islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
14068

26-الشعراء

طسم

هذه الحروف لبيان أن القرآن المعجز للبشر ركبت كلماته منها ومن أخواتها، وهى فى طوقهم، فمن ارتاب فى أنه من عند الله فليأت بمثله، ولن يستطيع.

تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

هذا الكلام الذى أوحيت به إليك آيات الكتاب الموضح لما اشتمل عليه من أحكام.

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

أشفق على نفسك - أيها النبى - أن تقتلها حزنًا على عناد قومك، وعدم إيمانهم.

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ

إن فى قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تلجئهم إلى الإيمان، فيخضعوا لأمره، ويتم ما ترجوه، ولم نأتهم بذلك لأن سنتنا تكليف الناس بالإيمان دون إلجاء، كى لا تفوت الحكمة فى الابتلاء، وما وراءه من ثواب وعقاب.

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ

وما يجدد الله لقومك بوحيه ما يذكرهم بالدين الحق، رحمة بهم، إلا جددوا إعراضًا عنه، وكفرًا به، حيث أغلقت أمامهم طرق الهداية.

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

فقد كذّب هؤلاء بالحق الذى جئتهم به، وسخروا منه، فاصبر عليهم، فسيرون عاقبة استهزائهم القاصمة.

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ

فَعلوا ما فَعلوا من الكفر والتكذيب ولم ينظروا إلى بعض خلق الله فى الأرض، ولو نظروا متأملين لاهتدوا، فهذه الكثرة من أصناف النباتات النافعة أخرجناها من الأرض، ولا يستطيع ذلك غير إله واحد قدير.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فى إخراج النبات من الأرض لدلالة عظيمة على وجود الخالق القدير، وما كان أكثر القوم مؤمنين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن مالك أمرك وحافظك لهو المنتقم من المكذبين المتفضل بالرحمة على المؤمنين.

وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

واذكر - يا محمد - لقومك قصة موسى حين ناداه ربك: يا موسى، اذهب رسولا إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وبنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد.

قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ

ائت قوم فرعون، فإنهم ماضون فى ظلمهم.<BR>عجبًا لهم! أما يخافون عاقبة ذلك ويحذرونها؟

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ

قال موسى: يارب إننى أخشى ألا يقبلوا رسالتى كبْرًا وعنادًا.

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ

ويحيط بى الغم إذا كذبونى، ولا ينطلق لسانى حينئذٍ فى محاجتهم كما أحب، فأرسل جبريل إلى أخى هارون ليؤازرنى فى أمرى.

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ

ولهؤلاء ذنب علىَّ، فقد قتلت منهم رجلا فأخاف أن يقتلونى قصاصًا قبل أداء مهمتى، ويزيدنى ذلك خوفًا.

قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ

قال الله له: لن يقتلوك، وقد أجبت سؤالك فى هارون، فاذهبا مزودين بمعجزاتنا، إنى معكما بالحفظ أسمع ما يجرى بينكما وبين فرعون، فلكما النصر والتأييد.

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فتوجها إلى فرعون فقولا له: إنَّا مرسلان إليك من رب العالمين.

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

يقول لك رب العالمين: أطلقْ سراح بنى إسرائيل ليذهبوا معنا.

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ

قال فرعون لموسى مُمْتَنًا - وقد عرفه حينما دخلا عليه وأديا الرسالة حيث تربى فى قصره - ألم نربك فينا وليدًا، ومكثت فى رعايتنا سنين من عمرك؟.

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ

وجنيت جنايتك النكراء بقتلك رجلا من قومى، وجحدت نعمتى التى سلفت منا عليك، فلم تحفظ رعيتى، واعتديت على ألوهيتنا بادعاء أنك رسول رب العالمين.

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ

قال موسى: لقد فعلت ما ذكرت جهلا بما يفضى إليه العقل من القتل، فلا تثريب على.

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ

ففررت منكم لما خفت أن تقتلونى بهذه الجناية التى لم تكن عن عمد، فوهب لى ربى فهْمًا وعلمًا، تفضلا وإنعامًا، وجعلنى من المرسلين.

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ

أشار موسى إلى خصلة ذميمة من خصال فرعون، وبيَّن أنها تعبيد بنى إسرائيل وذبح أبنائهم، وأبى أن تسمى تربيته فى بيته نعمة، فسببها اتصافه بما تقدم، فألقى فى اليَم لينجو من قتله، فآل إلى بيته، ولولا ذلك لرباه أبواه.

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ

قال فرعون: وما صفة رب العالمين الذى تذكره كثيرًا، وتدعى أنك رسوله حيث لا نعلم عنه شيئًا؟.

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ

قال موسى هو مالك السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بصدق هذا الجواب لانتفعتم واهتديتم، وعرفتم أن مُلْك فرعون المُدَّعى لا يذكر فى جانب ملكه، فهو لا يعدو إقليمًا واحدًا فى الأرض.

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ

قال فرعون - يعجب لمن حوله من جواب موسى، أذْ ذكر ربًّا غيره لا يذكر فى جانب ملكه ملك فرعون: كيف تسمعون كلام موسى؟.

قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

قال موسى ماضيًا فى أمره غير مبال بغيظ فرعون وسوء مقالته: رب العالمين خالقكم وخالق آبائكم السابقين، ومنهم مَن كان يدَّعى الأُلوهية كما تدَّعى، وقد لحقهم الفناء، وستفنى مثلهم فيبطل ما تدعيه، إذ الإله الحق لا يموت.

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

قال موسى: إن كنتم تعقلون فآمنوا برسالتى، لأن شروق الشمس وغروبها بتقدير مُحكم دليل ظاهر على الخالق، إذن فأنتم الأحِقَّاء بصفة الجنون.

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ

قال فرعون لموسى: لئن اتخذت إلهًا غيرى لأجعلنك واحدًا ممن عرفت سوء حالهم فى سجونى.<BR>وقد لجأ إلى تهديده بهذا بعد أن يئس من رفع آثار صنع الخالق.

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ

قال موسى متلطفًا طمعًا فى إيمانه: أتجعلنى من المسجونين ولو جئتك ببرهان عظيم يصدقنى فيما أقول؟.

قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

قال فرعون: فأت بالذى يشهد بنبوتك إن كنت صادقًا فى دعواك، قال ذلك طمعًا فى أن يجد موطن ضعف فى حجته.

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

فألقى موسى عصاه فى الأرض أمامهم، فانقلبت ثعبانًا حقيقيًا، لا شيئًا مُزَورًا بالسِّحر يُشْبه الثعبان.

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ

وأخرج موسى يده من جيبه آية ثانية، فإذا هى بيضاء، اشتد بياضها من غير سوء، حتى بهر الناظرين.

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ

قال فرعون لقومه: إن موسى لساحر فائق فى سحره.<BR>قال ذلك خشية أن يخضعوا للحق الذى رأوْه من موسى.

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

وقال فرعون أيضًا: يريد هذا الساحر أن يقهرنى فيخرجكم من أرضكم، وذلك تحريض على موسى.<BR>إذ من أَشَقّ الأشياء مفارقة الوطن لا سيما إذا كانت قهرًا.<BR>وطلب الرأى ممن يعبدونه ناسيًا ألوهيته لقوة آيات موسى.

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

قال له قومه: أجِّل الفصل فى أمرهما، وأرسل الجند فى المدائن يجمعون لك السحرة من رعيتك، فالسحر يعارض بالسحر.

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ

يأتوك بالعدد الكثير، وكلهم قد أجاد فن السحر ويفوق موسى عملا به ومرانًا عليه.<BR>وقصدوا بهذا التخفيف من قلق فرعون.

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

فجمع السحرة من كل أرجاء البلاد، وحدد لهم وقت الضحى من يوم الزينة للاجتماع بموسى.

وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ

وقال الناس - يحث بعضهم بعضًا على الاجتماع فى اليوم المعلوم لحضور الحفل المشهود: " هل أنتم مجتمعون "؟ أى اجتمعوا.

لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ

وأعلنوا توقعهم انتصار السحرة، فيثبتون على دينهم، حمْلا على الاهتمام والجد فى مغالبة موسى.

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ

فلما جاء السحرة فرعون قالوا له: أيكون لنا قِبَلك أجر عظيم إن كنا نحن الغالبين؟.

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

قال فرعون: نعم لكم ما ذكرتم، ومع هذا الأجر العظيم تكونون من المقربين لدىَّ، ومن أصحاب الجاه والسلطان.

قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ

قال موسى للسحرة - حينما جاء الوقت المحدد فى اليوم الموعود - ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر.

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ

فألقوا حبالهم وعصيّهم، وخُيّل للناس أنها حيات تسعى، وأقسموا بعزة فرعون وقوته إنهم الغالبون.

فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

فألقى موسى عصاه، فإذا هى حية عظيمة تبتلع ما كانوا يزوِّرونه بالسحر من حبالهم وعصيِّهم، متوهمين أنها حيات تسعى.

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

فبادر السحرة بالسجود لله حينما أيقنوا أن أمر موسى ليس بالسحر.

قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

قالوا مؤكدين فعل السجود بالقول: {آمنا برب العالمين}.

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

وبيَّنوا أن رب العالمين الذى آمنوا به {رب موسى وهارون}.

قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

قال فرعون - منكرًا على قومه إيمانهم بموسى قبل إذنه لهم، مهددًا إياهم على ذلك بأنه أستاذهم الذى عليه تلقوا فنون السحر، وسيعلمون ما سينزل بهم من العقاب -: لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف.<BR>أقطع اليمنى مع اليسرى أو العكس.<BR>ولأُصلبنكم أجمعين.

قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ

قال السحرة: لا ضرر علينا مما يلحقنا من عذابك الذى توعدتنا به.<BR>لأنا راجعون إلى ثواب ربنا، وهو خير ثواب وخير عاقبة.

إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ

إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا التى أسلفْناها إذ كنا أول المؤمنين فى قومك.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ

وأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - أن يسير ليلا بالمؤمنين من بنى إسرائيل حينما لم تُجْدِ مصابرة موسى، وقد نظم أمر الفريقين على أن يتقدم موسى بقومه، ويتبعهم فرعون بقومه حتى يدخلوا مدخلهم من طريق البحر، فيهلكهم الله.

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

فأرسل فرعون جنده فى مدائن مملكته يجمعون الأشداء من قومه حينما علم بسير موسى ببنى إسرائيل، ليحول بينهم وبين ما يقصدون.

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ

قال فرعون: إن بنى إسرائيل الذين فروا مع موسى طائفة خسيسة فى شأنها قليل عددها.<BR>يثير بذلك الحمية فى نفوس جنده.

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ

وبعد هذه الآيات الدالة على استحقاق الله - وحده - العبادة، وأن لا إله سواه، يعبد فريق من الناس ما لا ينفع ولا يضر من الأوثان، وهؤلاء بعملهم هذا يعاونون الشيطان وهو يضلهم، فهم متظاهرون على الحق الذى دعاهم إليه الله.

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ

وإنا لجمع من عادتنا الحذر واليقظة، والحزم فى الأمور.

فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فأهلكوا بصرفهم عن الحق، وإثارتهم إلى الخروج وراء موسى بما جاء فى الآيات الثلاث السابقة.

وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ

وأخرجناهم كذلك من كنوز الذهب والفضة والأماكن التى كانوا يقيمون فيها، مُنَعَّمين بجمالها وحسن مرافقها.

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

مثل هذا الإخراج العجيب الذى وصفناه لك أخرجناهم، وجعلنا هذا الملك وما فيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل بعد أن كانوا مُعْدمين.

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ

جدَّ فرعون وقومه فى السير ليلحقوا ببنى إسرائيل، فلحقوا بهم وقت شروق الشمس.

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ

فلما رأى كل من الجمعين الآخر قال أصحاب موسى: إن فرعون وقومه سيدركوننا، فينزل بنا الهلاك.

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

قال موسى: إن معى عناية الله تلاحقنى بالحفظ، وسيرشدنى إلى طريق النجاة.<BR>ليطمئنوا على سلامتهم، ولتبتعد عن أذهانهم فكرة الإدراك المفزعة.

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ

فأوحينا إلى موسى: أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر إلى اثنى عشر طريقًا بعدد طوائف بنى إسرائيل، وكان كل طريق من هذه الطرق حاجزًا من الماء كالجبل العظيم الثابت.

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ

وقرَّبنا فرعون وقومه حتى دخلوا هذه الطرق وراء موسى وقومه.

وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ

وأنجينا موسى ومن معه بحفظ البحر متماسكًا حتى تم عبورهم.

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ

ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق الماء عليهم عندما تبعوهم.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فى ذلك التصرف الإلهى العجيب لعبرة لمن أراد أن ينتفع، وما كان أكثر القوم مصدقين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن خالقك ومربيك لهو القوى فى الانتقام من المكذبين، المنعم بالرحمات على المؤمنين.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ

واتْلُ على الكافرين - أيها الرسول - قصة إبراهيم - عليه السلام.

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ

إذ قال لأبيه وقومه: أى شىء هذا الذى تعبدونه مما لا يستحق العبادة.<BR>يقصد تقبيح عبادة الأصنام.

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ

قالوا مجيبين بطريق المباهاة: نعبد أصنامًا فنقيم على عبادتها دائمًا تعظيمًا لها وتمجيدًا.

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ

قال إبراهيم: هل يسمعون دعاءكم، أو يستجيبون لكم إذ تدعونهم؟ يقصد بذلك التنبيه على فساد مسلكهم.

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

أو يقدمون لكم نفعًا إذا أطعتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا عصيتموهم؟.

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ

قالوا: لا يفعلون شيئًا من ذلك، ولكن وجدنا آباءنا يعبدونها مثل عبادتنا، فقلدناهم فيما كانوا يفعلون.

قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

قال إبراهيم - تبكيتًا لهم -: أفكَّرتم فعلمتم أى شىء تستمرون على عبادته؟

أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ

أنتم وآباؤكم الأقدمون.<BR>أهو أهل لأن يُعبد أم لا؟.<BR>لو تأملتم لعلمتم أنكم فى الضلال المبين.

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ

فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لى ولكم، فلا أعبدهم.<BR>لكن خالق العالمين ومالك أمرهم وحافظهم هو الذى أعبده، وأتقرب إليه.

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ

الذى أوجدنى من العدم فى أحسن تقويم، ووهبنى الهداية لما يوصلنى إلى سعادتى فى الدنيا والآخرة.

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ

وهو الذى أنعم علىَّ بالطعام والشراب، وأقدرنى على تناولهما والانتفاع بهما، حفظًا لحياتى.

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ

وإذا نزل بى مرض فهو الذى يشفينى بتيسير أسباب الشفاء، وتفويض الأمر إليه.

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ

والذى يُميتنى إذا حلَّ أجلى، والذى يُحيينى مرة أخرى للحساب والجزاء.

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

والذى أطمع فى غفرانه وتجاوزه عما فرط منى من الهفوات فى الدنيا، إذا جاء وقت الحساب.

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

قال إبراهيم - عليه السلام - داعيًا: رب امنحنى كمالا فى العلم والعمل، حتى أكون أهلا لحمل رسالتك والحكم بين عبادك، ووفقنى لانتظم فى عداد الصالحين.

وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ

واجعل لى ثناء حسنًا، وذكرًا جميلا فى الأمم التى تجىء بعدى، يبقى أثره بين الناس إلى يوم القيامة.

وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ

واجعلنى من عبادك الذين منحتهم نعيم الجنة، ثوابًا على إيمانهم بك وعبادتهم لك.

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ

واجعل أبى أهلاً للمغفرة بتوفيقه للإسلام - وكان قد وعده بالإسلام يوم فارقه - لأنه كان من المنحرفين عن طريق الهدى والرشاد.

وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ

ولا تُلْحق بى هوانًا أو خجلا بين الناس يوم يخرجون من القبور للحساب والجزاء.

يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ

يوم لا ينفع أحدًا مال يُبذل، ولا بنون ينصرون.

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

إلا من كان مؤمنًا، وأقبل على الله بقلب برىء من مرض الكفر والنفاق والرياء.

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

وأُدنِيت الجنة وقُرِّبت من مكان السعداء، فيسير إليها الذين اتقوا الكفر والمعاصى، وأقبلوا على الإيمان والطاعة فى الدنيا.

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

وأُظْهِرت الجحيم للمنصرفين عن دين الحق، حتى يكاد يأخذهم لهبها فيتحسرون.

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ

وقيل لهم توبيخًا: أين آلهتكم التى كنتم تعبدونها؟!

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ

من دون الله وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم، هل ينفعونكم بنصرتهم لكم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم؟ لا شىء من ذلك، لأنهم وآلهتهم وقود النار.

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ

فألقوا فى الجحيم على وجوههم، ينقلبون مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا فى قاعها هم والذين أضَلُّوهم وأوقعوهم فى الغى والضلال.

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ

ومعهم أعوان إبليس الذين كانوا يزينون للناس الشرور والآثام، أو الذين اتبعوه من عصاة الإنس والجن.

قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ

قالوا - معترفين بخطئهم - وهم يتخاصمون مع مَن أضلُّوهم من معبوداتهم:

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

والله إن كنا فى دنيانا لفى تخبط واضح، وجهل مطبق، وزيغ عن الحق الذى لا خفاء فيه.

إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

إذ نسوِّيكم أيها المعبودون من دون الله برب العالمين فى استحقاق العبادة، مع عجزكم وقدرته.

وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ

وما أوقعنا فى هذا الهلاك إلا المجرمون الذين أضلُّونا عن سواء السبيل.

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ

فلا يوجد لنا شافعون يخلِّصوننا من العذاب كما توهمنا من قبل.

وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ

ولا صديق يتوجع لحالهم، وإن لم يخلصهم.

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

فيتمنون لأنفسهم حينئذ رجعة إلى الدنيا ليكونوا من المؤمنين حتى ينجوا.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فيما ذكر الله من نبأ إبراهيم لعظة وعبرة لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، وما كان أكثر قومك الذين تتلو عليهم هذا النبأ مذعنين لدعوتك.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن ربك لهو القادر على الانتقام من المكذبين، المتفضل بالإنعام على المحسنين.

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ

وذكر الله نبأ نوح فى قوله: كذبت قوم نوح رسالته، وردّوها عليه، وبهذا كانوا مكذبين لجميع رسل الله، لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ

كذبوا هذه الرسالة حين قال لهم أخوهم نوح - نسبًا لا دينًا - محذرًا: ألا تتقون الله فتتركوا عبادة غيره.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

إنى رسول الله إليكم لأهديكم إلى طريق الرشاد، أمين على تبليغ هذه الرسالة.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فخافوا الله وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما أطلب منكم أى أجر على ما أبذله لكم من النصح والدعاء، ما جزائى إلا على خالق العالمين ومالك أمرهم.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فاحذروا عقاب الله، وامتثلوا ما آمركم به.

قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ

قال قوم نوح - يردُّون دعوته -: لن يكون منا إيمان لك فى حال اتباع سفْلة الناس وأقلهم جاهًا ومالا لك.

قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

قال نوح: أى شىء أعلمنى ما هم عليه من قلة الجاه والمال؟ إنما أطلب منهم الإيمان دون تعرض لمعرفة صناعاتهم وأعمالهم.

إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ

ما جزاؤهم على أعمالهم إلا على ربى، فهو المطلع على بواطنهم، لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك.

وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ

وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوتى مهما كان حالهم من فقر أو غنى، تلبية لرغبتكم كى تؤمنوا بى.

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

ما أنا إلا رسول من الله لإنذار المكلفين إنذارًا واضحًا بالبرهان الذى يتميز به الحق من الباطل، لا فرق بين شريف وضعيف، فكيف يليق بى طرد المؤمنين لفقرهم؟!

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ

قالوا: لئن لم ترجع يا نوح عن دعوتك لَنرجُمنَّك بالحجارة.<BR>يقصدون بهذا القول تهديده بالقتل.

قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

فاحكم بينى وبينهم حكمًا تهلك به من جحد توحيدك، وكذَّب رسولك، ونجِّنى ومن معى من المؤمنين من عذاب بغيهم.

فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

فأنجيناه ومن آمن معه فى السفينة المملوءة بهم، وبما يحتاجون إليه، استجابة لدعوته.

ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ

ثم أغرق الله - بعد إنجاء نوح ومن آمن به - الباقين الذين لم يؤمنوا من قومه.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح لحجة على صدق الرسل وقدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم هذا القصص مؤمنين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن ربك لهو القوى فى الانتقام من كل جبار عنيد.<BR>المُنْعم بأنواع الفضل على المتقين.

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ

كذبت قبيلة عاد رسولهم هودًا - عليه السلام - وبهذا كانوا مكذبين لجميع الرسل لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ

إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تخشون الله فتخلصوا له العبادة؟!.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

إنى مرسل من الله لهدايتكم إلى الرشاد، حفيظ على رسالة الله، أبلغها إليكم كما أمرنى ربى.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فامتثلوا أمر الله، وخافوا عقوبته، وأطيعوا ما آمركم به من عند الله.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما أطلب منكم على نصحى وإرشادى أى نوع من أنواع الأجر.<BR>ما جزائى إلا على خالق العالمين.

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ

أتُشَيِّدون بكل مكان مرتفع من الأرض بناء شامخًا تتفاخرون به، وتجتمعون فيه لتعيثوا وتفسدوا؟.<BR>يريد سبحانه تنبيههم إلى ما ينفعهم، وتوبيخهم على ترك الإيمان وعمل الصالحات.

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ

وتتخذون قصورًا مشيدة منيعة، وحياضًا للماء مؤملين الخلود فى هذه الدنيا كأنكم لا تموتون.

وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ

وإذا أخذتم أخذ العقوبة أسرفتم فى البغى جبارين، تقتلون وتضربون غاضبين بلا رأفة.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فخافوا الله فى البطش، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه، فإنه أنفع لكم وأبقى.

وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ

واحذروا غضب الله الذى بسط إليكم يد إنعامه بالذى تعلمونه بين أيديكم من ألوان عطائه.

أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ

عدَّد ما أمدهم به من إبل وبقر وغنم، وبنين أقوياء، ليحفظوا لهم الأنعام، ويعينوهم على تكاليف الحياة.

وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

وبساتين مثمرات، وعيون تجرى بالماء الذى تحتاجون إليه.

إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

إنى أخاف أن يُنزل الله بكم عذابًا شديدًا فى الدنيا، ويُدخلكم فى الآخرة نار جهنم، بسبب طغيانكم وإنعام الله عليكم.

قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ

قالوا - استخفافًا به -: سواء لدينا بالغت فى وعظنا وإنذارنا أم لم تكن من الواعظين.

إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ

ما هذا الذى جئتنا به إلا كذب الأولين وأباطيلهم، اعتادوا تلفيق مثله، فلا نرجع عما نحن فيه.

وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ

وما نحن بمعذبين على ما يصدر منا من عمل.

فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

فاستمروا على تكذيبه، فعاجلهم الله بالهلاك، إن فى ذلك الذى أنزله الله بعاد جزاء تكذيبهم لحجة تدل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم نبأ عاد مؤمنين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن ربك لهو القاهر للجبارين، الرحيم بالمؤمنين.

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ

كذبت قبيلة ثمود صالحًا فى رسالته ودعوته لهم إلى توحيد الله، وبهذا كذبوا جميع المرسلين، لاتحاد رسالاتهم فى أصولها.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ

اذكر لقومك - أيها الرسول - وقت أن قال لثمود أخوهم صالح فى النسب والوطن: ألا تخشون الله فتفردوه بالعبادة؟!

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

إنى مرسل من الله إليكم بما فيه خيركم وسعادتكم، حفيظ على هذه الرسالة كما تلقيتها عن الله.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فاحذروا عقوبة الله، وامتثلوا ما أدعوكم إليه من أوامره.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما أطلب منكم أى أجر على نصحى لكم وإرشادى، ما أجرى إلا على مالك العالمين.

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ

أنكر عليهم اعتقادهم البقاء فيما هم فيه من النعيم، آمنين من العذاب والزوال والموت.

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

فى حدائق مثمرات، وعيون تجرى بالماء الفرات.

وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ

وزروع يانعات، ونخل ثمرها الذى يظهر منها لين نضيج.

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ

وتتخذون من الجبال بيوتًا عاليات.<BR>حاذقين نشطين فيما تصنعون.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فخافوا عقوبة الله لعدم شكركم له على نعمه، واقبلوا نصحى واعملوا به.

وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ

ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك واتباع الهوى والشهوات.

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ

الذين يعيثون فى أرض الله فسادًا، ولا يقومون فيها بإصلاح به تسعد البلاد.

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ

قالوا ما أنت إلا من الذين سُحِروا سحرًا شديدًا حتى غلب على عقولهم.<BR>وفى هذا الرد عنف وسفاهة.

مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

ما أنت إلا فرد مماثل لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالنبوة والرسالة؟! فإن كنت صادقًا فى دعواك فأت بمعجزة تدل على ثبوت رسالتك.

قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

قال لهم صالح - حينما أعطاه الله الناقة معجزة له -: هذه ناقة الله أخرجَها لكم آية، لها نصيب من الماء فى يوم فلا تشربوا فيه، ولكم نصيب منه فى يوم آخر فلا تشرب فيه.

وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ

ولا تلحقوا بها أذى، فيهلككم عذاب عظيم.

فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ

فذبحوا الناقة مخالفين ما اتفقوا عليه مع صالح، فحق عليهم العذاب، فأصبحوا على ما فعلوا نادمين.

فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

فأهلكهم عذاب الله الذى توعدهم به صالح، ولم يدفع الندم عنهم عقابَ جُرمهم.<BR>إن فى ذكر قصتهم لدلالة على قدرة الله على إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين، وما كان أكثر قومك مؤمنين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن خالقك لهو القادر على إهلاك الجاحدين المتفضل بإنجاء المتقين.

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ

كذبت قوم لوط - حين دعاهم إلى توحيد الله وترك الشرك - جميع المرسلين.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ

اذكر لقومك - أيها الرسول - إذ قال لوط لقومه - وهو أخوهم وصهرهم -: ألا تخافون عذاب الله؟!

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

إنى مُرسَل لكم من الله بالدين الحق، أمين على تبليغ هذا الدين.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فاحذروا عذاب الله، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما أطلب منكم أجرًا على ما أدعوكم إليه من الهدى والرشاد، ما جزائى إلا على مالك العالمين ومربيهم.

أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ

قال لوط: أتستمتعون بوطء الذكور دون الإناث؟ يريد بذلك أن ينكر ما دأبوا عليه من ارتكاب هذه الفاحشة النكراء (1).<BR>___________<BR>(1) {أتون الذكران من العالمين}: اللواط: أصلاً هو جريمة فسق بشعة تتقزز منها الأسماع، وتنفر منها الطباع، وتنزل بالآدمية إلى الحضيض، وتؤدى - لو شاعت - إلى تعطيل سنة الزواج وهى سنة طبيعية يتوقف عليها التناسل والتكاثر وعمارة الأرض.<BR>وينتقل باللواط ما ينتقل بالزنا من الأمراض كالزهرى والسيلان والقرحة الرخوة، وأمراض الجلد كالجرب فى الجلد، ويحدث بالشرج علامات منها ضعف العضلة العاصرة حتى إنها قد تفقد السيطرة على عملية التبرز فيحدث من غير إرادة.<BR>ومنها تمزق بالشرج وزوال الأنسجة حوله، فيفور ويشبه القمع شكلا.<BR>والشرج ملىء بالميكروبات الأخرى التى قد تنتقل إلى عضو الجانى فتحدث فيه التهابات فى مجرى البول، وقد يصبح المجنى عليه مخنثًا إذا لازمته هذه العادة من صغره، وقد يظهر على العكس أكثر رجولة ليغطى النقص عنده.<BR>وقد نهى الله - سبحانه - عن هذه الجريمة فى كثير من الآيات وبيَّن فى بعضها حكمة من حكم هذا التحريم، فقال: {أتون الذكران من العالمين.<BR>وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ

وتتركون ما خلقه الله لمتاعكم من أزواجكم الحلائل، بل أنتم قوم متجاوزون الحد فى الظلم بارتكاب جميع المعاصى.

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ

قالوا - غاضبين لإنكاره وتشنيعه عليهم بسبب تلك الرذيلة -: لئن لم تترك توبيخنا لتكونن من المنفيين من بلادنا على أسوإ حال.

قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ

قال لوط: إنى لعملكم هذا من المبغضين، فلا أترك إنكاره والتشنيع عليه.

رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ

ونادى ربه: أن ينقذه وأهله مما يعمل هؤلاء الجاهلون حينما يئس من استجابتهم له.

فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ

فاستجاب الله دعاءه، ونجَّاه ومن اتبع دعوته بإخراجهم جميعًا من بيوتهم وقت نزول العذاب بالمكذبين.

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ

إلا امرأته العجوز بقيت ولم تخرج معه فهلكت لكفرها وخيانتها بموالاتها للفاسقين.

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ

ثم أهلك الله الكفرة الفجرة أشد إهلاك وأفظعه.

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ

وأنزل الله على شُذَّاذ القوم حجارة من السماء فأهلكتهم، وكان مطرًا هائلا فى كثرته ونوعه، فساء مطر المنذرين مطرهم.<BR>إذ نزل بأشد أنواع الهلاك.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فى ذلك العقاب الذى نزل بالقوم لحجة تدل على تمام قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين بدعوتك.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن ربك لهو الغالب على كل شىء.<BR>المتصف بالرحمة الكاملة فيعاقب المذنبين، ويثيب المؤمنين.

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ

هذه قصة شعيب مع أصحاب الأيكة - وهى غَيْضة تنبت ناعم الشجر بقرب مَدْيَن - نزل بها جماعة من الناس وأقاموا بها، فبعث الله إليهم شعيبًا كما بعث إلى مدين، فكذبوه فى دعوته، وبهذا كانوا منكرين لجميع الرسالات.

إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ

اذكر - يا محمد - لقومك وقت قول شعيب لأصحاب الأيكة: ألا تخافون الله فتؤمنوا به؟! فبادروا بتكذيبه.

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

إنى لهدايتكم وإرشادكم مرسل من رب العالمين، أمين على توصيل رسالته إليكم.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

فاحذروا عقوبة الله، وأطيعونى باتباع أوامر الله وتخليص أنفسكم من الآثام.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما أطلب منكم على إرشادى وتعليمى أى أجر، ما جزائى الكامل فى مقابل عملى إلا على رب العالمين.

أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ

أمرهم شعيب بإعطاء الكيل وافيًا حيث كان يشيع بينهم بخس الكيل والميزان، ونقص حقوق الناس بالتطفيف والخسران.

وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ

وزِنُوا بين الناس بالميزان السوى حتى يأخذوا حقهم بالعدل المستقيم.

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

ولا تنقصوا الناس شيئًا من حقوقهم، ولا تعثوا فى الأرض مفسدين، بالقتل وقطع الطريق وارتكاب الموبقات وإطاعة الهوى.<BR>17

وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ

واحذروا عقوبة الله الذى خلقكم، وخلق الأمم القوية العاتية المتقدمة.

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ

قالوا: ما أنت إلا واحد من الذين أصابهم السحر إصابة شديدة، فذهب بعقولهم.

وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

وما أنت إلا واحد منا مُساوٍ لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالرسالة؟! ونحن نعتقد أنك من الراسخين فى الكذب.

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

فأسقط علينا قطع عذاب من السماء إن كنت من الصادقين فى الرسالة.<BR>وهذا اقتراح تحته كل ألوان الإنكار.

قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ

قال شعيب: ربى بالغ العلم بما تعملونه من المعاصى، وبما تستحقونه من العذاب ينزله عليكم فى وقته المقدر له.<BR>وهذا منه منتهى التفويض لله وغايته التهديد لهم.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

فاستَمرُّوا على تكذيبه، فسلَّط الله عليهم الحر الشديد، فكانوا يفرون منه إلى غير حمى، إلى أن أظلتهم سحابة من الشمس فاجتمعوا تحتها، فأسقطها الله عليهم نارًا فأهلكتهم جميعًا فى يوم شديد الهول.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ

إن فيما نزل بأصحاب الأيكة من العقوبة - جزاء تمردهم - لدليل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وإن ربك لهو المتفرد بالقوة والغلبة المنعم بالرحمات على المؤمنين.

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وإن هذا القرآن - الذى ذكرت فيه هذه القصص الصادقة - مُنَزَّلٌ من خالق العالمين ومالك أمرهم ومربيهم، فخبره صادق، وحكمه نافذ إلى يوم القيامة.

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ

نزل به الروح الأمين، جبريل - عليه السلام.

عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ

على قلبك متمكنًا من حفظه وفهمه، مستقرًّا فى قلبك استقرارًا لا ينسى، لتنذرهم بما تضمنه من العقوبات للمخالفين.

بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

نزل به جبريل - عليه السلام - عليك بلغة عربية، واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة فيما يحتاجون إليه فى إصلاح شئون دينهم ودنياهم.

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ

وإن ذكر القرآن والإخبار عنه بأنه من عند الله نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لثابت فى كتب الأنبياء السابقين.

أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

أكفر هؤلاء المعاندون بالقرآن وعندهم حجة تدل على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم وهى عِلْم علماء بنى إسرائيل بالقرآن كما جاء فى كتبهم؟!.

وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ

ولو نزلنا القرآن على بعض من الأعجمين يقدر على التكلم بالعربية ولا يفصح بها، فلا يتوهم اتهامه باختراعه.

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ

فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادة لكفروا به، وانتحلوا لجحودهم عذرًا.

كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

أدخلنا التكذيب فى قلوب المجرمين، وقرَّرناه فيها مثل تقريره فى قلوب من هم على صفتهم.

لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ

فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده، حتى يعاينوا العذاب الشديد الذى وعدوا به.

فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

فينزل بهم العذاب فجأة من غير توقع وهم لا يشعرون بقدومه.

فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ

فيقولون عند نزول العذاب: {هل نحن مُنْظَرون} تحسرًا على ما فاتهم من الإيمان وطلبًا للإمهال، ولكن لا يجابون.

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ

قال تعالى: أَغَرَّ كفار مكة إمْهالى فيستعجلون نزول العذاب؟! يريد سبحانه تسفيه عقولهم بسبب استعجالهم العذاب إثر تكرار إنذارهم وتخويفهم.

أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ

أفكَّرتَ فعلمتَ أننا متعناهم بالحياة سنين طويلة مع طيب العيش؟

ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ

ثم نزل بهم العذاب الموعود.

مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ

ما يدفع عنهم تمتعهم بطول العمر وطيب العيش من عذاب الله شيئًا، فعذاب الله واقع عاجلاً أو آجلاً، ولا خير فى نعيم يعقبه عذاب.

وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ

وسُنّتنا فى الأمم جميعًا أننا لم ننزل هلاكًا بأمة إلا بعد أن نرسل إليها رسلا ينذرونها إلزامًا للحجة.

ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ

تذكرة وعبرة، وما كان شأننا الظلم فنعذب أمة قبل أن نبعث إليها رسولا.

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ

نفى القرآن ما قاله كفار مكة من أن لمحمد تابعًا من الجن، يلقى القرآن إليه فقال: وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن.

وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ

إنهم عن سماع القرآن الذى ينزل به الوحى على محمد - صلى الله عليه وسلم - لمحجوبون.

فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ

فتوجه إلى الله مستمرًا على إخلاصك له فى العبادة، ولا تهتم بفساد زعم المشركين وسوء مسلكهم.<BR>ودعوة الرسول إلى هذا اللون من الإخلاص دعوةٌ لأفراد أمته جميعًا.

وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ

وخوِّف بالعذاب على الشرك والمعاصى الأقرب فالأقرب من عشيرتك.

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

وأَلِنْ جانبك لمن أجاب دعوتك بالإيمان.

فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ

فإن عصوك ولم يتبعوك، فتبرأ منهم ومن أعمالهم، من الشرك وسائر المعاصى.

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ

وفوض أمرك إلى القوى القادر على قهر أعدائك بعزته، وعلى نصرتك ونصرة كل مخلص فى عمله برحمته.

الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ

الذى يراك حين تقوم إلى التهجد وأعمال الخير.

وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ

ويرى تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود حين تؤمهم فى الصلاة.

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

إنه سبحانه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتك وعملك.<BR>وكأنه سبحانه يقول له: هَوِّن على نفسك مشاق العبادة، فأنت تعمل بمرأى ومسمع منا.

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ

قال المشركون: إن الشياطين تلقى السمع على محمد.<BR>فرد القرآن عليهم: هل أخبركم على من تتنزل الشياطين وتلقى الوساوس!؟

تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ

تتنزل على كل مرتكب لأقبح أنواع الكذب وأشنع الآثام، وهم الكهنة الفجرة الذين بين طباعهم وطباع الشياطين تجانس ووفاق.

يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ

يلقون أسماعهم إلى الشياطين، فيتلقون منهم ظنونًا، وأكثرهم كاذبون، حيث يزيدون فى القول على ما تلقيه الشياطين.

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ

قال الكفار: إن القرآن شعر، ومحمد شاعر.<BR>فأبطل الله هذا بإثبات أن القرآن ملىء بالحكم والأحكام، فأسلوبه ينافى أسلوب الشعر الذى يقوم على الباطل والكذب، وبين أن حال محمد - صلى الله عليه وسلم - ينافى حال الشعراء، فهو ينطق بالحكمة، وهم ينطقون بالزور، وهذا حال أغلب الشعراء.

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ

ألم تر أنهم فى كل واد من أودية القول يهيمون على وجوههم، فلا يهتدون إلى الحق؟

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ

وأنهم يقولون بألسنتهم ما لا يلتزمونه فى عملهم.

إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة، وذكروا الله كثيرًا حتى تمكنت خشيته من قلوبهم، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أى مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس