قد سمع الله قول المرأة التى تراجعك فى شأن زوجها الذى ظاهَر منها، وتضرع إلى الله، والله يسمع ما تتراجعان به من الكلام.<BR>إن الله محيط سمعه بكل ما يسمع، محيط بصره بكل ما يبصر (1).<BR>----- (1) روى أن أوس بن الصامت غضب من زوجته خولة بنت ثعلبة فقال لها: أنت علىَّ كظهر أمى، وكان هذا يمينًا فى الجاهلية فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم فقال لها: " ما أمرت فى شأنك بشىء، وما أراك إلا قد حرمت عليه ".<BR>وجادلت النبى صلى الله عليه وسلم وراجعته، وجعلت تشتكى إلى الله تعالى مما تخاف من فرقة الزوج وضياع الولد، فما لبثت أن نزلت هذه الآية والآيات الثلاث التى بعدها.
والذين يظاهرون منكم - أيها المؤمنون - من نسائهم بتشبيههن فى التحريم بأمهاتهم مخطئون، فليست الزوجات أمهاتهم.<BR>ما أمهاتهم - حقًا - إلا اللآئى ولدنهم، وإن المظاهرين ليقولون منكرًا من القول تنفر منه الأذواق السليمة، وكذبًا منحرفًا عن الحق، وإن الله لعظيم العفو والمغفرة عما سلف منكم.
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يراجعون ماقالوه فيظهر لهم خطؤهم، ويودون بقاء الزوجية، فعليهم عتق رقبة قبل أن يتماسا.<BR>ذلكم الذى أوجبه الله - من عتق الرقبة - عظة لكم توعظون به كيلا تعودوا والله بما تعملون خبير.
فمَن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمَن لم يستطع ذلك الصوم فعليه إطعام ستين مسْكينًا.<BR>شرع الله ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعملوا بمقتضى هذا الإيمان، وتلك حدود الله فلا تتجاوزوها، وللكافرين عذاب شديد الألم.
إن الذين يعاندون الله ورسوله خُذلوا كما خُذل الذين من قبلهم، وقد أنزلنا دلائل واضحات على الحق، وللجاحدين بها عذاب شديد الإهانة.
يوم يحييهم الله جميعًا بعد موتهم فيخبرهم بما عملوا، أحصاه الله عليهم ونسوه، والله على كل شىء شاهد مطلع.
ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من مُسارّة بين ثلاثة إلا هو رابعهم بعلمه بما يتسارون به، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم.<BR>يعلم ما يتناجون به - أينما كانوا - ثم يُخبرهم يوم القيامة بكل ما عملوا.<BR>إن الله بكل شىء عليم.
ألم تر - أيها الرسول - هؤلاء الذين نُهوا عن المسارة فيما بينهم بما يثير الشك فى نفوس المؤمنين، ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه، ويتسارون فيما بينهم بالذنب يقترفونه، والعدوان يعتزمونه، ومعصيتهم لرسول الله، وإذا جاءوك حيوك بقول محرف لم يحيِّك به الله، ويقولون فى أنفسهم: هلا يعذبنا الله بما نقول إن كان رسولا حقًّا؟ حسبهم جهنم يدخلونها ويحترقون بنارها، فبئس المآل مآلهم (1).<BR>_________<BR>(1) كان بين المسلمين واليهود بالمدينة مهادنة، وكانوا إذا مر الرجل من المسلمين بهم يتسارون فيما بينهم حتى يظن أنهم يتآمرون على قَتْله، أو على ما يكره فيعدل عن المرور بهم، فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلم ينتهوا، وعادوا إلى ما نهوا عنه وكانوا إذا جاءوا النبى صلى الله عليه وسلم حيوه بالدعاء عليه فى صورة التَّحية له، فنزلت هذه الآية.
يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالذنب والاعتداء ومخالفة الرسول، وتناجوا متواصين بالخير والتحرز عن الآثام، وخافوا الله الذى إليه - لا إلى غيره - تساقون بعد بعثكم.
إنما التناجى المثير للشك من تزْيين الشيطان ليُدخل الحزن على قلوب المؤمنين، وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بمشيئة الله، وعلى الله - وحده - فليعتمد المؤمنون.
يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا طلب منكم أن يوسع بعضكم فى المجالس لبعض فأوسعوا يوسع الله لكم، وإذا طلب منكم أن تنهضوا من مجالسكم فانهضوا.<BR>يُعْلِ الله مكانة المؤمنين المخلصين والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير.
يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا أردتم مناجاة رسول الله فقدِّموا قبل مناجاتكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر لقلوبكم، فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله واسع المغفرة شامل الرحمة.
ألم تر - أيها الرسول - إلى المنافقين الذين وَالَوْا قومًا غضب الله عليهم.<BR>ما هؤلاء الموالون منكم ولا ممن وَالوُهم، ويجترئون على الحلف كذبًا مع علمهم بكذبهم.
أعد الله لهؤلاء المنافقين عذابًا بالغ الشدة.<BR>إنهم ساء ما كانوا يعملون من النفاق والحلف على الكذب.
اتخذوا أيمانهم وقاية لأنفسهم من القتل ولأولادهم من السبى، ولأموالهم من الغنيمة، فَصَدّوا بذلك عن سبيل الله، فلهم عذاب شديد الإهانة.
لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئًا.<BR>أولئك أهل النار هم فيها مخلدون.
يوم يبعثهم الله جميعًا فيقسمون له إنهم كانوا مؤمنين كما يقسمون لكم الآن، ويظنون أنهم بقسَمهم هذا على شىء من الدهاء ينفعهم.<BR>ألا إنهم هم البالغون الغاية فى الكذب.
استولى عليهم الشيطان فأنساهم تذكر الله واستحضار عظمته، أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الذين بلغوا الغاية فى الخسران.
إن الذين يعاندون الله ورسوله أولئك فى عداد الذين بلغوا الغاية فى الذلة.
قضى الله لأنتصرن أنا ورسلى.<BR>إن الله تام القوة لا يغلبه غالب.
لا تجد قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر يتبادلون المودة مع من عادى الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم، أولئك الذين لا يوالون من تطاول على الله ثَبَّت الله فى قلوبهم الإيمان، وأيدهم بقوة منه، ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، لا ينقطع عنهم نعيمها.<BR>أحبهم الله وأحبوه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم الفائزون.