نزه الله عما لا يليق به كل ما فى السموات وما فى الأرض، وهو الغالب الذى لا يعجزه شىء، الحكيم فى تدبيره وأفعاله.
هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب - وهم يهود بنى النضير - من ديارهم عند أول إخراج لهم من جزيرة العرب.<BR>ما ظننتم - أيها المسلمون - أن يخرجوا من ديارهم لقوتهم، وظنوا - هم - أنهم مانعتهم حصونهم من بأس الله، فأخذهم الله من حيث لم يظنوا أن يؤخذوا من جهته، وألقى فى قلوبهم الفزع الشديد، يخربون بيوتهم بأيديهم ليتركوها خاوية، وأيدى المؤمنين ليقضوا على تحصنهم، فاتعظوا بما نزل بهم يا أصحاب العقول.
ولولا أن كتب الله عليهم الإخراج من ديارهم على هذه الصورة الكريمة لعذَّبهم فى الدنيا بما هو أشد من الإخراج، ولهم فى الآخرة - مع هذا الإخراج - عذاب النار.
ذلك الذى أصابهم فى الدنيا وما ينتظرهم فى الآخرة لأنهم عادوا الله ورسوله أشد العداء، ومن يُعَادِ الله هذا العداء فلن يفلت من عقابه، فإن الله شديد العقاب.
ما قطعتم - أيها المسلمون - من نخلة أو تركتموها باقية على ما كانت عليه فبأمر الله.<BR>لا حرج عليكم فيه، ليعز المؤمنين، وليهين الفاسقين المنحرفين عن شرائعه.
وما أفاء الله وردَّه على رسوله من أموال بنى النضير فما أسرعتم فى السير إليه بخيل ولا إبل، ولكن الله يُسلط رسله على مَن يشاء من عباده بلا قتال، والله على كل شىء تام القدرة.
ما رده الله على رسوله من أموال أهل القرى بغير إيجاف خيل أو ركوب، فهو لله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل؛ كيلا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء منكم خاصة، وما جاءكم به الرسول من الأحكام فتمسكوا به، وما نهاكم عنه فاتركوه، واجعلوا لكم وقاية من غضب الله.<BR>إن الله شديد العقاب.
وكذلك يُعطى ماردَّه الله على رسوله من أموال أهل القرى الفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم.<BR>يرجون زيادة من الله فى أرزاقهم ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله بنفوسهم وأموالهم، أولئك هم المؤمنون.
والانصار الذين نزلوا المدينة وأقاموا بها، وأخلصوا الإيمان من قبل نزول المهاجرين بها، يحبُّون مَن هاجر إليهم من المسلمين، ولا يحسون فى نفوسهم شيئًا مما أوتى المهاجرين من الفىء، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم حاجة، ومن يُحْفَظ - بتوفيق الله - من بخل نفسه الشديد فأولئك هم الفائزون بكل ما يحبون.
والمؤمنون الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولإخواننا الذين سبقوننا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا حقدًا للذين آمنوا.<BR>ربنا إنك بالغ الرأفة والرحمة.
ألم تنظر - متعجبًا - إلى المنافقين، يتكرر منهم القول لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب - وهم بنو النضير -: والله إن أُجبرتم على الخروج من المدينة لنخرجن معكم، ولا نطيع فى شأنكم أحدًا مهما طال الزمان، وإن قاتلكم المسلمون لننصركم، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به.
لئن أُخرج اليهود لا يخرج المنافقون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليفرون مدبرين ثم لا ينصرون.
لأنتم - أيها المسلمون - أشد مهابة فى صدور المنافقين واليهود من الله.<BR>ذلك لأنهم قوم لا يعلمون حقيقة الإيمان.
لا يقاتلكم اليهود مجتمعين إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدران يستترون بها، بأسهم بينهم شديد، تظنهم مجتمعين متحدين مع أن قلوبهم متفرقة، اتصافهم بهذه الصفات لأنهم قوم لا يعقلون عواقب الأمور.
مثل بنى النضير كمثل الذين كفروا من قبلهم قريبًا ذاقوا فى الدنيا عاقبة كفرهم ونقضهم العهود، ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم.
مثل المنافقين فى إغرائهم بنى النضير - بالتمرد على رسول الله - كمثل الشيطان حين أغرى الإنسان بترك الإيمان، فقال له: أكفر، فلما كفر قال: إنى برىء منك.<BR>إنى أخاف الله رب العالمين.
فكان مآل الشيطان ومن أغواه أنهما فى النار خالدين فيها، وذلك الخلود جزاء المعتدين المتجاوزين سبيل الحق.
يا أيها الذين آمنوا اجعلوا لكم وقاية من عذاب الله بالتزام طاعته، ولتتدبر كل نفس أى شىء قَدَّمَتْ من العمل لغد، والتزموا تقوى الله.<BR>إن الله خبير بما تعملون، فيجازيكم عليه.
ولا تكونوا - أيها المؤمنون - كالذين نسوا حقوق الله، فأنساهم أنفسهم - بما ابتلاهم من البلايا - فصاروا لا يعرفون ما ينفعها مما يضرها.<BR>أولئك هم الخارجون عن طاعة الله.
لا يستوى أصحاب النار المعذبون وأصحاب الجنة المنعمون.<BR>أصحاب الجنة هم - دون غيرهم - الفائزون بكل ما يحبون.
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل شديد لرأيت هذا الجبل - على قوته - خاضعًا متشققًا من خشية الله، وتلك الأمثال نعرضها للناس لعلهم يتدبرون عواقب أمورهم.
هو الله الذى لا معبود بحق إلا هو - وحده - عالم ما غاب وما حضر، هو الرحمن الرحيم.
هو الله الذى لا إله إلا هو، المالك لكل شىء على الحقيقة، الكامل عن كل نقص.<BR>المبرَّأ عما لا يليق، ذو السلامة من النقائص.<BR>المصدق رسله بما أيدهم به من معجزات.<BR>الرقيب على كل شىء.<BR>الغالب فلا يعجزه شىء.<BR>العظيم الشأن فى القوة والسلطان.<BR>المتعظم عما لا يليق بجماله وجلاله، تنزَّه الله وتعالى عما يشركون.
هو الله المبدع للأشياء من غير مثال سابق.<BR>الموجد لها بريئة من التفاوت.<BR>المصور لها على هيئاتها كما أراد.<BR>له الأسماء الحسنى.<BR>ينزهه عما لا يليق كل ما فى السموات والأرض، وهو الغالب الذى لا يعجزه شىء.<BR>الحكيم فى تدبيره وتشريعه.