1-" اقتربت الساعة وانشق القمر " روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر . وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ وقد انشق القمر أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر ، وقوله :
2-" وإن يروا آية يعرضوا " عن تأملها والإيمان بها ." ويقولوا سحر مستمر " مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك ، أو محكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمه فأستحكم ، أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى .
3-" وكذبوا واتبعوا أهواءهم " وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره وذكرهما بلفظ الماضي للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة . " وكل أمر مستقر " منته إلى غاية من خذلان أونصر في الدني وشقاوة ، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر ، وكل معطوف على الساعة .
4-" ولقد جاءهم " في القرآن " من الأنباء " أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة . " ما فيه مزدجر " ازدجار من تعذيب أو وعيد وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الذال و الدال والزاي للتناسب ، وقرئ مزجر بقلبها زاياً وإدغامها .
5-" حكمة بالغة " غايتها لا خال فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف ،وقرئ بالنصب حالاً من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها ." فما تغن النذر " نفي أو استفهام إنكار ، أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر ن أو المنذر منه أو مصدر بمعنى الإنذار .
6-" فتول عنهم " لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم " يوم يدع الداع " إسرافيل ،ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله " كن فيكون " وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب " يوم " بـ" يخرجون " أو بإضمار اذكر " إلى شيء نكر " فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة ، وقرأ ابن كثير بالتخفيف ، وقرئ نكراً بمعنى أنكر .
7-" خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث " أي يخرجون من قبورهم خاشعاً ذليلاً أبصارهم من الهول ،وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث ، وقرئ خاشعة على الأصل ، وقرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و عاصم " خشعاً " ،وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل ، وقرئ خشع أبصارهم على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالاً . " كأنهم جراد منتشر " في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة .
8-" مهطعين إلى الداع " مسرعين مادي أعناقهم إليه ، أو ناظرين إليه . " يقول الكافرون هذا يوم عسر " صعب .
9-" كذبت قبلهم قوم نوح " قبل قومك " فكذبوا عبدنا " نوحاً عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال ، وقيل معناه كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل . " وقالوا مجنون " هو مجنون . " وازدجر " وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية ،وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته .
10-" فدعا ربه أني " بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول . " مغلوب " غلبني قومي . " فانتصر " فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم . فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً عليه فيفيق ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
11-" ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " منصب ، وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها ،وقرأ ابن عامر و يعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب .
12-" وفجرنا الأرض عيوناً " وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة ،وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة . " فالتقى الماء " ماء السماء وماء الأرض ، وقرئ الماءان لاختلاف النوعين و الماوان بقلبت الهمزة واواً . " على أمر قد قدر " على حال قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت ، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج ، أو على قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان .
13-" وحملناه على ذات ألواح " ذات أخشاب عريضة " ودسر " ومسامير جمع دسار من الدسر ، وهو الدفع الشديد وفي صفة للسفينة أقيمت من حيث أنها كالشرح لها تؤدي مؤداها .
14-" تجري بأعيننا " بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا " جزاءً لمن كان كفر " أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها ، فإن كل نبي نعمة من الله تعالى ورحمة على أمته ، ويجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير وقرئ لمن كفر أي للكافرين .
15-" ولقد تركناها " أي السفينة أو الفعلة . " آيةً " يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر ." فهل من مدكر " معتبر ، وقرئ مذتكر على الأصل ن و مذكر بقلب التاء ذالاً والإدغام فيها .
16-" فكيف كان عذابي ونذر " استفهام تعظيم ووعيد ، والنذر يحتمل المصدر والجمع .
17-" ولقد يسرنا القرآن " سهلناه أو هيأناه من يسير ناقته للسفر إذا رحلها . " للذكر " للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر ، أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ . " فهل من مدكر " متعظ .
18-"كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر " وإنذاري أتى لهم بالعذاب قبل نزوله ، أو لمن بعدهم في تعذيبهم .
19-" إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً " بارداً أو شديد الصوت ." في يوم نحس " شؤم . " مستمر " أي استمر شؤمه ، أو استمر عليهم حتى أهلكهم ، أو على جميعهم كبيرهم وصغيرهم لهم يبق منهم أحداً ، أو اشتد مرارته وكان يوم الاربعاء آخر الشهر.
20-" تنزع الناس " تقلعهم ، روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنفنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى . " كأنهم أعجاز نخل منقعر " أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض . وقيل شبهوا بالاعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أحسادهم ، وتذكير " فعقر " للحمل على اللفظ ، والتأنيث في قوله " أعجاز نخل خاوية " للمعنى .
21-" فكيف كان عذابي ونذر " كرره للتهويل .وقيل . الأول لما حاق بهم في الدنيا ، والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضاً في قصتهم ." لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى " .
22-" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .
23-" كذبت ثمود بالنذر " بالإنذارات والمواعظ ، أو الرسل .
24-" فقالوا أبشراً منا " من جنسنا أو من حملنا لا فضل له علينا ، وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام . " واحداً " منفرداً لاتبع له أو من آحادهم دون أشرافهم . " نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر " جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له ، وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة .
25-" ألقي الذكر " الكتاب أو الوحي " عليه من بيننا " وفيه من هو أحق منه بذلك . " بل هو كذاب أشر " حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إياه .
26-" سيعلمون غداً " عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة . " من الكذاب الأشر " الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه ؟ وقرأ ابن عامر و حمزة و رويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح ، وقرئ الأشر كقولهم حذر في حذر و الأشر أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير .
27-" إنا مرسلو الناقة " مخرجوها وباعثوها " فتنةً لهم " امتحاناً لهم . " فارتقبهم " فانتظرهم وتبصر ما يصنعون " واصطبر " على أذاهم .
28-" ونبئهم أن الماء قسمة بينهم " مقسوم لها يوم ولهم يوم ، و " بينهم " لتغليب العقلاء . " كل شرب محتضر " يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره .
29-. " فنادوا صاحبهم " قدار بن سالف أحيمر ثمود " فتعاطى فعقر " فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف .
30-" فكيف كان عذابي ونذر " .
31-" إنا أرسلنا عليهم صيحةً واحدةً " صيحة جبريل عليه السلام ." فكانوا كهشيم المحتظر " كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء ، وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها .
32-" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " .
33-" كذبت قوم لوط بالنذر " .
34-" إنا أرسلنا عليهم حاصباً " ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم . " إلا آل لوط نجيناهم بسحر " في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين .
35-" نعمةً من عندنا " إنعاماً منا وهو علة لنجينا " كذلك نجزي من شكر " نعمتنا بالإيمان والطاعة .
36-" ولقد أنذرهم " لوط " بطشتنا " أخذتنا العذاب . " فتماروا بالنذر " فكذبوا بالنذر متشاكين .
37-" ولقد راودوه عن ضيفه " قصدوا الفجور بهم . " فطمسنا أعينهم " فمسحناها وسويناها بسائر الوجه .روي أنهم لما دخلوا دارة عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فأعماهم . " فذوقوا عذابي ونذر " فقلنا لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة أو ظاهر الحال .
38-" ولقد صبحهم بكرةً " وقرئ بكرة غير مصروفة على أن المراد بها أول نهار معين "عذاب مستقر " يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار .
39-" فذوقوا عذابي ونذر " .
40-" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " كرر ذلك في كل قصة إشعاراً بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ ، واستئنافاً للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة ، وهكذا تكرير قوله : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " . " ويل يومئذ للمكذبين " ونحوهما .
41-" ولقد جاء آل فرعون النذر " اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك منهم .
42-" كذبوا بآياتنا كلها " يعني الآيات التسع . " فأخذناهم أخذ عزيز " لا يغالب " مقتدر " لا يعجزه شيء .
43-" أكفاركم " يا معشر العرب . " خير من أولئكم " الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة وديناً عند الله تعالى . " أم لكم براءة في الزبر " أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من العذاب .
44-" أم يقولون نحن جميع " جماعة أمرنا . " منتصر " ممتنع لا نرام أو منتصر من الأعداء لا نغلب ، أو متناصر ينصر بعضنا بعضاً والتوحيد على لفظ الجميع .
45-" سيهزم الجمع ويولون الدبر " أي الأدبار وإفراده لإرادة الجنس ، أو لأن كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم بدر وهو من دلائل النبوة . وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه" لما نزلت قال : لم أعلم ما هو فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الدرع ويقول :سيهزم الجمع ، فعلمته" .
46-" بل الساعة موعدهم " موعد عذابهم الأصلى وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه " والساعة أدهى " أشد ، والداهية أمر فظيع لا يهتدي لدوائه . " وأمر " مذاقاً من عذاب الدنيا .
47-" إن المجرمين في ضلال " عن الحق في الدنيا . " وسعر " ونيران في الآخرة .
48-" يوم يسحبون في النار على وجوههم " يجرون عليها . " ذوقوا مس سقر " أي يقال لهم ذوقوا حر النار وألمها فإن مسها سبب التألم بها ، وسقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته .
49-" إنا كل شيء خلقناه بقدر " أي إنا خلقنا كل شيء مقدراً مرتباً على مقتضى الحكمة ، أو مقدراً مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ، وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده ، وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبراً لا نعتاً ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر ، ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإضمار لما فيه من النصوصية على المقصود .
50-" وما أمرنا إلا واحدة " إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة ، أو " إلا " كلمة واحدة وهو قوله كن . " كلمح بالبصر " في اليسر والسرعة ، وقيل معناه معنى قوله تعالى : " وما أمر الساعة إلا كلمح البصر " .
51-" ولقد أهلكنا أشياعكم " أشباهكم في الكفر ممن قبلكم . " فهل من مدكر " متعظ .
52-" وكل شيء فعلوه في الزبر " مكتوب في كتب الحفظة .
53-" وكل صغير وكبير " من الأعمال . " مستطر " مسطور في اللوح .
54-" إن المتقين في جنات ونهر " أنهار واكتفى باسم الجنس ، أو سعة أو ضياء من النهار . وقرئ " نهر" وبضم الهاء جمع نهر كأسد و أسد .
55-" في مقعد صدق " في مكان مرضي ، وقرئ مقاعد صدق . " عند مليك مقتدر " مقربين عند الله تعالى أمره في الملك ، والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر " .