islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
13917

22-الحج

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ

{يا أيها الناس} يا أهل مكة {اتقوا ربكم} أطيعوه {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} وهي زلزلة يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها.

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

{يوم ترونها} يعني: الزلزلة {تذهل كل مرضعة عما أرضعت} تتلاك كل إمرأة ترضع ولدها الرضيع اشتعالاً بنفسها وخوفاً {وتضع كل ذات حمل حملها} تسقط ولدها من هول ذلك اليوم {وترى الناس سكارى} من شدة الخوف {وما هم بسكارى} من الشراب {ولكن عذاب الله شديد} فهم يخافونه.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ

{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في النضر بن الحارث وجماعة من قريش كانوا ينكرون البعث، ويقولون: القرآن أساطير الأولين، ويجادلون النبي صلى الله عليه وسلم {ويتبع} في جداله ذلك {كل شيطان مريد} متمرد عات.

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ

{كتب عليه} قضي على الشيطان {أنه من تولاه} اتبعه {فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} يدعوه إلى النار بما يزين له من الباطل.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى

{يا أيها الناس} يعني: كفار مكة {إن كنتم في ريب من البعث} شك من الإعادة { فإنا خلقناكم } خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر {من تراب ثم} خلقنا ذريته {من نطفة ثم من علقة} وهي الدم الجامد {ثم من مضغة} وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ {مخلقة} مصورة تامة الخلق {وغير مخلقة} وهي ما تمجه الأرحام دماً، يعني: السقط {لنبين لكم} كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم {ونقر في الأرحام ما نشاء } ننزل فيها ما لا يكون سقطاً {إلى أجل مسمى} إلى وقت خروجه {ثم نخرجكم} من بطون الأمهات {طفلا} صغاراً {ثم لتبلغوا أشدكم} عقولكم ونهاية قوتكم {ومنكم من يتوفى} يموت قبل بلوغ الأشد {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل شيئاً، وهو قوله: {لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} ثم ذكر دلالةً أخرى على البعث فقال: {وترى الأرض هامدة} جافةً ذات تراب {فإذا أنزلنا عليها الماء} المطر {اهتزت} تحركت بالنبات {وربت} زادت {وأنبتت من كل زوج بهيج} من كل صنف حسن من النبات.

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{ذلك} الذي تقدم ذكره من اختلاف أحوال خلق الإنسان، وإحياء الأرض بالمطر {بأن الله هو الحق} الدائم الثابت الموجود {وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير}.

وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ

{وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور}.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ

{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في أبي جهل {ولا هدى} ليس معه من ربه رشاد ولا بيان {ولا كتاب} له نور.

ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ

{ثاني عطفه} لاوي عنقه تكبراً {ليضل} الناس عن طاعة الله سبحانه باتباع محمد عليه السلام {له في الدنيا خزي} يعني: القتل ببدر.

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

{ذلك بما قدمت يداك} هذا العذاب بما كسبت {وأن الله ليس بظلام للعبيد} لا يعاقب بغير جرم.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ

{ومن الناس من يعبد الله على حرف} على جانب لا يدخل فيه دخول متمكن {فإن أصابه خير} خصب وكثرة مال {اطمأن به} في الدين بذلك الخصب {وإن أصابته فتنة} اختبار بجدب وقلة مال {انقلب على وجهه} رجع عن دينه إلى الكفر.

يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ

{يدعو من دون الله ما لا يضره} إن عصاه {ولا ينفعه} إن أطاعه {ذلك هو الضلال البعيد} الذهاب عن الحق.

يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ

{يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} ضرره بعبادته أقرب من نفعه، ولا ينفع عنده، والعرب تقول لما لا يكون: هو بعيد، والمعنى في هذا أنه يضر ولا ينفع {لبئس المولى} الناصر {ولبئس العشير} الصاحب والخليط.

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ

{إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد}.

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ

{من كان يظن أن لن ينصره الله} محمداً صلى الله عليه وسلم حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظاً، وهو تفسير قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء} أي: فليشدد حبلاً في سقفه {ثم ليقطع} أي: ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختلفاً {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} غيظه، وقوله:

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ

{وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد}.

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

{إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } أي: يحكم ويقضي، بأن يدخل المؤمنين الجنة، وغيرهم من هؤلاء الفرق النار. {إن الله على كل شيء شهيد} يريد: إن الله عالم بما في قلوبهم.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِ

{ألم تر أن الله يسجد له} يذل له، وينقاد له {من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} وذلك أن كل شيء منقاد لله عز وجل على ما خلقه، وعلى ما رزقه، وعلى ما أصحه وعلى ما أسقمه، فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر في هذا سواء {ومن يهن الله} يذله بالكفر {فما له من مكرم} أحد يكرمه {إن الله يفعل ما يشاء} يهين من يشاء بالكفر، ويكرم من يشاء بالإيمان.

هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ

{هذان خصمان} يعني: المؤمنين والكافرين {اختصموا في ربهم} في دينه {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} يلبسون مقطعات النيران {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} ماء حار، لو سقطت نقط على جبال الدنيا أذابتها.

يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ

{يصهر} يذاب {به} بذلك الماء {ما في بطونهم} من الأمعاء {والجلود} وتنشوي جلودهم فتتساقط.

وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ

{ولهم مقامع} سياط {من حديد}.

كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

{كلما أرادوا أن يخرجوا منها} من جهنم {من غم} يصيبهم {أعيدوا فيها} ردوا إليها بالمقاطع، {و} تقول لهم الخزنة: {ذوقوا عذاب الحريق} النار، وقال في الخصم الذين هم المؤمنون:

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

{إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات} الآية. وهي مفسرة في سورة الكهف.

وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ

{وهدوا} أرشدوا في الدنيا {إلى الطيب من القول}ت وهو شهادة أن لا إله إلا الله {وهدوا إلى صراط الحميد} دين الله المحمود في أفعاله.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

{إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله} يمنعون عن طاعة الله تعالى. {والمسجد الحرام} يمنعون المؤمنين عنه {الذي جعلناه للناس } خلقناه وبنيناه للناس كلهم لم تخص به بعضاً دون بعض {سواء العاكف فيه والباد} سواء في تعظيم حرمته وقضاء النسك به الحاضر، والذي يأتيه من البلاد، فليس أهل مكة بأحق به من النازع إليه {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} أي: إلحاداً بظلم، وهو أن يميل إلى الظلم، ومعناه: صيد حمامه وقطع شجره، ودخوله غير محرم، وجميع المعاصي، لأن السيئات تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات.

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} بينا له أين يبنى {أن لا تشرك} يعني: وأمرناه أن لا تشرك {بي شيئا وطهر بيتي} مفسر في سورة البقرة.

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ

{وأذن في الناس} ناد فيهم {بالحج يأتوك رجالا} مشاةً على أرجلهم، {و} ركباناً {على كل ضامر} وهو البعير المهزول {يأتين من كل فج عميق} طريق بعيد.

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ

{ليشهدوا} ليحضروا {منافع لهم} من أمر الدنيا والآخرة {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} يعني: التسمية على ما ينجر في يوم النحر وأيام التشويق {فكلوا منها} أمر إباحة، وكان أهل الجاهلية لا يأكلون من نسائكهم، فأمر المسلمون أن يأكلوا {وأطعموا البائس الفقير} الشديد الفقر.

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

{ثم ليقضوا تفثهم} يعني: ما يخرجون به من الإحرام، وهو أخذ الشارب، وتقليم الظفر، وحلق العانة، ولبس الثوب {وليوفوا نذورهم} يعني: ما نذروه من ير وهدي في أيام الحج {وليطوفوا بالبيت العتيق} القديم: وقيل: المعتق من أن يتسلط عليه جبار. يعني: الكعبة.

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

{ذلك} أي: الأمر ذلك الذي ذكرت {ومن يعظم حرمات الله} فرائض الله وسننه. {وأحلت لكم الأنعام} أن تأكلوها {إلا ما يتلى عليكم} في قوله: {حرمت عليكم الميتة} الآية. ومعنى هذا النهي تحريم ما حرمه أهل الجاهلية من البحيرة والسائبة وغير ذلك {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} يعني: عبادتها {واجتنبوا قول الزور} يعني: الشرك بالله.

حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ

{حنفاء لله} مسلمين عادلين عن كل دين سواه. {ومن يشرك بالله فكأنما خر} سقط {من السماء} فاختطفته الطير من الهواء، أو ألفته الريح في {مكان سحيق} بعيد. يعني: إن من أشرك فقد هلك وبعد عن الحق.

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ

{ذلك ومن يعظم شعائر الله} يستسمن البدن {فإن ذلك من} علامات التقوى.

لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

{لكم فيها منافع} الركوب والدر والنسل {إلى أجل مسمى} وهو أن يسميها هدياً {ثم محلها} حيث يحل نحرها عند {البيت العتيق} يعني: الحرم كله.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ

{ولكل أمة} جماعة سلفت قبلكم {جعلنا منسكا} ذبحاً للقرابين {ليذكروا اسم الله} عند الذبح {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} يعني: الأنعام. {فإلهكم إله واحد} أي: لا تذكروا على ذبائحكم إلا الله وحده {فله أسلموا} أخلصوا العبادة {وبشر المخبتين} المتواضعين.

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

{الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}.

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ

{والبدن} الإبل والبقر {جعلناها لكم من شعائر الله} أعلام دينه {لكم فيها خير} النفع في الدنيا، والأجر في العقبى {فاذكروا اسم الله} وهو أن يقول عند نحرها: الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر {صواف} قائمة معقولة اليد اليسرى {فإذا وجبت جنوبها} سقطت على الأرض {فكلوا منها وأطعموا القانع} الذي يسألك {والمعتر} الذي يتعرض لك ولا يسألك. {كذلك} الذي وفصفنا {سخرناها لكم} يعني: البدن {لعلكم تشكرون} لكي تطيعوني.

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ

{لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} كان المشركون يلطخون جدار الكعبة بدماء القرابين، فقال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } أي : لن يصل إلى الله لحومها ولا دماؤها {ولكن يناله التقوى منكم} أي: النية والإخلاص وما أريد به وجه الله تعالى. {لتكبروا الله على ما هداكم} إلى معالم دينه {وبشر المحسنين} الموحدين.

إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ

{إن الله يدافع } غائلة المشركين عن المؤمنين {إن الله لا يحب كل خوان} في أمانته {كفورا} لنعمته، وهم الذين تقربوا إلى الأصنام بذبائحهم.

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

{أذن للذين يقاتلون} يعني: المؤمنين، وهذه أول آية نزلت في الجهاد. والمعنى: أذن لهم أن يقاتلوا {بأنهم ظلموا} بظلم الكافرين إياهم {وإن الله على نصرهم لقدير} وعد من الله تعالى بالنصر.

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ

{الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} يعني: المهاجرين {إلا أن يقولوا ربنا الله} أي: لم يخرجوا إلا بأن وحدوا الله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} لولا أن دفع الله بعض الناس ببعض {لهدمت صوامع وبيع} في زمان عيسى عليه السلام {وصلوات} في أيام شريعة موسى عليه السلام، يعني: كنائسهم وهي بالعبرانية صلوتا {ومساجد} في أيام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم {ولينصرن الله من ينصره} يعني: من نصر دين الله نصره الله على ذلك {إن الله لقوي} على خلقه {عزيز} منيع في سلطانه.

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ

{الذين إن مكناهم في الأرض} يعني: هذه الأمة إذا فتح الله عليهم الأرض {أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} أي: آخر أمور الخلق ومصيرهم إليه، ثم عزى نبيه فقال:

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ

{وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود}.

وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ

{وقوم إبراهيم وقوم لوط}.

وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ

{وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين } أي: أمهلتهم {ثم أخذتهم} عاقبتهم {فكيف كان نكير} إنكاري عليهم ما فعلوا بالعذاب.

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ

{فكأين من قرية} وكم من قرية {أهلكناها وهي ظالمة} بالكفر {فهي خاوية} ساقطة {على عروشها} سقوفها {وبئر معطلة} متروكة بموت أهلها {وقصر مشيد} رفيع طويل.

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ

{أفلم يسيروا في الأرض} يعني: كفار مكة {فينظروا} إلى مصارع الأمم المكذبة، وهو قوله: { فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها } فيتفكروا ويعتبروا. ثم ذكر أن الأبصار لا تعمى عن رؤية الآيات، ولكن القلوب تعمى، فلا يتفكروا ولا يعتبروا.

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ

{ويستعجلونك بالعذاب} كانوا يقولون له: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}. فقال الله تعالى: {ولن يخلف الله وعده} الذي وعدك من نصرك وإهلاكهم، ثم ذكر أن لهم مع عذاب الدنيا في الآخرة عذاباً طويلاً، وهو قوله تعالى: {وإن يوما عند ربك} أي: من أيام عذابهم {كألف سنة مما تعدون} وذلك أن يوماً من أيام الآخرة كألف سنة في الدنيا، ثم ذكر سبحانه أنه قد أخذ قوماً بعد الإمهال فقال:

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ

{وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير}.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

{قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين}.

فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

{فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم }.

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

{والذين سعوا في آياتنا} عملوا في إبطالها {معاجزين} مقدرين أنهم يعجزوننا ويفوتوتنا.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

{وما أرسلنا من قبلك من رسول} وهو الذي يأتيه جبريل عليه السلام بالوحي عياناً {ولا نبي} وهو الذي تكون نبوته إلهاماً ومناماً {إلا إذا تمنى} قرأ {ألقى الشيطان} في قراءته ما ليس مما يقرأ، يعني: ما جرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ سورة والنجم في مجلس من قريش، فلما بلغ قوله تعالى: {ومناة الثالثة الأخرى} جرى على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ثم نبهه جبريل عليه السلام على ذلك، فرجع وأخبرهم أن ذلك كان من جهة الشيطان، فذلك قوله: {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} يبينها حتى لا يجد أحد سبيلاً إلى إبطالها {والله عليم} بما أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {حكيم} في خلقه، ثم ذكر أن ذلك ليفتن الله به قوماً، فقال:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

{ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة} ضلالةً {للذين في قلوبهم مرض} وهم أهل النفاق {والقاسية قلوبهم} المشركين {وإن الظالمين} الكافرين {لفي شقاق بعيد} خلاف طويل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

{وليعلم الذين أوتوا العلم} التوحيد والقرآن {إنه الحق} أي: الذي أحكم الله سبحانه من آيات القرآن، وهو الحق {فتخبت له قلوبهم} فتخشع.

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

{ولا يزال الذين كفروا في مرية} في شك {منه} مما ألقي على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم {حتى تأتيهم الساعة} القيامة {بغتة} فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} يعني: يوم بدر، وكان عقيماً عن أن يكون للكافرين فيه فرح أو راحة، والعقيم معناه: التي لا تلد.

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

{الملك يومئذ} يعني: يوم القيامة {لله} وحده من غير منازع ولا مدع {يحكم بينهم} ثم بين حكمه فقال: {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم}.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

{والذين هاجروا} فارقوا أوطانهم وعشائرهم {في سبيل الله} في طاعة الله {ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا} في الجنة.

لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ

{ليدخلنهم مدخلا} أي: إدخالاً وموضعاً {يرضونه} وهو الجنة.

ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ

{ذلك} أي: الأمر ذلك الذي قصصنا عليك {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} أي: جازي العقوبة بمثلها {ثم بغي عليه} ظلم {لينصرنه الله} يعني: المظلوم.

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

{وذلك} أي: ذلك النصر للمظلوم بأنه القادر على ما يشاء، فمن قدرته أن {يولج الليل في النهار} يزيد من هذا في ذلك، ومن ذلك في هذا، والباقي ظاهر إلى قوله:

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

{ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ

{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير}.

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

{له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد}.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

{ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم}.

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ

{إن الإنسان لكفور} يعني: إن الكافر لجاحد لآيات الله تعالى الدالة على توحيده. وقوله:

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ

{لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} شريعةً هم عاملون بها {فلا ينازعنك} يجادلنك {في الأمر} نزلت في الذين جادلوا المؤمنين فقالوا: ما لكم تأكلون ما تقتلون، ولا تأكلون مما قتله الله؟

وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ

{وإن جادلوك} بباطلهم مراءً وتعنتاً فادفعهم بقولك: {الله أعلم بما تعملون} من التكذيب والكفر.

اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

قال تعالى {الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون}.

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

{ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك} كله {في كتاب} يعني: اللوح المحفوظ {إن ذلك} يعني: علمه بجميع ذلك {على الله يسير}.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ

{ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به} بعبادته {سلطانا} حجةً وبرهاناً {وما ليس لهم به علم} لم يأتهم به كتاب ولا نبي {وما للظالمين} المشركين {من نصير} مانع من عذاب الله تعالى.

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُو

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعني: القرآن {تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} الإنكار بالعبوس والكراهة {يكادون يسطون} يقعون ويبشطون {بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم} بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون {النار} أي: هي النار.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ

{يا أيها الناس} يعني: يا أهل مكة {ضرب مثل} بين لكم ولمعبودكم شبه {فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله } من الأصنام {لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا} كلهم لخلقه {وإن يسلبهم الذباب شيئا} مما عليهم من الطيب { لا يستنقذوه منه} لا يستردوه منه لعجزهم {ضعف الطالب والمطلوب} يعني: العابد والمعبود، والطالب: الذباب يطلب من الصنم ما لطخ به من الزعفران والطيب، وهو مثل لعابده يطلب منه الشفاعة والنصرة، والمطلوب: الصنم.

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

{ما قدروا الله حق قدره} ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصر منه.

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

{الله يصطفي من الملائكة رسلا} مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام {ومن الناس} يعني: النبيين عليهم السلام {إن الله سميع} لقول عباد {بصير} بمن يختاره.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

{يعلم ما بين أيديهم} ما عملوه {وما خلفهم} وما هم عاملون مما لم يعلموه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ

{وجاهدوا في الله} في سبيل الله {حق جهاده} بينة صادقة {هو اجتباكم} اختاركم لدينه {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ضيق، لأنه سهل الشريعة بالترخيص {ملة أبيكم} اتبعوا ملة أبيكم {إبراهيم} كان هو في الحرمة كالأب صلى الله عليه وسلم، ولذلك جعل أبا المسلمين {هو سماكم} أي: الله تعالى سماكم {المسلمين من قبل} أي: من قبل القرآن في سائر الكتب{ وفي هذا }يعني: القرآن {ليكون الرسول شهيدا عليكم} وذلك أنه يشهد لمن صدقه، وعلى من كذبه {وتكونوا شهداء على الناس} تشهدون عليهم أن رسلهم قد بلغتهم، وقوله: {واعتصموا بالله} أي: تمسكوا بدينه {هو مولاكم} ناصركم ومتولي أموركم {فنعم المولى ونعم النصير}


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس