islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
13908

44-الدخان

حم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُول لَكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَقَوْمه : فَسَتَذْكُرُونَ أَيّهَا الْقَوْم إِذَا عَايَنْتُمْ عِقَاب اللَّه قَدْ حَلَّ بِكُمْ , وَلَقِيتُمْ مَا لَقِيتُمُوهُ صِدْق مَا أَقُول , وَحَقِيقَة مَا أُخْبِركُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار , كَمَا : 23420 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُول لَكُمْ } , فَقُلْت لَهُ : أَوَذَلِكَ فِي الْأَخِرَة ؟ قَالَ : نَعَمْ.)|وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ|وَقَوْله : { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأُسَلِّم أَمْرِي إِلَى اللَّه , وَأَجْعَلهُ إِلَيْهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23421 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } قَالَ : أَجْعَل أَمْرِي إِلَى اللَّه.)|إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِأُمُورِ عِبَاده , وَمَنْ الْمُطِيع مِنْهُمْ , وَالْعَاصِي لَهُ , وَالْمُسْتَحِقّ جَمِيل الثَّوَاب , وَالْمُسْتَوْجِب سَيِّئ الْعِقَاب .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ

وَقَوْله : { فَوَقَاهُ اللَّه سَيِّئَات مَا مَكَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَدَفَعَ اللَّه عَنْ هَذَا الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن بِإِيمَانِهِ وَتَصْدِيق رَسُوله مُوسَى , مَكْرُوه مَا كَانَ فِرْعَوْن يَنَال بِهِ أَهْل الْخِلَاف عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب وَالْبَلَاء , فَنَجَّاهُ مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23422 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { سَيِّئَات مَا مَكَرُوا } قَالَ : وَكَانَ قِبْطِيًّا مِنْ قَوْم فِرْعَوْن , فَنَجَا مَعَ مُوسَى , قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بَيْن يَدَيْ مُوسَى يَوْمئِذٍ يَسِير وَيَقُول : أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَيَقُول : أَمَامك , فَيَقُول لَهُ الْمُؤْمِن : وَهَلْ أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر ؟ فَيَقُول مُوسَى : لَا وَاَللَّه مَا كَذَبْت وَلَا كُذِّبْت , ثُمَّ يَسِير سَاعَة وَيَقُول : أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَيَقُول : أَمَامك , فَيَقُول : وَهَلْ أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر , فَيَقُول : لَا وَاَللَّه مَا كَذَبْت , وَلَا كُذِّبْت , حَتَّى أَتَى عَلَى الْبَحْر فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ , فَانْفَلَقَ اِثْنَيْ عَشَر طَرِيقًا , لِكُلِّ سِبْط طَرِيق .)|وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ|وَقَوْله : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْن سُوء الْعَذَاب } يَقُول : وَحَلَّ بِآلِ فِرْعَوْن وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ; وَعُنِيَ بِآلِ فِرْعَوْن فِي هَذَا الْمَوْضِع تُبَّاعه وَأَهْل طَاعَته مِنْ قَوْمه , كَمَا : 23423 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْل اللَّه : ( { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْن سُوء الْعَذَاب } قَالَ : قَوْم فِرْعَوْن . )وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { سُوء الْعَذَاب } : مَأْ سَاءَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه , وَذَلِكَ نَار جَهَنَّم .

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُبَيِّنًا عَنْ سُوء الْعَذَاب الَّذِي حَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ قَوْم فِرْعَوْن ذَلِكَ الَّذِي حَاقَ بِهِمْ مِنْ سُوء عَذَاب اللَّه { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } إِنَّهُمْ لَمَّا هَلَكُوا وَغَرَّقَهُمْ اللَّه , جُعِلَتْ أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر سُود , فَهِيَ تُعْرَض عَلَى النَّار كُلّ يَوْم مَرَّتَيْنِ { غُدُوًّا وَعَشِيًّا } إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23424 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي قَيْس , عَنْ الْهُذَيْل بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : (أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طَيْر سُود تَغْدُو وَتَرُوح عَلَى النَّار , وَذَلِكَ عَرْضهَا . )23425 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ أَرْوَاح قَوْم فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طَيْر سُود تُعْرَض عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , حَتَّى تَقُوم السَّاعَة. )23426 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مُحَمَّد الْفَزَارِيّ الْبَلْخِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ وَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ : رَحِمَك اللَّه , (رَأَيْنَا طُيُورًا تَخْرُج مِنْ الْبَحْر تَأْخُذ نَاحِيَة الْغَرْب بِيضًا , فَوْجًا فَوْجًا , لَا يَعْلَم عَدَدهَا إِلَّا اللَّه , فَإِذَا كَانَ الْعَشِيّ رَجَعَ مِثْلهَا سُودًا , قَالَ : وَفَطِنْتُمْ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : إِنَّ تِلْكَ الطُّيُور فِي حَوَاصِلهَا أَرْوَاح آل فِرْعَوْن يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , فَتَرْجِع إِلَى وُكُورهَا وَقَدْ اِحْتَرَقَتْ رِيَاشهَا , وَصَارَتْ سَوْدَاء , فَتَنْبُت عَلَيْهَا مِنْ اللَّيْل رِيَاض بِيض , وَتَتَنَاثَر السُّود , ثُمَّ تَغْدُو , وَيُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , ثُمَّ تَرْجِع إِلَى وُكُورهَا , فَذَلِكَ دَأْبهَا فِي الدُّنْيَا ; فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , قَالَ اللَّه { أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } قَالُوا : وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّهُمْ سِتّ مِئَة أَلْف مُقَاتِل . )23427 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني حَرْمَلَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : (لَيْسَ فِي الْآخِرَة لَيْل وَلَا نِصْف نَهَار , وَإِنَّمَا هُوَ بُكْرَة وَعَشِيّ , وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن فِي آل فِرْعَوْن { يُعْرَضُونَ عِلَلهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } وَكَذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِ الْجَنَّة { لَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } . )وَقِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى مَنَازِلهمْ فِي النَّار تَعْذِيبًا لَهُمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23428 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } قَالَ : يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاء , يُقَال لَهُمْ : يَا آل فِرْعَوْن هَذِهِ مَنَازِلكُمْ , تَوْبِيخًا وَنِقْمَة وَصَغَارًا لَهُمْ. )23429 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { غُدُوًّا وَعَشِيًّا } قَالَ : مَا كَانَتْ الدُّنْيَا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّ آل فِرْعَوْن يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْعَرْض عَلَى النَّار عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْهُذَيْل وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله , وَأَنْ يَكُون كَمَا قَالَ قَتَادَة , وَلَا خَبَر يُوجِب الْحُجَّة بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيّ بِهِ , فَلَا فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْقُرْآن , وَهُمْ أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , وَأَصْل الْغُدُوّ وَالْعَشِيّ مَصَادِر جُعِلَتْ أَوْقَاتًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ : إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر , كَمَا تَقُول : أَتَيْته ظَلَامًا ; جَعَلَهُ ظَرْفًا وَهُوَ مَصْدَر . قَالَ : وَلَوْ قُلْت : مَوْعِدك غَدْوَة , أَوْ مَوْعِدك ظَلَام , فَرَفَعْته , كَمَا تَقُول : مَوْعِدك يَوْم الْجُمُعَة , لَمْ يَحْسُن , لِأَنَّ هَذِهِ الْمَصَادِر وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ نَحْو سَحَر لَا تُجْعَل إِلَّا ظَرْفًا ; قَالَ : وَالظَّرْف كُلّه لَيْسَ بِمُتَمَكَّنٍ ; وَقَالَ نَحْوِيُّو الْكُوفَة : لَمْ يُسْمَع فِي هَذِهِ الْأَوْقَات , وَإِنْ كَانَتْ مَصَادِر , إِلَّا التَّعْرِيب : مَوْعِدك يَوْم مَوْعِدك صَبَاح وَرَوَاح , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } [34 12 ]فَرَفَعَ , وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا : إِنَّمَا الطَّيْلَسَان شَهْرَانِ , قَالُوا : وَلَمْ يُسْمَع فِي الْأَوْقَات النَّكِرَات إِلَّا الرَّفْع إِلَّا قَوْلهمْ : إِنَّمَا سَخَاؤُك أَحْيَانًا , وَقَالُوا : إِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى : إِنَّمَا سَخَاؤُك الْحِين بَعْد الْحِين , فَلَمَّا كَانَ تَأْوِيله الْإِضَافَة نُصِبَ .|وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ|وَقَوْله : { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق سِوَى عَاصِم وَأَبِي عَمْرو { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ ادْخُلُوا فِي الْوَصْل وَالْقَطْع بِمَعْنَى : الْأَمْر بِإِدْخَالِهِمْ النَّار . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل نَصْبًا بِوُقُوعِ أَدْخِلُوا عَلَيْهِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو : | وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا | بِوَصْلِ الْأَلِف وَسُقُوطهَا فِي الْوَصْل مِنْ اللَّفْظ , وَبِضَمِّهَا إِذَا اُبْتُدِئَ بَعْد الْوَقْف عَلَى السَّاعَة , وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل عَلَى قِرَاءَته نَصْبًا بِالنِّدَاءِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَته : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقَال لِآلِ فِرْعَوْن : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب , فَهَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ وَصَلَ الْأَلِف مِنْ اُدْخُلُوا وَلَمْ يَقْطَع , وَمَعْنَاهُ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى , وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ { أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } .

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّار فَيَقُول الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كَاظِمِينَ } , { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّار } يَقُول : وَإِذْ يَتَخَاصَمُونَ فِي النَّار . وَعَنَى بِذَلِكَ : إِذْ يَتَخَاصَم الَّذِينَ أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْذَارِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه فِي النَّار , فَيَقُول الضُّعَفَاء مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُتَّبِعُونَ عَلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } تَقُول لِرُؤَسَائِهِمْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ عَلَى الضَّلَالَة : إِنَّا كُنَّا لَكُمْ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ } الْيَوْم { عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار } يَعْنُونَ حَظًّا فَتُخَفِّفُوهُ عَنَّا , فَقَدْ كُنَّا نُسَارِع فِي مَحَبَّتكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَمِنْ قَبْلكُمْ أَتَيْنَا , لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنِينَ , فَلَمْ يُصِبْنَا الْيَوْم هَذَا الْبَلَاء ; وَالتَّبَع يَكُون وَاحِدًا وَجَمَاعَة فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , وَفِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة جَمْع لَا وَاحِد لَهُ , لِأَنَّهُ كَالْمَصْدَرِ . قَالَ : وَإِنْ شِئْت كَانَ وَاحِده تَابِع , فَيَكُون مِثْل خَائِل وَخَوْل , وَغَائِب وَغَيْب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ جَمْع وَاحِد. تَابِع , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون وَاحِدًا فَيَكُون جَمْعه أَتْبَاع .

أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ

فَأَجَابَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ ; { قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا } وَهُمْ الرُّؤَسَاء الْمَتْبُوعُونَ عَلَى الضَّلَالَة فِي الدُّنْيَا : إِنَّا أَيّهَا الْقَوْم وَأَنْتُمْ كُلّنَا فِي هَذِهِ النَّار مُخَلَّدُونَ , لَا خَلَاص لَنَا مِنْهَا { إِنَّ اللَّه قَدْ حَكَمَ بَيْن الْعِبَاد } بِفَصْلِ قَضَائِهِ , فَأَسْكَنَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , وَأَهْل النَّار النَّار , فَلَا نَحْنُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء خَارِجُونَ , وَلَا هُمْ مِمَّا فِيهِ مِنْ النَّعِيم مُنْتَقِلُونَ ; وَرُفِعَ قَوْله { كُلّ } بِقَوْلِهِ { فِيهَا } وَلَمْ يُنْصَب عَلَى النَّعْت . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَاز النَّصْب فِي ذَلِكَ فِي الْكَلَام . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا لَمْ يُضَفْ | كُلّ | لَمْ يَجُزْ الِاتِّبَاع . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : ذَلِكَ جَائِز فِي الْحَذْف وَغَيْر الْحَذْف , لِأَنَّ أَسْمَاءَهَا إِذَا حُذِفَتْ اُكْتُفِيَ بِهَا مِنْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّار لِخَزَنَةِ جَهَنَّم اُدْعُوَا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل جَهَنَّم لِخَزَنَتِهَا وَقِوَامهَا , اِسْتِغَاثَة بِهِمْ مِنْ عَظِيم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء , وَرَجَاء أَنْ يَجِدُوا مِنْ عِنْدهمْ فَرَجًا { اُدْعُوَا رَبّكُمْ } لَنَا { يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا } وَاحِدًا , يَعْنِي قَدْر يَوْم وَاحِد مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا { مِنْ الْعَذَاب } الَّذِي نَحْنُ فِيهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى ذَلِكَ : قَدْر يَوْم مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , لِأَنَّ الْآخِرَة يَوْم لَا لَيْل فِيهِ , فَيُقَال : خَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا .

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ

وَقَوْله : { قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ خَزَنَة جَهَنَّم لَهُمْ : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ فِي الدُّنْيَا رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ الْحُجَج عَلَى تَوْحِيد اللَّه , فَتُوَحِّدُوهُ وَتُؤْمِنُوا بِهِ , وَتَتَبَرَّءُوا مِمَّا دُونه مِنْ الْآلِهَة ؟ قَالُوا : بَلَى , قَدْ أَتَتْنَا رُسُلنَا بِذَلِكَ .

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ

وَقَوْله : { يَوْم لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ذَلِكَ يَوْم لَا يَنْفَع أَهْل الشِّرْك اِعْتِذَارهمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَذِرُونَ إِنْ اِعْتَذَرُوا إِلَّا بِبَاطِلٍ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا , وَتَابَعَ عَلَيْهِمْ الْحُجَج فِيهَا فَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا الِاعْتِصَام بِالْكَذِبِ بِأَنْ يَقُولُوا : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [6 23]|وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ|وَقَوْله : { وَلَهُمْ اللَّعْنَة } يَقُول : وَلِلظَّالِمِينَ اللَّعْنَة , وَهِيَ الْبُعْد مِنْ رَحْمَة اللَّه { وَلَهُمْ سُوء الدَّار } يَقُول : وَلَهُمْ مَعَ اللَّعْنَة مِنْ اللَّه شَرّ مَا فِي الدَّار الْآخِرَة , وَهُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم .

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى } الْبَيَان لِلْحَقِّ الَّذِي بَعَثْنَاهُ بِهِ كَمَا آتَيْنَا ذَلِكَ مُحَمَّدًا فَكَذَّبَ بِهِ فِرْعَوْن وَقَوْمه , كَمَا كَذَّبَتْ قُرَيْش مُحَمَّدًا { وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَاب } يَقُول : وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل التَّوْرَاة , فَعَلَّمْنَاهُمُوهَا , وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ { هُدًى } يَعْنِي بَيَانًا لِأَمْرِ دِينهمْ , وَمَا أَلْزَمْنَاهُمْ مِنْ فَرَائِضهَا , { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول : وَتَذْكِيرًا مِنَّا لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُول مِنْهُمْ بِهَا .

يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ { هُدًى } يَعْنِي بَيَانًا لِأَمْرِ دِينهمْ , وَمَا أَلْزَمْنَاهُمْ مِنْ فَرَائِضهَا , { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول : وَتَذْكِيرًا مِنَّا لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُول مِنْهُمْ بِهَا .

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ

وَقَوْله : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد لِأَمْرِ رَبّك , وَانْفُذْ لِمَا أَرْسَلَك بِهِ مِنْ الرِّسَالَة , وَبَلِّغْ قَوْمك وَمَنْ أُمِرْت بِإِبْلَاغِهِ مَا أَنْزَلَ إِلَيْك , وَأَيْقِنْ بِحَقِيقَةِ وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَك مِنْ نُصْرَتك , وَنُصْرَة مَنْ صَدَّقَك وَآمَنَ بِك , عَلَى مَنْ كَذَّبَك , وَأَنْكَرَ مَا جِئْته بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , وَإِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ لَا خُلْف لَهُ وَهُوَ مُنْجِز لَهُ { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } يَقُول : وَسَلْهُ غُفْرَان ذُنُوبك وَعَفْوه لَك عَنْهُ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك } يَقُول : وَصَلِّ بِالشُّكْرِ مِنْك لِرَبِّك { بِالْعَشِيِّ } وَذَلِكَ مِنْ زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل { وَالْإِبْكَار } وَذَلِكَ مِنْ طُلُوع الْفَجْر الثَّانِي إِلَى طُلُوع الشَّمْس . وَقَدْ وَجَّهَ قَوْم الْإِبْكَار إِلَى أَنَّهُ مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى اِرْتِفَاع الضُّحَى , وَخُرُوج وَقْت الضُّحَى , وَالْمَعْرُوف عِنْد الْعَرَب الْقَوْل الْأَوَّل. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه عَطْف الْإِبْكَار وَالْبَاء غَيْر حَسَن دُخُولهَا فِيهِ عَلَى الْعَشِيّ , وَالْبَاء تَحْسُن فِيهِ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك بِالْعَشِيِّ وَفِي الْإِبْكَار . وَقَالَ : قَدْ يُقَال : بِالدَّارِ زَيْد , يُرَاد : فِي الدَّار زَيْد , وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : صَلِّ بِالْحَمْدِ بِهَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ , فَإِدْخَال الْبَاء فِي وَاحِد فِيهِمَا .

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَك يَا مُحَمَّد فِيمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك مِنْ الْآيَات { بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } يَقُول : بِغَيْرِ حُجَّة جَاءَتْهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه بِمُخَاصَمَتِك فِيهَا { إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر } يَقُول : مَا فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر يَتَكَبَّرُونَ مِنْ أَجْله عَنْ اِتِّبَاعك , وَقَبُول الْحَقّ الَّذِي أَتَيْتهمْ بِهِ حَسَدًا مِنْهُمْ عَلَى الْفَضْل الَّذِي آتَاك اللَّه , وَالْكَرَامَة الَّتِي أَكْرَمَك بِهَا مِنْ النُّبُوَّة { مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } يَقُول : الَّذِي حَسَدُوك عَلَيْهِ أَمْر لَيْسُوا بِمُدْرِكِيهِ وَلَا نَائِلِيهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , وَلَيْسَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُدْرَك بِالْأَمَانِي ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ : إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا عَظَمَة مَا هُمْ بِبَالِغِي تِلْكَ الْعَظَمَة لِأَنَّ اللَّه مُذِلّهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23434 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر } قَالَ : عَظَمَة . )وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23435 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . , قَوْله . ( { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } لَمْ يَأْتِهِمْ بِذَاكَ سُلْطَان .)|فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ|وَقَوْله : { فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاسْتَجِرْ بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد مِنْ شَرّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان , وَمِنْ الْكِبْر أَنْ يَعْرِض فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه وَغَيْرهمْ مِنْ قَوْل الْبَصِير بِمَا تُمْلِهِ جَوَارِحهمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَخَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض أَكْبَر مِنْ خَلْق النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَابْتِدَاع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِنْشَاؤُهَا مِنْ غَيْر شَيْء أَعْظَم أَيّهَا النَّاس عِنْدكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُسْتَعْظِمِي خَلْق النَّاس , وَإِنْشَائِهِمْ مِنْ غَيْر شَيْء مِنْ خَلْق النَّاس , وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ خَلْق جَمِيع ذَلِكَ هَيِّن عَلَى اللَّه .

إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا الْمُسِيء قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } </subtitle>وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا , وَهُوَ مِثْل الْكَافِر الَّذِي لَا يَتَأَمَّل حُجَج اللَّه بِعَيْنَيْهِ , فَيَتَدَبَّرهَا وَيَعْتَبِر بِهَا , فَيَعْلَم وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته عَلَى خَلْق مَا شَاءَ مِنْ شَيْء , وَيُؤْمِن بِهِ وَيُصَدِّق . وَالْبَصِير الَّذِي يَرَى بِعَيْنَيْهِ مَا شَخَصَ لَهُمَا وَيُبْصِرهُ , وَذَلِكَ مَثَل لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يَرَى بِعَيْنَيْهِ حُجَج اللَّه , فَيَتَفَكَّر فِيهَا وَيَتَّعِظ , وَيَعْلَم مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد صَانِعه , وَعَظِيم سُلْطَانه وَقُدْرَته عَلَى خَلْق مَا يَشَاء ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن . { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَسْتَوِي أَيْضًا كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , الْمُطِيعُونَ لِرَبِّهِمْ , وَلَا الْمُسِيء , وَهُوَ الْكَافِر بِرَبِّهِ , الْعَاصِي لَهُ , الْمُخَالِف أَمْره { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ أَيّهَا النَّاس حُجَج اللَّه , فَتَعْتَبِرُونَ وَتَتَّعِظُونَ ; يَقُول : لَوْ تَذَكَّرْتُمْ آيَاته وَاعْتَبَرْتُمْ , لَعَرَفْتُمْ خَطَأ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ إِنْكَاركُمْ قُدْرَة اللَّه عَلَى إِحْيَائِهِ مَنْ فَنِيَ مِنْ خَلْقه مِنْ بَعْد الْفَنَاء , وَإِعَادَتهمْ لِحَيَاتِهِمْ مِنْ بَعْد وَفَاتهمْ , وَعَلِمْتُمْ قُبْح شِرْككُمْ مَنْ تُشْرِكُونَ فِي عِبَادَة رَبّكُمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { تَتَذَكَّرُونَ } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : | يَتَذَكَّرُونَ | بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْخَبَر , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { تَتَذَكَّرُونَ } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب , وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَة بِهِمَا صَوَاب .

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ السَّاعَة لَآتِيَة لَا رَيْب فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ السَّاعَة الَّتِي يُحْيِي اللَّه فِيهَا الْمَوْتَى لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب لَجَائِيَة أَيّهَا النَّاس لَا شَكَّ فِي مَجِيئِهَا ; يَقُول : فَأَيْقِنُوا بِمَجِيئِهَا , وَأَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , وَمُجَازُونَ بِأَعْمَالِكُمْ , فَتُوبُوا إِلَى رَبّكُمْ { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر قُرَيْش لَا يُصَدِّقُونَ بِمَجِيئِهَا .

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ

وَقَوْله : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس لَكُمْ اُدْعُونِي : يَقُول : اُعْبُدُونِي وَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَة دُون مَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَغَيْر ذَلِكَ { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول : أَجِب دُعَاءَكُمْ فَأَعْفُو عَنْكُمْ وَأَرْحَمكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23436- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول : وَحِّدُونِي أَغْفِر لَكُمْ . )23437 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة | وَقَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , وَالْأَعْمَش عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة , { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . .. الْآيَة . )* -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع قَالَ أَبُو مُوسَى : هَكَذَا قَالَ غُنْدَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة | { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن الْعُرْف الْبَاهِلِيّ , عَنْ الْحَسَن بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ مُحَمَّد بْن جُحَادَة , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ عِبَادَتِي دُعَائِي | ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } قَالَ : | عَنْ دُعَائِي . )23438 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا عُمَارَة , عَنْ ثَابِت , قَالَ : (قَالَتْ لِأَنَسٍ : يَا أَبَا حَمْزَة أَبَلَغَك أَنَّ الدُّعَاء نِصْف الْعِبَادَة ؟ قَالَ : لَا , بَلْ هُوَ الْعِبَادَة كُلّهَا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } | )23439 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , عَنْ الْأَشْجَعِيّ , قَالَ : (قِيلَ لِسُفْيَان : اُدْعُ اللَّه , قَالَ : إِنَّ تَرْك الذُّنُوب هُوَ الدُّعَاء .)|إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ|وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } يَقُول : إِنَّ الَّذِينَ يَتَعَظَّمُونَ عَنْ إِفْرَادِي بِالْعِبَادَةِ , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لِي { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ } بِمَعْنَى : صَاغِرِينَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الدَّخَر بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ دُعَائِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23440 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } قَالَ : عَنْ دُعَائِي. )23441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { دَاخِرِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ .)

أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِرًا إِنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي لَا تَصْلُح الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ , وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَة لِغَيْرِهِ , الَّذِي صِفَته أَنَّهُ جَعَلَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس اللَّيْل سَكَنًا لِتَسْكُنُوا فِيهِ , فَتَهْدَءُوا مِنْ التَّصَرُّف وَالِاضْطِرَاب لِلْمَعَاشِ , وَالْأَسْبَاب الَّتِي كُنْتُمْ تَتَصَرَّفُونَ فِيهَا فِي نَهَاركُمْ { وَالنَّهَار مُبْصِرًا } يَقُول : وَجَعَلَ النَّهَار مُبْصِرًا مِنْ اِضْطَرَبَ فِيهِ لِمَعَاشِهِ , وَطَلَب حَاجَاته , نِعْمَة مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ { إِنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَمُتَفَضِّل عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس بِمَا لَا كُفْء لَهُ مِنْ الْفَضْل { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَشْكُرُونَهُ بِالطَّاعَةِ لَهُ , وَإِخْلَاص الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة لَهُ , وَلَا يَد تَقَدَّمَتْ لَهُ عِنْده اِسْتَوْجَبَ بِهَا مِنْهُ الشُّكْر عَلَيْهَا .

وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ خَالِق كُلّ شَيْء لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال , وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَم أَيّهَا النَّاس , اللَّه مَالِككُمْ وَمُصْلِح أُمُوركُمْ , وَهُوَ خَالِقكُمْ وَخَالِق كُلّ شَيْء { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود تَصْلُح لَهُ الْعِبَادَة غَيْره , { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول : فَأَيّ وَجْه تَأْخُذُونَ , وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ عَنْهُ , فَتَعْبُدُونَ سِوَاهُ ؟ .

وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ

وَقَوْله : { كَذَلِكَ يُؤْفَك الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّه يَجْحَدُونَ } يَقُول : كَذَهَابِكُمْ عَنْهُ أَيّهَا الْقَوْم , وَانْصِرَافكُمْ عَنْ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , وَالرُّشْد إِلَى الضَّلَال , ذَهَبَ عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم بِآيَاتِ اللَّه , يَعْنِي : بِحُجَجِ اللَّه وَأَدِلَّته يُكَذِّبُونَ فَلَا يُؤْمِنُونَ ; يَقُول : فَسَلَكْتُمْ أَنْتُمْ مَعْشَر قُرَيْش مَسْلَكهمْ , وَرَكِبْتُمْ مَحَجَّتهمْ فِي الضَّلَال.

وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَن صُوَركُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه } الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة خَالِصَة أَيّهَا النَّاس { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض } الَّتِي أَنْتُمْ عَلَى ظَهْرهَا سُكَّان { قَرَارًا } تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا , وَتَسْكُنُونَ فَوْقهَا , { وَالسَّمَاء بِنَاء } : بَنَاهَا فَرَفَعَهَا فَوْقكُمْ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا لِمَصَالِحِكُمْ , وَقِوَام دُنْيَاكُمْ إِلَى بُلُوغ آجَالكُمْ { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَن صُوَركُمْ } يَقُول : وَخَلَقَكُمْ فَأَحْسَن خَلْقكُمْ { وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات } يَقُول : وَرَزَقَكُمْ مِنْ حَلَال الرِّزْق , وَلَذِيذَات الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب . وَقَوْله : { ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاَلَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال , وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس هَذِهِ النِّعَم , هُوَ اللَّه الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ , وَرَبّكُمْ الَّذِي لَا تَصْلُح الرُّبُوبِيَّة لِغَيْرِهِ , لَا الَّذِي لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ , وَلَا يَخْلُق وَلَا يَرْزُق { فَتَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : فَتَبَارَكَ اللَّه مَالِك جَمِيع الْخَلْق جِنّهمْ وَإِنْسهمْ , وَسَائِر أَجْنَاس الْخَلْق غَيْرهمْ { هُوَ الْحَيّ } يَقُول : هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , الدَّائِم الْحَيَاة , وَكُلّ شَيْء سِوَاهُ فَمُنْقَطِع الْحَيَاة غَيْر دَائِمهَا { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود بِحَقٍّ تَجُوز عِبَادَته , وَتَصْلُح الْأُلُوهَة لَهُ إِلَّا اللَّه الَّذِي هَذِهِ الصِّفَات صِفَاته , فَادْعُوهُ أَيّهَا النَّاس مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَة , مُفْرِدِينَ لَهُ الْأُلُوهَة , لَا تُشْرِكُوا فِي عِبَادَته شَيْئًا سِوَاهُ , مِنْ وَثَن وَصَنَم , وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ نِدًّا وَلَا عَدْلًا { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : الشُّكْر لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع أَجْنَاس الْخَلْق , مِنْ مَلَك وَجِنّ وَإِنْس وَغَيْرهمْ , لَا لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَمْلِك شَيْئًا , وَلَا تَقْدِر عَلَى ضُرّ وَلَا نَفْع , بَلْ هُوَ مَمْلُوك , إِنْ نَالَهُ نَائِل بِسُوءٍ لَمْ يَقْدِر لَهُ عَنْ نَفْسه دَفْعًا . وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , أَنْ يُتْبِع ذَلِكَ : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَة , بِأَنَّهَا أَمْر مِنْ اللَّه بِقِيلِ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23442 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلْيَقُلْ عَلَى إِثْرهَا : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } )23443 -حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان السُّكَّرِيّ قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ( إِذَا قَالَ أَحَدكُمْ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَلْيَقُلْ : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , ثُمَّ قَالَ : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } . )23444 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر (أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبّ إِذَا قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , يُتْبِعهَا الْحَمْد لِلَّهِ , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِذَا قَالَ أَحَدكُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده , فَلْيَقُلْ بِإِثْرِهَا : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , ثُمَّ قَرَأَ { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } .)

فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ

{ هُوَ الْحَيّ } يَقُول : هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , الدَّائِم الْحَيَاة , وَكُلّ شَيْء سِوَاهُ فَمُنْقَطِع الْحَيَاة غَيْر دَائِمهَا { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود بِحَقٍّ تَجُوز عِبَادَته , وَتَصْلُح الْأُلُوهَة لَهُ إِلَّا اللَّه الَّذِي هَذِهِ الصِّفَات صِفَاته , فَادْعُوهُ أَيّهَا النَّاس مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَة , مُفْرِدِينَ لَهُ الْأُلُوهَة , لَا تُشْرِكُوا فِي عِبَادَته شَيْئًا سِوَاهُ , مِنْ وَثَن وَصَنَم , وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ نِدًّا وَلَا عَدْلًا { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : الشُّكْر لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع أَجْنَاس الْخَلْق , مِنْ مَلَك وَجِنّ وَإِنْس وَغَيْرهمْ , لَا لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَمْلِك شَيْئًا , وَلَا تَقْدِر عَلَى ضُرّ وَلَا نَفْع , بَلْ هُوَ مَمْلُوك , إِنْ نَالَهُ نَائِل بِسُوءٍ لَمْ يَقْدِر لَهُ عَنْ نَفْسه دَفْعًا . وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , أَنْ يُتْبِع ذَلِكَ : { الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَة , بِأَنَّهَا أَمْر مِنْ اللَّه بِقِيلِ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23442 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلْيَقُلْ عَلَى إِثْرهَا : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } )23443 -حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان السُّكَّرِيّ قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ( إِذَا قَالَ أَحَدكُمْ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَلْيَقُلْ : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , ثُمَّ قَالَ : { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } . )23444 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر (أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبّ إِذَا قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , يُتْبِعهَا الْحَمْد لِلَّهِ , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِذَا قَالَ أَحَدكُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده , فَلْيَقُلْ بِإِثْرِهَا : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , ثُمَّ قَرَأَ { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } .)

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي نُهِيت أَنْ أَعْبُد الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَات مِنْ رَبِّي وَأُمِرْت أَنْ أُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك مِنْ قُرَيْش { إِنِّي نُهِيت } أَيّهَا الْقَوْم { أَنْ أَعْبُد الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه } مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان { لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَات مِنْ رَبِّي } يَقُول : لَمَّا جَاءَنِي الْآيَات الْوَاضِحَات مِنْ عِنْد رَبِّي , وَذَلِكَ آيَات كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ { وَأُمِرْت أَنْ أُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَذِلّ لِرَبِّ كُلّ شَيْء , وَمَالك كُلّ خَلْق بِالْخُضُوع , وَأَخْضَع لَهُ بِالطَّاعَةِ دُون غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء.

وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ يُخْرِجكُمْ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْل وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره آمِرًا نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَنْبِيهِ مُشْرِكِي قَوْمه عَلَى حُجَجه عَلَيْهِمْ فِي وَحْدَانِيّته : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك : أُمِرْت أَنْ أُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي صِفَته هَذِهِ الصِّفَات . وَهِيَ أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاكُمْ آدَم { مِنْ تُرَاب ثُمَّ } خَلَقَكُمْ { مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة } بَعْد أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا { ثُمَّ يُخْرِجكُمْ طِفْلًا } مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ صِغَارًا , { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ } , فَتَتَكَامَل قُوَاكُمْ , وَيَتَنَاهَى شَبَابكُمْ , وَتَمَام خَلْقكُمْ شُيُوخًا { وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْل } أَنْ يَبْلُغ الشَّيْخُوخَة { وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى } يَقُول : وَلِتَبْلُغُوا مِيقَاتًا مُؤَقَّتًا لِحَيَاتِكُمْ , وَأَجَلًا مَحْدُودًا لَا تُجَاوِزُونَهُ , وَلَا تَتَقَدَّمُونَ قَبْله { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يَقُول : وَكَيْ تَعْقِلُوا حُجَج اللَّه عَلَيْكُمَا بِذَلِكَ , وَتَتَدَبَّرُوا آيَاته فَتَعْرِفُوا بِهَا أَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره فَعَلَ ذَلِكَ .

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيت فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت } يَقُول قُلْ لَهُمْ : وَمِنْ صِفَته جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي مَنْ يَشَاء بَعْد مَمَاته , وَيُمِيت مَنْ يَشَاء مِنْ الْأَحْيَاء بَعْد حَيَاته و { إِذَا قَضَى أَمْرًا } يَقُول : وَإِذَا قَضَى كَوْن أَمْر مِنْ الْأُمُور الَّتِي يُرِيد تَكْوِينَهَا { فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ } يَعْنِي لِلَّذِي يُرِيد تَكْوِينَهُ كُنْ , فَيَكُون مَا أَرَادَ تَكْوِينَهُ مَوْجُودًا بِغَيْرِ مُعَانَاة , وَلَا كُلْفَة مُؤْنَة .

وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ

وَقَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه أَنَّى يُصْرَفُونَ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك , الَّذِينَ يُخَاصِمُونَك فِي حُجَج اللَّه وَآيَاته { أَنَّى يُصْرَفُونَ } يَقُول : أَيّ وَجْه يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ , وَيَعْدِلُونَ عَنْ الرُّشْد كَمَا : 23445 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَنَّى يُصْرَفُونَ } : أَنَّى يَكْذِبُونَ وَيَعْدِلُونَ . )23446 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَنَّى يُصْرَفُونَ } قَالَ : يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ. )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا أَهْل الْقَدَر. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد . عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : (إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة , فَإِنِّي لَا أَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه أَنَّى يُصْرَفُونَ } إِلَى قَوْله : { لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْل شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه الْكَافِرِينَ } . )* - حَدَّثَنِي عَلِيّ اِبْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : (إِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْل الْقَدَر الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَات اللَّه فَلَا عِلْم لَنَا بِهِ . )23448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَبِي الْخَيْر الزِّيَادِيّ , عَنْ أَبِي قُبَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي أَهْل الْكِتَاب , وَأَهْل اللِّين | فَقَالَ عُقْبَة : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا أَهْل الْكِتَاب ؟ قَالَ : | قَوْم يَتَعَلَّمُونَ كِتَاب اللَّه لَيُجَادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا | , فَقَالَ عُقْبَة : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا أَهْل اللِّين ؟ قَالَ : | قَوْم يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَات , وَيُضَيِّعُونَ الصَّلَوَات | . قَالَ أَبُو قُبَيْل : لَا أَحْسَب الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إِلَّا الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا , وَأَمَّا أَهْل اللِّين , فَلَا أَحْسَبهُمْ إِلَّا أَهْل الْعَمُود لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِمَام جَمَاعَة , وَلَا يَعْرِفُونَ شَهْر رَمَضَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ أَهْل الشِّرْك. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23449 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه أَنَّى يُصْرَفُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ. )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد ; وَقَدْ بَيَّنَ اللَّه حَقِيقَة ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا } .

وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِكِتَابِ اللَّه , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن ; و | الَّذِينَ | الثَّانِيَة فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا لَهَا عَلَى | الَّذِينَ | الْأُولَى عَلَى وَجْه النَّعْت { وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا } يَقُول : وَكَذَّبُوا أَيْضًا مَعَ تَكْذِيبهمْ بِكِتَابِ اللَّه بِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ , وَالْبَرَاءَة مِمَّا يَعْبُد دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَالْإِقْرَار بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب . وَقَوْله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل } , وَهَذَا تَهْدِيد مِنْ اللَّه الْمُشْرِكِينَ بِهِ ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَسَوْفَ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه , الْمُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ حَقِيقَة مَا تُخْبِرهُمْ بِهِ يَا مُحَمَّد , وَصِحَّة مَا هُمْ بِهِ الْيَوْم مُكَذِّبُونَ مِنْ هَذَا الْكِتَاب , حِين تَجْعَل الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل فِي أَعْنَاقهمْ فِي جَهَنَّم . وَقَرَأَتْ قِرَاءَة الْأَمْصَار : وَالسَّلَاسِلُ , بِرَفْعِهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى الْأَغْلَال عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنْت . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ | وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ | بِنَصْبِ السَّلَاسِل فِي الْحَمِيم. وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّمَا هُوَ وَهُمْ فِي السَّلَاسِل يُسْحَبُونَ , وَلَا يُجِيز أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ خَفْض الِاسْم وَالْخَافِض مُضْمَر. وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول فِي ذَلِكَ : لَوْ أَنَّ مُتَوَهِّمًا قَالَ : إِنَّمَا الْمَعْنَى : إِذْ أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ . جَازَ الْخَفْض فِي السَّلَاسِل عَلَى هَذَا الْمَذْهَب , وَقَالَ : مِثْله , مِمَّا رُدَّ إِلَى الْمَعْنَى. قَوْل الشَّاعِر : <br>قَدْ سَالَمَ الْحَيَّات مِنْهُ الْقَدَمَا .......... الْأُفْعُوَان وَالشُّجَاع الْأَرْقَمَا <br>فَنُصِبَ الشُّجَاع وَالْحَيَّات قَبْل ذَلِكَ مَرْفُوعَة , لِأَنَّ الْمَعْنَى : قَدْ سَالَمَتْ رِجْله الْحَيَّات وَسَالَمَتْهَا , فَلَمَّا اِحْتَاجَ إِلَى نَصْب الْقَافِيَة , جَعَلَ الْفِعْل مِنْ الْقَدَم وَاقِعًا عَلَى الْحَيَّات. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاع الْحُجَّة عَلَيْهِ , وَهُوَ رَفْع السَّلَاسِل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَا فِي قَوْله : { فِي أَعْنَاقهمْ } مِنْ ذِكْر الْأَغْلَال .

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ

وَقَوْله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل } , وَهَذَا تَهْدِيد مِنْ اللَّه الْمُشْرِكِينَ بِهِ ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَسَوْفَ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه , الْمُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ حَقِيقَة مَا تُخْبِرهُمْ بِهِ يَا مُحَمَّد , وَصِحَّة مَا هُمْ بِهِ الْيَوْم مُكَذِّبُونَ مِنْ هَذَا الْكِتَاب , حِين تَجْعَل الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل فِي أَعْنَاقهمْ فِي جَهَنَّم . وَقَرَأَتْ قِرَاءَة الْأَمْصَار : وَالسَّلَاسِل , بِرَفْعِهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى الْأَغْلَال عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنْت . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ | وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ | بِنَصْبِ السَّلَاسِل فِي الْحَمِيم . وَقَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّمَا هُوَ وَهُمْ فِي السَّلَاسِل يُسْحَبُونَ , وَلَا يُجِيز أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ خَفْض الِاسْم وَالْخَافِض مُضْمَر. وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول فِي ذَلِكَ : لَوْ أَنَّ مُتَوَهِّمًا قَالَ : إِنَّمَا الْمَعْنَى : إِذْ أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ . جَازَ الْخَفْض فِي السَّلَاسِل عَلَى هَذَا الْمَذْهَب , وَقَالَ : مِثْله , مِمَّا رُدَّ إِلَى الْمَعْنَى . قَوْل الشَّاعِر : <br>قَدْ سَالَمَ الْحَيَّات مِنْهُ الْقَدَمَا .......... الْأُفْعُوَان وَالشُّجَاع الْأَرْقَمَا <br>فَنُصِبَ الشُّجَاع وَالْحَيَّات قَبْل ذَلِكَ مَرْفُوعَة , لِأَنَّ الْمَعْنَى : قَدْ سَالَمَتْ رِجْله الْحَيَّات وَسَالَمَتْهَا , فَلَمَّا اِحْتَاجَ إِلَى نَصْب الْقَافِيَة , جَعَلَ الْفِعْل مِنْ الْقَدَم وَاقِعًا عَلَى الْحَيَّات. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاع الْحُجَّة عَلَيْهِ , وَهُوَ رَفْع السَّلَاسِل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَا فِي قَوْله : { فِي أَعْنَاقهمْ } مِنْ ذِكْر الْأَغْلَال .|يُسْحَبُونَ|وَقَوْله : { يُسْحَبُونَ } يَقُول : يُسْحَب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا بِالْكِتَابِ زَبَانِيَة الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحَمِيم , وَهُوَ مَا قَدْ اِنْتَهَى حَرّه , وَبَلَغَ غَايَته .

فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ

وَقَوْله { ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ } يَقُول : ثُمَّ فِي نَار جَهَنَّم يُحْرَقُونَ , يَقُول : تُسْجَر بِهَا جَهَنَّم : أَيْ تُوقَد بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23450- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يُسْجَرُونَ } قَالَ : يُوقَد بِهِمْ النَّار . )23451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد . قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ } قَالَ : يُحْرَقُونَ فِي النَّار . )23452 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ . قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ } قَالَ : يُسْجَرُونَ فِي النَّار : يُوقَد عَلَيْهِمْ فِيهَا .)

وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ

وَقَوْله : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : ثُمَّ قِيلَ : أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَوْثَانكُمْ حَتَّى يُغِيثُوكُمْ فَيُنْقِذُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , فَإِنَّ الْمَعْبُود يُغِيث مِنْ عَبْده وَخَدَمه ; وَإِنَّمَا يُقَال هَذَا لَهُمْ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَطَاعَة الشَّيْطَان , فَأَجَابَ الْمَسَاكِين عِنْد ذَلِكَ فَقَالُوا : ضَلُّوا عَنَّا : يَقُول : عَدَلُوا عَنَّا , فَأَخَذُوا غَيْر طَرِيقنَا , وَتَرَكُونَا فِي هَذَا الْبَلَاء , بَلْ مَا ضَلُّوا عَنَّا , وَلَكِنَّا لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْل فِي الدُّنْيَا شَيْئًا : أَيْ لَمْ نَكُنْ نَعْبُد شَيْئًا ; يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه الْكَافِرِينَ } يَقُول : كَمَا أَضَلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضَلَّ عَنْهُمْ فِي جَهَنَّم مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ , كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه أَهْل الْكُفْر بِهِ عَنْهُ , وَعَنْ رَحْمَته وَعِبَادَته , فَلَا يَرْحَمهُمْ فَيُنَجِّيهِمْ مِنْ النَّار , وَلَا يُغِيثهُمْ فَيُخَفِّف عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء .

مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ

وَقَوْله : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : ثُمَّ قِيلَ : أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَوْثَانكُمْ حَتَّى يُغِيثُوكُمْ فَيُنْقِذُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , فَإِنَّ الْمَعْبُود يُغِيث مِنْ عَبْده وَخَدَمه ; وَإِنَّمَا يُقَال هَذَا لَهُمْ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَطَاعَة الشَّيْطَان , فَأَجَابَ الْمَسَاكِين عِنْد ذَلِكَ فَقَالُوا : ضَلُّوا عَنَّا : يَقُول : عَدَلُوا عَنَّا , فَأَخَذُوا غَيْر طَرِيقنَا , وَتَرَكُونَا فِي هَذَا الْبَلَاء , بَلْ مَا ضَلُّوا عَنَّا , وَلَكِنَّا لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْل فِي الدُّنْيَا شَيْئًا : أَيْ لَمْ نَكُنْ نَعْبُد شَيْئًا ; يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه الْكَافِرِينَ } يَقُول : كَمَا أَضَلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضَلَّ عَنْهُمْ فِي جَهَنَّم مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ , كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه أَهْل الْكُفْر بِهِ عَنْهُ , وَعَنْ رَحْمَته وَعِبَادَته , فَلَا يَرْحَمهُمْ فَيُنْجِيهِمْ مِنْ النَّار , وَلَا يُغِيثهُمْ فَيُخَفِّف عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء .

وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ } هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا الْيَوْم بِكُمْ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ تَعْذِيبِنَاكُمْ الْعَذَاب الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ , بِفَرَحِكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تَفْرَحُونَهُ فِي الدُّنْيَا , بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَكُمْ بِهِ مِنْ الْبَاطِل وَالْمَعَاصِي , وَبِمَرَحِكُمْ فِيهَا , وَالْمَرَح : هُوَ الْأَشَر وَالْبَطَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23453- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ } إِلَى { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } قَالَ : الْفَرَح وَالْمَرَح : الْفَخْر وَالْخُيَلَاء , وَالْعَمَل فِي الْأَرْض بِالْخَطِيئَةِ , وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشِّرْك , وَهُوَ مِثْل قَوْله لِقَارُون : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمه لَا تَفْرَح إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ } [28 76 ]وَذَلِكَ فِي الشِّرْك . )23454 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } قَالَ : تَبْطَرُونَ وَتَأْشَرُونَ . )23455 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { تَمْرَحُونَ } قَالَ : تَبْطَرُونَ.)

وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ

وَقَوْله : { اُدْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : اُدْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم السَّبْعَة مِنْ كُلّ بَاب مِنْهَا جُزْء مَقْسُوم مِنْكُمْ { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } يَقُول : فَبِئْسَ مَنْزِل الْمُتَكَبِّرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى اللَّه أَنْ يُوَحِّدُوهُ , وَيُؤْمِنُوا بِرُسُلِهِ الْيَوْم جَهَنَّم .

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْض الَّذِي نَعِدهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى مَا يُجَادِلك بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي آيَات اللَّه الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَيْك , وَعَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ , فَإِنَّ اللَّه مُنْجِز لَك فِيهِمْ مَا وَعَدَك مِنْ الظَّفَر عَلَيْهِمْ , وَالْعُلُوّ عَلَيْهِمْ , وَإِحْلَال الْعِقَاب بِهِمْ , كَسُنَّتِنَا فِي مُوسَى بْن عِمْرَان وَمَنْ كَذَّبَهُ { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْض الَّذِي نَعِدهُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يَا مُحَمَّد فِي حَيَاتك بَعْض الَّذِي نَعِد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَذَاب وَالنِّقْمَة أَنْ يَحُلّ بِهِمْ { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قَبْل أَنْ يَحُلّ ذَلِكَ بِهِمْ { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يَقُول : فَإِلَيْنَا مَصِيرك وَمَصِيرهمْ , فَنَحْكُم عِنْد ذَلِكَ بَيْنك وَبَيْنهمْ بِالْحَقِّ بِتَخْلِيدِنَاهُمْ فِي النَّار , وَإِكْرَامِنَاكَ بِجِوَارِنَا فِي جَنَّات النَّعِيم .

إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلك مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا } يَا مُحَمَّد { رُسُلًا مِنْ قَبْلك } إِلَى أُمَمهَا { مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْك } يَقُول : مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمهمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْك نَبَأَهُمْ { وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك } نَبَأَهُمْ . وَذُكِرَ عَنْ أَنَس أَنَّهُمْ ثَمَانِيَة آلَاف . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23456 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن شُعَيْب السِّمْسَار , قَالَ : ثنا مَعْن بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر بْن مِسْمَار , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ يَزِيد بْن أَبَان , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ثَمَانِيَة آلَاف مِنْ الْأَنْبِيَاء , مِنْهُمْ أَرْبَعَة آلَاف مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . )23457 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ عُتْبَة بْن عُتَيْبَة الْبَصْرِيّ الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَهْل عَنْ وَهْب بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن سُوَر الْأَزْدِيّ , عَنْ سَلْمَان , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَعَثَ اللَّه أَرْبَعَة آلَاف نَبِيّ | )23458 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحُسَيْن التِّرْمِذِيّ , قَالَ : ثنا آدَم بْن أَبِي إِيَاس , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ اِبْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : ( { مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْك وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك } قَالَ : بَعَثَ اللَّه عَبْدًا حَبَشِيًّا نَبِيًّا , فَهُوَ الَّذِي لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْك .)|وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ|وَقَوْله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِي بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا جَعَلْنَا لِرَسُولٍ مِمَّنْ أَرْسَلْنَاهُ مِنْ قَبْلك الَّذِينَ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْك , وَاَلَّذِينَ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك إِلَى أُمَمهَا أَنْ يَأْتِي قَوْمه بِآيَةٍ فَاصِلَة بَيْنه وَبَيْنهمْ , إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه لَهُ بِذَلِكَ , فَيَأْتِيهِمْ بِهَا ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ : فَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَل لَك أَنْ تَأْتِي قَوْمك بِمَا يَسْأَلُونَك مِنْ الْآيَات دُون إِذْننَا لَك بِذَلِكَ , كَمَا لَمْ نَجْعَل لِمَنْ قَبْلك مِنْ رُسُلنَا إِلَّا أَنْ نَأْذَن لَهُ بِهِ { فَإِذَا جَاءَ أَمْر اللَّه قُضِيَ بِالْحَقِّ } يَعْنِي بِالْعَدْلِ , وَهُوَ أَنْ يُنَجِّي رُسُله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُمْ { وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } يَقُول : وَهَلَكَ هُنَالِكَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا فِي قِيلهمْ الْكَذِب , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه وَادِّعَائِهِمْ لَهُ شَرِيكًا .

فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَام لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه } الَّذِي لَا تَصْلُح الْأُلُوهَة إِلَّا لَهُ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنْ قُرَيْش { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَام } مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالْخَيْل , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْبَهَائِم الَّتِي يَقْتَنِيهَا أَهْل الْإِسْلَام لِمَرْكَبٍ أَوْ لِمَطْعَمٍ { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا } يَعْنِي : الْخَيْل وَالْحَمِير { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } يَعْنِي الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . وَقَالَ : { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا } وَمَعْنَاهُ : لِتَرْكَبُوا مِنْهَا بَعْضًا وَمِنْهَا بَعْضًا تَأْكُلُونَ , فَحُذِفَ اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَا حُذِفَ .

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

وَقَوْله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِع } وَذَلِكَ أَنْ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودهَا بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْم ظَعْنكُمْ , وَيَوْم إِقَامَتكُمْ , وَمِنْ أَصْوَافهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين .|وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ|وَقَوْله : { وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صُدُوركُمْ } يَقُول : وَلِتَبْلُغُوا بِالْحُمُولَةِ عَلَى بَعْضهَا , وَذَلِكَ الْإِبِل حَاجَة فِي صَدَرُوكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهَا لَوْلَا هِيَ , إِلَّا بِشِقِّ أَنْفُسكُمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ إِلَى بَلَد لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُس } [16 7 ]وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صُدُوركُمْ } يَعْنِي الْإِبِل تَحْمِل أَثْقَالكُمْ إِلَى بَلَد . )23460 -حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صُدُوركُمْ } لِحَاجَتِكُمْ مَا كَانَتْ . )وَقَوْله : { وَعَلَيْهَا } يَعْنِي : وَعَلَى هَذِهِ الْإِبِل , وَمَا جَانَسَهَا مِنْ الْأَنْعَام الْمَرْكُوبَة { وَعَلَى الْفُلْك } يَعْنِي : وَعَلَى السُّفُن { تُحْمَلُونَ } يَقُول نَحْمِلكُمْ عَلَى هَذِهِ فِي الْبَرّ , وَعَلَى هَذِهِ فِي الْبَحْر { وَيُرِيكُمْ آيَاته } يَقُول : وَيُرِيكُمْ حُجَجه , { فَأَيّ آيَات اللَّه تُنْكِرُونَ } يَقُول : فَأَيّ حُجَج اللَّه الَّتِي يُرِيكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي السَّمَاء وَالْأَرْض تُنْكِرُونَ صِحَّتهَا , فَتَكْذِبُونَ مِنْ أَجْل فَسَادهَا بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَتَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَهًا .

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ

{ وَيُرِيكُمْ آيَاته } يَقُول : وَيُرِيكُمْ حُجَجه , { فَأَيّ آيَات اللَّه تُنْكِرُونَ } يَقُول : فَأَيّ حُجَج اللَّه الَّتِي يُرِيكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي السَّمَاء وَالْأَرْض تُنْكِرُونَ صِحَّتهَا , فَتَكْذِبُونَ مِنْ أَجْل فَسَادهَا بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَتَدْعُونَ مِنْ دُونه إِلَهًا .

مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ وَأَشَدّ قُوَّة وَآثَارًا فِي الْأَرْض فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَمْ يَسِرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك فِي الْبِلَاد , فَإِنَّهُمْ أَهْل سَفَر إِلَى الشَّأْم وَالْيَمَن , رِحْلَتهمْ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف , فَيَنْظُرُوا فِيمَا وَطِئُوا مِنْ الْبِلَاد إِلَى وَقَائِعنَا بِمَنْ أَوْقَعْنَا بِهِ مِنْ الْأُمَم قَبْلهمْ , وَيَرَوْا مَا أَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنْ بَأْسنَا بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلنَا , وَجُحُودهمْ آيَاتنَا , كَيْفَ كَانَ عُقْبَى تَكْذِيبهمْ { كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ } يَقُول : كَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْل هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِيكَ مِنْ قُرَيْش أَكْثَر عَدَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَدّ بَطْشًا , وَأَقْوَى قُوَّة , وَأَبْقَى فِي الْأَرْض آثَارًا , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا وَيَتَّخِذُونَ مَصَانِع . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 23461 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { وَآثَارًا فِي الْأَرْض } الْمَشْي بِأَرْجُلِهِمْ . { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يَقُول : فَلَمَّا جَاءَهُمْ بَأْسنَا وَسَطْوَتنَا , . لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ الْبُيُوت فِي الْجِبَال , وَلَمْ يَدْفَع عَنْهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا . وَلَكِنَّهُمْ بَادُوا جَمِيعًا فَهَلَكُوا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله : { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ } فَأَيّ شَيْء أَغْنَى عَنْهُمْ ; وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ يَكُون | مَا | الْأُولَى فِي مَوْضِع نَصْب , وَالثَّانِيَة فِي مَوْضِع رَفْع . يَقُول : فَلِهَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِيك مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد فِي أُولَئِكَ مُعْتَبَر إِنْ اعْتَبَرُوا , وَمُتَّعَظ إِنْ اِتَّعَظُوا , وَإِنَّ بَأْسنَا إِذَا حَلَّ بِالْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَمْ يَدْفَعهُ دَافِع , وَلَمْ يَمْنَعهُ مَانِع , وَهُوَ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُنِيبُوا إِلَى تَصْدِيقك وَاقِع .)

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّذِينَ مِنْ قَبْل قُرَيْش الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا رُسُلهمْ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ اللَّه إِلَيْهِمْ بِالْبَيِّنَاتِ , يَعْنِي : بِالْوَاضِحَاتِ مِنْ حُجَج اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم } يَقُول : فَرِحُوا جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم وَقَالُوا : لَنْ نُبْعَث , وَلَنْ يُعَذِّبنَا اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23462 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه ( { فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم } قَالَ : قَوْلهمْ : نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُمْ , لَنْ نُعَذَّب , وَلَنْ نُبْعَث . )23463 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم } بِجَهَالَتِهِمْ .)|وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ|وَقَوْله : { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : وَحَاقَ بِهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه مَا كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ رُسُلهمْ بِهِ اِسْتِهْزَاء وَسُخْرِيَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23464 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ مِنْ الْحَقّ .)

يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا رَأَتْ هَذِهِ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا بَأْسنَا , يَعْنِي عِقَاب اللَّه الَّذِي وَعَدَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ قَدْ حَلَّ بِهِمْ , كَمَا : 23465 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا } قَالَ : النِّقْمَات الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ .)|قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ|وَقَوْله { قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَحْده } يَقُول : قَالُوا : أَقْرَرْنَا بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَصَدَّقْنَا أَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره { وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } يَقُول : وَجَحَدْنَا الْآلِهَة الَّتِي كُنَّا قَبْل وَقْتنَا هَذَا نُشْرِكهَا فِي عِبَادَتنَا اللَّه وَنَعْبُدهَا مَعَهُ , وَنَتَّخِذهَا آلِهَة , فَبَرِئْنَا مِنْهَا .

إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ تَصْدِيقهمْ فِي الدُّنْيَا بِتَوْحِيدِ اللَّه عِنْد مُعَايَنَة عِقَابه قَدْ نَزَلَ , وَعَذَابه قَدْ حَلَّ , لِأَنَّهُمْ صَدَّقُوا حِين لَا يَنْفَع التَّصْدِيق مُصَدِّقًا , إِذْ كَانَ قَدْ مَضَى حُكْم اللَّه فِي السَّابِق مِنْ عِلْمه , أَنَّ مَنْ تَابَ بَعْد نُزُول الْعَذَاب مِنْ اللَّه عَلَى تَكْذِيبه لَمْ تَنْفَعهُ تَوْبَته. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23466 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا } : لَمَّا رَأَوْا عَذَاب اللَّه فِي الدُّنْيَا لَمْ يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان عِنْد ذَلِكَ .)|سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ|وَقَوْله : { سُنَّة اللَّه الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَاده } يَقُول : تَرَكَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِقَالَتهمْ , وَقَبُول التَّوْبَة مِنْهُمْ , وَمُرَاجَعَتهمْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَتَصْدِيق رُسُلهمْ بَعْد مُعَايَنَتهمْ بَأْسه , قَدْ نَزَلَ بِهِمْ سُنَّته الَّتِي قَدْ مَضَتْ فِي خَلْقه , فَلِذَلِكَ لَمْ يُقِلْهُمْ وَلَمْ يَقْبَل تَوْبَتهمْ فِي تِلْكَ الْحَال , كَمَا : 23467 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { سُنَّة اللَّه الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَاده } يَقُول : كَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل إِذَا عَايَنُوا عَذَاب اللَّه لَمْ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ عِنْد ذَلِكَ .)|وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ|وَقَوْله : { وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } يَقُول : وَهَلَكَ عِنْد مَجِيء بَأْس اللَّه , فَغَبَنَتْ صَفْقَته وَوُضِعَ فِي بَيْعه الْآخِرَة بِالدُّنْيَا , وَالْمَغْفِرَة بِالْعَذَابِ , وَالْإِيمَان بِالْكُفْرِ , الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ الْجَاحِدُونَ تَوْحِيد خَالِقهمْ , الْمُتَّخِذُونَ مِنْ دُونه آلِهَة يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون بَارِئِهِمْ .

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ

اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { حم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ اسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَهُوَ الْحَاء وَالْمِيم مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23327 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : (الر , وحم , ون , حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23328 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ( { حم } : قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . )23329 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَوْله ( { حم } : مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23330 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { حم } قَالَ : اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ حُرُوف هِجَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ اسْم , وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ شُرَيْح بْن أَوْفَى الْعَبْسِيّ : <br>يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ .......... فَهَلَّا تَلَا حم قَبْلَ التَّقَدُّمِ <br>وَيَقُول الْكُمَيْت : <br>وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ حَامِيم آيَة .......... تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ <br>23331 - وَحُدِّثْت عَنْ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : قَالَ يُونُس , يَعْنِي الْجَرْمِيّ : (وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل فَهُوَ مُنْكَر عَلَيْهِ ; لِأَنَّ السُّورَة { حم } سَاكِنَة الْحُرُوف , فَخَرَجَتْ مَخْرَج التَّهَجِّي , وَهَذِهِ أَسْمَاء سُوَر خَرَجَتْ مُتَحَرِّكَات , وَإِذَا سُمِّيَتْ سُورَة بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُف الْمَجْزُومَة دَخَلَهُ الْإِعْرَاب . )وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظِير الْقَوْل فِي أَخَوَاتهَا , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ , فِي قَوْله : { الم } , فَفِي ذَلِكَ كِفَايَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِذْ كَانَ الْقَوْل فِي حم , وَجَمِيع مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن عَلَى هَذَا الْوَجْه , أَعْنِي حُرُوف التَّهَجِّي قَوْلًا وَاحِدًا .

طَعَامُ الْأَثِيمِ

وَقَوْله : { تَنْزِيل مِنَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْقُرْآن تَنْزِيل مِنْ عِنْد الرَّحْمَن الرَّحِيم نَزَّلَهُ عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ

{ كِتَاب فُصِّلَتْ آيَاته } يَقُول : كِتَاب بُيِّنَتْ آيَاته ; كَمَا : 23468 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { فُصِّلَتْ آيَاته } قَالَ : بُيِّنَتْ آيَاته . )وَقَوْله : { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فُصِّلَتْ آيَاته هَكَذَا . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْب الْقُرْآن , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة قَوْله : { كِتَاب فُصِّلَتْ } الْكِتَاب خَبَر لِمُبْتَدَأٍ أَخْبَرَ أَنَّ التَّنْزِيل كِتَاب , ثُمَّ قَالَ : { فُصِّلَتْ آيَاته قُرْآنًا عَرَبِيًّا } شَغَلَ الْفِعْل بِالْآيَاتِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِل , فَنَصَبَ الْقُرْآن , وَقَالَ : { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } عَلَى أَنَّهُ صِفَة , وَإِنْ شِئْت جَعَلْت نَصْبه عَلَى الْمَدْح كَأَنَّهُ حِين ذَكَرَهُ أَقْبَلَ فِي مِدْحَته , فَقَالَ : ذَكَرْنَا قُرْآنًا عَرَبِيًّا بَشِيرًا وَنَذِيرًا , وَذَكَرْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا , وَكَانَ فِيمَا مَضَى مِنْ ذِكْره دَلِيل عَلَى مَا أُضْمِرَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : نُصِبَ قُرْآنًا عَلَى الْفِعْل : أَيْ فُصِّلَتْ آيَاته كَذَلِكَ . قَالَ : وَقَدْ يَكُون النَّصْب فِيهِ عَلَى الْقَطْع ; لِأَنَّ الْكَلَام تَامّ عِنْد قَوْله | آيَاته | . قَالَ : وَلَوْ كَانَ رَفْعًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْت الْكِتَاب كَانَ صَوَابًا , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَك } [38 29 ]وَقَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْله : { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } فِيهِ مَا فِي { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } . وَقَوْله : { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول : فُصِّلَتْ آيَات هَذَا الْكِتَاب قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ .

كَغَلْيِ الْحَمِيمِ

بَشِيرًا لَهُمْ يُبَشِّرهُمْ إِنْ هُمْ آمَنُوا بِهِ , وَعَمِلُوا بِمَا أَنْزَلَ فِيهِ مِنْ حُدُود اللَّه وَفَرَائِضه بِالْجَنَّةِ , { وَنَذِيرًا } يَقُول وَمُنْذِرًا مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَل بِمَا فِيهِ بِأَمْرِ اللَّه فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَخُلُود الْأَبَد فِي نَار جَهَنَّم فِي آجِل الْآخِرَة .|فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ|وَقَوْله : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاسْتَكْبَرَ عَنِ الْإِصْغَاء لَهُ وَتَدَبُّر مَا فِيهِ مِنْ حُجَج اللَّه , وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآن بَشِيرًا لَهُمْ وَنَذِيرًا , وَهُمْ قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .|فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ|يَقُول : فَهُمْ لَا يُصْغُونَ لَهُ فَيَسْمَعُوهُ إِعْرَاضًا عَنْهُ وَاسْتِكْبَارًا .

خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَاننَا وَقْر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُعْرِضُونَ عَنْ آيَات اللَّه مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش إِذْ دَعَاهُمْ مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه إِلَى الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِ اللَّه وَتَصْدِيق مَا فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَسَائِر مَا أَنْزَلَ فِيهِ { قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة } يَقُول : فِي أَغْطِيَة { مِمَّا تَدْعُونَا } يَا مُحَمَّد { إِلَيْهِ } مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَتَصْدِيقك فِيمَا جِئْتنَا بِهِ , لَا نَفْقَه مَا تَقُول { وَفِي آذَاننَا وَقْر } وَهُوَ الثِّقَل , لَا نَسْمَع مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ اسْتِثْقَالًا لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَكَرَاهَة لَهُ , وَقَدْ مَضَى الْبَيَان قَبْلُ عَنْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَحْرُف بِشَوَاهِدِهِ , وَذِكْر مَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ , فَكَرِهْنَا إِعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَقَدْ : 23469 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة } قَالَ : عَلَيْهَا أَغْطِيَة كَالْجَعْبَةِ لِلنَّبْلِ . )23470 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة } قَالَ : عَلَيْهَا أَغْطِيَة { وَفِي آذَاننَا وَقْر } قَالَ : صَمَم .)|وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ|وَقَوْله : { وَمِنْ بَيْننَا وَبَيْنك حِجَاب } يَقُولُونَ : وَمِنْ بَيْننَا وَبَيْنك يَا مُحَمَّد سَاتِر لَا نَجْتَمِع مِنْ أَجْله نَحْنُ وَأَنْتَ , فَيَرَى بَعْضنَا بَعْضًا , وَذَلِكَ الْحِجَاب هُوَ اخْتِلَافهمْ فِي الدِّين ; لِأَنَّ دِينهمْ كَانَ عِبَادَة الْأَوْثَان , وَدِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَذَلِكَ هُوَ الْحِجَاب الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ بَيْنهمْ وَبَيْن نَبِيّ اللَّه , وَذَلِكَ هُوَ خِلَاف بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الدِّين. وَأُدْخِلَتْ | مِنْ | فِي قَوْله { وَمِنْ بَيْننَا وَبَيْنك حِجَاب } وَالْمَعْنَى : وَبَيْننَا وَبَيْنك حِجَاب , تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ .|فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ|وَقَوْله : { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } يَقُول : قَالُوا : لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاعْمَلْ يَا مُحَمَّد بِدِينِك وَمَا تَقُول إِنَّهُ الْحَقّ , إِنَّنَا عَامِلُونَ بِدِينِنَا , وَمَا تَقُول إِنَّهُ الْحَقّ , وَدَعْ دُعَاءَنَا إِلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ دِينك , فَإِنَّا نَدَع دُعَاءَك إِلَى دِيننَا .

ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَات اللَّه مِنْ قَوْمك : أَيّهَا الْقَوْم , مَا أَنَا إِلَّا بَشَر مِنْ بَنِي آدَم مِثْلكُمْ فِي الْجِنْس وَالصُّورَة وَالْهَيْئَة لَسْت بِمَلَكٍ { يُوحَى إِلَيَّ } يُوحِي اللَّه إِلَيَّ أَنْ لَا مَعْبُود لَكُمْ تَصْلُح عِبَادَته إِلَّا مَعْبُود وَاحِد .|فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ|يَقُول : فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ , وَوَجِّهُوا إِلَيْهِ وُجُوهكُمْ بِالرَّغْبَةِ وَالْعِبَادَة دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان .|وَاسْتَغْفِرُوهُ|يَقُول : وَسَلُوهُ الْعَفْو لَكُمْ عَنْ ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْككُمْ , يَتُبْ عَلَيْكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ .|وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ|وَقَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَصَدِيد أَهْل النَّار , وَمَا يَسِيل مِنْهُمْ لِلْمُدَّعِينَ لِلَّهِ شَرِيكًا الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان دُونه الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ اللَّه الطَّاعَة الَّتِي تُطَهِّرهُمْ , وَتُزَكِّي أَبْدَانهمْ , وَلَا يُوَحِّدُونَهُ ; وَذَلِكَ قَوْل يُذْكَر عَنِ ابْن عَبَّاس . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23471 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )23472 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَفْص , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } : الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِزَكَاةِ أَمْوَالهمْ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهَا , وَلَا يُعْطُونَهَا أَهْلهَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْل , وَقَدْ : 23473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَا يُقِرُّونَ بِهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , وَكَانَ يُقَال : إِنَّ الزَّكَاة قَنْطَرَة الْإِسْلَام , فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا , وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ ; وَقَدْ كَانَ أَهْل الرِّدَّة بَعْد نَبِيّ اللَّه قَالُوا : أَمَّا الصَّلَاة فَنُصَلِّي , وَأَمَّا الزَّكَاة فَوَاللَّهِ لَا تُغْصَبُ أَمْوَالنَا ; قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه لَا أُفَرِّقُ بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه ; وَاللَّه لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. )23474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَوْ زَكَّوْا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَنْفَعهُمْ. )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَاهُ : لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَشْهَر مِنْ مَعْنَى الزَّكَاة , وَأَنَّ فِي قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَوْ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مُرَادًا بِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } مَعْنًى ; لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ مَنْ لَا يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ , وَفِي اتِّبَاع اللَّه قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } قَوْله { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهَا زَكَاة الْأَمْوَال .

ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ

وَقَوْله : { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَصَدِيد أَهْل النَّار , وَمَا يَسِيل مِنْهُمْ لِلْمُدَّعِينَ لِلَّهِ شَرِيكًا الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان دُونه الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ اللَّه الطَّاعَة الَّتِي تُطَهِّرهُمْ , وَتُزَكِّي أَبْدَانهمْ , وَلَا يُوَحِّدُونَهُ ; وَذَلِكَ قَوْل يُذْكَر عَنِ ابْن عَبَّاس . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23471 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )23472 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَفْص , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } : الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِزَكَاةِ أَمْوَالهمْ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه فِيهَا , وَلَا يُعْطُونَهَا أَهْلهَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْل , وَقَدْ : 23473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَا يُقِرُّونَ بِهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , وَكَانَ يُقَال : إِنَّ الزَّكَاة قَنْطَرَة الْإِسْلَام , فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا , وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ ; وَقَدْ كَانَ أَهْل الرِّدَّة بَعْد نَبِيّ اللَّه قَالُوا : أَمَّا الصَّلَاة فَنُصَلِّي , وَأَمَّا الزَّكَاة فَوَاللَّهِ لَا تُغْصَب أَمْوَالنَا ; قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه لَا أُفَرِّق بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه ; وَاللَّه لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. )23474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَوَيْل لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : لَوْ زَكَّوْا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَنْفَعهُمْ. )وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : مَعْنَاهُ : لَا يُؤَدُّونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَشْهَر مِنْ مَعْنَى الزَّكَاة , وَأَنَّ فِي قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَلَوْ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مُرَادًا بِهِ الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } مَعْنًى ; لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ مَنْ لَا يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لَا يُؤْمِن بِالْآخِرَةِ , وَفِي اتِّبَاع اللَّه قَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } قَوْله { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاة } مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهَا زَكَاة الْأَمْوَال .|وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ|وَقَوْله : { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول : وَهُمْ بِقِيَامِ السَّاعَة , وَبَعْث اللَّه خَلْقه أَحْيَاء مِنْ قُبُورهمْ , مِنْ بَعْد بَلَائِهِمْ وَفَنَائِهِمْ مُنْكِرُونَ .

إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَرَسُوله , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ الصَّالِحَات مِنَ الْأَعْمَال .|لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ|يَقُول : لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْر غَيْر مَنْقُوص عَمَّا وَعَدَهُمْ أَنْ يَأْجُرهُمْ عَلَيْهِ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَقَدْ : 23475 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { لَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون } قَالَ بَعْضهمْ : غَيْر مَنْقُوص , وَقَالَ بَعْضهمْ : غَيْر مَمْنُون عَلَيْهِمْ . )23476 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِية , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَجْر غَيْر مَمْنُون } يَقُول : غَيْر مَنْقُوص . )23477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , قَوْله : ( { لَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون } قَالَ : مَحْسُوب .)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ

وَقَوْله : { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ } وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ ; وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْهُ الْعُلَمَاء , وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَنَذْكُر بَعْض مَا لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل إِنْ شَاءَ اللَّه . ذِكْر بَعْض مَا لَمْ نَذْكُرهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأَخْبَار بِذَلِكَ : 23478 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي سَعِيد الْبَقَّال , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ هَنَّاد : قَرَأْت سَائِر الْحَدِيث عَلَى أَبِي بَكْر أَنَّ الْيَهُود أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , قَالَ : ( خَلَقَ اللَّه الْأَرْض يَوْم الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , وَخَلَقَ الْجِبَال يَوْم الثُّلَاثَاء وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِع , وَخَلَقَ يَوْم الْأَرْبِعَاء الشَّجَر وَالْمَاء وَالْمَدَائِن وَالْعُمْرَانِ وَالْخَرَاب , فَهَذِهِ أَرْبَعَة , ثُمَّ قَالَ : أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ لِمَنْ سَأَلَ . قَالَ : وَخَلَقَ يَوْم الْخَمِيس السَّمَاء , وَخَلَقَ يَوْم الْجُمُعَة النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة إِلَى ثَلَاث سَاعَات بَقِيَتْ مِنْهُ فَخَلَقَ فِي أَوَّل سَاعَة مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة الْآجَال حِين يَمُوت مَنْ مَاتَ , وَفِي الثَّانِيَة أَلْقَى الْآفَة عَلَى كُلّ شَيْء مِمَّا يَنْفَع بِهِ النَّاس , وَفِي الثَّالِثَة آدَم وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّة , وَأَمَرَ إِبْلِيس بِالسُّجُودِ لَهُ , وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِر سَاعَة | قَالَتْ الْيَهُود : ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّد ؟ قَالَ : | ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش | , قَالُوا : قَدْ أَصَبْت لَوْ أَتْمَمْت , قَالُوا : ثُمَّ اسْتَرَاحَ ; فَغَضِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا , فَنَزَلَ : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } [50 38 ])23479 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ غَالِب بْن غَلَّاب , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : (إِنَّ اللَّه خَلَقَ يَوْمًا وَاحِدًا فَسَمَّاهُ الْأَحَد , ثُمَّ خَلَقَ ثَانِيًا فَسَمَّاهُ الِاثْنَيْنِ , ثُمَّ خَلَقَ ثَالِثًا فَسَمَّاهُ الثُّلَاثَاء , ثُمَّ خَلَقَ رَابِعًا فَسَمَّاهُ الْأَرْبِعَاء , ثُمَّ خَلَقَ خَامِسًا فَسَمَّاهُ الْخَمِيس ; قَالَ : فَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ : الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , وَخَلَقَ الْجِبَال يَوْم الثُّلَاثَاء , فَذَلِكَ قَوْل النَّاس : هُوَ يَوْم ثَقِيل , وَخَلَقَ مَوَاضِع الْأَنْهَار وَالْأَشْجَار يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَخَلَقَ الطَّيْر وَالْوُحُوش وَالْهَوَامّ وَالسِّبَاع يَوْم الْخَمِيس , وَخَلَقَ الْإِنْسَان يَوْم الْجُمُعَة , فَفَرَغَ مِنْ خَلْق كُلّ شَيْء يَوْم الْجُمُعَة . )23480 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ } فِي الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ . )وَقَدْ قِيلَ غَيْر ذَلِكَ ; وَذَلِكَ مَا : 23481 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُوف وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَا : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه التُّرْبَة يَوْم السَّبْت , وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَال يَوْم الْأَحَد , وَخَلَقَ الشَّجَر يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَخَلَقَ الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء , وَخَلَقَ النُّور يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس , وَخَلَقَ آدَم بَعْد الْعَصْر يَوْم الْجُمُعَة آخِر خَلْق آخِر سَاعَة مِنْ سَاعَات الْجُمُعَة فِيمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى اللَّيْل |.)|وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا|وَقَوْله : { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا } يَقُول : وَتَجْعَلُونَ لِمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنْدَادًا , وَهُمْ الْأَكْفَاء مِنَ الرِّجَال تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النِّدّ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل .|ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ|قَوْله : { ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول : الَّذِي فَعَلَ هَذَا الْفِعْل , وَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , مَالِك جَمِيع الْجِنّ وَالْإِنْس , وَسَائِر أَجْنَاس الْخَلْق , وَكُلّ مَا دُونه مَمْلُوك لَهُ , فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون لَهُ نِدّ ؟ ! هَلْ يَكُون الْمَمْلُوك الْعَاجِز الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء نِدًّا لِمَالِكِهِ الْقَادِر عَلَيْهِ ؟ !

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ فِي الْأَرْض الَّتِي خَلَقَ فِي يَوْمَيْنِ جِبَالًا رَوَاسِيَ , وَهِيَ الثَّوَابِت فِي الْأَرْض مِنْ فَوْقهَا , يَعْنِي : مِنْ فَوْق الْأَرْض عَلَى ظَهْرهَا .|وَبَارَكَ فِيهَا|وَقَوْله : { وَبَارَكَ فِيهَا } يَقُول : وَبَارَكَ فِي الْأَرْض فَجَعَلَهَا دَائِمَة الْخَيْر لِأَهْلِهَا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ مَا : 23482 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَبَارَكَ فِيهَا } قَالَ : أَنْبَتَ شَجَرَهَا .)|وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا|اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَات أَهْلهَا بِمَعْنَى أَرْزَاقهمْ وَمَعَايِشهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23483 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : أَرْزَاقهَا . )23484 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : قَدَّرَ فِيهَا أَرْزَاق الْعِبَاد , ذَلِكَ الْأَقْوَات. )23485 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } يَقُول : أَقْوَاتهَا لِأَهْلِهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَقَدَّرَ فِيهَا مَا يُصْلِحهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23486 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ خُلَيْد بْن دُعْلُج , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : صَلَاحهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَدَّرَ فِيهَا جِبَالهَا وَأَنْهَارهَا وَأَشْجَارهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23487 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } : خَلَقَ فِيهَا جِبَالهَا وَأَنْهَارهَا وَبِحَارهَا وَشَجَرهَا , وَسَاكِنهَا مِنْ الدَّوَابّ كُلّهَا. )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : جِبَالهَا وَدَوَابّهَا وَأَنْهَارهَا وَبِحَارهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا مِنَ الْمَطَر. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23488 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : مِنَ الْمَطَر. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَدَّرَ فِي كُلّ بَلْدَة مِنْهَا مَا لَمْ يَجْعَلهُ فِي الْآخَر مِنْهَا لِمَعَاشِ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض بِالتِّجَارَةِ مِنْ بَلْدَة إِلَى بَلْدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23489 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الذَّارِع , قَالَ : ثنا أَبُو مُحْصِن , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : الْيَمَانِيّ بِالْيَمَنِ , وَالسَّابِرِيّ بِسَابُور. )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُحْصِن , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : (قَالَ عِكْرِمَة { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } الْيَمَانِيَّة بِالْيَمَنِ , وَالسَّابِرِيَّة بِسَابُور , وَأَشْبَاه هَذَا. )23490 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت حُصَيْنًا عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : فِي كُلّ أَرْض قُوت لَا يَصْلُح فِي غَيْرهَا , الْيَمَانِيّ بِالْيَمَنِ , وَالسَّابِرِيّ بِسَابُور . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : الْبَلَد يَكُون فِيهِ الْقُوت أَوْ الشَّيْء لَا يَكُون لِغَيْرِهِ , أَلَا تَرَى أَنَّ السَّابِرِيَّ إِنَّمَا يَكُون بِسَابُور , وَأَنَّ الْعَصْب إِنَّمَا يَكُون بِالْيَمَنِ وَنَحْو ذَلِكَ . )23491 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن سَيْف , قَالَ : ثنا ابْن عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : السَّابِرِيّ بِسَابُور , وَالطَّيَالِسَة مِنْ الرَّيّ . )23492 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا أَبُو النَّضْر صَاحِب الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : السَّابِرِيّ بِسَابُور , وَالطَّيَالِسَة مِنْ الرَّيّ . )فِي قَوْله { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } قَالَ : السَّابِرِيّ مِنْ سَابُور , وَالطَّيَالِسَة مِنْ الرَّيّ , وَالْحِبَر مِنْ الْيَمَن . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدَّرَ فِي الْأَرْض أَقْوَات أَهْلهَا , وَذَلِكَ مَا يَقُوتهُمْ مِنَ الْغِذَاء , وَيُصْلِحهُمْ مِنَ الْمَعَاش , وَلَمْ يُخَصِّص جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } أَنَّهُ قَدَّرَ فِيهَا قُوتًا دُون قُوت , بَلْ عَمَّ الْخَبَر عَنْ تَقْدِيره فِيهَا جَمِيع الْأَقْوَات , وَمِمَّا يَقُوت أَهْلهَا مَا لَا يُصْلِحهُمْ غَيْره مِنْ الْغِذَاء , وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِالْمَطَرِ وَالتَّصَرُّف فِي الْبِلَاد لِمَا خَصَّ بِهِ بَعْضًا دُون بَعْض , وَمِمَّا أَخْرَجَ مِنَ الْجِبَال مِنَ الْجَوَاهِر , وَمِنَ الْبَحْر مِنَ الْمَآكِل وَالْحُلِيّ , وَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَصَحّ مِمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدَّرَ فِي الْأَرْض أَقْوَات أَهْلهَا , لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّة .|فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ|وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فِي أَرْبَعَة أَيَّام } لِمَا ذَكَرْنَا قَبْل مِنَ الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَا عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ خَلْق الْأَرْض وَجَمِيع أَسْبَابهَا وَمَنَافِعهَا مِنْ الْأَشْجَار وَالْمَاء وَالْمَدَائِن وَالْعُمْرَانِ وَالْخَرَاب فِي أَرْبَعَة أَيَّام , أَوَّلهنَّ يَوْم الْأَحَد , وَآخِرهنَّ يَوْم الْأَرْبِعَاء. 23493 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَالَ : (خَلَقَ الْجِبَال فِيهَا وَأَقْوَات أَهْلهَا وَشَجَرهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ , فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء . )وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قَالَ . خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , ثُمَّ قَالَ فِي أَرْبَعَة أَيَّام ; لِأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا مَعَ الْأَوَّل أَرْبَعَة أَيَّام , كَمَا تَقُول : تَزَوَّجْت أَمْس امْرَأَة , وَالْيَوْم ثِنْتَيْنِ , وَإِحْدَاهُمَا الَّتِي تَزَوَّجْتهَا أَمْس .|سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ|وَقَوْله : { سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : سَوَاء لِمَنْ سَأَلَ عَنْ مَبْلَغ الْأَجَل الَّذِي خَلَقَ اللَّه فِيهِ الْأَرْض , وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ مِنْ فَوْقهَا وَالْبَرَكَة , وَقَدَّرَ فِيهَا الْأَقْوَات بِأَهْلِهَا , وَجَدَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه أَرْبَعَة أَيَّام لَا يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصْنَ مِنْهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23494 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَدَهُ , كَمَا قَالَ اللَّه . )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } قَالَ : مَنْ سَأَلَ فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّه . )23495 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } يَقُول : مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : سَوَاء لِمَنْ سَأَلَ رَبّه شَيْئًا مِمَّا بِهِ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ الرِّزْق , فَإِنَّ اللَّه قَدْ قَدَّرَ لَهُ مِنْ الْأَقْوَات فِي الْأَرْض , عَلَى قَدْر مَسْأَلَة كُلّ سَائِل مِنْهُمْ لَوْ سَأَلَهُ لَمَا نَفَذَ مِنْ عِلْمه فِيهِمْ قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23496 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله ( { سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } قَالَ : قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَى قَدْر مَسَائِلهمْ , يَعْلَم ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُون مِنْ مَسَائِلهمْ شَيْء إِلَّا شَيْء قَدْ عَلِمَهُ قَبْل أَنْ يَكُون . )وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر أَبِي جَعْفَر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : { سَوَاءً } بِالنَّصْبِ , وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر الْقَارِئ : | سَوَاءٌ | بِالرَّفْعِ , وَقَرَأَ الْحَسَن : | وَسَوَاءٍ | بِالْجَرِّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَذَلِكَ قِرَاءَته بِالنَّصْبِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَلِصِحَّةِ مَعْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا سَوَاء لِسَائِلِيهَا عَلَى مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَة , وَعَلَى مَا يُصْلِحهُمْ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | وَقَسَّمَ فِيهَا أَقْوَاتهَا | . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْب سَوَاء , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ مَصْدَرًا , كَأَنَّهُ قَالَ : اسْتِوَاء . قَالَ : وَقَدْ قُرِئَ بِالْجَرِّ وَجُعِلَ اسْمًا لِلْمُسْتَوِيَاتِ : أَيْ فِي أَرْبَعَة أَيَّام تَامَّة , وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَنْ خَفَضَ سَوَاء , جَعَلَهَا مِنْ نَعْت الْأَيَّام , وَإِنْ شِئْت مِنْ نَعْت الْأَرْبَعَة , وَمَنْ نَصَبَهَا جَعَلَهَا مُتَّصِلَة بِالْأَقْوَاتِ . قَالَ : وَقَدْ تُرْفَع كَأَنَّهُ ابْتِدَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ { سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } يَقُول : لِمَنْ أَرَادَ عِلْمه . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُون نَصْبه إِذَا نُصِبَ حَالًا مِنَ الْأَقْوَات , إِذْ كَانَتْ سَوَاء قَدْ شُبِّهَتْ بِالْأَسْمَاءِ النَّكِرَة , فَقِيلَ : مَرَرْت بِقَوْمٍ سَوَاء , فَصَارَتْ تَتْبَع النَّكِرَات , وَإِذَا تَبِعَتْ النَّكِرَات انْقَطَعَتْ مِنَ الْمَعَارِف فَنُصِبَتْ , فَقِيلَ : مَرَرْت بِإِخْوَتِك سَوَاء , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون إِذَا لَمْ يَدْخُلهَا تَثْنِيَة وَلَا جَمْع أَنْ تُشَبَّه بِالْمَصَادِرِ , وَأَمَّا إِذَا رُفِعَتْ , فَإِنَّمَا تُرْفَع ابْتِدَاء بِضَمِيرِ ذَلِكَ وَنَحْوه , وَإِذَا جُرَّتْ فَعَلَى الِاتِّبَاع لِلْأَيَّامِ أَوْ لِلْأَرْبَعَةِ .

يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ

وَقَوْله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء , ثُمَّ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَال أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل .|فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ|وَقَوْله : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَقَالَ اللَّه لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْض : جِيئَا بِمَا خَلَقْت فِيكُمَا , أَمَّا أَنْتِ يَا سَمَاء فَأَطْلِعِي مَا خَلَقْت فِيك مِنَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم , وَأَمَّا أَنْتِ يَا أَرْض فَأَخْرِجِي مَا خَلَقْت فِيك مِنَ الْأَشْجَار وَالثِّمَار وَالنَّبَات , وَتَشَقَّقِي عَنْ الْأَنْهَار { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } جِئْنَا بِمَا أَحْدَثْت فِينَا مِنْ خَلْقك , مُسْتَجِيبِينَ لِأَمْرِك لَا نَعْصِي أَمْرك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23497 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , ( { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } قَالَ : قَالَ اللَّه لِلسَّمَوَاتِ : أَطْلِعِي شَمْسِي وَقَمَرِي , وَأَطْلِعِي نُجُومِي , وَقَالَ لِلْأَرْضِ : شَقِّقِي أَنْهَارك وَأَخْرِجِي ثِمَارك , فَقَالَتَا : أَعْطَيْنَا طَائِعِينَ . )23498 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ سُلَيْمَان الْأَحْوَل , عَنْ طَاوُس , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله ( { ائْتِيَا } : أَعْطِيَا , وَفِي قَوْله : { قَالَتَا أَتَيْنَا } قَالَتَا : أَعْطَيْنَا . )وَقِيلَ : أَتَيْنَا طَائِعِينَ , وَلَمْ يَقُلْ طَائِعَتَيْنِ , وَالسَّمَاء وَالْأَرْض مُؤَنَّثَتَانِ ; لِأَنَّ النُّون وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ هُمَا كِنَايَة أَسْمَائِهِمَا فِي قَوْله { أَتَيْنَا } نَظِيره كِنَايَة أَسْمَاء الْمُخْبِرِينَ مِنْ الرِّجَال عَنْ أَنْفُسهمْ , فَأَجْرَى قَوْله { طَائِعِينَ } عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْخَبَر عَنْ الرِّجَال كَذَلِكَ , وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : ذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِنَّ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَكَلَّمَتَا أَشْبَهَتَا الذُّكُور مِنْ بَنِي آدَم .

كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَفَرَغَ مِنْ خَلْقهنَّ سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ , وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة , كَمَا : 23499 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَالَ : (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان مِنْ تَنَفُّس الْمَاء حِين تَنَفَّسَ , فَجَعَلَهَا سَمَاء وَاحِدَة , فَفَتَقَهَا , فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ , فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة , وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض .)|وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا|وَقَوْله : { وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا } يَقُول : وَأَلْقَى فِي كُلّ سَمَاء مِنَ السَّمَوَات السَّبْع مَا أَرَادَ مِنَ الْخَلْق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23500 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } قَالَ : مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَأَرَادَهُ . )23501 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا } قَالَ : خَلَقَ فِي كُلّ سَمَاء خَلْقهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَلْق الَّذِي فِيهَا مِنْ الْبِحَار وَجِبَال الْبَرَد , وَمَا لَا يَعْلَم . )23502 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا } : خَلَقَ فِيهَا شَمْسهَا وَقَمَرهَا وَنُجُومهَا وَصَلَاحهَا .)|وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا|وَقَوْله : { وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح وَحِفْظًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس بِالْكَوَاكِبِ وَهِيَ الْمَصَابِيح , كَمَا : 23503 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح } قَالَ : ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاء بِالْكَوَاكِبِ , فَجَعَلَهَا زِينَة { وَحِفْظًا } مِنْ الشَّيَاطِين. )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْبه قَوْله : { وَحِفْظًا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : نُصِبَ بِمَعْنَى : وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا , كَأَنَّهُ قَالَ : وَنَحْفَظهَا حِفْظًا , لِأَنَّهُ حِين قَالَ : | زَيَّنَّاهَا بِمَصَابِيح | قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ نَظَرَ فِي أَمْرهَا وَتَعَهَّدَهَا , فَهَذَا يَدُلّ عَلَى الْحِفْظ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى : وَحِفْظًا زَيَّنَّاهَا ; لِأَنَّ الْوَاو لَوْ سَقَطَتْ لَكَانَ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا حِفْظًا ; وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَقْرَب عِنْدنَا لِلصِّحَّةِ مِنَ الْأَوَّل . وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّة فِي نَظِير ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ هَذَا الْكِتَاب , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .|ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ|وَقَوْله : { ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي وَصَفْت لَكُمْ مِنْ خَلْقِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا , وَتَزْيِينِي السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِب , عَلَى مَا بَيَّنْت تَقْدِير الْعَزِيز فِي نِقْمَته مِنْ أَعْدَائِهِ , الْعَلِيم بِسَرَائِر عِبَاده وَعَلَانِيَتهمْ , وَتَدْبِيرهمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحهمْ .

يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّة الَّتِي بَيَّنْتهَا لَهُمْ يَا مُحَمَّد , وَنَبَّهْتهمْ عَلَيْهَا فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا وَلَمْ يُقِرُّوا أَنَّ فَاعِل ذَلِكَ هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيْره , فَقُلْ لَهُمْ : أَنْذَرْتُكُمْ أَيّهَا النَّاس صَاعِقَة تُهْلِككُمْ مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الصَّاعِقَة : كُلّ مَا أَفْسَدَ الشَّيْء وَغَيَّرَهُ عَنْ هَيْئَته , وَقِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِع عَنَى بِهَا وَقِيعَة مِنَ اللَّه وَعَذَاب. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23504 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { صَاعِقَة مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود } قَالَ : يَقُول : أَنْذَرْتُكُمْ وَقِيعَة عَادٍ وَثَمُود , قَالَ : عَذَاب مِثْل عَذَاب عَادٍ وَثَمُود .)

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ

وَقَوْله : { إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُل مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفهمْ } يَقُول : فَقُلْ : أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مِثْل صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُود الَّتِي أَهْلَكْتهُمْ , إِذْ جَاءَتْ عَادًا وَثَمُود الرُّسُل مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ ; فَقَوْله | إِذْ | مِنْ صِلَة صَاعِقَة . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ } الرُّسُل الَّتِي أَتَتْ آبَاء الَّذِينَ هَلَكُوا بِالصَّاعِقَةِ مِنْ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ خَلْفهمْ } : مِنْ خَلْف الرُّسُل الَّذِينَ بُعِثُوا إِلَى آبَائِهِمْ رُسُلًا إِلَيْهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه بَعَثَ إِلَى عَادٍ هُودًا , فَكَذَّبُوهُ مِنْ بَعْد رُسُل قَدْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْهُ إِلَى آبَائِهِمْ أَيْضًا , فَكَذَّبُوهُمْ , فَأُهْلِكُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23505 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَإِنْ أَعْرَضُوا }. .. إِلَى قَوْله : { وَمِنْ خَلْفهمْ } قَالَ : الرُّسُل الَّتِي كَانَتْ قَبْل هُود , وَالرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا بَعْده , بَعَثَ اللَّه قَبْله رُسُلًا , وَبَعَثَ مِنْ بَعْده رُسُلًا .)|أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ|وَقَوْله : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَاءَتْهُمُ الرُّسُل بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ .|قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً|قَالُوا : { لَوْ شَاءَ رَبّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَة } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَقَالُوا لِرُسُلِهِمْ إِذْ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِ اللَّه : لَوْ شَاءَ رَبّنَا أَنْ نُوَحِّدهُ , وَلَا نَعْبُد مِنْ دُونه شَيْئًا غَيْره , لَأَنْزَلَ إِلَيْنَا مَلَائِكَة مِنْ السَّمَاء رُسُلًا بِمَا تَدْعُونَنَا أَنْتُمْ إِلَيْهِ , وَلَمْ يُرْسِلكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَر مِثْلنَا , وَلَكِنَّهُ رَضِيَ عِبَادَتنَا مَا نَعْبُد , فَلِذَلِكَ لَمْ يُرْسِل إِلَيْنَا بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ مَلَائِكَة .|فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ|وَقَوْله : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } يَقُول : قَالَ لِرُسُلِهِمْ : فَإِنَّا بِالَّذِي أَرْسَلَكُمْ بِهِ رَبّكُمْ إِلَيْنَا جَاحِدُونَ غَيْر مُصَدِّقِينَ بِهِ .

فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا عَاد فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَأَمَّا عَاد } قَوْم هُود { فَاسْتَكْبَرُوا } عَلَى رَبّهمْ وَتَجَبَّرُوا { فِي الْأَرْض } تَكَبُّرًا وَعُتُوًّا بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ بِهِ { وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَهُمْ } وَأَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ عِظَم الْخَلْق , وَشِدَّة الْبَطْش { هُوَ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } فَيَحْذَرُوا عِقَابه , وَيَتَّقُوا سَطْوَته لِكُفْرِهِمْ بِهِ , وَتَكْذِيبهمْ رُسُله .|وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ|يَقُول : وَكَانُوا بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجنَا عَلَيْهِمْ يَجْحَدُونَ.

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَرْسَلْنَا عَلَى عَادٍ رِيحًا صَرْصَرًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الصَّرْصَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا رِيح شَدِيدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 23506 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله ( { رِيحًا صَرْصَرًا } قَالَ : شَدِيدَة. )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { رِيحًا صَرْصَرًا } شَدِيدَة السَّمُوم عَلَيْهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَا أَنَّهَا بَارِدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23507 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا } قَالَ : الصَّرْصَر : الْبَارِدَة. )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { رِيحًا صَرْصَرًا } قَالَ : بَارِدَة . )23508 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { رِيحًا صَرْصَرًا } قَالَ : بَارِدَة ذَات الصَّوْت . )23509 -حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { رِيحًا صَرْصَرًا } يَقُول : رِيحًا فِيهَا بَرْد شَدِيد . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مُجَاهِد , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { صَرْصَرًا } إِنَّمَا هُوَ صَوْت الرِّيح إِذَا هَبَّتْ بِشِدَّةٍ , فَسُمِعَ لَهَا كَقَوْلِ الْقَائِل : صَرَر , ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل التَّضْعِيف الَّذِي فِي الرَّاء , فَقَالَ ثُمَّ أُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّاءَات صَادًا لِكَثْرَةِ الرَّاءَات , كَمَا قِيلَ فِي رَدَّدَهُ : رَدْرَدَهُ , وَفِي نَهَّهَهُ : نَهْنَهَهُ , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : <br>فَالْيَوْم قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي .......... وَأَوَّل حِلْم لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ <br>وَكَمَا قِيلَ فِي كَفَّفَهُ : كَفْكَفَهُ , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : <br>أُكَفْكِفُ عَبْرَة غَلَبَتْ عُدَاتِي .......... إِذَا نَهْنَهْتهَا عَادَتْ ذُبَاحَا <br>وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ النَّهَر الَّذِي يُسَمَّى صَرْصَرًا , إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِصَوْتِ الْمَاء الْجَارِي فِيهِ , وَإِنَّهُ | فَعْلَلَ | مِنْ صَرَر نَظِير الرِّيح الصَّرْصَر.|فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ|وَقَوْله : { فِي أَيَّام نَحِسَات } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل النَّحِسَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْمُتَتَابِعَات. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23510 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فِي أَيَّام نَحِسَات } قَالَ : أَيَّام مُتَتَابِعَات أَنْزَلَ اللَّه فِيهِنَّ الْعَذَاب. )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَشَائِيم. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23511 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { أَيَّام نَحِسَات } قَالَ : مَشَائِيم . )23512 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فِي أَيَّام نَحِسَات } أَيَّام وَاللَّه كَانَتْ مَشْئُومَات عَلَى الْقَوْم . )* - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (النَّحِسَات : الْمَشْئُومَات النَّكِدَات . )23513 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فِي أَيَّام نَحِسَات } قَالَ : أَيَّام مَشْئُومَات عَلَيْهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَيَّام ذَات شَرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23514 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد قَوْله : ( { أَيَّام نَحِسَات } قَالَ : النَّحِس : الشَّرّ ; أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيح شَرّ لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْخَيْر شَيْء . )وَقَالَ آخَرُونَ : النَّحِسَات : الشِّدَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23515 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول { فِي أَيَّام نَحِسَات } قَالَ : شِدَاد . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ عَنَى بِهَا : أَيَّام مَشَائِيم ذَات نُحُوس ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ مَعْنَى النَّحِس فِي كَلَام الْعَرَب. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر نَافِع وَأَبِي عَمْرو { فِي أَيَّام نَحِسَات } بِكَسْرِ الْحَاء , وَقَرَأَهُ نَافِع وَأَبُو عَمْرو : | نَحْسَات | بِسُكُونِ الْحَاء , وَكَانَ أَبُو عَمْرو فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ يَحْتَجّ لِتَسْكِينِهِ الْحَاء بِقَوْلِهِ : { يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ } [54 19 ]وَأَنَّ الْحَاء فِيهِ سَاكِنَة . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا قُرَّاء عُلَمَاء مَعَ اتِّفَاق مَعْنَيَيْهِمَا , وَذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيك الْحَاء وَتَسْكِينهَا فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , يُقَال هَذَا يَوْم نَحْس , وَيَوْم نَحِس , بِكَسْرِ الْحَاء وَسُكُونهَا ; قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب : <br>أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتهمْ .......... طَيًّا وَبَهْرَاء قَوْم نَصْرُهُمْ نَحِسُ <br>وَأَمَّا مِنْ السُّكُون فَقَوْل اللَّه { يَوْم نَحْس } ; [54 19 ]مِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا .......... نَجْمَيْنِ بِالسَّعْدِ وَنَجْمًا نَحْسًا <br>فَمَنْ كَانَ فِي لُغَته : | وَيَوْم نَحْس | قَالَ : | فِي أَيَّام نَحْسَات | , وَمَنْ كَانَ فِي لُغَته : { يَوْم نَحِس } قَالَ : { فِي أَيَّام نَحِسَات } , وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : النَّحْس بِسُكُونِ الْحَاء : هُوَ الشُّؤْم نَفْسه , وَإِنَّ إِضَافَة الْيَوْم إِلَى النَّحْس , إِنَّمَا هُوَ إِضَافَة إِلَى الشُّوم , وَإِنَّ النَّحِس بِكَسْرِ الْحَاء نَعْت لِلْيَوْمِ بِأَنَّهُ مَشْئُوم , وَلِذَلِكَ قِيلَ : { فِي أَيَّام نَحِسَات } لِأَنَّهَا أَيَّام مَشَائِيم .|لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى|وَقَوْله : { لِنُذِيقَهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَعَذَابنَا إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة أَخْزَى لَهُمْ وَأَشَدّ إِهَانَة وَإِذْلَالًا .|وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ|يَقُول : وَهُمْ يَعْنِي عَادًا لَا يَنْصُرهُمْ مِنَ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة إِذَا عَذَّبَهُمْ نَاصِر , فَيُنْقِذهُمْ مِنْهُ , أَوْ يَنْتَصِر لَهُمْ .

فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ } </subtitle>يَقُول يُعَالَى ذِكْره : فَبَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيل الْحَقّ وَطَرِيق الرُّشْد , كَمَا : 23516 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ } : أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ . )23517 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ } بَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيل الْخَيْر وَالشَّرّ . )23518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ ( { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ } بَيَّنَّا لَهُمْ . )23519 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ } قَالَ : أَعْلَمْنَاهُمْ الْهُدَى وَالضَّلَالَة , وَنَهَيْنَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الضَّلَالَة , وَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الْهُدَى . )وَقَدِ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { ثَمُود } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء مِنْ الْأَمْصَار غَيْر الْأَعْمَش وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق بِرَفْعِ ثَمُود , وَتَرْك إِجْرَائِهَا عَلَى أَنَّهَا اسْم لِلْأُمَّةِ الَّتِي تُعْرَف بِذَلِكَ , وَأَمَّا الْأَعْمَش فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْقُرْآن كُلّه إِلَّا فِي قَوْله : { وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة مُبْصِرَة } [17 59 ]فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُجْرِيه فِي هَذَا الْمَوْضِع خَاصَّة مِنْ أَجْل أَنَّهُ فِي خَطّ الْمُصْحَف فِي هَذَا الْمَوْضِع بِغَيْرِ أَلِف , وَكَانَ يُوَجِّه ثَمُود إِلَى أَنَّهُ اسْم رَجُل بِعَيْنِهِ مَعْرُوف , أَوْ اسْم جِيل مَعْرُوف . وَأَمَّا ابْن إِسْحَاق فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ نَصْبًا , وَأَمَّا ثَمُود بِغَيْرِ إِجْرَاء , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّة وَجْه مَعْرُوف , فَإِنَّ أَفْصَح مِنْهُ وَأَصَحّ فِي الْإِعْرَاب عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة الرَّفْع لِطَلَبِ أَمَّا الْأَسْمَاء وَأَنَّ الْأَفْعَال لَا تَلِيهَا , وَإِنَّمَا تُعْمِل الْعَرَب الْأَفْعَال الَّتِي بَعْد الْأَسْمَاء فِيهَا إِذَا حَسُنَ تَقْدِيمهَا قَبْلهَا وَالْفِعْل فِي أَمَّا لَا يَحْسُن تَقْدِيمه قَبْل الِاسْم ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَال : وَأَمَّا هَدَيْنَا فَثَمُود , كَمَا يُقَال : { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ }. وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا الرَّفْع وَتَرْك الْإِجْرَاء ; أَمَّا الرَّفْع فَلِمَا وَصَفْت , وَأَمَّا تَرْك الْإِجْرَاء فَلِأَنَّهُ اسْم لِلْأُمَّةِ .|فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى|وَقَوْله : { فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } يَقُول : فَاخْتَارُوا الْعَمَى عَلَى الْبَيَان الَّذِي بَيَّنْت لَهُمْ , وَالْهُدَى الَّذِي عَرَّفْتهمْ , بِأَخْذِهِمْ طَرِيق الضَّلَال عَلَى الْهُدَى , يَعْنِي عَلَى الْبَيَان الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُمْ , مِنْ تَوْحِيد اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط . عَنِ السُّدِّيّ ( { فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } قَالَ : اخْتَارُوا الضَّلَالَة وَالْعَمَى عَلَى الْهُدَى . )23521 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } قَالَ : أَرْسَلَ اللَّه إِلَيْهِمْ الرُّسُل بِالْهُدَى فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى . )23522 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة ( { فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى } يَقُول : بَيَّنَّا لَهُمْ , فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى. )23523 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } قَالَ : اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَة عَلَى الْهُدَى , وَقَرَأَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّة عَمَلهمْ } . .. [6 108 ]إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : فَزَيَّنَ لِثَمُود عَمَلهَا الْقَبِيح , وَقَرَأَ : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّه يُضِلّ مَنْ يَشَاء } . .. [35 8 ]إِلَى آخِر الْآيَة .)|فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ|وَقَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة الْعَذَاب الْهُون } يَقُول : فَأَهْلَكْتهمْ مِنَ الْعَذَاب الْمُذِلّ الْمُهِين لَهُمْ مَهْلَكَة أَذَلَّتْهُمْ وَأَخْزَتْهُمْ ; وَالْهُون : هُوَ الْهَوَان , كَمَا : 23524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { عَذَاب الْهُون } قَالَ : الْهَوَان .)|بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ|وَقَوْله : { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } مِنَ الْآثَام بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ قَبْل ذَلِكَ , وَخِلَافهمْ إِيَّاهُ , وَتَكْذِيبهمْ رُسُله.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس