{اقترب للناس} يعني: أهل مكة {حسابهم} وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم. يعني: القيامة {وهم في غفلة} عن التاهب لذلك {معرضون} عن الإيمان.
{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} يعني: ما يحدث الله تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظمهم به {إلا استمعوه وهم يلعبون} يستهزئون به.
{لاهية} غافلة {قلوبهم وأسروا النجوى} قالوا سرا فيما بينهم {الذين ظلموا} أشركوا، وهو أنهم قالوا: {هل هذا} يعنون محمدا {إلا بشر مثلكم} لحم ودم {أفتأتون السحر} يريدون: إن القرآن سحر {وأنتم تبصرون} أنه سحر، فلما أطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا السر الذي قالوه، أخبر أنه يعلم القول في السماء والأرض بقوله:
{قال ربي يعلم القول} أي: ما يقال {في السماء والأرض وهو السميع} للأقوال {العليم} بالأفعال، ثم أخبر أن المشركين اقتسموا القول في القرآن، وأخذوا ينقضون أقوالهم بعضها ببعض، فيقولون مرة:
{أضغاث أحلام} أي: أباطيلها. يعنون انه يرى ما يأتي به في النوم رؤيا باطلة، ومرة هو مفترى، ومرةً هو شعر، ومحمد شاعر {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} بالآيات، مثل: الناقة، والعصا، واليد، فاقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال إذا كذب بها، فقال الله تعالى:
{ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها} بالآيات التي اقترحوها {أفهم يؤمنون} يريد: إن اقتراح الآيات كان سبباً للعذاب والاستئصال للقرون الماضية، وكذلك يكون لهؤلاء.
{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} ردا لقولهم {هل هذا إلا بشر مثلكم}. {فاسألوا} يا أهل مكة {أهل الذكر} من آمن من أهل الكتاب {إن كنتم لا تعلمون} أن الرسل بشر.
{وما جعلناهم} أي: الرسل {جسدا} أي: أجسادا {لا يأكلون الطعام} وهذا رد لقولهم: { مال هذا الرسول يأكل الطعام} فأعملوا أن الرسل جميعاً كانوا يأكلون الطعام، وأنهم يموتون، وهو قوله: {وما كانوا خالدين}.
{ثم صدقناهم الوعد} ما وعدناهم من عذاب من كفر بهم، وإنجائهم مع من تابعهم، وهو قوله: {فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} المشركين.
{لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش {كتابا فيه ذكركم} شرفكم {أفلا تعقلون} ما فضلتكم به على غيركم؟
{وكم قصمنا} أهلكنا {من قرية كانت ظالمة} يعني: إن أهلها كانوا كفارا {وأنشأنا} أحدثنا {بعدها} بعد إهلاك أهلها { قوماً آخرين} نزلت في أهل قرى باليمن كذبوا نبيهم وقتلوه، فسلط الله سبحانه عليهم بختنصر حتى أهلكهم بالسيف، فذلك قوله:
{فلما أحسوا بأسنا} رأوا عذابنا {إذا هم منها} من قريتهم {يركضون} يسرعون هاربين. وتقول لهم الملائكة:
{لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} نعمتم فيه {لعلكم تسألون} من دنياكم شيئاً. قالت الملائكة لهم هذا على سبيل الاستهزاء بهم، كأنهم قيل لهم: ارجعوا إلى ما كنتم فيه من المال والنعمة لعلكم تسألون، فإنكم أغنياء تملكون المال، فلما رأوا ذلك أقروا على أنفسهم حيث لم ينفعهم، فقالوا:
{يا ويلنا إنا كنا ظالمين} لأنفسنا بتكذيب الرسل.
{فما زالت} هذه المقالة {دعواهم} يدعون بها، ويقولون: يا ويلنا {حتى جعلناهم حصيدا} بالسيوف كما يحصد الزرع {خامدين} ميتين.
{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} عبئاً وباطلاً، أي: ما خلقتهما إلا لأجازي أوليائي، وأعذب أعدائي.
{لو أردنا أن نتخذ لهوا} امرأةً. وقيل: ولداً {لاتخذناه من لدنا} بحيث لا يظهر لكم، ولا تطلعون عليه {إن كنا فاعلين} ما كنا فاعلين، ولسنا من يفعله.
