30-الروم

الم

بدأت السورة بهذه الآية لبيان أن القرآن مؤلف من هذه الحروف التى ينطق بها العرب فى سهولة ووضوح، ولكن المنكرين له عجزوا عن الإتيان بمثله. وهى - كذلك - تُنَبِّه الناس إلى الاستماع والإنصات. وتحملهم على التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم(1). ----- تعليق الخبراء على الآيات من 1

غُلِبَتِ الرُّومُ

غَلَبت فارس الروم فى أقرب الأرض من العرب، وهى أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون فارس.

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ

غَلَبت فارس الروم فى أقرب الأرض من العرب، وهى أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون فارس.

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ

قبل أن تمضى تسع سنوات - وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس، وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التى هى من أهل الكتاب - قد حقَّق الله وعده، فانتصر الروم على فارس فى الأجل الذى سمَّاه، فكان ذلك آية بينة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فى دعواه وصحة ما جاء به، لله الأمر والقضاء من قبل كل شىء ومن بعد كل شىء، ويوم ينتصر الروم على فارس يفرح المؤمنون بنصر الله الذى يؤيد من يشاء، وهو الغالب على أعدائه، الرحيم بأوليائه.

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

قبل أن تمضى تسع سنوات - وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس، وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التى هى من أهل الكتاب - قد حقَّق الله وعده، فانتصر الروم على فارس فى الأجل الذى سمَّاه، فكان ذلك آية بينة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فى دعواه وصحة ما جاء به، لله الأمر والقضاء من قبل كل شىء ومن بعد كل شىء، ويوم ينتصر الروم على فارس يفرح المؤمنون بنصر الله الذى يؤيد من يشاء، وهو الغالب على أعدائه، الرحيم بأوليائه.

وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

وعد الله المؤمنين وعدًا صادقًا - لا يخلف الله وعده - ولكن الجاحدين ليس من شأنهم العلم بالأمور على وجهها.

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ

يعلمون شئون ووسائل عمرانها والتمتع بزخارفها، وهم عن التزود للآخرة مسرفون فى الجهل والغفلة.

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ

أَطُمِسَ على أعينهم وقلوبهم ولم يتفكروا فى أمر أنفسهم ليعرفوا مصيرهم؟ ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما من كواكب وغيرها إلا مقرونة بالجد، مصحوبة ومحدودة بوقت تنتهى عنده، وإن كثيرًا من الناس بلقاء الله وقيام الساعة لجاحدون.

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَ

أَلَزِمُوا وطنهم ولم يسيروا فى أرجاء الأرض ليشاهدوا كيف كانت نهاية الذين كفروا من قبلهم؟ كانوا أشد من هؤلاء الكافرين الحاضرين قوة، وقلبوا وجه الأرض، ليستخرجوا ما فيها من مياه ومعادن وزروع، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء، وجاءتهم رسل الله بالمعجزات الواضحات فكفروا، فأخذهم الله - لأنه ما كان ليجزيهم من غير ذنب، ولا ليأخذهم قبل تذكيرهم وإمهالهم - ولكن كان هؤلاء لا يظلمون إلا أنفسهم.

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ

ثم كانت نهاية الذين ارتكبوا أشد ألوان الإساءة أن جحدوا آيات الله، وكانوا يُحقِّرون من شأنها.

اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

الله - سبحانه وتعالى - ينشئ خلق الناس ابتداء، ثم يُعيد خلقهم بعد موتهم، ثم إليه - وحده - يعودون للحساب والجزاء.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ

ويوم تأتى القيامة ييأس الكافرون من الدفاع عن أنفسهم.

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ

ولم يوجد لهم من الذين عبدوهم مع الله شفعاء، وكانوا فى الدنيا بسببهم كافرين.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ

ويوم تقوم الساعة - يوم إذ تقوم - يذهب كل فريق إلى مصيره الأبدى.

فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ

فأما الذين آمنوا وقرنوا إيمانهم بالأعمال الصالحة؛ فهم فى جنة ذات أشجار وأزهار يسرون وينعمون.

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ

وأمَّا الذين كفروا وأنكروا آياتنا ولقاء البعث والحساب؛ فأولئك فى العذاب مقيمون لا يغيبون عنه.

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ

فنزِّهوا الله عما لا يليق بجلاله وكماله، واعبدوه حين تدخلون فى المساء وحين تدخلون فى الصباح.

وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ

والله - وحده - هو الحقيق بالحمد والثناء والشكر من أهل السموات والأرض، فاحمدوه واعبدوه فى العشى، وحين تدخلون فى الظهيرة.

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ

يُخرج الكائن الحى من شىء لا حياة فيه، ويُخرج الشىء الذى لا حياة فيه من الكائن الحى، ويُحيى الأرض بالنبات بعد يبسها، ومثل هذا الإخراج يُخرجكم الله من قبوركم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ

ومن الدلائل على كمال قدرته أن خلق أصلكم من تراب لا حياة فيه، ثم أنتم بشر تتفرقون فى الأرض للسعى فى تحصيل ما به بقاؤكم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

ومن دلائل رحمته أن خلق لكم - أيها الرجال - زوجات من جنسكم لتألفوهن، وجعل بينكم وبينهن مودة وتراحمًا. إن فى ذلك لدلائل لقوم يفكرون فى صنع الله تعالى.

وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ

ومن الدلائل على كمال قدرته وحكمته خلق السموات والأرض على هذا النظام البديع، واختلاف ألسنتكم فى اللغات واللهجات، وتباين ألوانكم فى السواد والبياض وغيرهما. إن فى ذلك لدلائل ينتفع بها أهل العلم والفهم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

ومن آياته الدالة على كمال قدرته أن هيأ لكم أسباب الراحة بمنامكم، ويسَّر لكم طلب الرزق ليلا ونهارا من فضله الواسع. إن فى ذلك لدلائل لقوم ينتفعون بما يسمعون.

وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ

ومن الدلائل على كمال قدرته وحكمته وسعة رحمته أن تقوم السماء والأرض بأمر الله على ما ترون من إحكام صنع ودقة تدبير، ثم إذا دعاكم للبعث تخرجون من القبور مسرعين مستجيبين لدعائه.

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ

ولله - سبحانه وتعالى - كل من فى السموات والأرض خلْقًا وملكًا وخضوعًا، كلهم لله منقادون.

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

والله - سبحانه - الذى يبدأ الخلق على غير مثال، ثم يعيده بعد الموت، وإعادته أهون عليه من ابتدائه بالنظر إلى مقاييسكم واعتقادكم أن إعادة الشىء أسهل من ابتدائه. ولله الوصف السابق العجيب الشأن فى القدرة الكاملة والحكمة التامة فى السموات والأرض، وهو الغالب فى ملكه الحكيم فى فعله وتقديره.

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

بل اتبع الذين كفروا أهواءهم دون علم بعاقبة كفرهم، فلا أحد يهدى من أضل الله، وليس لهم من يشفع أو يدفع عنهم عذابه.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

فسدد وجهك واتجه إلى الدين بعيدًا عن ضلالتهم، والزم خلقة الله التى خلق الناس عليها، وهى أنهم قابلون للتوحيد غير منكرين له، وما ينبغى أن تغير هذه الخلقة. ذلك الخلق على التوحيد هو الدين المستقيم، ولكن المشركين لا يعلمون حقيقة ذلك.

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

كونوا راجعين إليه، وافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحافظوا على الصلاة، ولا تكونوا من الذين عبدوا مع الله غيره.

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

من الذين فرَّقوا دينهم فاختلفوا فيه، وصاروا فرقًا كل فرقة تشايع من تتبعه، كل فريق منهم بما عندهم مسرورون، يظنون أنهم على الحق.

وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ

وإذا أصاب الناس ضر - من مرض أو شدة - التجأوا إلى الله ودعوه راجعين إليه، طالبين كشف الشدة عنهم، ثم إذا أذاقهم الله خلاصًا من الشدة ومنحهم من فضله سارع فريق منهم بربهم يشركون.

لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

لتكون عاقبة أمرهم أن يكفروا بما آتاهم الله من النعم، فتمتعوا - أيها الجاحدون - كما تشاءون، فسوف تعرفون عاقبتكم.

أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ

أتركناهم فى ضلالهم ولم نسفه أحلامهم؟ بل أنزلنا عليهم بُرهانا فهو يشهد بالذى كانوا يشركونه مع الله.

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ

وإذا أذقنا الناس نعمة فرحوا بها فرحًا يُبطرهم، وإن تصبهم شدة بسبب ما اقترفوا من ذنوب يسارع إليهم اليأس من الرحمة.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

أجهلوا ما يوصل إلى الإيمان، ولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ويُضيق على من يشاء، بحسب ما تقتضيه حكمته؟ إن فى ذلك لدلائل واضحة لقوم يصدقون بالحق.

فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

وإذا كان الله - تعالى - هو الذى يبسط الرزق ويقدره؛ فأعط القريب حقه من البر والصلة والمحتاج والمنقطع به الطريق حقهما من الزكاة والصدقة، ذلك خير للذين يريدون رضا الله ويطلبون ثوابه، وأولئك هم الفائزون بالنعيم المقيم.

وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ

وما أعطيتم أكلة الربا من مال ليزيد لكم فى أموالهم فلا يَزْكو عند الله ولا يبارك فيه، وما أعطيتم من صدقة تبتغون بها وجه الله - بدون رياء ولا طمع فى مكافأة - فأولئك هم أصحاب الأضعاف من الحسنات.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

الله - سبحانه - الذى أوجدكم، ثم أعطاكم ما تعيشون به، ثم يميتكم ثم يبعثكم من قبوركم. هل هناك من الشركاء - الذين تزعمونهم فتعبدونهم من دون الله - من يفعل من الخلق والرزق والإماتة والإحياء شيئًا من تلك الأفعال؟ تنزه الله وتعالى عما يشركون به.

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

ظهر الحرق والقحط والآفات وكساد التجارة والغرق بسبب ما فعله الناس من جرائم وآثام، ليعاقب الله الناس فى الدنيا ببعض أعمالهم لعلهم يرجعون عن المعاصى.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ

قل - يا أيها النبى - للمشركين: سيروا فى نواحى الأرض، فانظروا كيف كانت نهاية الذين مضوا قبلكم، فسترون أن الله أهلكهم وخرَّب ديارهم، لأن أكثرهم كانوا مشركين مثلكم.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ

فأخلص عبادتك للإله الواحد ليصح إسلامك ولا تكونن من المشركين، من قبل أن يأتى يوم لا يستطيع أحد أن يرده من الله، يومئذٍ يتفرق الناس وتختلف حالهم.

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ

من كفر بالله فعليه وبال كفره، ومن آمن وعمل صالحًا فلأنفسهم - وحدها - يسوون طريق النعيم المقيم.

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ

لأن الله يجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات على ما قدَّموا ويزيد جزاءهم تفضلا منه، لأنه يحبهم، ويُبغض الذين كفروا به وأنكروا نعمه.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

ومن الدلائل على قدرة الله ورحمته أنه يبعث الرياح مبشرات بالمطر الذى يكون لكم رِيًا وسقيا، وليهبكم من فيض إحسانه المنافع التى نشأت من المطر، ولتجرى السفن فى الماء بأمر الله وقدرته، ولتطلبوا الرزق من فضله بالتجارة واستغلال ما فى البر والبحر، ولتشكروا لله نعمه بطاعتكم له وعبادتكم إيَّاه.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم، فجاء كل رسول قومه بالحُجج الواضحة الدالة على صدقه فكذَّبه قومه، فأهلكنا الذين أذنبوا وعصوا. وقد أوجب الله على نفسه أن ينصر عباده المؤمنين.

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

الله - سبحانه وتعالى - الذى يُرسل الرياح فتحرك بقوة دفعها السحاب، فيبسطه الله فى السماء كيف يشاء هنا وهناك فى قلة أو كثرة، ويجعله قطعًا، فترى المطر يخرج من بين السحاب، فإذا أنزل الله المطر على من يشاء من عباده يسارعون إلى البشر والفرح (1). ________ (1) راجع التعليق العلمى على الآية 43 من سورة النور.

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ

وإنهم كانوا قبل أن ينزل بهم المطر لفى يأس وحيرة.

فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

فانظر نظر تفكر وتدبر إلى آثار المطر، كيف يحيى الله الأرض بالنبات بعد أن كانت هامدة كالميت، إن الذى قَدِر على إحياء الأرض بعد موتها لقادر على إحياء الموتى من الناس، وهو تام القدرة لا يعجزه شىء.

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ

وأقسم: لئن أرسلنا ريحًا مضرة بالنبات فرأوه مصفرًا بسببها، لصاروا من بعد اصفراره يجحدون النعمة ويكفرون بالله.

فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

فلا تحزن من عنادهم وعدم استجابتهم لك، فأنت لا تستطيع أن تُسمع الموتى دعاءك، ولا أن تُسمع الصم نداءك، إذا زادوا على صممهم بأن فروا عنك معرضين.

وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ

وهؤلاء كالعمى لإغلاقهم قلوبهم عن الاستجابة للهدى، وأنت لا تستطيع هداية من فقدوا البصر والبصيرة وتحول بينهم وبين كفرهم، وإنما تسمع سماع فهم وقبول من تهيأت قلوبهم لتلقى الإيمان. فهؤلاء ينقادون للحق متى ظهر.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ

الله الذى خلقكم من نطفة فنشأتم ضعافا، ثم جعل لكم من بعد هذا الضعف قوة بنموكم وبلوغكم حد الرشد، ثم جعل لكم من بعد هذه القوة ضعف الشيخوخة والشيب، يخلق ما يشاء وهو العليم بتدبير خلقه القدير على إيجاد ما يشاء.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ

ويوم تقوم الساعة يحلف الكافرون أنهم ما لبثوا فى الدنيا أو فى قبورهم غير ساعة، ومثل ذلك التصرف كانت تصرفهم الشياطين فى الدنيا عن الحق إلى الباطل.

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

وقال الذين آتاهم الله العلم من الأنبياء والملائكة والمؤمنين: لقد لبثتم فى حكم الله وقضائه إلى يوم البعث. فهذا يوم البعث الذى أنكرتموه، ولكنكم كنتم فى الدنيا لا تعلمون أنه حق، لجهالتكم وإعراضكم.

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

فيومئذ يبعث الناس لا ينفع الذين كفروا اعتذارهم عن إنكارهم وتكذيبهم لرسلهم، ولا يطلب منهم أحد أن يفعلوا ما يرضى الله لهوانهم عنده وطردهم من رحمته.

وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ

ولقد بيَّنا لهداية الناس فى هذا القرآن كل مثل يرشدهم إلى طريق الهدى، ولئن أتيتهم بآية معجزة ليقولن الذين كفروا - من فرط عنادهم وقسوة قلوبهم -: ما أنت وأتباعك إلا مبطلون فى دعواكم.

كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

ومثل ذلك يكون الطبع على قلوب هؤلاء الذين لا يعلمون التوحيد من الجاهلين.

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ

فاصبر - أيها النبى - على أذاهم، إن وعد الله بنصرك على أعدائك وإظهار الإسلام على كل دين حق لا يتخلف أبدًا، ولا يحملنك على القلق وعدم الصبر الذين لا يؤمنون بالله ورسوله.

1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس

30-الروم

الم

غُلِبَتِ الرُّومُ

غَلَبت فارس الروم فى أقرب الأرض من العرب، وهى أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون فارس.

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ

غَلَبت فارس الروم فى أقرب الأرض من العرب، وهى أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون فارس.

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

وعد الله المؤمنين وعدًا صادقًا - لا يخلف الله وعده - ولكن الجاحدين ليس من شأنهم العلم بالأمور على وجهها.

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ

يعلمون شئون ووسائل عمرانها والتمتع بزخارفها، وهم عن التزود للآخرة مسرفون فى الجهل والغفلة.

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ

ثم كانت نهاية الذين ارتكبوا أشد ألوان الإساءة أن جحدوا آيات الله، وكانوا يُحقِّرون من شأنها.

اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

الله - سبحانه وتعالى - ينشئ خلق الناس ابتداء، ثم يُعيد خلقهم بعد موتهم، ثم إليه - وحده - يعودون للحساب والجزاء.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ

ويوم تأتى القيامة ييأس الكافرون من الدفاع عن أنفسهم.

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ

ولم يوجد لهم من الذين عبدوهم مع الله شفعاء، وكانوا فى الدنيا بسببهم كافرين.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ

ويوم تقوم الساعة - يوم إذ تقوم - يذهب كل فريق إلى مصيره الأبدى.

فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ

فأما الذين آمنوا وقرنوا إيمانهم بالأعمال الصالحة؛ فهم فى جنة ذات أشجار وأزهار يسرون وينعمون.

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ

وأمَّا الذين كفروا وأنكروا آياتنا ولقاء البعث والحساب؛ فأولئك فى العذاب مقيمون لا يغيبون عنه.

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ

فنزِّهوا الله عما لا يليق بجلاله وكماله، واعبدوه حين تدخلون فى المساء وحين تدخلون فى الصباح.

وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ

والله - وحده - هو الحقيق بالحمد والثناء والشكر من أهل السموات والأرض، فاحمدوه واعبدوه فى العشى، وحين تدخلون فى الظهيرة.

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ

يُخرج الكائن الحى من شىء لا حياة فيه، ويُخرج الشىء الذى لا حياة فيه من الكائن الحى، ويُحيى الأرض بالنبات بعد يبسها، ومثل هذا الإخراج يُخرجكم الله من قبوركم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ

ومن الدلائل على كمال قدرته أن خلق أصلكم من تراب لا حياة فيه، ثم أنتم بشر تتفرقون فى الأرض للسعى فى تحصيل ما به بقاؤكم.

ومن دلائل رحمته أن خلق لكم - أيها الرجال - زوجات من جنسكم لتألفوهن، وجعل بينكم وبينهن مودة وتراحمًا.<BR>إن فى ذلك لدلائل لقوم يفكرون فى صنع الله تعالى.

وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ

وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

ومن آياته الدالة على كمال قدرته أن هيأ لكم أسباب الراحة بمنامكم، ويسَّر لكم طلب الرزق ليلا ونهارا من فضله الواسع.<BR>إن فى ذلك لدلائل لقوم ينتفعون بما يسمعون.

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ

ولله - سبحانه وتعالى - كل من فى السموات والأرض خلْقًا وملكًا وخضوعًا، كلهم لله منقادون.

بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

بل اتبع الذين كفروا أهواءهم دون علم بعاقبة كفرهم، فلا أحد يهدى من أضل الله، وليس لهم من يشفع أو يدفع عنهم عذابه.

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

كونوا راجعين إليه، وافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحافظوا على الصلاة، ولا تكونوا من الذين عبدوا مع الله غيره.

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

من الذين فرَّقوا دينهم فاختلفوا فيه، وصاروا فرقًا كل فرقة تشايع من تتبعه، كل فريق منهم بما عندهم مسرورون، يظنون أنهم على الحق.

وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ

لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

لتكون عاقبة أمرهم أن يكفروا بما آتاهم الله من النعم، فتمتعوا - أيها الجاحدون - كما تشاءون، فسوف تعرفون عاقبتكم.

أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ

أتركناهم فى ضلالهم ولم نسفه أحلامهم؟ بل أنزلنا عليهم بُرهانا فهو يشهد بالذى كانوا يشركونه مع الله.

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ

وإذا أذقنا الناس نعمة فرحوا بها فرحًا يُبطرهم، وإن تصبهم شدة بسبب ما اقترفوا من ذنوب يسارع إليهم اليأس من الرحمة.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

أجهلوا ما يوصل إلى الإيمان، ولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ويُضيق على من يشاء، بحسب ما تقتضيه حكمته؟ إن فى ذلك لدلائل واضحة لقوم يصدقون بالحق.

فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

ظهر الحرق والقحط والآفات وكساد التجارة والغرق بسبب ما فعله الناس من جرائم وآثام، ليعاقب الله الناس فى الدنيا ببعض أعمالهم لعلهم يرجعون عن المعاصى.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ

قل - يا أيها النبى - للمشركين: سيروا فى نواحى الأرض، فانظروا كيف كانت نهاية الذين مضوا قبلكم، فسترون أن الله أهلكهم وخرَّب ديارهم، لأن أكثرهم كانوا مشركين مثلكم.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ

فأخلص عبادتك للإله الواحد ليصح إسلامك ولا تكونن من المشركين، من قبل أن يأتى يوم لا يستطيع أحد أن يرده من الله، يومئذٍ يتفرق الناس وتختلف حالهم.

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ

من كفر بالله فعليه وبال كفره، ومن آمن وعمل صالحًا فلأنفسهم - وحدها - يسوون طريق النعيم المقيم.

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ

لأن الله يجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات على ما قدَّموا ويزيد جزاءهم تفضلا منه، لأنه يحبهم، ويُبغض الذين كفروا به وأنكروا نعمه.

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ

وإنهم كانوا قبل أن ينزل بهم المطر لفى يأس وحيرة.

فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ

وأقسم: لئن أرسلنا ريحًا مضرة بالنبات فرأوه مصفرًا بسببها، لصاروا من بعد اصفراره يجحدون النعمة ويكفرون بالله.

فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

فلا تحزن من عنادهم وعدم استجابتهم لك، فأنت لا تستطيع أن تُسمع الموتى دعاءك، ولا أن تُسمع الصم نداءك، إذا زادوا على صممهم بأن فروا عنك معرضين.

وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ

ويوم تقوم الساعة يحلف الكافرون أنهم ما لبثوا فى الدنيا أو فى قبورهم غير ساعة، ومثل ذلك التصرف كانت تصرفهم الشياطين فى الدنيا عن الحق إلى الباطل.

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

فيومئذ يبعث الناس لا ينفع الذين كفروا اعتذارهم عن إنكارهم وتكذيبهم لرسلهم، ولا يطلب منهم أحد أن يفعلوا ما يرضى الله لهوانهم عنده وطردهم من رحمته.

كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