{اقتربت الساعة} دنت القيامة {وانشق القمر} انفلق بنصفين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن أهل مكة سألوه آيةً، فأراهم القمر فلقتين حتى رأوا حراءً بنيهما، فأخبر الله تعالى أن ذلك من علامات قرب الساعة.
{وإن يروا} يعني: أهل مكة {اية} تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} ذاهب باطل يذهب. وقيل: محكم شديد.وقوله:
{وكل أمر مستقر} أي: يستقر قرار تكذيبهم، وقرار تصديق المؤمنين. يعني: عند ظهور الثواب والعقاب.
{ولقد جاءهم} جاء أهل مكة {من الأنباء} أخبار إهلاك الأمم المكذبة {ما فيه مزدجر} متناهى منتهى.
{حكمة بالغة} أي: ما أتاهم من أخبار من قبلهم حكمة بالغة تامة، ليس فيها نقصان، أي: القرآن، وذلك أن تلك الأخبار قصت عليهم في القرآن {فما تغن النذر} جمع نذير، أي: فليست تغني عن التكذيب.
{فتول عنهم}، وتم الكلام، ثم قال: {يوم يدع الداع إلى شيء نكر} منكر، وهو النار.
{خشعا} ذليلةً {أبصارهم يخرجون من الأجداث} القبور {كأنهم جراد منتشر} كقوله: {كالفراش المبثوث}.
{مهطعين} مقبلين ناظرين {إلى الداع} إلى من يدعوهم إلى المحشر {يقول الكافرون هذا يوم عسر} شديد.
{كذبت قبلهم} قبل أهل مكة {قوم نوح فكذبوا عبدنا} نوحاً {وقالوا: مجنون وازدجر} زجر ونهر ونهي عن دعوته ومقالته.
{فدعا ربه أني مغلوب} مقهور {فانتصر} فانتقم لي منهم.
{ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} سائل.
{وفجرنا الأرض عيونا} فتحناها بعيون الماء {فالتقى الماء} ماء السماء وماء الأرض {على أمر قد قدر} قضي عليهم في أم الكتاب.
{وحملناه} أي: نوحاً {على ذات ألواح} وهي السفينة {ودسر} يعني: ما تشد به السفينة من المسامير والشرط.
{تجري بأعيننا} بمرأى من وحفظ {جزاء لمن كان كفر} يعني: نوحاً، أي: فعلنا ذلك ثواباً له إذ كفر به وكذب.
{ولقد تركناها آية} تركنا تلك القصة آيةً: علامةً، ليعتبر بها {فهل من مدكر} متعظ بها.
{فكيف كان عذابي} استفهام معناه التقرير {ونذر} أي: إنذاري.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر} سهلناه للحفظ، فليس يحفظ كتاب من كتب الله ظاهراً إلا القرآن {فهل من مدكر} متعظ بمواعظه.
{كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر}.
{إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} شديدةً ذات صوت {في يوم نحس} شؤم {مستمر} دائم الشؤم.
{تنزع الناس} تقلعهم من مواضعهم {كأنهم أعجاز نخل} أصول نخل {منقعر} منقطع ساقط، شبهوا وقد كبتهم الريح على وجوههم بنخيل سقطت على الأرض.
{فكيف كان عذابي ونذر}.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
{كذبت ثمود بالنذر} جمع نذير. وقوله:
{إنا إذا لفي ضلال} ذهاب عن الصواب {وسعر} جنون.
{أألقي الذكر عليه من بيننا} أنكروا أن يكون مخصوماً بالوحي من بينهم. {بل هو كذاب أشر} بطر يريد أن يتعظم علينا.
{سيعلمون غدا} عند نزول العذاب بهم {من الكذاب الأشر}.
{إنا مرسلو الناقة} مخرجوها من الهضبة كما سألوا {فتنة لهم} محنةً لهم لنختبرهم {فارتقبهم} انتظر ما هم صانعون{واصطبر}.
{ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} بين ثمود والناقة غباً، لهم يوم، ولها يوم {كل شرب} نصيب من الماء {محتضر} يحضره القوم يوماً، والناقة يوماً.
{فنادوا صاحبهم} قداراً عاقر الناقة {فتعاطى} تناول الناقة بالعقر فعقرها. وقوله:
{فكيف كان عذابي ونذر}.
{كهشيم المحتظر} هو الرجل يجعل لغنمه حظيرةً بالشجر والشوك دون السباع، مما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم. وقوله:
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
{كذبت قوم لوط بالنذر}.
{إلا آل لوط} أي: أتباعه على دينه من أهله وأمته. {نجيناهم} من العذاب {بسحر} من الأسحار، كقوله: {فأسر بأهلك} الآية؟
{نعمة من عندنا} عليهم بالإنجاء {كذلك} كما جزينا لوطاً وآله {نجزي من شكر} آمن بالله وأطاعه.
{ولقد أنذرهم} خوفهم لوط {بطشتنا} أخذنا إياهم بالعقوبة {فتماروا بالنذر} كذبوا بإنكاره شكا منهم.
{ولقد راودوه عن ضيفه} سألوه أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف، وكانوا ملائكةً {فطمسنا أعينهم} أعميناها، وصيرناها كسائر الوجه، وقلنا لهم: {فذوقوا عذابي ونذر}.
{ولقد صبحهم بكرة} جاءهم صباحاً {عذاب مستقر} ثابت، لأنه أفضى بهم إلى عذاب الآخرة.
{فذوقوا عذابي ونذر}.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
{ولقد جاء آل فرعون النذر} الإنذار على لسان موسى وهارون عليهما السلام.
{كذبوا بآياتنا} التسع {كلها فأخذناهم} بالعذاب {أخذ عزيز} قوي {مقتدر} قادر لا يعجزه شيء. ثم خاطب العرب فقال:
{أكفاركم خير من أولئكم} الذين ذكرنا قصتهم {أم لكم براءة} من العذاب {في الزبر} الكتب تأمنون بها من العذاب.
{أم يقولون} كفار مكة: {نحن جميع منتصر} جماعة منصورون.
{سيهزم الجمع} أي: جمعهم {ويولون الدبر} ينهزمون فيرجعون على أدباره، وكان هذا يوم بدر.
{بل الساعة موعدهم} للعذاب {والساعة أدهى وأمر} أشد أمراً وأشد مرارةً مما يلحقهم في الدنيا.
{إن المجرمين في ضلال} في الدنيا {وسعر} نار في الآخرة.
{يوم يسحبون} يجرون {في النار على وجوههم} ويقال لهم: {ذوقوا مس سقر} إصابة جهنم إياكم بالعذاب.
{إنا كل شيء خلقناه بقدر} أي: كل ما خلقناه فمقدور مكتوب في اللوح المحفوظ، وهذه الآيات نزلت في القدرية الذين يكذبون بالقدر.
{وما أمرنا} لشيء إذا أردنا تكوينه {إلا واحدة} كلمة واحدة، وهي كن {كلمح بالبصر} في السرعة كخطفة البصر.
{ولقد أهلكنا أشياعكم} أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية.
{وكل شيء فعلوه في الزبر} في كتب الحفظة.
{وكل صغير وكبير} من أعمالهم {مستطر} مكتوب.
{إن المتقين في جنات ونهر} ضياء وسعة. وقيل: أراد أنهاراً، فوحد لوفاق الفواصل.
{في مقعد صدق} في مجلس لا لغو فيه ولا تأثيم {عند مليك مقتدر} وهو الله تعالى. وعند إشارة إلى الرتبة والقربة من فضل الله ورحمته.