{بل نقذف بالحق على الباطل} نلقي القرآن على باطلهم {فيدمغه} فيذهبه ويكسره {فإذا هو زاهق} ذاهب {ولكم الويل} ما معشر الكفار {مما تصفون} الله تعالى بما لا يليق به.
{وله من في السماوات والأرض} عبيدا وملكا {ومن عنده} يعني: الملائكة {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} لا يملون ولا يعيون.
{يسبحون الليل والنهار لا يفترون} لا يضعفون.
{أم اتخذوا آلهةً من الأرض} يعني: الأصنام {هم ينشرون} يحيون الأموات والمعنى: أنتشر آلهتهم التي اتخذوها ؟
{لو كان فيهما} في السماء والأرض {آلهة إلا الله} غير الله {لفسدتا} لخربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بين الآلهة.
{ لا يسأل عما يفعل} عن حكمه في عباده {وهم يسألون} عما عملوا سؤال توبيخ.
{أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} حجتكم على أن مع الله تعالى معبودا غيره. {هذا ذكر من معي} يعني: القرآن {وذكر من قبلي} يعني: التوراة والإنجيل، فهل في واحد من هذه الكتب إلا توحيد سبحانه وتعالى؟ {بل أكثرهم لا يعلمون الحق} فلا يتأملون حجة التوحيد، وهو قوله: {فهم معرضون}
{وما أرسلنا من قبلك من رسول} الآية. يريد: لم يبعث رسول إلا بتوحيد الله سبحانه، ولم يأت رسول أمته بأن لهم إلها غير الله.
{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} يعني:الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمعنى: وقالوا: اتخذ الرحمن ولداً من الملائكة {سبحانه} ثم نزه نفسه عما يقولون {بل} هم {عباد مكرمون} يعني: الملائكة مكرمون بإكرام الله إياهم.
{لا يسبقونه بالقول} لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به {وهم بأمره يعملون}.
{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} ما علموا، وما هم عاملون {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} لمن قال: لا إله إلا الله {وهم من خشيته مشفقون} خائفون، لأنهم لا يأمنون مكر الله.
{ومن يقل منهم} من الملائكة {إني إله من دونه} من دون الله تعالى {فذلك نجزيه جهنم} يعني: إبليس حيث ادعى الشركة في العبادة، ودعا إلى عبادة نفسه {كذلك نجزي الظالمين} المشركين الذين يعبدون غير الله تعالى.
{أولم ير} أولم يعلم {الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا} مسدودة {ففتقناهما} بالماء والنبات، كانت السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، ففتحهما الله سبحانه بالمطر والنبات {وجعلنا من الماء} وخلقنا من الماء {كل شيء حي} يعني: إن جميع الحيوانات مخلوقة من الماء، كقوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} ثم بكتهم على ترك الإيمان، فقال: {أفلا يؤمنون}. وقوله:
{وجعلنا فيها} في الرواسي {فجاجا سبلا} طرقا مسلوكة يهتدوا.
{وجعلنا السماء سقفا محفوظا} بالنجوم من الشياطين {وهم عن آياتها} شمسها وقمرها ونجومها {معرضون} لا يتفكرون فيها. وقوله:
{كل في فلك يسبحون} يجرون ويسيرون، والفلك: مدار النجوم.
{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} دوام البقاء {أفإن مت فهم الخالدون} نزل حين قالوا: {نتربص به ريب المنون}. وقوله:
{ونبلوكم} نختبركم {بالشر} بالبلايا والفقر {والخير} المال والصحة {فتنة} ابتلاء لننظر كيف شكركم وصبركم.
{وإذا رآك الذين كفروا} يعني: المستهزئين {إن يتخذونك} ما يتخذونك {إلا هزوا} مهزوءاً به، قالوا: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} يعيب أصنامكم {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} جاحدون إلهيته، يريد أنهم يعيبون من جحد إليهة أصنامهم وهم جاحدون إليهة الرحمن،وهذا غاية الجهل.
{خلق الإنسان من عجل} يريد: إن خلقته على العجلة، وعليها طبع {سأريكم آياتي} يعني: ما توعدون به من العذاب {فلا تستعجلون}.
{ويقولون متى هذا الوعد} وعد القيامة.
{لو يعلم الذين كفروا} الآية. وجواب لو محذوف، على تقدير: لآمنوا ولما أقاموا على الكفر.
{بل تأتيهم} القيامة {بغتة} فجأة {فتبهتهم} تحيرهم.
{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} .
{قل من يكلؤكم} يحفظكم {بالليل والنهار من الرحمن} إن أنزل بكم عذابه {بل هم عن ذكر ربهم} كتاب ربهم {معرضون}.
{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم} فكيف تنصرهم وتمنعهم؟! {ولا هم منا يصحبون} لا يجارون من عذابنا.
{بل متعنا هؤلاء} الكفار {وآباءهم حتى طال عليهم العمر} أي: متعناهم بما أعطيناهم من الدنيا زماناً طويلاً، فقست قلوبهم {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } بالفتح على محمد صلى الله عليه وسلم {أفهم الغالبون} أم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
{قل إنما أنذركم} أخوفكم {بالوحي} بالقرآن الذي أوحي إلي، وأمرت فيه بإنذاركم {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} كذلك أنتم يا معشر المشركين.
{ولئن مستهم} أصابتهم {نفحة من عذاب ربك} قليل وأدنى شيء لأقروا على أنفسهم بسوء صنيعهم، وهو قوله: {ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين}.
{ونضع الموازين القسط } ذوات القسط، أي: العدل {فلا تظلم نفس شيئا} لا يزاد على سيئاته ولا ينقص من ثواب حسناته {وإن كان} ذلك الشيء {مثقال حبة} وزن حبة {من خردل أتينا بها} جئنا بها {وكفى بنا حاسبين} مجازين، وفي هذا تهديد.
{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} البرهان الذي فرق به بين حقه وباطل فرعون. {وضياء} يعني: التوراة الذي كان ضياءً، يضيء هدى ونوراً {وذكرا} وعظة {للمتقين}من قومه.
{الذين يخشون ربهم بالغيب} يخافونه ولم يروه.
{وهذا ذكر مبارك} يعني: القرآن {أفأنتم له منكرون} جاحدون.
{ولقد آتينا إبراهيم رشده} هداه وتوفيقه {من قبل} من قبل موسى وهارون {وكنا به عالمين} أنه أهل لما آتيناه.
{إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل} الأصنام {التي أنتم لها عاكفون} على عبادتها مقيمون!.
{قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} فاقتدينا بهم.
{قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين}.
{قالوا أجئتنا بالحق} يعنون: أجاد أنت فيما تقول أم لاعب؟
{قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين} أي: أشهد على أنه خالقها.
{وتالله لأكيدن أصنامكم} لأمركن بها {بعد أن تولوا مدبرين} قال ذلك في يوم عيد لهم، وهم يذهبون إلى الموضع الذي يجتمعون فيه.
{فجعلهم جذاذا} حطاماً ودقاقاً {إلا كبيرا لهم} عظيم الآلهة فإنه لم يكسره {لعلهم إليه} إلى إبراهيم ودينه {يرجعون} إذا قامت الحجة عليهم، فلما انصرفوا.
{قالوا من فعل هذا بآلهتنا}ت الآية. قال الذين سمعوا قوله: {لأكيدن أصنامكم}.
{سمعنا فتى يذكرهم} يعيبهم {قال له إبراهيم}.
{قالوا فاتوا به على أعين الناس } على رؤوس الناس بمرأى منهم {لعلهم يشهدون} عليه أنه الذي فعل ذلك، وكرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فلما أتوا به،
{قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}.
{قال بل فعله كبيرهم هذا} غضب من أن يعبدوا معه الصغار، وأراد إقامة الحجة عليهم {فاسألوهم } من فعل بهم هذا {إن كانوا ينطقون}ت إن قدروا على النطق.
{فرجعوا إلى أنفسهم} تفكروا ورجعوا إلى عقولهم {فقالوا إنكم أنتم الظالمون} هذا الرجل بسؤالكم إياه، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها.
{ثم نكسوا على رؤوسهم } أطرقوا لما لحقهم من الخجل، وأقروا بالحجة عليهم فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} فلما اتجهت الحجة عليهم قال إبراهيم:
{أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم}.
{أف لكم} أي: نتناً لكم، فلما عجوا عن الجواب.
{قالوا حرقوه} بالنار {وانصروا آلهتكم} بإهلاك من يعيبها {إن كنتم فاعلين} أمراً في إهلاكه، فلما ألقوه في النار.
{قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} ذات برد وسلامة، لا يكون فيها برد مضر، ولا حر مؤذ.
{وأرادوا به} بإبراهيم {كيدا} مكراً في إهلاكه {فجعلناهم الأخسرين} حين لم يرتفع مرادهم في الدنيا، ووقعوا في العذاب في الآخرة.
{ونجيناه} من نمروذ وقومه {ولوطا} ابن أخيه {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وهي الشام، وذلك أنه خرج مهاجراً من أرض العراق إلى الشام.
{ووهبنا له إسحاق} ولداً لصلبه {ويعقوب نافلة} ولد الولد {وكلا جعلنا صالحين} يعني: هؤلاء الثلاثة.
{وجعلناهم أئمة} يقتدى بهم في الخير {يهدون} يدعون الناس إلى ديننا {بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات} أن يفعلوا الطاعات، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة
{ولوطا آتيناه حكما} فصلا بين الخصوم بالحق {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} يعني: أهلها، كانوا يأتون الذكران في أدبارهم.
{وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين}.
{ونوحا إذ نادى من قبل} من قبل إبراهيم {فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} الغم الذي كان فيه من أذى قومه.
{ونصرناه} منعناه من أن يصلوا إليه بسوء. وقوله:
{إذ يحكمان في الحرث} قيل: كان ذلك زرعاً. وقيل: كان كرماً {إذ نفشت} رعت ليلاً {فيه غنم القوم} بلا راع {وكنا لحكمهم شاهدين} لم يغب عن علمنا.
{ففهمناها سليمان} ففهمنا القضية سليمان دون داود عليهما السلام، وذلك أن داود حكم لأهل الحرث برقاب الغنم، وحكم سليمان بمنافعهم إلى أن يعود الحرث كما كان. {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} يجاوبنه بالتسبيح {و} كذلك {الطير وكنا فاعلين} ذلك.
{وعلمناه صنعة لبوس لكم} علم ما يلبسونه من الذروع {لتحصنكم} لتحرزكم {من بأسكم} من حربكم {فهل أنتم شاكرون} نعمتنا عليكم؟
{ولسليمان الريح} وسخرنا له الريح {عاصفة} شديدة الهبوب {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} يعني: الشام، وكان منزل سليمان عليه السلام بها.
{ومن الشياطين} وسخرنا له من الشياطين {من يغوصون له} يدخلون تحت الماء لاستخراج جواهر البحر {ويعملون عملا دون ذلك} سوى الغوص {وكنا لهم حافظين} من أن يفسدوا ما عملوا، وليبصروا تحت أمره.
{وأيوب إذ نادى ربه} دعا ربه { أني مسني الضر} أصابني الجهد. وقوله:
{وآتيناه أهله ومثلهم معهم} وهو أن الله تعالى أحيا من أمات من بنيه وبناته، ورزقه مثلهم من الولد {رحمة} نعمةً {من عندنا وذكرى للعابدين} عظةً لهم ليعلموا بذلك كما قدرتنا. وقوله:
{وذا الكفل} هو رجل من بني إسررئيل تكفل بخلافة نبي في أمته، فقام بذلك .
قال تعالى { وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين }.
{وذا النون} وذاكر صاحب الحوت ، وهو يونس عليه السلام {إذ ذهب } من بين قومه {مغاضبا} لهم قبل أمرنا له بذلك {فظن أن لن نقدر عليه} أن لن نقضي عليه ما قضينا من حبسه في بطن الحوت {فنادى في الظلمات} ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} حيث غاضبت قومي وخرجت من بينهم قبل الإذن.
{وكذلك} وكما نجيناه {ننجي المؤمنين} من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا. وقوله:
{لا تذرني فردا} أي: وحيداً لا ولد لي ولا عقب، {وأنت خير الوارثين} خير من يبقى بعد من يموت. وقوله:
{وأصلحنا له زوجه } بأن جعلناها ولوداً بعد أن صارت عقيماً {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} يبادرون في عمل الطاعات {ويدعوننا رغبا} في رحمتنا {ورهبا} من عذابنا {وكانوا لنا خاشعين} عابدين في تواضع.
{والتي أحصنت} واذكر التي منعت {فرجها} من الحرام {فنفخنا فيها من روحنا} أمرنا جبريل عليه السلام حتى نفخ في جيب درعها، والمعنى: أجرينا فيها روح المسيح المخلوقة لنا {وجعلناها وابنها آية للعالمين} دلالةً لهم على كمال قدرتنا، وكانت الآية فيهما جميعاً واحدةً، لذلك وحدت.
{إن هذه أمتكم} دينكم وملتكم {أمة واحدة} ملة واحة وهي الإسلام.
{وتقطعوا أمرهم بينهم} اختلفوا في الدين فصاروا فرقاً {كل إلينا راجعون} فنجزيهم بأعمالهم.
{فمن يعمل من الصالحات} الطاعات {وهو مؤمن} مصدق بمحمد عليه السلام {فلا كفران لسعيه} لا نبطل عمله بل نثيبه {وإنا له كاتبون} ما عمل حتى نجازيه.
{وحرام على قرية} يعني: قريةً كافرةً {أهلكناها} أهلكناها بعذاب الاستئصال أن يرجعوا إلى الدنيا، و لا زائدة في الآية، ومعنى حرام عليهم أنهم ممنوعون من ذلك، لأن الله تعالى قضى على من أهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة.
{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} من سدها {وهم من كل حدب} نشر وتل {ينسلون} ينزلون مسرعين.
{واقترب الوعد الحق} يعني: القيامة، والواو زائدة، لأن اقترب جواب حتى. {فإذا هي شاخصة} ذاهبة لا تكاد تطرف من هول ذلك اليوم. يقولون {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا} في الدنيا عن هذا اليوم {بل كنا ظالمين} بالشرك وتكذيب الرسل.
{إنكم} أيها المشركون {وما تعبدون من دون الله} يعني: الأصنام {حصب جهنم} وقودها {أنتم لها واردون} فيها داخلون.
{لو كان هؤلاء} الأصنام {آلهة} على الحقيقة ما دخلوا النار {وكل} من العابدين والمعبودين في النار {خالدون}.
{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} السعادة والرحمة {أولئك عنها} عن النار {مبعدون}.
{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
{لا يسمعون حسيسها} صوتها.
{لا يحزنهم الفزع الأكبر} يعني: الإطباق على النار. وقيل: ذبح الموت بمرأى من الفريقين {وتتلقاهم الملائكة} تستقبلهم فيقولون لهم {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} للثواب ودخلوا الجنة.
{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وهو ملك يطوي بني آدم. وقيل: السجل: الصحيفة، والمعنى: كطي السجل على ما فيه من المكتوب. {كما بدأنا أول خلق نعيده} كما خلقناكم ابتداءً حفاةً عراةً غرلاً، كذلك نعيدهم يوم القيامة {وعدا علينا} أي: وعدناه وعداً {إنا كنا فاعلين} يعني: الإعادة والبعث.
{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قيل: في الكتب المنزلة بعد التوراة. وقيل: أراد بالذكر اللوح المحفوظ. {أن الأرض} يعني: أرض الجنة {يرثها عبادي الصالحون} وقيل: أرض الدنيا تصير للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
{إن في هذا} القرآن {لبلاغا} لوصولاً إلى البغية {لقوم عابدين} مطيعين لله تعالى.
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} للبر والفاجر، فمن أطاعه عجلت له الرحمة، ومن عصاه وكذبه لم يحلقه العذاب في الدنيا، كما لحق الأمم المكذبة.
{قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}.
{فإن تولوا} عن الإسلام {فقل آذنتكم على سواء } أعلمتكم بما يوحى إلي على سواء لتستووا في ذلك، يريد: لم أظهر لبعضكم شيئاً كتمته عن غيره. {وإن أدري} ما أعلم {أقريب أم بعيد ما توعدون} يعني: القيامة.
{إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون}.
{وإن أدري لعله}ت لعل تأخير العذاب عنكم {فتنة} اختبار لكم {ومتاع إلى حين} إلى حين الموت.
{قال رب احكم بالحق} اقض بيني وبين أهل مكة بالحق، أمر أن يقول كما قالت الرسل قبله من قولهم: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق}. {وربنا} أي: وقل ربنا {الرحمن المستعان على ما تصفون} من كذبكم وباطلكم.