هذه سورة أوحينا بها وأوجبنا أحكامها.<BR>ونزلنا فيها دلائل واضحة على قدرة الله ووحدانيته.<BR>وعلى أن هذا الكتاب من عند الله، لتتعظوا بها.
ومن تلك الأحكام حكم الزانية والزانى فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا يمنعنكم شىء من الرأفة بهما عن تنفيذ الحكم، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.<BR>لأن مقتضى الإيمان إيثار رضا الله على رضا الناس، ولْيحضر تنفيذ الحكم فيهما جماعة من المؤمنين.<BR>ليكون العقاب فيه ردع لغيرهما.<BR>__________ تعليق الخبراء على الآية 2-4.<BR>{الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.<BR>الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الفاسقون}: الجرائم فى الشريعة الإسلامية هى محظورات زجر الله عنها بحد أو تعزير، وهذه المحظورات تقع إما بارتكاب فعل نهى الشرع عن ارتكابه، أو بترك فعل أمر الشرع بإتيانه.<BR>وعلة تحريم هذه المحظورات: أنها اعتداء على إحدى المصالح المعتبرة فى الإسلام، ومصالح الإسلام المعتبرة خمس وهى: 1- المحافظة على النفس.<BR>2- المحافظة على الدين.<BR>3- المحافظة على العقل.<BR>4- المحافظة على المال.<BR>5- المحافظة على العرض.<BR>فالقتل مثلا اعتداء على النفس، والردة اعتداء على الدين، وتعاطى الخمر اعتداء على العقل، والسرقة اعتداء على المال، والزنا اعتداء على العرض.<BR>وقَسَّمَ الفقهاء الجرائم إلى تقسيمات عدة تختلف باختلاف وجهات النظر إليها.<BR>ويهمنا بصدد التعليق على هذه الآية التقسيم من حيث جسامة العقوبة وكيفية تقديرها، وهى تنقسم إلى أقسام ثلاثة: 1
الخبيث الذى من دأبه الزنا، لا يرغب إلا فى نكاح خبيثة عرفت الزنا أو الشرك (1)، والخبيثة التى من دأبها الزنا لا يرغب فى نكاحها إلا خبيث عرف بالزنا أو الشرك.<BR>ولا يليق هذا النكاح بالمؤمنين لما فيه من التشبه بالفسق والتعرض للتهم.
والذين يتهمون العفيفات النزيهات بالزنا، ثم لم يأتوا بأربعة شهود يثبتون صدق الاتهام، فعاقبوهم بالضرب ثمانين جلدة وبعدم قبول شهادتهم على أى شىء كان مدى الحياة، فهؤلاء هم الجديرون باسم الخارجين خروجًا شنيعًا على حدود الدين.
لكن من تاب منهم فندم على هذه المعصية، وعزم على الطاعة وظهر صدق توبته بصدق سلوكه، فإن الله يتجاوز عن عقابه.
والذين يتهمون زوجاتهم بالزنا، ولم يكن هناك عدد يشهد بصدق اتهامهم، فيطالب الواحد منهم ليدفع عن نفسه الحد والعقوبة بأن يشهد بالله أربع مرات أنه صادق فى هذا الاتهام.
ويذكر فى المرة الخامسة أنه يستحق الطرد من رحمة الله إن كان من الكاذبين فى ذلك.
ولو سكتت الزوجة بعد ذلك أقيم عليها عقوبة الزنا، ولكى تدفع عنها العقوبة يجب عليها أن تشهد بالله أربع مرات أن الزوج كاذب فى اتهامه إياها بالزنا.
وتذكر فى المرة الخامسة أنها تستحق أن ينزل بها غضب الله إن كان من الصادقين فى هذا الاتهام.
ولولا تفضل الله عليكم ورحمته بكم - وإنه كثير قبول التوبة من عباده، وحكيم فى كل أفعاله - لما شرع لكم هذه الأحكام، ولعجل عقوبتكم فى الدنيا على المعصية.
إن الذين اخترعوا الكذب الصارف عن كل هداية بالنسبة لعائشة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ أشاعوا حولها الإفك والكذب - هم جماعة ممن يعيشون معكم، لا تظنوا هذه الحادثة شرًا لكم بل هى خير لكم، لأنها ميَّزت المنافقين من المؤمنين الخالصين، وأظهرت كرامة المبرئين منها، والمتألمين، ولكل شخص من هذه الجماعة المتهمة جزاؤه على مقدار اشتراكه فى هذا الاتهام، ورأس هذه الجماعة له عذاب عظيم لعظم جرمه.
كان مقتضى الإيمان أنكم عند سماع خبر التهمة - أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا من العفاف والطهر، وأن يقولوا فى إنكار: هذا كذب واضح البطلان، لتعلقه بأكرم المرسلين وأكرم الصديقات.
هلاَّ أحضر القائمون بالاتهام أربعة شهود يشهدون على ما قالوا؟ إنهم لم يفعلوا ذلك.<BR>وإذ لم يفعلوا فأولئك فى حكم الله هم الكاذبون.
ولولا تفضل الله عليكم ببيان الأحكام، ورحمته لكم فى الدنيا بعدم التعجيل بالعقوبة وفى الآخرة بالمغفرة لنزل بكم عذاب عظيم بسبب الخوض فى هذه التهمة.
فقد تناقلتم الخبر بألسنتكم وأشعتموه بينكم، ولم يكن عندكم علم بصحته، وتظنون أن هذا العمل هين، لا يعاقب الله عليه، أو يكون عقابه يسيرًا مع أنه خطير يعاقب الله عليه أشد العقاب.
وكان ينبغى عند سماع هذا القول الباطل أن تنصحوا بعدم الخوض فيه، لأنه غير لائق بكم، وأن تتعجبوا من اختراع هذا النوع القبيح الخطير من الكذب.
وأن الله ينهاكم أن تعودوا لمثل هذه المعصية البتَّة إن كنتم مؤمنين حقًا، لأن وصف الإيمان يتنافى معها.
وينزل الله لكم الآيات الدالة على الأحكام واضحة جلية.<BR>والله واسع العلم لا يغيب عنه شىء من أعمالكم، وهو الحكيم فى كل ما يشرع ويخلق، فكل شرعه وخلقه على مقتضى الحكمة.
إن الذين يحبون أن يُفْشوا ذكر القبائح، فيفشوا معه القبائح نفسها بين المؤمنين، لهم عذاب مؤلم فى الدنيا بالعقوبة المقررة، وفى الآخرة بالنار إن لم يتوبوا.<BR>والله عليم بجميع أحوالكم الظاهرة والباطنة، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه.
ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم، وأنه شديد الرأفة واسع الرحمة، لمَا بيّن لكم الأحكام، ولعجَّل عقوبتكم فى الدنيا بالمعصية.
يا أيها الذين آمنوا حصِّنوا أنفسكم بالإيمان، ولا تسيروا وراء الشيطان الذى يجركم إلى إشاعة الفاحشة والمعاصى بينكم.<BR>ومن يتبع الشيطان فقد عصى، لأنه يأمر بكبائر الذنوب وقبائح المعاصى، ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم ببيان الأحكام وقبول توبة العصاة ما طهر أحد منكم من دنس العصيان.<BR>ولكن الله يطهر من يتجه إلى ذلك بتوفيقه للبعد عن المعصية، أو مغفرتها له بالتوبة، والله سميع لكل قول، عليم بكل شىء، ومجازيكم عليه.
ولا يَحّلِف الصالحون وذوو اليسار منكم على أن يمنعوا إحسانهم ممن يستحقونه من الأقارب والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وغيرهم لسبب من الأسباب الشخصية، كإساءتهم إليهم، ولكن ينبغى أن يسامحوهم ويعرضوا عن مجازاتهم، وإذا كنتم تحبون أن يعفو الله عن سيئاتكم فافعلوا مع المسىء إليكم مثل ما تحبون أن يفعل بكم ربكم، وتأدبوا بأدبه فهو واسع المغفرة والرحمة (1).<BR>_________<BR>(1) نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر الصديق أن يمنع معونته عن قريبه مسطح بن أثاثة لخوضه فى حديث الإفك حول السيدة عائشة رضى الله عنها.
إن الذين يتهمون بالزنا المؤمنات العفيفات الطاهرات، اللاتى لا يظن فيهن ذلك، بل هن لفرط انصرافهن إلى الله غافلات عما يُقال عنهن، يُبعدهم الله عن رحمته فى الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم إن لم يتوبوا.
ذلك العذاب يكون يوم القيامة حيث لا سبيل للإنكار، بل يثبت عليهم ما ارتكبوا إذ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بجميع ما ارتكبوا من آثام، وذلك بظهور آثار مما عملوه عليها، أو بأن يُنطقها الله الذى أنطق كل شىء.
فى ذلك اليوم يعاقبهم الله العقاب المقرر لهم كاملاً غير منقوص، وهنا يعلمون علم اليقين أُلوهية الله وأحكام شريعته، وصدق وعده ووعيده، لأن كل ذلك واضح دون خفاء.
الخبيثات من النساء يَكُنَّ للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال يكونون للخبيثات من النساء، وكذلك الطيبات من النساء يكن للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال يكونون للطيبات من النساء، فكيف يُتصور السوء فى الطيبة المصونة زوج الأمين، والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء الطيبون مبرَّأون من التهم التى يصفهم بها الخبيثون، ولهم مغفرة من الله على مما لا يخلو منه البشر من صغار الذنوب، وإكرام عظيم بنعيم الجنة، وطيباتها.
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا ليست لكم إلا بعد أن تطلبوا الإذن من ساكنيها ويسمح لكم بالدخول، وبعد أن تلقوا تحية السلام على ساكنيها.<BR>ذلك الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بدونهما، وشرعه الله لكم لتتعظوا وتعملوا به.
فإن لم تجدوا فى هذه البيوت أحدًا يأذن لكم، فلا تدخلوا حتى يجىء من يسمح لكم به.<BR>وإن لم يُسمح لكم وطُلب منكم الرجوع فارجعوا، ولا تلحوا فى طلب السماح بالدخول، فإن الرجوع أكرم بكم وأطهر لنفوسكم، والله مطلع على كل أحوالكم ومجازيكم عليها فلا تخالفوا إرشاداته.
وإذا أردتم دخول بيوت عامة غير مسكونة بقوم مخصوصين، ولكم فيها حاجة كالحوانيت والفنادق ودور العبادة فلا حرج عليكم إن دخلتم بدون استئذان، والله عالم أتم العلم بجميع أعمالكم الظاهرة والباطنة فاتقوا مخالفته.
قل - يا أيها النبى - للمؤمنين - محذرًا لهم مما يوصل إلى الزنا ويعرض للتهم -: إنهم مأمورون ألا ينظروا إلى ما يحرم النظر إليه من عورات النساء ومواطن الزينة منهن، وأن يصونوا فروجهم بسترها وبعدم الاتصال غير المشروع، ذلك الأدب أكرم بهم وأطهر لهم وأبعد عن الوقوع فى المعصية والتهم.<BR>إن الله عالم أتم العلم بجميع ما يعملون ومجازيهم على ذلك.
قل أيضًا - يا أيها النبى - للمؤمنات: إنهن مأمورات بكف نظرهن عما يحرم النظر إليه، وأن يَصُنَّ فروجهن بالستر وعدم الاتصال غير المشروع، وألا يُظهرن للرجال ما يغريهم من المحاسن الخلقية والزينة كالصدر والعضد والقلادة، إلا ما يظهر من غير إظهار كالوجه واليد، واطلب منهن - يا أيها النبى - أن يسترن المواضع التى تبدو من فتحات الملابس، كالعنق والصدر، وذلك بأن يسترن عليها أغطية رؤوسهن، وألا يسمحن بظهور محاسنهن، إلا لأزواجهن والأقارب الذين يحرم عليهم التزوج منهن تحريمًا مؤبدًا كآبائهن أو آباء أزواجهن، أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن من غيرهن، أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن، ومثل هؤلاء صواحبهن، وسواء منهن الحرائر والمملوكات، والرجال الذين يعيشون معهن، ولا يوجد عندهم الحاجة والميل للنساء كالطاعنين فى السن، وكذلك الأطفال الذين لم يبلْغوا حد الشهوة، واطلب منهن أيضًا ألا يفعلن شيئًا يلفت أنظار الرجال إلى ما خفى من الزينة، وذلك كالضرب فى الأرض بأرجلهن، ليسمع صوت خلاخيلهن المستترة بالثياب، وتوبوا إلى الله جميعًا - أيها المؤمنون - فيما خالفتم فيه أمر الله، والتزموا آداب الدين لتسعدوا فى دنياكم وأخراكم.
وأعينوا على الابتعاد عن الزنا وما يوصل إليه بتزويج من لم يتزوج منْ رجالكم ونسائكم، ومَنْ كان صالحًا من مماليككم كذلك، ولا تكن رقة الحال مانعة من الزواج فإن الله سيهيىء وسائل العيش الكريم لمن أراد إعفاف نفسه، وفضل الله واسع لا يثقله إغناء الناس، هو عالم أتم العلم بالنيات وبكل ما يجرى فى الكون.
والذين لا يجدون القدرة على مؤونات الزواج، فعليهم أن يسلكوا وسيلة أخرى كالصوم والرياضة (1).<BR>والأعمال العقلية، يعفون بها أنفسهم، حتى يهيئ الله لهم من فضله ما يستطيعون به الزواج، والأرقاء الذين يطلبون منكم تعاقدًا على دفع عوض مقابل عتقهم، عليكم أن تجيبوهم إلى ما طلبوا، إنْ علمتم أنهم سيصدقون فى الوفاء ويستطيعون الأداء، وعليكم أن تساعدوهم على الوفاء بما تعاقدوا عليه، وذلك مثلا بتخفيض ما اتفقتم عليه أو إعطائهم بعض المال الذى أنعم الله به عليكم بالزكاة أو الصدقة.<BR>ويحرم عليكم أن تجعلوا جواريكم وسيلة للكسب الدنيوى الرخيص باحتراف البغاء وتكرهوهن عليه.<BR>كيف تُكرِهُوَهُنَّ وهن يردن العفاف؟ ومن يكرههن عليه فإن الله يغفر لمن يكرهونهن بالتوبة عن الإكراه.<BR>لأن الله واسع المغفرة والرحمة.<BR>________<BR>(1) يفسر هذا قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة - أى مؤونة الزواج - فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ولقد أنزلنا إليكم فى هذه السورة وغيرها آيات واضحة مبينة للأحكام، وأنزلنا إليكم أمثلة من أحوال السابقين.<BR>وإرشادات ومواعظ يفيد منها الخائفون من الله.
الله مصدر النور فى السموات والأرض، فهو منورهما بكل نور حسى نراه ونسير فيه، وبكل نور معنوى، كنور الحق والعدل، والعلم والفضيلة، والهدى والإيمان، وبالشواهد والآثار التى أودعها مخلوقاته، وبكل ما يدل على وجود الله ويدعو إلى الإيمان به سبحانه، وَمَثلُ نوره العظيم وأدلته الباهرة فى الوضوح، كمثل نور مصباح شديد التوهج، وضع فى فجوة من حائط تساعد على تجميع نوره ووفرة إضاءته، وقد وضع المصباح فى قارورة صافية لامعة لمعان كوكب مشرق، يتلألأ كالدر ويستمد المصباح وقوده من زيت شجرة كثيرة البركات، طيبة التربة والموقع، هى شجرة الزيتون المغروسة فى مكان معتدل متوسط، فلا هى شرقية فتحرم حرارة الشمس آخر النهار، ولا هى غربية فتحرمها أول النهار، بل هى على قمة الجبل، أو فى فضاء الأرض تفيد من الشمس فى جميع أجزاء النهار، يكاد زيت هذه الشجرة لشدة صفائه يضىء، ولو لم تمسسه نار المصباح، فهذه العوامل كلها تزيد المصباح إضاءة فوق إضاءة، ونوراً على نور.<BR>وهكذا تكون الشواهد المنبثة فى الكون حسيها ومعنويها آيات واضحة لا تدع مجالا للشك فى وجود الله، وفى وجوب الإيمان به وبرسالاته وما جاءت به.<BR>والله يوفق من يشاء إلى الإيمان عن طريقها، إذا حاول الانتفاع بنور عقله.<BR>وقد أتى الله بالأمثلة المحسوسة ليسهل إدراك الأمور المعقولة، وهو سبحانه واسع العلم، يعلم من نظر فى آياته، ومن أعرض واستكبر، ومجازيهم على ذلك.
إن هناك قوماً يُسبحون الله ويعبدونه فى المساجد التى أمر الله أن تبنى وتعظم وتُعمر بذكر الله، وهم يترددون عليها صباحا ومساء.
لا تشغلهم الدنيا بما فيها من بيع وشراء عن تذكر الله ومراقبته، فهم يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة خائفين من يوم القيامة الذى لا تستقر فيه القلوب من القلق والهم، وترقب المصير فيه وتلتفت فيه الأنظار فى حيرة ودهشة من غرابة المنظر وشدة الهول.
وستكون عاقبة عملهم مكافأة الله لهم أحسن مكافأة على أعمالهم الطيبة، وأن يتفضل عليهم بأكثر مما يستحقون، فهو سبحانه واسع الفضل يعطى من يشاء من عباده الصالحين عطاء كبيرا، لا يحاسبه عليه أحد ولا يستطيع العادُّون إحصاءه.
والذين جحدوا وأنكروا يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وأن أعمالهم الحسنة ستفيدهم يوم القيامة، ولكنهم مخطئون فى ظنهم هذا، فمثل أعمالهم فى بطلانها وعدم جدواها كمثل اللمعان الذى يحدث من سقوط أشعة الشمس وقت الظهيرة على أرض مستوية فى بيداء، فيظنه العطشان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا نافعًا كما كان يظنه، كذلك أعمال الكفار يوم الجزاء ستكون هباء منثورًا، وسيجد الكافر عقاب الله ينتظره واقعًا تامًا لا نقص فيه، إن حساب الله آت لا ريب فيه، وهو سبحانه سريع فى حسابه لا يبطئ ولا يخطئ (1).<BR>________<BR>(1) {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب}: السراب مجرد ظاهرة ضوئية سببها انعكاس الشعاع المنبعث من الأجسام المضيئة، وارتداده من سطح أرض فسيحة جرداء فيتجه الشعاع المنعكس حتى يصل إلى الراصد، وعندها ترى صور الأجسام المضيئة مقلوبة كما لو كانت مرآة كبيرة ممتدة.<BR>وكذلك ترى صورة السماء الزرقاء الصافية كأنها بحيرة من الماء على وجه لأرض، بينما تظهر باقى الأجسام مثل الأشجار والنخيل مقلوبة مؤكدة وجود الماء ظاهريًا.<BR>وتبدو ظاهرة السراب هذه بأجلى معانيها إذا ما بلغ الفرق بين درجة حرارة سطح الأرض والهواء الملامس له بضع درجات مئوية.<BR>وهى تشاهد عادة فى الصحارى والمناطق المنبسطة والطرق الصحراوية المستقيمة المعبدة بالأسفلت.<BR>ومما سبق يتضح أن السراب مجرد وهم.
وهذا مثل آخر لأعمال الكفار، فمثلها كمثل ظلمات البحر الواسع العميق، الذى تتلاطم أمواجه عند هياجه، ويعلو بعضها فوق بعض، ويغطيها سحاب كثيف قاتم يحجب النور عنها، فهذه ظلمات متراكمة، لا يستطيع راكب البحر معها أن يرى يده ولو أدناها إلى بصره، فوقف حائرًا مبهوتًا، وكيف يرى شيئًا ويخلص من هذه الحيرة بدون نور يهديه فى مسيره ويقيه الارتطام والهلاك؟ وكذلك الكافرون لا يفيدون من أعمالهم، ولا يخرجون من عمايتهم وضلالهم،ولا ينجون بأنفسهم إلا بنور الإيمان، ومن لم يوفقه الله لنور الإيمان، فليس له نور يهديه إلى الخير ويدله على الطريق المستقيم، فيكون من الهالكين.<BR>________ تعليق الخبراء على الآية 40: {أو كظلمات فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور}.<BR>تجمع هذه الآية الكريمة أهم ظواهر عواصف البحر، فالمعروف عن عواصف البحار العميقة أو المحيطات تنطلق فيها أمواج مختلفة الطول أو السعة أو الارتفاع، بحيث يبدو الموج منطلقًا فى طبقات بعضها فوق بعض، فيحجب ضياء الشمس، لما تثيره هذه العواصف من سحب ركامية سميكة تحجب بدورها ضوء الشمس ويخيم معها الظلام فى سلسلة من عمليات الإعتام التى تصل إلى حد انعدام رؤية الأجسام رغم سلامة النظر.<BR>ولما كانت نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى البادية، فإن ورود الدقائق العلمية على لسانه، وحيًا من الله، دليل على أن القرآن الكريم من عند الله، وعلى أنه معجزة هذا الرسول الكريم.
ألم تعلم - يا أيها النبى - علمًا يقينيًا أن الله يخضع له كل من يسكن السموات والأرض، ويخضع له الطير كذلك، وهى باسطة أجنحتها.<BR>فهذه المخلوقات كلها خاضعة لأمر الله وتدبيره، تنزهه عن الشريك وعن كل ما لا يليق، وكل منها قد علم بإلهام الله ما وجب عليه من خضوع وتنزيه وأداء لوظيفته فى الحياة، والله من ورائهم عالم أتم العلم بصلاة كل مصل وتسبيح كل مسبح، وجميع ما يفعله العباد، فكيف لا يؤمن به الكافرون؟
والله - وحده - هو مالك السموات والأرض وما فيهن، وصاحب السلطان عليها وكلهم راجع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء.
ألم تر - أيها النبى - أن الله يسوق بالريح سحابًا، ثم يضم بعضه إلى بعض ويجعله متراكمًا، فترى المطر يخرج من خلال السحاب، والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التى تشبه الجبال (1) فى عظمتها بردًا، كالحصى ينزل على قوم فينفعهم أو يضرهم تبعًا لقوانينه وإرادته ولا ينزل على آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار، ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته، وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان به (2).
يغير الله أحوال الليل والنهار بالطول والقصر، والبدء والانتهاء بدوران الفلك، إن فى ذلك كله لعبرة لذوى العقول السليمة المتبصرة، يؤمنون عن طريقها بالله.
الله خالق كل شىء، وأبدع الأشياء بإرادته، وخلق كل حى يدب من أصل مشترك هو الماء، لذلك لا يخلو الحى منه، ثم خالف بينها فى الأنواع والاستعدادات ووجوه الاختلاف الأخرى، فمن الدواب نوع يزحف على بطنه كالأسماك والزواحف، ومنها نوع يمشى على رجليه كالإنسان والطير، ومنها نوع يمشى على أربع كالبهائم، يخلق الله ما يشاء من خلقه على أية كيفية تكون للدلالة على قدرته وعلمه، فهو المريد المختار، وهو القادر على كل شىء.<BR>________ تعليق الخبراء على الآية 45: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع، يخلق الله ما يشاء، إن الله على كل شىء قدير}: الماء فى الآية الكريمة هو ماء التناسل - أى المشتمل على الحيوانات المنوية، والآية الكريمة لم تسبق فقط ركب العلم فى بيان نشوء الإنسان من النطفة، كما جاء فى قوله تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق.<BR>خلق من ماء دافق} (الآيات 5، 6 من سورة الطارق) بل سبقته كذلك فى بيان أن كل دابة تدب على الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل من الحيوانات المنوية، وإن اختلفت أشكال هذه الحيوانات المنوية وخصائصها فى كل نوع من أنواع هذه الدواب.<BR>ومما تحتمله الآية من معان علمية أن الماء قوام تكْوين كل كائن حى، فمثلا يحتوى جسم الإنسان على نحو 70 فى المائة من وزنه ماء، أى أن الشخص الذى يزن 70 كجم فى جسمه نحو 50 كجم ماء.<BR>ولم يكن تكوين الجسم واحتوائه هذه الكمية الكبيرة من الماء معروفًا مطلقًا قبل نزول القرآن.<BR>والماء أكثر ضرورة للإنسان من الغذاء، فبينما الإنسان يمكنه أن يعيش 60 يومًا بدون غذاء، لا يمكنه أن يعيش بدون الماء إلا من 3-10 أيام على أقصى تقدير.<BR>والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوى والسائل النخاعى وإفرازات الجسم كالبول والعرق والدموع واللعاب والصفراء واللبن والمخاط والسوائل الموجودة فى المفاصل.<BR>وهو سبب رخاوة الجسم وليونته، ولو فقد الجسم 20 فى المائة فإن الإنسان يكون معرضًا للموت.<BR>والماء يذيب المواد الغذائية بعد هضمها فيمكن امتصاصها، وهو كذلك يذيب الفضلات من عضوية ومعدنية فى البول والعرق.<BR>وهكذا يكون الماء الجزء الأكبر والأهم من تكوين الجسم.<BR>ولذلك يمكن القول بأن كل كائن حى مخلوق من الماء.
لقد أنزلنا بالوحى آيات واضحة تبين الأحكام والعظات، وتضرب الأمثال، والله يوفق إلى الخير من يشاء من عباده الذين استعدوا للنظر فيها والإفادة منها.
والمنافقون يقولون بألسنتهم: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا أوامرهما.<BR>وعند اختبارهم يعرض فريق منهم عن مشاركة المسلمين فى أعمال الخير كالجهاد وغيره، بعد قولهم هذا، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا جديرين بإطلاق اسم المؤمنين عليهم.
ومن أحوالهم أنهم إذا طلبوا إلى التحاكم أمام الرسول بمقتضى ما أنزل الله، ظهر نفاق بعضهم فرفضوا التحاكم إذا عرفوا أن الحق فى جانب خصومهم.
أما إذا عرفوا أن الحق فى جانبهم، فهم يأتون إلى الرسول مسرعين ليحكم بينهم وبين خصومهم.
ولماذا يقفون هذا الموقف من التحاكم أمام الرسول؟.<BR>ألأنَّ نفوسهم مريضة بالعمى فلا تخضع لحكمك الحق، أم لأنهم شكوا فى عدالة محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الحكم؟ لا شىء من ذلك أصلاً، ولكنهم هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم بسبب كفرهم ونفاقهم وعدولهم عن الحق.
إنما كان القول الحق للمؤمنين الصادقين إذا دعوا إلى التحاكم بمقتضى ما جاء عن الله ورسوله أن يقولوا قابلين مذعنين: سمعنا دعوتك يا محمد ورضينا حكمك، وهؤلاء يكونون أهل فلاح فى دنياهم وأُخراهم.
ومن يطع الله، ويرض بما يأمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم، ويخش ذات الله العلية، ويستحضر جلاله ويتق غضبه، فأولئك هم الفائزون برضا الله ومحبته، ونعيم الجنة، والفائزون بالخير المطلق.
وأقسم المنافقون بالله أقصى ما يكون من إيمان مغلظة، إنك يا محمد إن أمرتهم بالخروج معك للغزو أطاعوا، قل لهم: لا تحلفوا فالأمور المطلوبة منكم معروفة لكم لا ينكرها أحد منكم، ولا ينفى العلم بها إيمان تكذبون فيها، وإن الله لمطلع تمام الاطلاع على كل ما يقع منكم ومجازيكم عليه.
قل لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول طاعة صادقة تدل عليها أعمالكم، فإن أعرض المنافقون ولم يمتثلوا، فإنما على محمد ما حمله الله من أمر التبليغ وليس مكلفًا بهدايتهم، وعليكم ما حملكم الله من التكليف والطاعة، وستعاقبون إذا استمررتم على العصيان، وإن تطيعوا الرسول تهتدوا إلى الخير، وما عليه سوى التبليغ الواضح - أطعتم أم عصيتم - وقد بلغ.
وعد الله الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له منكم، وعملوا الأعمال الصالحة وعدًا مؤكدًا أن يجعلهم خلفاء لمن سبقوهم وارثين لهم فى الحكم والولاية فى الأرض، كما كان الشأن فيمن سبقوهم.<BR>وأن يمكن لهم الإسلام الذى ارتضاه دينًا لهم، فتكون لهم المهابة والسلطان، وأن يبدل حالهم من خوف إلى أمن بحيث يعبدوننى مطمئنين، لا يشركون معى أحدًا فى العبادة.<BR>ومن اختاروا الكفر بعد هذا الوعد الصادق، أو ارتدوا عن الإسلام فأولئك هم الخارجون المتمردون الجاحدون.
وأقيموا الصلاة كاملة الأركان فى خشوع وخضوع بحيث تكون مانعة من الفحشاء والمنكر، وأعطوا الزكاة لمستحقيها.<BR>وأطيعوا الرسول فى سائر ما يأمركم به ليكون لكم رجاء فى رحمة الله ورضوانه.
لا تظن - أيها النبى - أن الكافرين سيعجزون الله عن أخذهم بذنوبهم، أو تمكين أهل الحق من رقابهم فى أى مكان من الأرض، بل إنه القادر، فمصيرهم يوم القيامة هو النار وبئس المصير مصيرهم.
يا أيها الذين آمنوا، يجب أن تأمروا عبيدكم وصبيانكم الذين لم يصلوا إلى حد البلوغ ألا يدخلوا عليكم إلا بعد الاستئذان فى ثلاثة أوقات، وهى: قبل صلاة الفجر(1)، وحين تتخففون من ثيابكم وقت القيلولة، ومن بعد صلاة العشاء عند الاستعداد للنوم.<BR>فهذه الأوقات يتغير فيها نظام اللبس باستبدال ثياب النوم بثياب اليقظة، ويبدو من عورات الجسم ما لا ينبغى رؤيته، ولا حرج عليكم ولا عليهم فى الدخول بغير استئذان فى غير هذه الأوقات، لأن العادة جرت بأن يتردد فيها بعضكم على بعض لقضاء المصالح.<BR>وبمثل هذا التوضيح يوضح الله لكم آيات القرآن لبيان الأحكام، والله سبحانه واسع العلم عظيم الحكمة، يعلم ما يصلح لعباده ويشرع لهم ما يناسبهم ويحاسبهم عليه.<BR>________<BR>(1) {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيْمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}: هذه الآية الشريفة إحدى الآيات التى توجه أنظار الناس إلى اللياقة الاجتماعية فى محيط الأسرة، وذلك أن اندماج المماليك - الخدم - والصبيان فى أسرهم، قد يتجاوز بهم الاحتشام فى المخالطة، فيدخلون على الغير دون استئذان فى الأوقات المذكورة فى الآية.<BR>ونظرًا لانها أوقات خلوة وحرية شخصية وتحلل من لباس الحشمة، عنيت الآية بتشريع الاستئذان فى تلك الأوقات بالنسبة لمن ذكرتهم من المماليك والصبيان، حتى لا يطلعوا على ما يعتبر سرًا لا يستساغ اطلاعهم عليه، إذ هو كالعورة التى ينبغى سترها، وفى هذا توجيه لأعضاء الأسرة إلى اتخاذ الملابس اللائقة بمقابلة بعضهم البعض، حتى تظل كرامتهم مصونة، وحريتهم مكفولة وآدابهم مرعية، والقرآن جدير بهذه التوجيهات التى تنهض بأخلاقنا إلى المستوى الرفيع.
وإذا وصل صبيانكم حد البلوغ وجب عليهم أن يستأذنوا للدخول فى كل بيت، وفى جميع الأوقات، كما وجب ذلك على الذين بلغوا من قبلهم، وبمثل هذا التوضيح يوضح الله لكم آياته التى أنزلها، والله سبحانه واسع العلم، عظيم الحكمة، يعلم ما يصلح لعباده ويشرِّع لهم ما يناسبهم ويحاسبهم عليه.
والنساء الطاعنات فى السن اللاتى لا يطمعن فى الزواج، لا مؤاخذة عليهن إذا تخففن من بعض الملابس، بحيث تكون غير مظهرات زينة أمر الله بإخفائها من أجسامهن، ولكن استعفافهن بالاستتار الكامل خير لهن من التخفف، والله سميع لقولهن عليم بفعلهن وقصدهن ومجازيهن على ذلك.
ليس على أصحاب الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض حرج، بل ولا عليكم أيها الأصحاء حرج فى أن تأكلوا من بيوت أولادكم فهى بيوتكم، ولا أن تأكلوا من بيوت آبائكم أو أمهاتكم أو إخوانكم أو أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو عماتكم أو أخوالكم أو خالاتكم، أو البيوت التى وكل إليكم التصرف فيها، أو بيوت أصدقائكم المخالطين إذا لم يكن فيها حرمات، وذلك كله إذا عُلِم سماح رب البيت بإذن أو قرينة، وليس عليكم جناح فى أن تأكلوا مجتمعين أو منفردين، فإذا دخلتم بيوتًا فحيوا بالسلام أهلها الذين هم قطعة منكم بسبب اتحاد الدين أو القرابة فهم كأنفسكم، وهذه التحية تحية مشروعة مباركة بالثواب وفيها تطييب للنفوس وعلى هذا النحو يوضح الله لكم الآيات لتعقلوا ما فيها من العظات والأحكام وتفهموها وتعملوا بها.
إن المؤمنين الصادقين هم الذين آمنوا بالله ورسوله، ولم يتركوا الرسول وحده فى أمر مهم يتطلب اجتماعهم كالجهاد، إلا بعد أن يستأذنوه فى الانصراف ويسمح لهم به، إن الذين يقدرونك - أيها النبى - حق قدرك، ويدركون خطر الاجتماع فلا ينصرفون إلا بعد موافقتك، وهم الصادقون فى إيمانهم بالله ورسوله، فإذا استأذنك هؤلاء لقضاء بعض مصالحهم فأذن بالانصراف لمن تشاء منهم، إذا رأيت من الدلائل أنهم فى حاجة ماسة إلى الانصراف، ولا يحتم الاجتماع وجودهم، ومع ذلك اطلب المغفرة لهم من الله على انصرافهم الذى ما كان يليق أبدًا، إن الله واسع المغفرة والرحمة.
احرصوا على احترام دعوة الرسول لكم إلى الاجتماع للأمور الهامة، واستجيبوا لها , ولا تجعلوها كدعوة بعضكم لبعض فى جواز التهاون فيها، والانصراف عنها، ولا تنصرفوا إلا بعد الاستئذان والموافقة، وفى أضيق الحدود وأشد الضرورات.<BR>فالله سبحانه يعلم من ينصرفون بدون إذن مختفين بين الجموع حتى لا يراهم الرسول، فليحذر المخالفون عن أمر الله أن يعاقبهم سبحانه على عصيانهم بمحنة شديدة فى الدنيا كالقحط والزلزال، أو بعذاب شديد الإيلام قد أعد لهم فى الآخرة وهو النار.
تنبهوا - أيها الناس - إلى أن الله - وحده - هو مالك السموات والأرض وما فيها، يعلم ما أنتم عليه من الكفر والإسلام والعصيان والطاعة، فلا تخالفوا عن أمره، وسيخبر الناس عند رجوعهم إليه يوم القيامة بكل ما عملوا فى الدنيا وسيجازيهم عليه، لأنه محيط بكل شىء علمًا.