{حم}.
{والكتاب المبين}.
{إنا أنزلناه} أي: القرآن {في ليلة مباركة} قيل: هي ليلة القدر في رمضان، أنزل الله القرآن فيها من أم الكتاب إلى سماء الدنيا، ثم أنزله على نبيه عليه السلام نجوماً. وقيل: ليلة النصف من شعبان {إنا كنا منذرين} محذرين عبادنا العقوبة بإنزال الكتاب.
{فيها يفرق} يفصل {كل أمر حكيم} محكم من أرزاق العباد وآجالهم، وذلك أنه يدبر في تلك الليلة أمر السنة.
{أمرا من عندنا} معناه: يفرق كل أمر حكيم فرقاً من عندنا، فوضع الأمر موضع الفرق، لأنه أمر. {إنا كنا مرسلين} محمداً إلى قومه.
{رحمة} أي: للرحمة، وقوله:
{إن كنتم موقنين} أي: إن أيقنتم بأنه رب السماوات والأرض، فأيقنوا أن محمداً رسوله، لأنه أرسله.
{لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين}.
{بل هم في شك} من البعث والنشر {يلعبون} مشتغلين بالدنيا.
{فارتقب} فانتظر {يوم تأتي السماء بدخان مبين} وذلك حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه بالقحط، فمنع القطر، وأجدبت الأرض، وانجرت الآفاق، وصار بين السماء والأرض كالدخان.
{يغشى الناس} ذلك الدخان وهم يقولون: {هذا عذاب أليم}.
{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} مصدقون بنبيك، قال الله تعالى:
{أنى لهم الذكرى} من أين لهم التذكر والاتعاظ، {و} حالهم أنهم {قد جاءهم رسول مبين} يبين لهم أحكام الدين. يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم.
{ثم تولوا} أعرضوا {عنه وقالوا معلم} أي: إنه معلم يعلمه ما يأتي به بشر.
{إنا كاشفوا العذاب قليلا } أي: يكشف عنكم عذاب الجوع في الدنيا، ثم تعودون في العذاب، وهو قوله: {إنكم عائدون}.
{يوم نبطش البطشة الكبرى} أي: يوم القيامة. وقيل: يوم بدر.
{ولقد فتنا} بلونا {قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم} على الله تعالى يعني: موسى عليه السلام.
{أن أدوا إلي عباد الله } أي: سلموهم إلي ولا تعذبوهم، يعني: بني إسرائيل، كما قال: {فأرسل معي بني إسرائيل} {إني لكم رسول أمين} على وحي الله عز وجل.
{وأن لا تعلوا على الله} لا تعصوه ولا تخالفوا أمره {إني آتيكم بسلطان مبين} بحجة واضحة تدل على أنني نبي.
{وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون} أن تقتلون، وذلك انهم توعدوه بالقتل.
{وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} أي: لا تكونوا على ولا لي، وخلوا عني.
{فدعا ربه أن} أي: بأن {هؤلاء} أي: يا رب هؤلاء {قوم مجرمون} مشركون، فقال الله تعالى:
{فأسر بعبادي} بني إسرائيل {ليلا إنكم متبعون} يتبعكم فرعون وقومه.
{واترك البحر رهوا} خلفه وراءك ساكناً غير مضطرب، وذلك أن الماء وقف له كالطود العظيم حين جاوز البحر {إنهم جند مغرقون} نغرقهم في ذلك البحر الذي تجاوزوه رهواً.
{كم تركوا} بعد هلاكهم {من جنات وعيون} الآية، مفسرة في سورة الشعراء.
{وزروع ومقام كريم}.
{ونعمة كانوا فيها فاكهين}.
{كذلك} أي: الأمر كما وصفنا {وأورثناها} أعطيناها {قوما آخرين} يعني: بني إسرائيل.
{فما بكت عليهم السماء والأرض} لأنهم ماتوا كفاراً، والمؤمن يبكي عليه مصعد عمله، ومصلاه من الأرض. {وما كانوا منظرين} مؤخرين حين أخذناهم بالعذاب.
{ولقد نجينا بني إسرائيل} بإهلاك فرعون وقومه {من العذاب المهين} يعني: قتل الأبناء واستخدام النساء.
{من فرعون إنه كان عاليا} مستكبراً متعظماً {من المسرفين} الكافرين المتجاوزين حدهم.
{ولقد اخترناهم} بني إسرائيل { على علم} منا بهم {على العالمين} عالمي زمانهم.
{وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين} نعمة ظاهرة من فلق البحر، وإنزال المن والسلوى.
{إن هؤلاء} أي: مشركي مكة {ليقولون:}.
{إن هي إلا موتتنا الأولى} أي: ليس إلا الموت ولا نشر بعده، وهو قوله: {وما نحن بمنشرين}.
{فاتوا بآبائنا} الذين ماتوا {إن كنتم صادقين} أنا نبعث بعد الموت.
{أهم خير} أي: أقوى وأشد {أم قوم تبع} الحميري {والذين من قبلهم} من الكفار {أهلكناهم}.
{وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} ونحن نلعب في خلقهما، أي: إنما خلقناهما لأمر عظيم، وهو قوله: {ما خلقناهما إلا بالحق} أي: لإقامة الحق وإظهاره من توحيد الله وإلزام طاعته.
{ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
{إن يوم الفصل} وهو يوم القيامة، يفصل الله تعالى فيه بين العباد {ميقاتهم} الذي وقتنا لعذابهم {أجمعين}.
{يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} قريب عن قريب. {ولا هم ينصرون} يمنعون من عذاب الله.
{إلا من رحم} لكن من رحم الله فإنه ينصر.
{إن شجرة الزقوم}.
{طعام الأثيم} أي: صاحب الإثم، وهو أبو جهل.
{كالمهل} أي: كالذائب من الفضة والنحاس في الحرارة. {يغلي في البطون} في بطون آكليه.
{كغلي الحميم} وهو الماء الحار.
{خذوه} يعني: الأثيم {فاعتلوه} سوقوه سوقاً بالعنف {إلى سواء الجحيم} وسط الجحيم.
{ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} كما قال: {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} ويقال له:
{ذق إنك أنت العزيز الكريم} بزعمك وعلى قولك، وذلك أنه قال: ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني.
{إن هذا} الذي ترون من العذاب {ما كنتم به تمترون} فيه تشكون.
{إن المتقين في مقام أمين} أمنوا فيه من الغير.
{في جنات وعيون}.
{يلبسون من سندس} وهو ما رق من الثياب {وإستبرق} وهو ما غلظ منه {متقابلين} متواجهين.
{كذلك} كما وصفنا {وزوجناهم بحور} وهن النساء النقيات البياض {عين} واسعة الأعين.
{يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} من الموت.
{لا يذوقون فيها الموت إلا} سوى {الموتة الأولى} الموتة التي ذاقوها في الدنيا.
{فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم}.
{فإنما يسرناه} سهلنا القرآن {بلسانك لعلهم يتذكرون} يتعظون.
{فارتقب} فانتظر الفتح والنصر {إنهم مرتقبون} منتظرون قهرك وهلاكك.