طس - حرفان صوتيان ابتدأت بهما السورة الكريمة تنبيها إلى سر الإعجاز فى القرآن مع الإشارة إلى أنه من جنس ما يتكلمون، ولتنبيه الأذهان للاستماع إليه.<BR>تلك آيات المنزل مقروءاً تتلونه، وهو كتاب مبين لما جاء به.
وهو هادٍ للمؤمنين إلى طريق الخير والفوز فى الدنيا والآخرة، ومبشر لهم بحسن المآل.
الذين يؤدون الصلاة فى خشوع مستوفية الأركان، ويعطون الزكاة فى أوقاتها، وهم يوقنون بالحياة الآخرة، وما يكون فيها من ثواب وعقاب.
إن الذين لا يؤمنون باليوم الآخر زيَّنا لهم أعمالهم بخلق الشهوة فيهم، فهم يتردون فى ضلالهم.
أولئك الذين لهم العذاب السيئ، وهم فى الآخرة أشد الناس خسرانا.
وإنك - أيها النبى - لتتلقى القرآن الذى ينزل عليك من لدن من لا يدانى فى حكمته، وقد أحاط بكل شىء علما.
اذكر حين قال موسى لزوجته ومن معه وهو عائد إلى مصر: إنِّى أبصرت نارا، سآتيكم منها بخبر عن الطريق، أو آتيكم بشعلة مضيئة نارا مقبوسة، لعلكم تستدفئون بها من البرد.
فلما وصل إليها نودى: أن بُورك من فى مكان النار ومن حولها.<BR>وهم الملائكة وموسى.<BR>ونزه الله رب العالمين عن كل ما لا يليق به.
يا موسى إنى أنا الله المستحق للعبادة - وحده - الغالب على كل شىء، الذى يضع كل أمر فى موضعه.
وفى سبيل أن تؤدى دعوتك ألْق عصاك.<BR>فلما ألقاها ورآها تهتز كأنها حية خفيفة سريعة أعرض عنها راجعا إلى الوراء، ولم يعد إليها بعد أن أدبر عنها، فطمْأنه الله تعالى بقوله: لا تخف إنى لا يخاف عندى المرسلون حين أخاطبهم (1).<BR>_______<BR>(1) ذكرت قصة موسى أكثر من مرة فى القرآن، وفى بعضها يحذف ما سيذكر فى غيره، ولكل جزء مناسبة، ففى هذا الجزء إزالة استغراب أن يوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
لكن من عمل شيئا غير مأذون له فيه، ثم بدَّل حسنا بعد هفوة فإنى كثير المغفرة عظيم الرحمة.
وأدخل يدك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير برص، فى جملة تسع معجزات ( 1)، مرسلا إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قوما خارجين عن أمر اللَّه كافرين.<BR>______<BR>(1) تلك التسع هى: فلق البحر - والطوفان - والجراد - والقمل - والضفادع - والدم - والجدب - والعصا - وإخراج اليد بيضاء من غير سوء.
فلما جاءت هذه المعجزات واضحة ظاهرة قالوا: هذا سحر واضح بيِّن.
وكذبوا بها منكرين لدلالتها على صدق الرسالة، وقد وقع اليقين فى قلوبهم، ولكنهم لم يذعنوا لاستعلائهم بالباطل وطغيانهم، فانظر - أيها النبى - كيف كانت عاقبة الذين دأبوا على الفساد، فكفروا بالمعجزات وهى واضحة؟
هذا طغيان فرعون بسبب ملكه، فانظر إلى السلطان العادل، سلطان الحكم وسلطان النبوة فى داود وابنه سليمان - عليهما السلام - لقد آتيناهما علمًا كثيرًا بالشريعة ودراية بالأحكام، فأقاما العدل وحمدا الله الذى منحهما فضلاً على كثير من عباده الصادقين المذعنين للحق.
وقد آل الملك والحكم من داود إلى سليمان ابنه، وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا لغة الطير، وأوتينا كثيرا مما نحتاج إليه فى سلطاننا: إن هذه النعم لهى الفضل الواضح الذى خصنا الله به ( 1).<BR>________<BR>(1) {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء، إن هذا لهو الفضل المبين}: سليمان - عليه السلام - هو ابن داود، وهو نبى وملك مثله، عاش من حوالى سنه 974 إلى 937 ق.<BR>م اختصه الله تعالى بمعرفة الطير.<BR>وقد دلت الأبحاث الحديثة على أن لكل جماعة من الطير طريقة خاصة يتفاهم بها أفراده منها: اللمس، والصوت، ومنها الإشارة.
وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فى صعيد واحد، فهم بحبس أولهم على آخرهم حتى يكونوا جيشاً منظماً خاضعاً.
حتى إذا بلغوا وادى النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مخابئكم، لكيلا تميتكم جنود سليمان وهم لا يحسون بوجودكم (1).<BR>_______<BR>(3) {حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}: يتضح من هذه الآية الشريفة أن النمل يعيش فى جماعات: أى أن له مجتمعاً، وأن من خصائصه اليقظة والحذر.<BR>وقد عرف لمجتمع النمل منذ القدم خصائص عدة تشهد بأن له مجتمعا منظما، له نظام دقيق فى الحكم وأنه على قدر كبير من الذكاء والدهاء وقوة الذاكرة وحب العمل والمثابرة، والجهاد الذى لا يعرف الكلل ولا اليأس، كما عرف عنه سعة الحيلة فيما يقوم به من أعمال.<BR>وآية ذلك أن مجتمع النمل هو الوحيد بين المخلوقات الحية بعد الإنسان الذى يقوم بدفن موتاه، وتحرص جماعاته المختلفة على الالتقاء فى صعيد واحد من حين إلى آخر، ولهذا خصص أياما معينة لإقامة سوق تجتمع فيه جماعات لتبادل السلع والتعارف، وهذه الجماعات حين تلتقى تتجاذب أطراف الحديث باهتمام بالغ ويسأل بعضها البعض أسئلة تتصل بشئونها.<BR>ومن مظاهر مجتمعها المترابط قيامها بمشروعات جماعية مثل إقامة الطرق الطويلة، فى أناة ومثابرة تثيران الدهشة، ولا تكفى هذه الجماعات بالعمل نهارا بل تواصله ليلاً فى الليالى القمرية، ولكنها تلتزم مستعمراتها فى الليالى المظلمة، ولأعضاء هذا المجتمع فى جمع المواد الغذائية وحملها وتخزينها والمحافظة عليها طرق فريدة فى نوعها، فإذا لم تستطع النملة حمل ما جمعته فى فمها كعاداتها لكبر حجمه، حركته بأرجلها الخلفية ورفعته بذراعيها، ومن عاداتها أن تقضم الجذور وتفلق بعض الحبوب قبل تخزينها حتى لا تعود إلى الإنبات مرة أخرى، وتجزئ البذور الكبيرة لكى يسهل عليها إدخالها فى مستودعاتها، وإذا ما ابتلت بفعل المطر أخرجتها إلى الهواء والشمس لتجف.
وتَعَرَّفَ جنوده من الطير فلم يجدوا الهدهد، فتعجب وقال: مالى لا أرى الهدهد؟ أهو بيننا ولم يقع عليه نظرى، أم هو غائب عنا ليس بيننا؟!
والله لأنزلن به عذابًا شديدًا يردعه، أو لأذبحنه إن كان الذنب عظيمًا، إلا أن يأتينى بحجة بيِّنة تُبرر غيابه عنى.
وكان الهدهد قد مكث فى مكان غير بعيد زمانًا غير مديد، ثم جاء إلى سليمان يقول له: قد أحطت علمًا بما لم يكن عندك علم به، وجئتك من سبأ بخبر ذى شأن عظيم وهو مستيقن به (1).<BR>_________<BR>(1) {فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين.<BR>إنى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم.<BR>وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون}: هذه هى الآيات الخاصة بمملكة سبأ، وسبأ هى إحدى ممالك بلاد العرب الجنوبية المسماة باليمن المعروفة فى العالم القديم " بالعربية السعيدة " وتشير هذه التسمية الأخيرة إلى تقدم اليمن وثرائها، فلقد كان لها حضارة راقية منذ الألف الثانى قبل الميلاد، قامت على الزراعة، وذلك لخصب أراضيها، وملاءمة مناخها، وكذلك على التجارة لتوسطها بين الهند والحبشة والصومال والشام والعراق، والحق أن السدود المنشأة لخزن المياه وتصريفها وأشهرها سد مأرب " انظر سيل العرم، الآية 16 من سورة سبأ " والمدن المحصنة والقصور والهياكل القائمة حين ذاك فى أنحائها تشهد إلى اليوم بما كانت تتمتع به هذه البلاد من تقدم اجتماعى وثراء.<BR>وإن النقوش التى خلفها حكامهم - ومن بين تلك النقوش مجموعة من القوانين التى نظمت شئون الملكية العقارية وغيرها عندهم - لتدل كل الدلالة على مبلغ ما وصلوا إليه من حضارة زاهرة.<BR>ومملكة سبأ التى كانت فى أوج ازدهارها على أيام سليمان - عليه السلام - " حوالى القرن العاشر ق.<BR>م " كان الحكم فيها - شأنها شأن مملكة معين قبلها - ملكا وراثيا يرثه الأبناء عن الآباء.<BR>ومن هنا كانت تحكمها على أيام سليمان - عليه السلام - ملكة اختلف المؤرخون فى اسمها، ويطلق عليها العرب بلقيس.<BR>يعاونها شيوخ المملكة الأشراف كمجلس شورى لها " انظر الآيات من 28
إنى وجدت فى أهل سبأ امرأة تحكمهم، وأوتيت من كل شىء من أسباب الدنيا، ولها سرير كبير يدل على عظمة ملكها وقوة سلطانها.
وجدتها هى وقومها يعبدون الشمس ولا يعبدون الله، وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم فظنوها حسنة وهى السوء، فصرفهم بذلك عن سبيل الحق، فهم لا يهتدون.
ألا يسجدوا لله تعالى، وهو الذى يخرج المخبوء فى السموات والأرض، ويعلم ما تسرون وما تظهرون؟!
الله لا معبود بحق سواه، صاحب السلطان المطلق العظيم على كل ما فى الوجود.
قال سليمان مخاطبًا الهدهد: سنتحرى خبرك هذا، أصدقت فيه أم كنت من الكاذبين؟
اذهب بكتابى هذا فأوصله إليها وإلى قومها ثم تنح عنهم متواريًا فى مكان قريب، لتنظر فيما يرجع به بعضهم إلى بعض ويرددونه من قول.
وصل الكتاب إليها فجمعت أشراف قومها، وذوى شوراها، وقالت: يا أيها الملأ إنى قد وصل إلىَّ كتاب عظيم الشأن.
ثم تلت الكتاب عليهم قائلة: إنه من سليمان وإنه مفتتح باسم الله ذى الجلال والإنعام الذى يفيض برحمته دائمًا على خلقه.
لا تتكبروا علىَّ وأتونى منقادين خاضعين.
قالت لمجلس شوراها: بينوا لى الصواب فى هذا الأمر الخطير الذى عرض لى، فإنى لا أبت فى أمر حتى يكون بمحضركم
قالوا مطمئنين لها: نحن أصحاب قوة بدنية وأهل نجدة وشجاعة، لا نخاف الحرب، فانظرى فى الأمر الذى تأمريننا به، فإنا مطيعون.
قالت متريثة مسالمة: إن الملوك إذا دخلوا مدينة عظيمة بجيوشهم أفسدوها، فأذهبوا عمرانها، وأبادوا الحرث والنسل، وأفعالهم كذلك دائمًا.
وإنى - إيثارًا للسلم والعافية - مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية، ومنتظرة ما يرجع به الرسل، بقبول الهدية أم بردها.
وصل الرسل إلى سيدنا سليمان بالهدية، فقال لهم شاعرًا بأنعم الله تعالى عليه، مخاطبًا لها ولقومها فى مواجهة رسلها: أتعطوننى مالا؟! فما أعطانى الله من النبوة والملك والنعمة أعظم مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم وكثرة أموالكم تفرحون لا مثلى، لأنكم لا تعلمون إلا ما يتعلق بالدنيا.
وقال يخاطب المتكلم باسمهم: ارجع - أيها الرسول - إليهم، فوالله لنأتينّهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها، ولنخرجنهم من سبأ فاقدى العز، وهم مستعبدون.
اتجه سليمان إلى الاستعانة بمن سخرهم الله له من الإنس والجن، ليفاجئها بأمر غريب، فقال: أيكم يأتينى بعرشها العظيم قبل أن يأتونى خاضعين منقادين؟
قال مارد من الجن: أنا آتيك به وأنت فى مجلسك هذا قبل أن تقوم منه، وإنى لقادر أمين فى قولى وفعلى.
قال الذى آتاه الله قوة روحية وعلمًا من الكتاب: أنا آتيك بهذا العرش قبل أن تحرك أجفانك.<BR>وقد نفذ ما قال.<BR>فلما رأى سليمان العرش ثابتًا عنده غير مضطرب قال: هذا من فضل الله الذى خلقنى وأمدنى بخيره ليختبرنى أأشكر هذه النعمة أم لا أؤدى حقها؟ ومن شكر الله فإنما يحط عن نفسه عبء الواجب، ومن يترك الشكر على النعمة فإن ربى غنى عن الشكر، كريم بالإنعام.
قال سليمان لحاشيته: اخفوا عنها العرش ببعض التغيير فى مظاهره لنرى أتعرفه مهتدية إليه أم لا تعرفه فلا تهتدى إليه؟
فلما أقبلت وجهت نظرها إلى عرشها، فقيل لها: أهذا مثل عرشك؟ فقالت: - لكمال التشابه - كأنه هو.<BR>وقال سليمان ومن معه: أوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده مثل علمها وكنا قومًا منقادين لله مخلصين العبادة له.
وصرفها عن عبادة الله ما كانت تعبده من آلهة غير الله تعالى من شمس ونحوها، إنها كانت من قوم كافرين.
قيل لها من بعد ذلك: ادخلى قصر سليمان، وكان صحنه من زجاج تحته ماء يسبح فيه السمك، فكشفت عن ساقيها تحسب ما تمر فيه ماء، فنبهها سليمان إلى أن الصحن أملس مكون من زجاج، فراعها ذلك المنظر المادى، وعلمت أن ملكها لا يساوى شيئًا بجوار ملك سليمان - النبى - فقالت: رب إنى ظلمت نفسى باغترارى بملكى وكفرى، وأذعنت فى صحبة سليمان مؤمنة بالله تعالى خالق العالمين ومربيهم والقائم عليهم.
ولقد بعثنا إلى ثمود أخاهم صالحًا بأن وحِّدوا الله، فسارعوا إلى الاختصام والاختلاف، وصاروا فريقين: أحدهما مؤمن والآخر كافر.
قال صالح ناصحًا لهم: يا قوم لم تستعجلون بالعذاب الذى توعدون قبل التوبة، هلا تطلبون المغفرة من ربكم وتؤمنون به رجاء أن ترحموا؟!
وقالوا: تشاءمنا بك أنت ومن معك وأصابنا القحط، قال: أسباب الخير والشر الذى نزل بكم إنما كان من عند الله.<BR>بل أنتم قوم تختبرون بالسراء والضراء، لعلكم تؤمنون.
وكان زعماء الشر فيهم تسعة، يفسدون بآرائهم ودعايتهم فى الأرض، وليس من شأنهم عمل الصالح.
قال أولئك المشركون بعضهم لبعض: تبادلوا القسم بالله لنغيرن عليه هو وأهله ونقتلهم، ثم نقول لولى دمه: ما شهدنا هلاكه ولا هلاك أهله، وإنا لصادقون فيما ذكرنا.
دبَّروا الفتك بصالح وأهله، والله من ورائهم قد دبَّر النجاة لنبيه وأهله والهلاك لهم وهم لا يشعرون بتدبير الله.
فانظر - أيها النبى - إلى عاقبة تدبيرهم وتدبيرنا لنبينا أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين.
فانظر إلى آثارهم تجد بيوتهم ساقطة متهدمة بسبب ظلمهم وكفرهم وإرادتهم الشر لنبيهم.<BR>إن فيما فُعِل بثمود لآية لقوم يعلمون قدرتنا فيتعظون.
وأنجينا الفريق المؤمن بصالح من هذا الهلاك وكانوا يتقون ترك أوامره.
واذكر - أيها النبى - لوطا وخبره مع قومه الفاسقين الشاذين إذ قال لهم: أتأتون هذا الذنب البالغ أقصى درجات الفحش والشذوذ، وأنتم تبصرون وتنظرون الشر الذى استمرأتموه؟
أيسوغ فى نظر العقل والفطرة أن تأتوا الرجال بشهواتكم وتتركوا النساء؟ بل أنتم قوم قد أصابكم الحمق والجهل المطبق حتى صرتم لا تميزون بين الخبيث والطيب.
فما كان رد قومه عليه حين نهاهم إلا قولهم: أخرجوا لوطا وأتباعه من هذه القرية لأنهم يتنزهون عن مشاركتنا فيما نفعل.
فخلصناه هو وأهله من العذاب الذى سيقع بالقوم إلا امرأته، قدر الله أن تكون من الباقين حتى تهلك بالعذاب مع الكافرين.
وأمطرنا على هؤلاء المفسدين مطر عذاب ونقمة، فكان مطرًا سيئًا مُهلكًا لمن أُنذروا بالعذاب الأليم ولم يذعنوا.
قل - أيها الرسول -: إنى أحمد الله وأثنى عليه - وحده - وأسأل الله سلامًا وتحية لعباده الذين اختارهم لأداء رسالته، وقل - أيها الرسول - للمشركين: هل توحيد الله خير لمن آمن، أم عبادة الأصنام التى أشركتم بها وهى لا تملك ضرًا ولا نفعًا؟!
بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن خلق السموات والأرض وما فيهما، وأنزل لأجلكم من السماء غيثًا نافعًا، فأنبت به بساتين ذات حُسن وبهاء ما أمكن لكم أن تنبتوا شجرها المختلف الأنواع والألوان والثمار.<BR>هذا التناسق فى الخلق يثبت أن ليس مع الله إله، ولكن الكفار قوم يعدلون عن الحق والإيمان ويميلون للباطل والشرك.
بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يجيب المضطر - فى دعائه - إذا أحوجته الشدة فلجأ إلى الله فى ضراعة وخشوع، ويدفع عن الإنسان ما يعتريه من مكروه، ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم فى الأرض؟.<BR>ليس هناك إله مع الله المانح لهذه النعم، ولكنكم أيها الكافرون قلّما تتعظون.
بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يرشدهم إلى السير فى ظلام الليل برا وبحرًا، وعمن يبعث الرياح مبشرة بمطر هو رحمة من الله!؟ أهناك إله مع الله تعالى يصنع ذلك؟! تنزه الله سبحانه عن أن يكون له شريك.
بل اسألهم - أيها الرسول - عمن ينشئ الخلق ابتداء، ثم يوجده بعد فنائه كما كان؟ ومن الذى ينزل لكم الرزق من السماء ويخرجه من الأرض؟.<BR>ليس هناك إله مع الله يفعل ذلك.<BR>قل - أيها الرسول - موبخًا لهم ومنكرًا عليهم: إن كان لكم إله سوى الله فأقيموا لنا حجة على ذلك إن كنتم تزعمون أنكم صادقون، ولن يتأتى لكم ذلك.
قل - أيها الرسول -: إن مَن تَفرَّد بفعل هذا كله قد تفرد - سبحانه - بعلم ما فى السموات والأرض من أمور الغيب، وهو الله - وحده - وما يعلم الناس أى وقت يبعثون فيه من قبورهم للحساب والجزاء.
تلاحق علمهم فى الآخرة من جهل بها إلى شك فيها، وهم فى عماية عن إدراك الحق فى أى شىء من أمرها لأن الغواية أفسدت إدراكهم.
وقال الكافرون منكرين للبعث: أئذا صرنا ترابًا وبليت أجسامنا وأجسام آبائنا السابقين هل نعاد ونخرج إلى الحياة من جديد؟!
لقد وعدنا محمد بهذا البعث كما وعد الرسل السابقون آباءنا، ولو كان حقًا لحصل، وليس هذا إلا من أكاذيب السابقين.
قل لهم - أيها الرسول -: تجولوا فى الدنيا وانظروا آثار ما حل بالمكذبين من عذاب الله لعلكم تعتبرون بهذا، وتخشون ما وراءه من عذاب الآخرة.
لا تحزن - أيها الرسول - على الكافرين الذين لم يتبعوك، فإنما عليك البلاغ، ولا يكن فى صدرك حرج من مكرهم وكيدهم، فإن الله ناصرك عليهم.
ويبالغ الكافرون فى التكذيب، فيستعجلون العذاب قائلين: متى يحين موعد العذاب الذى هددتمونا به إن كنتم صادقين فى أن العذاب نازل بالمكذبين؟!
قل - أيها الرسول -: لعله أن يكون قد لحق بكم وقرب منكم بعض ما تستعجلونه من العذاب.
وإن الله ربك - أيها الرسول - لصاحب إنعام وإحسان على الناس كافة، ومن رحمته تأخير العقوبة على المكذبين، ولكن أكثر الناس لا يدركون فضل الله ولا يشكرونه.
وإن الله ربك - أيها الرسول - لعليم بكل ما يسرون وما يعلنون من الأقوال والأفعال المنكرة، ومجازيهم عليها.
وما من خافية غائبة مهما صغرت وضَؤُلَتْ فى السموات أو فى الأرض إلا علمها الله وأحصاها فى كتاب حق عنده.
إن هذا الكتاب - الذى أنزل على محمد - يبين لبنى إسرائيل حقيقة ما جاء فى التوراة من عقائد وأحكام وقصص، ويردهم إلى الصواب فيما اختلفوا فيه.
وإن هذا الكتاب لهداية من الضلال ورحمة من العذاب لجميع من آمن به.
إن ربك - أيها الرسول - يفصل بين الناس جميعًا يوم القيامة بعدله، وهو الغالب فلا يرد قضاؤه، العليم فلا يلتبس لديه حق بباطل.
ففوض أمرك - أيها الرسول - إلى الله، وثابر بدعوتك واثقًا بنصره، لأنك على الحق الواضح، ولا يضرك إعراض الكافرين عنك.
إنك - أيها الرسول - لا تستطيع هدايتهم فإنهم كالموتى فى عدم الوعى، وكالصم فى فقدان أداة السمع، فليسوا مستعدين لسماع دعوتك لتماديهم فى الإعراض عنك.
ولست بمستطيع أن تهدى إلى الحق من عميت أبصارهم وبصائرهم، ولا يمكنك أن تُسمع إلا من يقبل على الإيمان بآياتنا، فهم مطيعون مستجيبون.
وإذا قرب أن يتحقق وعد الله بقيام الساعة، وأن يقع العذاب على الكافرين أخرج الله للناس دابة من الأرض تقول لهم من جملة ما تقول: إن الكفار كانوا بمعجزاتنا كلها وباليوم الآخر لا يؤمنون، وقد تحقق الآن ما كانوا به يكذبون.<BR>وها هو ذا هول الساعة وما وراءها.
واذكر - أيها الرسول - يوم نجمع من كل أمة طائفة من المكذبين بآياتنا، وهم الزعماء المتَّبَعون فهم يساقون فى مقدمة أممهم إلى الحساب والجزاء.
وحينما يقفون بين يدى الله للحساب يقول - سبحانه - لهم تبكيتًا وتعنيفًا: قد كذبتم بكل آياتى وأنكرتموها دون تدبر ولا فهم.<BR>بل ماذا كنتم تعملون وأنتم لم تخلقوا عبثًا؟
وحل بهم العذاب بسبب ظلمهم أنفسهم بالكفر، فهم عاجزون عن الدفاع والاعتذار.
لقد شاهدوا أن الله جعل الليل ليستريحوا فيه، وجعل النهار مضيئًا ليتصرفوا فيه ويسعوا على معايشهم؛ إن فى ذلك لدلالات واضحة على ألوهية الله ووحدانيته لقوم يتدبرونها فيؤمنون.
واذكر - أيها الرسول - يوم ينفخ إسرافيل فى البوق بإذن الله، فيرتعب من فى السموات ومن فى الأرض من هول النفخة إلا من طمأنه الله وأعفاه من الفزع، وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين.
وترى - أيها الرسول - الجبال تظنها ثابتة لا تتحرك، ولكنها فى واقع الأمر تتحرك بسرعة كالسحاب، وهذا من صنع الله الذى خلق كل شىء وأبدعه.<BR>إنه سبحانه كامل العلم بما يفعل الناس من طاعة ومعصية، ومجازيهم عليه (1).<BR>________<BR>(1) {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب، صنع الله الذى أتقن كل شىء، إنه خبير بما تفعلون}: تقرر هذه الآية الكريمة أن جميع الأجسام التى تخضع لجاذبية الأرض مثل الجبال والبحار والغلاف الجوى.<BR>.<BR>.<BR>إلخ تشترك مع الأرض فى دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس، وبذلك يصبح نصف وجه الأرض فى ظلام دامس لمدة ستة أشهر والنصف الآخر فى نهار الخارجى والأجرام السماوية، لكن هذه الدورة لا تدرك فهى مثل حركة السحب فى الجو يراها الناظرون بعيونهم ولكن لا يسمعون صوتها أو يلمسونها، وتبين هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل خلق الكون والقوانين التى تنظمه، وهو قادر على أن يجعل الأرض ساكنة لا تدور حول محورها، أو يجعل فترة دورانها حول محورها تساوى فترة دورانها حول الشمس، وبذلك يصبح نصف وجه الأرض فى ظلام دامس لمدة ستة أشهر والنصف الآخر فى نهار ساطع الضوء، مما يؤدى إلى اختلال التوازن الحرارى على الأرض كلها، وفى هذا فناء الأحياء التى عليها، والله - سبحانه وتعالى - هو الذى وضع هذا النظام المحكم رحمة ورأفة بعباده.<BR>وبالرغم من أن " أريستاخورس " " الفلكى السكندرى 310
كل من أتى بالحسنة فى الدنيا وهى الإيمان والإخلاص فى الطاعة فله فى الآخرة الثواب الأعظم من أجل ما تقدم.<BR>وأصحاب هذه الحسنات آمنون من الخوف والفزع يوم القيامة.
وكل من أتى فى الدنيا بالسيئة - وهى الشرك والمعصية - ومات على ذلك فجزاء هذا الفريق أن يكبهم الله على وجوههم فى النار يوم القيامة ويقال لهم حينئذ - توبيخًا - إنكم لا تجزون اليوم إلا بسبب شرككم ومعصيتكم.
قل - أيها الرسول - للناس: ما أمرت أن أعبد أحدًا إلا الله رب مكة الذى كرمها، فجعلها حرمًا آمنًا، لا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها.<BR>وله سبحانه كل ما فى الكون خلقًا وملكًا وأمرت أن أكون من الخاضعين لله.
وأمرت أن أواظب على تلاوة القرآن عبادة وتدبرًا ودعوة إلى ما فيه، فمن اهتدى وآمن به واتبعك فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه لا لك، ومن ضل عن الحق ولم يتبعك فقل: إنما أنا رسول أنذر وأبلغ.
وقل - أيها الرسول -: الحمد لله على نعمة النبوة والهداية، سيكشف الله لكم فى الدنيا عن آثار قدرته، وفى الآخرة عن صدق ما أخبركم به فتعرفونها معرفة حق، وليس الله بعاجز عن حسابكم ولا بغافل عن أعمالكم.