islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
14653

8-الأنفال

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

{ يسألونك عن الأنفال } الغنائم ، لمن هي ؟ نزلت حسن اختلفوا في غنائم بدر ، فقال الشبان : هي لنا ، لأنا باشرنا الحرب ، وقالت الأشياخ : كنا رداءا لكم ، لأنا وقفنا في المصاف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا ، فأنزل الله تعالى : { قل الأنفال لله والرسول } يضعها حيث يشاء من غير مشاركة فيها ، فقسمها بينهم على السواء { فاتقوا الله } بطاعته واجتناب معاصيه { وأصلحوا ذات بينكم } حقيقة وصلكم ، أي : لا تخالفوا { وأطيعوا الله ورسوله } سلموا لهما في الأنفال ، فإنهما يحكمان فيها ما أرادا { إن كنتم مؤمنين } ، ثم وصف المؤمنين فقال :

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } أي : المؤمن الذي إذا خوف بالله فرق قلبه ، وانقاد لأمره { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } تصديقا ويقينا { وعلى ربهم يتوكلون } بالله يثقون لا يرجون غيره .

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

{الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}.

أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

{ أولئك هم المؤمنون حقا } صدقا من غير شك ، لا كإيمان المنافقين { لهم درجات عند ربهم } يعني : درجات الجنة { ومغفرة ورزق كريم } وهو رزق الجنة .

كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ

{ كما أخرجك } أي : امض لأمر الله في الغنائم وإن كره بعضهم ذلك ، لأن الشبان أرادوا أن يستبدوا به ، فقال الله تعالى : أعط من شئت وإن كرهوا ، كما مضيت لأمر الله في الخروج وهم له كارهون . ومعنى { كما أخرجك ربك من بيتك } أمرك بالخروج من المدينة لعير قريش { بالحق } بالوحي الذي أتاك به جبريل { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } الخروج معك كراهة الطبع لاحتمال المشقة ، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالعير دون القتال .

يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ

{ يجادلونك في الحق بعد ما تبين } في القتال بعد ما أمرت به ، وذلك أنهم خرجوا للعير ، ولم يأخذوا أهبة الحرب ، فلما أمروا بحرب النفير شق عليهم ذلك ، فطلبوا الرخصة في ترك ذلك ، فهو جدالهم { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } أي : لشدة كراهيتهم للقاء القوم كأنهم يساقون إلى الموت عيانا .

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ

{ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } العير أو النفير { أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } أي : العير التي لا سلاح فيها تكون لكم { ويريد الله أن يحق الحق } يظهره ويعليه { بكلماته } بعداته التي سبقت بظهور الإسلام { ويقطع دابر الكافرين } آخر من بقي منهم . يعني : إنه إنما أمركم بحرب قريش لهذا .

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ

{ ليحق الحق } أي : ويقطع دابر الكافرين ليظهر الحق ويعليه { ويبطل الباطل } ويهلك الكفر ويفنيه { ولو كره المجرمون } ذلك .

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ

{ إذ تستغيثون ربكم } تطلبون منه المغفرة بالنصر على العدو لقلتكم { فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } متتابعين ، جاؤوا بعد المسلمين ، ومن فتح الدال أراد : بألف أردف الله المسلمين بهم .

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

{ وما جعله الله } أي : الإرداف { إلا بشرى } الآية ماضية في سورة آل عمران .

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ

{ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه } وذلك أن الله تعالى أمنهم أمنا غشيهم النعاس معه ، وهذا كما كان يوم أحد ، وقد ذكرنا ذلك في سورة آل عمران . { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وذلك أنهم لما بايتوا المشركين ببدر أصابت جماعة منهم جنابات ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، فوسوس إليهم الشيطان ، وقال لهم : كيف ترجون الظفر وقد غلبوكم على الماء ؟ وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين ، وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم نبيه ؟ فأنزل الله تعالى مطرا سال منه الوادي حتى اغتسلوا ، وزالت الوسوسة ، فذلك قوله : { ليطهركم به } أي : من الأحداث والجنابات { ويذهب عنكم رجز الشيطان } وسوسته التي تكسب عذاب الله { وليربط } به { على قلوبكم } باليقين والنصر { ويثبت به الأقدام } وذلك أنهم كانوا قد نزلوا على كثيب تغوص فيه أرجلهم ، فلبده المطر حتى ثبتت عليه الأقدام .

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ

{ إذ يوحي ربك إلى الملائكة } الذين أمد بهم المسلمين { أني معكم } بالعون والنصرة { فثبتوا الذين آمنوا } بالتبشير بالنصر ، وكان الملك أمام الصف على صورة رجل ويقول : أبشروا ، فإن الله ناصركم { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } الخوف من أوليائي { فاضربوا فوق الأعناق } أي : الرؤوس { واضربوا منهم كل بنان } أي : الأطراف من اليدين والرجلين .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

{ ذلك } الضرب { بأنهم شاقوا الله ورسوله } باينوهما وخالفوهما .

ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ

{ ذلكم } القتل والضرب ببدر { فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار } بعدما نزل بهم من ضرب الأعناق .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } مجتمعين متدانين إليكم للقتال { فلا تولوهم الأدبار } لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم .

وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

{ ومن يولهم يومئذ } أي : يوم لقاء الكفار { دبره إلا متحرفا لقتال } منعطفا مستطردا يطلب العودة { أو متحيزا } منضما { إلى فئة } لجماعة يريدون العود إلى القتال { فقد باء بغضب من الله } الآية . وأكثر المفسرين على أن هذا الوعيد ، إنما كان لمن فر يوم بدر ، وكان هذا خاصا للمنهزم يوم بدر .

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

{ فلم تقتلوهم } يعني : يوم بدر { ولكن الله قتلهم } بتسبيبه ذلك ، من المعونة عليهم وتشجيع القلب { وما رميت إذ رميت } وذلك أن جبريل عليه السلام قال للنبي عليه السلام يوم بدر : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من حصى الوادي ، فرمى بها في وجوه القوم ، فلم يبق مشرك إلا دخل عينيه منها شيء ، وكان ذلك شبب هزيمتهم ، فقال الله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } أي : إن كفا من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بشر ، ولكن الله تعالى تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } وينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة فعل ذلك { إن الله سميع } لدعائهم { عليم } بنياتهم .

ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ

{ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } يهنيء رسوله بإيهانه كيد عدوه ، حتى قتلت جبابرتهم ، وأسر أشرافهم .

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ

{ إن تستفتحوا } هذا خطاب للمشركين ، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم انصر أفضل الدينين ، وأهدي الفئتين ، فقال الله تعالى : { إن تستفتحوا } تستنصروا لأهدى الفئتين { فقد جاءكم الفتح } النصر { وإن تنتهوا } عن الشرك بالله { فهو خير لكم وإن تعودوا } لقتال محمد { نعد } عليكم بالقتل والأسر { ولن تغني عنكم } تدفع عنكم { فئتكم } جماعتكم { شيئا ولو كثرت } في العدد { وأن الله مع المؤمنين } فالنصر لهم .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه } لا تعرضوا عنه بمخالفة أمره { وأنتم تسمعون } ما نزل من القرآن .

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ

{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا } سماع قابل ، وليسوا كذلك ، يعني : المنافقين ، وقيل : أراد المشركين ، لأنهم سمعوا ولم يتفكروا فيما سمعوا ، فكانوا بمنزلة من لم يسمع .

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ

{ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } يريد نفرا من المشركين كانوا صما عن الحق ، فلا يسمعونه ، بكما عن التكلم به . بين الله تعالى أن هؤلاء شر ما دب على الأرض من الحيوان .

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ

{ ولو علم الله فيهم خيرا } لو علم أنهم يصلحون بما يورده عليهم من حججه وآياته { لأسمعهم } إياها سماع تفهم { ولو أسمعهم } بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك و { لتولوا وهم معرضون } .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } أجيبوا لهما بالطاعة { إذا دعاكم لما يحييكم } يعني : لأن به يحيا أمرهم ويقوى ، ولأنه سبب الشهادة ، والشهداء أحياء عند ربهم ، ولأنه سبب للحياة الدائمة في الجنة { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن إلا بإذنه ، ولا أن يكفر ، فالقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء { وأنه إليه تحشرون } للجزاء على الأعمال .

