1 -" طس " " تلك آيات القرآن وكتاب مبين " الإشارة إلى آي السورة ، والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه ، وتأخيره باعتبار تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود ، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام ، أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى وتنكيره للتعظيم . وقرئ " وكتاب " بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه .
2 -" هدىً وبشرى للمؤمنين " حالان من الـ " آيات " والعامل فيهما معنى الإشارة ، أو بدلان منها أو خبران آخران أو خبران لمحذوف .
3 -" الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة " الذين يعملون الصالحات من الصلاة والزكاة . " وهم بالآخرة هم يوقنون " من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف ، وتغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم وأنهم الأوحدون فيه ، أو جملة اعتراضية كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة ، فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة وتكرير الضمير للاختصاص .
4 -" إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم " زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس ، أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها . " فهم يعمهون " عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع .
5 -" أولئك الذين لهم سوء العذاب " كالقتل والأسر يوم بدر . " وهم في الآخرة هم الأخسرون " أشد الناس خسراناً لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة .
6 -" وإنك لتلقى القرآن " لتؤتاه . " من لدن حكيم عليم " أي حكيم وأي عليم ، والجمع بينهما مع أن العلم داخل الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على إتقان الفعل والإشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد و الشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات ، ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله :
7 -" إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً " أي اذكر قصته " إذ قال " ويجوز أن يتعلق بـ " عليم " . " سآتيكم منها بخبر " أي عن حال الطريق لأنه قد ضله ، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل ، والسين للدلالة على بعد المسافة والوعد بالإتيان وإن أبطأ . " أو آتيكم بشهاب قبس " شعلة نار مقبوسة ، وإضافة الشهاب إليه لأنه قد يكون قبساً وغير قبس ، ونونه الكوفيون و يعقوب على أن الـ " قبس " بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس ، والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في (( طه )) ، والترديد للدلالة على أنه إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعبادة الله تعالى أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده . " لعلكم تصطلون " رجاء أن تستدفئوا بها والصلاء النار العظيمة .
8 -" فلما جاءها نودي أن بورك " أي " بورك " فإن النداء فيه معنى القول ، أو بـ " أن بورك " على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة ، والتخفيف وإن اقتضى التعويض بلا أو قد أو السين أو سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة . " من في النار ومن حولها " " من " في مكان " النار " وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : " نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة " ومن حول مكانها والظاهر أنه عام في كل من تلك الأرض ، وفي ذلك الواد وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتاً وخصوصاً تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى . وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون ، وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشأم . " وسبحان الله رب العالمين " من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهاً وللتعجيب من عظمة ذلك الأمر ، أو تعجب من موسى لما دهاه من عظمته .
9 -" يا موسى إنه أنا الله " الهاء للشأن و " أنا الله " جملة مفسرة له ، أو للمتكلم و " أنا " خبره و " الله " بيان له . " العزيز الحكيم " صفتان لله ممهدتان لما أراد أن يظهره ، يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير .
10 -" وألق عصاك " عطف على " بورك " أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ، ويدل عليه قوله " وأن ألق عصاك " بعد قوله " أن يا موسى إني أنا الله " بتكرير أن . " فلما رآها تهتز " تتحرك باضطراب . " كأنها جان " حية خفيفة سريعة ، وقرئ (( جأن )) على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين. " ولى مدبراً ولم يعقب " ولم لم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار ، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله : " يا موسى لا تخف " أي من غيري ثقة بي أو مطلقاً لقوله : " إني لا يخاف لدي المرسلون " أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى ، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه .
11 -" إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم " استثناء منقطع استدرك به ما يختلج في الصدر من نفي الخوف عن كلهم ، وفيهم من فرطت منه صغيرة فإنهم وإن فعلوها أتبعوا فعلها ما يبطلها ويستحقون به من الله مغفرة ورحمة فإنه لا يخاف أيضاً ، وقصد تعريض موسى بوكزه القبطي . وقيل متصل وثم بدل مستأنف معطوف على محذوف أي عن ظلم ثم بدل ذنبه بالتوبة .
12 -" وأدخل يدك في جيبك " لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها . وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع . " تخرج بيضاء من غير سوء " آفة كبرص . " في تسع آيات " في جملتها أو معها على أ، التسع هي ، الفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحداً ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون . أو اذهب في تسع آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به . " إلى فرعون وقومه " وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثاً أو مرسلاً . " إنهم كانوا قوماً فاسقين " تعليل للإرسال .
13 -" فلما جاءتهم آياتنا " بأن جاءهم موسى بها . " مبصرةً " بينة اسم فاعل أطلق للمفعول ، وإشعاراً بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر ، أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلاً عن أن تهدي ، أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها . وقرئ (( مبصرة )) أي مكاناً يكثركم فيه التبصر . " قالوا هذا سحر مبين " واضح سحريته .
14 -" وجحدوا بها " وكذبوا بها . " واستيقنتها أنفسهم " وقد استيقنتها لأن الواو للحال . " ظلماً " لأنفسهم . " وعلواً " ترفعاً عن الإيمان وانتصابهما . على العلة من " جحدوا " . " فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة .
15 -" ولقد آتينا داود وسليمان علماً " طائفة منت العلم وهو علم الحكم والشرائع ، أو علماً أي علم . " وقالا الحمد لله " عطفه بالواو إشعاراً بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال : ففعلا شكراً له ما فعلا " وقالا الحمد لله " . " الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين " يعني من لم يؤت علماً أو مثل علمهما ، وفيه دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذي لم يؤت غيرهما ، وتحريض للعالم على أن يحمد الله تعالى على ما آتاه من فضله وأن يتواضع ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير .
16 -" وورث سليمان داود " النبوة أو العلم أو الملك بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر . " وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء " تشهيراً لنعمة الله وتنويهاً بها ودعاء الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير وغير ذلك من عظائم ما أوتيه ، والنطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفرداً كان أو مركباً وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه ، أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد ، فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ، ولعل سليمان عليه الصلاة والسلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه به . ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل يصوت ويترقص فقال : يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء ، وصاحت فاختة فقال : إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا ، فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب ، والضمير في " علمنا " " وأوتينا " له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام أوله وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة ، والمراد " من كل شيء " كثرة ما أوتي كقولك : فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء . " إن هذا لهو الفضل المبين " الذي لا يخفى على أحد .
17 -" وحشر " وجمع . " لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون " يحبسون بحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا .
18 -" حتى إذا أتوا على واد النمل " واد بالشام كثير النمل ، وتعدية الفعل إليه بـ " على " إما لأن إتيانهم كان من عال أو لأن المراد قطعة من قولهم : أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا أخريات الوادي . " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها ، فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خلق الله سبحانه وتعالى فيها العقل والنطق . " لا يحطمنكم سليمان وجنوده " نهي لهم عن الحطم ، والمراد نهيها عن التوقف بحيث يحطمونها كقولهم : لا أرينك ها هنا ، فهو استئناف أو بدل من الأمر لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة . " وهم لا يشعرون " بأنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والإيذاء . وقيل استئناف أي فهم سليمان والقوم لا يشعرون .
19 -" فتبسم ضاحكاً من قولها " تعجباً من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها ، وسروراً بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم غرضها ولذلك سأل توفيق شكره ، " وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك " أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي ، أي أكفه وأرتبطه لا ينفلت عني بحيث لا أنفك عنه ، وقرأ البزي و ورش بفتح ياء " أوزعني " . " التي أنعمت علي وعلى والدي " أدرج فيه ذكر والديه تكثيراً للنعمة أو تعميماً لها ، فإن النعمة عليهما نعمة عليه والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية . " وأن أعمل صالحاً ترضاه " إتماماً للشكر واستدامة للنعمة . " وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " في عدادهم الجنة .
20 -" وتفقد الطير " وتعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد . " فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " أم منقطعة كأنه لما لم يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال : ما لي لا أراه ، ثم احتاط فلاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول أهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لاح له .
21 -" لأعذبنه عذاباً شديداً " كنتف رشه وإلقائه في الشمس ، أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص . " أو لأذبحنه " ليعتبر به أبناء جنسه . " أو ليأتيني بسلطان مبين " بحجة تبين عذره ، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحذوف عليه بعطفه عليهما ، وقرأ ابن كثير أو (( ليأتينني )) بنونين الأولى مفتوحة مشددة .
22 -" فمكث غير بعيد " زماناً غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفاً منه ، وقرأ عاصم بفتح الكاف . " فقال أحطت بما لم تحط به " يعني حال سبأ ، وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علماً بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه ، وقرئ بإدغام الطاء في التاء بإطباق وبغير إطباق . " وجئتك من سبإ " وقرأ ابن كثير برواية البزي و أبو عمرو غير مصروف على تأويل القبيلة والبلدة والقواس بهمزة ساكنة . " بنبإ يقين " بخبر متحقق روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء ، ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحاً فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء - وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء - فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهداً واقعاً فانحط إليه فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له ، ثم رجع بعد العصر وحكى ما حكى ، ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها .
23 -" إني وجدت امرأةً تملكهم " يعني بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان ، والضمير لسبأ أو لأهلها . " وأوتيت من كل شيء " يحتاج إليه الملوك . " ولها عرش عظيم " عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش أمثالها . وقيل كان ثلاثين ذراعاً في ثلاثين عرضاً وسمكاً ، أو ثمانين من ذهب وفضة مكللاً بالجواهر .
24 -" وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " كأنهم كانوا يعبدونها . " وزين لهم الشيطان أعمالهم " عبادة الشمس وغيرها من مقابح أعمالهم . " فصدهم عن السبيل " عن سبيل الحق والصواب . " فهم لا يهتدون " إليه .
25 -" أن لا يسجدوا لله " فصدهم لئلا يسجدوا أو زين لهم أن لا يسجدوا على أنه بدل من " أعمالهم " ، أو " لا يهتدون " إلى أن يسجدوا بزيادة " لا " . وقرأ الكسائي و يعقوب " إلا " بالتخفيف على أنها للتنبيه ويا للنداء ومناداه محذوف أي : ألا يا قوم اسجدوا كقوله : وقالت ألا يا اسمع أعظك بخطة فقلت سميعاً فانطقي وأصيبي وعلى هذا صح أن يكون استئنافاً من الله أو من سليمان والوقف على " لا يهتدون " ، فيكون أمراً بالسجود وعلى الأول ذماً على تركه وعلى الوجهين يقتضي وجوب السجود في الجملة لا عند قراءتها ، وقرئ (( هلا )) و (( هلا )) بقلب الهمزة هاء و (( ألا تسجودن )) و (( هلا تسجدون )) على الخطاب . " الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون " وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثاً على سجوده ورداً على من يسجد لغيره ، و" الخبء " ما خفي في غيره وإخراجه إظهار ، وهو يعم إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات بل الإنشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والإبداع ، فإنه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم أنه يختص بالواجب لذاته . وقرأ حفص و الكسائي (( ما تخفون وما تعلنون )) بالتاء .
26 -" الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " الذي هو أول الأجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون .
27 -" قال سننظر " سنعرف من النظر بمعنى التأمل . " أصدقت أم كنت من الكاذبين " أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل .
28 -" اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم " ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه . " فانظر ماذا يرجعون " ما يرجع بعضهم إلى بعض من القول .
29 -" قالت " أي بعد ما ألقى إليها . " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " لكرم مضمونه أو مرسله ، أو لأنه كان مختوماً أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به .
30 -" إنه من سليمان " استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه ، أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان " وإنه " أي وإن المكتوب أو المضمون . وقرئ بالفتح على الإبدال من " كتاب " أو التعليل لكرمه . " بسم الله الرحمن الرحيم " .
31 -" أن لا تعلوا علي " أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلوا أو بدل من " كتاب " . " وأتوني مسلمين " مؤمنين أو منقادين ، وهذا الكلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود ، لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحاً أو التزاماً ، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل ، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلالة .
32 -" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري " أجيبوني في أمري الفتي واذكروا ما تستصوبون فيه . " ما كنت قاطعةً أمراً " ما أبت أمراً . " حتى تشهدون " إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة .
33 -" قالوا نحن أولو قوة " بالأجساد والعدد . " وأولو بأس شديد " نجدة وشجاعة . " والأمر إليك " موكول . " فانظري ماذا تأمرين " من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك .
34 -" قالت إن الملوك إذا دخلوا قريةً " عنوة وغلبة . " أفسدوها " تزييف لما أحسنت منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية ، وأشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم ، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها . " وجعلوا أعزة أهلها أذلةً " بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإهانة والأسر . " وكذلك يفعلون " تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة ، أو تصديق لها من الله عز وجل .
35 -" وإني مرسلة إليهم بهدية " بيان لما ترى تقديمه في المصالحة ، والمعنى إني مرسلة رسلاً بهدية أدفعه بها عن ملكي . " فناظرة بم يرجع المرسلون " من حاله حتى أعمل بحسب ذلك . روي أنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معهم غلماناً على زي الجواري وجواري على زي الغلمان ، وحقاً فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت : إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقباً مستوياً وسلك في الخرزة خيطاً ، فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم ، فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه ، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية .
36 -" فلما جاء سليمان " أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرئ (( فلما جاؤوا )) . " قال أتمدونن بمال " خطاب للرسول ومن معه ، أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب . وقرأ حمزة و يعقوب بالإدغام وقرئ بنون واحدة وبنونين وحذف الياء . " فما آتاني الله " من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه ، وقرأ نافع و أبو عمرو و حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها وبإمالتها الكسائي وحده . " خير مما آتاكم " فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي . " بل أنتم بهديتكم تفرحون " لأنكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى إليكم حباً لزيادة أموالكم ، أو بما تعدونه افتخاراً على أمثالكم ، والإضراب عن إنكار الإمداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها .
37 -" ارجع " أيها الرسول . " إليهم " إلى بلقيس وقومها . " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ (( بهم )) . " ولنخرجنهم منها " من سبأ . " أذلةً " بذهاب ما كانوا فيه من العز . " وهم صاغرون " أسراء مهانون .
38 -" قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها " أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة ، ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره ؟ . " قبل أن يأتوني مسلمين " فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل أخذه إلا برضاها .
39 -" قال عفريت " خبيث مارد . " من الجن " بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه ، وكان اسمه ذكوان أو صخراً . " أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار . " وإني عليه " على حمله . " لقوي أمين " لا أختزل منه شيئاً ولا أبدله .
40 -" قال الذي عنده علم من الكتاب " آصف بن برخيا وزيره ، أو الخضر أو جبريل عليهما السلام أو ملك أيده الله به ، أو سليمان عليه السلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في : " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك ، أو أراد إظهار معجزة في نقله فتحداهم أولاً ثم أراهم أنه يتأتى له ما لا يتأتى لعفاريت الجن فضلاً عن غيرهم ، والمراد بـ " الكتاب " جنس الكتب المنزلة أو اللوح ، و" آتيك " في الموضعين صالح للفعلية والاسمية ، (( والطرف )) تحرك الأجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله : وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر وصف برد الطرف والطرف بالارتداد ، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك ، وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه . " فلما رآه " أي العرش " مستقراً عنده " حاصلاً بين يديه . " قال " تلقياً للنعمة بالشكر على شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى " هذا من فضل ربي " تفضل به علي من غير استحقاق ، والإشارة إلى التمكن من إحضار العرش في مدة ارتداد الطرف من مسيرة شهرين بنفسه أو غيره ، والكلام في إمكان مثله قد مر في آية (( الإسراء )) . " ليبلوني أأشكر " بأن أراه فضلاً من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة وأقوم بحقه . " أم أكفر " بأن أجد نفسي في البين ، أو أقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء . " ومن شكر فإنما يشكر لنفسه " لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران . " ومن كفر فإن ربي غني " عن شكره . " كريم " بالإنعام عليه ثانياً .
41 -" قال نكروا لها عرشها " بتغيير هيئته وشكله . " ننظر " جواب الأمر ، وقرئ بالرفع على الاستئناف . " أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون " إلى معرفته أو الجواب الصواب ، وقيل إلى الإيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليها الحراس .
42 -" فلما جاءت قيل أهكذا عرشك " تشبيهاً عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل . " قالت كأنه هو " ولم تقل هو هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها . " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " من تتمة كلامها كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت : وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة ، أو المعجزة مما تقدم من الآيات . وقيل إنه من كلام سليمان عليه السلام وقومه وعطفوه على جوابها لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزاً غالباً ، وإحضار ثمة من المعجزات التي لا يقدر عليه غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أي أوتينا العلم بالله وقدرته وصحة ما جاء به عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه ، ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكر الله تعالى .
43 -" وصدها ما كانت تعبد من دون الله " أي وصدها عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإسلام ، أو وصدها الله عن عبادتها بالتوفيق للإيمان . " إنها كانت من قوم كافرين " وقرئ بالفتح على الإبدال من فاعل صدها على الأول ، أي صدها نشؤها بين أظهر الكفار أو التعليل له .
44 -" قيل لها ادخلي الصرح " القصر وقيل عرصة الدار . " فلما رأته حسبته لجةً وكشفت عن ساقيها " روي أنه أمر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه ، فلما أبصرته ظنته ماء راكداً فكشفت عن ساقيها . وقرأ ابن كثير برواية قنبل (( سأقيها )) بالهمز حملاً على جمعه سؤوق وأسؤق . " قال إنه " إن ما تظنينه ماء . " صرح ممرد " مملس . " من قوارير " من الزجاج . " قالت رب إني ظلمت نفسي " بعبادتي الشمس ، وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت أنه يغرقها في اللجة . " وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " فيما أمر به عباده وقد اختلف في أنه تزوجها أو زوجها من ذي تبع ملك همدان .
45 -" ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله " بأن اعبدوا الله ، وقرئ بضم النون على اتباعها الباء . " فإذا هم فريقان يختصمون " ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق ، والواو لمجموع الفريقين .
46 -" قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة " بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا . " قبل الحسنة " قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق إيعاده تبنا حينئذ . " لولا تستغفرون الله " قبل نزوله . " لعلكم ترحمون " بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ .
47 -" قالوا اطيرنا " تشاءمنا . " بك وبمن معك " إذ تتابعت علينا الشدائد ، أو نقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم . " قال طائركم " سببكم الذي جاء منه شركم . " عند الله " وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده . " بل أنتم قوم تفتنون " تختبرون بتعاقب السراء والضراء ، والإضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه .
48 -" وكان في المدينة تسعة رهط " تسعة أنفس ، وإنما وقع تمييزاً للتسعة باعتبار المعنى ، والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة ، والنفر من الثلاثة إلى التسعة . " يفسدون في الأرض ولا يصلحون " أي شأنهم الإفساد الخالص عن شوب الصلاح .
49 -" قالوا " أي قال بعضهم لبعض . " تقاسموا بالله " أمر مقول أو خبر وقع بدلاً أو حالاً بإضمار قد . " لنبيتنه وأهله " لنباغتن صالحاً وأهله ليلاً . وقرأ حمزة و الكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض ، وقرئ بالياء على أن تقاسموا خبر . " ثم لنقولن " فيه القراءات الثلاث . " لوليه " لولي دمه . " ما شهدنا مهلك أهله " فضلاً أن تولينا إهلاكهم ، وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا (( مهلك )) في قراءة حفص فإن مفعلاً قد جاء مصدراً كمرجع . وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدراً . " وإنا لصادقون " فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفاً ، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلاً بل رجلين .
50 -" ومكروا مكراً " بهذه المواضعة . " ومكرنا مكراً " بأن جعلناها سبباً لإهلاكهم . " وهم لا يشعرون " بذلك ، روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا : زعم أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث ، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه ، وفرقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليه فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله :
51 -" فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين " و " كان " إن جعلت ناقصة فخبرها " كيف " و " أنا دمرناهم " استئناف أو خبر محذوف لا خبر " كان " لعدم العائد ، وإن جعلتها تامة فـ " كيف " حال . وقرأ الكوفيون و يعقوب " أنا دمرناهم " بالفتح على أنه خبر محذوف أو بدل من اسم " كان " أو خبر له و " كيف " حال .
52 -" فتلك بيوتهم خاويةً " خالية من خوى البطن إذا خلا ، أو ساقطة مهدمة من خوى النجم إذا سقط ، وهي حال عمل فيها معنى الإشارة . وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . " بما ظلموا " بسبب ظلمهم . " إن في ذلك لآيةً لقوم يعلمون " فيتعظون .
53 -" وأنجينا الذين آمنوا " صالحاً ومن معه . " وكانوا يتقون " الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة .
54 -" ولوطاً " واذكر لوطاً ، أو وأرسلنا لوطاً لدلالة ولقد أرسلنا عليه . " إذ قال لقومه " بدل على الأول وظرف على الثاني . " أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون " تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح ، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون أفحش .
55 -" أإنكم لتأتون الرجال شهوة " بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه ، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لا قضاء الوطر . " من دون النساء " اللاتي خلقن لذلك . " بل أنتم قوم تجهلون " تفعلون فعل من يجهل قبحها ، أو يكون سفيهاً لا يميز بين الحسن والقبيح ، أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب .
56 -" فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " أي يتنزهون عن أفعالنا ، أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذراً .
57 -" فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين " قدرنا كونها من الباقين في العذاب .
58 -" وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين " مر مثله .
59 -" قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " أمر رسوله صلى الله عليه وسلم - بعدما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظم شأنه وما خص به رسله من الآيات الكبرى والانتصار من العدا - بتحميده والسلام على المصطفين من عباده شكراً على ما أنعم عليهم ، أو علمه ما جهل من أحوالهم وعرفاناً لفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم في الدين ، أو لوطاً بأن يحمده على هلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك . " آلله خير أما يشركون " إلزام لهم وتهكم بهم وتسفيه لرأيهم ، إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأساً حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل خير . وقرأ أبو عمرو و عاصم و يعقوب بالتاء .
60 -" أمن " بل أمن . " خلق السموات والأرض " التي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع . وقرأ أمن بالتخفيف على أنه بدل من الله . " وأنزل لكم " لأجلكم . " من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة " عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته ، والتنبيه على أ، إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار إليه بقوله : " ما كان لكم أن تنبتوا شجرها " شجر الحدائق وهي البساتين من الإحداق وهو الإحاطة . " أإله مع الله " أغيره يقرن به ويجعل له شريكاً ، وهو المنفرد بالخلق والتكوين . وقرئ (( أإلهاً )) بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة بين الهمزتين وإخراج الثانية بين بين . " بل هم قوم يعدلون " عن الحق الذي هو التوحيد .
61 -" أمن جعل الأرض قراراً " بدل من " أمن خلق السموات " وجعلها قراراً بإبداء بعضها من الماء وتسويتها بحيث يتأتى استقرار الإنسان والدواب عليها . " وجعل خلالها " وسطها . " أنهاراً " جارية . " وجعل لها رواسي " جبالاً تتكون فيها المعادن وتنبع من حضيضها المنابع . " وجعل بين البحرين " العذب والمالح ، أو خليجي فارس والروم . " حاجزاً " برزخاً وقد مر بيانه في سورة (( الفرقان )) . " أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون " الحق فيشركون به .
62 -" أمن يجيب المضطر إذا دعاه " المضطر الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجوء إلى الله تعالى من الاضطرار ، وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه إجابة كل مضطر . " ويكشف السوء " ويدفع عن الإنسان ما يسوءه . " ويجعلكم خلفاء الأرض " خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم . " أإله مع الله " الذي خصكم بهذه النعم العامة والخاصة . " قليلاً ما تذكرون " أي تذكرون آلاءه تذكراً قليلاً ، وما مزيدة والمراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة . وقرأ أبو عمرو و هشام و روح بالياء و حمزة و الكسائي و حفص بالتاء وتخفيف الذال .
63 -" أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر " بالنجوم وعلامات الأرض ، والـ " ظلمات " ظلمات الليالي وإضافتها إلى " البر والبحر " للملابسة ، أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتي لا منار بها . " ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته " يعني المطر ، ولو صح أن السبب الأكثر في تكون الرياح معاودة الأدخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها الهواء فلا شك أن الأسباب الفاعلية والقابلية لذلك من خلق الله تعالى ، والفاعل للسبب فعل للمسبب . " أإله مع الله " يقدر على مثل ذلك . " فتعالى الله عما يشركون " تعالى الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق .
64 -" أمن يبدأ الخلق ثم يعيده " والكفرة وإن أنكروا الإعادة فهم محجوبون بالحجج الدالة عليها . " ومن يرزقكم من السماء والأرض " أي بأسباب سماوية وأرضية . " أإله مع الله " يفعل ذلك . " قل هاتوا برهانكم " على أن غيره يقدر على شيء من ذلك . " إن كنتم صادقين " في إشراككم فإن كمال القدرة من لوازم الألوهية .
65 -" قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة أتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على أنه تعالى إن كان ممن في السموات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السموات والأرض من تعلق علمه بها وأطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . " وما يشعرون أيان يبعثون " متى ينشرون مركبة من (( أي )) (( وآن )) وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .
66 -" بل ادارك علمهم في الآخرة " لما نفى عنهم علم الغيب وأكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغة فيه ، بأن أضرب عنه وبين أن ما انتهى وتكامل فيه أسباب علمهم من الحجج والآيات وهو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي . " بل هم في شك منها " كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلاً . " بل هم منها عمون " لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم ، وهذا وإن اختص بالمشركين ممن في السموات والأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل ، والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم ، وقيل الأول إضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكماً بهم ، وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم أدركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم . وقرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص (( بل ادراك )) بمعنى تتابع حتى استحكم ، أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك ، و أبو بكر (( أدرك )) وأصلهما تفاعل وافتعل ، وقرئ (( أأدرك )) بهمزتين (( وآأدرك )) بألف بينهما (( بل أدرك )) و (( بل تدارك )) و (( بلى أأدرك )) و (( أم أدرك )) أو (( تدارك )) ، وما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له الإدراك على التهكم ، وما بعده إضراب عن التفسير مبالغة في نفيه ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها " بل " إنهم " منها عمون " أو رد وإنكار لشعورهم .
67 -" وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون " كالبيان لعمههم والعامل في إذا ما دل عليه " أإنا لمخرجون " ، وهو نخرج لا مخرجون لأن كلاً من الهمزة وإن واللام مانعة من عمله فيما قبلها ، وتكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار ، والمراد بالإخراج الإخراج من الأجداث أو من حال الفناء إلى حال الحياة ، وقرأ نافع (( إذا كنا )) بهمزة واحدة مكسورة ، وقرأ ابن عامر و الكسائي (( إننا لمخرجون )) بنونين على الخبر .
68 -" لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل " من قبل وعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقديم هذا على نحن لأن المقصود بالذكر هو البعث وحيث أخر المقصود به المبعوث . " إن هذا إلا أساطير الأولين " التي هي كالأسمار .
69 -" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين " تهديد لهم على التكذيب وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم ، والتعبير عنهم بـ " المجرمين " ليكون لطفاً بالمؤمنين في ترك الجرائم .
70 -" ولا تحزن عليهم " على تكذيبهم وإعراضهم . " ولا تكن في ضيق " في حرج صدر ، وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان ، وقرئ ضيق أي أمر ضيق . " مما يمكرون " من مكرهم فإن الله يعصمك من الناس .
71 -" ويقولون متى هذا الوعد " العذاب الموعود . " إن كنتم صادقين " .
72 -" قل عسى أن يكون ردف لكم " تبعكم ولحقكم ، واللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل يتعدى باللام مثل دنا . وقرئ بالفتح وهو لغة فيه . " بعض الذي تستعجلون " حلوله وهو عذاب يوم بدر ، وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها وإنما يطلقونها إظهاراً لوقارهم وإشعاراً بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله تعالى ووعيده .
73 -" وإن ربك لذو فضل على الناس " لتأخير عقوبتهم على المعاصي ، والفضل والفاضلة الأفضال وجميعها فضول وفواضل . " ولكن أكثرهم لا يشكرون " لا يعرفون حتى النعمة فيه فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم وقوعه .
74 -" وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم " ما تخفيه وقرئ بفتح التاء من كننت أي سترت . " وما يعلنون " من عداوتك فيجازيهم عليه .
75 -" وما من غائبة في السماء والأرض " خافية فيهما ، وهما من الصفات الغالبة والتاء فيهما للمبالغة كما في الرواية ، أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عافية وعاقبة . " إلا في كتاب مبين " بين أو " مبين " ما فيه لما يطالعه ، والمراد اللوح أو القضاء على الاستعارة .
76 -" إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون " كالتشبيه والتنزيه وأحوال الجنة والنار وعزير والمسيح .
77 -" وإنه لهدىً ورحمة للمؤمنين " فإنهم المنتفعون به .
78 -" إن ربك يقضي بينهم " بين بني إسرائيل . " بحكمه " بما يحكم به وهو الحق ، أو بحكمته ويدل عليه أن قرئ بحكمه . " وهو العزيز " فلا يرد قضاؤه . " العليم " بحقيقة ما يقضى فيه ، وحكمه .
79 -" فتوكل على الله " ولا تبال بمعاداتهم . " إنك على الحق المبين " وصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره .
80 -" إنك لا تسمع الموتى " تعليل آخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأساً ، وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله : " ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين " فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد . وقرأ ابن كثير " ولا يسمع الصم " .
81 -" وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم " حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر . وقرأ حمزة وحده (( وما أنت تهدي العمي )) . " إن تسمع " أي ما يجدي إسماعك . " إلا من يؤمن بآياتنا " من هو في علم الله كذلك . " فهم مسلمون " مخلصون من أسلم وجهه لله .
82 -" وإذا وقع القول عليهم " إذا دنا وقوع معناه وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب . " أخرجنا لهم دابةً من الأرض " وهي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعاً ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان ، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب . وروي أنه عليه الصلاة والسلام " سئل من أين مخرجها فقال : من أعظم المساجد حرمة على الله " ، يعني المسجد الحرام . " تكلمهم " من الكلام ، وقيل من الكلم إذ قرئ (( تكلمهم )) . وروي أنها تخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام ، فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه ، وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه . " أن الناس كانوا بآياتنا " خروجها وسائر أحوالها فإنها من آيات الله تعالى . وقيل القرآن ، وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح . " لا يوقنون " لا يتيقنون ، وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عز وجل أو علة خروجها ، أو تكلمها على حذف الجار .
83 -" ويوم نحشر من كل أمة فوجاً " يعني يوم القيامة . " ممن يكذب بآياتنا " بيان للفوج أي فوجاً مكذبين ، و" من " الأولى للتبعيض لأن أمة كل نبي وأهل كل قرن شامل للمصدقين والمكذبين . " فهم يوزعون " يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم .
84 -" حتى إذا جاؤوا " إلى المحشر . " قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً " الواو للحال أي أكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظراً يحيط علمكم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب ، أو للعطف أي أجمعتم بين التكذيب بها وعدم إلقاء الأذهان لتحققها . " أماذا كنتم تعملون " أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ، وهو للتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك .
85 -" ووقع القول عليهم " حل بهم العذاب الموعود وهو كبهم في النار بعد ذلك . " بما ظلموا " بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله . " فهم لا ينطقون " باعتذار لشغلهم بالعذاب .
86 -" ألم يروا " ليتحقق لهم التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل ، لأن تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر ، وأن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الأبدان ، وأن من جعل النهار ليبصروا فيه سبباً من أسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم . " أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه " بالنوم والقرار . " والنهار مبصراً " فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإبصار حالاً من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها . " إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " لدلالتها على الأمور الثلاثة .
87 -" ويوم ينفخ في الصور " في الصور أو القرن ، وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق . " ففزع من في السموات ومن في الأرض " من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه . " إلا من شاء الله " أن لا يفزع بأن يثبت قلبه . قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل . وقيل الحور و الخزنة وحملة العرش ، وقيل الشهداء ، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأنه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك . " وكل أتوه " حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية ، أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة و حفص " أتوه " على الفعل ، وقرئ (( أتاه )) على التوحيد للفظ الكل . " داخرين " صاغرين وقرئ (( دخرين )) .
88 -" وترى الجبال تحسبها جامدةً " ثابتة في مكانها . " وهي تمر مر السحاب " في السرعة ، وذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها . " صنع الله " مصدر مؤكد لنفسه وهو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله " وعد الله " . " الذي أتقن كل شيء " أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي . " إنه خبير بما تفعلون " عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم عليها كما قال :
89 -" من جاء بالحسنة فله خير منها " إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة ، وقيل " خير منها " أي خير حاصل من جهتها وهو الجنة ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و هشام (( خبير بما يفعلون )) بالياء والباقون بالتاء . " وهم من فزع يومئذ آمنون " يعني به خوف عذاب يوم القيامة ، وبالأول ما يلحق الإنسان من التهيب لما يرى من الأهوال والعظائم لذلك يعم الكافر والمؤمن ، وقرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم ، وآمن يتعدى بالجار وبنفسه كقوله " أفأمنوا مكر الله " . وقرأ الكوفيون و نافع (( يومئذ )) بفتح الميم والباقون بكسرها .
90 -" ومن جاء بالسيئة " قيل بالشرك . " فكبت وجوههم في النار " فكبوا فيها على وجوههم ، ويجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما أريدت بالأيدي في قوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " . " هل تجزون إلا ما كنتم تعملون " على الالتفات أو بإضمار القول أي قيل لهم ذلك .
91 -" إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها " أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ذلك بعدما بين المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة ، إشعاراً بأنه قد أتم الدعوة وقد كملت وما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربه ، وتخصيص مكة بهذه الإضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها وقرئ (( التي حرمها )) . " وله كل شيء " خلقاً وملكاً . " وأمرت أن أكون من المسلمين " المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام .
92 -" وأن أتلو القرآن " وأن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئاً فشيئاً ، أو اتباعه وقرئ (( واتل عليهم )) (( وأن أتل )) . " فمن اهتدى " باتباعه إياي في ذلك ، " فإنما يهتدي لنفسه " فإن منافعه عائدة إليه . " ومن ضل " بمخالفتي . " فقل إنما أنا من المنذرين " فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت .
93 -" وقل الحمد لله " على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به . " سيريكم آياته " القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض ، أو في الآخرة . " فتعرفونها " أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة . " وما ربك بغافل عما تعملون " فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلة عن أعمالكم ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي بالياء . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة طس كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهوداً وصالحاً وإبراهيم وشعيباً ، ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلا الله " .