islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
14548

10-يونس

الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ

هذه حروف بدأ الله تعالى بها السورة، وهو أعلم بمراده منها، وهى مع ذلك تشير إلى أن القرآن مُكَوَّن من مثل هذه الحروف، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله، وهذه الحروف الصوتية تثير انتباه المشركين فيستمعون إليه، وإن اتفقوا على عدم استماع هذه الآيات الكريمة ونحوها التى هى آيات القرآن المحكم فى أسلوبه ومعانيه، الذى اشتمل على الحكمة وما ينفع الناس فى أمور دينهم ودنياهم.

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ

ما كان للناس أن يَعجبوا ويُنكروا وحْينا إلى رجل منهم ( محمد )، ليُحذّر الناس من عذاب الله، ويُبَشّر الذين آمنوا منهم بأن لهم منزلة عالية عند ربهم، لا يتخلف وعد الله، وما كان لهؤلاء المنكرين أن يقولوا عن محمد - رسولنا -: إنه ساحر واضح أمره.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

إن ربكم - أيها الناس - هو الله الذى خلق السموات والأرض وما فيهما فى ستة أيام ( 1) لا يعلم إلا الله مداها.<BR>.<BR>ثم هيْمن - بعظيم سلطانه - وحده، ودبَّر أمور مخلوقاته، فليس لأحد سلطان مع الله فى شىء، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يشفع لأحد إلا بإذنه.<BR>.<BR>ذلكم الله الخالق، هو ربكم وولى نعمتكم فاعبدوه - وحده - وصدقوا رسوله، وآمنوا بكتابه.<BR>فعليكم أن تذكروا نعمة الله وتتدبروا آياته الدالة على وحدانيته.<BR>_______<BR>(1) خلق الله الكون بأسره فى ست مراحل، وتتضمن المرحلة أحقابًا برمتها، وتلك المراحل التى عبَّر عنها بالأيام الستة تسخير للشمس والقمر والنجوم لفائدة البشر، وكذلك تعاقب الليل والنهار، وأن النهار طارئ على ظلام السماء، وذكر الليل أولا لأن الظلام هو الأصل، فأما النهار: فقد نشأ بسبب تناثر ضوء الشمس فى جو الأرض التى تدور حول نفسها وتعرضه للإشعاع الشمسى.

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ

وكما بدأ الله الخلق فإليه - وحده - مرجعكم، ومرجع المخلوقات كلها، وقد وعد الله بذلك وعدًا صادقًا لا يتخلف.<BR>وإنه سبحانه بدأ الخلق بقدرته، وبعد فنائه سيعيده بقدرته، ليثيب المؤمنين المطيعين بعدله التام، وأما الكافرون فلهم شراب فى جهنم شديد الغليان، ولهم عذاب موجع جزاء كفرهم.

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

وربكم الذى خلق السموات والأرض، والذى جعل الشمس تشع الضياء، والقمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها، فيختلف نوره تبعًا لهذه المنازل، لتستعينوا بهذا فى تقدير مواقيتكم، وتعلموا عدد السنين والحساب (1)، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة، وهو سبحانه يبسط فى كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته، لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.<BR>______<BR>(1) {هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا}: الشمس جرم سماوى ملتهب مضىء بذاته، وهو مصدر الطاقات على الأرض ومنها الضوء والحرارة، بينما القمر جرم غير مضىء بذاته بل يعكس أو يرد ما يقع عليه من ضوء الشمس فيبدو منيرًا.<BR>{وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} منازل القمر أوضاعه المختلفة بالنسبة للأرض والشمس، وهى التى تنتج عنها أوجه القمر، ومن ثم يمكن تحديد الشهر القمرى، وهو العلامة الفلكية الظاهرة لتحديد الشهر، ويتم القمر دورته حول الأرض فى تسعة وعشرين يومًا، واثنتى عشرة ساعة، وأربع وأربعين دقيقة، واثنتين وثمانية من عشر ثانية.

إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ

إن فى تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان، وفى خلْق السموات والأرض وما فيهما من الكائنات، لأدلة واضحة وحُججًا بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه (1).

إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ

إن الذين لا يؤمنون بالبعث ولقاء الله فى اليوم الآخر، واعتقدوا - واهمين - أن الحياة الدنيا هى منتهاهم وليس بعدها حياة، فاطمأنوا بها، ولم يعملوا لما بعدها، وغفلوا عن آيات الله الدالة على البعث والحساب.

أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

هؤلاء مأواهم الذى يستقرون فيه هو النار، جزاء ما كسبوا من الكفر وقبيح الأعمال.

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

إن الذين آمنوا إيمانًا صحيحًا، وعملوا الأعمال الصالحة فى دنياهم يثبتهم ربهم على الهداية بسبب إيمانهم، ويدخلون يوم القيامة جنات تجرى الأنهار خلالها، وينعمون فيها نعيمًا خالدًا.

دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

دعاء المؤمنين فى هذه الجنات تسبيح وتنزيه لله عما كان يقوله الكافرون فى الدنيا، وتحية الله لهم، وتحية بعضهم لبعض تقرير للأمن والاطمئنان، وخاتم دعائهم دائمًا حمد الله على توفيقه إياهم بالإيمان، وظفرهم برضوانه عليهم.

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

ولو أجاب الله ما يستعجل به الناس على أنفسهم من الشر مثل استعجالهم لطلب الخير، لأهلكهم وأبادهم جميعًا، ولكنه يتلطف بهم، فيرجئ هلاكهم، انتظارًا لما يظهر منهم حسب ما علمه فيهم، فتتضح عدالته فى جزائهم، إذ يتركون - والأدلة قائمة عليهم - يتعمدون الانحراف والاتجاه إلى طريق الضلال والظلم.

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

وإذا أصاب الإنسان ضر فى نفسه أو ماله أو نحو ذلك، أحس بضعفه ودعا ربه على أى حال من حالاته، مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا، أن يكشف ما نزل به من محنته، فلما استجاب الله له، فكشف عنه ضره، انصرف عن جانب الله، واستمر على عصيانه، ونسى فضل الله عليه، كأنه لم يصبه ضر ولم يدع الله إلى كشفه، وكمثل هذا المسلك زيَّن الشيطان للكافرين ما عملوا من سوء وما اقترفوا من باطل.

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ

ولقد أهلكنا الأمم السابقة عليكم بسبب كفرهم حين جاءتهم رسلهم بالآيات الواضحة على صدق دعوتهم إلى الإيمان، وما كان فى علم الله أن يحصل منهم إيمان، بسبب تشبثهم بالكفر والعصيان، فاعتبروا يا كفار قريش، فكما أهلكنا مَنْ قبلكم، سنجزى المجرمين بإهلاكهم.

ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ

ثم جعلناكم - يا أمة محمد - خلفاء فى الأرض، تعمرونها من بعد هؤلاء السابقين، لنختبركم ونظهر ما تختارونه لأنفسكم من طاعة أو عصيان، بعد أن عرفتم ما جرى على أسلافكم.

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِن

وحينما تجلت آيات القرآن من رسولنا - محمد - على المشركين، قال له الكافرون الذين لا يخافون عذاب الله ولا يرجون ثوابه: آتنا كتابًا غير هذا القرآن، أو بَدِّل ما فيه مما لا يعجبنا.<BR>قل لهم - أيها الرسول - لا يمكننى ولا يجوز أن أغير أو أبدل فيه من عندى.<BR>ما أنا إلا متبع ومبلغ ما يوحى إلىَّ من ربى، إنى أخاف إن خالفت وحى ربى عذاب يوم عظيم خطره، شديد هوله.

قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

قل لهم - يا أيها الرسول -: لو شاء الله ألا ينزل علىَّ قرآنًا من عنده، وألا أبلغكم به ما أنزله، وما تلوته عليكم، ولا أعلمكم الله به.<BR>لكنه نزل، وأرسلنى به، وتلوته عليكم كما أمرنى، وقد مكثت بينكم زمنًا طويلا قبل البعث لم أدّع فيه الرسالة، ولم أتل عليكم شيئًا، وأنتم تشهدون لى بالصدق والأمانة، ولكن جاء الوحى به فأمرت بتلاوته، ألا فاعقلوا الأمور وأدركوها، واربطوا بين الماضى والحاضر.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ

ليس هناك أشد ظلمًا لنفسه ممن كفر وافترى الكذب على الله، أو كذب بآيات الله التى جاء بها رسوله: إنه لا ينجح الكافر فى عمله، وقد خسر خسرانًا مبينًا بكفره، ومغاضبته لله تعالى.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

ويعبد هؤلاء المشركون - المفترون على الله بالشرك - أصنامًا باطلة، لا تضرهم ولا تنفعهم، ويقولون: هؤلاء الأصنام يشفعون لنا عند الله فى الآخرة، قل لهم - أيها الرسول -: هل تخبرون الله بشريك لا يعلم الله له وجودًا فى السموات ولا فى الأرض؟! تنزه الله عن الشريك وعما تزعمونه بعبادة هؤلاء الشركاء.

وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

وما كان الناس فى تكوينهم إلا أمة واحدة بمقتضى الفطرة، ثم بعثنا إليهم الرسل لإرشادهم وهدايتهم بمقتضى وحى الله تعالى، فكانت تلك الطبيعة الإنسانية التى استعدت للخير والشر سببًا فى أن يغلب الشر على بعضهم، وتحكم الأهواء ونزغات الشيطان، فاختلفوا بسبب ذلك.<BR>ولولا حكم سابق من ربك بإمهال الكافرين بك - أيها النبى - وإرجاء هلاكهم إلى موعد محدد عنده، لعجل لهم الهلاك والعذاب، بسبب الخلاف الذى وقعوا فيه، كما وقع لأمم سابقة.

وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

ويقول هؤلاء المشركون: هلا أنزل على محمد معجزة من عند الله غير القرآن، تقنعنا بصدق رسالته؟ فقل لهم - أيها الرسول -: إن نزول الآيات غيب، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، وإن كان القرآن لا يقنعكم فانتظروا قضاء الله بينى وبينكم فيما تجحدونه، إنى معكم من المنتظرين.

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ

ومن شأن الناس أننا إذا أنعمنا عليهم، من بعد شدة أصابتهم فى أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم، لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم بعد صرف الضر عنهم، بل هم يقابلون ذلك بالإمعان فى التكذيب والكفر بالآيات.<BR>قل - أيها الرسول -: إن الله قادر على إهلاككم والإسراع بتعذيبكم، لولا حكم سابق منه بإمهالكم إلى موعد اختص - وحده - بعلمه.<BR>إن رسلنا من الملائكة الموكلين بكم يكتبون ما تمكرون، وسيحاسبكم ويجازيكم.

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّ

الله الذى تكفرون بنعمه، وتُكَذِّبون بآياته، هو الذى يُمكِّنكم من السير والسعى فى البر مشاة وركبانًا، وفى البحر بما سخَّر لكم من السفن التى تجرى على الماء، بما يهيئ الله لها من ريح طيبة تدفعها فى أمان إلى غايتها، حتى إذا اطمأننتم إليها وفرحتم بها هبت ريح عاصفة أثارت عليكم الموج من كل جانب، وأيقنتم أن الهلاك واقع لا محالة، فى هذه الشدة لا تجدون ملجأ غير الله فتدعونه مخلصين فى الدعاء، وموقنين أنه لا منقذ لكم سواه، متعهدين له لئن أنجاكم من هذه الكربة لتؤمنن به ولتكونن من الشاكرين.

فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

فلما أنجاهم مما تعرضوا له من الهلاك، نقضوا عهدهم، وعادوا مسرعين إلى الفساد الذى كانوا من قبل - يا أيها الناس - الناقضون للعهد إن عاقبة اعتدائكم وظلمكم سترجع عليكم - وحدكم - وإن ما تتمتعون به فى دنياكم متاع دنيوى زائل، ثم إلى الله مصيركم فى النهاية فيجزيكم بأعمالكم التى أسلفتموها فى دنياكم.

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْه

ما حالة الحياة الدنيا فى روعتها وبهجتها، ثم فى فنائها بعد ذلك، إلا كحالة الماء ينزل من السماء، فيختلط به نبات الأرض، مما يأكله الناس والحيوان، فيزدهر ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة، حتى إذا بلغت هذه الزينة تمامها، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها، فاجأها أمرنا بزوالها فجعلناها شيئًا محصودًا، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل، ففى كلتا الحالتين نضارة وازدهار يبتهج بهما الناس، ثم يعقبهما زوال ودمار، وكما بيَّن الله ذلك بالأمثال الواضحة، يبيَّن الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون (1).<BR>________<BR>(1) تشير هذه الآية إلى حقيقة بدأت تتكشف بوادرها، وهى تسخير الإنسان العلم لخدمته، واستطاعته به أن يسيطر على ما يحقق أهدافه، حتى إذا ما قاربت هذه الحقيقة الاكتمال، وظن الإنسان أنه قد بلغ أوج المعرفة أتى أمر الله.

وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

والله يدعو عباده بالإيمان والعمل الصالح إلى الجنة دار الأمن والاطمئنان، وهو سبحانه يهدى من يشاء هدايته - لحسن استعداده وميله إلى الخير - إلى الطريق الحق وهو السلام.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

للذين أحسنوا بالاستجابة لدعوة الله، فآمنوا وعملوا الخير لدينهم ودنياهم، لهم المنزلة الحسنى فى الآخرة وهى الجنة، ولهم زيادة على ذلك فضلا من الله وتكريمًا، ولا يغشى وجوههم كآبة من همّ وهوان: وهؤلاء هم أهل الجنة الذين ينعمون فيها أبدًا.

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

والذين لم يستجيبوا لدعوة الله، فكفروا واقترفوا المعاصى فسيجزون بمثل ما عملوا من سوء، ويغشاهم الهوان، وليس لهم واقٍ يمنعهم من عذاب الله، ووجوههم مسودة من الغم والكآبة كأنما أسدل عليها سواد من ظلمة الليل، وهم أهل النار يشقون فيها أبدًا.

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ

واذكر - أيها الرسول - هوْل الموقف، يوم نجمع الخلائق كافة، ثم نقول للذين أشركوا فى عبادتهم مع الله غيره: قفوا مكانكم أنتم ومن اتخذتموهم شركاء من دون الله، حتى تنظروا ما يفعل بكم، فوقعت الفرقة بين المشركين والشركاء، وتبرأ الشركاء من عابديهم، قائلين لهم: لم ندعكم إلى عبادتنا، وما كنتم تعبدوننا، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم.

فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ

ويكفينا الله بعلمه وحكمه شهيدًا وفاصلاً بيننا وبينكم.<BR>.<BR>إنا كنا بمعزل عنكم لا نشعر بعبادتكم لنا.

هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

فى ذلك الموقف تعلم كل نفس ما قدَّمت من خير أو شر، وتلقى جزاءها.<BR>وفى هذا الموقف أيقن المشركون بوحدانية الله الحق، وبطل كل ما كانوا يفترونه على الله.

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ

ادع - أيها الرسول - إلى التوحيد الخالص، وقل: مَنْ الذى يأتيكم بالرزق من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإخراج النبات والثمر؟ ومَن الذى يمنحكم السمع والأبصار؟ ومن يخرج الحى من الميت كالنبات وهو حى من الأرض وهى موات؟ ومن يخرج الميت من الحى كالإنسان يسلب عنه الحياة؟ ومن الذى يُدَبِّر ويصرف جميع أمور العالم كله بقدرته وحكمته؟ فسيعترفون - لا مناص - بأن الله - وحده - فاعل هذا كله.<BR>فقل لهم - أيها الرسول - عند اعترافهم بذلك: أليس الواجب المؤكد أن تذعنوا للحق وتخافوا الله مالك الملك.

فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ

فذلكم الله الذى أقررتم به، هو - وحده - ربكم الذى تحققت ربوبيته، ووجبت عبادته دون سواه، وليس بعد الحق من توحيد الله وعبادته إلا الوقوع فى الضلال، وهو الإشراك بالله وعبادة غيره.<BR>فكيف تنصرفون عن الحق إلى الباطل؟.

كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

كما تحققت ألوهية الله ووجبت عبادته، حق قضاؤه على الذين خرجوا عن أمر الله متمردين بأنهم لا يذعنون للحق، لأن الله تعالى لا يهدى إلى الحق إلا من سلك طريقه، لا من تمرد عليه.

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هل من معبوداتكم التى جعلتموها شركاء لله مَنْ يستطيع أن ينشئ الخلق ابتداء، ثم يعيده بعد فنائه؟ إنهم سيعجزون عن الجواب، فقل لهم حينئذ: الله - وحده - هو الذى ينشئ الخلق من عدم، ثم يعيده بعد فنائه، فكيف تنصرفون عن الإيمان به؟

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هل من معبوداتكم التى جعلتموها شركاء لله مَن يستطيع التمييز بين الهدى والضلال، فيرشد سواه إلى السبيل الحق؟ فسيعجزون! فهل القادر على الهداية إلى الحق أولى بالاتباع والعبادة؟ أم الذى لا يستطيع أن يهتدى فى نفسه، وهو بالأولى لا يهدى غيره، اللهم إلا إذا هداه غيره؟ كرؤوس الكفر والأحبار والرهبان الذين اتخذتموهم أربابًا من دون الله.<BR>فما الذى جعلكم تنحرفون حتى أشركتم هؤلاء بالله؟ وما هذه الحال العجيبة التى تجركم إلى تلك الأحكام الغريبة.

وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ

وما يتبع أكثر المشركين فى معتقداتهم إلا ظنونًا باطلة لا دليل عليها، والظن - على وجه العموم - لا يفيد، ولا يغنى عن العلم الحق أى غناء، ولا سيما إذا كان ظنًا وهميًا كظن هؤلاء المشركين.<BR>وإن الله عليم بما يفعله رؤساء الكفر وأتباعهم الذين يقلدونهم، وسيجازيهم على ذلك.

وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وما كان يتأتى فى هذا القرآن أن يفتريه أحد، لأنه فى إعجازه وهدايته وإحكامه لا يمكن أن يكون من عند غير الله.<BR>وليس هو إلا مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية فيما جاءت به من الحق، وموضحًا لما كتب وأثبت من الحقائق والشرائع.<BR>لا شك فى أن هذا القرآن منزل من عند الله، وأنه معجز لا يقدر أحد على مثله.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

بل يقول هؤلاء المشركون: اختلق محمد هذا القرآن من عنده، فقل لهم - أيها الرسول -: إن كان هذا القرآن من عمل البشر، فأتوا أنتم بسورة واحدة مماثلة له، واستعينوا على ذلك بمن تشاءون من دون الله، إن كنتم صادقين فى زعمكم أن القرآن من عندى.

بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ

بل سارع هؤلاء المشركون إلى تكذيب القرآن من غير أن يتدبروا، ويعلموا ما فيه، فلم ينظروا فيه بأنفسهم، ولم يقفوا على تفسيره وبيان أحكامه بالرجوع إلى غيرهم، وبمثل هذه الطريقة فى التكذيب من غير علم، كذب الكافرون من الأمم السابقة رسلهم وكتبهم، فانظر - أيها الإنسان - ما آل إليه أمر المكذبين السابقين من خذلانهم وهلاكهم بالعذاب، وهذه سنة الله فى أمثالهم.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ

ومن هؤلاء المكذبين من سيؤمن بالقرآن بعد أن يفطن إلى ما فيه، ويتنبه لمعانيه، ومنهم فريق لا يؤمن به ولا يتحول عن ضلاله، والله سبحانه وتعالى أعلم بالمكذبين المفسدين، وسيجازيهم على ما فعلوه.

وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ

وإن أصروا على تكذيبك - أيها الرسول - بعد وضوح الأدلة على نبوتك - فقل لهم: إن لى جزاء عملى، ولكم جزاء عملكم كيفما كان، وإنى مستمر فى دعوتى، وأنتم لا تؤاخذون بعملى، وأنا لا أؤاخذ بعملكم، فافعلوا ما شئتم وسيجازى الله كلا بما كسب.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ

ومن هؤلاء الكفار من يستمع إليك - أيها الرسول - حين تدعوهم إلى دين الله، وقد أغلقت قلوبهم دون قبول دعوتك، فأنت لا تقدر على إسماع هؤلاء الصم وهدايتهم، وخاصة إذا أضيف إلى صممهم عدم تفهمهم لما تقول.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ

ومنهم من ينظر إليك ويفكر فى شأنك، فيرى دلائل نبوتك الواضحة، ولكن لا يهتدى بها، فمثله فى ذلك مثل الأعمى، ولست بقادر على هداية هؤلاء العمى، فعمى البصر كعمى البصيرة، كلاهما لا هداية له، فالأعمى لا يهتدى حسًا، والضالُّ لا يهتدى معنى.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

إن الله سبحانه سيجازى الناس بأعمالهم بالعدل والقسطاس، ولا يظلم أحدًا منهم شيئًا، ولكن الناس الذين يظلمون أنفسهم باختيارهم الكفر على الإيمان.

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ

وأنذرهم - أيها الرسول - يوم نجمعهم للحساب، فيتحققون مجىء اليوم الآخر بعد أن كانوا يكذبون به، ويتذكرون حياتهم فى الدنيا، كأنها ساعة من النهار لم تتسع لما كان ينبغى من عمل الخير، ويعرف بعضهم بعضا، يتلاومون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال.<BR>قد خسر المكذبون باليوم الآخر، فلم يقدموا فى دنياهم عملا صالحًا، ولم يظفروا بنعيم الآخرة بكفرهم.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ

وإن أريناك - أيها الرسول - بعض الذى نعدهم به، من نصرتك عليهم، وإلحاق العذاب بهم، أو نتوفينك قبل أن ترى كل ذلك، فلا مناص من عودتهم إلينا للحساب والجزاء.<BR>والله سبحانه رقيب وعالم بكل ما يفعلونه، ومجازيهم به.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

ولقد جاء رسول لكل أمة فبلَّغها دعوة الله، فآمن مَن آمن، وكذّب مَن كذب، فإذا كان يوم الحشر، وجاء رسولهم وشهد على مكذبيه بالكفر، وللمؤمنين بالإيمان، فيحكم الله بينهم بالعدل التام، فلا يظلم أحدًا فيما يستحقه من جزاء.

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

ويُمعن الكافرون فى التكذيب باليوم الآخر، فيستعجلونه متهكمين، ويقولون: متى يكون هذا الذى تعدنا به من العذاب، إن كنت - أيها الرسول - ومن معك، صادقين فيما تؤمنون به وتدعوننا إليه؟.

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

قل لهم - أيها الرسول - إننى لا أملك لنفسى خيرًا ولا شرًا، إلا ما أقدرنى الله عليه.<BR>فكيف أملك تقديم العقوبة؟ إن لكل أمة نهاية حددها الله أزلا، فإذا حانت هذه النهاية فلا يستطيعون التأخر عنها وقتًا ما، كما لا يستطيعون سبقها.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ

قل لهؤلاء المكذبين المستعجلين وقوع العذاب: أخبرونى إن وقع بكم عذاب الله ليلا أو نهارًا، فأى فائدة يحصل عليها من استعجاله المجرمون الآثمون؟ والعذاب كله مكروه.

أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ

أتنكرون العذاب الآن، ثم إذا حل بكم يقال لكم توبيخًا: هل آمنتم به حين عاينتموه، وقد كنتم تستعجلونه فى الدنيا مستهينين جاحدين.

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ

ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتكذيب: ذوقوا العذاب الدائم.<BR>.<BR>لا تجزون الآن إلا على أعمالكم التى كسبتموها فى الدنيا.

وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

ويطلب الكفار منك - أيها الرسول - على سبيل الاستهزاء والإنكار - أن تخبرهم أحق ما جئت به من القرآن وما تعدهم به من البعث والعذاب؟ قل لهم: نعم وحق خالقى الذى أنشأنى إنه حاصل لا شك فيه، وما أنتم بغالبين ولا مانعين ما يريده الله بكم من العذاب.

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

ولو أن كل ما فى الأرض مملوك لكل نفس ارتكبت ظلم الشرك والجحود، لارتضت أن تقدمه فداء لما تستقبل من عذاب تراه يوم القيامة وتعاين هوله، وحينئذ يتردد الندم والحسرة فى سرائرهم لعجزهم عن النطق به، ولشدة ما دهاهم من الفزع لرؤية العذاب، ونفذ فيهم قضاء الله بالعدل، وهم غير مظلومين فى هذا الجزاء.<BR>لأنه نتيجة ما قدَّموا فى الدنيا.

أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

ليعلم الناس أن الله مالك ومهيمن على جميع ما فى السموات والأرض، وليعلموا أن وعده حق، فلا يعجزه شىء، ولا يفلت من جزائه أحد، ولكنهم قد غرتهم الحياة الدنيا، لا يعلمون ذلك علم اليقين.

هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

والله سبحانه، يهب الحياة بعد عدم، ويسلبها بعد وجود، وإليه المرجع فى الآخرة، ومَن كان كذلك لا يعظم عليه شىء.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ

يا أيها الناس: قد جاءكم على لسان الرسول محمد كتاب من الله، فيه تذكير بالإيمان والطاعة وعظة بالترغيب فى الخير، والترهيب من عمل السوء، وسوْق العبر بأخبار مَن سبقوكم، وتوجيه نظركم إلى عظمة الخلق لتدركوا عظمة الخالق، وفيه دواء لأمراض قلوبكم من الشرك والنفاق، وهداية إلى الطريق المستقيم.<BR>وذلك كله رحمة للمؤمنين الذين يستجيبون.

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

قل لهم - أيها الرسول -: افرحوا بفضل الله عليكم ورحمته بكم، بإنزال القرآن، وبيان شريعة الإسلام، وهذا خير من كل ما يجمعه الناس من متاع الدنيا، لأنه غذاء القلوب وشفاء أسقامها.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ

قل - أيها الرسول - للكفار الذين أوتوا بعض متاع الدنيا: أخبرونى عما منحكم الله من رزق حلال طيب، فأقمتم من أنفسكم مشرِّعين، تجعلون بعضه حلالا، وبعضه حرامًا، دون أن تأخذوا بشرع الله؟ إن الله لم يأذن لكم فى هذا، بل أنتم تكذبون فى ذلك على الله.

وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ

ما الذى يظنه يوم القيامة أولئك الذين كانوا يفترون الكذب على الله، فيدَّعون الحِلّ والتحريم من غير أن يكون عندهم دليل؟ إن الله أنعم عليهم نعمًا كثيرة، وأحلها لهم بفضله، وشرع لهم ما فيه خيرهم، ولكن الأكثرين لا يشكرون الله عليها، بل يفترون على الله الكذب.

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَل

وإنك - أيها الرسول - قد بلغت وهو معلوم لله، وما تكون فى أمر من أمورك، وما تقرأ من قرآن ولا تعمل أنت وأمتك من عمل، إلا ونحن شهود رقباء عليه حين تدخلون فيه مجاهدين، ولا يغيب عن علم ربك شىء فى وزن الذرة فى الأرض ولا فى السماء، ولا أصغر من هذا ولا أكبر منه.<BR>إن ذلك كله يسجل فى كتاب عند الله بيِّن واضح.

أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

تنبهوا - أيها الناس - واعلموا أن الموالين لله بالإيمان والطاعة يحبهم ويحبونه، لا خوف عليهم من الخزى فى الدنيا، ولا من العذاب فى الآخرة، وهم لا يحزنون على ما فاتهم من عرض الدنيا؛ لأن لهم عند الله ما هو أعظم من ذلك وأكثر.

الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

وهم الذين صدَّقوا بكل ما جاء من عند الله، وأذعنوا للحق، واجتنبوا المعاصى، وخافوا الله فى كل أعمالهم.

لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

لهؤلاء الأولياء البشرى بالخير فى الدنيا، وما وعدهم الله به من نصر وعزة، وفى الآخرة يتحقق وعد الله، ولا خلف لما وعد الله به، وهذا الذى بشروا به فى الدنيا، وظفروا به فى الآخرة هو الفوز العظيم.

وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

ولا تحزن - أيها الرسول - لما يقوله المشركون من سخرية وطعن وتكذيب، ولا تظن أن حالهم ستدوم، بل إن النتيجة لك وسيعتز الإسلام، فإن العزة كلها لله تعالى، والنصر بيده، وسينصرك عليهم، وهو سبحانه السميع لما يفترون عليك، العليم بما يضمرونه، وسيجازيهم على ذلك.

أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ

لتعلموا - أيها الناس - أن لله - وحده - كل مَن فى السموات والأرض خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وإن الذين أشركوا بالله لا يتبعون إلا أوهامًا باطلة لا حقيقة لها، وليسوا إلا واهمين يظنون القوة فيما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

إن الذى يملك مَن فى السموات والأرض، هو الذى خلق لكم الليل لتستريحوا فيه من عناء السعى فى النهار، وخلق لكم النهار مضيئًا لتسعوا فيه وتجلبوا مصالحكم.<BR>إن فى خلق الليل والنهار لدلائل بينة لمن يسمعون ويتدبرون.

قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

وإذا كان عبدة الأوثان قد أشركوا فى العبادة حجارة، ولم ينزهوا الله حق التنزيه، وقالوا: إن لله ولدًا.<BR>.<BR>فالله منزه عن ذلك.<BR>.<BR>إنه غنى عن أن يتخذ ولدًا، لأن الولد مظهر الحاجة إلى البقاء، والله باق خالد، وكل ما فى السموات وما فى الأرض مخلوق ومملوك له، وليس عندكم - أيها المفترون - حُجة ولا دليل على ما زعمتم، فلا تختلقوا على الله أمرًا لا أساس له من الحقيقة.

قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ

قل لهم - أيها الرسول -: إن الذين يختلقون على الله الكذب ويزعمون أن له ولدًا، لن يفلحوا أبدًا.

مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ

لهم متاع فى الدنيا يغترون به، وهو قليل، طال أو قصر، بجوار ما يستقبلهم.<BR>ثم إلينا مرجعهم، فنحاسبهم ونذيقهم العذاب المؤلم بسبب كفرهم.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ

وإن ما ينزل بك من قومك قد نزل بمن سبقك من الأنبياء.<BR>واقرأ - أيها الرسول - على الناس، فيما ينزله عليك ربك من القرآن قصة نوح رسول الله لَمَّا أحس كراهية قومه وعداءهم لرسالته، فقال لهم: يا قوم إن كان وجودى فيكم لتبليغ الرسالة قد أصبح شديدًا عليكم، فإنى مستمر مثابر على دعوتى متوكل على الله فى أمرى، فاحزموا أمركم ومعكم شركاؤكم فى التدبير، ولا يكن فى عدائكم لى أى خفاء، ولا تمهلونى بما تريدون لى من سوء، إن كنتم تقدرون على إيذائى، فإن ربى يرعانى.

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

وإن بقيتم على الإعراض عن دعوتى، فإن ذلك لن يضيرنى، لأنى لم أقم بها لأتقاضاكم عليها أجرًا أخشى عليه الضياع بسبب إعراضكم، إنما أطلب أجرى عليها من الله - وحده - وقد أمرنى أن أكون مُسَلِّمًا إليه جميع أمرى.

فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ

ومع هذا المجهود وتلك المثابرة التى بذلها من أجل هدايتهم، أصروا على أن يستمروا فى تكذيبه وعدائه، فنجَّاه الله ومَن معه من المؤمنين به، الراكبين معه فى الفلك، وجعلهم عُمَّارًا للأرض بعد هلاك الكافرين الذين أغرقهم الطوفان، فانظر - يا محمد - كيف لقى المستخفون بالنذر مصيرهم السيئ.

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ

ثم أرسلنا من بعد نوح رُسُلاً آخرين، داعين إلى التوحيد، ومبشرين ومنذرين، ومؤيدين بالمعجزات الدالة على صدقهم، فكذبت أقوامهم كما كذب قوم نوح، فما كان من شأن الجاحدين منهم أن يذعنوا، لأن التكذيب سبق التبصر والاعتبار، وبذلك طبع الله الباطل على قلوب الذين من شأنهم الاعتداء على الحقائق وعلى البينات.

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ

ثم أرسلنا من بعدهم موسى وأخاه هارون إلى فرعون ملك مصر وإلى خاصته، داعين إلى عبادة الله - وحده - ومؤيدين بالحُجج الباهرة، فاستكبر فرعون وقومه عن متابعة موسى وهارون فى دعوتهما، وكانوا بهذا الرفض مرتكبين جرمًا عظيمًا، آثمين به.

فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ

فلما ظهر لهم الحق من عندنا على يد موسى، قالوا فى معجزة موسى وهى العصا التى انقلبت حية أمام أعينهم: إن هذا سحر مؤكد واضح.

قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ

قال لهم موسى مستنكرًا: أتصفون الحق الذى جئتكم به من عند الله بأنه سحر؟ أتكون هذه الحقيقة التى عاينتموها سحرًا؟! وهاأنذا أتحداكم أن تثبتوا أنها سحر، فأتوا بالساحرين ليثبتوا ما تدعون، ولن يفوز الساحرون فى هذا أبدًا.

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ

قال فرعون وقومه لموسى: إنما جئت إلينا قاصدًا أن تصْرِفَنا عن دين آبائنا، وتقاليد قومنا؛ لكى نصير لكما أتباعًا، ويكون لك ولأخيك الملك والعظمة والرياسة المسيطرة المتحكمة؟ وإذن فلن نؤمن بكما ولا برسالتكما.

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ

وزعم فرعون وقومه أن موسى وأخاه ساحران لا رسولان، فأمر رجاله بأن يحضروا له من مملكته كل من له مهارة فى فنون السحر.

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ

ولما حضر السحرة ووقفوا أمام موسى، لمنازلته بسحرهم على رؤوس الأشهاد، قال لهم موسى: هاتوا ما عندكم من فنون السحر.

فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ

فلما ألقوا حبالهم وَعصِيَّهم، قال لهم موسى: إن الذى فعلتموه هو السحر حقًا، والله سبحانه سيبطله على يدى، إن الله لا يهيئ أعمال المفسدين لأن تكون صالحة ونافعة.

وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ

أما الحق فإن الله ناصره ومؤيده بقدرته وحكمته، مهما أظهر الكافرون من بغضهم له ومحاربتهم إياه.

فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ

ومع ظهور الآيات الدالة على صدق الرسالة، فإن الذين آمنوا بموسى لم يكونوا إلا فئة قليلة من قوم فرعون، آمنوا على خوفٍ من فرعون ومن معه أن يردوهم عما آمنوا به، وما أعظم طغيان فرعون فى أرض مصر، وإنه لمن المغالين الذين أسرفوا فى استكبارهم واستعلائهم.

وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ

أما موسى فقد قال للمؤمنين مواسيًا لهم ومشجعًا: يا قوم، إن كان الإيمان قد دخل قلوبكم فى إخلاص لله فلا تخشوا سواه، وأسلموا أموركم إليه.<BR>وتوكلوا عليه، وثقوا فى النهاية إن كنتم ثابتين على الإسلام.

فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

فقال المؤمنون: على الله - وحده - توكلنا، ثم دعوا ربهم ألا يجعلهم أداة فتنة وتعذيب فى يد الكافرين.

وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

ودعوا ربهم قائلين: نجنا بما أسبغت علينا من نعمة ورحمة، وبفيض رحمتك التى اتصفت بها، من القوم الجاحدين الظالمين.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون أن يتخذا لقومهما بيوتًا يسكنونها بأرض مصر، وأن يجعلا هذه البيوت قبلة يتجه إليها أهل الإيمان الذين يتبعون دعوة الله، وأن يؤدوا الصلاة على وجهها الكامل.<BR>والبشرى بالخير للمؤمنين.

وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ ا

ولما تمادى الكفار فى تعنتهم مع موسى، دعا الله عليهم، فقال: يا رب إنك أعطيت فرعون وخاصته بهجة الدنيا وزينتها من الأموال والبنين والسلطان، فكانت عاقبة هذه النعم إسرافهم فى الضلال والإضلال عن سبيل الحق، اللهم اسحق أموالهم.<BR>واتركهم فى ظلمة قلوبهم، فلا يوفقوا للإيمان حتى يروا رأى العين العذاب الأليم، الذى هو العاقبة التى تنتظرهم ليكونوا عبرة لغيرهم.

قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

قال الله تعالى: قد أجيب دعاؤكما، فاستمرا على السير فى الطريق المستقيم، واتركا سبيل أولئك الذين لا يعلمون الأمور على وجهها، ولا يذعنون للحق الذى وضح.

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

ولما جاوزنا ببنى إسرائيل البحر، تعقبهم فرعون وجنوده للاعتداء عليهم فأطبقنا عليهم البحر، فلما أدرك الغرق فرعون، قال: صدقت بالله الذى صدقت به بنو إسرائيل، وأذعنت له، وأنا من الطائعين الخاضعين.

آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ

لم يقبل الله من فرعون هذا الإيمان الذى اضطر إليه، وتلك التوبة التى كانت وقد حضره الموت، بعد أن عاش عاصيًا لله مفسدًا فى الأرض فمات كافرًا مُهانًا.

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ

واليوم الذى هلكت فيه نُخرج جثتك من البحر، ونبعثها لتكون عظة وعبرة لمن كانوا يعبدونك، ولا ينتظرون لك مثل هذه النهاية المؤلمة المخزية، ولكن كثيرًا من الناس يغفلون عن البينات الباهرة فى الكون التى تثبت قدرتنا (1).

وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

ولقد مكنا لبنى إسرائيل بعد ذلك فعاشوا فى أرض طيبة، محافظين على دينهم، بعيدين عن الظلم الذى كانوا فيه، موفورة لهم الأرزاق والنعم، ولكنهم ما إن ذاقوا نعمة العزة بعد الهوان، حتى أصابهم داء الفرقة، فاختلفوا، مع أنه قد تبيَّن لهم الحق والباطل، وسيقضى الله بينهم يوم القيامة، ويجزى كلا منهم بما عمل.

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ

ولا تكن - أنت ولا أحد من الذين اتبعوك - من الذين يكذِّبون بالحُجج والبينات، لئلا يحل عليك الخسران والغضب، كما هو شأن الكفار الذين لا يؤمنون، والخطاب للنبى خطاب لكل من اتبعه.

إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ

إن الذين سبق عليهم قضاء الله بالكفر، لما عَلِمَ من عنادهم وتعصبهم، لن يؤمنوا مهما أجهدت نفسك فى إقناعهم.

وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ

ولو جئتهم بكل حُجة - مهما يكن وضوحها - فلن يقتنعوا وسيستمرون على ضلالهم إلى أن ينتهى بهم الأمر إلى العذاب الأليم.

فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

ولو أراد الله إيمان من فى الأرض جميعًا لآمنوا، فلا تحزن على كفر المشركين، ولا إيمان إلا مع الرغبة؛ فلا تستطيع أن تكره الناس حتى يذعنوا للحق ويستجيبوا له، فليس لك أن تحاول إكراههم على الإيمان، ولن تستطيع ذلك مهما حاولت.

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ

لا يمكن لإنسان أن يؤمن إلا إذا اتجهت نفسه إلى ذلك، وهيَّأ الله لها الأسباب والوسائل، أما من لم يتجه إلى الإيمان فهو مستحق لسخط الله وعذابه، وسنة الله أن يجعل العذاب والغضب على الذين ينصرفون عن الحُجج الواضحة ولا يتدبرونها.

قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ

قل - يا أيها النبى - لهؤلاء المعاندين: انظروا إلى ما فى السموات والأرض من بينات ترشد إلى ألوهيته ووحدانيته، ففيها ما يقنعكم بالإيمان.<BR>ولكن الآيات على كثرتها، والنذر على قوتها، لا تغنى عن قوم جاحدين لا يتعقلون، إذا لم يؤمن هؤلاء الجاحدون فلن ينظروا (1 ).<BR>________<BR>(1) هذه الآية وكثير غيرها تدعو إلى العلم بالمشاهدة والتأمل، وتدعو إلى العلم بالكون وما فيه؛ إذ قد سُخر للإنسان لأنه السبيل إلى المعرفة بالمشاهدة المحسوسة.

فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

فهل ينتظر أولئك الجاحدون إلا أن ينالهم من الأيام الشِّداد مثل ما أصاب الذين مضوا من قوم نوح وقوم موسى وغيرهم؟! قل لهم - أيها النبى -: إذا كنتم تنتظرون غير ذلك، فانتظروا إنى منتظر معكم، وستصيبكم الهزيمة القريبة والعذاب يوم القيامة.

ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ

ثم ننجى رسلنا والمؤمنين من ذلك العذاب، لأنه وعد بنجاتهم، ووعده حق لا يتخلف.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

قل لهم - أيها الرسول -: إن كنتم تشكون فى صحة الدين الذى بُعثت به، فاعلموا أنه مهما تشككتم فيه فلن أعبد الأصنام التى تعبدونها من دون الله، ولكنى أعبد الله الذى بيده مصيركم، وهو الذى يتوفاكم، وقد أمرنى أن أكون من المؤمنين به.

وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

يا أيها النبى قم حق القيام بالاتجاه إلى الله منصرفًا إليه، ولا تدخل فى غمار الذين أشركوا بالله، فجانبهم وابتعد عنهم أنت ومن اتبعك من المؤمنين.

وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ

ولا تلجأ بالدعاء والعبادة إلى غير الله مما لا يجلب لك نفعًا، ولا ينزل بك ضررًا، فإنك إن فعلت ذلك كنت داخلاً فى غمار المشركين الظالمين.<BR>والنهى الموجه للنبى هو موجه لأمته، وهو تأكيد للنهى، لأن النهى حيث لا يمكن وقوع المنهى عنه مبالغة فى النهى.

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

وإنْ يصبك الله بضر - أيها النبى - فلن يكشفه عنك إلا هو، وإن يقدّر لك الخير فلن يمنعه عنك أحد؛ لأنه يهب الخير من فضله لمن يشاء من عباده، وهو - سبحانه الواسع - المغفرة، العظيم الرحمة.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ

بلّغ - أيها الرسول - دعوة الله إلى الناس كافة، وقل لهم: - أيها الناس - قد أنزل الله عليكم الشريعة الحقة من عنده، فمن شاء أن يهتدى بها فليسارع، فإن فائدة هداه ستكون لنفسه، ومن أصرَ على ضلاله، فإن ضلاله سيقع عليه - وحده - وأنا لست موكلاً بإرغامكم على الإيمان، ولا مسيطرًا عليكم.

وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ

واثْبت - أيها الرسول - على دين الحق، واتَّبع ما أُنْزل عليك من الوحى، صابرًا على ما ينالك فى سبيل الدعوة من مكاره، حتى يقضى الله بينك وبينهم، بما وعدك به من نصر المؤمنين، وخذلان الكافرين، وهو خير الحاكمين.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس