islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
14549

35-فاطر

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الثناء الجميل حق لله - وحده - موجد السموات والأرض على غير مثال سبق، جاعل الملائكة رسلاً إلى خلقه ذوى أجنحة مختلفة العدد، اثنين اثنين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا يزيد فى الخلق ما يشاء أن يزيد، لا يعجزه شىء، إن الله على كل شىء عظيم القدرة.

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

ما يرسل الله للناس رحمة - أى رحمة كانت مطرا أو نعمة أو أمنا أو حكمة - فلا أحد يحبسها عنهم، وما يحبس من ذلك فلا أحد يستطيع أن يطلقه من بعده، وهو الغالب الذى لا يغلب، الحكيم الذى لا يخطئ.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم بشكرها وتأدية حقها، وأقروا بما يقع فى نفوسكم أنه لا خالق غير الله، يرزقكم من السماء بما ترسله، والأرض بما تخرجه مما به حياتكم.<BR>لا إله إلا هو يرزق عباده، فكيف تصرفون عن توحيد خالقكم ورازقكم إلى الشرك فى عبادته؟

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ

وإن يكذبك كفار قومك فيما جئتهم به من الهدى فاصبر عليهم، فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا حتى انتصروا، وإلى الله - وحده - ترجع الأمور كلها.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ

يا أيها الناس: إن وعد الله - بالبعث والجزاء والنصر - حق فلا تخدعنكم الدنيا عن الآخرة، ولا يخدعنكم الشيطان عن اتباع الرسل، فيمنيكم بالمغفرة مع الإصرار على المعصية.

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ

إن الشيطان لكم عدو قديم فلا تنخدعوا بوعوده فاتخذوه عدوا، إنما يدعو متابعيه ليكونوا من أصحاب النار المشتعلة لا يدعوهم لغيرها.

الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

الذين كفروا بالله ورسله لهم عذاب شديد، والذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الصالحات لهم عند الله مغفرة لذنوبهم وأجر كبير على أعمالهم.

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

أفقدوا التمييز؟، فمن زيَّن له الشيطان عمله السيئ فرآه حسنا كمن اهتدى بهدى الله فرأى الحسن حسنا والسيئ سيئا!؟ فإن الله يضل من يشاء ممن ارتضوا سبيل الضلال سبيلا، ويهدى من يشاء ممن اختاروا سبيل الهداية سبيلا.<BR>فلا تهلك نفسك حزنا على الضالين وحسرة عليهم.<BR>إن الله محيط علمه بما يصنعون من شر، فيجزيهم به.

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ

والله - وحده - هو الذى أرسل الرياح فتحرك سحابا تراكم من أبخرة الماء، فسقنا السحاب إلى بلد مجدب، فأحيينا أرضه بالنبات بعد موتها، مثل إخراجنا النبات من الأرض نُخرج الموتى من القبور يوم القيامة (1).<BR>_____<BR>(1) يرجع إلى التعليق العلمى على الآية 57 من سورة الأعراف.

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ

من كان يريد الشرف والقوة فليطلبها بطاعة الله، فإن له القوة كلها، إليه يعلو الكلم الطيب، ويرفع الله العمل الصالح فيقبله، والذين يدبرون للمؤمنين المكيدات التى تسوؤهم لهم عذاب شديد، وتدبيرهم فاسد، لا يحقق غرضا ولا ينتج شيئا.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

والله أوجدكم من تراب، إذ خلق أباكم آدم منه، ثم خلقكم من نطفة هى الماء الذى يصب فى الأرحام، وهى أيضًا من أغذية تخرج من التراب، ثم جعلكم ذكرانًا وإناثًا، وما تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلمه تعالى، وما يمد فى عمر أحد ولا ينقص من عمره إلا مسجل فى كتاب.<BR>إن ذلك على الله سهل هين.

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْك

وما يستوى البحران فى علمنا وتقديرنا وإن اشتركا فى بعض منافعهما، هذا ماؤه عذب يقطع العطش لشدة عذوبته وحلاوته وسهولة تناوله، وهذا ملح شديد الملوحة.<BR>ومن كل منهما تأكلون لحمًا طريا مما تصيدون من الأسماك وتستخرجون ما تتخذونه زينة كاللؤلؤ والمرجان.<BR>وترى - أيها المشاهد - السفن تجرى فيه شاقة الماء بسرعتها، لتطلبوا شيئًا من فضل الله بالتجارة، ولعلكم تشكرون لربكم هذه النعم (1).<BR>_______<BR>(1) ومن آيات الله التى دعا الناس إلى تعقلها وَمَنَّ عليهم بها جريان الفلك ومخورها فى البحر حسب سنته التى سنَّها فى الطبيعة وهو ما بينه قانون الأجسام الطافية، وبديهى أن بعض الحلى تستخرج من البحر الملح وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرًا للحلى أيضًا ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك.<BR>أما اللؤلؤ فإنه كما يُستخرج من أنواع معينة من البحر يستخرج أيضًا من أنواع معينة أخرى صدفيات الأنهار.<BR>فتوجد اللآلئ فى المياه العذبة فى إنجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان.<BR>.<BR>.<BR>إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة.<BR>ويدخل فى ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس الذى يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة.<BR>ويوجد الياقوت كذلك فى الرواسب النهرية فى " موجوك " بالقرب من " باندالاس " فى بورما العليا، أما فى " سيام " وفى سيلان فيوجد الياقوت غالبًا فى الرواسب النهرية.<BR>ومن الأحجار شبه الكريمة التى تستعمل فى الزينة حجر التوباز.<BR>ويوجد فى الرواسب النهرية فى مواقع كثيرة ومنتشرة فى البرازيل وفى روسيا ( الأورال وسيبريا ) وهو فلورسيليكات الألمنيوم ويغلب أن يكون أصفر أو بنيًا.<BR>الزيركون CIRCOM حجر كريم جذاب تتقارب خواصه من خواص الماس ومعظم أنواعه الكريمة تستخرج من الرواسب النهرية.

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ

يُدخل الليل فى النهار ويُدخل النهار فى الليل بطول ساعات أحدهما وقصرها فى الآخر.<BR>حسب أوضاع محكمة مدى الأعوام والدهور، وسخر الشمس والقمر لمنفعتكم، كل منهما يجرى إلى أجل معين ينتهى إليه.<BR>ذلك العظيم الشأن هو الله مدبِّر أموركم، له الملك - وحده - والذين تدعون من غيره آلهة تعبدونها ما يملكون من لفافة نواة، فكيف يستأهلون العبادة؟! (1).<BR>________<BR>(1) تشير الآية الكريمة إلى أن للشمس أجلا تنتهى بعده وقد تكون هذه هى النهاية على ما قال به علماء الفلك من أن الشمس تحرق وقودها الذرى وهو مادة الهيدروجين فتتحول إلى هيليوم وقد يكون أجل الشمس بكارثة كونية.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ

إن تدعوا الذين تعبدونهم من دون الله لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا دعاءكم ما أجابوا شيئًا مما تطلبون، ويوم القيامة ينكرون إشراككم لهم مع الله، ولا يخبركم بهذا الخبر من أحوال الآخرة مثل عليم به علمًا دقيقًا.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

يا أيها الناس: أنتم المحتاجون إلى الله فى كل شىء، والله هو الغنى - وحده - عن كل خلقه، المستحق للحمد على كل حال.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ

إن يشأ الله إهلاككم أهلككم لتمام قدرته، ويأت بخلق جديد ترضاه حكمته.

وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ

وما هلاككم والإتيان بغيركم بممتنع على الله.

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِ

ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس أخرى، وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب شخصًا ليحمل عنها لا يحمل هذا الشخص من ذنوبها شيئًا، ولو كان ذا قرابة بها، لاشتغال كل بنفسه، ولا يحزنك - أيها النبى - عناد قومك، إنما ينفع تحذيرك الذين يخافون ربهم فى خلواتهم، وأقاموا الصلاة على وجهها، ومن تطهر من دنس الذنوب فإنما يتطهر لنفسه، وإلى الله المرجع فى النهاية، فيعامل كلا بما يستحق (1).<BR>________<BR>(1) يراجع التعليق العلمى على الآية " 7 " من سورة الزمر {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ

وما يستوى الذى لا يهتدى إلى الحق لجهله، والذى يسلك طريق الهداية لعلمه، ولا الباطل ولا الحق، ولا الظل ولا الريح الحارة.

وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ

وما يستوى الذى لا يهتدى إلى الحق لجهله، والذى يسلك طريق الهداية لعلمه، ولا الباطل ولا الحق، ولا الظل ولا الريح الحارة.

وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ

وما يستوى الذى لا يهتدى إلى الحق لجهله، والذى يسلك طريق الهداية لعلمه، ولا الباطل ولا الحق، ولا الظل ولا الريح الحارة.

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ

ولا يستوى الأحياء بقبول الإيمان ولا الأموات الذين عطلت حواسهم وأغلقت قلوبهم عن سماع الحق، إن الله يهدى من يشاء إلى سماع الحجة سماع قبول، وما أنت - أيها النبى - بمسمع أموات القلوب بالعناد والكفر، كما أنك لا تسمع الموتى فى القبور.

إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ

ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر.

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ

إنا أرسلناك - أيها النبى - للناس جميعًا بالدين الحق، مبشرًا من آمن به بالجنة، ومُنْذرا من كفر به بعذاب النار، وما من أمة من الأمم الماضية إلا جاءها من قبل الله من يحذرها عقابه.

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

وإن يكذبك قومك فى ذلك فقد كذب الذين من قبلهم رسلهم، وقد جاءوهم بالمعجزات الواضحات وبالصحف الربانية وبالكتاب المنير لطريق النجاة فى الدنيا والآخرة.

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ

ثم أخذت الذين كفروا أخذًا شديدًا، فانظر كيف كان إنكارى لعملهم وغضبى عليهم؟.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ

ألم تر - أيها العاقل - أنَّ الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفًا ألوانها، منها الأحمر والأصفر والحلو والمر والطيب والخبيث، ومن الجبال جبال ذوو طرائق وخطوط بيض وحمر مختلفة بالشدة والضعف (1).<BR>_________<BR>(1) ليس الإعجاز العلمى فى هذه الآية الكريمة هو التنويه فقط بما للجبال من ألوان مختلفة ترجع إلى اختلاف المواد التى تتألف منها صخورها من حديد يجعل اللون السائد أحمر أو منجنيز أو فحم يجعله أسود أو نحاسًا يجعله أخضر وغير ذلك.<BR>ولكن الإعجاز هو الربط بين إخراج ثمرات مختلفات الألوان يروى شجرها ماء واحد، وخلق جبال حمر وبيض وسود يرجع أصلها إلى مادة واحدة متجانسة التركيب أصل معينها من باطن الأرض.<BR>ويسميها علماء الجيولوجيا بالصهارة والمجاجما، وهذه الصهارة الواحدة عندما تنبثق فى أماكن مختلفة من الأرض وعلى أعماق مختلفة من السطح يعترى تركيبها الاختلاف فتتصلب آخر الأمر فى كتل أو جبال مختلفات المادة والألوان.<BR>وهكذا فسنة الله واحدة لأن الأصل واحد والفروع مختلفة متباينة وفى هذا متاع وفائدة لبنى الإنسان.

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ

ومن الناس والدواب والإبل والبقر والغنم مختلف ألوانه كذلك فى الشكل والحجم واللون.<BR>وما يتدبر هذا الصنع العجيب ويخشى صانعه إلا العلماء الذين يدركون أسرار صنعه، إن الله غالب يخشاه المؤمنون، غفور كثير المحو لذنوب من يرجع إليه (1).<BR>________<BR>(1) بعد استعراض تباين الثمرات والجبال والناس والدواب والأنعام، وقد يشار إلى أن وراء هذا التباين فى تلك الأحوال جميعها وحدة فى الأصل: فالثمرات من ماء واحد، والجبال من صهارة واحدة، وكذلك اختلاف الألوان والناس والدواب والأنعام لا يظهر فى النطف التى تنشأ منها، ولو فحصت بالمجاهر القوية فإنها فى مظاهرها لا تشير إلى شىء مما تكنه من أوجه الاختلاف وإنما هى دقائق وأسرار تحتويها فى داخلها ( جيناتها أو موزياتها ) وربما كان هنا إشارة أيضًا إلى أن الخصائص الوراثية الكامنة فى جراثيم النبات والحيوان والإنسان تحافظ على فطرتها ولا تتغير حقيقتها بالبيئة أو الغذاء وأحق الناس بخشية الله هم العلماء الذين عرفوا أسرار اختلاف هذه الموجودات.

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ

إن الذين يتلون كتاب الله، متدبرين فيه عاملين به، وأقاموا الصلاة على وجهها الصحيح، وأنفقوا بعض ما رزقهم الله سرًّا وجهرًا، يرجون بذلك تجارة مع الله لن تكسد.

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ

ليوفيهم ربهم أجورهم ويزيدهم من فضله، بما يربى من حسناتهم ويمحو من سيئاتهم، إنه غفور كثير المحو للهفوات، شكور كثير الشكر للطاعات.

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ

والذى أوحينا إليك من القرآن هو الحق الذى لا شبهة فيه، أنزلناه مصدقًا لما تقدم من الكتب المنزلة على الرسل قبلك، لاتفاق أصولها، إن الله بعباده واسع الخبرة والبصر.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

ثم جعلنا هذا الكتاب ميراثًا للذين اخترناهم من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه بغلبة سيئاته على حسناته، ومنهم مقتصد لم يسرف فى السيئات ولم يكثر من الحسنات، ومنهم سابق غيره بفعل الخيرات بتيسير الله، ذلك السبق بالخيرات هو الفوز الكبير من الله.

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ

جزاؤهم فى الآخرة جنات إقامة يدخلونها، يتزَّينون فيها بأساور من ذهب ولؤلؤا، وثيابهم فى الجنة حرير.

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ

وقالوا وقد دخلوها: الثناء الجميل لله الذى أذهب عنا ما يحزننا.<BR>إن ربنا لكثير المغفرة كثير الشكر.

الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ

الذى أنزلنا دار النعيم المقيم من فضله لا يصيبنا فيها تعب، ولا يمسنا فيها إعياء.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ

والذين كفروا جزاؤهم المعد لهم نار جهنم يدخلونها، لا يقضى عليهم الله بالموت فيموتوا، ولا يخفف عنهم شىء من عذابها فيستريحوا.<BR>كذلك نجزى به كل متمادٍ فى الكفر مصٍّر عليه.

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ

وهم يستغيثون فيها قائلين: ربنا أخرجنا من النار نعمل صالحًا غير العمل الذى كنا نعمله فى الدنيا، فيقول لهم: ألم نمكنكم من العمل ونطل أعماركم زمنًا يتمكن فيه من التدبر من يتدبر، وجاءكم الرسول يحذركم من هذا العذاب؟ فذوقوا فى جهنم جزاء ظلمكم، فليس للظالمين من ناصر أو معين.

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

إن الله مطلع على كل غائب فى السموات والأرض، لا يغيب عن علمه شىء، ولو أجابكم وأعادكم إلى الدنيا لعدتم إلى ما نهاكم عنه.<BR>إنه - تعالى - عليم بخفايا الصدور من النزعات والميول.

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا

الله هو الذى جعل بعضكم يخلف بعضًا فى تعمير الأرض وتثميرها، وهو حقيق بالشكر لا بالكفر، فمن كفر بالله فعليه وزر كفره، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بغضًا وغضبًا، ولا يزيد الكافرين إلا خسرانًا.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا

قل - أيها النبى - للمشركين: أخبرونى: أأبصرتم حال شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله؟! أخبرونى: أى جزء خلقوا من الأرض؟! بل ألهم شركة مع الله فى خلق السموات؟! لم نعطهم كتابًا بالشركة فهم على حجة منه، بل ما يعد الظالمون بعضهم بعضًا بشفاعة الآلهة التى يشركونها مع الله إلا باطلا وزخرفًا لا يخدع إلا ضعاف العقول.

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

إن الله هو الذى يمنع اختلال نظام السموات والأرض، ويحفظهما بقدرته من الزوال، ولئن قدِّر لهما الزوال ما استطاع أحد أن يحفظهما بعد الله.<BR>إنه كان حليمًا لا يُعجل بعقوبة المخالفين غفورًا لذنوب الراجعين إليه (1).<BR>________<BR>(1) تقرر هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى - وحده - خالق السموات والأرض، يمسكهما من الزوال، فالأجرام السماوية القريبة والبعيدة منا تظهر على القبة السماوية متماسكة وطبقًا لنظام بديع خلقه الله سبحانه وتعالى وهو ما أودعه إياها من جاذبية فلا تحيد عنه على مر الزمن والأجيال، ويحفظها من الاختلال فى التوازن، ولله سبحانه وتعالى هذه القدرة وليست لأحد سواه.

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا

وأقسم الكافرون بالله غاية اجتهادهم فى تأكيد يمينهم: لئن جاءهم رسول ينذرهم ليكونن أكثر هداية من إحدى الأمم التى كذبت رسلها، فلما جاءهم رسول منهم ينذرهم ما زادهم بإنذاره ونصحه إلا نفورًا عن الحق.

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا

نفروا استكبارًا فى الأرض وأنفة من الخضوع للرسول والدين الذى جاء به، ومكروا مكر السيئ - وهو الشيطان الذى قادهم إلى الانصراف عن الدين ومحاربة الرسول - ولا يحيط ضرر المكر السيئ إلا بمن دبروه، فهل ينتظرون إلا ما جرت به سنة الله فى الذين سبقوهم؟ فلن تجد لطريقة الله فى معاملة الأمم تغييراً يُطمِّع هؤلاء الماكرين فى وضع لم يكن لمن سبقوهم، ولن تجد لسنة الله تحويلا عن اتجاهها.

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا

اقعدوا وأنكروا وعيد الله للمشركين، ولم يسيروا فى الأرض فينظروا بأعينهم آثار الهلاك الذى أنزل على من قبلهم عقابًا لتكذيبهم الرسل؟! وكان من قبلهم من الأمم أشد منهم قوة، فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله، وما كان ليعجزه من شىء فى السموات ولا فى الأرض.<BR>إنه واسع العلم عظيم القدر.

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا

ولو يعاقب الله الناس فى الدنيا لعم العقاب، وما ترك على ظهر الأرض دابة، لصدور الذنوب منهم جميعًا، ولكن يؤخر عقابهم إلى زمن معين هو يوم القيامة، فإذا جاء أجلهم المضروب لهم فسيجازيهم بكل دقة، لأنه كان بأعمال عباده بصيرًا، لا يخفى عليه شىء منها.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس