islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير البيضاوى
16563

56-الواقعة

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ

1-" إذا وقعت الواقعة " إذا حدثت القيامة ، سماها واقعة لتحقق وقوعها وانتصاب " إذا " بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت .

لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ

2-" ليس لوقعتها كاذبة " أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله تعالى ، أو تكذيب في نفيها كما تكذب الآن ، واللام مثلها في قوله تعالى : " قدمت لحياتي " أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإنه من أخبر عنها صدق ، أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها من قولهم : كذبت فلاناً نفسه في الخطب العظيم ، إذا شجعته عليه وسولت له أنه يطيقه .

خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ

3-" خافضة رافعة " تخفض قوماً آخرين ،وهو تقرير لعظمتها فإن الوقائع العظام كذلك ، أو بيان لما يكون حينئذ من خفض أعداء الله أوليائه ، أو إزالة الأجرام عن مقارها بنثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو ، وقرئنا بالنصب على الحال .

إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا

4-" إذا رجت الأرض رجاً " حركت تحريكاً شديداً بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل ، والظرف متعلق بـ" خافضة " أو بدل من " إذا وقعت " .

وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا

5-" وبست الجبال بساً " اي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته ، أو سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها .

فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا

6-" فكانت هباءً " غباراً . " منبثاً " متشراً .

وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً

7-" وكنتم أزواجاً " أصنافاً ." ثلاثةً " وكل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج .

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ

8-" فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة " .

وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ

9-" وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة " فأصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنيئة من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل أو " أصحاب الميمنة " و " أصحاب المشأمة " الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم ، أو أصحاب اليمن والشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم .والجملتان الاستفهاميتان خبران لما قبلهما بإقامة الظاهر مقام الضمير ومعناهما التعجب من حال الفريقين .

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ

10-" والسابقون السابقون " والذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان ، أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات ، أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم وعرفت مآلهم كقول أبي النجم : أنا أبو النجم وشعري شعري أو الذين سبقوا إلى الجنة .

أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ

11-" أولئك المقربون " .

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

12-" في جنات النعيم " الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم .

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ

13-" ثلة من الأولين " أي هم كثير من الأولين يعني الأممم السالفة من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .

وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ

14-" وقليل من الآخرين " يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولا يحالف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام " إن أمتي يكثرون سائر الأمم " . لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة ، وتابعو هذه أكثر من تابعيهم ، ولا يرده قوله في أصحاب اليمين " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما ، وروي مرفوعاً أنهما من هذه الأمة ، واشتقاقها من الثل وهو القطع .

عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ

15-" على سرر موضونة " خير آخر للضمير المحذوف ، والـ" موضونة " المنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت ، أو المتواصلة من الوضن وهو نسج الدرع .

مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ

16-" متكئين عليها متقابلين " حالان من الضمير في " على سرر " .

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ

17-" يطوف عليهم " للخدمة " ولدان مخلدون " مبقون أبداً على هيئة الولدان وطراوتهم .

بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

18-" بأكواب وأباريق " حال الشرب وغيره ، والكوب إناء بلا عروة ولا خرطوم له ، والإبريق إناء له ذلك . " وكأس من معين " من خمر .

لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ

19-" لا يصدعون عنها " بخمار . " ولا ينزفون " ولا ينزف عقولهم ، أو لا ينفد شرابهم . وقرأ الكوفيون بكسر الزاي " لا يصدعون " بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون .

وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ

20-" وفاكهة مما يتخيرون " أي يختارون .

وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ

21-" ولحم طير مما يشتهون " يتمنون .

وَحُورٌ عِينٌ

22-" وحور عين " عطف على " ولدان " ، أو مبتدأ محذوف الخبر أي وفيها أو ولهم حور ، وقرأ حمزة و الكسائي بالجر عطفاً على " جنات " بتقدير مضاف أي هم في جنات ومصاحبة حور ، أو على أكواب لأن معنى " يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب " ينعمون بأكواب ، وقرئتا بالنصب على ويؤتون حوراً .

كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ

23-" كأمثال اللؤلؤ المكنون " المصون عما يضربه في الصفاء والنقاء .

جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

24-" جزاءً بما كانوا يعملون " أي يفعل ذلك كله بهم جزاء أعمالهم .

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا

25-" لا يسمعون فيها لغواً " باطلاً . " ولا تأثيماً " ولا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم .

إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا

26-" إلا قليلاً " أي قولاً . " سلاماً سلاماً " بدل من " قيلاً " كقوله تعالى : " لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاماً " أو صفته أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلاماً ، أو مصدر والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم . وقرئ سلام سلام على الحكاية .

وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ

27-" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " .

فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ

28-" في سدر مخضود " لا شوك فيه من خضد الشوك إذا قطعه ، أو مثني أغصانه من كثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب .

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ

29-" وطلح " وشجر موز ، أو أم غيلان وله أنواع كثيرة طيبة الرائحة ، وقرئ بالعين . "منضود " نضد حمله من أسفله إل أعلاه .

وَظِلٍّ مَمْدُودٍ

30-" وظلً ممدود " منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت .

وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ

31-" وماء مسكوب " يسكب لهم أين شاؤوا وكيف شاؤوا بلا تعب ، أو مصبوب سائل كأنه لما شبه حال السابقين في التنعم بأعلى ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعاراً بالتفاوت بين الحالين .

وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ

32-" وفاكهة كثيرة " كثيرة الأجناس .

لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ

33-" لا مقطوعة " لا تنقطع في وقت . " ولا ممنوعة " لا تمنع عن متناولها بوجه .

وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ

34-" وفرش مرفوعة " رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة . وقيل الفرش النساء وارتفاعها أنها على الأرائك ، ويدل عليه قوله :

إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً

35-" إنا أنشأناهن إنشاءً " أي ابتدأناهن ابتداء جديداً من غير ولادة إبداء أو إعادة . وفي الحديث " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاً رمصاً ، جعلهن الله بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً " .

فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا

36-" فجعلناهن أبكاراً " .

عُرُبًا أَتْرَابًا

37-" عرباً " متحببات إلى أزواجهن جمع عروب ، وسكن راءه حمزة و أبو بكر و روي عن نافع و عاصم مثله . " أتراباً " فإن كلهن بنات ثلاث وثلاثين وكذا أزواجهن .

لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ

38-" لأصحاب اليمين " متعلق بـ" أنشأنا " أو جعلنا ، أو صفة لـ" أبكاراً " أو خبر لمحذوف مثل هن أو لقوله :

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ

39-" ثلة من الأولين " .

وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ

40-" وثلة من الآخرين " وهي على الوجه الأول خبر محذوف .

وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ

41-" وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال " .

فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ

42-" في سموم " في حر نار ينفذ في المسام . " وحميم " وماء متناه في الحرارة .

وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ

43-" وظل من يحموم " من دخان أسود يفعول من الحممة .

لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ

44-" لا بارد " كسائر الظل . " ولا كريم " ولا نافع ، نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح .

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ

45-" إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " منهمكين في الشهوات .

وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ

46-" وكانوا يصرون على الحنث العظيم " الذنب العظيم يعني الشرك ،ومنه بلغ الغلام الحنث أي الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب ، وحنث في يمينه خلاف بر فيها و تحنث إذا تأثم .

وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ

47-" وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " كررت الهمزة للدلالة على إنكار البعث مطلقاً وخصوصاً في هذا الوقت كما دخلت العاطفة في قوله :

أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ

48-" أو آباؤنا الأولون " للدلالة على ذلك أشد إنكاراً في حقهم لتقادم زمانهم وللفصل بها حسن العطف على المستكن في " لمبعوثون " ، وقرأ نافع و ابن عامر " أو " بالسكون وقد سبق مثله ، والعامل في الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هو للفصل بأن الهمزة .

قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ

49-" قل إن الأولين والآخرين " .

لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

50-"لمجموعون " وقرئ لمجمعون " إلى ميقات يوم معلوم " إلى ما وقت به الدنيا وحدث من يوم معين عند الله معلوم له .

ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ

51-" ثم إنكم أيها الضالون المكذبون " أي بالبعث . والخطاب لأهل مكة وأضرابهم .

لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ

52-" لآكلون من شجر من زقوم " " من " الأولى للابتداء والثانية للبيان .

فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ

53-" فمالئون منها البطون " من شدة الجوع .

فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ

54-" فشاربون عليه من الحميم " لغلبة العطش ، وتأنيث الضمير في منها وتذكيره في " عليه " على معنى الشجر ولفظه ، وقرئ من شجرة فيكون التذكير للـ" زقوم " فإنه تفسيرها .

فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ

55-" فشاربون شرب الهيم " الإبل التي يها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء ، جمه أهيم وهيماء قال ذو الرمة : فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها وقيل الرمال على أنه جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب ، ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الآخر من وجه فلا اتحاد ، وقرأ نافع و حمزة و عاصم " شرب " بضم الشين .

هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ

56-" هذا نزلهم يوم الدين " يوم الجزاء فما ظنك بما يكون لهم بعد ما استقروا في الجحيم ، وفيه تهكم كما في قوله : " فبشرهم بعذاب أليم " لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له ، وقرئ نزلهم بالتخفيف .

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ

57-" نحن خلقناكم فلولا تصدقون " بالخلق متيقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه ، أو بالبعث فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة .

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ

58-" أفرأيتم ما تمنون " أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف ،وقرئ بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها .

أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ

59-" أأنتم تخلقونه " تجعلون بشراً سوياً . " أم نحن الخالقون " .

نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ

60-" نحن قدرنا بينكم الموت " قسمناه عليكم وأقتنا موت كل بوقت معين ، وقرأ ابن كثير بتخفيف الدال . " وما نحن بمسبوقين " لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته ، أو لا يغلبنا أحد من سبقته على كذا إذا غلبته عليه .

عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ

61-" على أن نبدل أمثالكم " على الأول حال أو علة لـ" قدرنا " وعلى بمعنى اللام ، " وما نحن بمسبوقين " اعتراض وعلى الثاني صلة ، والمعنى على أن نبدل منكم أشباهكم فنخلق بدلكم ، أو نبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل بمعنى صفة . " وننشئكم في ما لا تعلمون " في خلق أو صفات لا تعلمونها .

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ

62-" ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون " أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى فإنها أقل صنعاً لحصول المواد وتخصيص الاجزاء وسبق المثال ، وفيه دليل على صحة القياس .

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ

63-" أفرأيتم ما تحرثون " تبذرون حبه .

أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ

64-" أأنتم تزرعونه " تنبتونه . " أم نحن الزارعون " المنبتون .

لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ

65-" لو نشاء لجعلناه حطاما " هشيماً . " فظلتم تفكهون " تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه ، أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه ، والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث ، وقرئ فظلتم بالكسر و فظللتم على الأصل .

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ

66-" إنا لمغرمون " لملزمون غرامة ما أنفقنا ، أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام ، وقرأ أبو بكر أإنا لمغرمون على الاستفهام .

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ

67-" بل نحن " قوم . " محرومون " حرمنا رزقنا ، أو محدودون لا مجدودون .

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ

68-" أفرأيتم الماء الذي تشربون " أي العذب الصالح للشرب .

أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ

69-" أأنتم أنزلتموه من المزن " من سحاب واحده مزنة ، وقيل " المزن " السحاب الأبيض وماؤه أعذب . " أم نحن المنزلون " بقدرتنا و الرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام .

لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ

70-" لو نشاء جعلناه أجاجا " ملحاً أو من الأجيج فإنه يحرق الفم ، وحذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط وما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها ، أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته يكون أهم وفقده أصعب بمزيد التأكيد . " فلولا تشكرون " أمثال هذه النعم الضرورية .

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ

71-" أفرأيتم النار التي تورون " تقدحون .

أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ

72-" أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون " يعني الشجرة التي منها الزناد .

نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ

73-" نحن جعلناها " جعلنا نار الزناد . " تذكرةً " تبصرة في أمر البعث كما في سورة يس ، أو في الظلام أو تذكيراً و أنموذجاً لنار جهنم . " ومتاعاً " و منفعة . " للمقوين " الذين ينزلون القواء وهي الفقر ، أو الذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام ، من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها .

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

74-" فسبح باسم ربك العظيم " فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والعظيم صفة للاسم أو الرب ، وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه وإنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته ، أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه ، أو للشكر على ما عدها من النعم .

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ

75-" فلا أقسم " إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم ، أو فأقسم و لا مزيدة للتأكيد كما في " لئلا يعلم " أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ و أشبع فتحة لام الابتداء ، ويدل عليه قراءة " فلا أقسم " أو " فلا " رد لكلام يخالف المقسم عليه . " بمواقع النجوم " بمساقطها ، وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره ، أو بمنازلها ومجاريها . وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها ، و قرأ حمزة و الكسائي بموقع .

وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ

76-" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " لما في المقسم له من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ، ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى ، وهو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه ، و " لو تعلمون " اعتراض بين الموصوف والصفة .

إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ

77-" إنه لقرآن كريم " كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد ، أو حسن مرضي في جنسه .

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ

78-" في كتاب مكنون " مصون وهو اللوح المحفوظ .

لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ

79 " لا يمسه إلا المطهرون " لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة ، أو لا يمس القرآن " إلا المطهرون " من الأحداث فيكون نفياً بمعنى النهي ، أو لا يطلبه " إلا المطهرون " من الكفر ، وقرئ المتطهرون و المطهرون من أطهره بمعنى طهره و المطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام .

تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

80-" تنزيل من رب العالمين " صفة ثالثه أو رابعة للقرآن ، وهو مصدر نعت به وقرئ بالنصب أي نزل تنزيلاً .

أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ

81-" أفبهذا الحديث " يعني القرآن، " أنتم مدهنون " متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به .

وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ

82-" وتجعلون رزقكم " أي شكر رزقكم . " أنكم تكذبون " أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء وقرئ شكركم أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وتكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر وشعر ، أو في المطر أنه من الانواء .

فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ

83-" فلولا إذا بلغت الحلقوم " أي النفس .

وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ

84-" وأنتم حينئذ تنظرون " حالكم ، والخطاب لمن حول المحتضر والواو للحال .

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ

85-" و نحن أقرب " أي ونحن أعلم . " إليه " إلى المحتضر . " منكم " عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع . " ولكن لا تبصرون " لا تدركون كنه ما يجري عليه .

فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ

86-" فلولا إن كنتم غير مدينين " أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله واستعبده ، و أصل التركيب للذل والانقياد .

تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

87-" ترجعونها " ترجعون النفس إلى مقرها وهو عامل الظرف والمحضض عليه بـ" فلولا " الأولى والثانية تكرير للتوكيد وهي بما في حيزها دليل جواب الشرط ، والمعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته . " إن كنتم صادقين " في أباطيلكم " فلولا " ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم .

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ

88-" فأما إن كان من المقربين " أي إن كان المتوفى من السابقين .

فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ

89-" فروح " فله استراحة وقرئ فروح بالضم وفسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم والحياة الدائمة . " وريحان " ورزق طيب . " وجنة نعيم " ذات تنعم .

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ

90-" وأما إن كان من أصحاب اليمين " .

فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ

91-" فسلام لك " يا صاحب اليمين . " من أصحاب اليمين " أي من إخوانك يسلمون عليك .

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ

92-" وأما إن كان من المكذبين الضالين " يعني أصحاب الشمال ، وإنما وصفهم بأفعالهم زجراً عنها وإشعاراً بما أوجب لهم ما أوعدهم به .

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ

93-" فنزل من حميم " .

وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ

94-" وتصلية جحيم " وذلك ما يجد في القبر من سموم النار ودخانها .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ

95-" إن هذا " أي الذي ذكر في السورة أو في شأن الفرق . " لهو حق اليقين " أي حق الخبر اليقين .

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

96-" فسبح باسم ربك العظيم " فننزهه بذكر اسمه تعالى عما لا يليق بعظمه شأنه . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً " .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس