حم: ابتدأت هذه السورة ببعض الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف.
أقسم الله بالقرآن الكاشف عن الدين الحق، الموضح للناس ما يُصلح دنياهم وآخرتهم، إعلامًا برفعة قدره.
إننا ابتدأنا إنزال القرآن فى ليلة وفيرة الخير، كثيرة البركات، لأن من شأننا الإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
فى هذه الليلة المباركة يُفَصَّل ويُبيَّن كل أمر محكم، والقرآن رأس الحكمة، والفيصل بين الحق والباطل، ولذا كان إنزاله فيها.
أعنى بهذا الأمر أمرًا عظيمًا صادرًا من عندنا كما اقتضاه تدبيرنا، لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب لتبليغ العباد.
لأجل رحمة ربك بعباده أرسل رسله للناس يبلغونهم هَدْيه، لأنه - وحده - السميع لكل مسموع، المحيط علمًا بكل معلوم.
هو خالق السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بالحق، مذعنين له، مؤمنين بأنه المنزل للقرآن رحمة وهداية.
لا إله يستحق العبادة سواه، هو - وحده - يحيى ويميت، وهو - وحده - خالقكم وخالق آبائكم الأولين.
فانتظر - أيها الرسول - حينما ينزل بهم القحط، فيصابون بالهزال وضعف البصر، فيرى الرجل بين السماء والأرض دخانًا واضحًا!.
يحيط هذا الدخان بالمكذبين الذين أصابهم الجدب، فيقولون لشدة الهول: هذا عذاب شديد الإيلام.
كما يقولون استغاثة بالله: إننا سنؤمن بعد أن تكشف عنا عذاب الجوع والحرمان.
كيف يتعظ هؤلاء، ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم رسول واضح الرسالة بالمعجزات الدالة على صدقه، وذلك أعظم موجبات الاتعاظ؟.
ثم أعرضوا عن التصديق بالرسول المؤيد بالمعجزات الواضحة، وقالوا - كذبًا وافتراءً -: تارة يعلمه البشر، وقالوا تارة أخرى: اختلط عقله.
اذكر - أيها الرسول - يوم نأخذهم الأخذة الكبرى بعنف وقوة، إننا - بهذا الأخذ - منتقمون منهم.
ولقد امتحنا قبل كفار مكة قوم فرعون بالدعوة إلى الإيمان، وجاءهم موسى رسول كريم على الله، فكفروا به عنادًا، وكذلك شأن هؤلاء المشركين.
قال لهم الرسول الكريم: أدَّوا إلَّى يا عباد الله ما هو واجب عليكم من قبول دعوتى، لأنى لكم رسول إليكم خاصة، أمين على رسالتى.
ولا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأنى آتيكم بمعجزة واضحة تبين صدق نبوتى ورسالتى.
وإنى اعتصمت بخالقى وخالقكم من أن تتمكنوا من قتلى رجمًا.
وإن لم تصدقوا بى فكونوا بمعزل منى، ولا تُؤْذُونى.
فدعا موسى ربه - شاكيًا قومه حين يئس من إيمانهم - بأن هؤلاء قوم تناهى أمرهم فى الكفر، فافعل بهم ما يستحقون.
فسِر بالمؤمنين ليلا فى خفية، حتى لا يدركوكم، لأن فرعون وجنوده سيتبعونكم إذا علموا، للإيقاع بكم.
واترك البحر ساكنًا على هيئته بعد ضربه بالعصا، ليدخله المنكرون، فإنهم مغرقون لا محالة.
تركوا بعد إغراقهم كثيرًا من الجنات الناضرة والعيون الجارية.
والزروع المتنوعة والمنازل الحسنة.
وعيشة مترفة نضرة كانوا فيها متنعمين.
مثل ذلك العقاب يعاقب الله من خالف أمره، وخرج على طاعته، ويحول ما كان فيه من النعم إلى قوم آخرين ليسوا منهم فى شىء من قرابة ولا دين.
فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب لهوان شأنهم، ولم يُنظَروا لتوبة، ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم، احتقارًا لهم.
ولقد نجَّى الله بنى إسرائيل من العذاب المذل لهم.
نجاهم من فرعون، إن فرعون كان مستعليًا على قومه، مسرفًا فى الشر والطغيان.
أقسم: لقد اخترنا بنى إسرائيل على علم منا بأحقيتهم بالاختيار على عالمى زمانهم، فبعثنا فيهم أنبياء كثيرين مع علمنا بحالهم.
وآتاهم الله على يد موسى من الدلائل ما فيه اختبار ظاهر لهم.
إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون: ما الموتة إلا موتتنا الأولى فى الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين.
إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون: ما الموتة إلا موتتنا الأولى فى الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين.
ويقولون لرسول الله والمؤمنين: إن كنتم صادقين فى دعواكم أن ربكم يحيى الموتى للحساب فى الآخرة، فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك.
أكفار مكة خير فى القوة والمنعة والسلطان وسائر أمور الدنيا أم قوم تبع ومن سبقهم؟ ليس مشركو قومك - يا محمد - أقوى منهم، وقد أهلكناهم فى الدنيا بكفرهم وإجرامهم، فليعتبروا بهم.
وما خلق الله السموات والأرض وما بينهما بحكمة ولحكمة.
ما خلقناهما إلا خلقًا منوطًا بالحكمة على نظام ثابت يدل على وجود الله ووحدانيته وقدرته، ولكن أكثر هؤلاء فى غفلة عمياء، لا يعلمون هذه الدلالة.
إن يوم الحكم بين المحق والمبطل وقت موعدهم أجمعين.
لكن الذين رحمهم الله من المؤمنين يعفو الله عنهم، ويأذن لهم بالشفاعة، إنه الغالب على كل شىء، الرحيم بعباده المؤمنين.
إن شجرة الزقوم - المعروفة بقبح منظرها وخبث طعمها وريحها - طعام الفاجر كثير الآثام.
إن شجرة الزقوم - المعروفة بقبح منظرها وخبث طعمها وريحها - طعام الفاجر كثير الآثام.
طعامها كسائل المعدن الذى صهرته الحرارة، يغلى فى البطون كغلى الماء الذى بلغ النهاية فى غليانه.
طعامها كسائل المعدن الذى صهرته الحرارة، يغلى فى البطون كغلى الماء الذى بلغ النهاية فى غليانه.
خذوا - يا زبانية جهنم - هذا الفاجر الأثيم فقودوه بعنف وغلظة إلى وسط جهنم.
ثم صبوا فوق رأسه الماء الشديد الحرارة، زيادة فى تعذيبه وإيلامه.
يقال له - استهزاء وتهكمًا به - ذق العذاب الشديد، إنك أنت العزيز فى قومك، الكريم فى حسبك.
إن هذا العذاب الذى لمستموه حقيقة واقعة هو ما كنتم تخاصمون بشأنه فى الدنيا، وتشكُّون فى وقوعه.
إن الذين وقوا أنفسهم من المعاصى بالتزام طاعة الله فى مكان عظيم يأمنون فيه على أنفسهم.
فى جنات ينعمون فيها، وعيون من الماء تجرى من تحتها، إكرامًا لهم بإعظام نعيمهم.
يلبسون مارقَّ وما غلظ من الحرير زيادة فى زينتهم، متقابلين فى مجالسهم، ليتم لهم الأنس.
ومع هذا الجزاء زوَّجناهم فى الجنة بحور عين، يحار فيهن الطرف لفرط حسنهن وجمالهن وسعة عيونهن.
يطلبون فى الجنة كل فاكهة يشتهونها، آمنين من الغصص والزوال والحرمان.
لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا عند انقضاء آجالهم، وحفظهم ربهم من عذاب النار.
حفظوا من العذاب - فضلا وإحسانًا من خالقك - ذلك الحفظ من العذاب ودخول الجنة هو غاية الفوز العظيم.
فإنما سهَّلنا عليك تلاوة القرآن وتبليغه مُنَزَّلا بلغتك ولغتهم كى يتعظوا فيؤمنوا به ويعملوا بما فيه.
فانتظر ما يحل بهم، إنهم منتظرون ما يحل بك وبدعوتك من الدوائر.