1-" عم يتساءلون " أصله عما فحذف الألف لما مر ، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ، أو يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عنه استهزاء كقولهم : يتداعونهم ويتراءونهم أي يدعونهم ويرونهم ، أو للناس .
2-" عن النبإ العظيم " بيان لشأن المفخم أو صلة " يتساءلون " و" عم " متعلق بمضمر مفسر به ، ويدل عليه قراءة يعقوب : عمه .
3-" الذي هم فيه مختلفون " بجزم النفي والشك فيه ، أو بالإقرار والإنكار .
4-" كلا سيعلمون " رجع عن التساؤل ووعيد عليه .
5-" ثم كلا سيعلمون " تكرير للمبالغة و " ثم " للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة ، أو الأول للبعث والثاني للجزاء . وعن ابن عامر ستعلمون بالتاء على تقدير قل لهم ستعلمون .
6-" ألم نجعل الأرض مهاداً " .
7-" والجبال أوتاداً " تذكير ببعض ما عاينوا من عجائب صنعه الدالة على كمال قدرته ليستدلوا بذلك على صحة البعث كما مر تقريره مراراً ، وقرئ مهداً أي أنها لهم كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد لينوم عليه .
8-" وخلقناكم أزواجاً " ذكراً وأنثى .
9-" وجعلنا نومكم سباتاً " قطعاً عن الإحساس والحركة استراحة للقوى الحيوانية وإزاحة لكلاهما ، أو موتاً لأنه أحد التوفيين ومنه المسبوت للميت،وأصله القطع أيضاً .
10-" وجعلنا الليل لباساً " غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء .
11-" وجعلنا النهار معاشاً " وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به ، أو حياة تنبعثون فيها عن نومكم .
12-" وبنينا فوقكم سبعاً شداداً " سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهور .
13-" وجعلنا سراجاً وهاجاً " متلألئاً وقاداً من وهجت النار إذا أضاءت ، أو بالغاً في الحرارة من الوهج وهو الحر والمراد الشمس .
14-" وأنزلنا من المعصرات " السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمر كقولك : احصد الزرع إذا حان له أن يحصد ، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض ، أو من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب ، أو الرياح ذوات الأعاصير ، وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشئ السحاب وتدرأ خلافه ، ويؤيده أنه قرئ بالمعصرات . " ماءً ثجاجاً " منصباً بكثرة يقال ثجه وثج بنفسه . وفي الحديث " أفضل الحج العج والثج " أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي ، وقرئ ثجاجاً ومثاجج الماء مصابه .
15-" لنخرج به حباً ونباتاً " ما يقتات به وما يعتلف من التبن والحشيش .
16-" وجنات ألفافاً " ملتفة بعضها ببعض جمع لف كجذع . قال : جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر أو لفيف كشريف أو لف جمع لفاء كخضراء وخضر وأخضار أو متلفة بحذف الزوائد .
17-" إن يوم الفصل كان " في علم الله تعالى أو في حكمه . "ميقاتاً " حداً تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده ، أو حداً للخلائق ينتهون إليه .
18-" يوم ينفخ في الصور " بدل أو بيان ليوم الفصل . " فتأتون أفواجاً " جماعات من القبور إلى المحشر . روي " أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال : يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسون يسبحون على وجوههم ، وبعضهم عمي وبعضهم صم بكم ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم فيسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلوبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشد نتناً من الجيف ، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقه بجلودهم " ثم فسرها بالقتات وأهل السحت وأكلة الربا والجائرين في الحكم والمعجبين بأعمالهم ، والعلماء الذين خالف قولهم عملهم ، والمؤذين جيرانهم والساعين بالناس إلى السلطان ، والتابعين للشهوات المانعين حق الله تعالى ، والمتكبرين الخيلاء .
19-" وفتحت السماء " وشققت وقرأ الكوفيون بالتخفيف ." فكانت أبواباً " فصارت من كثرة الشقوق كأن الكل أبواب أو فصارت ذات أبواب .
20-" وسيرت الجبال " أي في الهواء كالهباء . " فكانت سراباً " مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها وانبثاثها .
21-" إن جهنم كانت مرصاداً " موضع رصد يرصد فيه حزنة النار الكفار ، أو حزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليه ، كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل ، أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان ، وقرئ " أن " بالفتح على التعليل لقيام الساعة .
22-" للطاغين مآباً " مرجعاً ومأوى .
23-" لابثين فيها " وقرأ حمزة و روح لبثين وهو أبلغ " أحقاباً " دهوراً متتابعة ، وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة ، فليس فيه ما يتقضي تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقاباً مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر ، وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار ، ولو جعل قوله :
24-" لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " .
25-" إلا حميماً وغساقاً " حالاً من المستكن في " لابثين " أو نصب " أحقاباً " بـ" لا يذوقون " احتمل أن يلبثوا فيها أحقاباً غير ذائقين إلا حميماً وغساقاً ، ثم يبدلون جنساً آخر من العذاب ، ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق ، وحق العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالاً بمعنى لابثين فيها حقبين ، وقوله " لا يذوقون " تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم ، وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم ،وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي ، وقرأ حمزة و الكسائي و حفص بالتشديد .
26-" جزاءً وفاقاً " أي جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم ، أوموافقاً لها أو وافقها وفاقاً ، وقرئ وفاقاً فعال من وفقه كذا .
27-" إنهم كانوا لا يرجون حساباً " بيان لما وافقه هذا الجزاء .
27-" وكذبوا بآياتنا كذاباً " تكذيباً وفعال بمعنى تفعيل مطرد شائع في كلام الفصحاء . وقرئ بالتخفيف وهو بمعنى الكذب كقوله : فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه وإنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنها كذبوا في تكذيبهم ، أو المكاذبة فإنهم كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمين كاذبين عندهم فكان بينهم مكاذبة ، أو كانوا مبالغين في الكذب فيه ، وعلى المعنيين يجوز أن يكون حالاً بمعنى كاذبين أو مكاذبين ، ويؤيده أنه قرئ كذاباً وهو جمع كاذب ، ويجوز أن يكون للمبالغة فيكون صفه للمصدر أي تكذيباً مفرطاً كذبه .
29-" وكل شيء أحصيناه " وقرئ بالرفع على الابتداء . " كتاباً " مصدر لأحصيناه إن الأحصاء والكتبة ينشاركون في معنى الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوباً في اللوح ، أو صحف الحفظة والجملة اعتراض وقوله :
30-" فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً " مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات مجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة ، وفي الحديث " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار " .
31-" إن للمتقين مفازاً " فوزاً أو موضع فوز .
32-" حدائق وأعناباً " بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من " مفازاً " بدل الاشتمال والبعض .
33-" وكواعب " نساء فلكت ثديهن" أتراباً " لدات .
34-" وكأساً دهاقاً " ملآناً وأدهق الحوض ملآه .
35-" لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً " وقرأ الكسائي بالتخفيف أي كذباً أو مكاذبة ، إذ لا يكذب بعضهم بعض .
36-" جزاءً من ربك " . بمقتضى وعده . " عطاءً " تفضلاً منه إذ لا يجب عليه شيء، وهو بدل من " جزاء " ، وقيل منتصب به نصب المفعول به ." حساباً " كافياً من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي ، أو على حسب أعمالهم وقرئ حساباً أي محسباً كالدراك بمعنى المدرك .
37-" رب السموات والأرض وما بينهما " بدل من ربك وقد رفعه الحجازيان و أبو عمرو على الابتداء . " الرحمن " بالجر صفة له وكذا في قراءة ابن عامر و عاصم و يعقوب بالرفع في قراءة أبي عمرو ن وفي قراءة حمزة و الكسائي بجر الأول ورفع الثاني على أنه خبر محذوف ، أو مبتدأ خبره : " لا يملكون منه خطاباً " والواو لأهل السموات والأرض أي لا يملكون خطابه ، والاعتراض عليه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له على الاطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضاً وذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه.
38-" يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً " تقرير وتوكيد لقوله " لا يملكون " ،فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صواباً كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه ، فكيف يملكه غيرهم و " يوم " ظرف لـ" لا يملكون " ، أو لـ" يتكلمون " و " الروح " ملك موكل على الأرواح أو جنسها ، أو جبريل عليه السلام أو خلق أعظم من الملائكة .
39-" ذلك اليوم الحق " الكائن لا محالة . " فمن شاء اتخذ إلى ربه " إلى ثوابه . "مآباً " بالإيمان والطاعة .
40-" إنا أنذرناكم عذاباً قريباً " يعني عذاب الآخرة ،وقربه لتحققه فإن كل ما هو آت قريب ولأن مبدأه الموت . " يوم ينظر المرء ما قدمت يداه " يرى ما قدمه من خير أو شر ، و " المرء " عام وقيل هو الكافر لقوله : " إنا أنذرناكم " فيكون الكافر ظاهراً وضع موضع الضمير لزيادة الذم ، و " ما " موصولة منصوبة بينظر أو استفهامية منصوبة بـ" قدمت " ، أي ينظر أي شيء قدمت يداه . " ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً " في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف ، أو في هذا اليوم فلم أبعث ، وقيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد تراباً فيود الكافر حالها . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة عم سقاه الله برد الشراب يوم القيامة " .