1-" تبارك الذي بيده الملك " بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها . " وهو على كل شيء قدير " على كل ما يشاء قدير .
2-" الذي خلق الموت والحياة " قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره ، وقدم الموت لقوله : " وكنتم أمواتاً فأحياكم " ولأنه أدعى إلى حسن العمل " ليبلوكم " ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون . " أيكم أحسن عملاً " أصوبه وأخلصه ، وجاء مرفوعاً : أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته ، جملة واقعة موقع المفعول ثانياً لفعل البلوى المتضمن معنى العلم ، وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خيراً لما لا يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين . " وهو العزيز " الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل . " الغفور " لمن تاب منهم .
3-" الذي خلق سبع سماوات طباقا " مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خلطتها طبقاً على طبق وصف به ، أو طوبقت طباقاً أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال ، أو طبقة كرحبة ورحاب . " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " وقرأ حمزة و الكسائي من تفوت ومعناهما واحد كالتعاهد والتعهد ، وهو الاختلاف وعدم التناسب من الفوت كأن كلا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر ، والجملة صفة ثانية لـ" سبع " وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم ، والإشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة وتفضلاً ، وأن في إبداعها نعماً جليلة لا تحصى ، والخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب وقوله : " فارجع البصر هل ترى من فطور " متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مراراً فانظر إليها مرة أخرى متأملاً فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها ، والـ" فطور " الشقوق والمراد الخلل من فطره إذا شقه .
4-" ثم ارجع البصر كرتين " أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك ، ولذلك أجاب الأمر بقوله : " ينقلب إليك البصر خاسئاً " بعيداً عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طرداً بالصغار " وهو حسير " كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة .
5-" ولقد زينا السماء الدنيا " أقرب السموات إلى الأرض . " بمصابيح " بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها ، والتنكير للتعظيم ولا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها ." وجعلناها رجوماً للشياطين " وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم ، والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها . معناه وجعلناها رجوماً وظنوناً لشياطين الإنس وهم المنجمون . "وأعتدنا لهم عذاب السعير " في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا .
6-" وللذين كفروا بربهم " من الشياطين وغيرهم ." عذاب جهنم وبئس المصير " وقرئ بالنصب على أن " للذين " عطف على " لهم " و " عذاب" على " عذاب السعير " .
7-" إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً " صوتاً كصوت الحمير ." وهي تفور " تغلي بهم غليان المرجل بما فيه .
8-" تكاد تميز من الغيظ " تتفرق غيظاً عليهم ، وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم ،ويجوز أن يراد غيظ الزبانية . " كلما ألقي فيها فوج " جماعة من الكفرة . " سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير " يخوفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت .
9-" قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير " أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأساً ،وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال ، فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار ، أو منعوت به للمبالغة أو الواحد والخطاب له ولأمثاله على التغليب ، أو إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل ، او على أن المعنى قالت الأفواج قد جاء إلى كل فوج منا رسول من الله فكذبناهم وضللناهم ، ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا ، أو عقابه الذي يكونون فيه .
10-" وقالوا لو كنا نسمع " كلام الرسل فنقلبه جملة من غير بحث وتفتيش اعتماداً على ما لاح من صدقهم بالمعجزات . " أو نعقل " فنتفكر في حكمه ومعاينة تفكر المستبصرين . " ما كنا في أصحاب السعير " في عدادهم ومن جملتهم .
11-" فاعترفوا بذنبهم " حين لا ينفعهم ، والاعتراف إقرار عن معرفة ، والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر ، أو المراد به بالكفر . " فسحقاً لأصحاب السعير " فأسحقهم الله سحقاً أبعدهم من رحمته ، والتغليب للإيجاز والمبالغة والتعليل وقرأ الكسائي بالتثقيل .
12-" إن الذين يخشون ربهم بالغيب " يخافون عذابه غائباً عنهم لم يعاينوه بعد ، أو غائبين عنه أو عن أعين الناس ، أو بالمخفي منهم وهو قلوبهم . " لهم مغفرة " لذنوبهم . " و أجر كبير " تصغر دونه لذائذ الدنيا .
13-" وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور " بالضمائر قبل أن يعبر عنها سراً أو جهراً .
14-" ألا يعلم من خلق " ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته . " وهو اللطيف الخبير " المتوصل علمه إلى ما ظهر وما بطن ، أو ألا يعلم الله من خلقه ، وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون لـ" يعلم " مفعول ليفيد ، روي : أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء ،فيخبر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيقولون : أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على جهلهم .
15-" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً " لينة يسهل لكم السلوك فيها . "فامشوا في مناكبها " في جوانبها أو جبالها ، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له ، فإذا جعل الأرض في الذلك بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل ." وكلوا من رزقه " والتمسوا من نعم الله . "وإليه النشور " المرجع فيسألكم من شكر ما أنعم عليكم .
16-" أأمنتم من في السماء " يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم ، أو الله تعالى على تأويل " من في السماء " أمره قضاؤه ، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء ، وعن ابن كثير وامنتم بقلب الهمزة الأولى واواً لانضمام ما قبلها ، وآمنتم بقلب الثانية ألفاً ،وهو قراءة نافع و أبي عمرو و رويس . " أن يخسف بكم الأرض " فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال . " فإذا هي تمور " تضطرب ، والمور التردد في المجيء والذهاب .
17-" أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً " أن يمطر عليكم حصباء . " فستعلمون كيف نذير " كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ .
18-" ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير " إنكاري عليهم بإنزال العذاب ، وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين .
19-" أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات " باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها . " ويقبضن " ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت للاستظهار به على تحريك ، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه . " ما يمسكهن " في الجو على خلاف الطبع " إلا الرحمن " الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء . " إنه بكل شيء بصير " يعلم كيف يخلق الغرئب ويدبر العجائب .
20-" أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن " عديل لقوله " أولم يروا " على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع ،فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب ، أو لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهوكقوله " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا " إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم ، و " من " مبتدأ و " هذا " خبره و " الذي " بصلته صفته و " ينصركم " وصف لـ" جند " محمول على لفظه . " إن الكافرون إلا في غرور " لا معتمد لهم .
21-" أمن هذا الذي يرزقكم " أم من يشار إليه ويقال " هذا الذي يرزقكم " . " إن أمسك رزقه " بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم . " بل لجوا " تمادوا . " في عتو " عناد . " تفور " شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه .
22-" أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى " يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع ، والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع ، وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما انكب وانقشع ،ومعنى " مكباً " أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقة واختلاف أجزائه ،ولذلك قابله بقوله : " أمن يمشي سوياً " قائماً سالماً من العثار . " على صراط مستقيم " مستوي الأجزاء والجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين ، ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يسأهل أن يسمى طريقاً كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو . وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير ، وقيل من " يمشي مكباً " هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن " يمشي سوياً " الذي يحشر على قدميه إلى الجنة .
23-" قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع " لتسمعوا المواعظ . " والأبصار " لتنظروا صنائعه . " والأفئدة " لتتفكروا وتعتبروا " قليلاً ما تشكرون " باستعمالها فيما خلقت لأجلها .
24-" قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون " للجزاء .
25-" ويقولون متى هذا الوعد " أي الحشر أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب . " إن كنتم صادقين " يعنون النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين .
26-" قل إنما العلم " اي علم وقته . " عند الله " لا يطلع عليه غيره . "وإنما أنا نذير مبين " والإنذار يكفي فيه العلم بل الظن بوقوع المحذر منه .
27-" فلما رأوه " أي الوعد فإنه بمعنى الموعود . " زلفةً " ذا زلفة أي قرب منهم . " سيئت وجوه الذين كفروا " بأن علتها الكآبة وساءتها رؤية العذاب . " وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدعاء ، أو " تدعون " ان لا بعث فهو من الدعوى .
28-" قل أرأيتم إن أهلكني الله " أماتني . " ومن معي " من المؤمنين " أو رحمنا " بتأخير آجالنا ." فمن يجير الكافرين من عذاب أليم " أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا ، وهو جواب لقولهم " نتربص به ريب المنون " .
29-" قل هو الرحمن " الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها . "آمنا به " للعلم بذلك " وعليه توكلنا " للوثوق عليه والعلم بأن غيره بالذات لا يضر ولا ينفع ، وتقديم الصلة للتخصيص والإشعار به " فستعلمون من هو في ضلال مبين " منا ومنكم ، وقرأ الكسائي بالياء .
30-" قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً " غائراً في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به . " فمن يأتيكم بماء معين " جار أو ظاهر سهل المأخذ . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر " .