1-" حم " .
2-" والكتاب المبين " القرآن والواو للعطف إن كان " حم " مقسماً به وإلا فللقسم والجواب قوله :
3-" إنا أنزلناه في ليلة مباركة " ليلة القدر ، أو البراءة ابتدئ فيها إنزاله ، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوماً وبركتها لذلك ، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية ، أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية . " إنا كنا منذرين " استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله :
4-" فيها يفرق كل أمر حكيم " فإن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو عظائمها ، ويجوز أن يكون صفة " ليلة مباركة " وما بينهما اعتراض ، وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله : " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " وقرئ بالتشديد و " يفرق " كل أي يفرقه الله ، و نفرق بالنون .
5-" أمراً من عندنا " أي أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمتنا ، وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالاً من كل أوامر ، أو ضميره المستكن في " حكيم " لأنه موصوف ، وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدراً لـ" يفرق " أو لفعله مضمراً من حيث أن الفرق به ، أو حالاً من أحد ضميري " أنزلناه " بمعنى آمرين أو مأموراً " إنا كنا مرسلين " .
6-" رحمة من ربك " بدل من " إنا كنا منذرين " أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم ، وضع الرب موضع الضمير للإشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك ، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة لـ" يفرق " أو " أمراً " ، و " رحمة " مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر " من عندنا " لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإلهية من باب الرحمة ، وقرئ " رحمة " على تلك رحمة . " إنه هو السميع العليم " يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم ، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته .
7-" رب السموات والأرض وما بينهما " خبر آخر أو استئناف . وقرأ الكوفيون بالجر بدلاً " من ربك " . " إن كنتم موقنين " أي أن كنتم من أهل الإيقان في العلوم ، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها ؟ فقلتم الله ، علمتم أن الأمر كما قلنا ، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك .
8-" لا إله إلا هو " إلا لا خالق سواه . " يحيي ويميت " كما تشاهدون . " ربكم ورب آبائكم الأولين " وقرئا بالجر بدلاً " من ربك " .
9-" بل هم في شك يلعبون " رد لكونهم موقنين .
10-" فارتقب " فانتظر لهم ." يوم تأتي السماء بدخان مبين " يوم شده ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره ، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار ، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخاناً وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها ، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار ، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي عليه الصلاة والسلام لما قال : " أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر . قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة ، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره " أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين .
11-" يغشى الناس " يحيط بهم صفة للدخان وقوله : " هذا عذاب أليم " .
12-" ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " مقدر بقول وقع حالاً و " إنا مؤمنون " وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم .
13-" أنى لهم الذكرى " من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة . " وقد جاءهم رسول مبين " بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الادكار من الآيات والمعجزات .
14-" ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون " أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه " مجنون " .
15-" إنا كاشفوا العذاب " بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لما دعا رفع القحط " قليلاً " كشفا قليلاً أو زماناً قليلاً وهو ما بقي من أعمارهم . " إنكم عائدون " إلى الكفر غب الكشف ، ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأبعين ، فريثما يكشفه عنهن يرتدون ، ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير .
16-" يوم نبطش البطشة الكبرى " يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه . " إنا منتقمون " لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه ، أو بدل من " يوم تأتي " . وقرئ " نبطش " أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم ، أو نحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصوله .
17-" ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون " امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم ، أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الرزق عليهم .وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم . " وجاءهم رسول كريم " على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه .
18-" أن أدوا إلي عباد الله " بأن أدرهم إلي وأرسلوا معي ، أو بأن أدوا إلي حق الله من الإيمان وقبول الدعوة يا عباد الله ، ويجوز أن تكون " أن " مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة . " إني لكم رسول أمين " غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه ، أو لائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر .
19-" وأن لا تعلوا على الله " ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله ، و " أن " كالأولى في وجهيها . " إني آتيكم بسلطان مبين " علة للنهي ولذكر الـ" أمين" مع الأداء ، والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى .
20-" وإني عذت بربي وربكم " التجأت إليه وتوكلت عليه . " أن ترجمون " أن تؤذوني ضرباً أو شتماً أو أن تقتلوني . وقرئ عت بالإدغام فيه .
21-" وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي ، ولا تتعرضوا إلي بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم .
22-" فدعا ربه " بعدما كذبوه ." أن هؤلاء " بأن هؤلاء " قوم مجرمون " وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء ، وقرئ بالكسر على إضماء القول .
23-" فأسر بعبادي ليلاً " أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك " فأسر " ، وقرأ نافع و أبو عمرو و ابن كثير بوصل الهمزة من سوى " إنكم متبعون " يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم .
24-" واترك البحر رهواً " مفتوحاً ذا فجوة واسعة أو ساكناً على هيئة بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئاً ليدخله القبط " إنهم جند مغرقون " وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم .
25-" كم تركوا " كثيراً تركوا . " من جنات وعيون " .
26-" وزروع ومقام كريم " محافل مزينة ومنازل حسنة .
27-" ونعمة " وتنعم . " كانوا فيها فاكهين " متنعمين ، وقرئ فكهين .
28-" كذلك " مثل ذلك الإخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك . " وأورثناها " عطف على القدر أو على " تركوا " . " قوماً آخرين " ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل ، وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر .
29-" فما بكت عليهم السماء والأرض " مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم : بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك . ومنه ما روي في الأخبار : إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه . وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض " وما كانوا منظرين " ممهلين إلى وقت آخر .
30-" ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين " من استعباد فرعون وقتله أبناءهم .
31-" من فرعون " بدل من " العذاب " على حذف المضاف ، أو جعله عذاباً لإفراطه في التعذيب ، أو حال من المهين بمعنى واقعاً من جهته ، وقرئ " من فرعون " على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة . " إنه كان عالياً " متكبراً . " من المسرفين " في العتو والشرارة ، وهو خبر ثان أي كان متكبراً مسرفاً ، أو حال من الضمير في " عالياً " أي كان رفيع الطبقة من بينهم .
32-" ولقد اخترناهم " اخترنا بني إسرائيل . " على علم " عالمين بأنهم أحقاء بذلك ، أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بعض الأحوال ." على العالمين " لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم .
33-" وآتيناهم من الآيات " كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى . " ما فيه بلاء مبين " نعمة جلية أو اختبار ظاهر .
34-" إن هؤلاء " يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة ، والإنذار عن مثل ما حل بهم . " ليقولون " .
35-" إن هي إلا موتتنا الأولى " ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية ، ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك : حج زيد الحجة الأولى ومات . وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى ، أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى . " وما نحن بمنشرين " بمبعوثين .
36-" فاتوا بآبائنا " خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين . " إن كنتم صادقين " في وعدكم ليدل عليه .
37-" أهم خير " في القوة والمنعة . " أم قوم تبع " تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند . وقيل هدمها وكان مؤمناً وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه . وعنه عليه الصلاة والسلام : " ما أدري أكان تبع نبياً أم غير نبي " . وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون . " والذين من قبلهم " كعاد وثمود . " أهلكناهم " استئناف بمآل قوم تبع ، " والذين من قبلهم " هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به . " إنهم كانوا مجرمين " بيان للجامع المقتضي للإهلاك .
38-" وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما " وما بين الجنسين وقرئ وما بينهن " لاعبين " لاهين ، وهو دليل على صحة الحشر كما مر في الأنبياء وغيرها .
39-" ما خلقناهما إلا بالحق " إلا بسبب الحق الذي اقتضاه الدليل من الإيمان والطاعة ، أو البعث والجزاء . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " لقلة نظرهم .
40-" إن يوم الفصل " فصل الحق عن الباطل ، أو المحق عن المبطل بالجزاء ، أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبائه . " ميقاتهم " وقت موعدهم . " أجمعين " وقرئ " ميقاتهم " بالنصب على أنه الاسم أي أن ميعاد جزائهم في " يوم الفصل " .
41-" يوم لا يغني " بدل من " يوم الفصل " أو صفة لـ" ميقاتهم " ، أو ظرف لما دل عليه الفصل لاله للفصل . " مولىً " من قرابة أوغيرها . " عن مولىً " أي مولى كان ." شيئاً " من الاغناء . " ولا هم ينصرون " الضمير لـ" مولى " الأول باعتبار المعنى لأنه عام .
42-" إلا من رحم الله " بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه ، ومحله الرفع على البدل من الواو والنصب على الاستثناء " إنه هو العزيز " لا ينصر منه من أراد تعذيبه . " الرحيم " لمن أراد أن يرحمه .
43-" إن شجرة الزقوم " وقرئ بكسر الشين ومعنى " الزقوم " سبق في الصافات .
44-" طعام الأثيم " الكثير الآثام ، والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه .
45-" كالمهل " وهو ما يمهل في النار حتى يذوب . وقيل دردي الزيت . " يغلي في البطون " وقرأ ابن كثير و حفص و رويس بالياء على أن الضمير للـ" طعام " ، أو " الزقوم " لا للمهل إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما .
46-" كغلي الحميم " غلياناً مثل غليه .
47-" خذوه " على إرادة القول والمقول له الزبانية . " فاعتلوه " فجروه والعتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر ، وقرأ الحجازيان و ابن عامر و يعقوب بالضم وهما لغتان . " إلى سواء الجحيم " وسطه .
48-" ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " كان أصله يصب من فوق رؤوسهم الحميم فقيل يصب من " فوق " رؤوسهم " عذاب" هو " الحميم " للمبالغة ، ثم أضيف الـ" عذاب " إلى " الحميم " للتخفيف وزيد من الدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع .
49-" ذق إنك أنت العزيز الكريم " أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتفريعاً على ما كان يزعمه ، وقرأ الكسائي أنك بالفتح أي ذق لأنك أو " عذاب " " أنك " .
50-" إن هذا " إن هذا الـ" عذاب " . " ما كنتم به تمترون " تشكون وتمارون فيه .
51-" إن المتقين في مقام " في موضع إقامة ' وقرأ نافع و ابن عامر بضم الميم " أمين " يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال .
52-" في جنات وعيون " بدل من مقام جيء به للدلالة على نزاهته ، واشتماله على ما يستلذ به من المآكل والمشارب .
53-" يلبسون من سندس وإستبرق " خبر ثان أو حال من الضمير في الجار أو استئناف ، والسندس ما رق من الحرير والاستبرق ما غلظ منه معرب استبره ، أو مشتق من البراقة . " متقابلين " في مجالسهم ليسأنس بعضهم ببعض .
54- " كذلك " الأمر كذلك أو آتيناهم مثل ذلك . " وزوجناهم بحور عين " قرناهم بهن ولذلك عذي بالباء ، والحوراء البيضاء والعيناء عظيمة العينين ، واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرها .
55-" يدعون فيها بكل فاكهة " بطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان ولا بزمان . " آمنين " من الضرر .
56-" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " بل يحيون فيها دائماً ، والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للآخرة و " الموت " أول أحوالها ، أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها ، أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع " الموت " فكأنه قال : " لا يذوقون فيها الموت " إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل . " ووقاهم عذاب الجحيم " وقرئ ووقاهم على المبالغة .
57-" فضلاً من ربك " أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلاً منه . وقرئ بالرفع أي ذلك فضل . " ذلك هو الفوز العظيم " لأنه خلاص عن المكاره وفوز بالمطالب .
58-" فإنما يسرناه بلسانك " سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة السورة . " لعلهم يتذكرون " لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا .
59-" فارتقب " فانتظر ما يحل بهم . " إنهم مرتقبون " منتظرون ما يحل بك . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفوراً له " .