَاء يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْل الْأَجَل <br>خَفْضًا , قَالَ : وَالْخَفْض أَكْثَر فِي كَلَامهمْ , إِلَّا فِي قَوْلهمْ : يَا هَنَاه , وَيَا هَنْتَاه , فَإِنَّ الرَّفْع فِيهَا أَكْثَر مِنْ الْخَفْض , لِأَنَّهُ كَثِير فِي الْكَلَام , حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ حَرْف وَاحِد .|حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ|وَقَوْله : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول عَلَى مَا ضَيَّعْت مِنْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , وَقَصَّرْت فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَة اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23264 - اِبْن حُمَيْد , قَالَ . ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله ( { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول : فِي أَمْر اللَّه . )- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ . ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : فِي أَمْر اللَّه . )23265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : تَرَكْت مِنْ أَمْر اللَّه .)|اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ|وَقَوْله : { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : وَإِنْ كُنْت لَمِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَمْرِ اللَّه وَكِتَابه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23266 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده فِي قَوْله : ( { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } قَالَ : فَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَة اللَّه حَتَّى جَعَلَ يَسْخَر بِأَهْلِ طَاعَة اللَّه , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ. )23267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْكِتَابِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ .)

وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَسْلِمُوا لَهُ , أَنْ لَا تَقُول نَفْس يَوْم الْقِيَامَة : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , فِي أَمْر اللَّه , وَأَنْ لَا تَقُول نَفْس أُخْرَى : لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لِلْحَقِّ , فَوَفَّقَنِي لِلرَّشَادِ لَكُنْت مِمَّنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاع رِضَاهُ , أَوْ أَنْ لَا تَقُول أُخْرَى حِين تَرَى عَذَاب اللَّه فَتُعَايِنهُ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } تَقُول لَوْ أَنَّ لِي رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي طَاعَة رَبّهمْ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23268 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } الْآيَة , قَالَ . هَذَا قَوْل صِنْف آخَر : { أَوْ تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب } الْآيَة , يَعْنِي بِقَوْلِهِ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا , قَالَ : هَذَا صِنْف آخَر . )23269 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه مَا الْعِبَاد قَائِلُوهُ قَبْل أَنْ يَقُولُوهُ , وَعَمَلهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهُ , قَالَ : { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } [6 110 ] { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } إِلَى قَوْله : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُهْتَدِينَ , فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى , وَقَالَ { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [35 14 ]وَقَالَ : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ } [6 38 ]كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة , قَالَ : وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْهُدَى , كَمَا حُلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنه أَوَّل مَرَّة وَهُمْ فِي الدُّنْيَا . )وَفِي نَصْب قَوْله { فَأَكُون } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى أَنَّهُ جَوَاب لَوْ وَالثَّانِي : عَلَى الرَّدّ عَلَى مَوْضِع الْكَرَّة , وَتَوْجِيه الْكَرَّة فِي الْمَعْنَى إِلَى : لَوْ أَنَّ لِي أَنْ أَكُرّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَمَا لَك مِنْهَا غَيْر ذِكْرَى وَحَسْرَة .......... وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانهَا أَيْنَ يَمَّمُوا ؟ <br>فَنَصَبَ تَسْأَل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَا لَك بِيُرْسِلَ عَلَى مَوْضِع الْوَحْي فِي قَوْله : { إِلَّا وَحْيًا } [42 51]

بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَسْلِمُوا لَهُ , أَنْ لَا تَقُول نَفْس يَوْم الْقِيَامَة : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , فِي أَمْر اللَّه , وَأَنْ لَا تَقُول نَفْس أُخْرَى : لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لِلْحَقِّ , فَوَفَّقَنِي لِلرَّشَادِ لَكُنْت مِمَّنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاع رِضَاهُ , أَوْ أَنْ لَا تَقُول أُخْرَى حِين تَرَى عَذَاب اللَّه فَتُعَايِنهُ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } تَقُول لَوْ أَنَّ لِي رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي طَاعَة رَبّهمْ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23268 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } الْآيَة , قَالَ . هَذَا قَوْل صِنْف آخَر : { أَوْ تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب } الْآيَة , يَعْنِي بِقَوْلِهِ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا , قَالَ : هَذَا صِنْف آخَر . )23269 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه مَا الْعِبَاد قَائِلُوهُ قَبْل أَنْ يَقُولُوهُ , وَعَمَلهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهُ , قَالَ : { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } [6 110 ] { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } إِلَى قَوْله : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُهْتَدِينَ , فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى , وَقَالَ { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [35 14 ]وَقَالَ : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ } [6 38 ]كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة , قَالَ : وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْهُدَى , كَمَا حُلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنه أَوَّل مَرَّة وَهُمْ فِي الدُّنْيَا . )وَفِي نَصْب قَوْله { فَأَكُون } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى أَنَّهُ جَوَاب لَوْ وَالثَّانِي : عَلَى الرَّدّ عَلَى مَوْضِع الْكَرَّة , وَتَوْجِيه الْكَرَّة فِي الْمَعْنَى إِلَى : لَوْ أَنَّ لِي أَنْ أَكُرّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَمَا لَك مِنْهَا غَيْر ذِكْرَى وَحَسْرَة .......... وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانهَا أَيْنَ يَمَّمُوا ؟ <br>فَنَصَبَ تَسْأَل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَا لَك بِيُرْسِلَ عَلَى مَوْضِع الْوَحْي فِي قَوْله : { إِلَّا وَحْيًا } [42 51]

وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت بِهَا وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لِلْقَائِلِ : { لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ } , وَلِلْقَائِلِ : { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } : مَا الْقَوْل كَمَا تَقُولُونَ { بَلَى قَدْ جَاءَتْك } أَيّهَا الْمُتَمَنِّي عَلَى اللَّه الرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا لِتَكُونَ فِيهَا مِنْ الْمُحْسِنِينَ { آيَاتِي } يَقُول : قَدْ جَاءَتْك حُجَجِي مِنْ بَيْن رَسُول أَرْسَلْته إِلَيْك , وَكِتَاب أَنْزَلْته يُتْلَى عَلَيْك مَا فِيهِ مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَالتَّذْكِير { فَكَذَّبْت } بِآيَاتِي { وَاسْتَكْبَرْت } عَنْ قَبُولهَا وَاتِّبَاعهَا { وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَكُنْت مِمَّنْ يَعْمَل عَمَل الْكَافِرِينَ , وَيَسْتَنّ بِسُنَّتِهِمْ , وَيَتَّبِع مِنْهَاجهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23270- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (يَقُول اللَّه رَدًّا لِقَوْلِهِمْ , وَتَكْذِيبًا لَهُمْ , يَعْنِي لِقَوْلِ الْقَائِلِينَ : { لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } , وَالصِّنْف الْآخَر : { بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي } الْآيَة . )وَبِفَتْحِ الْكَاف وَالتَّاء مِنْ قَوْله { قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت } عَلَى وَجْه الْمُخَاطَبَة لِلذُّكُورِ , قَرَأَهُ الْقُرَّاء فِي جَمِيع أَمْصَار الْإِسْلَام . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ جَمِيعه عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلنَّفْسِ , كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْ تَقُول نَفْس : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , بَلَى قَدْ جَاءَتْك أَيَّتهَا النَّفْس آيَاتِي , فَكَذَّبْت بِهَا , أَجْرَى الْكَلَام كُلّه عَلَى النَّفْس , إِذْ كَانَ اِبْتِدَاء الْكَلَام بِهَا جَرَى , وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز خِلَافهَا , مَا جَاءَتْ بِهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مُجْمِعَة عَلَيْهِ , نَقْلًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الْفَتْح فِي جَمِيع ذَلِكَ .

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى } يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ { الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه } مِنْ قَوْمك فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَأَنَّ لَهُ شَرِيكًا , وَعَبَدُوا آلِهَة مِنْ دُونه { وُجُوههمْ مُسْوَدَّة } ; وَالْوُجُوه وَإِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَة بِمُسْوَدَّةٍ , فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى نَصْب , لِأَنَّهَا مَعَ خَبَرهَا تَمَام تَرَى , وَلَوْ تَقَدَّمَ قَوْله مُسْوَدَّة قَبْل الْوُجُوه , كَانَ نَصْبًا , وَلَوْ نَصَبَ الْوُجُوه الْمُسْوَدَّة نَاصِب فِي الْكَلَام لَا فِي الْقُرْآن , إِذَا كَانَتْ الْمُسْوَدَّة مُؤَخَّرَة كَانَ جَائِزًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَك لَنْ يُطَاعَا .......... وَمَا أَلْفَيْتنِي حِلْمِي مُضَاعًا <br>فَنَصَبَ الْحِلْم وَالْمُضَاع عَلَى تَكْرِير أَلْفَيْتنِي , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ مَا اِحْتَاجَ إِلَى اِسْم وَخَبَر , مِثْل ظَنَّ وَأَخَوَاتهَا ; وَفِي | مُسْوَدَّة | لِلْعَرَبِ لُغَتَانِ : مُسْوَدَّة , وَمُسْوَادَّة , وَهِيَ فِي أَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ : قَدْ اِسْوَادَّ وَجْهه , وَاحْمَارَّ , وَاشْهَابَّ . وَذَكَرَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَكُون اِفْعَالَّ إِلَّا فِي ذِي اللَّوْن الْوَاحِد نَحْو الْأَشْهَب , قَالَ : وَلَا يَكُون فِي نَحْو الْأَحْمَر , لِأَنَّ الْأَشْهَب لَوْن يَحْدُث , وَالْأَحْمَر لَا يَحْدُث .|أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ|وَقَوْله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } يَقُول : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَأْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّه , فَامْتَنَعَ مِنْ تَوْحِيده , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ .

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُنَجِّي اللَّه الَّذِينَ اِتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيُنَجِّي اللَّه مِنْ جَهَنَّم وَعَذَابهَا , الَّذِينَ اِتَّقَوْهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه فِي الدُّنْيَا , بِمَفَازَتِهِمْ : يَعْنِي بِفَوْزِهِمْ , وَهِيَ مَفْعَلَة مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَإِنْ خَالَفَتْ أَلْفَاظ بَعْضهمْ اللَّفْظَة الَّتِي قُلْنَاهَا فِي ذَلِكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23271 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { وَيُنَجِّي اللَّه الَّذِينَ اِتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ } قَالَ : بِفَضَائِلِهِمْ . )23272 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَيُنَجِّي اللَّه الَّذِينَ اِتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ , قَالَ : وَالْآخَرُونَ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ يَوْم الْقِيَامَة { وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [16 25 ])وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة , وَبَعْض قُرَّاء مَكَّة وَالْبَصْرَة : { بِمَفَازَتِهِمْ } عَلَى التَّوْحِيد . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | بِمَفَازَاتِهِمْ | عَلَى الْجِمَاع . وَالصَّوَاب عِنْدِي مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا ; وَالْعَرَب تُوَحِّد مِثْل ذَلِكَ أَحْيَانًا وَتَجْمَع بِمَعْنًى وَاحِد , فَيَقُول أَحَدهمْ : سَمِعْت صَوْت الْقَوْم , وَسَمِعْت أَصْوَاتهمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } [31 19 ], وَلَمْ يَقُلْ : أَصْوَات الْحَمِير , وَلَوْ جَاءَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ صَوَابًا .|لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ|وَقَوْله : { لَا يَمَسّهُمْ السُّوء وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَمَسّ الْمُتَّقِينَ مِنْ أَذَى جَهَنَّم شَيْء , وَهُوَ السُّوء الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَنْ يَمَسّهُمْ , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; يَقُول : وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ آرَاب الدُّنْيَا , إِذْ صَارُوا إِلَى كَرَامَة اللَّه وَنَعِيم الْجِنَان.

وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ

وَقَوْله : { اللَّه خَالِق كُلّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكَيْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة مِنْ كُلّ خَلْقه الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , خَالِق كُلّ شَيْء , لَا مَا لَا يَقْدِر عَلَى خَلْق شَيْء , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل ; يَقُول : وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَيِّم بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَة.

وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُ مَقَالِيد السَّمَوَات وَالْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَهُ مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَفْتَح مِنْهَا عَلَى مَنْ يَشَاء , وَيُمْسِكهَا عَمَّنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه ; وَاحِدهَا : مقليد . وَأَمَّا الْإِقْلِيد : فَوَاحِد الْأَقَالِيد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23273- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَقَالِيد السَّمَوَات وَالْأَرْض } مَفَاتِيحهَا . )23274 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَهُ مَقَالِيد السَّمَوَات وَالْأَرْض } أَيْ مَفَاتِيح السَّمَوَات وَالْأَرْض. )23275 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { لَهُ مَقَالِيد السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَا : خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض . )23276 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { لَهُ مَقَالِيد السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : الْمَقَالِيد : الْمَفَاتِيح , قَالَ : لَهُ مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض .)|وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ|وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِحُجَجِ اللَّه فَكَذَّبُوا بِهَا وَأَنْكَرُوهَا , أُولَئِكَ هُمْ الْمَغْبُونُونَ حُظُوظهمْ مِنْ خَيْر السَّمَوَات الَّتِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحهَا , لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوا ذَلِكَ كُلّه فِي الْآخِرَة بِخُلُودِهِمْ فِي النَّار , وَفِي الدُّنْيَا بِخِذْلَانِهِمْ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي أَعْبُد أَيّهَا الْجَاهِلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك , الدَّاعِيكَ إِلَى عِبَادَة الْأَوْثَان : { أَفَغَيْر اللَّه } أَيّهَا الْجَاهِلُونَ بِاَللَّهِ { تَأْمُرُونِّي } أَنْ { أَعْبُد } وَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة لِشَيْءٍ سِوَاهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْعَامِل , فِي قَوْله { أَفَغَيْر } النَّصْب , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي , يَقُول : أَفَغَيْر اللَّه أَعْبُد تَأْمُرُونِّي , كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِلْغَاء , وَاَللَّه أَعْلَم , كَمَا تَقُول : ذَهَبَ فَلَأَنْ يَدْرِي , حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى . فَمَا يَدْرِي . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : | غَيْر | مُنْتَصِبَة بِأَعْبُد , وَأَنْ تُحْذَف وَتَدْخُل , لِأَنَّهَا عَلَم لِلِاسْتِقْبَالِ , كَمَا تَقُول : أُرِيد أَنْ أَضْرِب , وَأُرِيد أَضْرِب , وَعَسَى أَنْ أَضْرِب , وَعَسَى أَضْرِب , فَكَانَتْ فِي طَلَبهَا الِاسْتِقْبَال , كَقَوْلِك : زَيْدًا سَوْفَ أَضْرِب , فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ وَعَمِلَ مَا بَعْدهَا فِيمَا قَبْلهَا , وَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى اللَّغْو .

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

وَقَوْله : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَوْحَى إِلَيْك يَا مُحَمَّد رَبّك , وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك مِنْ الرُّسُل { لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك } يَقُول : لَئِنْ أَشْرَكْت بِاَللَّهِ شَيْئًا يَا مُحَمَّد , لَيَبْطُلَن عَمَلك , وَلَا تَنَال بِهِ ثَوَابًا , وَلَا تُدْرِك جَزَاء إِلَّا جَزَاء مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ , وَهَذَا مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ الْقَدِيم ; وَمَعْنَى الْكَلَام. وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك , وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ , وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك , بِمَعْنَى : وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك مِنْ الرُّسُل مِنْ ذَلِكَ , مِثْل الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْك مِنْهُ , فَاحْذَرْ أَنْ تُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا فَتَهْلِك . وَمَعْنَى قَوْله : { وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ } وَلَتَكُونَن مِنْ الْهَالِكِينَ بِالْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ إِنْ أَشْرَكْت بِهِ شَيْئًا .

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ اللَّه فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَعْبُد مَا أَمَرَك بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد بِعِبَادَتِهِ , بَلْ اللَّه فَاعْبُدْ دُون كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد { وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } لِلَّهِ عَلَى نِعْمَته عَلَيْك بِمَا أَنْعَمَ مِنْ الْهِدَايَة لِعِبَادَتِهِ , وَالْبَرَاءَة مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان . وَنُصِبَ اِسْم اللَّه بِقَوْلِهِ { فَاعْبُدْ } وَهُوَ بَعْده , لِأَنَّهُ رَدّ الْكَلَام , وَلَوْ نُصِبَ بِمُضْمَرٍ قَبْله , إِذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول : زَيْد فَلْيَقُمْ. وَزَيْدًا فَلْيَقُمْ . رَفْعًا وَنَصْبًا , الرَّفْع عَلَى فَلْيَنْظُرْ زَيْد , فَلْيَقُمْ , وَالنَّصْب عَلَى اُنْظُرُوا زَيْدًا فَلْيَقُمْ. كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا.

حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ

وَقَوْله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا عَظَّمَ اللَّه حَقّ عَظَمَته , هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , الَّذِينَ يَدْعُونَك إِلَى عِبَادَة الْأَوْثَان . وَيَنْحُو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23277 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ . ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ . ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } قَالَ : هُمْ الْكُفَّار الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِقُدْرَةِ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَمَنْ آمَنَ أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , فَقَدْ قَدَرَ اللَّه حَقّ قَدْره , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِذَلِكَ , فَلَمْ يَقْدِر اللَّه حَقّ قَدْره . )23278 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد . قَالَ . ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } : مَا عَظَّمُوا اللَّه حَقّ عَظَمَته.)|وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ|وَقَوْله : { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْأَرْض كُلّهَا قَبْضَته فِي يَوْم الْقِيَامَة { وَالسَّمَوَات } كُلّهَا { مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } فَالْخَبَر عَنْ الْأَرْض مَتْنَاهُ عِنْد قَوْله : يَوْم الْقِيَامَة , وَالْأَرْض مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ { قَبْضَته } , ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ الْخَبَر عَنْ السَّمَوَات , فَقَالَ : { وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } وَهِيَ مَرْفُوعَة بِمَطْوِيَّاتٍ . وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة غَيْره أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : الْأَرْض وَالسَّمَوَات جَمِيعًا فِي يَمِينه يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر الرُّوَاة بِذَلِكَ : 23279- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس . قَوْله : ( { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : قَدْ قَبَضَ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَات جَمِيعًا بِيَمِينِهِ . أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ قَالَ : { مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } يَعْنِي : الْأَرْض وَالسَّمَوَات بِيَمِينِهِ جَمِيعًا , قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَإِنَّمَا يَسْتَعِين بِشِمَالِهِ الْمَشْغُولَة يَمِينه . )23280 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ . ثنا مُعَاذ بْن هِشَام. قَالَ : ثني أَبِي عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَا السَّمَوَات السَّبْع , وَالْأَرَضُونَ السَّبْع فِي يَد اللَّه إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَد أَحَدكُمْ . )23281 -ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن أَنَس , عَنْ رَبِيعَة الْجَرَسَيّ , قَالَ : ( { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } قَالَ : وَيَده الْأُخْرَى خُلُوّ لَيْسَ فِيهَا شَيْء . )23282 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ عَمَّار بْن عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : كَأَنَّهَا جَوْزَة بِقَضِّهَا وَقَضِيضهَا . )23283 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : السَّمَوَات وَالْأَرْض مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ جَمِيعًا . )وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنَّمَا يَسْتَعِين بِشِمَالِهِ الْمَشْغُولَة يَمِينه , وَإِنَّمَا الْأَرْض وَالسَّمَوَات كُلّهَا بِيَمِينِهِ , وَلَيْسَ فِي شِمَاله شَيْء. 23284 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , (أَنَّهُ رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى الْمِنْبَر يَخْطُب النَّاس , فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَأْخُذ السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ السَّبْع فَيَجْعَلهَا فِي كَفّه , ثُمَّ يَقُول بِهِمَا كَمَا يَقُول الْغُلَام بِالْكُرَةِ : أَنَا اللَّه الْوَاحِد , أَنَا اللَّه الْعَزِيز | حَتَّى لَقَدْ رَأَيْنَا الْمِنْبَر وَإِنَّهُ لَيَكَاد أَنْ يَسْقُط بِهِ. )23285 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثني مَنْصُور وَسُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (جَاءَ يَهُودِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد إِنَّ اللَّه يُمْسِك السَّمَوَات عَلَى أُصْبُع , وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُع , وَالْجِبَال عَلَى أُصْبُع , وَالْخَلَائِق عَلَى أُصْبُع , ثُمَّ يَقُول : أَنَا الْمَلِك ; قَالَ : فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه وَقَالَ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } )23285 م - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا . )- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : (كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين جَاءَهُ حَبْر مِنْ أَحْبَار الْيَهُود , فَجَلَسَ إِلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | حَدِّثْنَا | , قَالَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , جَعَلَ السَّمَوَات عَلَى أُصْبُع , وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُع , وَالْجِبَال عَلَى أُصْبُع , وَالْمَاء وَالشَّجَر عَلَى أُصْبُع , وَجَمِيع الْخَلَائِق عَلَى أُصْبُع ثُمَّ يَهُزّهُنَّ ثُمَّ يَقُول : أَنَا الْمَلِك , قَالَ : فَضَحِكَ رَسُول اللَّه حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لِمَا قَالَ , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } الْآيَة . )23286 -مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , نَحْو ذَلِكَ . 23287 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , وَعَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَرَّ يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِس , فَقَالَ : | يَا يَهُودِيّ حَدِّثْنَا | , فَقَالَ : كَيْفَ تَقُول يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَوْم يَجْعَل اللَّه السَّمَاء عَلَى ذِهِ , وَالْأَرْض عَلَى ذِهِ , وَالْجِبَال عَلَى ذِهِ , وَسَائِر الْخَلْق عَلَى ذِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } الْآيَة . )-حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم أُبْلِغك أَنَّ اللَّه يَحْمِل الْخَلَائِق عَلَى أُصْبُع , وَالسَّمَوَات عَلَى أُصْبُع , وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُع , وَالشَّجَر عَلَى أُصْبُع , وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُع ؟ قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته } إِلَى آخِر الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ السَّمَوَات فِي يَمِينه , وَالْأَرَضُونَ فِي شِمَاله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23288 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي حَازِم , قَالَ : ثني أَبُو حَازِم , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُقْسِم , أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : (رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَقُول : | يَأْخُذ الْجَبَّار سَمَوَاته وَأَرْضه بِيَدَيْهِ | وَقَبَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ , وَجَعَلَ يَقْبِضهُمَا وَيَبْسُطهُمَا , قَالَ : ثُمَّ يَقُول : | أَنَا الرَّحْمَن أَنَا الْمَلِك , أَيْنَ الْجَبَّارُونَ , أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ | وَتَمَايَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينه , وَعَنْ شِمَاله , حَتَّى نَظَرْت إِلَى الْمِنْبَر يَتَحَرَّك مِنْ أَسْفَل شَيْء مِنْهُ , حَتَّى إِنِّي لَأَقُول : أَسَاقِط هُوَ بِرَسُولِ اللَّه ؟ . )- حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَة الْفَرْوِيّ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن نَافِع , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( يَأْخُذ الْجَبَّار سَمَوَاته وَأَرْضه بِيَدَيْهِ | , وَقَبَضَ يَده فَجَعَلَ يَقْبِضهَا وَيَبْسُطهَا , ثُمَّ يَقُول : | أَنَا الْجَبَّار , أَنَا الْمَلِك , أَيْنَ الْجَبَّارُونَ , أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ | قَالَ : وَيَمِيل رَسُول اللَّه عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله , حَتَّى نَظَرْت إِلَى الْمِنْبَر يَتَحَرَّك مِنْ أَسْفَل شَيْء مِنْهُ , حَتَّى إِنِّي لَأَقُول : أَسَاقِط هُوَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ . )23289 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَيَّاش الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا بِشْر بْن شُعَيْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَقْبِض اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيَطْوِي السَّمَوَات بِيَمِينِهِ , ثُمَّ يَقُول : أَنَا الْمَلِك أَيْنَ مُلُوك الْأَرْض ؟ . )- حُدِّثْت عَنْ حَرْمَلَة بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا إِدْرِيس بْن يَحْيَى الْقَائِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَيْوَة , عَنْ عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | إِنَّ اللَّه يَقْبِض الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة بِيَدِهِ , وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ وَيَقُول : أَنَا الْمَلِك . )23290 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن ثَوْبَان الْكُلَاعِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : (أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْر مِنْ الْيَهُود , قَالَ : أَرَأَيْت إِذْ يَقُول اللَّه فِي كِتَابه : { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } فَأَيْنَ الْخَلْق عِنْد ذَلِكَ ؟ قَالَ : | هُمْ فِيهَا كَرَقْمِ الْكِتَاب . )23291 -حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمْزَة , قَالَ : ثني سَالِم , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَطْوِي اللَّه السَّمَوَات فَيَأْخُذهُنَّ بِيَمِينِهِ وَيَطْوِي الْأَرْض فَيَأْخُذهَا بِشِمَالِهِ , ثُمَّ يَقُول : أَنَا الْمَلِك أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ . )وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ مِنْ أَجْل يَهُودِيّ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَة الرَّبّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23292 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (أَتَى رَهْط مِنْ الْيَهُود نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَذَا اللَّه خَلَقَ الْخَلْق , فَمَنْ خَلَقَهُ ؟ فَغَضِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِنْتَقَعَ لَوْنه , ثُمَّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ ; فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَسَكَّنَهُ , وَقَالَ : اِخْفِضْ عَلَيْك جَنَاحك يَا مُحَمَّد , وَجَاءَهُ مِنْ اللَّه جَوَاب مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ , قَالَ : يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد اللَّه الصَّمَد لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد } فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : صِفْ لَنَا رَبّك ; كَيْفَ خَلْقه , وَكَيْفَ عَضُده , وَكَيْفَ ذِرَاعه ؟ فَغَضِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبه الْأَوَّل , ثُمَّ سَاوَرَهُمْ , فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ مِثْل مَقَالَته , وَأَتَاهُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } )- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (تَكَلَّمَتْ الْيَهُود فِي صِفَة الرَّبّ , فَقَالُوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا وَلَمْ يَرَوْا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } ثُمَّ بَيَّنَ لِلنَّاسِ عَظَمَته فَقَالَ : { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } , فَجَعَلَ صِفَتهمْ الَّتِي وَصَفُوا اللَّه بِهَا شِرْكًا . )وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ } يَقُول فِي قُدْرَته نَحْو قَوْله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } [4 36 ]أَيْ وَمَا كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِ قُدْرَة وَلَيْسَ الْمِلْك لِلْيَمِينِ دُون سَائِر الْجَسَد , قَالَ : وَقَوْله { قَبْضَته } نَحْو قَوْلك لِلرَّجُلِ : هَذَا فِي يَدك وَفِي قَبْضَتك . وَالْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابه وَغَيْرهمْ , تَشْهَد عَلَى بِطُولِ هَذَا الْقَوْل . 23293 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ قَوْله ( { وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة } فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ ؟ قَالَ : | عَلَى الصِّرَاط | .)|سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ|وَقَوْله { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَنْزِيهًا وَتَبْرِئَة لِلَّهِ , وَعُلُوًّا وَارْتِفَاعًا عَمَّا يُشْرِك بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد , الْقَائِلُونَ لَك : اُعْبُدْ الْأَوْثَان مِنْ دُون اللَّه , وَاسْجُدْ لِآلِهَتِنَا .

وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنُفِخَ فِي الصُّور } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَفَخَ إِسْرَافِيل فِي الْقَرْن , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصُّور فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , وَذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ , وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ|وَقَوْله { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض } يَقُول : مَاتَ , وَذَلِكَ فِي النَّفْخَة الْأُولَى , كَمَا : 23294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض } قَالَ : مَاتَ .)|إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ|وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَى اللَّه بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ عَنَى بِهِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل وَمَلَك الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23295 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه } قَالَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل وَمَلَك الْمَوْت . )23296 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن عِيسَى , عَنْ عَمّه يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : (قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } فَقِيلَ : مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِسْتَثْنَى اللَّه يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | جَبْرَائِيل وَمِيكَائِيل , وَمَلَك الْمَوْت , فَإِذَا قَبَضَ أَرْوَاح الْخَلَائِق قَالَ : يَا مَلَك الْمَوْت مَنْ بَقِيَ ؟ وَهُوَ أَعْلَم ; قَالَ : يَقُول : سُبْحَانك تَبَارَكْت رَبِّي ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام , بَقِيَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَمَلَك الْمَوْت ; قَالَ : يَقُول يَا مَلَك الْمَوْت خُذْ نَفْس مِيكَائِيل ; قَالَ : فَيَقَع كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , قَالَ : ثُمَّ يَقُول : يَا مَلَك الْمَوْت مَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُول : سُبْحَانك رَبِّي يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام , بَقِيَ جِبْرِيل وَمَلَك الْمَوْت , قَالَ : فَيَقُول : يَا مَلَك الْمَوْت مُتّ , قَالَ : فَيَمُوت ; قَالَ : ثُمَّ يَقُول : يَا جِبْرِيل مَنْ بَقِيَ ؟ قَالَ : فَيَقُول جِبْرِيل : سُبْحَانك رَبِّي يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام , بَقِيَ جِبْرِيل , وَهُوَ مِنْ اللَّه بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ ; قَالَ : فَيَقُول يَا جِبْرِيل لَا بُدّ مِنْ مَوْتَة ; قَالَ : فَيَقَع سَاجِدًا يَخْفِق بِجَنَاحَيْهِ يَقُول : سُبْحَانك رَبِّي تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجَلَال وَالْإِكْرَام , أَنْتَ الْبَاقِي وَجِبْرِيل الْمَيِّت الْفَانِي : قَالَ : وَيَأْخُذ رُوحه فِي الْحَلْقَة الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا , قَالَ : فَيَقَع عَلَى مِيكَائِيل أَنَّ فَضْل خَلْقه عَلَى خَلْق مِيكَائِيل كَفَضْلِ الطَّوْد الْعَظِيم عَلَى الظَّرْب مِنْ الظِّرَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الشُّهَدَاء. 23297 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة عَنْ عُمَارَة , عَنْ ذِي حَجَر الْيَحْمُدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } قَالَ : الشُّهَدَاء ثَنِيَّة اللَّه حَوْل الْعَرْش , مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوف. )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْفَزَع : الشُّهَدَاء , وَفِي الصَّعْق : جِبْرِيل , وَمَلَك الْمَوْت , وَحَمَلَة الْعَرْش. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَالْخَبَر الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 23298 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدَنِيّ , عَنْ يَزِيد , عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يُنْفَخ فِي الصُّور ثَلَاث نَفَخَات : الْأُولَى : نَفْخَة الْفَزَع , وَالثَّانِيَة : نَفْخَة الصَّعْق , وَالثَّالِثَة : نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ; يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع , فَتَفْزَع أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه | ; قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه , فَمَنْ اِسْتَثْنَى حِين يَقُول : { فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } قَالَ : | أُولَئِكَ الشُّهَدَاء , وَإِنَّمَا يَصِل الْفَزَع إِلَى الْأَحْيَاء , أُولَئِكَ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ , وَقَاهُمْ اللَّه فَزَع ذَلِكَ الْيَوْم وَأَمَّنَهُمْ , ثُمَّ يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِنَفْخَةِ الصَّعْق , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الصَّعْق , فَيَصْعَق أَهْل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ , ثُمَّ يَأْتِي مَلَك الْمَوْت إِلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُول : يَا رَبّ قَدْ مَاتَ أَهْل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شِئْت , فَيَقُول لَهُ وَهُوَ أَعْلَم. )فَمَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُول : بَقِيت أَنْتَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , وَبَقِيَ حَمَلَة عَرْشك , وَبَقِيَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ; فَيَقُول اللَّه لَهُ : اُسْكُتْ إِنِّي كَتَبْت الْمَوْت عَلَى مَنْ كَانَ تَحْت عَرْشِي ; ثُمَّ يَأْتِي مَلَك الْمَوْت فَيَقُول : يَا رَبّ قَدْ مَاتَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ; فَيَقُول اللَّه وَهُوَ أَعْلَم : فَمَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُول بَقِيت أَنْتَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , وَبَقِيَ حَمَلَة عَرْشك , وَبَقِيت أَنَا , فَيَقُول اللَّه : فَلْيَمُتْ حَمَلَة الْعَرْش , فَيَمُوتُونَ ; وَيَأْمُر اللَّه تَعَالَى الْعَرْش فَيَقْبِض الصُّور . فَيَقُول : أَيْ رَبّ قَدْ مَاتَ حَمَلَة عَرْشك ; فَيَقُول : مَنْ بَقِيَ ؟ وَهُوَ أَعْلَم , فَيَقُول : بَقِيت أَنْتَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَبَقِيت أَنَا , قَالَ : فَيَقُول اللَّه : أَنْتَ مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُك لِمَا رَأَيْت , فَمُتّ لَا تَحْيَى , فَيَمُوت | . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ , لِأَنَّ الصَّعْقَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمَوْت . وَالشُّهَدَاء وَإِنْ كَانُوا عِنْد اللَّه أَحْيَاء كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَإِنَّهُمْ قَدْ ذَاقُوا الْمَوْت قَبْل ذَلِكَ . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِع , الِاسْتِثْنَاء مِنْ الَّذِينَ صُعِقُوا عِنْد نَفْخَة الصَّعْق , لَا مِنْ الَّذِينَ قَدْ مَاتُوا قَبْل ذَلِكَ بِزَمَانٍ وَدَهْر طَوِيل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ مَنْ قَدْ هَلَكَ , وَذَاقَ الْمَوْت قَبْل وَقْت نَفْخَة الصَّعْق , وَجَبَ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ مَنْ قَدْ هَلَكَ , فَذَاقَ الْمَوْت مِنْ قَبْل ذَلِكَ , لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُصْعَق فِي ذَلِكَ الْوَقْت إِذَا كَانَ الْمَيِّت لَا يُجَدَّد لَهُ مَوْت آخَر فِي تِلْكَ الْحَال . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 23299 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } قَالَ الْحَسَن : يَسْتَثْنِي اللَّه وَمَا يَدَع أَحَدًا مِنْ أَهْل السَّمَوَات وَلَا أَهْل الْأَرْض إِلَّا أَذَاقَهُ الْمَوْت ؟ قَالَ قَتَادَة : قَدْ اِسْتَثْنَى اللَّه , وَاَللَّه أَعْلَم إِلَى مَا صَارَتْ ثَنِيَّته . قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه قَالَ : | أَتَانِي مَلَك فَقَالَ : يَا مُحَمَّد اِخْتَرْ نَبِيًّا مَلِكًا , أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا ; فَأَوْمَأَ إِلَى أَنْ تَوَاضَعْ , قَالَ : نَبِيًّا عَبْدًا , قَالَ فَأُعْطِيت خَصْلَتَيْنِ : أَنْ جُعِلْت أَوَّل مَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض , وَأَوَّل شَافِع , فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَجِد مُوسَى آخِذًا بِالْعَرْشِ , فَاَللَّه أَعْلَم أَصُعِقَ بَعْد الصَّعْقَة الْأُولَى أَمْ لَا ؟ . )23300 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَالَ يَهُودِيّ بِسُوقِ الْمَدِينَة : وَاَلَّذِي اِصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَر , قَالَ : فَرَفَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يَده , فَصَكَّ بِهَا وَجْهه , فَقَالَ : تَقُول هَذَا وَفِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | وَنُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ , فَأَكُون أَنَا أَوَّل مَنْ يَرْفَع رَأْسه , فَإِذَا مُوسَى آخِذ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسه قَبْلِي , أَوْ كَانَ مِمَّنْ اِسْتَثْنَى اللَّه . )23301 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَأَنِّي أَنْفُض رَأْسِي مِنْ التُّرَاب أَوَّل خَارِج , فَأَلْتَفِت فَلَا أَرَى أَحَدًا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ , فَلَا أَدْرِي أَمِمَّنْ اِسْتَثْنَى اللَّه أَنْ لَا تُصِيبهُ النَّفْخَة أَوْ بُعِثَ قَبْلِي | .)|ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى|وَقَوْله : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَة أُخْرَى ; وَالْهَاء الَّتِي فِي | فِيهِ | مِنْ ذِكْر الصُّور , كَمَا : 23302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى } قَالَ : فِي الصُّور , وَهِيَ نَفْخَة الْبَعْث . )وَذُكِرَ أَنَّ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23303 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه : | وَمَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ | قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَة أَرْبَعُونَ يَوْمًا ؟ قَالَ : أَبَيْت ; قَالُوا : أَرْبَعُونَ شَهْرًا ؟ قَالَ : أَبَيْت ; قَالُوا : أَرْبَعُونَ سَنَة ؟ قَالَ : أَبَيْت ; | ثُمَّ يَنْزِل اللَّه مِنْ السَّمَاء مَاء فَتَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُت الْبَقْل , قَالَ : وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَان شَيْء إِلَّا يَبْلَى , إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا , وَهُوَ عَجْب الذَّنَب , وَمِنْهُ يُرَكَّب الْخَلْق يَوْم الْقِيَامَة . )23304 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْبَلْخِيّ بْن إِيَاس , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول فِي قَوْله ( { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض } الْآيَة , قَالَ : الْأُولَى مِنْ الدُّنْيَا , وَالْأَخِيرَة مِنْ الْآخِرَة . )23305 -حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } قَالَ نَبِيّ اللَّه : | بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ | - قَالَ أَصْحَابه : فَمَا سَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ , وَلَا زَادَنَا عَلَى ذَلِكَ , غَيْر أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْ رَأْيهمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سَنَة . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُبْعَث فِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ مَطَر يُقَال لَهُ مَطَر الْحَيَاة , حَتَّى تَطِيب الْأَرْض وَتَهْتَزّ , وَتَنْبُت أَجْسَاد النَّاس نَبَات الْبَقْل , ثُمَّ يُنْفَخ فِيهِ الثَّانِيَة { فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُعَاذ بْن جَبَل , سَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ يُبْعَث الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة ؟ قَالَ : | يُبْعَثُونَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثِينَ سَنَة | .)|فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ|وَقَوْله : { فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } يَقُول : فَإِذَا مَنْ صَعِقَ عِنْد النَّفْخَة الَّتِي قَبْلهَا وَغَيْرهمْ مِنْ جَمِيع خَلْق اللَّه الَّذِينَ كَانُوا أَمْوَاتًا قَبْل ذَلِكَ قِيَام مِنْ قُبُورهمْ وَأَمَاكِنهمْ مِنْ الْأَرْض أَحْيَاء كَهَيْئَتِهِمْ قَبْل مَمَاتهمْ يَنْظُرُونَ أَمْر اللَّه فِيهِمْ , كَمَا : 23306 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ } قَالَ : حِين يُبْعَثُونَ .)

أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَضَاءَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا , يُقَال : أَشْرَقَتْ الشَّمْس . إِذَا صَفَتْ وَأَضَاءَتْ , وَأَشْرَقَتْ : إِذَا طَلَعَتْ , وَذَلِكَ حِين يَبْرُز الرَّحْمَن لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْن خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23307 - حَدَّثَنَا بِشْر . قَالَ . ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا } قَالَ : فَمَا يَتَضَارُّونَ فِي نُوره إِلَّا كَمَا يَتَضَارُّونَ فِي الشَّمْس فِي الْيَوْم الصَّحْو الَّذِي لَا دَخَنَ فِيهِ . )23308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا } قَالَ : أَضَاءَتْ.)|وَوُضِعَ الْكِتَابُ|وَقَوْله { وَوُضِعَ الْكِتَاب } يَعْنِي . كِتَاب أَعْمَالهمْ لِمُحَاسَبَتِهِمْ وَمُجَازَاتهمْ , كَمَا : 23309 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَوُضِعَ الْكِتَاب } قَالَ : كُتُب أَعْمَالهمْ . )23310 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَوُضِعَ الْكِتَاب } قَالَ : الْحِسَاب .)|وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ|وَقَوْله : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء } يَقُولك وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ لِيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ عَمَّا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمهمْ , وَرَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا , حِين أَتَتْهُمْ رِسَالَة اللَّه ; وَالشُّهَدَاء , يَعْنِي بِالشُّهَدَاءِ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَسْتَشْهِدهُمْ رَبّهمْ عَلَى الرُّسُل , فِيمَا ذَكَرْت مِنْ تَبْلِيغهَا رِسَالَة اللَّه الَّتِي أَرْسَلَهُمْ بِهَا رَبّهمْ إِلَى أُمَمهَا , إِذْ جَحَدَتْ أُمَمهمْ أَنْ يَكُونُوا أَبْلَغُوهُمْ رِسَالَة اللَّه , وَالشُّهَدَاء : جَمْع شَهِيد , وَهَذَا نَظِير قَوْل اللَّه : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [2 143 ]. وَقِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { الشُّهَدَاء } : الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه ; وَلَيْسَ لِمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع كَبِير مَعْنَى , لِأَنَّ عَقِيب قَوْله : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ } , وَفِي ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا دَعَى بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء لِلْقَضَاءِ بَيْن الْأَنْبِيَاء وَأُمَمهَا , وَأَنَّ الشُّهَدَاء إِنَّمَا هِيَ جَمْع شَهِيد , الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمهمْ كَمَا ذَكَرْنَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23311 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ( { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء } فَإِنَّهُمْ لَيَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَة , وَبِتَكْذِيبِ الْأُمَم إِيَّاهُمْ. )ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا قَوْله مِنْ الْقَوْل الْآخَر : 23312 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء } : الَّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا فِي طَاعَة اللَّه .)|وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ|وَقَوْله : { وَقُضِيَ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقُضِيَ بَيْن النَّبِيِّينَ وَأُمَمهَا بِالْحَقِّ , وَقَضَاؤُهُ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ , أَنْ لَا يَحْمِل عَلَى أَحَد ذَنْب غَيْره , وَلَا يُعَاقِب نَفْسًا إِلَّا بِمَا كَسَبَتْ .

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوُفِّيَتْ كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَم بِمَا يَفْعَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَوَفَى اللَّه حِينَئِذٍ كُلّ نَفْس جَزَاء عَمَلهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , وَهُوَ أَعْلَم بِمَا يَفْعَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَة أَوْ مَعْصِيَة , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مُجَازِيهمْ عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَمُثِيب الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِمَا أَسَاءَ .

أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ

وَقَوْله : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم } يَقُول : وَحُشِرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ إِلَى نَاره الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة جَمَاعَات , جَمَاعَة جَمَاعَة , وَحِزْبًا حِزْبًا , كَمَا : 23313 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { زُمَرًا } قَالَ : جَمَاعَات . )وَقَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابهَا } السَّبْعَة { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا } قِوَامهَا : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَات رَبّكُمْ } يَعْنِي : كِتَاب اللَّه الْمُنَزَّل عَلَى رُسُله وَحُجَجه الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُله إِلَى أُمَمهمْ { وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا } يَقُول : وَيُنْذِرُونَكُمْ مَا تَلْقَوْنَ فِي يَوْمكُمْ هَذَا ; وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَيُنْذِرُونَكُمْ مَصِيركُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْم . قَالُوا : بَلَى : يَقُول : قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مُجِيبِينَ لِخَزَنَةِ جَهَنَّم : بَلَى قَدْ أَتَتْنَا الرُّسُل مِنَّا , فَأَنْذَرْتنَا لِقَاءَنَا هَذَا الْيَوْم { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة الْعَذَاب عَلَى الْكَافِرِينَ } يَقُول : قَالُوا : وَلَكِنْ وَجَبَتْ كَلِمَة اللَّه أَنَّ عَذَابه لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ عَلَيْنَا بِكُفْرِنَا بِهِ , كَمَا : 23314 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة الْعَذَاب عَلَى الْكَافِرِينَ } بِأَعْمَالِهِمْ .)

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قِيلَ اُدْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَتَقُول خَزَنَة جَهَنَّم لِلَّذِينَ كَفَرُوا حِينَئِذٍ : { اُدْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم } السَّبْعَة عَلَى قَدْر مَنَازِلكُمْ فِيهَا { خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : مَاكِثِينَ فِيهَا لَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا . { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } يَقُول : فَبِئْسَ مَسْكَن الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى اللَّه فِي الدُّنْيَا , أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَيُفْرِدُوا لَهُ الْأُلُوهَة , جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة .

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ إِلَى الْجَنَّة زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحُشِرَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه فِي الدُّنْيَا , وَأَخْلَصُوا لَهُ فِيهَا الْأُلُوهَة , وَأَفْرَدُوا لَهُ الْعِبَادَة , فَلَمْ يُشْرِكُوا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ شَيْئًا { إِلَى الْجَنَّة زُمَرًا } يَعْنِي جَمَاعَات , فَكَانَ سَوْق هَؤُلَاءِ إِلَى مَنَازِلهمْ مِنْ الْجَنَّة وَفْدًا عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِي سُورَة مَرْيَم عَلَى نَجَائِب مِنْ نَجَائِب الْجَنَّة , وَسَوْق الْآخَرِينَ إِلَى النَّار دَعًّا وَوِرْدًا , كَمَا قَالَ اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنه مِنْ هَذَا الْكِتَاب . وَقَدْ : 23315 -حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم زُمَرًا } , وَفِي قَوْله : { وَسِيقَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ إِلَى الْجَنَّة زُمَرًا } قَالَ : كَانَ سَوْق أُولَئِكَ عُنْفًا وَتَعَبًا وَدَفْعًا , وَقَرَأَ : { يَوْم يُدَعُّونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعًّا } [52 13 ])قَالَ : يَدْفَعُونَ دَفْعًا , وَقَرَأَ : { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعّ الْيَتِيم } [107 2 ]. قَالَ : يَدْفَعهُ , وَقَرَأَ { وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّم وِرْدًا } [19 85 ]. و { وَنَحْشُر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا } [19 85 ]. ثُمَّ قَالَ : فَهَؤُلَاءِ وَفْد اللَّه . 23316 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَوْله : ( { وَسِيقَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ إِلَى اللَّه زُمَرًا } حَتَّى إِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى بَابهَا , إِذَا هُمْ بِشَجَرَةٍ يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا عَيْنَانِ , فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا , فَشَرِبُوا مِنْهَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا , فَخَرَجَ مَا فِي بُطُونهمْ مِنْ قَذِر أَوْ أَذًى أَوْ قَذًى , ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى , فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهِ , فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم , فَلَنْ تَشْعَث رُءُوسهمْ بَعْدهَا أَبَدًا وَلَنْ تَبْلَى ثِيَابهمْ بَعْدهَا , ثُمَّ دَخَلُوا الْجَنَّة , فَتَلَقَّتْهُمْ الْوِلْدَان كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون , فَيَقُولُونَ : أَبْشِرْ , أَعَدَّ اللَّه لَك كَذَا , وَأَعَدَّ لَك كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ يَنْظُر إِلَى تَأْسِيس بُنْيَانه جَنْدَل اللُّؤْلُؤ الْأَحْمَر وَالْأَصْفَر وَالْأَخْضَر , يَتَلَأْلَأ كَأَنَّهُ الْبَرْق , فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه قَضَى أَنْ لَا يَذْهَب بَصَره لَذَهَبَ , ثُمَّ يَأْتِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض أَزْوَاجه , فَيَقُول : أَبْشِرِي قَدْ قَدِمَ فُلَان بْن فُلَان , فَيُسَمِّيه بِاسْمِهِ وَاسْم أَبِيهِ , فَتَقُول : أَنْتَ رَأَيْته , أَنْتَ رَأَيْته ! فَيَسْتَخِفّهَا الْفَرَح حَتَّى تَقُوم , فَتَجْلِس عَلَى أُسْكُفَّة بَابهَا , فَيَدْخُل فَيَتَّكِئ عَلَى سَرِيره , وَيَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه } [7 43 ]... الْآيَة . 23317 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : )يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّة , فَيَنْتَهُونَ إِلَيْهَا , فَيَجِدُونَ عِنْد بَابهَا شَجَرَة فِي أَصْل سَاقهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ , فَيَعْمِدُونَ إِلَى إِحْدَاهُمَا , فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهَا , فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم , فَلَنْ تَشْعَث رُءُوسهمْ بَعْدهَا أَبَدًا , وَلَنْ تَغْبَرّ جُلُودهمْ بَعْدهَا أَبَدًا , كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ; وَيَعْمِدُونَ إِلَى الْأُخْرَى , فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا , فَيَذْهَب مَا فِي بُطُونهمْ مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى , ثُمَّ يَأْتُونَ بَاب الْجَنَّة فَيَسْتَفْتِحُونَ , فَيُفْتَح لَهُمْ , فَتَتَلَقَّاهُمْ خَزَنَة الْجَنَّة فَيَقُولُونَ { سَلَام عَلَيْكُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [16 32 ]قَالَ : وَتَتَلَقَّاهُمْ الْوِلْدَان الْمُخَلَّدُونَ , يُطِيفُونَ بِهِمْ كَمَا تَطِيف وِلْدَان أَهْل الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ إِذَا جَاءَ مِنْ الْغَيْبَة , يَقُولُونَ : أَبْشِرْ أَعَدَّ اللَّه لَك كَذَا , وَأَعَدَّ لَك كَذَا , فَيَنْطَلِق أَحَدهمْ إِلَى زَوْجَته , فَيُبَشِّرهَا بِهِ , فَيَقُول : قَدِمَ فُلَان بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَقَالَ : فَيَسْتَخِفّهَا الْفَرَح حَتَّى تَقُوم عَلَى أُسْكُفَّة بَابهَا , وَتَقُول : أَنْتَ رَأَيْته , أَنْتَ رَأَيْته ؟ قَالَ : فَيَقُول : نَعَمْ , قَالَ : فَيَجِيء حَتَّى يَأْتِي مَنْزِله , فَإِذَا أُصُوله مِنْ جَنْدَل اللُّؤْلُؤ مِنْ بَيْن أَصْفَر وَأَحْمَر وَأَخْضَر , قَالَ : فَيَدْخُل فَإِذَا الْأَكْوَاب مَوْضُوعَة , وَالنَّمَارِق مَصْفُوفَة , وَالزَّرَابِيّ مَبْثُوثَة قَالَ : ثُمَّ يَدْخُل إِلَى زَوْجَته مِنْ الْحُور الْعِين , فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعَدَّهَا لَهُ لَالْتَمَعَ بَصَره مِنْ نُورهَا وَحُسْنهَا ; قَالَ : فَاتَّكَأَ عِنْد ذَلِكَ وَيَقُول : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه } [7 43 ]قَالَ : فَتُنَادِيهِمْ الْمَلَائِكَة : { أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [7 43 ](23318 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : ذَكَرَ السُّدِّيّ نَحْوه أَيْضًا , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : )لَهُوَ أَهْدَى إِ لِي مَنْزِله فِي الْجَنَّة مِنْهُ إِلَى مَنْزِله فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ قَرَأَ السُّدِّيّ : { وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ } [47 6 ]وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع جَوَاب | إِذَا | الَّتِي فِي قَوْله { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : يُقَال إِنَّ قَوْله { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا } فِي مَعْنَى : قَالَ لَهُمْ , كَأَنَّهُ يُلْغِي الْوَاو , وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْر شَيْء يُشْبِه أَنْ تَكُون الْوَاو زَائِدَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَة لَمْ يَكُنْ .......... إِلَّا تَوَهُّم حَالِم بِخَيَالِ <br>فَيُشْبِه أَنْ يَكُون يُرِيد : فَإِذَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : فَأُضْمِرَ الْخَبَر , وَإِضْمَار الْخَبَر أَيْضًا أَحْسَن فِي الْآيَة , وَإِضْمَار الْخَبَر فِي الْكَلَام كَثِير . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : هُوَ مَكْفُوف عَنْ خَبَره , قَالَ : وَالْعَرَب تَفْعَل مِثْل هَذَا ; قَالَ عَبْد مَنَاف بْن رَبْع فِي آخِر قَصِيدَة : <br>حَتَّى إِذَا أَسَلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدِهِ .......... شَلًّا كَمَا تَطْرُد الْجَمَّالَة الشُّرُدَا <br>وَقَالَ الْأَخْطَل فِي آخِر الْقَصِيدَة : <br>خَلَا أَنَّ حَيًّا مِنْ قُرَيْش تَفَضَّلُوا .......... عَلَى النَّاس أَوْ أَنَّ الْأَكَارِم نَهْشَلَا <br>وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : أُدْخِلَتْ فِي حَتَّى إِذَا وَفِي فَلَمَّا . الْوَاو فِي جَوَابهَا وَأُخْرِجَتْ , فَأَمَّا مَنْ أَخْرَجَهَا فَلَا شَيْء فِيهِ , وَمَنْ أَدْخَلَهَا شَبَّهَ الْأَوَائِل بِالتَّعَجُّبِ , فَجَعَلَ الثَّانِي نَسَقًا عَلَى الْأَوَّل , وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جَوَابًا كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَعْجَبُ لِهَذَا وَهَذَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : الْجَوَاب مَتْرُوك , وَإِنْ كَانَ الْقَوْل الْآخَر غَيْر مَدْفُوع , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } يَدُلّ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَام مَتْرُوكًا , إِذْ كَانَ عَقِيبه { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْكَلَام : حَتَّى إِذَا جَاءُوا وَفُتِحَتْ أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا : سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ , دَخَلُوهَا وَقَالُوا : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده . وَعَنَى بِقَوْلِهِ { سَلَام عَلَيْكُمْ } : أَمَنَة مِنْ اللَّه لَكُمْ أَنْ يَنَالكُمْ بَعْد مَكْرُوه أَوْ أَذًى. وَقَوْله { طِبْتُمْ } يَقُول : طَابَتْ أَعْمَالكُمْ فِي الدُّنْيَا , فَطَابَ الْيَوْم مَثْوَاكُمْ. وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 23319- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم . قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد يَقُول فِي ( { طِبْتُمْ } قَالَ : كُنْتُمْ طَيِّبِينَ فِي طَاعَة اللَّه .)

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ

وَقَوْله : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده } يَقُول وَقَالَ الَّذِينَ سِيقُوا زُمَرًا وَدَخَلُوهَا : الشُّكْر خَالِص لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده , الَّذِي كَانَ وَعَدْنَاهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَته , فَحَقَّقَهُ بِإِنْجَازِهِ لَنَا لِلْيَوْمِ , { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض } يَقُول : وَجَعَلَ أَرْض الْجَنَّة الَّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ النَّار لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا اللَّه فِي الدُّنْيَا , فَدَخَلُوهَا , مِيرَاثًا لَنَا عَنْهُمْ , كَمَا : 23320 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض } قَالَ : أَرْض الْجَنَّة. )23321 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض } أَرْض الْجَنَّة . )23322 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض } قَالَ : أَرْض الْجَنَّة , وَقَرَأَ : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [21 105])|نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ|وَقَوْله : { نَتَبَوَّأ مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ نَشَاء } يَقُول : نَتَّخِذ مِنْ الْجَنَّة بَيْتًا , وَنَسْكُن مِنْهَا حَيْثُ نُحِبّ وَنَشْتَهِي , كَمَا . 23323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { نَتَبَوَّأ مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ نَشَاء } نَنْزِل مِنْهَا حَيْثُ نَشَاء .)|فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ|وَقَوْله : { فَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ } يَقُول : فَنِعْمَ ثَوَاب الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ , الْعَامِلِينَ لَهُ فِي الدُّنْيَا الْجَنَّة لِمَنْ أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهَا فِي الْآخِرَة .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَرَى يَا مُحَمَّد الْمَلَائِكَة مُحَدِّقِينَ مِنْ حَوْل عَرْش الرَّحْمَن , وَيَعْنِي بِالْعَرْشِ : السَّرِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23324 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش } مُحَدِّقِينَ . )23325 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش } قَالَ : مُحَدِّقِينَ حَوْل الْعَرْش , قَالَ : الْعَرْش : السَّرِير. )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول | مِنْ | فِي قَوْله : { حَافِّينَ مِنْ حَوْل الْعَرْش } وَالْمَعْنَى : حَافِّينَ حَوْل الْعَرْش . وَفِي قَوْله : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُدْخِلَتْ | مِنْ | فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ تَوْكِيدًا , وَاَللَّه أَعْلَم , كَقَوْلِك : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد ; وَقَالَ غَيْره : قَبْل وَحَوْل وَمَا أَشْبَهَهُمَا ظُرُوف تَدْخُل فِيهَا | مِنْ | وَتَخْرُج , نَحْو : أَتَيْتُك قَبْل زَيْد , وَمِنْ قَبْل زَيْد , وَطُفْنَا حَوْلك وَمِنْ حَوْلك , وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ نَوْع : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد , لِأَنَّ مَوْضِع | مِنْ | فِي قَوْلهمْ : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد رَفْع , وَهُوَ اِسْم . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ | مِنْ | فِي هَذِهِ الْأَمَاكِن , أَعْنِي فِي قَوْله { مِنْ حَوْل الْعَرْش } وَمِنْ قَبْلك , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ عَلَى الظُّرُوف فَإِنَّهَا بِمَعْنَى التَّوْكِيد .|يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ|وَقَوْله : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ } يَقُول : يُصَلُّونَ حَوْل عَرْش اللَّه شُكْرًا لَهُ ; وَالْعَرَب تُدْخِل الْبَاء أَحْيَانًا فِي التَّسْبِيح , وَتَحْذِفهَا أَحْيَانًا , فَتَقُول : سَبِّحْ بِحَمْدِ اللَّه , وَسَبِّحْ حَمْد اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى } [87 1 ], وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم } [69 52]|وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ|وَقَوْله : { وَقُضِيَ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ } يَقُول : وَقَضَى اللَّه بَيْن النَّبِيِّينَ الَّذِينَ جِيءَ بِهِمْ , وَالشُّهَدَاء وَأُمَمهَا بِالْعَدْلِ , فَأَسْكَنَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُله الْجَنَّة . وَأَهْل الْكُفْر بِهِ , وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ رُسُله النَّار . { وَقِيلَ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : وَخُتِمَتْ خَاتِمَة الْقَضَاء بَيْنهمْ بِالشُّكْرِ لِلَّذِي اِبْتَدَأَ خَلْقهمْ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهِيَّة , وَمُلْك جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ الْخَلْق مِنْ مَلَك وَجِنّ وَإِنْس , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَصْنَاف الْخَلْق . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 23326 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ } الْآيَة , كُلّهَا قَالَ : فَتَحَ أَوَّل الْخَلْق بِالْحَمْدِ لِلَّهِ , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَخَتَمَ بِالْحَمْدِ فَقَالَ : { وَقُضِيَ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } )آخِر تَفْسِير سُورَة الزُّمَر

فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حم } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { حم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَهُوَ الْحَاء وَالْمِيم مِنْهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23327 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَةَ الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (الر , وحم , ون , حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة. )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ قَسَمَ أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23328 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ( { حم } : قَسَمَ أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه. )23329 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله ( { حم } : مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه. )وَقَالَ آخَرُونَ : { حم } هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23330 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { حم } قَالَ : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف هِجَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ اِسْم , وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ شُرَيْح بْن أَوْفَى الْعَبْسِيّ : <br>يُذَكِّرنِي حَامِيم وَالرُّمْح شَاجِر .......... فَهَلَّا تَلَا حم قَبْل التَّقَدُّم <br>وَيَقُول الْكُمَيْت : <br>وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آل حَامِيم آيَة .......... تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيّ وَمُعْرِب <br>23331 - وَحُدِّثْت عَنْ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : قَالَ يُونُس , يَعْنِي الْجَرْمِيّ : (وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل فَهُوَ مُنْكَر عَلَيْهِ , لِأَنَّ السُّورَة { حم } سَاكِنَة الْحُرُوف , فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي , وَهَذِهِ أَسْمَاء سُوَر خَرَجَتْ مُتَحَرِّكَات , وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُف الْمَجْزُومَة دَخَلَهُ الْإِعْرَاب . )وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظِير الْقَوْل فِي أَخَوَاتهَا , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ , فِي قَوْله : { الم } , فَفِي ذَلِكَ كِفَايَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِذْ كَانَ الْقَوْل فِي حم , وَجَمِيع مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن عَلَى هَذَا الْوَجْه , أَعْنِي حُرُوف التَّهَجِّي قَوْلًا وَاحِدًا .

وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

وَقَوْله : { تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : مِنْ اللَّه الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الْعَلِيم بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَال وَغَيْرهَا تَنْزِيل هَذَا الْكِتَاب ; فَالتَّنْزِيل مَرْفُوع بِقَوْلِهِ : { مِنْ اللَّه } .

وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ

وَفِي قَوْله : { غَافِر الذَّنْب } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون بِمَعْنَى يَغْفِر ذُنُوب الْعِبَاد , وَإِذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى , كَانَ خَفْض غَافِر وَقَابِل مِنْ وَجْهَيْنِ , أَحَدهمَا مِنْ نِيَّة تَكْرِير | مِنْ | , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم , مِنْ غَافِر الذَّنْب , وَقَابِل التَّوْب , لِأَنَّ غَافِر الذَّنْب نَكِرَة , وَلَيْسَ بِالْأَفْصَحِ أَنْ يَكُون نَعْتًا لِلْمَعْرِفَةِ , وَهُوَ نَكِرَة , وَالْآخَر أَنْ يَكُون أَجْرَى فِي إِعْرَابه , وَهُوَ نَكِرَة عَلَى إِعْرَاب الْأَوَّل كَالنَّعْتِ لَهُ , لِوُقُوعِهِ بَيْنه وَبَيْن قَوْله : { ذِي الطَّوْل } وَهُوَ مَعْرِفَة . . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أَتْبَع إِعْرَابه وَهُوَ نَكِرَة إِعْرَاب الْأَوَّل , إِذْ كَانَ مَدْحًا , وَكَانَ الْمَدْح يَتْبَع إِعْرَابه مَا قَبْله أَحْيَانًا , وَيَعْدِل بِهِ عَنْ إِعْرَاب الْأَوَّل أَحْيَانًا بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ .......... سَمّ الْعُدَاة وَآفَة الْجُزُر <br><br>النَّازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَك .......... وَالطَّيِّبِينَ مَعَاقِد الْأُزُر <br>وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَهُوَ الْغَفُور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمَجِيد فَعَّال لِمَا يُرِيد } [85 14 : 16 ]فَرَفَعَ فَعَّال وَهُوَ نَكِرَة مَحْضَة , وَأَتْبَعَ إِعْرَاب الْغَفُور الْوَدُود ; وَالْآخَر : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَته تَعَالَى , إِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ لِذُنُوبِ الْعِبَاد غَفُورًا مِنْ قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَفِي حَال نُزُولهَا , وَمِنْ بَعْد ذَلِكَ , فَيَكُون عِنْد ذَلِكَ مَعْرِفَة صَحِيحَة وَنَعْتًا عَلَى الصِّحَّة . وَقَالَ : { غَافِر الذَّنْب } وَلَمْ يَقُلْ الذُّنُوب , لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْفِعْل , وَأَمَّا قَوْله : { وَقَابِل التَّوْب } فَإِنَّ التَّوْب قَدْ يَكُون جَمْع تَوْبَة , كَمَا يَجْمَع الدَّوْمَة دَوْمًا وَالْعُومَة عَوْمًا مِنْ عَوْمَة السَّفِينَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : عَوْم السَّفِين فَلَمَّا حَال دُونهمْ وَقَدْ يَكُون مَصْدَر تَابَ يَتُوب تَوْبًا . وَقَدْ : 23332 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : (جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر , فَقَالَ : إِنِّي قَتَلْت , فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَة ؟ قَالَ : نَعَمْ , اِعْمَلْ وَلَا تَيْأَس , ثُمَّ قَرَأَ : { حم تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنْب وَقَابِل التَّوْب } .)|شَدِيدِ الْعِقَابِ|وَقَوْله : { شَدِيد الْعِقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : شَدِيد عِقَابه لِمَنْ عَاقَبَهُ مِنْ أَهْل الْعِصْيَان لَهُ , فَلَا تَتَّكِلُوا عَلَى سَعَة رَحْمَته , وَلَكِنْ كُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَر , بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيه , وَأَدَاء فَرَائِضه , فَإِنَّهُ كَمَا أَنْ لَا يُؤَيِّس أَهْل الْإِجْرَام وَالْآثَام مِنْ عَفْوه , وَقَبُول تَوْبَة مَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ جُرْمه , كَذَلِكَ لَا يُؤْمِنهُمْ مِنْ عِقَابه وَانْتِقَامه مِنْهُمْ بِمَا اِسْتَحَلُّوا مِنْ مَحَارِمه , وَرَكِبُوا مِنْ مَعَاصِيه .|ذِي الطَّوْلِ|وَقَوْله : { ذِي الطَّوْل } يَقُول : ذِي الْفَضْل وَالنِّعَم الْمَبْسُوطَة عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه ; يُقَال مِنْهُ : إِنَّ فُلَانًا لَذُو طَوْل عَلَى أَصْحَابه , إِذَا كَانَ ذَا فَضْل عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23333- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ذِي الطَّوْل } يَقُول : ذِي السَّعَة وَالْغِنَى . )23334 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { ذِي الطَّوْل } الْغِنَى . )23335 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { ذِي الطَّوْل } : أَيْ ذِي النِّعَم . )وَقَالَ بَعْضهمْ : الطَّوْل : الْقُدْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23336 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { ذِي الطَّوْل } قَالَ : الطَّوْل الْقُدْرَة , ذَاكَ الطَّوْل.)|لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ|وَقَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير } يَقُول : لَا مَعْبُود تَصْلُح لَهُ الْعِبَادَة إِلَّا اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم , الَّذِي صِفَته مَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَاه { إِلَيْهِ الْمَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِلَى اللَّه مَصِيركُمْ وَمَرْجِعكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا , فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعكُمْ شَيْء عَبَدْتُمُوهُ عِنْد ذَلِكَ سِوَاهُ .

فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يُجَادِل فِي آيَات اللَّه إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا يُخَاصِم فِي حُجَج اللَّه وَأَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته بِالْإِنْكَارِ لَهَا , إِلَّا الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيده.|فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ|وَقَوْله : { فَلَا يَغْرُرْك تَقَلُّبهمْ فِي الْبِلَاد } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَا يَخْدَعك يَا مُحَمَّد تَصَرُّفهمْ فِي الْبِلَاد وَبَقَاؤُهُمْ وَمُكْثهمْ فِيهَا , مَعَ كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , فَتَحْسَب أَنَّهُمْ إِنَّمَا أُمْهِلُوا وَتَقَلَّبُوا , فَتَصَرَّفُوا فِي الْبِلَاد مَعَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ , وَلَمْ يُعَاجَلُوا بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَاب عَلَى كُفْرهمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى شَيْء مِنْ الْحَقّ فَإِنَّا لَمْ نُمْهِلهُمْ لِذَلِكَ , وَلَكِنْ لِيَبْلُغ الْكِتَاب أَجَله , وَلِتَحِقّ عَلَيْهِمْ كَلِمَة الْعَذَاب , عَذَاب رَبّك , كَمَا : 23337 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَلَا يَغْرُرْك تَقَلُّبهمْ فِي الْبِلَاد } أَسْفَارهمْ فِيهَا , وَمَجِيئُهُمْ وَذَهَابهمْ.)

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ

ثُمَّ قَصَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَص الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ جِدَالهمْ لِرُسُلِهِ عَلَى مِثْل الَّذِي عَلَيْهِ قَوْمه الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ , وَإِنَّهُ أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَته عِنْد بُلُوغهمْ أَمَدهمْ بَعْد إِعْذَار رُسُله إِلَيْهِمْ , وَإِنْذَارهمْ بَأْسه مَا قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابه إِعْلَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ نَبِيّه , أَنَّ سُنَّته فِي قَوْمه الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيل أُولَئِكَ فِي تَكْذِيبه وَجِدَاله سُنَّته مِنْ إِحْلَال نِقْمَته بِهِمْ , وَسَطْوَته بِهِمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : كَذَّبَتْ قَبْل قَوْمك الْمُكَذِّبِينَ لِرِسَالَتِك إِلَيْهِمْ رَسُولًا , الْمُجَادِلِيك بِالْبَاطِلِ قَوْم نُوح وَالْأَحْزَاب مِنْ بَعْدهمْ , وَهُمْ الْأُمَم الَّذِينَ تَحَزَّبُوا وَتَجَمَّعُوا عَلَى رُسُلهمْ بِالتَّكْذِيبِ لَهَا , كَعَادٍ وَثَمُود , وَقَوْم لُوط , وَأَصْحَاب مَدْيَن وَأَشْبَاههمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23338 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { كَذَّبَتْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح وَالْأَحْزَاب مِنْ بَعْدهمْ } قَالَ : الْكُفَّار .)|وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ|وَقَوْله : { وَهَمَّتْ كُلّ أُمَّة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَمَّتْ كُلّ أُمَّة مِنْ هَذِهِ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا , الْمُتَحَزِّبَة عَلَى أَنْبِيَائِهَا , بِرَسُولِهِمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ لِيَأْخُذُوهُ فَيَقْتُلُوهُ , كَمَا : 23339 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَهَمَّتْ كُلّ أُمَّة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } : أَيْ لِيَقْتُلُوهُ , وَقِيلَ بِرَسُولِهِمْ ; وَقَدْ قِيلَ : كُلّ أُمَّة , فَوُجِّهَتْ الْهَاء وَالْمِيم إِلَى الرَّجُل دُون لَفْظ الْأُمَّة , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه | بِرَسُولِهَا | , يَعْنِي بِرَسُولِ الْأُمَّة .)|وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ|وَقَوْله : { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ } يَقُول : وَخَاصَمُوا رَسُولهمْ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْخُصُومَة لِيُبْطِلُوا بِجِدَالِهِمْ إِيَّاهُ وَخُصُومَتهمْ لَهُ الْحَقّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ الدُّخُول فِي طَاعَته , وَالْإِقْرَار بِتَوْحِيدِهِ , وَالْبَرَاءَة مِنْ عِبَادَة مَا سِوَاهُ , كَمَا يُخَاصِمك كُفَّار قَوْمك يَا مُحَمَّد بِالْبَاطِلِ .|فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ|وَقَوْله : { فَأَخَذْتهمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَخَذْت الَّذِينَ هَمُّوا بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ بِالْعَذَابِ مِنْ عِنْدِي , فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِي إِيَّاهُمْ , أَلَمْ أُهْلِكهُمْ فَأَجْعَلهُمْ لِلْخَلْقِ عِبْرَة , وَلِمَنْ بَعْدهمْ عِظَة ؟ وَأَجْعَل دِيَارهمْ وَمَسَاكِنهمْ مِنْهُمْ خَلَاء , وَلِلْوُحُوشِ ثَوَاء . وَقَدْ : 23340 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَأَخَذَتْهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب } قَالَ : شَدِيد وَاَللَّه.)

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَة رَبّك عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَمَا حَقَّ عَلَى الْأُمَم الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلهَا الَّتِي قَصَصْت عَلَيْك يَا مُحَمَّد قَصَصهَا عَذَابِي , وَحَلَّ بِهَا عِقَابِي بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلهمْ , وَجِدَالهمْ إِيَّاهُمْ بِالْبَاطِلِ , لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقّ , كَذَلِكَ وَجَبَتْ كَلِمَة رَبّك عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك , الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه .|أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ|وَقَوْله : { أَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار } اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع قَوْله { أَنَّهُمْ } , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : حَقَّتْ كَلِمَة رَبّك عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار : أَيْ لِأَنَّهُمْ , أَوْ بِأَنَّهُمْ , وَلَيْسَ أَنَّهُمْ فِي مَوْضِع مَفْعُول لَيْسَ مِثْل قَوْلك : أَحْقَقْت أَنَّهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَيْضًا أَحْقَقْت , لِأَنَّهُمْ . وَكَانَ غَيْره يَقُول : | أَنَّهُمْ | بَدَل مِنْ الْكَلِمَة , كَأَنَّهُ أَحَقَّتْ الْكَلِمَة حَقًّا أَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّ قَوْله | أَنَّهُمْ | تَرْجَمَة عَنْ الْكَلِمَة , بِمَعْنَى : وَكَذَلِكَ حَقَّ عَلَيْهِمْ عَذَاب النَّار , الَّذِي وَعَدَ اللَّه أَهْل الْكُفْر بِهِ .

فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش وَمَنْ حَوْله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ عَرْش اللَّه مِنْ مَلَائِكَته , وَمَنْ حَوْل عَرْشه , مِمَّنْ يَحُفّ بِهِ مِنْ الْمَلَائِكَة { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ } يَقُول : يُصَلُّونَ لِرَبِّهِمْ بِحَمْدِهِ وَشُكْره { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } يَقُول : وَيُقِرُّونَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَا إِلَه لَهُمْ سِوَاهُ , وَيَشْهَدُونَ بِذَلِكَ , لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : وَيَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَغْفِر لِلَّذِينَ أَقَرُّوا بِمِثْلِ إِقْرَارهمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَالْبَرَاءَة مِنْ كُلّ مَعْبُود سِوَاهُ ذُنُوبهمْ , فَيَعْفُوهَا عَنْهُمْ , كَمَا : 23341 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } لِأَهْلِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .)|رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا|وَقَوْله : { رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا } , وَفِي هَذَا الْكَلَام مَحْذُوف , وَهُوَ يَقُولُونَ ; وَمَعْنَى الْكَلَام وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا } : وَسِعْت رَحْمَتك وَعِلْمك كُلّ شَيْء مِنْ خَلْقك , فَعَلِمْت كُلّ شَيْء , فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْك شَيْء , وَرَحِمْت خَلْقك , وَوَسِعْتهمْ بِرَحْمَتِك . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْب الرَّحْمَة وَالْعِلْم , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اِنْتِصَاب ذَلِكَ كَانْتِصَابِ لَك مِثْله عَبْدًا , لِأَنَّك قَدْ جَعَلْت وَسِعْت كُلّ شَيْء , وَهُوَ مَفْعُول لَهُ , وَالْفَاعِل التَّاء , وَجَاءَ بِالرَّحْمَةِ وَالْعِلْم تَفْسِيرًا , وَقَدْ شُغِلَتْ عَنْهُمَا الْفِعْل كَمَا شُغِلَتْ الْمِثْل بِالْهَاءِ , فَلِذَلِكَ نَصَبَتْهُ تَشْبِيهًا بِالْمَفْعُولِ بَعْد الْفَاعِل ; وَقَالَا غَيْره : هُوَ مِنْ الْمَنْقُول , وَهُوَ مُفَسَّر , وَسِعَتْ رَحْمَته وَعِلْمه , وَوَسِعَ هُوَ كُلّ شَيْء رَحْمَة , كَمَا تَقُول : طَابَتْ بِهِ نَفْسِي , وَطِبْت بِهِ نَفْسًا , . قَالَ : أَمَا لَك مِثْله عَبْدًا , فَإِنَّ الْمَقَادِير لَا تَكُون إِلَّا مَعْلُومَة مِثْل عِنْدِي رِطْل زَيْتًا , وَالْمِثْل غَيْر مَعْلُوم , وَلَكِنْ لَفْظه لَفْظ الْمَعْرِفَة وَالْعَبْد نَكِرَة , فَلِذَلِكَ نَصَبَ الْعَبْد , وَلَهُ أَنْ يَرْفَع , وَاسْتُشْهِدَ لَقِيله ذَلِكَ بِقَوْل الشَّاعِر : <br>مَا فِي مَعْد وَالْقَبَائِل كُلّهَا .......... قَحْطَان مِثْلك وَاحِد مَعْدُود <br>وَقَالَ : رَدَّ | الْوَاحِد | عَلَى | مِثْل | لِأَنَّهُ نَكِرَة , قَالَ : وَلَوْ قُلْت : مَا مِثْلك رَجُل , وَمِثْلك رَجُل , وَمِثْلك رَجُلًا , جَازَ , لِأَنَّ مِثْل يَكُون نَكِرَة , وَإِنْ كَانَ لَفْظهَا مَعْرِفَة .|فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ|وَقَوْله : { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلك } يَقُول : فَاصْفَحْ عَنْ جُرْم مَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْك بِك مِنْ عِبَادك , فَرَجَعَ إِلَى تَوْحِيدك , وَاتَّبَعَ أَمْرك وَنَهْيك , كَمَا : 23342 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده ( { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } مِنْ الشِّرْك . )وَقَوْله : { وَاتَّبَعُوا سَبِيلك } يَقُول : وَسَلَكُوا الطَّرِيق الَّذِي أَمَرْتهمْ أَنْ يَسْلُكُوهُ , وَلَزِمُوا الْمِنْهَاج الَّذِي أَمَرْتهمْ بِلُزُومِهِ , وَذَلِكَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23343 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَاتَّبَعُوا سَبِيلك } : أَيْ طَاعَتك .)|وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ|وَقَوْله : { وَقِهِمْ عَذَاب الْجَحِيم } يَقُول : وَاصْرِفْ عَنْ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ الشِّرْك , وَاتَّبَعُوا سَبِيلك عَذَاب النَّار يَوْم الْقِيَامَة .

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ دُعَاء مَلَائِكَته لِأَهْلِ الْإِيمَان بِهِ مِنْ عِبَاده , تَقُول : يَا { رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن } يَعْنِي : بَسَاتِين إِقَامَة { الَّتِي وَعَدْتهمْ } يَعْنِي الَّتِي وَعَدْت أَهْل الْإِنَابَة إِلَى طَاعَتك أَنْ تُدْخِلهُمُوهَا { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ } يَقُول : وَأَدْخِلْ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَابُوا { وَاتَّبَعُوا سَبِيلك } جَنَّات عَدْن وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ , فَعَمِلَ بِمَا يُرْضِيك عَنْهُ مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة فِي الدُّنْيَا , وَذُكِرَ أَنَّهُ يَدْخُل مَعَ الرَّجُل أَبَوَاهُ وَوَلَده وَزَوْجَته الْجَنَّة , وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَمَله بِفَضْلِ رَحْمَة اللَّه إِيَّاهُ , كَمَا : 23344 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَعِيد , قَالَ : (يَدْخُل الرَّجُل الْجَنَّة , فَيَقُول : أَيْنَ أَبِي , أَيْنَ أُمِّي , أَيْنَ وَلَدِي , أَيْنَ زَوْجَتِي , فَيُقَال : لَمْ يَعْمَلُوا مِثْل عَمَلك , فَيَقُول : كُنْت أَعْمَل لِي وَلَهُمْ , فَيُقَال : أَدْخِلُوهُمْ الْجَنَّة ; ثُمَّ قَرَأَ { جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجهمْ وَذُرِّيَّاتهمْ } . )فَمَنْ إِذَنْ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فِي مَوْضِع نَصْب عَطْفًا عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله { وَأَدْخِلْهُمْ } وَجَائِز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَلَى الْعَطْف عَلَى الْهَاء وَالْمِيم فِي وَعَدْتهمْ { إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول : إِنَّك أَنْتَ يَا رَبّنَا الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .

فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقِهِمْ السَّيِّئَات وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل مَلَائِكَته : وَقِهِمْ : اِصْرِفْ عَنْهُمْ سُوء عَاقِبَة سَيِّئَاتهمْ الَّتِي كَانُوا أَتَوْهَا قَبْل تَوْبَتهمْ وَإِنَابَتهمْ , يَقُولُونَ : لَا تُؤَاخِذْهُمْ بِذَلِكَ , فَتُعَذِّبهُمْ بِهِ { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمْته } يَقُول : وَمَنْ تَصْرِف عَنْهُ سُوء عَاقِبَة سَيِّئَاته بِذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , فَقَدْ رَحِمْته , فَنَجَّيْته مِنْ عَذَابك { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } لِأَنَّهُ مَنْ نَجَا مِنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ , وَذَلِكَ لَا شَكّ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى السَّيِّئَات قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23346 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقِهِمْ السَّيِّئَات } : أَيْ الْعَذَاب . )23346 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مَعْمَر بْن بَشِير , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَعَنْ مُطَّرِف قَالَ : (وَجَدْنَا أَنْصَح الْعِبَاد لِلْعِبَادِ مَلَائِكَة وَأَغَشّ الْعِبَاد لِلْعِبَادِ الشَّيَاطِين , وَتَلَا : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش وَمَنْ حَوْله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ } 000 الْآيَة . )* -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ مُطَرِّف : (وَجَدْنَا أَغَشّ عِبَاد اللَّه لِعِبَادِ اللَّه الشَّيَاطِين , وَوَجَدْنَا أَنْصَح عِبَاد اللَّه لِعِبَادِ اللَّه الْمَلَائِكَة .)

فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ يُنَادَوْنَ فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة إِذَا دَخَلُوهَا , فَمَقَتُوا بِدُخُولِهُمُوهَا أَنْفُسهمْ حِين عَايَنُوا مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ فِيهَا مِنْ أَنْوَاع الْعَذَاب , فَيُقَال لَهُمْ : لَمَقْت اللَّه إِيَّاكُمْ أَيّهَا الْقَوْم فِي الدُّنْيَا , إِذْ تُدْعَوْنَ فِيهَا لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ فَتَكْفُرُونَ , أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ الْيَوْم أَنْفُسكُمْ لِمَا حَلَّ بِكُمْ مِنْ سُخْط اللَّه عَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23347 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر } قَالَ : مَقَتُوا أَنْفُسهمْ حِين رَأَوْا أَعْمَالهمْ , وَمَقَتَ اللَّه إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا , إِذْ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان , فَيَكْفُرُونَ أَكْبَر . )23348 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ } يَقُول : لَمَقْت اللَّه أَهْل الضَّلَالَة حِين عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِيمَان فِي الدُّنْيَا , فَتَرَكُوهُ , وَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا , أَكْبَر مِمَّا مَقَتُوا أَنْفُسهمْ , حِين عَايَنُوا عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة. )23349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ } فِي النَّار { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان } فِي الدُّنْيَا { فَتَكْفُرُونَ } . )23350 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { يُنَادَوْنَ لَمَقْت اللَّه } . .. الْآيَة , قَالَ : لَمَّا دَخَلُوا النَّار مَقَتُوا أَنْفُسهمْ فِي مَعَاصِي اللَّه الَّتِي رَكِبُوهَا , فَنُودُوا : إِنَّ مَقْت اللَّه إِيَّاكُمْ حِين دَعَاكُمْ إِلَى الْإِسْلَام أَشَدّ مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ الْيَوْم حِين دَخَلْتُمْ النَّار. )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول هَذِهِ اللَّام فِي قَوْله : { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر } فَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة : هِيَ لَام الِابْتِدَاء , كَانَ يُنَادَوْنَ يُقَال لَهُمْ , لِأَنَّ فِي النِّدَاء قَوْل مَنْ قَالَ : وَمِثْله فِي الْإِعْرَاب يُقَال : لَزَيْد أَفْضَل مِنْ عَمْرو . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : الْمَعْنَى فِيهِ : يُنَادَوْنَ إِنَّ مَقْت اللَّه إِيَّاكُمْ , وَلَكِنَّ اللَّام تَكْفِي مِنْ أَنْ تَقُول فِي الْكَلَام : نَادَيْت أَنَّ زَيْدًا قَائِم , قَالَ : وَمِثْله قَوْله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لِيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين } [12 35 ]اللَّام بِمَنْزِلَةِ | إِنْ | فِي كُلّ كَلَام ضَارَعَ الْقَوْل مِثْل يُنَادَوْنَ وَيُخْبِرُونَ , وَأَشْبَاه ذَلِكَ . وَقَالَ آخَر غَيْره مِنْهُمْ : هَذِهِ لَام الْيَمِين , تَدْخُل مَعَ الْحِكَايَة , وَمَا ضَارَعَ الْحِكَايَة لِتَدُلّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدهَا اِئْتِنَاف. قَالَ : وَلَا يَجُوز فِي جَوَابَات الْأَيْمَان أَنْ تَقُوم مَقَام الْيَمِين , لِأَنَّ اللَّام كَانَتْ مَعَهَا النُّون أَوْ لَمْ تَكُنْ , فَاكْتُفِيَ بِهَا مِنْ الْيَمِين , لِأَنَّهَا لَا تَقَع إِلَّا مَعَهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : دَخَلَتْ لِتُؤْذِن أَنَّ مَا بَعْدهَا اِئْتِنَاف وَأَنَّهَا لَام الْيَمِين.

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ

وَقَوْله : { رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي سُورَة الْبَقَرَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَلَكِنَّا نَذْكُر بَعْض مَا قَالَ بَعْضهمْ فِيهِ : 23351- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَتْنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ , فَأَحْيَاهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ الْمَوْتَة الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِلْبَعْثِ يَوْم الْقِيَامَة , فَهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَتَانِ . )23352 - وَحُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } هُوَ قَوْل اللَّه { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [2 28 ])23353 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : هُوَ كَقَوْلِهِ : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } [2 28 ]الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : هِيَ كَاَلَّتِي فِي الْبَقَرَة { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } . )23354 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عبثر , قَالَ : ثنا حَصِين , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : خَلَقْتنَا وَلَمْ نَكُنْ شَيْئًا ثُمَّ أَمَتَّنَا , ثُمَّ أَحْيَيْتنَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالُوا : كَانُوا أَمْوَاتًا ا فَأَحْيَاهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ مَا : 23355 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : أُمِيتُوا فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ أُحْيُوا فِي قُبُورهمْ , فَسُئِلُوا أَوْ خُوطِبُوا , ثُمَّ أُمِيتُوا فِي قُبُورهمْ , ثُمَّ أُحْيُوا فِي الْآخِرَة . )وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 23356 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } قَالَ : خَلَقَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم حِين أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , وَقَرَأَ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ } [7 172 ]فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { الْمُبْطِلُونَ } [7 173 ]قَالَ : فَنَسَّاهُمْ الْفِعْل , وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , قَالَ : وَانْتَزَعَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاع آدَم الْقُصْرَى , فَخَلَقَ مِنْهُ حَوَّاء , ذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء } [4 1 ]قَالَ : بَثَّ مِنْهُمَا بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْحَام خَلْقًا كَثِيرًا , وَقَرَأَ : { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } [39 6 ]قَالَ : خَلْقًا بَعْد ذَلِكَ , قَالَ : فَلَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , أَمَاتَهُمْ ثُمَّ خَلَقَهُمْ فِي الْأَرْحَام , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [4 154 ][23 7 ]قَالَ : يَوْمئِذٍ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [5 7])|فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ|وَقَوْله : { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } يَقُول : فَأَقْرَرْنَا بِمَا عَمِلْنَا مِنْ الذُّنُوب فِي الدُّنْيَا { فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِنْ سَبِيل } يَقُول : فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِنْ النَّار لَنَا سَبِيل , لِنَرْجِع إِلَى الدُّنْيَا , فَنَعْمَل غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل فِيهَا , كَمَا : 23357 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِنْ سَبِيل } : فَهَلْ إِلَى كَرَّة إِلَى الدُّنْيَا .)

وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّه وَحْده كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَك بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْم لِلَّهِ الْعَلِيّ الْكَبِير } </subtitle>وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر مِنْ ذِكْره عَلَيْهِ ; وَهُوَ : فَأَجِيبُوا أَنْ لَا سَبِيل إِلَى ذَلِكَ هَذَا الَّذِي لَكُمْ مِنْ الْعَذَاب أَيّهَا الْكَافِرُونَ { بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّه وَحْده كَفَرْتُمْ } , فَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُون الْأُلُوهَة لَهُ خَالِصَة , وَقُلْتُمْ { أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا } . { وَإِنْ يُشْرَك بِهِ تُؤْمِنُوا } يَقُول : وَإِنْ يُجْعَل لِلَّهِ شَرِيك تُصَدِّقُوا مَنْ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ { فَالْحُكْم لِلَّهِ الْعَلِيّ الْكَبِير } يَقُول : فَالْقَضَاء لِلَّهِ الْعَلِيّ عَلَى كُلّ شَيْء , الْكَبِير الَّذِي كُلّ شَيْء دُونه مُتَصَاغِرًا لَهُ الْيَوْم.

إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاته وَيُنَزِّل لَكُمْ مِنْ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّر إِلَّا مَنْ يُنِيب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِي يُرِيكُمْ أَيّهَا النَّاس حُجَجه وَأَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته وَرُبُوبِيَّته { وَيُنَزِّل لَكُمْ مِنْ السَّمَاء رِزْقًا } يَقُول يُنَزِّل لَكُمْ مِنْ أَرْزَاقكُمْ مِنْ السَّمَاء بِإِدْرَارِ الْغَيْث الَّذِي يُخْرِج بِهِ أَقْوَاتكُمْ مِنْ الْأَرْض , وَغِذَاء أَنْعَامكُمْ عَلَيْكُمْ { وَمَا يَتَذَكَّر إِلَّا مَنْ يُنِيب } يَقُول : وَمَا يَتَذَكَّر حُجَج اللَّه الَّتِي جَعَلَهَا أَدِلَّة عَلَى وَحْدَانِيّته , فَيَعْتَبِر بِهَا وَيَتَّعِظ , وَيَعْلَم حَقِيقَة مَا تَدُلّ عَلَيْهِ , إِلَّا مَنْ يُنِيب , يَقُول : إِلَّا مَنْ يَرْجِع إِلَى تَوْحِيده , وَيَقْبَل عَلَى طَاعَته , كَمَا : 23358 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { إِلَّا مَنْ يُنِيب } قَالَ : مَنْ يُقْبِل إِلَى طَاعَة اللَّه .)

وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ

وَقَوْله : { فَادْعُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَاعْبُدُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ , مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَة غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا مِمَّا دُونه { وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } يَقُول : وَلَوْ كَرِهَ عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَة الْكَافِرُونَ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد .

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَفِيع الدَّرَجَات ذُو الْعَرْش } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هُوَ رَفِيع الدَّرَجَات ; وَرَفَعَ قَوْله : { رَفِيعُ الدَّرَجَات } عَلَى الِابْتِدَاء ; وَلَوْ جَاءَ نَصْبًا عَلَى الرَّدّ عَلَى قَوْله : فَادْعُوا اللَّه , كَانَ صَوَابًا. { ذُو الْعَرْش } يَقُول : ذُو السَّرِير الْمُحِيط بِمَا دُونه .|يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ|وَقَوْله : { يُلْقِي الرُّوح مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } يَقُول : يَنْزِل الْوَحْي مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرُّوح فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الْوَحْي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 23359 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده , قَوْله : ( { يُلْقِي الرُّوح مِنْ أَمْره } قَالَ : الْوَحْي مِنْ أَمْره . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ الْقُرْآن وَالْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23360- حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { يُلْقِي الرُّوح مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } قَالَ : يَعْنِي بِالرُّوحِ : الْكِتَاب يُنَزِّلهُ عَلَى مَنْ يَشَاء . )23361 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يُلْقِي الرُّوح مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } , وَقَرَأَ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } [42 52 ]قَالَ : هَذَا الْقُرْآن هُوَ الرُّوح , أَوْحَاهُ اللَّه إِلَى جِبْرِيل , وَجِبْرِيل رُوح نَزَلَ بِهِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَرَأَ : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين } [26 193 ]قَالَ . فَالْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى أَنْبِيَائِهِ هِيَ الرُّوح , لِيُنْذِر بِهَا مَا قَالَ اللَّه يَوْم التَّلَاق , { يَوْم يَقُوم الرُّوح وَالْمَلَائِكَة صَفًّا } [78 38 ]قَالَ : الرُّوح : الْقُرْآن , كَانَ أَبِي يَقُولهُ , قَالَ اِبْن زَيْد : يَقُومُونَ لَهُ صَفًّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض حِين يَنْزِل جَلَّ جَلَاله . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ النُّبُوَّة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23362 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْل اللَّه : ( { يُلْقِي الرُّوح مِنْ أَمْره عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } قَالَ : النُّبُوَّة عَلَى مَنْ يَشَاء. )وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَصْحَابهَا بِهَا .|لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ|وَقَوْله : { لِيُنْذِر يَوْم التَّلَاق } يَقُول : لِيُنْذِر مَنْ يُلْقِي الرُّوح عَلَيْهِ مِنْ عِبَاده مِنْ أَمْر اللَّه بِإِنْذَارِهِ مِنْ خَلْقه عَذَاب يَوْم تَلْتَقِي فِيهِ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض , وَهُوَ يَوْم التَّلَاق , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23363- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم التَّلَاق } مِنْ أَسْمَاء يَوْم الْقِيَامَة , عَظَّمَهُ اللَّه , وَحَذَّرَهُ عِبَاده . )23364 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَوْم التَّلَاق } : يَوْم تَلْتَقِي فِيهِ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض , وَالْخَالِق وَالْخَلْق . )23365 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { يَوْم التَّلَاق } تَلْتَقِي أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض. )23366 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { يَوْم التَّلَاق } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ : يَوْم تَتَلَاقَى الْعِبَاد .)

وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

وَقَوْله : { يَوْم هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّه مِنْهُمْ شَيْء } يَعْنِي بِقَوْلِهِ { يَوْم هُمْ بَارِزُونَ } يَعْنِي الْمُنْذَرِينَ الَّذِينَ أَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ رُسُله لِيُنْذِرُوهُمْ وَهُمْ ظَاهِرُونَ يَعْنِي لِلنَّاظِرِينَ لَا يَحُول بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ جَبَل وَلَا شَجَر , وَلَا يَسْتُر بَعْضهمْ عَنْ بَعْض سَاتِر , وَلَكِنَّهُمْ بِقَاع صَفْصَف لَا أَمْت فِيهِ وَلَا عِوَج . و | هُمْ | مِنْ قَوْله : { يَوْم هُمْ } فِي مَوْضِع رَفْع بِمَا بَعْده , كَقَوْلِ الْقَائِل : فَعَلْت ذَلِكَ يَوْم الْحَجَّاج أَمِير . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا لَمْ تُخْفَض هُمْ بِيَوْمٍ وَقَدْ أُضِيفَ إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أَضَافَ يَوْم إِلَى هُمْ فِي الْمَعْنَى , فَلِذَلِكَ لَا يُنَوَّن الْيَوْم , كَمَا قَالَ : { يَوْم هُمْ عَلَى النَّار يُفْتَنُونَ } [51 13 ]وَقَالَ : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ } [77 35 ]وَمَعْنَاهُ : هَذَا يَوْم فِتْنَتهمْ , وَلَكِنْ لَمَّا اِبْتَدَأَ بِالِاسْمِ , وَبَنَى عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِر عَلَى جَرّه , وَكَانَتْ الْإِضَافَة فِي الْمَعْنَى إِلَى الْفِتْنَة , وَهَذَا إِنَّمَا يَكُون إِذَا كَانَ الْيَوْم فِي مَعْنَى إِذْ , وَإِلَّا فَهُوَ قَبِيح ; أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : لَيْتك زَمَن زَيْد أَمِير : أَيْ إِذْ زَيْد أَمِير , وَلَوْ قُلْت : أَلْقَاك زَمَن زَيْد أَمِير , لَمْ يَحْسُن . وَقَالَ غَيْره : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ الْأَوْقَات جُعِلَتْ بِمَعْنَى إِذْ وَإِذَا , فَلِذَلِكَ بَقِيَتْ عَلَى نَصْبهَا فِي الرَّفْع وَالْخَفْض وَالنَّصْب , فَقَالَ : { وَمِنْ خِزْي يَوْمئِذٍ } [11 66 ]فَنَصَبُوا , وَالْمَوْضِع خَفْض , وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ جُعِلَ مَوْضِع الْأَدَاة , وَيَجُوز أَنْ يُعْرَب بِوُجُوهِ الْإِعْرَاب , لِأَنَّهُ ظَهَرَ ظُهُور الْأَسْمَاء ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَعُود عَلَيْهِ الْعَائِد كَمَا يَعُود عَلَى الْأَسْمَاء , فَإِنْ عَادَ الْعَائِدُونَ وَأُعْرِبَ وَلَمْ يُضَفْ , فَقِيلَ : أَعْجَبَنِي يَوْم فِيهِ تَقُول , لَمَّا أَنْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْأَدَاة , وَعَادَ عَلَيْهِ الذِّكْر صَارَ اِسْمًا صَحِيحًا . وَقَالَ : وَجَائِز فِي إِذْ أَنْ تَقُول : أَتَيْتُك إِذْ تَقُوم , كَمَا تَقُولهُ : أَتَيْتُك يَوْم يَجْلِس الْقَاضِي , فَيَكُون زَمَنًا مَعْلُومًا , فَأَمَّا أَتَيْتُك يَوْم تَقُوم فَلَا مُؤْنَة فِيهِ وَهُوَ جَائِز عِنْد جَمِيعهمْ , وَقَالَ : وَهَذِهِ الَّتِي تُسَمَّى إِضَافَة غَيْر مَحْضَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ , أَنَّ نَصْب يَوْم وَسَائِر الْأَزْمِنَة فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع نَظِير نَصْب الْأَدَوَات لِوُقُوعِهَا مَوَاقِعهَا , وَإِذَا أُعْرِبَتْ بِوُجُوهِ الْإِعْرَاب , فَلِأَنَّهَا ظَهَرَتْ ظُهُور الْأَسْمَاء , فَعُومِلَتْ مُعَامَلَتهَا . وَقَوْله : { لَا يَخْفَى عَلَى اللَّه مِنْهُمْ } أَيْ وَلَا مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا { شَيْء } . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 23367 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَوْم هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّه مِنْهُمْ شَيْء } وَلَكِنَّهُمْ بَرَزُوا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة , فَلَا يَسْتَتِرُونَ بِحَبْلٍ وَلَا مَدَر .)|لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ|وَقَوْله : { لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم } يَعْنِي بِذَلِكَ : يَقُول الرَّبّ : لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم ; وَتَرَك ذِكْر | يَقُول | اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَقَوْله : { لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار } وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة الْوَارِدَة بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل ; وَمَعْنَى الْكَلَام : يَقُول الرَّبّ : لِمَنْ السُّلْطَان الْيَوْم ؟ وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيُجِيب نَفْسه فَيَقُول : { لِلَّهِ الْوَاحِد } الَّذِي لَا مِثْل لَهُ وَلَا شَبِيه { الْقَهَّار } لِكُلِّ شَيْء سِوَاهُ بِقُدْرَتِهِ , الْغَالِب بِعِزَّتِهِ.

وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيله يَوْم الْقِيَامَة حِين يَبْعَث خَلْقه مِنْ قُبُورهمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب : { الْيَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ } يَقُول : الْيَوْم يُثَاب كُلّ عَامِل بِعَمَلِهِ , فَيُوَفَّى أَجْر عَمَله , فَعَامِل الْخَيْر يُجْزَى الْخَيْر , وَعَامِل الشَّرّ يُجْزَى جَزَاءَهُ.|لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ|وَقَوْله : { لَا ظُلْم الْيَوْم } يَقُول : لَا بَخْس عَلَى أَحَد فِيمَا اِسْتَوْجَبَهُ مِنْ أَجْر عَمَله فِي الدُّنْيَا , فَيَنْقُص مِنْهُ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا , وَلَا حُمِلَ عَلَى مُسِيء إِثْم ذَنْب لَمْ يَعْمَلهُ فَيُعَاقَب عَلَيْهِ { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو سُرْعَة فِي مُحَاسَبَة عِبَاده يَوْمئِذٍ عَلَى أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا ; ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْم لَا يَنْتَصِف حَتَّى يَقِيل أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , وَأَهْل النَّار فِي النَّار , وَقَدْ فُرِغَ مِنْ حِسَابهمْ , وَالْقَضَاء بَيْنهمْ .

إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : وَأَنْذِرْ يَا مُحَمَّد مُشْرِكِي قَوْمك يَوْم الْآزِفَة , يُعْنَى يَوْم الْقِيَامَة , أَنْ يُوَافُوا اللَّه فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة , فَيَسْتَحِقُّوا مِنْ اللَّه عِقَابه الْأَلِيم. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 233368 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { يَوْم الْآزِفَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة . )23369 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة } يَوْم الْقِيَامَة . )23370 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة . )23371 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله ( { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة , وَقَرَأَ : { أَزِفَتْ الْآزِفَة لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه كَاشِفَة } [53 57])|إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ|وَقَوْله : { إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كَاظِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِذْ قُلُوب الْعِبَاد مِنْ مَخَافَة عِقَاب اللَّه لَدَى حَنَاجِرهمْ قَدْ شَخَصَتْ مِنْ صُدُورهمْ , فَتَعَلَّقَتْ بِحُلُوقِهِمْ كَاظِمِيهَا , يَرُومُونَ رَدّهَا إِلَى مَوَاضِعهَا مِنْ صُدُورهمْ فَلَا تَرْجِع , وَلَا هِيَ تَخْرُج مِنْ أَبْدَانهمْ فَيَمُوتُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23372 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر } قَالَ : قَدْ وَقَعَتْ الْقُلُوب فِي الْحَنَاجِر مِنْ الْمَخَافَة , فَلَا هِيَ تَخْرُج وَلَا تَعُود إِلَى أَمْكِنَتهَا . )23373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كَاظِمِينَ } قَالَ : شَخَصَتْ أَفْئِدَتهمْ عَنْ أَمْكِنَتهَا , فَنَشِبَتْ فِي حُلُوقهمْ , فَلَمْ تَخْرُج مِنْ أَجْوَافهمْ فَيَمُوتُوا , وَلَمْ تَرْجِع إِلَى أَمْكِنَتهَا فَتَسْتَقِرّ . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه النَّصْب { كَاظِمِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اِنْتِصَابه عَلَى الْحَال , كَأَنَّهُ أَرَادَ : إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر فِي هَذِهِ الْحَال . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : الْأَلِف وَاللَّام بَدَل مِنْ الْإِضَافَة , كَأَنَّهُ قَالَ : إِذَا قُلُوبهمْ لَدَى حَنَاجِرهمْ فِي حَال كَظْمهمْ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : هُوَ نَصْب عَلَى الْقَطْع مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي يَرْجِع مِنْ ذِكْرهمْ فِي الْقُلُوب وَالْحَنَاجِر , الْمَعْنَى : إِذْ قُلُوبهمْ لَدَى حَنَاجِرهمْ كَاظِمِينَ . قَالَ : فَإِنْ شِئْت جَعَلْت قِطْعَة مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله { وَأَنْذِرْهُمْ } قَالَ : وَالْأَوَّل أَجْوَد فِي الْعَرَبِيَّة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان وَجْه ذَلِكَ .|مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ|وَقَوْله : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَلَا شَفِيع } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا لِلْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ يَوْمئِذٍ مِنْ حَمِيم يُحْمَى لَهُمْ , فَيَدْفَع عَنْهُمْ عَظِيم مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَلَا شَفِيع يَشْفَع لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ فَيُطَاع فِيمَا شَفَعَ , وَيُجَاب فِيمَا سَأَلَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23374 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَلَا شَفِيع } قَالَ : مَنْ يَعْنِيه أَمْرهمْ , وَلَا شَفِيع لَهُمْ . )وَقَوْله : { يُطَاع } صِلَة لِلشَّفِيع . وَمَعْنَى الْكَلَام : مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَلَا شَفِيع إِذَا شَفَعَ أُطِيعَ فِيمَا شَفَعَ , فَأُجِيبَ وَقُبِلَتْ شَفَاعَته لَهُ.

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ

وَقَوْله : { يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن } يَقُول جَلَّ ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ صِفَة نَفْسه : يَعْلَم رَبّكُمْ مَا خَانَتْ أَعْيُن عِبَاده , وَمَا أَخْفَتْهُ صُدُورهمْ , يَعْنِي : وَمَا أَضْمَرَتْهُ قُلُوبهمْ ; يَقُول : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُورهمْ حَتَّى مَا يُحَدِّث بِهِ نَفْسه , وَيُضْمِرهُ قَلْبه إِذَا نَظَرَ مَاذَا يُرِيد بِنَظَرِهِ , وَمَا يَنْوِي ذَلِكَ بِقَلْبِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23375 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن حُسَيْن بْن وَاقِد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن } إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا تُرِيد الْخِيَانَة أَمْ لَا { وَمَا تُخْفِي الصُّدُور } إِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهَا أَتَزْنِي بِهَا أَمْ لَا ؟ قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ , ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِركُمْ بِاَلَّتِي تَلِيهَا ؟ قُلْت نَعَمْ , قَالَ : { وَاَللَّه يَقْضِي بِالْحَقِّ } قَادِر عَلَى أَنْ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ الْحَسَنَة , وَبِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة { إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } قَالَ الْحَسَن : فَقُلْت لِلْأَعْمَشِ : حَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة , وَبِالْحَسَنَةِ عَشْرًا . وَقَالَ الْأَعْمَش : إِنَّ الَّذِي عِنْد الْكَلْبِيّ عِنْدِي , مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا بِحَقِيرٍ . )23376 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن } قَالَ : نَظَر الْأَعْيُن إِلَى مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ . )23377 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { خَائِنَة الْأَعْيُن } : أَيْ يَعْلَم هَمْزه بِعَيْنِهِ , وَإِغْمَاضه فِيمَا لَا يُحِبّ اللَّه وَلَا يَرْضَاهُ.)

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

{ وَاَللَّه يَقْضِي بِالْحَقِّ } يَقُول : وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقْضِي فِي الَّذِي خَانَتْهُ الْأَعْيُن بِنَظَرِهَا , وَأَخْفَتْهُ الصُّدُور عِنْد نَظَر الْعُيُون بِالْحَقِّ , فَيَجْزِي الَّذِينَ أَغْمَضُوا أَبْصَارهمْ , وَصَرَفُوهَا عَنْ مَحَارِمه حِذَار الْمَوْقِف بَيْن يَدَيْهِ , وَمَسْأَلَته عَنْهُ بِالْحُسْنَى , وَاَلَّذِينَ رَدَّدُوا النَّظَر , وَعَزَمَتْ قُلُوبهمْ عَلَى مُوَاقَعَة الْفَوَاحِش إِذَا قَدَرَتْ , جَزَاءَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23375 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن حُسَيْن بْن وَاقِد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن } إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا تُرِيد الْخِيَانَة أَمْ لَا { وَمَا تُخْفِي الصُّدُور } إِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهَا أَتَزْنِي بِهَا أَمْ لَا ؟ قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ , ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِركُمْ بِاَلَّتِي تَلِيهَا ؟ قُلْت نَعَمْ , قَالَ : { وَاَللَّه يَقْضِي بِالْحَقِّ } قَادِر عَلَى أَنْ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ الْحَسَنَة , وَبِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة { إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } قَالَ الْحَسَن : فَقُلْت لِلْأَعْمَشِ : حَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة , وَبِالْحَسَنَةِ عَشْرًا . وَقَالَ الْأَعْمَش : إِنَّ الَّذِي عِنْد الْكَلْبِيّ عِنْدِي , مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا بِحَقِيرٍ .)|وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ|وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } يَقُول : وَالْأَوْثَان وَالْآلِهَة الَّتِي يَعْبُدهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك مِنْ دُونه لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ , لِأَنَّهَا لَا تَعْلَم شَيْئًا , وَلَا تَقْدِر عَلَى شَيْء , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : فَاعْبُدُوا الَّذِي يَقْدِر عَلَى كُلّ شَيْء , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ , فَيَجْزِي مُحْسِنكُمْ بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء بِالْإِسَاءَةِ , لَا مَا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء وَلَا يَعْلَم شَيْئًا , فَيَعْرِف الْمُحْسِن مِنْ الْمُسِيء , فَيُثِيب الْمُحْسِن , وَيُعَاقِب الْمُسِيء .|إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِمَا تَنْطِق بِهِ أَلْسِنَتكُمْ أَيّهَا النَّاس , الْبَصِير بِمَا تَفْعَلُونَ مِنْ الْأَفْعَال , مُحِيط بِكُلِّ ذَلِكَ مُحْصِيه عَلَيْكُمْ , لِيُجَازِيَ جَمِيعكُمْ جَزَاءَهُ يَوْم الْجَزَاء. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : | وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه | بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْخَبَر. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ

القول في تأويل قوله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} </subtitle>يقول تعالى ذكره: أو لم يسر هؤلاء المقيمون على شركهم بالله, المكذبون رسوله من قريش, في البلاد, {فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} يقول: فيروا ما الذي كان خاتمة أمم الذين كانوا من قبلهم من الأمم الذين سلكوا سبيلهم, في الكفر بالله, وتكذيب رسله {كانوا هم أشد منهم قوة} يقول: كانت تلك الأمم الذين كانوا من قبلهم أشد منهم بطشا, وأبقى في الأرض آثارا, فلم تنفعهم شده قواهم, وعظم أجسامهم, إذ جاءهم أمر الله, وأخذهم بما أجرموا من معاصيه, واكتسبوا من الآثام, ولكنه أباد جمعهم, وصارت مساكنهم خاوية منهم بما ظلموا {وما كان لهم من الله من واق} يقول: وما كان لهم من عذاب الله إذ جاءهم, من واق يقيهم, فيدفعه عنهم, كالذي:23378- حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة {وما كان لهم من الله من واق} يقيهم, ولا ينفعهم.</table></body></html>

يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمْ اللَّه إِنَّهُ قَوِيّ شَدِيد الْعِقَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلْت بِهَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّذِينَ مِنْ قَبْل مُشْرِكِي قُرَيْش مَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَعَلْنَا بِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُل اللَّه إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ , يَعْنِي بِالْآيَاتِ الدَّالَّات عَلَى حَقِيقَة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته { فَكَفَرُوا } يَقُول : فَأَنْكَرُوا رِسَالَتهَا , وَجَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوا اللَّه { فَأَخَذَهُمْ اللَّه } يَقُول : فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِعَذَابِهِ فَأَهْلَكَهُمْ { إِنَّهُ قَوِيّ شَدِيد الْعِقَاب } يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو قُوَّة لَا يَقْهَرهُ شَيْء , وَلَا يَغْلِبهُ , وَلَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , شَدِيد عِقَابه مَنْ عَاقَبَ مِنْ خَلْقه ; وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه مُشْرِكِي قُرَيْش , الْمُكَذِّبِينَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَاحْذَرُوا أَيّهَا الْقَوْم أَنْ تَسْلُكُوا سَبِيلهمْ فِي تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُحُود تَوْحِيد اللَّه , وَمُخَالَفَة أَمْره وَنَهْيه فَيَسْلُك بِكُمْ فِي تَعْجِيل الْهَلَاك لَكُمْ مَسْلَكهمْ .

الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُسَلِّيًا نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَمَّا كَانَ يَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه مِنْ قُرَيْش , بِإِعْلَامِهِ مَا لَقِيَ مُوسَى مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مِنْ تَكْذِيب , وَمُخْبِره أَنَّهُ مُعْلِيه عَلَيْهِمْ , وَجَاعِل دَائِرَة السَّوْء عَلَى مَنْ حَادَّهُ وَشَاقَّهُ , كَسُنَّتِهِ فِي مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , إِذْ أَعْلَاهُ , وَأَهْلَكَ عَدُوّهُ فِرْعَوْن { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا } : يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ . { وَسُلْطَان مُبِين } , كَمَا : 23379 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , ( { وَسُلْطَان مُبِين } : أَيْ عُذْر مُبِين . )يَقُول : وَحُجَجه الْمُبَيَّنَة لِمَنْ يَرَاهَا أَنَّهَا حُجَّة مُحَقِّقَة مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُوسَى { إِلَى فِرْعَوْن وَهَامَان وَقَارُون فَقَالُوا سَاحِر كَذَّاب } يَقُول : فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى لِمُوسَى : هُوَ سَاحِر يَسْحَر الْعَصَا , فَيَرَى النَّاظِر إِلَيْهَا أَنَّهَا حَيَّة تَسْعَى , { كَذَّاب } يَقُول : يَكْذِب عَلَى اللَّه , وَيَزْعُم أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاس رَسُولًا .

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ

{ إِلَى فِرْعَوْن وَهَامَان وَقَارُون فَقَالُوا سَاحِر كَذَّاب } يَقُول : فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى لِمُوسَى : هُوَ سَاحِر يَسْحَر الْعَصَا , فَيَرَى النَّاظِر إِلَيْهَا أَنَّهَا حَيَّة تَسْعَى , { كَذَّاب } يَقُول : يَكْذِب عَلَى اللَّه , وَيَزْعُم أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاس رَسُولًا .

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدنَا قَالُوا اُقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدنَا , وَذَلِكَ مَجِيئُهُ إِيَّاهُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , مَعَ إِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِمْ , بِأَنَّ اللَّه اِبْتَعَثَهُ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَى ذَلِكَ { قَالُوا اُقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ { مَعَهُ } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } يَقُول : وَاسْتَبَقُوا نِسَاءَهُمْ لِلْخِدْمَةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدنَا قَالُوا اُقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } , وَإِنَّمَا كَانَ قَتْل فِرْعَوْن الْوِلْدَان مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل حِذَار الْمَوْلُود الَّذِي كَانَ أُخْبِرَ أَنَّهُ عَلَى رَأْسه ذَهَاب مُلْكه , وَهَلَاك قَوْمه , وَذَلِكَ كَانَ فِيمَا يُقَال قَبْل أَنْ يَبْعَث اللَّه مُوسَى نَبِيًّا ؟ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْأَمْر بِقَتْلِ أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَ مُوسَى , وَاسْتِحْيَاء نِسَائِهِمْ , كَانَ أَمْرًا مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ مِنْ بَعْد الْأَمْر الْأَوَّل الَّذِي كَانَ مِنْ فِرْعَوْن قَبْل مَوْلِد مُوسَى , كَمَا : 23380 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده : ( { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدنَا قَالُوا اُقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } قَالَ : هَذَا قَتْل غَيْر الْقَتْل الْأَوَّل الَّذِي كَانَ.)|وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ|وَقَوْله : { وَمَا كَيْد الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال } يَقُول : وَمَا اِحْتِيَال أَهْل الْكُفْر لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ إِلَّا فِي جَوْز عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَصَدّ عَنْ قَصْد الْمَحَجَّة , وَأَخْذ عَلَى غَيْر هُدًى .

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ فِرْعَوْن ذَرُونِي أَقْتُل مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبّه إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ فِرْعَوْن } لِمِلَّتِهِ : { ذَرُونِي أَقْتُل مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبّه } الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا فَيَمْنَعهُ مِنَّا { إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ } يَقُول : إِنِّي أَخَاف أَنْ يُغَيِّر دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِسِحْرِهِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام وَالْبَصْرَة : | وَأَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد | بِغَيْرِ أَلِف , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْمَدِينَة , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { أَوْ أَنَّ } بِالْأَلِفِ , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ | يَظْهَر فِي الْأَرْض | بِفَتْحِ الْيَاء وَرَفْع الْفَسَاد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسَاد إِذَا أَظْهَرَهُ مُظْهِرًا كَانَ ظَاهِرًا , وَإِذَا ظَهَرَ فَبِإِظْهَارِ مَظْهَره يَظْهَر , فَفِي الْقِرَاءَة بِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة مَعْنَى الْأُخْرَى . وَأَمَّا الْقِرَاءَة فِي : { أَوْ أَنْ يَظْهَر } بِالْأَلِفِ وَبِحَذْفِهَا , فَإِنَّهُمَا أَيْضًا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْء إِذَا بُدِّلَ إِلَى خِلَافه فَلَا شَكَّ أَنَّ خِلَافه الْمُبَدَّل إِلَيْهِ الْأَوَّل هُوَ الظَّاهِر دُون الْمُبَدَّل , فَسَوَاء عُطِفَ عَلَى خَبَره عَنْ خَوْفه مِنْ مُوسَى أَنْ يُبَدِّل دِينهمْ بِالْوَاوِ أَوْ بِأَوْ , لِأَنَّ تَبْدِيل دِينهمْ كَانَ عِنْده ظُهُور الْفَسَاد , وَظُهُور الْفَسَاد كَانَ عِنْده هُوَ تَبْدِيل الدِّين . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : إِنِّي أَخَاف مِنْ مُوسَى أَنْ يُغَيِّر دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ , أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي أَرْضكُمْ أَرْض مِصْر , عِبَادَة رَبّه الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَته , وَذَلِكَ كَانَ عِنْده هُوَ الْفَسَاد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23381 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ } : أَيْ أَمْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ { أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد } وَالْفَسَاد عِنْده أَنْ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه .)

لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْت بِرَبِّي وَرَبّكُمْ مِنْ كُلّ مُتَكَبِّر لَا يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : إِنِّي اُسْتُجِرْت أَيّهَا الْقَوْم بِرَبِّي وَرَبّكُمْ , مِنْ كُلّ مُتَكَبِّر عَلَيْهِ , تَكَبَّرَ عَنْ تَوْحِيده , وَالْإِقْرَار بِأُلُوهِيَّتِهِ وَطَاعَته , لَا يُؤْمِن بِيَوْمٍ يُحَاسِب اللَّه فِيهِ خَلْقه , فَيُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِمَا أَسَاءَ ; وَإِنَّمَا خَصَّ مُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ , الِاسْتِعَاذَة بِاَللَّهِ مِمَّنْ لَا يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب مُصَدِّقًا , لَمْ يَكُنْ لِلثَّوَابِ عَلَى الْإِحْسَان رَاجِيًا , وَلَا لِلْعِقَابِ عَلَى الْإِسَاءَة , وَقَبِيح مَا يَأْتِي مِنْ الْأَفْعَال خَائِفًا , وَلِذَلِكَ كَانَ اِسْتِجَارَته مِنْ هَذَا الصِّنْف مِنْ النَّاس خَاصَّة .

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ

وَقَوْله : { وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن يَكْتُم إِيمَانه } اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي هَذَا الرَّجُل الْمُؤْمِن , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن , غَيْر أَنَّهُ كَانَ قَدْ آمَنَ بِمُوسَى , وَكَانَ يُسِرّ إِيمَانه مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه خَوْفًا عَلَى نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23382 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَقَالَ رَجُل مُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن } قَالَ : هُوَ اِبْن عَمّ فِرْعَوْن . )وَيُقَال : هُوَ الَّذِي نَجَا مَعَ مُوسَى , فَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل , وَتَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيل , كَانَ صَوَابًا الْوَقْف إِذَا أَرَادَ الْقَارِئ الْوَقْف عَلَى قَوْله : { مِنْ آل فِرْعَوْن } , لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَر مَتْنَاهُ قَدْ تَمَّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ الرَّجُل إِسْرَائِيلِيًّا , وَلَكِنَّهُ كَانَ يَكْتُم إِيمَانه مِنْ آل فِرْعَوْن. وَالصَّوَاب عَلَى هَذَا الْقَوْل لِمَنْ أَرَادَ الْوَقْف أَنْ يَجْعَل وَقْفه عَلَى قَوْله : { يَكْتُم إِيمَانه } لِأَنَّ قَوْله : { مِنْ آل فِرْعَوْن } صِلَة لِقَوْلِهِ : { يَكْتُم إِيمَانه } فَتَمَامه قَوْله : يَكْتُم إِيمَانه , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اِسْم هَذَا الرَّجُل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن : جِبْرِيل , كَذَلِكَ : 23383 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ السُّدِّيّ مِنْ أَنَّ الرَّجُل الْمُؤْمِن كَانَ مِنْ آل فِرْعَوْن , قَدْ أَصْغَى لِكَلَامِهِ , وَاسْتَمَعَ مِنْهُ مَا قَالَهُ , وَتَوَقَّفَ عَنْ قَتْل مُوسَى عِنْد نَهْيه عَنْ قَتْله . وَقِيله مَا قَالَهُ . وَقَالَ لَهُ : مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى , وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَاد , وَلَوْ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا لَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يُعَاجِل هَذَا الْقَاتِل لَهُ , وَلِمَلَئِهِ مَا قَالَ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى قَوْله , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَنْصِح بَنِي إِسْرَائِيل , لِاعْتِدَادِهِ إِيَّاهُمْ أَعْدَاء لَهُ , فَكَيْفَ بِقَوْلِهِ عَنْ قَتْل مُوسَى لَوْ وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ مَلَأ قَوْمه , اِسْتَمَعَ قَوْله , وَكَفَّ عَمَّا كَانَ هَمَّ بِهِ فِي مُوسَى .|أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ|وَقَوْله : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه } يَقُول : أَتَقْتُلُونَ أَيّهَا الْقَوْم مُوسَى لِأَنْ يَقُول رَبِّيَ اللَّه ؟ فَإِنَّ فِي مَوْضِع نَصْب لِمَا وَصَفْت . { وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَات عَلَى حَقِيقَة مَا يَقُول مِنْ ذَلِكَ . وَتِلْكَ الْبَيِّنَات مِنْ الْآيَات يَده وَعَصَاهُ , كَمَا : 23384 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ . ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق ( { وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ } بِعَصَاهُ وَبِيَدِهِ.)|وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ|وَقَوْله : { وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبه } يَقُول : وَإِنْ يَكُ مُوسَى كَاذِبًا فِي قِيله : إِنَّ اللَّه أَرْسَلَهُ إِلَيْك يَأْمُركُمْ بِعِبَادَتِهِ , وَتَرْك دِينكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا إِثْم كَذِبه عَلَيْهِ دُونكُمْ { وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْض الَّذِي يَعِدكُمْ } يَقُول : وَإِنْ يَكُ صَادِقًا فِي قِيله ذَلِكَ , أَصَابَكُمْ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى مَقَامكُمْ عَلَى الدِّين الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ , فَلَا حَاجَة بِكُمْ إِلَى قَتْله , فَتَزِيدُوا رَبّكُمْ بِذَلِكَ إِلَى سُخْطه عَلَيْكُمْ بِكُفْرِكُمْ سُخْطًا { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِف كَذَّاب } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق لِلْحَقِّ مَنْ هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى فِعْل مَا لَيْسَ لَهُ فِعْله , كَذَّاب عَلَيْهِ يَكْذِب , وَيَقُول عَلَيْهِ الْبَاطِل وَغَيْر الْحَقّ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْإِسْرَاف الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤْمِن فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الشِّرْك , وَأَرَادَ : إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُشْرِك بِهِ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23385 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ . ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِف كَذَّاب } : مُشْرِك أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه بِالشِّرْكِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ مَنْ هُوَ قَتَّال سَفَّاك لِلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23386 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِف كَذَّاب } قَالَ : الْمُسْرِف : هُوَ صَاحِب الدَّم , وَيُقَال : هُمْ الْمُشْرِكُونَ . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْمُؤْمِن أَنَّهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِف كَذَّاب } وَالشِّرْك مِنْ الْإِسْرَاف , وَسَفْك الدَّم بِغَيْرِ حَقّ مِنْ الْإِسْرَاف , وَقَدْ كَانَ مُجْتَمِعًا فِي فِرْعَوْن الْأَمْرَانِ كِلَاهُمَا , فَالْحَقّ أَنْ يَعُمّ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَائِله , أَنَّهُ عَمَّ الْقَوْل بِذَلِكَ .

لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ مِثْل يَوْم الْأَحْزَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ بِقَتْلِكُمْ مُوسَى إِنْ قَتَلْتُمُوهُ مِثْل يَوْم الْأَحْزَاب الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى رُسُل اللَّه نُوح وَهُود وَصَالِح , فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه بِتَجَرُّئِهِمْ عَلَيْهِ , فَيُهْلِككُمْ كَمَا أَهْلَكَهُمْ .

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ

وَقَوْله : { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } يَقُول : يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ فَيُهْلِككُمْ مِثْل سُنَّته فِي قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَفِعْله بِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الدَّأْب فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته , مَعَ ذِكْر أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ . وَقَدْ : 23387 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } يَقُول : مِثْل حَال . )23388 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } قَالَ : مِثْل مَا أَصَابَهُمْ .)|وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ|وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } يَعْنِي قَوْم إِبْرَاهِيم , وَقَوْم لُوط , وَهُمْ أَيْضًا مِنْ الْأَحْزَاب , كَمَا : 23389 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } قَالَ : هُمْ الْأَحْزَاب.)|وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ|وَقَوْله : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : وَمَا أَهْلَكَ اللَّه هَذِهِ الْأَحْزَاب مِنْ هَذِهِ الْأُمَم ظُلْمًا مِنْهُ لَهُمْ بِغَيْرِ جُرْم اجْتَرَمُوهُ بَيْنهمْ وَبَيْنه , لِأَنَّهُ لَا يُرِيد ظُلْم عِبَاده , وَلَا يَشَاؤُهُ , وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِإِجْرَامِهِمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَخِلَافهمْ أَمْره .

لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن لِفِرْعَوْن وَقَوْمه : { وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ } بِقَتْلِكُمْ مُوسَى إِنْ قَتَلْتُمُوهُ عِقَاب اللَّه { يَوْم التَّنَادِ } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَوْم التَّنَادِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يَوْم التَّنَادِ } بِتَخْفِيفِ الدَّال , وَتَرْك إِثْبَات الْيَاء , بِمَعْنَى التَّفَاعُل , مِنْ تَنَادَى الْقَوْم تَنَادِيًا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } [7 44 ]وَقَالَ : { وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء } [7 50 ]فَلِذَلِكَ تَأَوَّلَهُ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23390 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة ( { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : يَوْم يُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة : أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ } يَوْم يُنَادِي أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار { أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا } [7 4 ]وَيُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } [7 50 ])23391 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة يُنَادِي أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار . )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة تَأْوِيل آخَر عَلَى غَيْر هَذَا الْوَجْه ; وَهُوَ مَا : 23392- حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدَنِيّ , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع , فَفَزِعَ أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه أَنْ يُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { وَمَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاق } [38 15 ]فَيُسَيِّر اللَّه الْجِبَال فَتَكُون سَرَابًا , فَتُرَجّ الْأَرْض بِأَهْلِهَا رَجًّا , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة قُلُوب يَوْمئِذٍ وَاجِفَة } [79 6 : 8 ]فَتَكُون كَالسَّفِينَةِ الْمُرْتِعَة فِي الْبَحْر تَضْرِبهَا الْأَمْوَاج تَكْفَأ بِأَهْلِهَا , أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّق بِالْعَرْشِ تَرُجّهُ الْأَرْوَاح , فَتَمِيد النَّاس عَلَى ظَهْرهَا , فَتَذْهَل الْمَرَاضِع , وَتَضَع الْحَوَامِل , وَتَشِيب الْوِلْدَان , وَتَطِير الشَّيَاطِين هَارِبَة حَتَّى تَأْتِي الْأَقْطَار , فَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَة , فَتَضْرِب وُجُوههَا , فَتَرْجِع وَيُوَلِّي النَّاس مُدْبِرِينَ , يُنَادِي بَعْضهمْ بَعْضًا , وَهُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه : { يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } | )فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل مَعْنَى الْكَلَام : وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم يُنَادِي النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ فَزَع نَفْخَة الْفَزَع . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : وَيَوْم التَّنَادِّ | بِتَشْدِيدِ الدَّال , بِمَعْنَى : التَّفَاعُل مِنْ النِّدّ , وَذَلِكَ إِذَا هَرَبُوا فَنَدُّوا فِي الْأَرْض , كَمَا تَنِدّ الْإِبِل : إِذَا شَرَدَتْ عَلَى أَرْبَابهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَذُكِرَ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 23393 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ الْأَجْلَح , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : (إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , أَمَرَ اللَّه السَّمَاء الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا , وَنَزَلَ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَة , فَأَحَاطُوا بِالْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا , ثُمَّ الثَّانِيَة , ثُمَّ الثَّالِثَة , ثُمَّ الرَّابِعَة , ثُمَّ الْخَامِسَة , ثُمَّ السَّادِسَة , ثُمَّ السَّابِعَة , فَصُفُّوا صَفًّا دُون صَفّ , ثُمَّ يَنْزِل الْمَلَك الْأَعْلَى عَلَى مَجْنَبَتِهِ الْيُسْرَى جَهَنَّم , فَإِذَا رَآهَا أَهْل الْأَرْض نَدُّوا فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَار الْأَرْض إِلَّا وَجَدُوا السَّبْعَة صُفُوف مِنْ الْمَلَائِكَة , فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } وَذَلِكَ قَوْله : { وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمئِذٍ بِجَهَنَّم } [89 22 : 23 ]وَقَوْله : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } [55 33 ]وَذَلِكَ قَوْله : { وَانْشَقَّتْ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَة وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا } [69 17 ])23394 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله ( { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : تَنِدُّونَ . )وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : | يَوْم التَّنَادِي | بِإِثْبَاتِ الْيَاء وَتَخْفِيف الدَّال. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ تَخْفِيف الدَّال وَبِغَيْرِ إِثْبَات الْيَاء , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْحُجَّة مُجْمِعَة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَغَيْر جَائِز خِلَافهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ نَقْلًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب , فَمَعْنَى الْكَلَام : وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم يُنَادِي النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا , إِمَّا مِنْ هَوْل مَا قَدْ عَايَنُوا مِنْ عَظِيم سُلْطَان اللَّه , وَفَظَاعَة مَا غَشِيَهُمْ مِنْ كَرْب ذَلِكَ الْيَوْم , وَإِمَّا لِتَذْكِيرِ بَعْضهمْ بَعْضًا إِنْجَاز اللَّه إِيَّاهُمْ الْوَعْد الَّذِي وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَاسْتِغَاثَة مِنْ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , مِمَّا لَقِيَ مِنْ عَظِيم الْبَلَاء فِيهِ .

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ

وَقَوْله : { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } فَتَأْوِيله عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَوْم يُوَلُّونَ هَارِبِينَ فِي الْأَرْض حِذَار عَذَاب اللَّه وَعِقَابه عِنْد مُعَايَنَتهمْ جَهَنَّم . وَتَأْوِيله عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي مَعْنَى { يَوْم التَّنَادِ } : يَوْم تُوَلُّونَ مُنْصَرِفِينَ عَنْ مَوْقِف الْحِسَاب إِلَى جَهَنَّم . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْهُ , وَعَمَّنْ قَالَ نَحْو مَقَالَته فِي مَعْنَى { يَوْم التَّنَادِ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 23395 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ . ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } : أَيْ مُنْطَلِقًا بِكُمْ إِلَى النَّار . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ غَيْر بَعِيد مِنْ الْحَقّ , وَبِهِ قَالَ جِمَاعه مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , (جَمِيعًا لِقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ غَيْر بَعِيدٍ مِنْ الْحَقّ , وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل. )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } قَالَ : فَارِّينَ غَيْر مُعْجِزِينَ .)|مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ|وَقَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مَانِع يَمْنَعكُمْ , وَنَاصِر يَنْصُركُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23397 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } : أَيْ مِنْ نَاصِر .)|وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ|وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِرُشْدِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُوَفِّق يُوَفِّقهُ لَهُ .

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف مِنْ قَبْل بِالْبَيِّنَاتِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف بْن يَعْقُوب يَا قَوْم مِنْ قَبْل مُوسَى بِالْوَاضِحَاتِ مِنْ حُجَج اللَّه , كَمَا : 23398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف مِنْ قَبْل } قَالَ : قَبْل مُوسَى .)|فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ|وَقَوْله : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } يَقُول : فَلَمْ تَزَالُوا مُرْتَابِينَ فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ يُوسُف مِنْ عِنْد رَبّكُمْ غَيْر مُوقِنِي الْقُلُوب بِحَقِيقَتِهِ { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } يَقُول : حَتَّى إِذَا مَاتَ يُوسُف قُلْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم : لَنْ يَبْعَث اللَّه مِنْ بَعْد يُوسُف إِلَيْكُمْ رَسُولًا بِالدُّعَاءِ إِلَى الْحَقّ { وَكَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه مَنْ هُوَ مُسْرِف مُرْتَاب } يَقُول : هَكَذَا يَصُدّ اللَّه عَنْ إِصَابَة الْحَقّ وَقَصْد السَّبِيل مَنْ هُوَ كَافِر بِهِ مُرْتَاب , شَاكّ فِي حَقِيقَة أَخْبَار رُسُله.

قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } فَقَوْله | الَّذِينَ | مَرْدُود عَلَى | مَنْ | فِي قَوْله { مَنْ هُوَ مُسْرِف } . وَتَأْوِيل الْكَلَام : كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه أَهْل الْإِسْرَاف وَالْغُلُوّ فِي ضَلَالهمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ , وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى مَعَاصِيه , الْمُرْتَابِينَ فِي أَخْبَار رُسُله , الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ فِي حُجَجه الَّتِي أَتَتْهُمْ بِهَا رُسُله لِيَدْحَضُوهَا بِالْبَاطِلِ مِنْ الْحُجَج { بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } يَقُول : بِغَيْرِ حُجَّة أَتَتْهُمْ مِنْ عِنْد رَبّهمْ يَدْفَعُونَ بِهَا حَقِيقَة الْحُجَج الَّتِي أَتَتْهُمْ بِهَا الرُّسُل ; و | الَّذِينَ | إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِع نَصْب رَدًّا عَلَى | مَنْ | .|كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا|وَقَوْله : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْد اللَّه } يَقُول : كَبُرَ ذَلِكَ الْجِدَال الَّذِي يُجَادِلُونَهُ فِي آيَات اللَّه مَقْتًا عِنْد اللَّه , { وَعِنْد الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ ; وَإِنَّمَا نُصِبَ قَوْله : { مَقْتًا } لِمَا فِي قَوْله { كَبُرَ } مِنْ ضَمِير الْجِدَال , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُج مِنْ أَفْوَاههمْ } [18 5 ]فَنَصَبَ كَلِمَة مِنْ نَصَبَهَا , لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي قَوْله : { كَبُرَتْ } ضَمِير قَوْلهمْ : { اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا } [18 4 ]وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُضْمَر ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَفَعَ الْكَلِمَة .|كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ|وَقَوْله : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر جَبَّار } يَقُول : كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ , كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر عَلَى اللَّه أَنْ يُوَحِّدهُ , وَيُصَدِّق رُسُله . جَبَّار : يَعْنِي مُتَعَظِّم عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , خَلَا أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , عَلَى : { كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر } بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْ أَنَّ اللَّه طَبَعَ عَلَى قُلُوب الْمُتَكَبِّرِينَ كُلّهَا ; وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ قِرَاءَته , كَانَ قَوْله | جَبَّار | . مِنْ نَعْت | مُتَكَبِّر | . (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ | كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قَلْب كُلّ مُتَكَبِّر جَبَّار . )23399 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ اِبْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هَارُون أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود . وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَته يُحَقِّق قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَةِ قَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ تَقْدِيم | كُلّ | قَبْل الْقَلْب وَتَأْخِيرهَا بَعْده لَا يُغَيِّر الْمَعْنَى , بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِد . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب سَمَاعًا : هُوَ يُرَجِّل شَعْره يَوْم كُلّ جُمُعَة , يَعْنِي : كُلّ يَوْم جُمُعَة. وَأَمَّا أَبُو عَمْرو فَقَرَأَ ذَلِكَ بِتَنْوِينِ الْقَلْب وَتَرَكَ إِضَافَته إِلَى مُتَكَبِّر , وَجَعَلَ الْمُتَكَبِّر وَالْجَبَّار مِنْ صِفَة الْقَلْب . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ التَّكَبُّر فِعْل الْفَاعِل بِقَلْبِهِ , كَمَا أَنَّ الْقَاتِل إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ بِيَدِهِ , فَإِنَّ الْفِعْل مُضَاف إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْقَلْب جَارِحَة مِنْ جَوَارِح الْمُتَكَبِّر . وَإِنْ كَانَ بِهَا التَّكَبُّر , فَإِنَّ الْفِعْل إِلَى فَاعِله مُضَاف , نَظِير الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَتْل , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْنَا , فَإِنَّ الْأُخْرَى غَيْر مَدْفُوعَة , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْنَع أَنْ تَقُول : بَطَشَتْ يَد فُلَان , وَرَأَتْ عَيْنَاهُ كَذَا , وَفَهِمَ قَلْبه , فَتُضِيف الْأَفْعَال إِلَى الْجَوَارِح , وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَة لِأَصْحَابِهَا .

سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ فِرْعَوْن لَمَّا وَعَظَهُ الْمُؤْمِن مِنْ آله بِمَا وَعَظَهُ بِهِ وَزَجَرَهُ عَنْ قَتْل مُوسَى نَبِيّ اللَّه وَحَذَّرَهُ مِنْ بَأْس اللَّه عَلَى قِيله أَقْتُلهُ مَا حَذَّرَهُ لِوَزِيرِهِ وَزِير السُّوء هَامَان : { يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } يَعْنِي بِنَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّرْح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْبَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْبَاب السَّمَوَات : طُرُقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح ( { أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . )23401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِأَسْبَابِ السَّمَوَات : أَبْوَاب السَّمَوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23402 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا } وَكَانَ أَوَّل مَنْ بَنَى بِهَذَا الْآجُرّ وَطَبَخَهُ { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } : أَيْ أَبْوَاب السَّمَوَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ مَنْزِل السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : مَنْزِل السَّمَاء . )وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ السَّبَب : هُوَ كُلّ مَا تُسُبِّبَ بِهِ إِلَى الْوُصُول إِلَى مَا يُطْلَب مِنْ حَبْل وَسُلَّم وَطَرِيق وَغَيْر ذَلِكَ . فَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ لَعَلِّي أَبْلُغ مِنْ أَسْبَاب السَّمَوَات أَسْبَابًا أَتَسَيَّب بِهَا إِلَى رُؤْيَة إِلَه مُوسَى , طُرُقًا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَاب مِنْهَا , أَوْ أَبْوَابًا , أَوْ مَنَازِل , أَوْ غَيْر ذَلِكَ .

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ فِرْعَوْن لَمَّا وَعَظَهُ الْمُؤْمِن مِنْ آلِهِ بِمَا وَعَظَهُ بِهِ وَزَجَرَهُ عَنْ قَتْل مُوسَى نَبِيّ اللَّه وَحَذَّرَهُ مِنْ بَأْس اللَّه عَلَى قِيله أَقْتُلهُ مَا حَذَّرَهُ لِوَزِيرِهِ وَزِير السُّوء هَامَان : { يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } يَعْنِي بِنَاء. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّرْح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْبَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْبَاب السَّمَوَات : طُرُقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح ( { أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . )23401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { أَبْلُغ الْأَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِأَسْبَابِ السَّمَوَات : أَبْوَاب السَّمَوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23402 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا } وَكَانَ أَوَّل مَنْ بَنَى بِهَذَا الْآجُرّ وَطَبَخَهُ { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } : أَيْ أَبْوَاب السَّمَوَات . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ مَنْزِل السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : مَنْزِل السَّمَاء . )وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ السَّبَب : هُوَ كُلّ مَا تُسُبِّبَ بِهِ إِلَى الْوُصُول إِلَى مَا يُطْلَب مِنْ حَبْل وَسُلَّم وَطَرِيق وَغَيْر ذَلِكَ . فَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ لَعَلِّي أَبْلُغ مِنْ أَسْبَاب السَّمَوَات أَسْبَابًا أَتَسَيَّب بِهَا إِلَى رُؤْيَة إِلَه مُوسَى , طُرُقًا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَاب مِنْهَا , أَوْ أَبْوَابًا , أَوْ مَنَازِل , أَوْ غَيْر ذَلِكَ .|فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى|وَقَوْله : { فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَأَطَّلِع } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : | فَأَطَّلِعُ | بِضَمِّ الْعَيْن : رَدًّا عَلَى قَوْله : { أَبْلُغ الْأَسْبَاب } وَعَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ . وَذُكِرَ عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ { فَأَطَّلِع } نَصْبًا جَوَابًا لِلَعَلِّي , وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض الْعَرَب أَنْشَدَهُ : <br>عَلَّ صُرُوف الدَّهْر أَوْ دُولَاتهَا <br><br>يُدِلْنَنَا اللَّمَّة مِنْ لَمَّاتهَا <br><br>فَتَسْتَرِيح النَّفْس مِنْ زَفَرَاتهَا <br>فَنُصِبَ فَتَسْتَرِيح عَلَى أَنَّهَا جَوَاب لِلَعَلَّ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز غَيْرهَا الرَّفْع فِي ذَلِكَ , لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .|وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا|وَقَوْله : { وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا } يَقُول : وَإِنِّي لَأَظُنّ مُوسَى كَاذِبًا فِيمَا يَقُول وَيَدَّعِي مِنْ أَنَّ لَهُ فِي السَّمَاء رَبًّا أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا .|وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ|وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْن سُوء عَمَله } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا زَيَّنَ اللَّه لِفِرْعَوْن حِين عَتَا عَلَيْهِ وَتَمَرَّدَ , قَبِيح عَمَله , حَتَّى سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسه بُلُوغ أَسْبَاب السَّمَوَات , لِيَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى .|وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ|وَقَوْله : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } بِضَمِّ الصَّاد , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , كَمَا : 23404 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } قَالَ : فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ , زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله , وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل. )وَقَرَأَ ذَلِكَ حُمَيْد وَأَبُو عَمْرو وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة | وَصَدّ | بِفَتْحِ الصَّاد , بِمَعْنَى : وَأَعْرَضَ فِرْعَوْن عَنْ سَبِيل اللَّه الَّتِي اُبْتُعِثَ بِهَا مُوسَى اِسْتِكْبَارًا. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .|وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ|وَقَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا اِحْتِيَال فِرْعَوْن الَّذِي يَحْتَال لِلِاطِّلَاع إِلَى إِلَه مُوسَى , إِلَّا فِي خَسَار وَذَهَاب مَال وَغَبْن , لِأَنَّهُ ذَهَبَتْ نَفَقَته الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الصَّرْح بَاطِلًا , وَلَمْ يَنَلْ بِمَا أَنْفَقَ شَيْئًا مِمَّا أَرَادَهُ , فَذَلِكَ هُوَ الْخَسَار وَالتَّبَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23405- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول : فِي خُسْرَان . )23406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فِي تَبَاب } قَالَ : خَسَار . )23407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } : أَيْ فِي ضَلَال وَخَسَار. )23408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } قَالَ : التَّبَاب وَالضَّلَال وَاحِد .)

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا يَقُوم اِتَّبَعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيل الرَّشَاد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ مِنْ آل فِرْعَوْن { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ } مِنْ قَوْم فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ : { يَا قَوْم اِتَّبَعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيل الرَّشَاد } يَقُول : إِنْ اِتَّبَعْتُمُونِي فَقَبِلْتُمْ مِنِّي مَا أَقُول لَكُمْ , بَيَّنْت لَكُمْ طَرِيق الصَّوَاب الَّذِي تَرْشُدُونَ إِذَا أَخَذْتُمْ فِيهِ وَسَلَكْتُمُوهُ وَذَلِكَ هُوَ دِين اللَّه الَّذِي اُبْتُعِثَ بِهِ مُوسَى .

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

يَقُول : { إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع } يَقُول لِقَوْمِهِ : مَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا الْعَاجِلَة الَّتِي عُجِّلَتْ لَكُمْ فِي هَذِهِ الدَّار إِلَّا مَتَاع تَسْتَمْتِعُونَ بِهَا إِلَى أَجَل أَنْتُمْ بَالِغُوهُ , ثُمَّ تَمُوتُونَ وَتَزُول عَنْكُمْ { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } يَقُول : وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة , وَهِيَ دَار الْقَرَار الَّتِي تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا فَلَا تَمُوتُونَ وَلَا تَزُول عَنْكُمْ , يَقُول : فَلَهَا فَاعْمَلُوا , وَإِيَّاهَا فَاطْلُبُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23409 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } اِسْتَقَرَّتْ الْجَنَّة بِأَهْلِهَا , وَاسْتَقَرَّتْ النَّار بِأَهْلِهَا.)

وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } </subtitle>يَقُول : مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَلَا يَجْزِيه اللَّه فِي الْآخِرَة إِلَّا سَيِّئَة مِثْلهَا , وَذَلِكَ أَنْ يُعَاقِبهُ بِهَا ; { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } يَقُول : وَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه فِي الدُّنْيَا , وَائْتَمَرَ لِأَمْرِهِ , وَانْتَهَى فِيهَا عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة , وَهُوَ مُؤْمِن بِاَللَّهِ { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَقُول : فَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ مِنْ عِبَاد اللَّه يَدْخُلُونَ فِي الْآخِرَة الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23410- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا } أَيْ شِرْكًا , | السَّيِّئَة عِنْد قَتَادَة شِرْك | { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا } , أَيْ خَيْرًا { مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } )|يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ|وَقَوْله : { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : يَرْزُقهُمْ اللَّه فِي الْجَنَّة مِنْ ثِمَارهَا , وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمهَا وَلَذَّاتهَا بِغَيْرِ حِسَاب , كَمَا : 23411 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : لَا وَاَللَّه مَا هُنَاكُم مِكْيَال وَلَا مِيزَان.)

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَا قَوْم مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن لِقَوْمِهِ مِنْ الْكَفَرَة : { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة } مِنْ عَذَاب اللَّه وَعُقُوبَته بِالْإِيمَانِ بِهِ , وَاتِّبَاع رَسُوله مُوسَى , وَتَصْدِيقه فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه { وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } يَقُول : وَتَدْعُونَنِي إِلَى عَمَل أَهْل النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23412 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَهُ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة } قَالَ : الْإِيمَان بِاَللَّهِ . )23413 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } قَالَ هَذَا مُومِن آل فِرْعَوْن , قَالَ : يَدْعُونَهُ إِلَى دِينهمْ وَالْإِقَامَة مَعَهُمْ .)

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ

وَقَوْله : { تَدْعُونَنِي لِأَكْفُر بِاَللَّهِ وَأُشْرِك بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم } يَقُول : وَأُشْرِك بِاَللَّهِ فِي عِبَادَته أَوْثَانًا , لَسْت أَعْلَم أَنَّهُ يَصْلُح لِي عِبَادَتهَا وَإِشْرَاكهَا فِي عِبَادَة اللَّه , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَأْذَن لِي فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْل .|وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ|وَقَوْله : { وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول : وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَة الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ , الَّذِي لَا يَمْنَعهُ إِذَا اِنْتَقَمَ عَدُوّ لَهُ شَيْء , الْغَفَّار لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ بَعْد مَعْصِيَته إِيَّاهُ , لِعَفْوِهِ عَنْهُ , فَلَا يَضُرّهُ شَيْء مَعَ عَفْوه عَنْهُ , يَقُول : فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ الصِّفَة صِفَته فَاعْبُدُوا , لَا مَا لَا ضُرّ عِنْده وَلَا نَفْع .

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } </subtitle>يَقُول : حَقًّا أَنَّ الَّذِي تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ الْأَوْثَان , لَيْسَ لَهُ دُعَاء فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , لِأَنَّهُ جَمَاد لَا يَنْطِق , وَلَا يَفْهَم شَيْئًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23414- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الْوَثَن لَيْسَ بِشَيْءٍ . )23415 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } : أَيْ لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ. )23416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } .)|وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ|وَقَوْله : { وَأَنَّ مَرَدّنَا إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأَنَّ مَرْجِعنَا وَمُنْقَلَبنَا بَعْد مَمَاتنَا إِلَى اللَّه { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } يَقُول : وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْمُتَعَدِّينَ حُدُوده , الْقَتَلَة النُّفُوس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه قَتْلهَا , هُمْ أَصْحَاب نَار جَهَنَّم عِنْد مَرْجِعنَا إِلَى اللَّه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي مَعْنَى الْمُسْرِفِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ سَفَّاكُو الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23417 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَإِنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه ( { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا. )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ } قَالَ : السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا , هُمْ أَصْحَاب النَّار . )23418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : سَمَّاهُمْ اللَّه مُسْرِفِينَ , فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23419 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , ( { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } : أَيْ الْمُشْرِكُونَ . )وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَاف فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا اِخْتَرْنَا , لِأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل لِفِرْعَوْن وَقَوْمه , إِنَّمَا قَصَدَ فِرْعَوْن بِهِ لِكُفْرِهِ , وَمَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنْ قَتْل مُوسَى , وَكَانَ فِرْعَوْن عَالِيًا عَاتِيًا فِي كُفْره . سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ الَّتِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ سَفْكهَا , وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الْإِسْرَاف , فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس