islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
14637

3-آل-عمران

الم

{ الم } .

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم }

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

{ نزل عليك الكتاب } أي : القرآن { بالحق } بالصدق في إخباره { مصدقا لما بين يديه } موافقا لما تقدم الخبر به في سائر الكتب { وأنزل التوراة والإنجيل } .

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ

{من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان } ما فرق به بين الحق والباطل . يعني : جميع الكتب التي أنزلها . { إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام } ذو عقوبة .

إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

قال تعالى{إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}.

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

{ هو الذي يصوركم } يجعلكم على صور في أرحام الأمهات { كيف يشاء } ذكرا وأنثى ، قصيرا وطويلا ، وأسود وأبيض .

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَم

{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } وهن الثلاث الآيات في آخر سورة الأنعام : { قل تعالوا أتل } إلى آخر الآيات الثلاث . { هن أم الكتاب } هن أم كل كتاب أنزله الله تعالى على كل نبي ، فيهن كل ما أحل وحرم ، ومعناه : أنهن أصل الكتاب الذي يعمل عليه { وأخر } أي : آيات أخر { متشابهات } يريد : التي تشابهت على اليهود ، وهي حروف التهجي في أوائل السور ، وذلك أنهم أولوها على حساب الجمل ، وطلبوا أن يستخرجوا منها مدة بقاء هذه الأمة ، فاختلط عليهم واشتبه . { فأما الذين في قلوبهم زيغ } وهم اليهود الذين طلبوا علم أجل هذه الأمة من الحروف المقطعة { فيتبعون ما تشابه منه } من الكتاب . يعني : حروف التهجي { ابتغاء الفتنة } طلب اللبس ليضلوا به جهالهم { وابتغاء تأويله } طلب أجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم . { وما يعلم تأويله إلا الله } يريد : ما يعلم انقضاء ملك أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا الله لأن انقضاء ملكهم مع قيام الساعة ، ولا يعلم ذلك أحد إلا الله ، ثم ابتدأ فقال : { والراسخون في العلم } أي : الثابتون فيه . يعني : علماء مؤمني أهل الكتاب { يقولون آمنا به } أي : بالمتشابه { كل من عند ربنا } المحكم والمتشابه ، وما علمناه ، وما لم نعلمه { وما يذكر إلا أولو الألباب } ما يتعظ بالقرآن إلا ذوو العقول .

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

{ ربنا } أي : ويقول الراسخون في العلم { ربنا لا تزغ قلوبنا } لا تملها عن الهدى والقصد كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ { بعد إذ هديتنا } للإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك .

رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ

{ ربنا إنك جامع الناس } حاشرهم { ليوم } الجزاء في يوم { لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد } للبعث والجزاء .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ

{ إن الذين كفروا } يعني : يهود قريظة والنضير { لن تغني عنهم } أي : لن تنفع ولن تدفع عنهم { أموالهم } { ولا أولادهم } يعني : التي يتفاخرون بها { من الله } من عذاب الله { شيئا وأولئك هم وقود النار } هم الذين توقد بهم النار .

كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ

{ كدأب آل فرعون } كصنيع آل فرعون وفعلهم في الكفر والتكذيب كفرت اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

{ قل للذين كفروا } يعني : يهود المدينة ومشركي مكة { ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } بئس ما مهد لكم .

قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ

{ قد كان لكم آية } علامة تدل على صدق محمد عليه السلام { في فئتين } يعني : المسلمين والمشركين { التقتا } اجتمعتا يوم بدر للقتال { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم المسلمون { وأخرى كافرة يرونهم مثليهم } وهم كانوا ثلاثة أمثالهم ، ولكن الله تعالى قللهم في أعينهم ، وأراهم على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم لتقوى قلوبهم ، وذلك أن الله عز وجل كان قد أعلم المسلمين أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار { رأي العين } أي : من حيث يقع عليهم البصر { والله يؤيد } يقوي { بنصره } بالغلبة والحجة من يشاء { إن في ذلك لعبرة } وهي الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم { لأولي الأبصار } لذوي العقول .

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ

{ زين للناس حب الشهوات } جمع الشهوة ، وهي توقان النفس إلى الشيء { والقناطير المقنطرة } الأموال الكثيرة المجموعة { والخيل المسومة } الراعية ، وقيل : المعلمة كالبلق وذوات الشيات ، وقيل : الحسان . والخيل : الأفراس { والأنعام } الإبل والبقر والغنم { والحرث } وهو ما يزرع ويغرس ، ثم بين أن هذه الأشياء متاع الدنيا ، وهي فانية زائلة { والله عنده حسن المآب } المرجع ، ثم أعلم أن خيرا من ذلك كله ما أعده لأوليائه فقال .

قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

{ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم } الذي ذكرت { للذين اتقوا } الشرك { جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد } .

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

قال تعالى{الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار}.

الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ

{ الصابرين } على دينهم وعلى ما أصابهم { والصادقين } في نياتهم { والقانتين } المطيعين لله { والمنفقين } من الحلال في طاعة الله { والمستغفرين بالأسحار } المصلين صلاة الصبح . قيل : نزلت في المهاجرين والأنصار .

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

{ شهد الله } بين وأظهر بما نصب من الأدلة على توحيده { أنه لا إله إلا هو والملائكة } أي : وشهدت الملائكة ، بمعنى : أقرت بتوحيد الله { وأولو العلم } هم الأنبياء والعلماء من مؤمني أهل الكتاب والمسلمين { قائما بالقسط } أي : قائما بالعدل ، يجري التدبير على الاستقامة في جميع الأمور .

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

{ إن الدين عند الله الإسلام } افتخر المشركون بأديانهم ، فقال كل فريق : لا دين إلا ديننا ، وهو دين الله ، فنزلت هذه الآية وكذبهم الله تعالى فقال : { إن الدين عند الله الإسلام } الذي جاء به محمد عليه السلام { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } أي : اليهود ، لم يختلفوا في صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا يجدونه في كتابهم { إلا من بعد ما جاءهم العلم } يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ، سمي علما لأنه كان معلوما عندهم بنعته وصفته قبل بعثه ، فلما جاءهم اختلفوا فيه ، فآمن به بعضهم وكفر الآخرون { بغيا بينهم } طلبا للرياسة وحسدا له على النبوة { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } أي : المجازاة له على كفره .

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

{ فإن حاجوك } أي : جادلوك { فقل أسلمت وجهي لله } أي : أخلصت عملي لله وانقدت له { ومن اتبعني } يعني : المهاجرين والأنصار { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين } يعني : العرب { أأسلمتم } استفهام معناه الأمر ، أي : أسلموا ، وقوله : { عليك البلاغ } أي : التبليغ وليس عليك هداهم { والله بصير بالعباد } أي : بمن آمن بك وصدقك ، ومن كفر بك وكذبك ، وكان هذا قبل أن أمر بالقتال .

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

{ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق } قد مضى تفسيره في سورة البقرة ، وقوله : { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } قال < رسول الله صلى الله عليه وسلم : قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم ، فهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية . > وهؤلاء الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتولونهم ، فهم داخلون في جملتهم .

أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

{أولئك الذين حبطت أعمالهم } بطلت أعمالهم التي يدعونها من التمسك بالتوراة ، وإقامة شرع موسى عليه السلام { في الدنيا } لأنها لم تحقن دماءهم وأموالهم { و } في { الآخرة } لأنهم لم يستحقوا بها ثوابا .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ

{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } يعني : اليهود { يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم } وذلك أنهم أنكروا آية الرجم من التوراة ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد المحصنين إذا زنيا ، فحكم بالرجم فقالوا : جرت يا محمد ، فقال : بيني وبينكم التوراة ، ثم أتوا بابن صوريا الأعور فقرأ التوراة ، فلما أتى على آية الرجم سترها بكفه ، فقام ابن سلام فرفع كفه عنها ، وقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود ، فغضب اليهود لذلك غضبا شديدا وانصرفوا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . { ثم يتولى فريق منهم } يعني : العلماء والرؤساء { وهم معرضون } .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

{ ذلك } أي : ذلك الإعراض عن حكمك بسبب اغترارهم حيث قالوا : { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } افتراؤهم ، وهو قوله : { لن تمسنا النار } وقد مضى هذا في سورة البقرة .

فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

{ فكيف إذا جمعناهم } أي : فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم { ل } جزاء { يوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس } جزاء { ما كسبت وهم لا يظلمون } بنقصان حسناتهم أو زيادة سيئاتهم .

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{ قل اللهم مالك الملك } لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات ، ( الفارس والروم أعز وأمنع من أن يغلب على بلادهم ) ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقوله : { تؤتي الملك من تشاء } محمدا وأصحابه { وتنزع الملك ممن تشاء } أبي جهل وصناديد قريش { وتعز من تشاء } المهاجرين والأنصار { وتذل من تشاء } أبا جهل وأصحابه حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب { بيدك الخير } أي : عز الدنيا والآخرة ، وأراد : الخير والشر ، فاكتفى بذكر الخير ، لأن الرغبة إليه في فعل الخير بالعبد دون الشر .

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ

{ تولج الليل في النهار } تدخل الليل في النهار ، أي : تجعل ما نقص من أحدهما زيادة في الآخر { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } تخرج الحيوان من النطفة ، وتخرج النطفة من الحيوان ، وتخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن { وترزق من تشاء بغير حساب } بغير تقتير وتضييق .

لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ

{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } أي : أنصارا وأعوانا من غير المؤمنين وسواهم . نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يباطنون اليهود ، (أي : يألفونهم) ويوالونهم . { ومن يفعل ذلك } الاتخاذ { فليس من الله في شيء } أي : من دين الله ، أي : قد برئ من الله وفارق دينه ، ثم استثنى فقال : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } أي : تقية هذا في المؤمن إذا كان في قوم كفار ، وخافهم على ماله ونفسه ، فله أن يخالفهم ويداريهم باللسان ، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه . قال ابن عباس : يريد مدارة ظاهرة { ويحذركم الله نفسه } أي : يخوفكم الله على موالاة الكفار عذاب نفسه ،( يريد : عذابه ، وخصصه بنفسه تعظيما له) . فلما نهى عن ذلك خوف وحذر عن إبطان موالاتهم ، فقال :

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{ قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه } من ضمائركم في موالاتهم وتركها { يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض } إتمام للتحذير ، لأنه إذا كان لا يخفى عليه شيء فيهما ، فكيف يخفى عليه الضمير ؟ { والله على كل شيء قدير } تحذير من عقاب من لا يعجزه شيء .

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

{ يوم تجد كل نفس } أي : ويحذركم الله عذاب نفسه يوم تجد ، أي : ذلك اليوم ، وقوله : { ما عملت من خير محضرا } أي : جزاء ما عملت بما ترى من الثواب { وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } غاية بعيدة كما بين المشرق والمغرب .

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

{ قل } أي : للكفار { إن كنتم تحبون الله } . < وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم يسجدون للأصنام ، فقال : يا معشر قريش ، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم ، فقالت قريش : إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله > ، فأنزل الله تعالى : { قل } يا محمد { إن كنتم تحبون الله } وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه { فاتبعوني يحببكم الله } فأنا رسوله إليكم ، وحجته عليكم ، ومعنى محبة العبد لله سبحانه إرادته طاعته وإيثاره أمره ، ومعنى محبة الله العبد إرادته لثوابه وعفوه عنه وإنعامه عليه .

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ

{ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا } عن الطاعة { فإن الله لا يحب الكافرين } لا يغفر لهم ولا يثني عليهم .

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ

{ إن الله اصطفى آدم } بالنبوة والرسالة { ونوحا وآل إبراهيم } يعني : إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط { وآل عمران } موسى وهارون { على العالمين } على عالمي زمانهم .

ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

{ ذرية } أي : اصطفى ذرية { بعضها من بعض } أي : من ولد بعض ، لأن الجميع ذرية آدم ، ثم ذرية نوح { والله سميع } لما تقوله الذرية المصطفاة { عليم } بما تضمره ، فلذلك فضلها على غيرها .

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

{ إذ قالت امرأة عمران } وهي حنة أم مريم : { إني نذرت لك ما في بطني } أي : أوجبت على نفسي أن أجعل ما في بطني { محررا } عتيقا خالصا لله ، خادما للكنيسة ، مفرغا للعبادة ولخدمة الكنيسة ، وكان على أولادهم فرضا أن يطيعوهم في نذرهم ، فتصدقت بولدها على بيت المقدس .

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } اعتذرت مما فعلت من النذر لما ولدت أنثى { وليس الذكر كالأنثى } في خدمة الكنيسة لما يلحقها من الحيض والنفاس { وإني أعيذها بك } أي : أمنعها وأجيرها { من الشيطان الرجيم } الملعون المطرود .

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ

{ فتقبلها ربها بقبول حسن } أي : رضيها مكان المحرر الذي نذرته { وأنبتها نباتا حسنا } في صلاح وعفة ومعرفة بالله وطاعة له { وكفلها زكريا } ضمن القيام بأمرها ، فبنى لها محرابا في المسجد لا يرتقى إليه إلا بسلم ، والمحراب : الغرفة ، وهو قوله : { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا } أي : فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء تأتيها به الملائكة من الجنة ، فلما رأى زكريا ما أوتيت مريم من( فاكهةالصيف في الشتاء وفاكهةالشتاء في الصيف ) على خلاف مجرى العادة طمع في رزق الولد من العاقر على خلاف العادة ، وذلك قوله :

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ

{ هنالك } أي : عند ذلك { دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك } أي : من عندك { ذرية طيبة } أي : نسلا مباركا تقيا ، فأجاب الله دعوته وبعث إليه الملائكة مبشرين ، وهو قوله :

فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ

{ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله } أي : مصدقا بعيسى أنه روح الله وكلمته ، وسمي عيسى كلمة الله ، لأنه حدث عند قوله : { كن } فوقع عليه اسم الكلمة ، لأنه بها كان { وسيدا } وكريما على ربه { وحصورا } وهو الذي لا يأتي النساء ولا أرب له فيهن .

قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ

{ قال } زكريا لما بشر بالولد : { رب أنى يكون لي غلام } أي : على أي حال يكون ذلك ؟ أتردني إلى حال الشباب وامرأتي أم مع حال الكبر ؟ { وقد بلغني الكبر } أي : بلغته ، لأنه كان ذلك اليوم ابن عشرين ومائة سنة { وامرأتي عاقر } لا تلد ، وكانت بنت ثمان وتسعين سنة . قيل له : { كذلك } أي : مثل ذلك من الأمر ، وهو هبة الولد على الكبر يفعل الله ما يشاء ، فسبحان من لا يعجزه شيء ، فلما بشر بالولد سأل الله علامة يعرف بها وقت حمل امرأته وذلك قوله.

قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ

{ قال رب اجعل لي آية } فقال الله تعالى : { آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام } جعل الله تعالى علامة حمل امرأته أن يمسك لسانه فلا يقدر أن يكلم الناس ثلاثة أيام { إلا رمزا } أي : إيماء بالشفتين والحاجبين والعينين ، وكان مع ذلك يقدر على التسبيح وذكر الله ، وهو قوله : { واذكر ربك كثيرا وسبح } أي : وصل { بالعشي } وهو آخر النهار { والإبكار } ما بين طلوع الفجر إلى الضحى .

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

{ وإذ قالت الملائكة } أي : جبريل عليه السلام وحده : { يا مريم إن الله اصطفاك } أي : بما لطف لك حتى انقطعت إلى طاعته { وطهرك } من ملامسة الرجال والحيض { واصطفاك على نساء العالمين } على عالمي زمانك .

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

{ يا مريم اقنتي لربك } قومي للصلاة بين يدي ربك ، فقامت حتى سالت قدماها قيحا { واسجدي واركعي } أي : ائتي بالركوع والسجود ، والواو لا تقتضي الترتيب { مع الراكعين } أي : افعلي كفعلهم ، وقال : { مع الراكعين } ولم يقل : مع الراكعات ، لأنه أعم .

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ

{ ذلك } أي : ما قصصنا عليك من حديث زكريا ومريم { من أنباء الغيب } أي : من أخباره { نوحيه إليك } أي : نلقيه { وما كنت لديهم } فتعرف ذلك { إذ يلقون أقلامهم } وذلك أن حنة لما ولدت مريم أتت بها سدنة بيت المقدس ، وقالت لهم : دونكم هذه النذيرة ، فتنافس فيها الأحبار حتى اقترعوا عليها ، فخرجت القرعة لزكريا ، فذلك قوله : { إذ يلقون أقلامهم } أي : قداحهم التي كانوا يقترعون بها لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم .

إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

{ إذ قالت الملائكة } يعني : جبريل عليه السلام : { يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } يعني : عيسى عليه السلام ، لأنه في ابتداء أمره كان كلمة من الله ، وكون بكلمة منه ، أي : من الله { اسمه المسيح } وهو معرب من مشيحا بالسريانية ، لقب لعيسى ثم فسر وبين من هو فقال : { عيسى ابن مريم وجيها } أي : ذا جاه وشرف وقدر { في الدنيا والآخرة ومن المقربين } إلى ثواب الله وكرامته .

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ

{ ويكلم الناس في المهد } صغيرا { وكهلا } أي : يتكلم بالنبوة كهلا . وقيل : بعد نزوله من السماء { ومن الصالحين } يريد : مثل موسى ويعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام .

قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

{ قالت } مريم متعجبة : { أنى يكون لي ولد } من غير مسيس بشر ؟ { قال كذلك الله يخلق ما يشاء } مثل ذلك من الأمر ، وهو خلق الولد من غير مسيس بشر ، أي : الأمر كما تقولين ، ولكن الله { إذا قضى أمرا } ذكر في سورة البقرة ( إلى آخرها ) .

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

{ ويعلمه الكتاب } أراد : الكتابة والخط .

وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِ

وقوله : { ورسولا إلى بني إسرائيل } أي : ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل { أني } أي : بأني { قد جئتكم بآية من ربكم } وهو { أني أخلق } أي :أقدر وأصور { كهيئة الطير } كصورته { وأبرئ الأكمه } وهو الذي ولد أعمى { والأبرص } أي : الذي به وضح أي : بياض { وأنبئكم بما تأكلون } في غدوكم { وما } كم { تدخرون } لباقي يومكم .

وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

{ ومصدقا } أي : وجئتكم مصدقا { لما بين يدي } أي : الكتاب الذي أنزل من قبلي { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } أحل لهم على لسان المسيح لحوم الإبل ، والثروب ، وأشياء من الطير ، والحيتان مما كان محرما في شريعة موسى عليه السلام { وجئتكم بآية من ربكم } أي : ما كان معه من المعجزات الدالة على رسالته ، ووحد لأنها كلها جنس واحد في الدلالة .

إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

قال تعالى{إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}.

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

{ فلما أحس عيسى } علم ورأى { منهم الكفر } وذلك أنهم أرادوا قتله حين دعاهم إلى الله تعالى ، فاستنصر عليهم و { قال من أنصاري إلى الله } أي : مع الله ، وفي ذات الله { قال الحواريون } وكانوا قصارين يحورون الثياب ، أي : يبيضونها ، آمنوا بعيسى واتبعوه : { نحن أنصار الله } أنصار دينه { آمنا بالله واشهد } يا عيسى { بأنا مسلمون } . وقوله :

رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

{ فاكتبنا مع الشاهدين } مع الذين شهدوا للأنبياء بالصدق ، والمعنى : أثبت أسماءنا مع أسمائهم ، لنفوز بمثل ما فازوا .

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

{ ومكروا } سعوا في قتله بالمكر { ومكر الله } جازاهم على مكرهم بإلقاء شبه عيسى على من دل عليه حتى أحذ وصلب { والله خير الماكرين } أفضل المجازين بالسيئة العقوبة ، لأنه لا أحد أقدر على ذلك منه .

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُم

{ إذ قال الله يا عيسى } والمعنى : ومكر الله إذ قال الله يا عيسى : { إني متوفيك } أي : قابضك من غير موت وافيا تاما ، أي : لم ينالوا منك شيئا { ورافعك إلي } أي : إلى سمائي ومحل كرامتي ، فجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم ، كقوله : { إني ذاهب إلى ربي } وإنما ذهب إلى الشام ، والمعنى : إلى أمر ربي { ومطهرك من الذين كفروا } أي : مخرجك من بينهم { وجاعل الذين اتبعوك } وهم أهل الإسلام من هذه الأمة . اتبعوا دين المسيح وصدقوه بأنه رسول الله ، فوالله ما اتبعه من دعاه ربا { فوق الذين كفروا } بالبرهان والحجة والعز والغلبة .

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

قال تعالى{فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين}.

وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

قال تعالى{وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين}.

ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ

{ ذلك } أي : ما تقدم من النبأ عن عيسى ومريم عليهما السلام { نتلوه عليك } نخبرك به { من الآيات } أي : العلامات الدالة على رسالتك ، لأنها أخبار من أمور لم يشاهدها ولم يقرأها من كتاب { والذكر الحكيم } أي : القرآن المحكم من الباطل .وقيل : الحكيم : الحاكم ، بمعنى المانع من الكفر والفساد .

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

{ إن مثل عيسى } الآية . نزلت في وفد نجران حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ولدا من غير ذكر ؟ فاحتج الله تعالى عليهم بآدم عليه السلام ، أي : إن قياس خلق عيسى عليه السلام من غير ذكر كقياس خلق آدم عليه السلام ، بل الشأن فيه عجب ، لأنه خلق من غير ذكر ولا أنثى ، وقوله : { عند الله } أي : في الإنشاء والخلق ، وتم الكلام عند قوله : { كمثل آدم } ثم استأنف خبرا آخر من قصة آدم عليه السلام ، فقال : { خلقه من تراب } أي : قالبا من تراب { ثم قال له كن } بشرا { فيكون } بمعنى فكان .

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

{ الحق من ربك } أي : الذي أنبأتك من خبر عيسى الحق من ربك { فلا تكن من الممترين } أي : من الشاكين ز الخطاب للنبي عليه السلام ، والمراد به نهي غيره عن الشك .

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ

{ فمن حاجك } خاصمك { فيه } في عيسى { من بعد ما جاءك من العلم } بأن عيسى عبد الله ورسوله { فقل تعالوا } هلموا { ندع أبناءنا وأبناءكم } لما احتج الله تعالى على النصارى من طريق القياس بقوله : { إن مثل عيسى عند الله } الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم من طريق الإعجاز ، فلما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران إلى المباهلة ، وهي الدعاء على الظالم من الفريقين ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وعلي وفاطمة عليهم السلام وهو يقول لهم : إذا أنا دعوت فأمنوا ، فذلك قوله : { ندع أبناءنا } الآية . وقوله : { وأنفسنا وأنفسكم } يعني : بني العم { ثم نبتهل } نتضرع في الدعاء .وقيل : ندعو بالبهلة ، وهي اللعنة ، فندعو الله باللعنة على الكاذبين ، فلم تجبه النصارى إلى المباهلة خوفا من اللعنة ، وقبلوا الجزية .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

{ إن هذا } الذي أوحيناه إليك { لهو القصص الحق } الخبر الصدق .

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ

{ فإن تولوا } أعرضوا عما أتيت به من البيان { فإن الله } يعلم من يفسد من خلقه فيجازيه على ذلك .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا م

{ قل يا أهل الكتاب } يعني : يهود المدينة ، ونصارى نجران ، { تعالوا إلى كلمة سواء } معنى الكلمة : كلام فيه شرح قصة { سواء } عدل { بيننا وبينكم } ثم فسر الكلمة فقال : { أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } أي : لا نعبد معه غيره { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } كما اتخذت النصارى عيسى ، وبنو إسرائيل عزيزا . وقيل : لا نطيع أحدا في معصية الله ، كما قال الله في صفتهم لما أطاعوا في معصيته علماءهم : { اتخذوا أحبارهم } الآية . { فإن تولوا } أعرضوا عن الإجابة { فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } مقرون بالتوحيد .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

{ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } . نزلت لما تنازعت اليهود والنصارى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبراهيم عليه السلام ، فقالت اليهود : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إلا نصرانيا ، وقوله : { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } أي : إن اليهودية والنصرانية حدثتا بعد نزول الكتابين ، وإنما نزلا بعد موته بزمان طويل . { أفلا تعقلون } فساد هذه الدعوى .

هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

{ ها أنتم } أي : أنتم { هؤلاء } أي : يا هؤلاء { حاججتم } جادلتم وخاصمتم { فيما لكم به علم } يعني : ما وجدوه في كتبهم وأنزل عليهم بيانه وقصته { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } من شأن إبراهيم عليه السلام ، وليس في كتابكم أنه كان يهوديا أو نصرانيا { والله يعلم } شأن إبراهيم { وأنتم لا تعلمون } ثم بين حاله فقال :

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

{ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما } الآية ، ثم جعل المسلمين أحق الناس به ، فقال :

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ

{ إن أولى الناس بإبراهيم } أي : أقربهم إليه وأحقهم به { للذين اتبعوه } على دينه وملته { وهذا النبي } محمد صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا } أي : فهم الذين ينبغي أن يقولوا : إنا على دين إبراهيم عليه السلام .

وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ

{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } أراد اليهود أن يستزلوا المسلمين عن دينهم ويردوهم إلى الكفر ، فنزلت هذه الآية . { وما يضلون إلا أنفسهم } لأن المؤمنين لا يقبلون قولهم ، فيحصل الإثم عليهم بتمنيهم إضلال المؤمنين { وما يشعرون } أن هذا يضرهم ولا يضر المؤمنين .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ

{ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله } أي : القرآن { وأنتم تشهدون } بما يدل على صحته من كتابكم ، لأن فيه نعت محمد عليه السلام وذكره .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

{ يا أهل الكتاب لم تلبسون } ذكر في سورة البقرة .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

{ وقالت طائفة من أهل الكتاب } أي : وذلك أن جماعة من اليهود قال بعضهم لعبض : أظهروا الإيمان بمحمد والقرآن في أول النهار ، وارجعوا عنه في آخر النهار ، فإنه أحرى أن ينقلب أصحابه عن دينه ويشكوا إذا قلتم : نظرنا في كتابكم فوجدنا محمدا ليس بذاك ، فأطلع الله نبيه عليه السلام على سر اليهود ومكرهم بهذه الآية .

وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

{ ولا تؤمنوا } هذا حكاية من كلام اليهود بعضهم لبعض . قالوا : لا تصدقوا ولا تقروا بـ{ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } من العلم والحكمة ، والكتاب ، والحجة ، والمن والسلوى ، والفضائل والكرامات { إلا لمن تبع دينكم } اليهودية وقام بشرائعه ، وقوله : { قل إن الهدى هدى الله } اعتراض بين المفعول وفعله ، وهو من كلام الله تعالى ، وليس من كلام اليهود ، ومعناه : إن الدين دين الله ، وقوله : { أو يحاجوكم } عطف على قوله : { أن يؤتى } والمعنى : ولا تؤمنوا بأن يحاجوكم عند ربكم ، لأنكم أصح دينا منهم ، فلا يكون لهم الحجة عليكم ، فقال الله تعالى : { قل إن الفضل بيد الله } أي : ما تفضل الله به عليك وعلى أمتك .

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

{ يختص برحمته } بدينه الإسلام { من يشاء والله ذو الفضل } على أوليائه { العظيم } لأنه لا شيء أعظم عند الله من الإسلام ، ثم أخبر عن اختلاف أحوالهم في الأمانة والخيانة بقوله :

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَق

{ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } يعني : عبد الله بن سلام ، أودع ألفا ومائتي أوقية من ذهب ، فأدى الأمانة فيه إلى من ائتمنه { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } يعني : فنحاص بن عازوراء ، أودع دينارا فخانه { إلا ما دمت عليه قائما } على رأسه بالإجتماع معه ، فإن أنظرته وأخرته أنكر . { ذلك } أي : الاستحلال والخيانة { بأنهم } يقولون : { ليس علينا } فيما أصبنا من أموال العرب شيء ، لأنهم مشركون ، فالأميون في هذه الآية العرب كلهم ، ثم كذبهم الله تعالى في هذا ، فقال { ويقولون على الله الكذب } لأنهم ادعوا أن ذلك في كتابهم وكذبوا ، فإن الأمانة مؤداة في كل شريعة { وهم يعلمون } أنهم يكذبون ، ثم رد عليهم قولهم : { ليس علينا في الأميين سبيل } بقوله :

بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

{ بلى } أي : بلى عليهم سبيل ( في ذلك ) ، ثم ابتدأ فقال : { من أوفى بعهده } أي : بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد عليه السلام والقرآن ، وأدى الأمانة ، واتقى الكفر والخيانة ، ونقض العهد { فإن الله يحب المتقين } أي : من كان بهذه الصفة .

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

{ إن الذين يشترون بعهد الله } نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ضيعة ، فهم المدعى عليه أن يحلف ، فنزلت هذه الآية فنكل ( المدعى عليه ) عن اليمين وأقر بالحق ، ومعنى { يشترون } يستبدلون ، { بعهد الله } بوصيته للمؤمنين أن لا يحلفوا كاذبين باسمه { وأيمانهم } جميع اليمين، وهو الحلف { ثمنا قليلا } من الدنيا { أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } أي : لا نصيب لهم فيها { ولا يكلمهم الله } بكلام يسرهم { ولا ينظر إليهم } بالرحمة .وأكثر المفسرين على أن الآية نزلت في اليهود ، وكتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانهم الذي بدلوه من صفة محمد عليه السلام هو الحق في التوراة ، والدليل على صحة هذا قوله :

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

{ وإن منهم } أي : من اليهود { لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } يحرفونه بالتغيير والتبديل ، والمعنى : يلوون ألسنتهم عن سنن الصواب بما يأتونه به من عند أنفسهم { لتحسبوه } أي : لتحسبوا ما لووا ألسنتهم به { من الكتاب } .

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ

{ ما كان لبشر } الآية . لما ادعت اليهود أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ، وكذبهم الله تعالى غضبوا وقالوا : ما يرضيك منا يا محمد إلا أن نتخذك ربا ، < فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معاذ الله أن نأمر بعبادة غير الله > ، ونزلت هذه الآية . { ما كان لبشر } أن يجمع بين هذين : بين النبوة وبين دعاء الخلق إلى عبادة غير الله { ولكن } يقول : { كونوا ربانيين } الآية أي : يقول : كونوا معلمي الناس بعلمكم ودرسكم ، علموا الناس وبينوا لهم ، وكذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود ، لأنهم كانوا أهل كتاب يعلمون ما لا تعلمه العرب .

وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

{ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } كما فعلت النصارى والصابئون { أيأمركم بالكفر } استفهام معناه الإنكار ، أي : لا يفعل ذلك { بعد إذ أنتم مسلمون } بعد إسلامكم .

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَال

{ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب } ما ها هنا للشرط ، والمعنى : لئن آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة ، ومهما آتيتكم { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به } ويريد بميثاق النبيين عهدهم ليشهدوا لمحمد عليه السلام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم } يريد محمدا { لتؤمنن به ولتنصرنه } أي : إن أدركتموه ولم يبعث الله بينا إلا أخذ عليه العهد في محمد عليه السلام ، وأمره بأن يأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ، ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه ، وهذا احتجاج على اليهود ، قوله : { أأقررتم } أي : قال الله للنبيين : أقررتم بالإيمان به والنصرة له { وأخذتم على ذلكم إصري } أي : قبلتم عهدي ؟ { قالوا أقررنا قال فاشهدوا } أي : على أنفسكم وعلى أتباعكم { وأنا معكم من الشاهدين } عليكم وعليهم .

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

{ فمن تولى } أعرض من { بعد ذلك } بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي صلى الله عليه وسلم { فأولئك هم الفاسقون } الخارجون عن الإيمان .

أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ

{ أفغير دين الله يبغون } بعد أخذ الميثاق عليهم بالتصديق بمحمد عليه السلام { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا } الملائكة والمسلون { وكرها } الكفار في وقت البأس { وإليه يرجعون } وعيد لهم ، أي : أيبغون غير دين الله مع أن مرجعهم إليه ؟

قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِ

{ قل آمنا بالله } أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول : آمنا بالله وبجميع الرسل من غير تفريق بينهم في الإيمان كما فعلت اليهود والنصارى ، ونظير هذه الآية قد مضى في سورة البقرة .

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

قال تعالى{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

{ كيف يهدي الله } هذا استفهام معنا الإنكار ، أي : لا يهدي الله { قوما كفروا بعد إيمانهم } أي : اليهود كانوا مؤمنين بمحمد عليه السلام قبل مبعثه ، فلما بعث كفروا به ، وقوله : { وشهدوا } أي : وبعد أن شهدوا { أن الرسول حق وجاءهم البينات } ما بين في التوراة { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي : لا يرشد من نقض عهود الله بظلم نفسه .

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

{ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله } مثل هذه الآية ذكر في سورة البقرة .

خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ

قال تعالى{ خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}.

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك } أي : راجعوا الإيمان بالله وتصديق نبيه { وأصلحوا } أعمالهم .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ

{ إن الذين كفروا بعد إيمانهم } وهم اليهود { ثم ازدادوا كفرا } بالإقامة على كفرهم { لن تقبل توبتهم } لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت ، وتلك التوبة لا تقبل .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا } وهو القدر الذي يملؤها . يقول : لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه .

لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ

{ لن تنالوا البر } التقوى . وقيل : أي : الجنة { حتى تنفقوا مما تحبون } أي : تخرجوا زكاة أموالكم .

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل } أي : حلالا { إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } وذلك أن يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا ، فنذر لئن عافاه الله تعالى ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام والشراب إليه لحمان الإبل وألبانها ، فلما ادعى النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم دين إبراهيم عليه السلام قالت اليهود : كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها ؟ فقال النبي عليه السلام : كان ذلك حلالا لإبراهيم عليه السلام ، فادعت اليهود أن ذلك كان حراما عليه ، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم ، وبين أن ابتداء هذا التحريم لم يكن في التوراة ، إنما كان قبل نزولها ، وهو قوله : { من قبل أن تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة } الآية .

فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

{ فمن افترى على الله الكذب } أي : بإضافة هذا التحريم إلى الله عز وجل على إبراهيم في التوراة { من بعد ذلك } من بعد ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب عليه السلام { فأولئك هم الظالمون } أنفسهم .

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

{ قل صدق الله } في هذا وفي جميع ما أخبر به .

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ

{ إن أول بيت وضع للناس } يحج إليه { للذي ببكة } مكة { مباركا } كثير الخير ، بأن جعل فيه وعنده البركة { وهدى } وذا هدى { للعالمين } لأنه قبلة صلاتهم ، ودلالة على الله بما جعل عنده من الآيات .

فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ

{ فيه آيات بينات } أي : المشاعر والمناسك كلها ، ثم ذكر بعضها فقال : { مقام إبراهيم } أي : منها مقام إبراهيم { ومن دخله كان آمنا } أي : من حجه فدخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك . وقيل : من النار { ولله على الناس حج البيت } عمم الإيجاب ثم خص ، وأبدل من الناس فقال { من استطاع إليه سبيلا } يعني : من قوي في نفسه ، فلا تلحقه المشقة في الكون على الراحة ، فمن كان بهذه الصفة وملك الزاد والراحلة وجب عليه الحج { ومن كفر } جحد فرض الحج { فإن الله غني عن العالمين } .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ

قال تعالى {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون}.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

{ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن } كان صدهم عن سبيل الله بالتكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن صفته ليست في كتابهم { تبغونها عوجا } تطلبون لها عوجا بالشبه التي تلبسونها على سفلتكم { وأنتم شهداء } بما في التوراة أن دين الله الإسلام .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ

{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا } الآية . نزلت في الأوس والخزرج حين أغرى قوم من اليهود بينهم ليفتنوهم عن دينهم ، ثم خاطبهم فقال :

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

{ وكيف تكفرون } أي : على أي حال يقع منكم الكفر وآيات الله التي تدل على توحيده تتلى عليكم { وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله } يؤمن بالله .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } وهو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا بكفر ، فلما نزل هذا قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ومن يقوى على هذا ؟ وشق عليهم ، فأنزل الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخت الأولى { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أي : كونوا على الإسلام حتى إذا أتاكم الموت صادفكم عليه ، وهو في الحقيقة نهي عن ترك الإسلام .

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْ

{ واعتصموا بحبل الله جميعا } أي : تمسكوا بدين الله ، والخطاب للأوس والخزرج { ولا تفرقوا } كما كنتم في الجاهلية مقتتلين على غير دين الله { واذكروا نعمة الله عليكم } بالإسلام { إذ كنتم أعداء } يعني : ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام ، فزالت تلك الأحقاد ، وصاروا إخوانا متوادين ، فذلك قوله : { فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار } أي : طرف حفرة من النار لو متم على ما كنتم عليه { فأنقذكم } فنجاكم { منها } بالإسلام وبمحمد عليه السلام { كذلك } أي : مثل هذا البيان الذي تلي عليكم { يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } .

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

{ ولتكن منكم أمة } الآية . أي : وليكن كلكم كذلك ، ودخلت من لتخصيص المخاطبين من غيرهم .

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا } أي : اليهود والنصارى { واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } أي : إن اليهود اختلفوا بعد موسى ، فصاروا فرقا ، وكذلك النصارى .

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

{ يوم تبيض وجوه } أي : وجوه المهاجرين والأنصار ومن آمن بمحمد عليه السلام ، { وتسود وجوه } اليهود والنصارى ومن كفر به . { فأما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم : { أكفرتم بعد إيمانكم } لأنهم شهدوا لمحمد عليه السلام بالنبوة ، فلما قدم عليهم كذبوه وكفروا به .

وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

{ وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله } أي : جنته .

تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ

{ تلك آيات الله } أي : القرآن { نتلوها عليك } نبينها { بالحق } بالصدق { وما الله يريد ظلما للعالمين } فيعاقبهم بلا جرم .

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

قال تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور}.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ

{ كنتم خير أمة } عند الله في اللوح المحفوظ . يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم { أخرجت للناس } أظهرت لهم ، وما أخرج الله تعالى للناس أمة خيرا من أمة محمد عليه السلام ، ثم مدحهم بما فيهم من الخصال فقال : { تأمرون بالمعروف } الآية .

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ

{ لن يضروكم } أي : اليهود { إلا أذى } إلا ضررا يسيرا باللسان ، مثل الوعيد والبهت { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار } منهزمين . وعد الله نبيه والمؤمنين النصرة على اليهود ، فصدق وعده فلم يقاتل يهود المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انهزموا .

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء

{ ضربت عليهم الذلة } ذكرناه { أينما ثقفوا } وجدوا وصودفوا { إلا بحبل من الله } أي : لكن قد يعتصمون بالعهد ( إذا أعطوه ، والمعنى : أنهم أذلاء في كل مكان إلا أنهم يعتصمون بالعهد ) ، والمراد { بحبل من الله وحبل من الناس } العهد والذمة والأمان الذي يأخذونه من المؤمنين بإذن الله ، وباقي الآية ذكر في سورة البقرة ، ثم أخبر أنهم غير متساوين في دينهم فقال :

لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ

{ ليسوا سواء } وأخبر أن منهم المؤمنين فقال : { من أهل الكتاب أمة قائمة } أي : على الحق { يتلون } يقرؤون { آيات الله } كتاب الله { آناء الليل } ساعاته . يعني : عبد الله بن سلام ومن آمن معه من أهل الكتاب { وهم يسجدون } أي : يصلون .

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ

قال تعالى {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ

{ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } لن تجحدوا جزاءه .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

{ إن الذين كفروا } الآية . سبقت في أول هذه السورة .

مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

{ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا } يعني : نفقة سفلة اليهود على علمائهم { كمثل ريح فيها صر } برد شديد { أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعصية . أعلم الله تعالى أن ضرر نفقتهم عليهم كضرر هذه الريح على هذا الزرع { وما ظلمهم الله } لأن كل ما فعله بخلقه فهو عدل منه { ولكن أنفسهم يظلمون } بالكفر والعصيان ، ثم نهى المؤمنين عن مباطنتهم فقال :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِل

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة } أي : دخلا وخواص { من دونكم } من غير أهل ملتكم { لا يألونكم خبالا } أي : لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادكم { ودوا ما عنتم } تمنوا ضلالكم عن دينكم { قد بدت البغضاء } أي : ظهرت العداوة { من أفواههم } بالشتيمة والوقيعة في المسلمين { وما تخفي صدورهم } من العداوة والخيانة { أكبر قد بينا لكم الآيات } أي : علامات اليهود في عداوتهم { إن كنتم تعقلون } موقع نفع البيان .

هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُو

{ ها أنتم } ها تنبيه دخل على أنتم { أولاء } بمعنى : الذين . كأنه قيل : الذين { تحبونهم ولا يحبونكم } أي : تريدون لهم الإسلام ، وهم يريدونكم على الكفر { وتؤمنون بالكتاب كله } أي : بالكتب ، وهو اسم جنس { وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل } أي : أطراف الأصابع { من الغيظ } التقدير : عضوا الأنامل من الغيظ عليكم ، وذلك لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم { قل موتوا بغيظكم } أمر الله تعالى نبيه أن يدعو عليهم بدوام غيظهم إلى أن يموتوا { إن الله عليم بذات الصدور } بما فيها من خير وشر .

إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

{ إن تمسسكم حسنة } نصر وغنيمة { تسؤهم } تحزنهم { وإن تصبكم سيئة } ضد ذلك ، وهو كسر وهزيمة { يفرحوا بها وإن تصبروا } على ما تسمعون من آذاهم { وتتقوا } مقاربتهم ومخالطتهم { لا يضركم كيدهم } عداوتهم { شيئا إن الله بما يعملون محيط } عالم به فلن تعدموا جزاءه .

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

{ وإذ غدوت } يعني : يوم أحد { من أهلك } من منزل عائشة رضي الله عنها { تبوء } تهيئ للمؤمنين { مقاعد } مراكز ومثابت { للقتال والله سميع } لقولكم { عليم } بما في قلوبكم .

إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

{ إذ همت طائفتان منكم } بنو سلمة وبنو حارثة { أن تفشلا } أن تجبنا ، وذلك أن هؤلاء هموا بالانصراف عن الحرب ، فعصمهم الله { والله وليهما } ناصرهما وموال لهما { وعلى الله فليتوكل } فليعتمد في الكفاية { المؤمنون } .

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

{ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } بقلة العدد وقلة السلاح { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } أي : فاتقون فإنه شكر نعمتي .

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ

{ إذ تقول للمؤمنين } يوم بدر : { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } .

بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ

{ بلى } تصديق لوعد الله { إن تصبروا } على لقاء العدو { وتتقوا } معصية الله ومخالفة النبي عليه السلام ( { ويأتوكم من فورهم } قيل : من وجههم . وقيل : من غيظهم ) { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } معلمين ، وكانت الملائكة قد سومت يوم بدر بالصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها ، ثم صبر المؤمنون يوم بدر فأمدوا بخمسة آلاف من الملائكة .

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

{ وما جعله الله } أي : ذلك الإمداد { إلا بشرى } أي : بشارة لكم { ولتطمئن قلوبكم به } فلا تجزع من كثرة العدو { وما النصر إلا من عند الله } لأن من لم ينصره الله فهو مخذول وإن كثرت أنصاره .

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ

{ ليقطع طرفا } أي : نصركم ببدر ( ليقطع طرفا ، أي : ) ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر { أو يكبتهم } أي : يخزيهم ويذلهم . يعني : الذين انهزموا . قوله :

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ

{ ليس لك من الأمر شيء } الآية . لما كان يوم أحد من المشركين ما كان من كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وشجه ، فقال : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية يعلمه أن كثيرا منهم سيؤمنون ، والمعنى : ليس لك من الأمر في عذابهم أو استصلاحهم شيء ، حتى يقع إنابتهم أو تعذيبهم ، وهو قوله : { أو يتوب عليهم أو يعذبهم } فلما نفى الأمر عن نبيه عليه السلام ذكر أن جميع الأمر له ، فمن شاء عذبه ، ومن شاء غفر له ، وهو قوله :

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

{ ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء } أي : الذنب العظيم للموحدين { ويعذب من يشاء } يريد : المشركين على الذنب الصغير { والله غفور } لأوليائه { رحيم } بهم .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا } الآية .هو أنهم كانوا يزيدون على المال ويؤخرون الأجل ، كلما أخر أجل إلى غيره زيد في المال زيادة { لعلكم تفلحون } لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة .

وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

{ واتقوا النار } بتحريم الربا وترك الاستحلال له { التي أعدت للكافرين } دون المؤمنين .

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

قال تعالى {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}.

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } أي : الإسلام الذي يوجب المغفرة . وقيل : إلى التوبة . وقيل : إلى أداء الفرائض { وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت } لكل واحد من أولياء الله .

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

{ الذين ينفقون في السراء والضراء } في اليسر والعسر ، وكثرة المال وقلته { والكاظمين الغيظ } الكافين غضبهم عن إمضائه { والعافين عن الناس } أي : المماليك وعمن ظلمهم وأساء إليهم { والله يحب المحسنين } الموحدين الذين فيهم هذه الخصال .

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

{ والذين إذا فعلوا فاحشة } أي : الزنا . نزلت في نبهان التمار أتته امرأة حسناء تبتاع منه التمر ، فضمها إلى نفسه وقبلها ، ثم ندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية ، وقوله : { أو ظلموا أنفسهم } يعني : ما دون الزنا من قبلة أو لمسة ، أو نظر { ذكروا الله } أي : ذكروا عقاب الله { ولم يصروا } أي : لم يقيموا ولم يدوموا { على ما فعلوا } بل أقروا واستغفروا { وهم يعلمون } أن الذي أتوه حرام ومعصية .

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

قال تعالى {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

{ قد خلت من قبلكم سنن } قد مضت مني فيمن كان قبلكم من الأمم الكافرة سنن بإمهالي إياهم ، حتى يبلغوا الأجل الذي أجلته في إهلاكهم ، وبقيت لهم آثار في الدنيا فيها أعظم الاعتبار . { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة } آخر أمر { المكذبين } منهم . نزلت في قصة يوم أحد . يقول الله : فأنا أمهلهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلت في نصرة النبي عليه السلام وأوليائه ، وإهلاك أعدائه .

هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ

{ هذا بيان للناس } أي : القرآن بيان للناس عامة { وهدى وموعظة للمتقين } خاصة وهم الذين هداهم الله بفضله .

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

{ ولا تهنوا } ولا تضعفوا عن جهاد عدوكم بما نالكم من الهزيمة { ولا تحزنوا } أي : على ما فاتكم من الغنيمة { وأنتم الأعلون } أي : لكم تكون العاقبة بالنصر والظفر { إن كنتم مؤمنين } أي : إن الإيمان يوجب ما ذكر من ترك الوهن والحزن .

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

{ إن يمسسكم } يصبكم { قرح } جراح وألمها يوم أحد { فقد مس القوم } المشركين { قرح مثله } يوم بدر { وتلك الأيام } أي : أيام الدنيا { نداولها } نصرفها { بين الناس } مرة لفرقة ومرة عليها { وليعلم الله الذين آمنوا } مميزين بالإيمان عن غيرهم . أي : إنما نجعل الدولة للكفار على المؤمنين ليميز المؤمن المخلص ممن يرتد عن الدين إذا أصابته نكبة ، والمعنى : ليعلمهم مشاهدة كما علمهم غيبا { ويتخذ منكم شهداء } أي : ليكرم قوما بالشهادة { والله لا يحب الظالمين } أي : المشركين ، أي : إنه إنما يديل المشركين على المؤمنين لما ذكر ، لا لأنه يحبهم .

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ

{ وليمحص الله الذين آمنوا } أي : ليخلصهم من ذنوبهم بما يقع عليهم من قتل وجرح وذهاب مال { ويمحق الكافرين } يستأصلهم إذا أدال عليهم . يعني : أنه يديل على المؤمنين لما ذكر ، ويديل على الكافرين لإهلاكهم بذنوبهم .

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

{ أم حسبتم } بل أحسبتم ، أي : لا تحسبوا { أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله } الآية . أي : ولما يقع العلم بالجهاد مع العلم بصبر الصابرين ، والآية خطاب للذين انهزموا يوم أحد . قيل لهم : أحسبتم أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وثبتوا على ألم الجرح والضرب من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم ؟!

وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ

{ ولقد كنتم تمنون الموت } كانوا يتمنون يوما مع النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : لنفعلن ولنفعلن ، ثم انهزموا يوم أحد ، فاستحقوا العقاب ، وقوله : { من قبل أن تلقوه } أي : من قبل يوم أحد { فقد رأيتموه } رأيتم ما كنتم تتمنون من الموت ، أي : رأيتم أسبابه ولم تثبتوا مع نبيكم . نزلت في معاتبة الرسول إياهم ، فقالوا : بلغنا أنك قد قتلت لذلك انهزمنا . { وأنتم تنظرون } وأنتم بصراء تتأملون الحال في ذلك كيف هي ، فلم انهزمتم ؟

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

{ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } أي : يموت كما ماتت الرسل قبله { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ارتددتم كفارا بعد إيمانكم ، وذلك لما نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأشيع أنه قد قتل قال ناس من أهل النفاق للمؤمنين : إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا } أي : فإنما يضر نفسه باستحقاق العذاب { وسيجزي الله } بما يستحقون من الثواب { الشاكرين } الطائعين لله من المهاجرين والأنصار ، ثم عاتب المنهزمين بقوله :

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ

{ وما كان لنفس أن تموت } أي : ما كانت نفس لتموت { إلا بإذن الله } بقضائه وقدره ، كتب الله ذلك { كتابا مؤجلا } إلى أجله الذي قدر له ، فلم انهزمتم ؟ والهزيمة لا تزيد في الحياة . { ومن يرد } بعمله وطاعته { ثواب الدنيا } زينتها وزخرفها { نؤته منها } نعطه منها ما قدرناه له ، أي : لهؤلاء المنهزمين طلبا للغنيمة ، { ومن يرد ثواب الآخرة } يعني : الذين ثبتوا حتى قتلوا { نؤته منها } ثم احتج على المنهزمين بقوله :

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ

{ وكأين } أي : وكم { من نبي قاتل } في معركة { معه ربيون كثير } جماعات كثيرة { فما وهنوا لما أصابهم } أي : ما ضعفوا بعد قتل نبيهم ...الآية.

وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

{وما كان قولهم } أي : قول أصحاب ذلك النبي المقتول عند الحرب بعد قتل نبيهم { إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا } تجاوزنا ما حد لنا { في أمرنا وثبت أقدامنا } بالقوة من عندك والنصرة .

فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

{ فآتاهم الله ثواب الدنيا } النصر والظفر { وحسن ثواب الآخرة } الأجر والمغفرة .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ

{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا } أي : اليهود والمشركين حيث قالوا لكم يوم أحد : ارجعوا إلى دين آبائكم ، وهو قوله : { يردوكم على أعقابكم } يرجعونكم إلى أول أمركم من الشرك بالله .

بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ

{ بل الله مولاكم } أي : فاستغنوا عن موالاة الكفار ، فأنا ناصركم فلا تستنصروهم ، ولما انصرف المشركون من أحد هموا بالرجوع لاستئصال المسلمين ، وخاف المسلمون ذلك فوعدهم الله تعالى خذلان أعدائهم بقوله :

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ

{ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } الخوف حتى لا يرجعوا إليكم { بما أشركوا } أي : بإشراكهم بالله { ما لم ينزل به سلطانا } حجة وبرهانا ، أي : الأصنام التي يعبدونها مع الله بغير حجة { ومأواهم النار } أي : مرجعهم النار { وبئس مثوى الظالمين } مقامهم .

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَ

{ ولقد صدقكم الله وعده } بالنصر والظفر { إذ تحسونهم } تقتلون المشركين يوم أحد في أول الأمر { بإذنه } بعلم الله وإرادته { حتى إذا فشلتم } جبنتم عن عدوكم { وتنازعتم } اختلفتم في الأمر. يعني : قول بعضهم : ما مقامنا وقد انهزم القوم الكافرون ، وقول بعضهم : لا نجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الاختلاف كان بين الرماة الذين كانوا عند المركز { وعصيتم } الرسول بترك المركز { من بعد ما أراكم ما تحبون } من الظفر والنصر على أعدائكم { منكم من يريد الدنيا } وهم الذين تركوا المركز ، وأقبلوا إلى الذهب { ومنكم من يريد الآخرة } أي : الذين ثبتوا في المركز { ثم صرفكم } ردكم بالهزيمة { عنهم } عن الكفار { ليبتليكم } ليختبركم بما جعل عليكم من الدبرة ، فيتبين الصابر من الجازع ، والمخلص من المنافق { ولقد عفا عنكم } ذنبكم بعصيان النبي صلى الله عليه وسلم والهزيمة { والله ذو فضل على المؤمنين } بالمغفرة .

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

{ إذ تصعدون } تبعدون في الهزيمة { ولا تلوون } لا تقيمون { على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } من خلفكم يقول : إلي عباد الله ( إلي عباد الله ، إلي عباد الله ) ، وأنتم لا تلتفتون إليه { فأثابكم } أي : جعل مكان ما ترجعون من الثواب { غما } وهو غم الهزيمة وظفر المشركين { بغم } أي : بغمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عصيتموه { لكيلا تحزنوا } أي : عفا عنكم لكيلا تحزنوا { على ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصابكم } من القتل والجراح .

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } وذلك أنهم خافوا كره المشركين عليهم ، وكانوا تحت الحجف متأهبين للقتال ، فأمنهم الله تعالى أمنا ينامون معه ، وكان ذلك خاصا بالمؤمنين ، وهو قوله { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم } وهم المنافقون . كان همهم خلاص أنفسهم { يظنون بالله غير الحق } أي : يظنون أن أمر محمد عليه السلام مضمحل ، وأنه لا ينصر { ظن الجاهلية } أي : كظن أهل الجاهلية ، وهم الكفار { يقولون : هل لنا من الأمر من شيء } ليس لنا من النصر والظفر شيء كما وعدنا . يقولون ذلك على جهة التكذيب . فقال الله تعالى : { إن الأمر كله لله } أي : النصر والشهادة ، والقدر والقضاء { يخفون في أنفسهم } من الشك والنفاق { ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } أي : لو كان الاختيار إلينا { ما قتلنا هاهنا } يعنون : أنهم أخرجوا كرها ، ولو كان الأمر بيدهم ما خرجوا ، وهذا تكذيب منهم بالقدر ، فرد الله عليهم بقوله : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } مصارعهم ، ولم يكن لينجيهم قعودهم { وليبتلي الله ما في صدوركم } أيها المنافقون ، فعل الله ما فعل يوم أحد { وليمحص } ليظهر ويكشف { ما في قلوبكم } أيها المؤمنون من الرضا بقضاء الله { والله عليم بذات الصدور } بضمائرها .

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ

{ إن الذين تولوا منكم } أيها المؤمنون { يوم التقى الجمعان } أي : الذين انهزموا يوم أحد { إنما استزلهم الشيطان } حملهم على الزلة { ببعض ما كسبوا } يعني : معصيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بترك المركز { ولقد عفا الله عنهم } تلك الخطيئة .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُ

{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } أي : المنافقين { وقالوا لإخوانهم } أي : في شأن إخوانهم في النسب { إذا ضربوا في الأرض } أي : سافروا فماتوا وهلكوا { أو كانوا غزى } جمع غاز ، فقتلوا { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } تكذيبا منهم بالقضاء والقدر { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } أي : ليجعل ظنهم أنهم لو لم يحضروا الحرب لاندفع عنهم القتل { حسرة في قلوبهم } ينهى المؤمنين أن يكونوا كهؤلاء الكفار في هذا القول منهم ، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم دون قلوب المؤمنين { والله يحيي ويميت } فليس يمنع الإنسان تحرزه من إتيان أجله .

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

{ ولئن قتلتم } أي : والله لئن قتلتم . { في سبيل الله } في الجهاد أيها المؤمنون { أو متم } في سبيل الله ليغفرن لكم وهو { خير مما يجمعون } من أعراض الدنيا .

وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ

{ ولئن متم } مقيمين على الجهاد { أو قتلتم } مجاهدين { لإلى الله تحشرون } في الحالين .

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِ

{ فبما رحمة من الله } أي :فبرحمة ، أي : فبنعمة من الله وإحسان منه إليك { لنت لهم } يا محمد . أي : سهلت أخلاقك لهم ، وكثر احتمالك { ولو كنت فظا } غليظا في القول { غليظ القلب } في الفعل { لانفضوا } لتفرقوا { من حولك فاعف عنهم } فيما فعلوا يوم أحد { واستغفر لهم } حتى أشفعك فيهم { وشاورهم في الأمر } تطييبا لنفوسهم ، ورفعا من أقدارهم ، ولتصير سنة { فإذا عزمت } على ما تريد إمضاءه { فتوكل على الله } لا على المشاورة .

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

{ إن ينصركم الله فلا غالب لكم } من الناس { وإن يخذلكم } (يوم أحد) لا ينصركم أحد من بعده ، والمعنى : لا تتركوا أمري للناس ، وارفضوا الناس لأمري .

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

{ وما كان لنبي أن يغل } أي : يخون بكتمان شيء من الغنيمة عن أصحابه . نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، فقال الناس : لعل النبي أخذها ، فنفى الله تعالى عنه الغلول ، وبين أنه ما غل نبي ، والمعنى : ما كان لنبي غلول { ومن يغلل يأت بما غل } حاملا له على ظهره { يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت } أي : تجازى ثواب عملها { وهم لا يظلمون } لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا .

أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

{ أفمن اتبع رضوان الله } بالإيمان به والعمل بطاعته . يعني : المؤمنين { كمن باء بسخط من الله } احتمله بالكفر به ، والعمل بمعصيته ، يعني : المنافقين .

هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

{ هم درجات عند الله } أي : أهل درجات عند الله . يريد أنهم مختلفو المنازل ، فلمن اتبع رضوان الله الكرامة والثواب ، ولمن باء بسخط من الله المهانة والعذاب { والله بصير بما يعملون } فيه حث على الطاعة ، وتحذير عن المعصية .

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } أي : واحدا منهم عرف أمره ، وخبر صدقه وأمانته ، ليس بملك ولا أحد من غير بني آدم ، وباقي الآية ذكر في سورة البقرة . { وإن كانوا من قبل } وقد كانوا من قبل بعثه { لفي ضلال مبين } .

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{ أو لما أصابتكم } أو حين أصابتكم مصيبة . يعني : ما أصابهم يوم أحد { قد أصبتم } أنتم { مثليها } يوم بدر ، وذلك أنهم قتلوا سبعين وأسروا سبعين ، وقتل منهم يوم أحد سبعون { قلتم أنى هذا } من أين أصابنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ؟! { قل هو من عند أنفسكم } أي : إنكم تركتم المركز وطلبتم الغنيمة ، فمن قبلكم جاءكم الشر { إن الله على كل شيء قدير } من النصر مع طاعتكم نبيكم ، وترك النصر مع مخالفتكم إياه .

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ

{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان } يوم أحد { فبإذن الله } بقضائه وقدره ، يسليهم بذلك { وليعلم المؤمنين } ثابتين صابرين ، وليعلم المنافقين جازعين مما نزل بهم .

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُل

{ وقيل لهم } لعبد الله بن أبي وأصحابه لما انصرفوا ذلك اليوم عن المؤمنين { تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا } عنا القوم بتكثيركم سوادنا إن لم تقاتلوا { قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم } أي : لو نعلم أنكم تقاتلون اليوم لاتبعناكم ، ولكن لا يكون اليوم قتال ، ونافقوا بهذا لأنهم لو علموا ذلك ما اتبعوهم . قال الله تعالى : { هم للكفر يومئذ } بما أظهروا من خذلان المؤمنين { أقرب منهم للإيمان } لأنهم كانوا قبل ذلك أقرب إلى الإيمان بظاهر حالهم ، فلما خذلوا المؤمنين صاروا أقرب إلى الكفر من حيث الظاهر .

الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ الذين قالوا } يعني : المنافقين { لإخوانهم } لأمثالهم من أهل النفاق { وقعدوا } عن الجهاد ، الواو للحال { لو أطاعونا } يعنون : شهداء أحد في الإنصراف عن النبي صلى الله عليه وسلم والقعود { ما قتلوا } فرد الله تعالى عليهم وقال : { قل } لهم يا محمد { فادرؤوا } فادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } إن صدقتم أن الحذر ينفع من القدر .

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } يعني : شهداء أحد { أمواتا بل أحياء } بل هم أحياء { عند ربهم } في دار كرامته ، لأن أرواحهم في أجواف طير خضر . { يرزقون } يأكلون .

فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

{ فرحين } مسرورين { بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } ويفرحون بإخوانهم الذين فارقوهم يرجون لهم الشهادة ، فينالون مثل ما نالوا { ألا خوف عليهم } أي : بأن لا خوف عليهم . يعني : على إخوانهم المؤمنين إذا لحقوا بهم .

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

قال تعالى{ يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}.

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ

{ الذين استجابوا لله والرسول } أجابوهما { من بعد ما أصابهم القرح } أي : الجراحات { للذين أحسنوا منهم } بطاعة الرسول واتقوا مخالفته { أجر عظيم } نزلت في الذين أطاعوا الرسول حين ندبهم للخروج في طلب أبي سفيان يوم أحد ، لما هم أبو سفيان بالانصراف إلى محمد عليه السلام وأصحابه ليستأصلوهم .

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

{ الذين قال لهم الناس } الآية . كان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوافيه العام المقبل من يوم أحد ببدر الصغرى ، فلما كان العام المقبل بعث نعيم بن مسعود الأشجعي ليجبن المؤمنين عن لقائه ، وهو قوله : { الذين } يعني : المؤمنين { قال لهم الناس } يعني : نعيم بن مسعود { إن الناس } يعني : أبا سفيان وأصحابه { قد جمعوا } باللطيمة سوق مكة { لكم فاخشوهم } ولا تأتوهم { فزادهم } ذلك القول { إيمانا } أي : ثبوتا في دينهم ، وإقامة على نصرة نبيهم { وقالوا حسبنا الله } أي : الذي يكفينا أمرهم هو الله { ونعم الوكيل } أي : الموكول إليه الأمر .

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

{ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } ربح وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لذلك الموعد ، فلم يلق أحدا من المشركين ، ووافقوا السوق ، وذلك أنه كان موضع سوق لهم ، فاتجروا وربحوا ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ، وهو قوله : { لم يمسسهم سوء } أي : قتل ولا جراح { واتبعوا رضوان الله } إلى بدر الصغرى في طاعته وفي طاعة رسوله قوله:

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } أي : يخوفكم بأوليائه . يعني : الكفار { فلا تخافوهم وخافون } في ترك أمري { إن كنتم مؤمنين } مصدقين لوعدي .

وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

{ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } أي : في نصرته ، وهم المنافقون واليهود والمشركون { إنهم لن يضروا الله } أي : أولياءه ودينه { شيئا } وإنما يعود وبال ذلك عليهم ، { يريد الله أن لا يجعل لهم حظا } نصيبا { في الآخرة } في الجنة .

إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

{ إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان } أي : استبدلوا . كرر { لن يضروا الله شيئا } لأنه ذكرن في الأول على طريق العلة لما يجب من التسلية عن المسارعة إلى الضلالة ، وذكره في الثاني على طريق العلة لاختصاص المضرة بالعاصي دون المعصي .

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ

{ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم } أي : أن إملاءنا _ وهو الإمهال والتأخير _ { خير لأنفسهم إنما نملي لهم } أي : نطول أعمارهم ليزدادوا إثما لمعاندتهم الحق ، وخلافهم الرسول . نزلت الآية في قوم من الكفار علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون أبدا ، وأن بقاءهم يزيدهم كفرا .

مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن

{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه } أيها المؤمنون من التباس المنافق بالمؤمن { حتى يميز الخبيث من الطيب } أي : المنافق من المؤمن ، ففعل ذلك يوم أحد ، لأن المنافقين أظهروا النفاق بتخلفهم { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } فتعرفوا المنافق من المؤمن قبل التمييز { ولكن الله } يختار لمعرفة ذلك من يشاء من الرسل ، وكان محمد ممن اصطفاه الله بهذا العلم .

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

{ ولا يحسبن الذين يبخلون } أي : بخل الذين يبخلون { بما آتاهم الله من فضله } بما يجب فيه من الزكاة . نزلت في مانعي الزكاة { هو خيرا لهم } أي : البخل خيرا لهم { بل هو شر لهم } لأنهم يستحقون بذلك عذاب الله { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } وهو أنه يجعل ما بخل به من المال حية يطوقها في عنقه تنهشه من قرنه إلى قدمه { ولله ميراث السماوات والأرض } أي : إنه يغني أهلهما ، وتبقى الأملاك والأموال لله ، ولا مالك لها إلا الله تعالى .

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ

{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } نزلت في اليهود حين قالوا _ لما نزل قوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضا } _ : إن الله فقير يستقرضنا ، ونحن أغنياء ، ولو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا { سنكتب ما قالوا } أي : نأمر الحفظة بإثبات ذلك في صحائف أعمالهم... الآية .

ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

{ ذلك } أي : ذلك العذاب { بما قدمت أيديكم } بما سلفت من إجرامكم { وأن الله } وبأن الله { ليس بظلام للعبيد } فيعاقبهم بغير جرم .

الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ الذين قالوا إن الله عهد إلينا } أي : اليهود ، وذلك أن أمر بني إسرائيل في التوراة ألا يصدقوا رسولا جاءهم حتى يأتيهم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما السلام ، فكانوا يقولون لمحمد عليه السلام : لا نصدقك حتى تأتينا بقربان تأكله النار ، لأن الله عهد إلينا ذلك ، فقال الله تعالى لمحمد عليه السلام إقامة للحجة عليهم : { قل قد جاءكم رسل من قبلي } ، ثم عزى النبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم بقوله :

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

{ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر } أي : الكتب { والكتاب المنير } أي : الهادي إلى الحق .

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ

{ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } أي : ظفر بالخير ، ونجا من الشر { وما الحياة الدنيا } أي : العيش في هذه الدار الفانية { إلا متاع الغرور } لأنه يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء ، وهو ينقطع عن قريب .

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

{ لتبلون } لتختبرن أيها المؤمنون { في أموالكم } بالفرائض فيها { وأنفسكم } بالصلاة والصوم والحج والجهاد { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب } وهم اليهود { ومن الذين أشركوا } وهم المشركون { أذى كثيرا } بالشتم والتعيير { وإن تصبروا } على ذلك الأذى بترك المعارضة { فإن ذلك من عزم الأمور } من حقيقة الإيمان .

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } . أخذ الله ميثاق اليهود في التوراة ليبينن شأن محمد ونعته ومبعثه ، ولا يخفونه ، فنبذوا الميثاق ولم يعملوا به ، وذلك قوله : { فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا } أي : ما كانوا يأخذونه من سفلتهم برئاستهم في العلم { فبئس ما يشترون } قبح شراؤهم وخسروا .

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

{ لا تحسبن الذين يفرحون } . هم اليهود فرحوا بإضلال الناس ، وبنسبة الناس إياهم إلى العلم ، وليسوا كذلك ، وأحبوا أن يحمدوا بالتمسك بالحق ، وقالوا : نحن أصحاب التوراة وأولو العلم القديم { فلا تحسبنهم بمفازة } بمنجاة { من العذاب } .

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{ ولله ملك السماوات والأرض } أي : يملك تدبيرهما وتصريفهما على ما يشاء .الآية والتي بعدها ذكرت في سورة البقرة .

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ

قول تعالى {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}.

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

{ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } أي : يصلون على هذه الأحوال على قدر إمكانهم { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض } فيكون ذلك أزيد في بصيرتهم { ربنا } أي : ويقولون : { ربنا ما خلقت هذا } أي : هذا الذي نراه من خلق السماوات والأرض { باطلا } أي : خلقا باطلا . يعني : خلقته دليلا على حكمتك وكمال قدرتك .

رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ

{ ربنا إنك من تدخل النار } للخلود فيها { فقد أخزيته } : أهلكته وأهنته { وما للظالمين } أي : الكفار { من أنصار } يمنعونهم من عذاب الله .

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ

{ ربنا إننا سمعنا مناديا } أي : محمدا عليه السلام والقرآن { ينادي للإيمان } أي : إلى الإيمان { أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا } أي : غط واستر عنا ذنوبنا بقبول الطاعات حتى تكون كفارة لها { وتوفنا مع الأبرار } يعني : الأنبياء ، أي : في جملتهم حتى نصير معهم .

رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ

{ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } أي : على ألسنتهم من النصر لنا ، والخذلان لعدونا { ولا تخزنا يوم القيامة } أي : لا تهلكنا بالعذاب .قولة.

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِ

{ بعضكم من بعض } أي : حكم جميعكم حكم واحد منكم فيما أفعل بكم من مجازاتكم على أعمالكم ، وترك تضييعها لكم .

لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ

{ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } تصرفهم للتجارات في البلاد ، وذلك أنهم كانوا يتجرون ويتنعمون في البلاد ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد ، فنزلت هذه الآية .قواة.

مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

{ متاع قليل } أي : ذلك الكسب والربح متاع قليل ، لأنه فان منقطع وقوله:

لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ

{ نزلا } النزل : ما يهيأ للضيف ، ومعناه هاهنا الجزاء والثواب { وما عند الله خير للأبرار } مما يتقلب فيه الكفار ، ثم ذكر مؤمني أهل الكتاب فقال :

وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب

{ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله } الآية.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا } أي : اصبروا على دينكم فلا تدعوه لشدة نزلت بكم . وقيل : على الجهاد { وصابروا } عدوكم فلا يكونن أصبر منكم { ورابطوا } أي : أقيموا على جهاد عدوكم بالحرب والحجة .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس