islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
14498

16-النحل

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

تأكدوا - أيها المشركون - أن ما توعَّدكم الله به يوم القيامة واقع قريب الوقوع لا شك فيه، فلا تستهزئوا باستعجال وقوعه، تنزه الله عن أن يكون له شريك يُعبد من دونه، وعما تشركون به من آلهة لا تقدر على شىء.

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ

ينزل الملائكة بما يحيى القلوب من وحيه على من يختاره للرسالة من عباده، ليعلموا الناس أنه لا إله يُعبد بحق إلا أنا.<BR>فابتعدوا عما يغضبنى ويعرضكم للعذاب، والتزموا الطاعات لتكون وقاية لكم من العذاب.

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

خلق السموات والأرض بمقتضى الحكمة، تنزه الله عن أن يكون له شريك يتصرف فى شىء من ملكه، أو يستحق أن يعبد مثله.

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ

خلق كل فرد من أفراد الإنسان من مادة سائلة لا تماسك فيها وهى النطفة، فإذا به إنسان قوى مجادل عن نفسه، مكافح لخصومه، مبين لحجته.

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ

وقد تفضل اللَّه عليكم - أيها العباد - فخلق لكم الإبل والبقر والضأن والمعز لتتخذوا من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما تستدفئون به، ومن لحومها تأكلون ما يحفظ حياتكم.

وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ

ولكم فيها بهجة وسرور، حين ترونها راجعة من مراعيها ملأى البطون والضروع، وحين تذهب إلى الحقول والمراعى تُسرع الخطا إلى غذائها.

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

وتحمل أمتعتكم الثقيلة إلى بلد لم تكونوا مستطيعين الوصول إليه بدونها إلا بتحميل أنفسكم أقصى جهدها ومشقتها.<BR>.<BR>إن ربكم الذى هيأ ذلك لراحتكم لشديد الرأفة بكم، واسع الرحمة لكم.

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

وخلق لكم الخيل والبغال والحمير لتركبوها، فتتخذوا منها زينة تُدخل السرور على قلوبكم، وسيخلق مالا تعلمون الآن من وسائل الركوب وقطع المسافات، مما سخره اللَّه لبنى الإنسان، إذا استخدم عقله وفكر به واهتدى إلى استخدام كل القوى.

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ

وعلى اللَّه بمقتضى فضله ورحمته أن يُبَين لكم الطريق المستقيم الذى يوصلكم إلى الخير ومن الطريق ما هو مائل منحرف لا يوصل إلى الحق، ولو شاء هدايتكم جميعا لهداكم وحملكم على الطريق المستقيم، ولكنه خلق لكم عقولا تدرك، وإرادة توجه.<BR>وترككم لاختياركم.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ

هو الذى أنزل من جهة السماء ماء لكم منه شراب، وبعضه ينبت منه الشجر، وفى هذا الشجر ترسلون أنعامكم لتأكل منه، وتمدكم باللبن واللحوم، والأصواف والأوبار والأشعار.

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

ينبت لكم بالماء الذى ينزل من السماء الزرع الذى نخرج منه الحبوب والزيتون والنخيل والأعناب، وغيرها من كل أنواع الثمرات التى تأكلونها غير ما ذكر، إن فى إيجاد هذه الأشياء لعلامة هادية لقوم ينتفعون بعقولهم ويفكرون فى القدرة التى أوجدتها.

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

وسخر لكم الليل إذ جعله مهيئا لراحتكم، والنهار إذ جعله مناسبا لسعيكم وحركتكم وأعمالكم، والشمس إذ تمدكم بالدفء والضوء، والقمر لتعرفوا به عدد السنين والحساب، والنجوم مسخرات بأمر اللَّه تهتدوا بها فى الظلمات، إن فى ذلك لعلامات وأدلة لقوم ينتفعون بما وهبهم اللَّه من عقل يدرك.

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ

وبجوار ما خلقه لكم فى السماء وهيأه لمنافعكم، خلق لكم على سطح الأرض كثيرا من أنواع الحيوان والنبات والجماد، وجعل فى جوفها كثيرا من المعادن المختلفة الألوان والأشكال والخواص، وجعل كل ذلك لمنافعكم.<BR>إن فى ذلك كله لأدلة واضحة كثيرة لقوم يتدبرون فيها فيتعظون، ويعرفون من خلالها قدرة خالقهم ورحمته بهم.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

وهو الذى ذلل البحر وجعله فى خدمتكم لتصطادوا ولتأكلوا منه لحم الأسماك طريا طازجا، وتستخرجوا منه ما تتحلون به كالمرجان واللؤلؤ.<BR>وترى - أيها الناظر المتأمل - السفن تجرى فيه شاقة مياهه تحمل الأمتعة والأقوات.<BR>سخره اللَّه لذلك لتنتفعوا بما فيه وتطلبوا من فضل اللَّه الرزق عن طريق التجارة وغيرها.<BR>ولتشكروه على ما هيَأه لكم، وذلك لخدمتكم.

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

وجعل اللَّه فى الأرض جبالا ثابتة تحفظها أن تضطرب، وجعل فيها أنهارا تجرى فيها المياه الصالحة للشرب والزرع، وطرقا ممهدة لتهتدوا بها فى السير إلى مقاصدكم.

وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

وجعل علامات ترشد الناس فى أثناء سيرهم فى الأرض، وهم فى ذلك يسترشدون فى أثناء سيرهم بالنجوم التى أودعها السماء إذا عميت عليهم السبل والتبست معالم الطرق (1 ).<BR>_______<BR>(1) انظر التعليق العلمى على الآية 97 من سورة الأنعام.

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

هل يستوى فى نظر العقل السليم التسوية بين القادر والعاجز فيجعل من يخلق هذه الأشياء كمن لا يستطيع خلق أى شىء؟ أتعمون - أيها المشركون - عن آثار قدرة اللَّه.<BR>فلا تعتبروا وتشكروا عليها اللَّه؟

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

وإن تحاولوا عد أنعم اللَّه عليكم فلن يمكنكم إحصاؤها، إن اللَّه كثير المغفرة واسع الرحمة، فتوبوا إليه وأخلصوا العبادة له، يغفر لكم ويرحمكم.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ

واللَّه يدرك بعلمه الشامل ماتخفون وما تظهرون، لا يخفى عليه شىء من سركم وجهركم.

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

هذا الخالق المنعم العالم بكل شىء،هو - وحده - المستحق للعبادة، أما الأصنام التى تعبدونها، فهى عاجزة لا تستطيع أن تخلق شيئا، ولو كان ذبابا.<BR>.<BR>بل هى نفسها مخلوقة ربما صنعتموها بأيديكم.

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ

وهى جمادات ميتة لا حس لها ولا حركة، ولا تدرى متى تكون القيامة والبعث لعابديها، فلا يليق بكم - أيها العقلاء - بعد هذا أن تظنوا أنها تنفعكم فتشركوها مع اللَّه فى العبادة.

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ

وقد وضح بكل هذه الدلائل أن إلهكم الذى يجب أن تعبدوه وحده إله واحد لا شريك له، ومع ذلك فالذين لا يؤمنون بالبعث والحساب قلوبهم منكرة لوحدانيته، منعهم الاستكبار عن اتباع الحق والخضوع له.

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

لاشك أن اللَّه يعلم ما يسرون وما يعلنون من عقائد وأقوال وأفعال، وسيحاسبهم على كل ذلك ويعاقبهم على استكبارهم، لأنه سبحانه لا يحب المستكبرين عن سماع الحق والخضوع له.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

وإذا سئل هؤلاء الكفار المستكبرون: أى شىء أنزله ربكم على محمد؟ قالوا فى عناد: هذا الذى يزعم أن اللَّه أنزله عليه ما هو إلا أباطيل وخرافات سطرها السابقون فنقلها وصار يرددها.

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ

قالوا ذلك، ليصدوا الناس عن اتباع رسول اللَّه، لتكون عاقبة أمرهم أنهم يعذبون يوم القيامة عذاب ضلالهم كاملا، وعذاب بعض الناس الذين خدعوهم وغرروا بهم حتى ضلوا دون علم أو بحث.<BR>تنبه - أيها السامع - لقبح ما ارتكب هؤلاء من ذنوب ما أشد عقابهم عليها.

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

وقد سبق هؤلاء الكافرين المتكبرين أمثال لهم، دبَّروا المكائد لأنبيائهم، واحتالوا فى إضلال الناس فأبطل اللَّه كيدهم، ودمر بلادهم ونزل بهم عذاب النار فى الدنيا من حيث لا يتوقعون.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ

ثم فى الآخرة حيث يبعث الناس ويحاسبون على أعمالهم، ويوقفهم اللَّه موقف الخزى والعار، حين يفضحهم ويظهر ما كانت تخفيه صدورهم، ويقول لهم: أين هؤلاء الذين اتخذتموهم شركاء لى فى العبادة؟ وكنتم تحاربوننى ورسلى فى سبيلهم.<BR>أين هم حتى يمدوا لكم العون كما كنتم تزعمون، فلا يستطيعون جوابا، وحينئذ يقول الذين يعلمون الحق من الأنبياء والمؤمنين والملائكة: إن الخزى اليوم والعذاب المسىء واقعان على الجاحدين.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

الخزى على الكافرين الذين استمروا على كفرهم حتى قبضت الملائكة أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وبارتكاب السوء، واستسلموا بعد طوال العناد إذ علموا حقيقة جرمهم، وقالوا كذبا من شدة دهشتهم: ما كنا فى الدنيا نعمل شيئا من المعاصى، فتقول لهم الملائكة والأنبياء: كلا، إنكم كاذبون، وقد ارتكبتم أفظع المعاصى.<BR>واللَّه سبحانه محيط بكل صغيرة وكبيرة مما كنتم تعملونه فى دنياكم، فلا يفيدكم إنكاركم.

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

ويقال لهم بعد ذلك، مآلكم دخول النار والعذاب فيها عذابا مؤبدا لا ينقطع، وقبحت جهنم دارا ومقاما لكل متكبر على الانقياد إلى الحق والإيمان باللَّه ورسله.

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ

وقيل للذين أمنوا باللَّه وابتعدوا عما يغضبه من قول أو فعل أو عقيدة: ما الذى أنزله ربكم على رسوله؟ قالوا: أنزل عليه القرآن.<BR>.<BR>فيه خير الدنيا والآخرة للناس جميعا، فكانوا بذلك من المحسنين.<BR>واللَّه سبحانه يكافئ المحسنين بحياة طيبة فى هذه الحياة الدنيا، ويكافئهم فى الآخرة بما هو خير وأحسن مما نالوه فى الدنيا.<BR>ولنعم الدار التى يقيم فيها المتقون فى الآخرة.

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ

وهى جنات ثابتة للإقامة، تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، لهم فيها ما يشاءون من النعيم، ومثل هذا الجزاء الحسن، يجزى اللَّه كل المتقين الذين آمنوا به، واتقوا ما يغضبه، وأحسنوا عملهم.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

وهم الذين تقبض أرواحهم الملائكة، وهم طاهرون من دنس الشرك والمعاصى، وتقول الملائكة تطمينا لهم: أمان من اللَّه لكم، فلا يصيبكم بعد اليوم مكروه، وأبشروا بالجنة تدخلونها بسبب ما قدمتم من أعمال صالحة فى دنياكم.

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

هؤلاء هم المتقون الذين استعدوا لآخرتهم، وذلك جزاؤهم.<BR>أما المشركون، فإنهم بعنادهم وبقائهم على شركهم، لا ينتظرون إلا الملائكة تقبض أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وعمل الشر، ويأتيهم عذاب ربك بإهلاكهم جميعًا.<BR>ومثل ما فعل هؤلاء الكفار المعاندون، فعل الذين سبقوهم فى ذلك مع أنبيائهم فعاقبهم الله على فعلهم، ولم يكن ظالمًا لهم حين عاقبهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم حين عرضوها لعذاب الله بكفرهم.

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

فأصابهم جزاء ما عملوا من سيئات، وأحاط بهم العذاب الذى كانوا ينكرونه ويستهزئون به.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

وقال الذين أشركوا عنادًا ومغالطة: لو شاء الله أن نعبده - وحده - ونطيعه فيما يأمر به لما عبدنا غيره، ولما حرَّمنا من عندنا ما لم يحرمه، كالبحيرة والسائبة وهى حجة باطلة يستندون عليها فى كفرهم.<BR>وقد احتج بها من سبقوهم من الكفار، بعد ما أرسلنا إليهم رسلنا، فأمروهم بالتوحيد وطاعة الله، ونهوهم عن الشرك وعن تحريم ما حَرَّمه الله، فقامت عليهم الحُجة، وأدى رسلنا ما أمرناهم بتبليغه، وعلينا نحن حسابهم، وليس على الرسل شىء بعد ذلك.

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا ليقول لهم: اعبدوا الله - وحده - واجتنبوا كل طاغية مفسد، فبلغهم وأرشدهم، ففريق استمع إلى الإرشاد وتقبله، فهداه الله بحسن استعداده إلى الطريق المستقيم، وفريق أعرض عن سماع الحق فانحرف عن سواء السبيل، فأنزل الله به العذاب.<BR>وإذا كنتم فى شك من هذا - يا مشركى مكة - فسيروا فى الأرض، قريبًا منكم، فانظروا وتأملوا كيف حل بالمكذبين - من عاد وثمود وقوم لوط - عذاب الله، وكيف كانت عاقبة أمرهم خسرانًا وهلاكًا؟!.

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

إن تكن حريصًا - أيها النبى - على هداية المشركين من قومك، باذلاً معهم أقصى ما فى جهدك، فلا تهلك نفسك حزنًا إذا لم يتحقق ما تريد، فقد تحكمت فيهم الشهوات، والله لا يجبر على الهداية من اختاروا الضلال وتمسكوا به، لأنه يتركهم لما اختاروا لأنفسهم، وسيلقون جزاءهم عذابًا عظيمًا، ولا يجدون لهم يوم القيامة من ينصرهم ويحميهم من عذاب الله.

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

وقد أضاف المشركون إلى شركهم بالله إنكارهم ليوم القيامة، فأقسموا بالله غاية طاقتهم فى القسم، وأكدوا أن الله لا يبعث من يموت وهم كاذبون فى قَسَمِهِمْ، وسيبعثهم الله جميعًا، لأنه أخذ العهد على نفسه بذلك، ولن يخلف الله عهده، ولكن أكثر الناس من الكفار لا يعلمون حكمة الله فى خلْق هذا العالم وأنه لم يخلقه عبثًا، ولا عن حسابه فى الآخرة ومجازاته.

لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ

وأن من عدل الله فى خلقه أن يبعثهم جميعًا بعد موتهم، فيظهر لهم حقائق الأمور التى اختلفوا فيها، ليعلم المؤمنون أنهم على حق، ويعلم الكافرون أنهم كانوا مخطئين فى اتخاذهم شركاء لله، كاذبين فى قسمهم أن الله لا يبعث من يموت، وليلقى كل من الفريقين جزاءه على علم به وبأسبابه.

إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

وليس بعث الناس يوم القيامة بعسير علينا حتى يستبعده هؤلاء الكفار، لأننا إذا أردنا شيئًا لا يحتاج إيجاده إلا أن نقول له: كن فيكون كما نريد.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

والمؤمنون الذين هاجروا من ديارهم لوجه الله تعالى، وإخلاصًا لعقيدتهم، من بعد ما وقع عليهم الظلم والعذاب من المشركين، لنُعوّضهم فى الدنيا على إخلاصهم واحتمالهم للعذاب، حياة طيبة حسنة لا تأتى إلا بالجهاد، وسيكون أجرهم يوم القيامة أكبر، ونعيمهم فى الجنة أعظم، لو كان المخالفون لهم يعلمون ذلك لما ظلموهم وظلموا أنفسهم.

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

وهؤلاء المهاجرون هم الذين صبروا على ما تحملوه من عذاب فى سبيل عقيدتهم، وفوضوا أمرهم إلى الله - وحده - غير مبالين بما سواه، ومن أجل هذا أحسنا لهم الجزاء.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

وما أرسلنا إلى الأمم السابقة قبل إرسالك إلى أمتك - أيها النبى - إلا رجالاً نوحى إليهم بما نريد تبليغه لهم، ولم نرسل ملائكة كما يريد كفار قومك، فاسألوا - أيها الكافرون - أهل العلم بالكتب السماوية، إن كنتم لا تعلمون ذلك، فستعرفون أن رسل الله جميعًا ما كانوا إلا رجالاً لا ملائكة.

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

وقد أيدنا هؤلاء الرسل بالمعجزات والدلائل البينة لصدقهم، وأنزلنا عليهم الكتب تبين لهم شرعهم الذى فيه مصلحتهم، وأنزلنا إليك - أيها النبى - القرآن لتبين للناس ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام، وتدعوهم إلى التَّدبر فيه، رجاء أن يتدبروا فيتعظوا ويستقيم أمرهم.

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ

فكيف يصح بعد كل هذا أن يتمادى المشركون فى عنادهم، ويدبروا المكائد للرسول؟ هل أغراهم حلم الله بهم فاعتقدوا أنهم فى مأمن من عذاب الله، فلا يخسف بهم الأرض كما فعل بقارون؟ أو يأتيهم العذاب فجأة بصاعقة كما فعل بثمود وهم لا يدرون أين نزل.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ

أو يهلكهم فى أثناء تنقلهم فى الأرض للتجارة بعيدين عن مساكنهم فلا يستطيعون الإفلات من عقاب الله، لأنه لا يعجزه شىء يريده.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

أو ينزل بهم العذاب فى أنفسهم وأموالهم رويدًا رويدا، وهم فى كل لحظة فى عذاب من الخوف منه والترقب لوقوعه، فلا تتمادوا - أيها المشركون - وتغتروا بتأخير عقوبتكم، فقد اقتضت رأفة الله الشاملة ورحمته الواسعة ألا يعاجلكم بالعقوبة فى الدنيا، كى تتفكروا وتتدبروا لأنه سبحانه رؤوف رحيم.

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ

أغفل هؤلاء الكفار عن آيات الله حولهم، ولم ينظروا ويتدبروا فيما خلقه الله من الأشياء القائمة، تنتقل ظلالها، وتمتد تارة يمينًا وتارة شمالاً، تابعة فى ذلك لحركة الشمس نهارًا والقمر ليلاً، وكل ذلك خاضع لأمر الله، منقاد لأحكام تدبيره.<BR>لو تدبر المشركون هذا، لعلموا أن خالقه ومدبره هو - وحده - المستحق للعبادة والخضوع، القادر على إهلاكهم لو أراد.

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ

ولله - وحده - لا لغيره - يخضع وينقاد جميع ما خلقه فى السموات وما دب على الأرض ومشى على ظهرها من مخلوقات، وفى مقدمتهم الملائكة يخضعون له ولا يستكبرون عن طاعته (1).<BR>_______<BR>(1) تسبق هذه الآية ركب العلم فى تقرير وجود أحياء تدب على بعض الكواكب فى مجموعتنا الشمسية أو خارج نطاقها، وهذا ما يحاول العالم الآن الوصول إلى حقيقته.

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

وحالهم أنهم دائمًا على خوف من ربهم القادر القاهر، ويفعلون ما يأمرهم به.

وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

وقال الله: لا تعبدوا اثنين، وتجعلوهما إلهين، لأن الإشراك فى العبادة تنافى وحدانية الخلق والتّكون، إنما المعبود بحق إله واحد، فخافونى ولا تخافوا غيرى.

وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ

وله - وحده - ما فى السموات والأرض خلقًا، وملكًا، وعبيدًا، فحقه - دون غيره - أن يُعبد ويُحمد، ويُخضع له، وتُرْجى رحمته، ويخاف عذابه.

وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ

وأى شىء جاءكم من النعم فهو من الله - وحده - ثم إذا لحقكم ما يضركم فلا تتضرعوا بأعلى أصواتكم إلا إليه.

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ

ثم إذا استجاب لدعائكم ورفع ذلك الضر عنكم، نسى بعضكم حق الله عليه من التوحيد وإخلاص العبادة له، فيشركون بخالقهم ومربيهم ويعبدون معه غيره.

لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

ذلك يحدث منهم لتكون عاقبة أمرهم إنكار فضلنا على ما أعطيناهم، فتمتعوا - أيها الكافرون - بما لا تؤدون حق شكره، فسوف تعلمون عاقبة الكفر.

وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ

ويجعل المشركون لأوثانهم التى يسمونها بغير علم آلهة نصيبا يتقربون بها إليها، من الرزق الذى أعطيناهم إياه من الحرث والأنعام وغيرهما، لأسألكم وعزتى - أيها المشركون - عما كنتم تختلقونه من الكذب وتفترونه من الباطل، وأجازيكم عليه.

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ

ويجعلون لله ما يكرهون، فيزعمون أن الملائكة بنات، ويعبدونها، تنزه الله عن ذلك، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون، وهم الذكور من الأولاد.

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ

وهم إذا خُبِّر أحدهم بأنه ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من الحزن وهو مملوء غيظًا يكظمه.

يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

يحاول الاختفاء عن أعين الناس، لئلا يروا كآبته من الألم الذى أصابه من وجود المولود الذى أخبروه به، وتستولى عليه حيرة.<BR>أيبقيه حيًا مع ما يلحقه من الهوان على ذلك فى زعمه؟! أم يدفنه فى التراب وهو حى حتى يموت تحته؟ تنبه - أيها السامع - لفظاعة عمل هؤلاء.<BR>وقبح حكمهم الذى ينسبون فيه لله ما يكرهون أن ينسب إلى أنفسهم.

لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب الحال التى تسوء، وهى الحاجة إلى الاولاد الذكور وكراهة الإناث، ولله الصفة العليا، وهو الغنى عن كل شىء، فلا يحتاج إلى الولد، وهو الغالب القوى الذى لا يحتاج إلى معين.

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

ولو يعجل الله عقاب الناس بما ارتكبوا من ظلم، ما ترك على ظهر الأرض دابة، ولكنه بحلمه وحكمته يؤخر الظالمين إلى وقت عيَّنه، وهو وقت انتهاء آجالهم، فإذا جاء هذا الوقت لا يتأخرون عنه لحظة كما لا يتقدمون عليه لحظة.

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ

وينسب المشركون إلى الله ما يكرهون أن ينسب إليهم من البنات والشركة، وتنطق ألسنتهم الكذب، إذ يزعمون مع ذلك أن لهم فى الدنيا الغنى والسلطان الذى يقيهم العذاب، وأن لهم الجنة كذلك.<BR>والحق أن لهم النار، وأنهم مسوقون إليها قبل غيرهم.

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

تأكد - أيها النبى - أننا أرسلنا رسلا إلى أمم من قبل بمثل ما أرسلناك به إلى الناس جميعًا، فحسَّن لهم الشيطان الكفر والشرك والمعاصى فكذبوا رسلهم، وعصوهم، وصدقوا الشيطان وأطاعوه، فهو متولى أمورهم فى الدنيا يزين لهم ما يضرهم، ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم.

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين به للناس الحق فيما كان موضع خلافهم من الدين، وليكون هداية تامة، ورحمة عامة لقوم يؤمنون بالله وبالكتاب الذى أنزله.

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

والله أنزل من السماء ماء يحمله السحاب، فجعل الأرض منبتة فيها حياة، بعد أن كانت قاحلة لا حياة فيها.<BR>إن فى ذلك لدليلاً واضحًا على وجود مدبر حكيم (1).

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ

وإن لكم - أيها الناس - فى الإبل والبقر والغنم لموعظة تعتبرون بها، وتنتقلون بتدبر عطائها إلى العلم بالصانع المبدع الحكيم، ونسقيكم من بعض ما فى بطونها من بين فضلات الطعام والدم لبنًا صافيًا سهل التناول للشاربين (1).<BR>___________<BR>(1) توجد فى ضروع الماشية غدد خاصة لإفراز اللبن تمدها الأوعية الشريانية بخلاصة مكونة من الدم والكيلوز، وهو خلاصة الغذاء المهضوم، وكلاهما غير مستساغ طعمًا، ثم تقوم الغدد اللبنية باستخلاص العناصر اللازمة لتكوين اللبن من هذين السائلين: الدم والكيلوز، وتفرز عليها عصارات خاصة تحيلها إلى لبن يختلف فى لونه ومذاقه اختلافًا تاما عن كل منهما.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

ومن ثمرات النخيل والأعناب التى أنعمنا بها عليكم ومكناكم منها تتخذون عصيرًا مسكرًا غير حسن، وطعامًا طيبًا حسنًا، إن فى ذلك لعلامة دالة على القدرة والرحمة لقوم ينتفعون بعقولهم.

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ

وألهم ربك - أيها النبى - النحل أسباب حياتها، ووسائل معيشتها، بأن تتخذ من الجبال بيوتًا فى كهوفها، ومن فجوات الشجر، ومن عرائش المنازل والكروم بيوتًا كذلك.

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

ثم هداها - سبحانه - للأكل من كل ثمرات الشجر والنبات، وسهَّل لها أن تسلك لذلك طرقًا هيأها لها ربها مذللة سهلة، فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن فى ذلك الصنع العجيب لأدلة قوية على وجود صانع قادر حكيم، ينتفع بها قوم يستعملون عقولهم بالتأمل فيفوزون بالسعادة الدائمة (1).<BR>_______<BR>(1) يتركب عسل النحل من كمية كبيرة من الجلوكوز والفرفتوز وهو أسهل أنواع السكريات فى الهضم، وثبت فى آخر الأبحاث الطبية أن الجلوكوز مفيد فى كثير من الأمراض ويعطى بطريق الحقن والفم والشرج، بصفته مقويًا، ويعطى ضد التسمم فى مختلف المعادن وضد التسمم الناشئ من أمراض الأعضاء، مثل التسمم البولى والصفراء، وغيرهما، كما ثبت أنه يحتوى على نسبة عالية من الفيتامينات خصوصًا فيتامين ب المركب.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ

والله خلقكم، وقدر لكم آجالا مختلفة، منكم من يتوفاه مبكرًا، ومنكم من يبلغ أرذل العمر، فيرجع بذلك إلى حال الضعف، إذ تأخذ حيويته فى الضعف التدريجى، فيقل نشاط الخلايا وتهن العظام والعضلات والأعصاب فتكون عاقبته أن يفقد كل ما عليه.<BR>إن الله عليم بأسرار خلقه، قادر على تنفيذ ما يريده.

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ

والله فضَّل بعضكم على بعض فى الرزق.<BR>فجعل رزق السيد المالك أفضل من رزق مملوكه، فما الذين كثر رزقهم من السادة بمعطين نصف رزقهم لعبيدهم المملوكين لهم، حتى يصيروا مشاركين لهم فى الرزق على حد المساواة، وإذا كان هؤلاء الكفار لا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فى الرزق الذى جاء من عند الله، مع أنهم بشر مثلهم، فكيف يرضون أن يشركوا مع الله بعض مخلوقاته فيما لا يليق إلا به تعالى، وهو استحقاق العبادة؟ فهل تستمر بعد كل هذا بصائر هؤلاء المشركين مطموسة، فيجحدوا نعمة الله عليهم بإشراكهم معه غيره؟.

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ

والله جعل لكم من جنس أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل لكم من أزواجكم بنين وأبناء بنين، ورزقكم ما أباحه لكم مما تطيب به نفوسكم.<BR>أبعد ذلك يشرك به بعض الناس؟ فيؤمنون بالباطل، ويجحدون نعمة الله المشاهدة، وهى التى تستحق منهم الشكر، وإخلاص العبادة لله (1).<BR>_______<BR>(1) الزواج رابطة مقدسة، وهو أصل الأسرة التى هى نواة الأمة والمجتمع، والزواج ظاهرة من ظواهر التنظيم لفطرة أودعت فى الإنسان كما أودعت فى غيره من أنواع الحيوان، ولولا الزواج الذى هو تنظيم مقدرة الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان فى سبيل تلبية الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، وعندئذٍ لا يكون الإنسان ذلك المخلوق الذى سوَّاه الله وأودع فيه العقل والفكر، وفضله على كثير من خلقه واستخلفه فى الأرض.<BR>وإذا كان الوضع الإلهى للإنسان فى هذه الحياة يقضى بتنظيم الفطرة الخاصة بالزواج سموًا به عن فوضى الحيوان، فإن الإنسان من جهة أخرى مطبوع على حب البقاء، وإذا كان لا سبيل له إلى بقائه بذاته وهو يؤمن بذلك من صنع الله فى آبائه وأجداده وسائر الأحياء، فإنه يرى أن سبيله إلى البقاء إنما هو فى نسله المعروف، بحيث يراه امتدادًا لبقائه واستمرارًا وخلودًا.<BR>ولعل من أوضح ما يملأ فطرته به قوله تعالى: { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات }.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ

ويعبدون غير الله من الأوثان وهى لا تملك أن ترزقهم رزقا - أَىَّ رزقٍ - ولو قليلا سواء كان هذا الرزق آتيا من جهة السماء كالماء، أم خارجًا من الأرض كثمر الأشجار والنبات، ولا تستطيع هذه الآلهة أن تفعل شيئًا من ذلك ولا أقل منه.

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

وحيث ثبت لكم عدم نفع غير الله لكم، فلا تذكروا لله تعالى أشباهًا، وتبرروا عبادتها بأقيسة فاسدة، وتشبيهات غير صحيحة تعبدونها معه.<BR>إن الله يعلم فساد ما تعملون، وسيجازيكم عليه، وأنتم فى غفلة لا تعلمون سوء مصيركم.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

جعل الله مثلا يوضح فساد ما عليه المشركون، بعبد مملوك لا يقدر على فعل شىء، وبحرّ رزقه الله رزقًا طيبًا حلالا، فهو يتصرف فيه، وينفق منه فى السر والجهر.<BR>هل يستوى العبيد الذين لا يقدرون على شىء، والأحرار الذين يملكون ويتصرفون فيما يملكون؟ إن الله ملك كل شىء، فهو يتصرف فى ملكوته كما يريد، وغيره لا يملك أىَّ شىء فلا يستحق أن يُعبد ويُحمد، الثناء كله حق لله وحده، والتنزيه له وحده، وله العلو وحده، لأن كل خير صدر عنه، وكل جميل مرده إليه، ولا يفعل هؤلاء ما يفعلون عن علم، وإنما يفعلون ما يفعلون تقليدًا لرؤسائهم، بل أكثرهم لا يعلمون، فيضيفون نعمه إلى غيره، ويعبدونه من دونه.

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

وجعل الله مثلا آخر هو رجلان: أحدهما أخرس أصم لا يُفْهم غيره: كَلٌّ على من يلى أمره، إذا وجهه سيده إلى جهة ما لا يرجع بفائدة.<BR>هل يستوى هذا الرجل مع رجل فصيح قوى السمع.<BR>يأمر بالحق والعدل، وهو فى نفسه على طريق قويم لا عوج فيه؟ إن ذلك الأخرس الذى لا يسمع ولا يتكلم ولا يَفْهم ولا يُفهم، هو مثل الأصنام التى عبدوها من دون الله، فإنها لا تسمع ولا تنطق ولا تنفع، فلا يمكن أن تستوى مع السميع العليم الداعى إلى الخير والحق، وإلى الطريق المستقيم.

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

ولله - وحده - علم ما غاب عن العباد فى السموات والأرض، وما أمر مجىء يوم القيامة، وبعث الناس فيه، عند الله فى السرعة والسهولة، إلا كرد طرف العين بعد فتحها.<BR>بل هو أقرب سرعة من ذلك.<BR>إن الله عظيم القدرة لا يعجزه أى شىء.

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئًا مما يحيط بكم، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، وسائل للعلم والإدراك، لتؤمنوا به عن طريق العلم، وتشكروه على ما تفضل به عليكم (1).<BR>_______<BR>(1) أثبت الطب الحديث أن حاسة السمع تبدأ مبكرة جدًا فى حياة الطفل فى الأسابيع القليلة الأولى، أما البصر فيبدأ فى الشهر الثالث، ولا يتم تركيز الإبصار إلا بعد الشهر السادس، أما الفؤاد وهو الإدراك والتمييز، فلا يتم إلا بعد ذلك، وهكذا فالترتيب الذى جاءت به آيات القرآن الكريم هو ترتيب ممارسة هذه الحواس لوظائفها.

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

ألم ينظر المشركون إلى الطير مذللات للطيران فى الهواء إلى السماء بما زودها الله به من أجنحة أوسع من جسمها تبسطها وتقبضها، وسخر الهواء لها، فما يمسكهن فى الجو إلا الله بالنظام الذى خلقها عليه؟ إن فى النظر إليها والاعتبار بحكمة الله فى خلقها، لدلالة عظيمة ينتفع بها المستعدون للإيمان (1).

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ

والله سبحانه وتعالى هو الذى جعلكم قادرين على إنشاء بيوت لكم تتخذون منها مساكن، وجعل لكم من جلود الإبل والبقر والغنم وغيرها أخبية تسكنون فيها وتنقلونها فى حلكم وترحالكم، وجعلكم تتخذون من صوفها وشعرها ووبرها فرشًا تتمتعون بها فى هذه الدنيا إلى حين آجالكم.

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ

والله جعل لكم من الأشجار التى خلقها وغيرها ظلالا تقيكم شر الحر، وجعل لكم من الجبال كهوفًا ومغارات تسكنون فيها كالبيوت، وجعل لكم ثيابًا من الصوف والقطن والكتان وغيرها تصونكم من حرارة الشمس، ودروعًا من الحديد تصونكم من قسوة حروب أعدائكم، كما جعل لكم هذه الأشياء، يتم عليكم نعمته بالدين القيم، لتنقادوا لأمره وتخلصوا عبادتكم له دون غيره.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

فإن أعرض عنك - أيها النبى - الذين تدعوهم إلى الإسلام، فلا تبعة عليك فى إعراضهم، فليس عليك إلا التبليغ الواضح، وقد فعلت.

يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ

إن إعراض هؤلاء الكفار ليس لأنهم يجهلون أن الله سبحانه هو مصدر كل النعم عليهم، ولكنهم يعملون عمل من ينكرها حيث لم يشكروه عليها، وأكثرهم جمد على تقليد الآباء فى الكفر بالله، حتى كان أكثرهم هم الجاحدون.

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ

وحذر - أيها النبى - كل كافر بربه مما سيحصل، يوم نبعث من كل أمة نبيا ليشهد لها أو عليها بما قابلت به رسول ربها، وإذا أراد الكافر منهم أن يعتذر لا يؤذن له فى الاعتذار، ولا يوجد لهم شفيع يمهد لشفاعته، بأن يطلب منهم الرجوع عن سبب غضب الله عليهم، لأن الآخرة ليست دار توبة.

وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ

وإذا رأى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر عذاب جهنم، وطلبوا أن يخففه اللَّه عنهم، لا يُجاب لهم طلب، ولا يؤخرون عن دخول جهنم لحظة.

وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ

وإذا رأى الذين أشركوا آلهتهم التى عبدوها وزعموا أنها شركاء للَّه قالوا: يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم مخطئين، فخفف عنا العذاب بإلقاء بعضه عليهم، فيجيبهم شركاؤهم قائلين: إنكم - أيها المشركون - لكاذبون فى دعواكم أننا شركاء، وأنكم عبدتمونا، إنما عبدتم أهواءكم ولسنا كما زعمتم شركاء.

وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

حينئذٍ استسلم المشركون للَّه، وخضعوا لقضائه، وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه من أن معبوداتهم تشفع لهم، وتدفع العذاب عنهم.

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ

الذين كفروا ومنعوا غيرهم عن طريق اللَّه، وهو طريق الخير والحق، زدناهم عذابا فوق العذاب الذى استحقوه بالكفر، بسبب ما كانوا يتعمدونه من الإفساد وإضلال العباد.

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ

وحَّذر - أيها النبى - كفار قومك مما سيحصل يوم نُحضر من كل أمة شهيداً عليها، هو نبيها الذى يكون بين أبنائها، ليكون ذلك أقطع لعذرها، ونجىء بك - أيها النبى - شهيداً على هؤلاء الذين كذبوك، وعليهم أن يعتبروا من الآن، قد نزلنا القرآن فيه بيان كل شىء من الحق، وفيه الهداية، وفيه الرحمة والبشرى بالنعيم، للذين يذعنون له ويؤمنون به.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

إن اللَّه يأمر عباده بأن يعدلوا فى أقوالهم وأفعالهم،ويقصدوا إلى الأحسن من كل الأمور، فيفضلوه على غيره،كما يأمر بإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه لدعم روابط المحبة بين الأسر، وينهى عن فعل كل خطيئة، خصوصاً الذنوب المفرطة فى القبح، وكل ما تنكره الشرائع والعقول السليمة، كما ينهى عن الاعتداء علىالغير، واللَّه سبحانه بهذا يذكركم ويوجهكم إلى الصالح من أموركم، لعلكم تتذكرون فضله فى حسن توجيهكم، فتمتثلوا كلامه.

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ

وأوفوا بالعهود التى تقطعونها على أنفسكم، مشهدين اللَّه على الوفاء بها، ما دام الوفاء متسقا مع ماشرعه اللَّه، ولا تنقضوا الأيمان بالحِنث فيها، بعد تأكيدها بذكر اللَّه، وبالعزم أو بالتصميم عليها وقد راعيتم فى عهودكم وحلفكم أن اللَّه يكفل وفاءكم، وأن اللَّه رقيب ومطلع عليكم، فكونوا عند عهودكم وأيمانكم، لأن اللَّه سبحانه يعلم ما يكون منكم من وفاء وخُلف وبرّ وحِنث، فيجازيكم على ما تفعلون.

وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْ

ولا تكونوا فى الحنث فى أيمانكم بعد توكيدها مثل المرأة المجنونة التى تغزل الصوف وتحكم غزله، ثم تعود فتنقضه وتتركه محلولاً، متخذين أيمانكم وسيلة للتغرير والخداع لغيركم، مع أنكم مصرون على الغدر بهم، لأنكم أكثر وأقوى منهم، أو تنوون الانضمام لأعدائهم الأقوى منهم، أو لترجون زيادة القوة بالغدر، وإنما يختبركم اللَّه، فإن آثرتم الوفاء كان لكم الغنم فى الدنيا والآخرة، وإن اتجهتم إلى الغدر كان الخسران.<BR>.<BR>وليبين لكم يوم القيامة حقيقة ما كنتم عليه تختلفون فى الدنيا، ويجازيكم حسب أعمالكم (1).<BR>______<BR>(1) هاتان الآيتان تدلان على أن أساس العلاقات بين المسلمين وغيرهم مع العدالة الوفاء بالعهد، وأن العلاقات الدولية لا تُنظم إلا بالوفاء بالعهد، وأن الدول الإسلامية إذا عقدت عهداً فإنما تعقده باسم اللَّه فهو يتضمن يمين اللَّه وكفالته، وتدل الآية على ثلاثة معان لو نفذتها الدولة لساد السلم أولها: أنه لا يصح أن تكون المعاهدات سبيلاً للخديعة وإلا كانت غشاً، والغش غير جائز فى العلاقات الإنسانية سواء كانت علاقات آحاد أم علاقات جماعات ودول.<BR>ثانيها: أن الوفاء بالعهد قوة فى ذاته، وأن من ينقض عهده يكون كمن ينقض ما بناه من أسباب القوة، فيكون كالحمقاء التى تفك غزلها بعد تقويته وتوثيقه.<BR>ثالثها: أنه لا يصح أن يكون الباعث على نكث العهد الرغبة فى القوة أو الزيادة فى رقعة الأرض أو نحو ذلك.

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

ولو شاء اللَّه لجعلكم أمة واحدة فى الجنس واللون والإيمان ليس بينها تخالف، وذلك بخلقكم خلقا آخر.<BR>كالملائكة لا اختيار لها، ولكن شاء اللَّه أن تختلفوا فى الأجناس والألوان، وأن يجعل لكم اختيارا، فمن اختار شهوات الدنيا وآثرها على رضا اللَّه تركه وما يريد، ومن أراد رضا اللَّه بالعمل الصالح سهّل له ما أراد.<BR>وتأكدوا بعد ذلك أنكم ستسألون جميعا يوم القيامة عما كنتم تعملون فى الدنيا، وتجازون حسب أعمالكم.

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

ولا تسلكوا سبيل الغدر، فتتخذوا الأيمان سبيلاً للتغرير والخديعة، فإنه بسبب ذلك تزل الأقدام فتبتعدوا عن المحجة المستقيمة، ويكون فى ذلك إعراض عن سبيل اللَّه فى الوفاء، وتكونون قدوة سيئه فى الغدر، ويرى الناس فيكم صورة مشوهة للإسلام، فيعرضون عنه، وينزل السوء بكم فى الدنيا لعدم الثقة فيكم بسبب صدّكم عن طريق الحق، وينزل بكم عذاب مؤلم شديد الإيلام.

وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

ولا تستبدلوا بالوفاء بالعهود المؤكدة متاع الدنيا، فهو قليل مهما كان كثيرا، لأن ما عند اللَّه من جزاء المحافظين على العهد فى الدنيا، ومن نعيم الآخرة الدائم، خير لكم من كل ما يغريكم بنقض العهود، فتدبروا ذلك وافهموه إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الصالح وغير الصالح، ولا تفعلوا إلا ما فيه صلاح لكم فى دنياكم وأخراكم.

مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

فإن ما عندكم - أيها الناس - من نعيم ينفد وينتهى مهما طال زمنه، وما عند اللَّه من نعيم الآخرة خالد لا ينقطع، ولنكافئن الذين صبروا على مشاق التكاليف بما وعدناهم به، من حسن الثواب المضاعف على أعمالهم، ينعمون به نعيما دائما فى الآخرة.

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

أن من عمل عملاً صالحا فى هذه الدنيا، سواء أكان ذكراً أو أنثى، مندفعا إلى هذا العمل الصالح بقوة الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، فإننا لابد أن نحييه فى هذه الحياة الدنيا حياة طيبة لا تنغيص فيها، تغمرها القناعة والرضا والصبر على مصائب الدنيا، والشكر على نعم اللَّه فيها، وفى الآخرة لابد أن نجزى هذا الفريق من الناس حسن الثواب المضاعف على أعمالهم فى الدنيا.

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

وإن الذى يحمى النفس من نزعات الهوى هو القرآن، فإذا تدبرت هذا - أيها المؤمن - وأردت أن تحيا بعيداً عن تلاعب الشيطان، وتفوز بطيب الحياة فى الدارين، فإنى أرشدك إلى أمر يعينك على هذا، وهو قراءة القرآن، وإذا أردت قراءة القرآن فاستفتح قراءته بالدعاء الخالص إلى اللَّه أن يمنع عنك وساوس الشيطان المطرود من رحمة اللَّه، أخذ العهد على نفسه أن يغوى الناس ويوقعهم فى عصيان اللَّه.

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

فإنك إن فعلت هذا مخلصا للَّه، حماك اللَّه منه، وَبعُدَت عنك وساوسه، إنه ليس له تأثير على الذين عمرت قلوبهم بالإيمان باللَّه، واستمداد العون منه - وحده - والاعتماد عليه.

إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ

إنما تأثيره وخطره على الذين خلت قلوبهم من التعلق باللَّه وحبه فلم يكن لهم عاصم من تأثيره، فانقادوا له كما ينقاد الصديق لصديقه، حتى أوقعتهم فى أن يُشركوا باللَّه فى العبادة آلهة لا تضر ولا تنفع.

وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

وإذا جعلنا معجزة لك بدل معجزة مساوية لنبى سابق، فجئناك بالقرآن معجزة، رموك بالافتراء والكذب على اللَّه، واللَّه - وحده - هو العليم علما ليس فوقه علم بما ينزل على الأنبياء من معجزات، ولكن أكثرهم ليسوا من أهل العلم والمعرفة الصادقة.

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ

قل لهم مبينا منزلة معجزتك - أيها النبى - إن القرآن قد نزل علىّ من ربى مع جبريل الروح الطاهر، مقترنا بالحق، مشتملا عليه، ليثَّبت به قلوب المؤمنين، وليكون هاديا للناس إلى الصواب ومبشرا بالنعيم لكل المسلمين.

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ

إننا لنعلم ما يقوله كفار مكة: إنه لا يُعلم محمدا هذا القرآن إلا رجل من البشر نعرفه، هو شاب رومى، وما ينزله عليه ملك من عند اللَّه كما يقول قولهم، وهذا باطل، لأن الشاب الذى يقولون عنه أنه يعلمك هذا التعليم أعجمى لا يحسن العربية، والقرآن لغة عربية واضحة الفصاحة، إلى حد أنكم عجزتم أيها المكابرون عن محاكاتها، كيف يصح بعد ذلك أتهامكم؟.

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

إن الذين لا يذعنون لآيات اللَّه التى عجزوا عن محاكاتها، وأصروا مع عجزهم، على كفرهم بها، لا يهديهم اللَّه، ولهم فى الآخرة عذاب شديد بسبب كفرهم وعنادهم.

إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ

إنما يجرؤ على افتراء الكذب على اللَّه من لا يؤمنون بآيات اللَّه، وأولئك هم - وحدهم - البالغون فى الكذب نهايته، ولست - أيها النبى - من هؤلاء حتى يتهموك بما اتهموك به.

مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

إن الذين ينطقون بالكفر بعد الإيمان عليهم غضب من اللَّه إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر وهو عامر القلب بالإيمان، فإنه ناج من غضب اللَّه.<BR>أما الذين تنشرح قلوبهم للكفر، وتتجاوب مع قلوبهم ألسنتهم، فأولئك عليهم غضب شديد من اللَّه الذى أعد لهم عذابا عظيما فى الآخرة.

ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

وذلك الذى استحقوه من غضب اللَّه وعذابه إنما كان بسبب حبهم الشديد لنعيم الدنيا ومتاعها الزائل حتى صرفهم هذا الحب عن الحق، وأعماهم عن الخير، فتركهم اللَّه وما يحبون من الكفر، لأنه قد جرت سنته فى خلقه بترك أمثال هؤلاء، وعدم هدايتهم لفسادهم، وتماديهم فى الباطل.

أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

هؤلاء هم الذين طبع اللَّه على قلوبهم، فصارت لا تقبل الحق، وعلى أسماعهم فلم يعودوا يسمعون سماع فهم وتدبر، كأنهم صم، وعلى أبصارهم فلا ترى ما فى الكون أمامهم من عبر ودلالات، وأولئك هم الغارقون فى الغفلة عن الحق، فلا خير فيهم إلا إذا أزالوا الغفلة من عقولهم.

لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ

وهؤلاء لا شك أنهم - وحدهم - هم الخاسرون لكل خير فى الآخرة.

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

ثم اعلم - أيها النبى - أن ربك مُعين وناصر للذين هاجروا من مكة فرارا بدينهم من الضغط، وبأنفسهم من عذاب المشركين، ثم جاهدوا بما يملكون الجهاد به من قول أو فعل، وصبروا على مشاق التكاليف، وعلى ما يلاقونه فى سبيل دينهم، إن ربك من بعد ما تحملوا ذلك لغفور لما حصل منهم إن تابوا، رحيم بهم فلا يؤاخذهم على ما أكرهوا عليه.

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

اذكر لقومك - أيها النبى - محذراً إياهم يوم يأتى فيه كل إنسان لا يهمه إلا الدفاع عن نفسه، لا يشغله عنها والد ولا ولد، وهو يوم القيامة، ويوفى اللَّه فيه كل نفس جزاء ما كسبت من أعمال، خيراً كانت أو شراً، ولا يظلم ربك أحدا.

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

وجعل اللَّه سبحانه لأهل مكة مثلاً يعتبرون به هو قصة قرية من القرى كان أهلها فى أمن من العدو، وطمأنينة من ضيق العيش، يأتيهم رزقهم واسعاً من كل مكان، فجحدوا نعم اللَّه عليهم، ولم يشكروه بطاعته وامتثال أمره، فعاقبهم اللَّه بالمصائب التى أحاطت بهم من كل جانب، وذاقوا مرارة الجوع والخوف بعد الغنى والأمن، وذلك بسبب تماديهم فى الكفر والمعاصى.

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ

ولقد جاءهم رسول منهم فكان يجب عليهم شكر اللَّه على ذلك، ولكنهم كذبوه عناداً وحسداً، فأخذهم العذاب حال تلبسهم بالظلم، وبسبب هذا الظلم.

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ

إذا كان المشركون يكفرون بنعم الله فيبدلها بؤسا، فاتجهوا - أيها المؤمنون - إلى الشكر، وكلوا مما رزقكم اللَّه، وجعله حلالا طيبا لكم، ولا تحرموه على أنفسكم، وأشكروا نعمة اللَّه عليكم بطاعته - وحده - إن كنتم تخصونه حقا بالعبادة.

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

فإن اللَّه لم يحرم عليكم إلا أكل الميته، والدم الذى ينزل من الحيوان عند ذبحه، ولحم الخنزير، وما ذبح لغير اللَّه، فمن ألجأته ضرورة الجوع إلى تناول شىء مما حرَّمه اللَّه عليكم غير طالب له، ولا يتجاوز فى أكله حد إزالة الضرورة، فإن اللَّه لا يؤاخذه على ذلك، لأنه سبحانه غفور لعبادة يغفر لهم ما يقعون فيه من أخطاء لا يصرون عليها، رحيم بهم حين منعهم مما يضرهم، وأباح لهم ما يحفظ حياتهم.

وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ

وإذا كان اللَّه قد بيَّن حكم الحلال والحرام، فالتزموا ما بيَّن لكم، ولا تجرؤوا على التحليل والتحريم انطلاقاً وراء ألسنتكم، فتقولوا: هذا حلال وهذا حرام، فتكون عاقبة قولكم هذا: أنكم تفترون على اللَّه الكذب، وتنسبون إليه ما لم يقله، إن الذين يفترون على اللَّه الكذب لا يفوزون بخير ولا فلاح.

مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

وإذا كانوا يجرون بذلك وراء شهواتهم ومنافعهم الدنيوية فإن تمتعهم بها قليل زائل، ولهم فى الآخرة عذاب شديد.

وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

ولم تحرم إلا على اليهود - وحدهم - ما قصصناه عليك - أيها النبى - من قبل نزول هذه الآيات، وهو كل ذى ظفر، وشحوم البقر والغنم، إلا ما حملت ظهورها، أو الحوايا أو ما اختلط بالعظام.<BR>وما ظلمناهم بهذا التحريم، ولكنهم الذين ظلموا أنفسهم، لتسببهم فيه بسبب تماديهم وشراهتهم وعدم وقوفهم عند الحلال.

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

ثم إن الذين عملوا السوء تحت تأثير طيش وغفلة عن تدبر العواقب، ثم تابوا من ذلك الذنب، وأصلحوا نفوسهم وأعمالهم، فإن ربك - أيها النبى - يغفر لهم ذنوبهم، لأنه سبحانه بعد هذه التوبة كثير التجاوز عن السيئات، واسع الرحمة بالعباد.

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

إن إبراهيم الذى تفخرون به - أيها المشركون أنتم واليهود - كان جامعا لكل الفضائل، بعيدا عما أنتم عليه من باطل، خاضعاً لأمر ربه ولم يكن مثلكم مشركا به.

شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

وكان شاكرا لنعم ربه عليه، ولهذا كله اختاره اللَّه لحمل رسالته، ووفقه لسلوك طريق الحق المستقيم الموصل للنعيم الدائم.

وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ

وجعلنا له فى الدنيا ذكرا حسنا على كل لسان، وسيكون قطعا فى الآخرة فى زمرة الصالحين المنعَّمين بجنات اللَّه ورضوانه.

ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

ثم أوَحينا إليك - أيها النبى - بعد إبراهيم بقرون عديدة، وأمرناك باتباع إبراهيم فيما دعا إليه من التوحيد والفضائل والبعد عن الأديان الباطلة، فإنه لم يكن من الذين يشركون مع اللَّه آلهةً أخرى كما يزعم هؤلاء المشركون.

إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

وليس تعظيم يوم الجمعة، وترك تعظيم يوم السبت فى الإسلام مخالفاً لما كان عليه إبراهيم كما يدعى اليهود، فإن تحريم الصيد يوم السبت احتراماً له لم يكن من شريعة إبراهيم، وإنما فرض على اليهود فقط، ومع ذلك لم يحترموه بل خرج بعضهم على هذا التعظيم، وخالفوا أمر ربهم فكيف يعيبون على غيرهم ممن لم يكلف بتعظيمه عدم تعظيمه، مع أنهم - وهم المكلفون بذلك - خرجوا عليه؟ وتأكد - أيها النبى - أن ربك سيقضى بينهم يوم القيامة فى الأمور التى اختلفوا فيها، ويجازى كلا منهم بعمله.

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

أيها النبى: ادع إلى طريق الحق الذى شرعه ربك مع قومك، واسلك فى دعوتهم الطريق الذى يناسب كل واحد منهم، فادع خواصهم ذوى المدارك العالية بالقول الحكيم المناسب لقولهم، وادع عوامهم بما يناسبهم من إيراد المواعظ، وضرب الأمثال التى توجههم إلى الحق، وترشدهم من أقرب طريق مناسب لهم، وجادل أصحاب الملل السابقة من أهل الكتب بالمنطق والقول اللين، والمجادلة الحسنة التى لا يشوبها عنف ولا سِبَاب حتى تتمكن من إقناعهم واستمالتهم.<BR>هذا هو الطريق لدعوة الناس إلى اللَّه على اختلاف ميولهم، فاسلك هذا الطريق معهم، واترك أمرهم بعد ذلك إلى ربك الذى يعلم من غرق فى الضلال منهم وابتعد عن طريق النجاة، من سلم طبعة فاهتدى وآمن بما جئت به.

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ

وإن أردتم عقاب من يعتدى عليكم - أيها المسلمون - فعاقبوه بمثل ما فعل بكم، ولا تتجاوزوا هذا المثل، وتأكدوا أنكم لو صبرتم، ولم تقتصوا لأنفسكم، لكان خيرا لكم فى الدنيا والآخرة، فعاقبوا لأجل الحق، ولا تعاقبوا لأجل أنفسكم.

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ

واصبر أنت - أيها النبى - فإن ذلك يسهل عليك كثيرا من مشقات الحياة، ويعالج مشاكلها، ولا تحزن على عدم استجابة قومك لدعوتك، وإيمانهم بك، ولا يضق صدرك من مكرهم وتدابيرهم لخنق دعوتك، فإنك لن يضرك شىء من فعلهم، وقد أديت ما عليك واتقيت ربك.

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

فإن ربك مع الذين اتقوا غضب الله باجتناب نواهيه، وأحسنوا لله أعمالهم بالإقبال على طاعته، يعينهم وينصرهم فى الدنيا ويجزيهم خير الجزاء فى الآخرة.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس