ا.<BR>ل.<BR>م: حروف صيغ منها القرآن، كما صيغ منها كلامكم، فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله كان عجزكم دليلا على أنه من عند الله، ولم يقله بشر.
تنزيل القرآن من الله رب العالمين ومدبر أمورهم، لا شك فى كونه منزلاً منه.
بل يقولون: اختلقه محمد، ونسبه لله.<BR>ما كان لهم أن يقولوا هذا، بل هو الحق المنزل عليك من ربك لتخوف به قومًا لم يأتهم من رسول من قبلك، ترجو بذلك الإنذار هدايتهم وإذعانهم للحق.
الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام، ثم استوى على العرش استواء يليق به، ما لكم من دون الله ناصر ينصركم، ولا شفيع يشفع لكم، أتتمادون فى الكفر والعناد فلا تتعظون بمواعظ الله؟.
يُدَّبر شئون الخلق من السماء إلى الأرض، ثم يصعد إليه أمرها فى يوم مُقدر بألف سنة من سنى الدنيا التى تعدونها.
ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير عالِمٌ ما غاب عن الخلق وما شاهدوه، الغالب أمره، الواسع الرحمة.
الذى أتقن كل شىء خلقه بحسب ما تقتضيه حكمته، وبدأ خلق الإنسان الأول من طين.
ثم جعل ذريته - بعد ذلك - متخلقة من ماء قليل ضعيف لا يُؤْبَه له فى العادة (1).<BR>----- (1) فى هذه الآية الكريمة {من ماء مهين} المهين من الرجال: الضعيف.<BR>والمهين: القليل.<BR>وقوله تعالى: {من ماء مهين} أى من ماء قليل ضعيف، ومثله قوله تعالى على لسان فرعون: {أم أنا خير من هذا الذى هو مهين ولا يكاد يبين}.<BR>فلا مانع من أن تفسر كلمة مهين فى الآية بأنه ماء منصب أو دافق أو مقذور أو قليل.
ثم قوَّمه ووضع فيه من سره الذى اختص به، وجعل لكم السمع والأبصار والعقول لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، ما تشكرون إلا شكرًا قليلا.
وقال المنكرون للبعث: أئذا صرنا ترابًا مختلطًا بتراب الأرض لا يتميز عنه، أئنا لنعود فى خلق جديد؟!، إنهم لا ينكرون البعث - وحده - بل هم بجميع ما يكون فى الآخرة مكذبون.
قل: يتوفاكم ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم، ثم إلى الله - وحده - تعودون.
ولو أتيح لك أن ترى المجرمين فى موقف الحساب، لرأيت عجبًا، إذ المجرمون المستكبرون منكسو الرءوس خزيًا من ربهم، يقولون فى ذلة: ربنا أبصرنا ما كنا نتعامى عنه، وسمعنا ما كنا نتصامم عنه، فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحًا غير الذى كنا نعمله، إنا موقنون - الآن بالحق الذى جاء به رسلك.
ولو شئنا لأعطينا كل نفس هُداها، ولكن سبق القول منى لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين، لعلمنا أن أكثرهم سيختارون الضلالة دون الهدى.
فذوقوا العذاب بما غفلتم عن لقاء يومكم هذا، إنا تركناكم فى العذاب كالمنسيين، وذوقوا العذاب الدائم الذى لا انقطاع له بسبب كفركم ومعاصيكم.
إنما يُصَدِّق بآياتنا الذين إذا وعظوا بها خروا لله ساجدين، ونزَّهوا ربهم عن كل نقص، مثنين عليه بكل كمال، وهم لا يستكبرون عن الانقياد لهذه الآيات.
تتنحى جنوبهم عن مضاجعها.<BR>يدعون ربهم خوفًا من سخطه، وطمعًا فى رحمته، ومن المال الذى رزقناهم به ينفقون فى وجوه الخير.
فلا تعلم نفس مقدار ما أعده الله وأخفاه لهؤلاء من النعيم العظيم، الذى تقر به عيونهم، جزاء بما كانوا يكسبون من الطاعة والأعمال.
أيستوى الناس فى جزائهم وقد اختلفوا فى أعمالهم؟ أفمن كان مؤمنًا بالله كمن كان كافرًا به عاصيًا له؟ لا يستوون!
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى التى فيها مساكنهم، كرامة لهم بما كانوا يعملون.
وأما الذين خرجوا عن طاعة الله بكفرهم فمقامهم الذى أُعِدَّ لهم النار، كلما حاولوا الخروج منها أعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار الذى كنتم فى الدنيا تصرون على التكذيب به.
ونُقْسم: لنذيقنهم فى الدنيا عذاب الخذلان قبل أن يصلوا إلى العذاب الأكبر، وهو الخلود فى النار، لعل المعذبين بالعذاب الأدنى يتوبون عن الكفر.
ولا أحد أشد ظلمًا للحق ولنفسه من إنسان ذُكِّرَ بآيات الله وحججه البينات ثم انصرف عن الإيمان بها مع وضوحها، إننا من كل مجرم سننتقم.
ولقد آتينا موسى التوراة فلا تكن فى شك من لقاء موسى للكتاب، وجعلنا الكتاب المنزل على موسى هاديًا لبنى إسرائيل.
وجعلنا من بنى إسرائيل أئمة فى الدين يقومون بهداية الناس، استجابة لأمرنا حين صبروا على العمل بما فى التوراة، وكانوا بآياتنا يصدقون أقوى التصديق.
إن ربك هو - وحده - يقضى بين الأنبياء وأممهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
أتركَ الله المكذبين لرسلهم ولم يبين لهم أنه أهلك كثيرًا من الأمم التى سبقتهم، وهم يمرون بديارهم، ويمشون فى مساكنهم؟ إن فى ذلك لعظات تبصرهم بالحق، أصمُّوا فلا يسمعون هذه العظات؟
أعَموا ولم يروا أنا نجرى المطر والأنهار إلى الأرض التى قطع نباتها فنخرج به زرعًا تأكل منه أنعامهم، ويأكلون حبه وثمره؟ أعموا فلا يبصرون دلائل قدرة الله على إحياء الموتى؟.
ويقول المشركون لك وللمؤمنين: فى أى وقت يفتح الله عليكم بالنصر، أخبرونا بموعده إن كنتم صادقين.
قل لهم: يوم القضاء والفصل إذا حل بكم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم يمهلون لحظة عن العذاب الذى يستحقونه.
وإذا كان هذا الاستهزاء دأبهم فأعرض عنهم، وانتظر صدق ما وعدك ربك فيهم إنهم ينتظرون الغلبة عليكم.