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

{ واتقوا فتنة } الآية . أمر الله تعالى المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم ، فيعمهم الله بالعذاب ،والفتنة ها هنا : إقرار المنكر ، وترك التغيير له ، وقوله : { لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } أي : تصيب الظالم والمظلوم ، ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة ، ولكنها عامة ، والتقدير : واتقوا فتنة ، إن لا تتقوها لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة ، أي : لا تقع بالظالمين دون غيرهم ، ولكنها تقع بالصالحين والطالحين { واعلموا أن الله شديد العقاب } حث على لزوم الاستقامة خوفا من الفتنة ، ومن عقاب الله بالمعصية فيها .

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

{ واذكروا } يعني : المهاجرين { إذ أنتم قليل } يعني : حين كانوا بمكة في عنفوان الإسلام قبل أن يكلموا أربعين { مستضعفون في الأرض } يعني : أرض مكة { تخافون أن يتخطفكم الناس } المشركون من العرب لو خرجتم منها { فآواكم } جعل لكم مأوى ترجعون إليه ، وضمكم إلى الأنصار { وأيدكم بنصره } يوم بدر بالملائكة { ورزقكم من الطيبات } يعني : الغنائم أحلها لكم { لعلكم تشكرون } كي تطيعوا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله } بترك فرائضه { والرسول } بترك سنته { وتخونوا } أي : ولا تخونوا { أماناتكم } وهي كل ما ائتمن الله عليها العباد ، وكل أحد مؤتمن على ما افترض الله عليه { وأنتم تعلمون } أنها أمانة من غير شبهة . وقيل : نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريظة لما حاصرهم ، وكان أهله وولده فيهم ، فقالوا له : ما ترى لنا ؟ أننزل على حكم سعد فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقة ، أنه الذبح ، فلا تفعلوا ، وكانت منه خيانة لله ورسوله .

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

{ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } أي : محنة يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى أو تجنبه ، ولذلك مال أبو لبابة إلى قريظة في إطلاعهم على حكم سعد ، لأن ماله وولده كانت فيهم { وأن الله عنده أجر عظيم } لمن أدى الأمانة ولم يخن .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } باجتناب الخيانة فيما ذكر { يجعل لكم فرقانا } يفرق بينكم وبين ما تخافون ، فتنجون { ويكفر عنكم سيئاتكم } يمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم { والله ذو الفضل العظيم } لا يمنعكم ما وعدكم على طاعته .

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

{ وإذ يمكر بك الذين كفروا } وذلك أن مشركي قريش تآمروا في دارة الندوة في شأن محمد عليه السلام ، فقال بعضهم : قيدوه نترص به ريب المنون ، وقال بعضهم : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه ، وقال أبو جهل _ لعنه الله _ : ما هذا برأي ، ولكن اقتلوه ، بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل ، فيضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلها ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه بذلك ، وأمره بالهجرة ، فذلك قوله : { ليثبتوك } أي : ليوثقوك ويشدوك { أو يقتلوك } بأجمعهم قتلة رجل واحد ، كما قال اللعين أبو جهل ، { أو يخرجوك } من مكة إلى طرف من أطراف الأرض { ويمكرون ويمكر الله } أي : يجازيهم جزاء مكرهم بنصر المؤمنين عليهم { والله خير الماكرين } أفضل المجازين بالسيئة العقوبة ، وذلك أنه أهلك هؤلاء الذين دبروا لنبيه الكيد ، وخلصه منهم .

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

{ وإذا تتلى عليهم آياتنا } الآية . كان النضر بن الحارث خرج إلى الحيرة تاجرا ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة ، فكان يقعد به مع المستهزئين ، فيقرأ عليهم ، فلما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية قال النضر بن الحارث : لو شئت لقلت مثل هذا ، إن هذا إلا ما سطر الأولون في كتبهم ، وقال النضر أيضا :

وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

{ اللهم إن كان هذا } الذي يقوله محمد حقا { من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } كما أمطرتا على قوم لوط { أو ائتنا بعذاب أليم } أي : ببعض ما عذبت به الأمم . حمله شدة عداوة النبي صلى الله عليه وسلم على إظهار مثل هذا القول ، ليوهم أنه على بصيرة من أمره ، وغاية الثقة في أمر محمد ، أنه ليس على حق .

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

{ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } وما كان الله ليعذب المشركين وأنت مقيم بين أظهرهم ، لأنه لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه { وما كان الله } معذب هؤلاء الكفار وفيهم المؤمنون { يستغفرون } يعني : المسلمين ، ثم قال :

وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

{ وما لهم أن لا يعذبهم الله } أ ي : ولم لا يعذبهم الله بالشيف بعد خروج من عنى بقوله : { وهم يستغفرون } من بينهم { وهم يصدون } يمنعون النبي والمؤمنين { عن المسجد الحرام } أن يطوفوا به { وما كانوا أولياءه } وذلك أنهم قالوا : نحن أولياء المسجد ، فرد الله عليهم بقوله : { إن أولياؤه إلا المتقون } يعني : المهاجرين والأنصار { ولكن أكثرهم لا يعلمون } غيب علمي وما سبق في قضائي .

وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

{ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } أي : صفيرا وتصفيفا ، وكانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون ، جعلوا ذلك صلاة لهم ، فكان تقربهم إلى الله بالتصفير والصفيق { فذوقوا العذاب } ببدر { بما كنتم تكفرون } تجحدون توحيد الله تعالى .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

{ إن الذين كفروا } نزلت في المنفقين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام بدر ، وكانوا اثني عشر رجلا ، قال تعالى : { فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة } بذهاب الأموال ، وفوات المراد .

لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

{ ليميز الله الخبيث من الطيب } أ ي : إنما تحشرون إلى جهنم ليميز بين أهل الشقاوة ، وأهل السعادة { ويجعل الخبيث } أ ي : الكافر ، وهو اسم الجنس { بعضه على بعض } يلحق بعضهم ببعض { فيركمه جميعا } أي : يجمعه حتى يصير كالسحاب المركوم ثم { فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون } لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة .

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ

{ قل للذين كفروا } أبي سفيان وأصحابه : { إن ينتهوا } عن الشرك وقتال المؤمنين { يغفر لهم ما قد سلف } تقدم من الزنا والشرك ، لأن الحربي إذا أسلم عاد كمثله يوم ولدته أمه { وإن يعودوا } للقتال { فقد مضت سنة الأولين } بنصر الله رسله ومن آمن على من كفر .

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } كفر { ويكون الدين كله لله } لا يكون مع دينكم كفر في جزيرة العرب { فإن انتهوا } عن الشرك { فإن الله بما يعملون بصير } يجازيهم مجازاة البصير بهم وبأعمالهم .

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ

{ وإن تولوا } أبوا أن يدعوا الشرك وقتال محمد { فاعلموا أن الله مولاكم } ناصركم يا معشر المؤمنين .

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى

{ واعلموا أنما غنمتم من شيء } أخذتموه قسرا من الكفار { فأن لله خمسه } هذا تزيين لافتتاح الكلام ، ومصرف الخمس إلى حيث شكر ، وهو قوله : { وللرسول } كان له خمس الخمس يصنع فيه ما يشاء ، واليوم يصرف إلى مصالح المسلمين { ولذي القربى } وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين حرمت عليهم الصدقات المفروضة ، لهم خمس الخمس من الغنيمة { واليتامى } وهم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم ، ينفق عليهم من خمس الخمس { والمساكين } وهم أهل الحاجة والفاقة من المسلمين ، لهم أيضا خمس الخمس { وابن السبيل } المنقطع به في سفره ، فخمس الغنيمة يقسم على خمسة أخماس كما ذكره الله تعالى ، وأربعة أخماسها تكون للغانمين ، وقوله : { إن كنتم آمنتم بالله } أي : فافعلوا ما أمرتم به في الغنيمة إن كنتم آمنتم بالله { وما أنزلنا على عبدنا } يعني : هذه السورة { يوم الفرقان } اليوم الذي فرقت به بين الحق والباطل { يوم التقى الجمعان } حزب الله ، وحزب الشيطان { والله على كل شيء قدير } إذ نصركم الله وأنتم قلة أذلة .

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا

{ إذ أنتم بالعدوة الدنيا } نزول بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، وعدوكم نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة { والركب } أبو سفيان وأصحابه ، وهم أصحاب الإبل . يعني : العير { أسفل منكم } إلى ساحل البحر { ولو تواعدتم } للقتال { لاختلفتم في الميعاد } لتأخرتم فنقضتم الميعاد لكثرتهم وقلتكم { ولكن } جمعكم الله من غير ميعاد { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } في علمه وحكمه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة } أ ي : فعل ذلك ليضل ويكفر من كفر من بعد حجة قامت عليه ، وقطعت عذره ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، وأراد بالبينة نصرة المؤمنين مع قلتهم على ذلك الجمع الكثير مع كثرتهم وشوكتهم { وإن الله لسميع } لدعائكم { عليم } بنياتكم .

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

{ إذ يريكهم الله في منامك } عينك ، وهو موضع النوم { قليلا } لتحتقروهم وتجترؤوا عليهم { ولو أراكهم كثيرا لفشلتم } لجبنتم ولتأخرتم عن حربهم { ولتنازعتم في الأمر } واختلفت كلمتكم { ولكن الله سلم } عصمكم وسلمكم من المخالفة فيما بينكم { إنه عليم بذات الصدور } علم ما في صدوركم من اليقين ، ثم خاطب المؤمنين جميعا بهذا المعنى فقال :

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

{ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا } قال ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، وأسرنا رجلا فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفا . { ويقللكم في أعينهم } ليجترئوا عليكم ولا يرجعوا عن قتالكم { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } في علمه بنصر الإسلام وأهله ، وذل الشرك وأهله { وإلى الله ترجع الأمور } وبعد هذا إلي مصيركم ، فأكرم أوليائي ، وأعاقب أعدائي .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } جماعة كافرة { فاثبتوا } لقتالهم ولا تنهزموا { واذكروا الله كثيرا } ادعوه بالنصر عليهم { لعلكم تفلحون } كي تسعدوا وتبقوا في الجنة ، فإنهما خصلتان ، إما الغنيمة ، وإما الشهادة .

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

{ وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا } ولا تختلفوا { فتفشلوا } تجبنوا { وتذهب ريحكم } جلدكم وجرأتكم ودولتكم .

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } يعني : النفير { بطرا } طغيانا في النعمة ، للجميل مع إبطان القبيح { ويصدون عن سبيل الله } لمعاداة المؤمنين وقتالهم { والله بما يعملون محيط } عالم فيجازيهم به .

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ

{ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } الآية . وذلك أن قريشا لما اجتمعت المسير خافت كنانة وبني مدلج لطوائل كانت بينهم ، فتبدى لهم إبليس في جنده على صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي ، فقالوا له : نحن نريد قتال هذا الرجل ، ونخاف من قومك ، فقال لهم : أنا جار لكم ، أي : حافظ من قومي ، فلا غالب لكم اليوم من الناس { فلما تراءت الفئتان } التقى الجمعان { نكص على عقبيه } رجع موليا ، فقيل له : يا سراقة ، أفرارا من غير قتال ؟! فقال : { إني أرى ما لا ترون } وذلك أنه رأى جبريل مع الملائكة جاؤوا لنصر المؤمنين { إني أخاف الله } أن يهلكني فيمن يهلك { والله شديد العقاب } .

إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

{ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } وهم قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، فلما خرجت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرجوا معهم ، وقالوا : نكون مع أكثر الفئتين ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : { غر هؤلاء دينهم } إذ خرجوا مع قلتهم يقاتلون الجمع الكثير ، ثم قتلوا جميعا مع المشركين . قال الله تعالى : { ومن يتوكل على الله } يسلم أمره إلى الله { فإن الله عزيز } قوي منيع { حكيم } في خلقه .

وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

{ ولو ترى } يا محمد { إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } يأخذون أرواحهم . يعني : من قتلوا ببدر { يضربون وجوههم وأدبارهم } مقاديمهم إذا أقبلوا إلى المسلمين ، ومآخيرهم إذا ولوا { وذوقوا } أي : ويقولون لهم بعد الموت : ذوقوا بعد الموت { عذاب الحريق } .

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

{ ذلك } أي : هذا العذاب { بما قدمت أيديكم } بما كسبتم وجنيتم { وأن الله ليس بظلام للعبيد } لأنه حكم فيما يقضي .

كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ

{ كدأب آل فرعون } الآية . يريد : عادة هؤلاء في التكذيب كعادة آل فرعون ، فأنزل الله تعالى بهم عقوبته ، كما أنزل بآل فرعون { إن الله قوي } قادر لا يغلبه شيء { شديد العقاب } لمن كفر به وكذب رسله .

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

{ ذلك بأن الله } الآية . إن الله تعالى أطعم أهل مكة من جوع ، وآمنهم من خوف ، وبعث إليهم محمدا رسولا ، وكان هذا كله مما أنعم عليهم ، ولم يكن يغير عليهم لو لم يغيروا هم ، وتغييرهم كفرهم بها وتركهم شكرها ، فلما غيروا ذلك غير الله ما بهم ، فسلبهم النعمة وأخذهم ، ثم نزل في يهود قريظة :

كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ

{كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}.

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

{ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون } .

الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ

{ الذين عاهدت منهم } الآية . وذلك أنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح ، ثم اعتذروا وقالوا : أخطأنا ، فعاهدهم ثانية فنقضوا العهد يوم الخندق ، وذلك قوله : { ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون } عقاب الله في ذلك .

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ

{ فإما تثقفنهم في الحرب } فإن أدركتهم في القتال وأسرتهم { فشرد بهم من خلفهم } فافعل بهم فعلا من التنكيل والعقوبة يفرق به جمع كل ناقض عهد ، فيعتبروا بما فعلت بهؤلاء ، فلا ينقضوا العهد ، فذلك قوله تعالى : { لعلهم يذكرون } .

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ

{ وإما تخافن من قوم } تعلمن من قوم { خيانة } نقضا للعهد بدليل يظهر لك { فانبذ إليهم على سواء } أي : انبذ عهدهم الذي عاهدتهم عليه ، لتكون أنت وهم سواء في العداوة ، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب ، أي : أعلمهم أنك نقضت عهدهم لئلا يتوهموا بك الغدر { إن الله لا يحب الخائنين } الذين يخونون في العهود وغيرها .

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ

{ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا } وذلك أن من أفلت من حرب بدر من الكفار خافوا أن ينزل بهم هلكة في الوقت ، فلما لم ينزل طغوا وبغوا ، فقال الله : لا تحسبنهم سبقونا بسلامتهم الآن فـ { إنهم لا يعجزون } ـنا ولا يفوتوننا فيما يستقبلون من الأوقات .

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُ

{ وأعدوا لهم } أي : خذوا العدة لعدوكم { ما استطعتم من قوة } مما تتقوون به على حربهم ، من السلاح والقسي وغيرهما { ومن رباط الخيل } مما يرتبط من الفرس في سبيل الله { ترهبون به } تخوفون به بما استطعتم { عدو الله وعدوكم } مشركي مكة وكفار العرب { وآخرين من دونهم } وهم المنافقون { لا تعلمونهم الله يعلمهم } لأنهم معكم يقولون : لا إله إلا الله ، ويغزون معكم ، والمنافق يريبه عدد المسلمين { وما تنفقوا من شيء } من آلة ، وسلاح ، وصفراء ، وبيضاء { في سبيل الله } طاعة الله { يوف إليكم } يخلف لكم في العاجل ، ويوفر لكم أجره في الآخرة { وأنتم لا تظلمون } لا تنقصون من الثواب .

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

{ وإن جنحوا للسلم } مالوا إلى الصلح { فاجنح لها } فمل إليها . يعني : المشركين واليهود ، ثم نسخ هذا بقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } . { وتوكل على الله } ثق به { إنه هو السميع } لقولكم { العليم } بما في قلوبكم .

وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ

{ وإن يريدوا أن يخدعوك } بالصلح لتكف عنهم { فإن حسبك الله } أي : فالذي يتولى كفايتك الله { هو الذي أيدك } قواك { بنصره } يوم بدر { وبالمؤمنين } يعني : الأنصار .

وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

{ وألف بين قلوبهم } بين قلوب الأوس والحزرج ، وهم الأنصار { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم } للعداوة التي كانت بينهم ، { ولكن الله ألف بينهم } لأن قلوبهم بيده يؤلفها كيف يشاء { إنه عزيز } لا يمتنع عليه شيء { حكيم } عليم بما يفعله .

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

{ يا أيها النبي حسبك الله } . الآية . أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا ، وست نسوة ، ثم أسلم عمر رضي الله عنه ، فنزلت هذه الآية ، والمعنى : يكفيك الله ، ويكفي من اتبعك من المؤمنين .

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ

{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } حضهم على نصر دين الله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } يريد : الرجل منكم بعشرة منهم في الحرب ، { وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } أي : هم على جهالة ، فلا يثبتون إذا صدقتموهم القتال خلاف من يقاتل على بصيرة يرجو ثواب الله ، وكان الحكم على هذا زمانا ، يصابر الواحد من المسلمين العشرة من الكفار ، فتضرعوا وشكوا إلى الله عز وجل ضعفهم ، فنزل :

الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

{ الآن خفف الله عنكم } هون عليكم { وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين } . فصار الرجل من المسلمين برجلين من الكفار ، وقوله : { بإذن الله } أي : بإرادته ذلك .

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية . نزلت في فداء أسارى بدر ، فادوهم بأربعة آلاف ألف ، فأنكر الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : لم يكن لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه للفداء ، فلا يكون له أيضا حتى يثخن في الأرض : يبالغ في قتل أعدائه { تريدون عرض الدنيا } أي : الفداء { والله يريد الآخرة } يريد لكم الجنة بقتلهم ، وهذه الآية بيان عما يجب أن يجتنب من اتخاذ الأسرى للمن أو الفداء قبل الإثخان في الأرض بقتل الأعداء ، وكان هذا في يوم بدر ، ولم يكونوا قد أثخنوا ، فلذلك أنكر الله عليهم ، ثم نزل بعده : { فإما منا بعد وإما فداء } .

لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

{ لولا كتاب من الله سبق } يا محمد أن الغنائم وفداء الأسرى لك ولأمتك حلال { لمسكم فيما أخذتم } من الفداء { عذاب عظيم } فلما نزل هذا أمسكوا أيديهم عما أخذوا من الغنائم ، فنزل :

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

{ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله } بطاعته { إن الله غفور } غفر لكم ما أخذتم من الفداء { رحيم } رحمكم لأنكم أولياؤه .

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

{ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } إرادة للإسلام { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم } من الفداء . يعني : إن أسلمتم وعلم الله إسلام قلوبكم أخلف عليكم خيرا مما أخذ منكم { ويغفر لكم } ما كان من كفركم وقتالكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

{ وإن يريدوا خيانتك } وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بك ، ونشهد أنك رسول الله ، فقال الله تعالى : إن خانوك وكان قولهم هذا خيانة { فقد خانوا الله من قبل } كفروا به { فأمكن منهم } المؤمنين ببدر ، وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى القتال { والله عليم } بخيانة إن خانوها { حكيم } في تدبيره ومجازاته إياهم .

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَ

{ إن الذين آمنوا وهاجروا } الآية . نزلت في الميراث كانوا في ابتداء الإسلام يتوارثون بالهجرة والنصرة ، فكان الرجل يسلم ولا يهاجر ، فلا يرث أخاه فذلك قوله : { الذين آمنوا وهاجروا } هجروا قومهم وديارهم وأموالهم . { والذين آووا ونصروا } يعني : الأنصار ، أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم { أولئك بعضهم أولياء بعض } أي : هؤلاء الذين يتوارثون بعضهم من بعض . { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } أي : ليسوا بأولياء ، ولا يثبت التوارث بينكم وبينهم { حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين } يعني : هؤلاء الذين لم يهاجروا فلا تخذلوهم وانصروهم { إلا } أن يستنصروكم { على قوم بينكم وبينهم ميثاق } عهد فلا تغدروا ولا تعاونوهم .

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ

{ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } أي : لا توارث بينكم وبينهم ، ولا ولاية ، والكافر ولي الكافر دون المسلم { إلا تفعلوه } إلا تعاونوا وتناصروا وتأخذوا في الميراث بما أمرتكم به { تكن فتنة في الأرض } شرك { وفساد كبير } وذلك أن المسلم إذا هجر قريبه الكافر كان ذلك أدعى إلى الإسلام ، فإن لم يهجره وتوارثه بقي الكافر على كفره ، وقوله :

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

{ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا } أي : هم الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة خلاف من أقام بدار الشرك .

وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

{ والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } يعني : الذين هاجروا بعد الحديبية ، وهي الهجرة الثانية { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } نسخ الله الميراث بالهجرة والحلف بعد فتح مكة . رد الله المواريث إلى ذوي الأرحام : ابن الأخ والعم وغيرهما { في كتاب الله } في حكم الله { إن الله بكل شيء عليم } .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس