{ أتى أمر الله } أي : عذابه لمن أقام على الشرك ، أي : قد فرب ذلك { فلا تستعجلوه } فإنه نازل بكم لا محالة { سبحانه } براءة له من السوء { وتعالى } ارتفع بصفاته { عما يشركون } عن إشراكهم .
{ ينزل الملائكة } يعني : جبريل عليه السلام وحده { بالروح } بالوحي { من أمره } والوحي من أمر الله سبحانه { على من يشاء من عباده } يريد : النبيين الذين يختصهم بالرسالة { أن أنذروا } بدل من الروح ، أي : أعلموا أهل الكفر { أنه لا إله إلا أنا } مع تخويفهم إن لم يقروا { فاتقون } بالتوحيد والطاعة ، ثم ذكر ما يدل على توحيده ، فقال :
{ خلق السماوات } الآية .
{ خلق الإنسان من نطفة } يعني : أبي بن خلف { فإذا هو خصيم } مخاصم { مبين } ظاهر الخصومة ، وذلك أنه خاصم النبي صلى الله علي وسلم في إنكاره البعث . وقوله :
{ لكم فيها دفء } يعني : ما تستدفئون به من الأكسية والأبنية من أشعارها وأصوافها و أوبارها { ومنافع } من النسل والدر والركوب .
{ ولكم فيها جمال } زينة {حين تريحون } تردونها إلى مراحها بالعشايا { وحين تسرحون } تخرجونها إلى المرعى بالغداة .
{ وتحمل أثقالكم } أمتعتكم { إلى بلد } لو تكلفتم بلوغه على غير الإبل لشق عليكم ، والشق : المشقة { إن ربكم لرؤوف رحيم } حيث من عليكم بهذه المرافق . وقوله :
{ ويخلق ما لا تعلمون } لم يسمه ، فالله أعلم به .
{ وعلى الله قصد السبيل } أي : الإسلام والطريق المستقيم يؤدي إلى رضا الله تعالى ، كقوله : { هذا صراط مستقيم } .{ ومنها } ومن السبيل { جائر } عادل مائل كاليهودية والنصرانية { ولو شاء لهداكم } أرشدكم { أجمعين } حتى لا تختلفوا في الدين ، وقوله :
{ ومنه شجر } يعني : ما ينبت بالمطر ، وكل ما ينبت على الأرض فهو شجر { فيه تسيمون } ترعون مواشيكم . وقوله :
{ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.
{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.
{ وما ذرأ لكم } أي : وسخر لكم ما خلق في الأرض { مختلفا ألوانه } أي : هيئته ومناظره . يعني : الدواب والأشجار وغيرهما .
{ وهو الذي سخر البحر } ذلله للركوب والغوص { لتأكلوا منه لحما طريا } السمك والحيتان { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } الدر والجواهر { وترى الفلك } السفن { مواخر فيه } شواق للماء تدفعه بجؤجئها بصدرها { ولتبتغوا من فضله } لتركبوه للتجارة ، فتطلبوا الربح من فضل الله .
{ وألقى في الأرض رواسي } جبالا ثابتة { أن تميد } لئلا تميد ، أي : لا تتحرك { بكم وأنهارا } وجعل فيها أنهارا كالنيل والفرات ودجلة { وسبلا } وطرقا إلى كل بلدة { لعلكم تهتدون } إلى مقاصدكم من البلاد ، فلا تضلوا .
{ وعلامات } يعني : الجبال ، وهي علامات الطرق بالنهار { وبالنجم } يعني : جميع النجوم { هم يهتدون } إلى الطرق والقبلة في البر والبحر .
{ أفمن يخلق } يعني : ما ذكر في هذه السورة ، وهو الله تعالى { كمن لا يخلق } يعني : الأوثان . يقول : أهما سواء حتى يسوى بينهما في العبادة ؟ { أفلا تذكرون } أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون .
{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } مر تفسيره . { إن الله لغفور } لتقصيركم في شكر نعمه { رحيم } بكم حيث لم يقطعها عنكم بتقصيركم . وقوله :
{والله يعلم ما تسرون وما تعلنون}.
{والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}.
{ أموات } أي : هي أموات لا روح فيها . يعني : الأصنام { غير أحياء } تأكيد { وما يشعرون أيان يبعثون } وذلك أن الله سبحانه يبعث الأصنام لها أرواح ، فيتبرؤون من عابديهم ، وهي في الدنيا جماد لا تعلم متى تبعث . وقوله :
{ إلهكم } ذكر الله سبحانه دلائل وحدانيته ، ثم أخبر أنه واحد ، ثم أتبع هذا إنكار الكفار وحدانيته بقوله : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة } جاحدة غير عارفة { وهم مستكبرون } ممتنعون عن قبول الحق .
{ لا جرم } حقا { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } الآية . أي : يجازيهم بذلك { إنه لا يحب المستكبرين } لا يمدحهم ولا يثيبهم .
{ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } الآية نزلت في النضر بن الحارث ، وذكرنا قصته .
{ ليحملوا أوزارهم } هذه لام العاقبة ، لأن قولهم للقرآن : أساطير الأولين ، أداهم إلى أن حملوا أوزارهم كاملة لم يكفر منها شيء بنكبة أصابتهم في الدنيا لكفرهم . { ومن أوزار الذين يضلونهم } لأنهم كانوا دعاة الضلالة ، فعليهم مثل أوزار من اتبعهم ، وقوله : { بغير علم } أي : يضلونهم جهلا منهم بما كانوا يكسبون من الإثم ، ثم صنيعهم فقال : { ألا ساء ما يزرون } أي : يحملون .
{ قد مكر الذين من قبلهم } وهو نمروذ بني صرحا طويلا ، ليصعد منه إلى السماء فيقاتل أهلها { فأتى الله } فأتى أمر الله ، وهو الريح وخلق الزلزلة { بنيانهم } بناءهم { من القواعد } من أساطين البناء التي يعمده ، وذلك أن الزلزلة خلقت فيها حتى تحركت بالبناء فهدمته ، وهو قوله : { فخر عليهم السقف من فوقهم } يعني : وهم تحته { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } من حيث ظنوا أنهم في أمان منه .
{ ثم يوم القيامة يخزيهم } يذلهم { ويقول أين شركائي } أي : الذين في دعواكم أنهم شركائي ، أين هم ليدفعوا العذاب عنكم { الذين كنتم تشاقون } تخالفون المؤمنين { فيهم قال الذين أوتوا العلم } وهم المؤمنون يقولون حين يرون خزي الكفار في القيامة : { إن الخزي اليوم والسوء } عليهم لا علينا .
{ الذين تتوفاهم الملائكة } مر تفسيره في سورة النساء . وقوله : { فألقوا السلم } أي : انقادوا واستسلموا عند الموت ، وقالوا : { ما كنا نعمل من سوء } شرك ، { بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون } من الشرك والتكذيب ، ثم قيل لهم :
{ فادخلوا أبواب جهنم } الآية . وقوله : { فلبئس مثوى } مقام { المتكبرين } عن التوحيد وعبادة الله سبحانه .
{ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم } هذا كان في أيام الموسم ، يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : أساطير الأولين ، ويسأل المؤمنين عن ذلك فيقولون : { خيرا } أي : ثوابا لمن آمن بالله ، ثم فسر ذلك الخير فقال : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } قالوا : لا إله إلا الله ثواب مضاعف { ولدار الآخرة } وهي الجنة { خير } من الدنيا وما فيها .
{جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين}.
{ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } طاهرين من الشرك .
{ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } لقبض أرواحهم { أو يأتي أمر ربك } بالقتل ، والمعنى : هل يكون مدة إقامتهم على الكفر إلا مقدار حياتهم إلى أن يموتوا أو يقتلوا { كذلك فعل الذين من قبلهم } وهو التكذيب ، يعني : كفار الأمم الخالية { وما ظلمهم الله } بتعذيبهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بإقامتهم على الشرك .
{ فأصابهم } هذا مؤخر في اللفظ ، ومعناه التقديم ، لأن التقدير : كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم ، الآية ، ثم يقول :{ وما ظلمهم الله } الآية . ومعنى : أصابهم { سيئات ما عملوا } أي : جزاؤها { وحاق } أحاط { بهم ما كانوا به يستهزئون } من العذاب .
{ وقال الذين أشركوا } يعني : أهل مكة : { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } أي : ما أشركنا ، ولكنه شاءه لنا ، { ولا حرمنا من دونه من شيء } أي : من السائبة والبحيرة ، وإنما قالوا هذا استهزاء . قال الله تعالى : { كذلك فعل الذين من قبلهم } أي : من تكذيب الرسل ، وتحريم ما أحل الله { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } أي : ليس عليهم إلا التبليغ ،وقد بلغت يا محمد ، وبلغوا ، فأما الهداية فهي إلى الله سبحانه وتعالى ، وقد حقق هذا فيما بعد ، وهو قوله :
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } كما بعثناك في هؤلاء { أن اعبدوا الله } بأن اعبدوا الله { واجتنبوا الطاغوت } الشيطان وكل من يدعو إلى الضلالة { فمنهم من هدى الله } أرشده { ومنهم من حقت } وجبت { عليه الضلالة } الكفر بالقضاء السابق { فسيروا في الأرض } معتبرين بآثار الأمم المكذبة ، ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي ، وهوقوله :
{ إن تحرص على هداهم } أي : تطلبها بجهدك { فإن الله لا يهدي من يضل } كقوله : { من يضلل الله فلا هادي له } .
{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم } أغلظوا في الإيمان تكذيبا منهم بقدرة الله على البعث ، فقال الله تعالى : { بلى } ليبعثنهم { وعدا عليه حقا } .
{ ليبين لهم } بالبعث ما اختلفوا فيه من أمره ، وهو أنهم ذهبوا إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } ثم أعلمهم سهولة خلق الأشياء عليه بقوله :
{ إنما قولنا لشيء } الآية .
{ والذين هاجروا } نزلت في قوم عذبهم المشركون بمكة إلى أن هاجروا ، وقوله : { في الله } في رضا الله { لنبوئنهم في الدنيا حسنة } دارا وبلدة حسنة ، وهي المدينة { ولأجر الآخرة } يعني : الجنة .
{ الذين صبروا } على أذى المشركين ، وهم في ذلك واثقون بالله تعالى متوكلون عليه .
{ وما أرسلنا من قبلك } ذكرنا تفسيره في آخر سورة يوسف . وقوله : { فاسألوا أهل الذكر } يعني : أهل التوراة فيخبرونكم أن الأنبياء كلهم كانوا بشرا .
{ بالبينات } أي : أرسلناهم بالبينات بالحجج الواضحة { والزبر } الكتب { وأنزلنا إليك الذكر } القرآن { لتبين للناس ما نزل إليهم } في هذا الكتاب من الحلال والحرام ، والوعد والوعيد { ولعلهم يتفكرون } في ذلك فيعتبرون .
{ أفأمن الذين مكروا السيئات } عملوا بالفساد ، يعني : عبادة الأوثان ، وهم مشركو مكة { أن يخسف الله بهم الأرض } كما خسف بقارون { أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } أي : من حيث يأمنون ، فكان كذلك ، لأنهم أهلكوا يوم بدر ، وما كانوا يقدرون ذلك .
{ أو يأخذهم في تقلبهم } للسفر والتجارة { فما هم بمعجزين } بممتنعين على الله .
{ أو يأخذهم على تخوف } على تنقض ،وهو أن يأخذ الأول حتى يأتي الأخذ على الجميع { فإن ربكم لرؤوف رحيم } إذ لم يعجل عليهم بالعقوبة .
{ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء } له ظل من جبل وشجر وبناء { يتفيأ } يتميل { ظلاله عن اليمين والشمائل } في أول النهار عن اليمين ، وفي آخره عن الشمال إذا كنت متوجها إلى القبلة { سجدا لله } قال المفسرون : ميلانها سجودها ، وهذا كقوله : { وظلالهم بالغدو والآصال } وقد مر { وهم داخرون} صاغرون يفعلون ما يراد منهم . يعني : هذه الأشياء التي ذكرها أنها تسجد لله.
{ ولله يسجد } أي : يخضع وينقاد بالتسخير { ما في السماوات وما في الأرض من دابة } يريد : كل ما دب على الأرض { والملائكة } خصهم بالذكر تفضيلا { وهم لا يستكبرون } عن عبادة الله تعالى . يعني : الملائكة .
{ يخافون ربهم من فوقهم } يعني : الملائكة ، هم فوق ما في الأرض من دابة ، ومع ذلك يخافون الله ، فلأن يخاف من دونهم أولى . { ويفعلون ما يؤمرون } يعني : الملائكة . وقوله :
{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون}.
{ وله الدين واصبا } دائما ، أي : طاعته واجبة أبدا . { أفغير الله } الذي خلق كل شيء ، وأمر أن لا تتخذوا معه إلها { تتقون } .
{ وما بكم من نعمة } من صحة جسم ، أو سعة رزق ، أو متاع بمال وولد ، فكل ذلك من الله ، { ثم إذا مسكم الضر } الأسقام والحاجة { فإليه تجأرون } ترتفعون أصواتكم بالاستغاثة .
{ ثم إذا كشف الضر عنكم } يعني : من كفر بالله ، وأئرك بعد كشف الضر عنه .
{ ليكفروا بما آتيناهم } ليجحدوا نعمة الله فيما فعل بهم { فتمتعوا } أمر تهديد { فسوف تعلمون } عاقبة أمركم .
{ ويجعلون } يعني : المشركين { لما لا يعلمون } أي : الأوثان التي لا علم لها { نصيبا مما رزقناهم } يعني : ما ذكر في قوله : { وهذا لشركائنا } . { تالله لتسألن } سؤال توبيخ { عما كنتم تفترون } على الله من أنه أمركم بذلك .
{ ويجعلون لله البنات } يعني : خزاعة وكنانة ، زعموا أن الملائكة بنات الله ، ثم نزه نفشه فقال تعالى : { سبحانه } تنزيها له عما زعموا { ولهم ما يشتهون } يعني : البنين ، وهذا كقولهم : { أم له البنات } الآية .
{ وإذا بشر أحدهم بالأنثى } أخبر بولادة ابنة { ظل } صار { وجهه مسودا } متغيرا تغير مغتم { وهو كظيم } ممتلئ غما .
{ يتوارى } يختفي ويتغيب مقدرا مع نفسه { أيمسكه على هون } أيستحييها على هوان منه لها { أم يدسه } يخفيه { في التراب } فعل الجاهلية من الوأد { ألا ساء } بئس { ما يحكمون } أي : يجعلون لمن يعترفون بأنه خالقهم البنات اللاتي محلهن منهم هذا المحل ، ونسبوه إلى اتخاذ الأولاد ، وجعلوا لأنفسهم البنين .
{ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء } العذاب والنار { ولله المثل الأعلى } الإخلاص والتوحيد ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله .
{ ولو يؤاخذ الله الناس } المشركين { بظلمهم } بافترائهم على الله تعالى { ما ترك عليها من دابة } يعني : أحدا من المشركين { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } وهو انقضاء عمرهم .
{ ويجعلون لله ما يكرهون } لأنفسهم ، وذلك هو البنات ، أي : يحكمون له به ، { وتصف ألسنتهم الكذب } ثم فسر ذلك الكذب بقوله : { أن لهم الحسنى } أي : الجنة والمعنى : يصفون أن لهم مع قبح قولهم الجنة إن كان البعث حقا ، فقال الله تعالى : { لا } أي : ليس الأمر كما وصفوه { جرم } كسب قولهم هذا { أن لهم النار وأنهم مفرطون } متروكون فيها . وقيل : مقدمون إليها . وقوله :
{ فهو وليهم اليوم } يعني : يوم القيامة ، وأطلق اسم اليوم عليه لشهرته . وقوله :
{ لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } أي : تبين للمشركين ما ذهبوا فيه إلى خلاف ما يذهب إليه المسلمون ، فتقوم الحجة عليهم ببيانك . وقوله : { وهدى } أي : والهداية والرحمة للمؤمنين . وقوله :
{ والله أنزل } ظاهر إلى قوله : { يسمعون } أي : سماع اعتبار . يريد : إن في ذلك دلالة على البعث .
{ وإن لكم في الأنعام لعبرة } لدلالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته { نسقيكم مما في بطونه من بين فرث } وهو سرجين الكرش { ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } جائزا في حلوقهم .
{ ومن ثمرات } أي : ولكم منها ما { تتخذون منه سكرا } وهو الخمر . نزل هذا قبل تحريم الخمر { ورزقا حسنا } وهو الخل والزبيب والتمر { إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } يريد : عقلوا عن الله تعالى ما فيه قدرته .
{ وأوحى ربك إلى النحل } ألهمها وقذف في أنفسها { أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر } هي تتخذ لأنفسها بيوتا إذا كانت لا أصحاب لها ، فإذا كانت لها أرباب اتخذت بيوتها مما تبني لها أربابها ، وهو قوله : { ومما يعرشون } أي : يبنون ويسقفون لها من الخلايا .
{ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك } طرق ربك تطلب فيها الرعي { ذللا } منقادة مسخرة مطيعة { يخرج من بطونها شراب } وهو العسل { مختلف ألوانه } منه أحمر وأبيض وأصفر { فيه } في ذلك الشراب { شفاء للناس } من الأوجاع التي شفاؤها فيه .
{ والله خلقكم } ولم تكونوا شيئا { ثم يتوفاكم } عند انقضاء آجالكم { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وهو أردؤه ، يعني : الهرم { لكي لا يعلم بعد علم شيئا } يصير كالصبي الذي لا عقل له . قالوا : وهذا لا يكون للمؤمنين ، لأن المؤمن لا ينزع عنه علمه وإن كبر { إن الله عليم } بما يصنع { قدير } على ما يريد .
{ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } حيث جعل بعضكم يملك العبيد ، وبعضكم مملوكا { فما الذين فضلوا } وهم المالكون { برادي رزقهم } بجاعلي رزقهم لعبيدهم ، حتى يكونوا عبيدهم معهم { فيه سواء } وهذا مثل ضربة الله تعالى للمشركين في تصييرهم عباد الله شركاء له ، فقال : إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء في الملك ، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ؟ { أفبنعمة الله يجحدون } حيث يتخذون معه شركاء .
{ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } يعني : النساء { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } يعني : ولد الولد { ورزقكم من الطيبات } من أنواع الثمار والحبوب والحيوان { أفبالباطل يؤمنون } يعني : الأصنام ، { وبنعمة الله هم يكفرون } يعني : التوحيد .
{ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات } يعني : الغيث الذي يأتي من جهتها { والأرض } يعني : النبات والثمار { شيئا } أي : قليلا ولا كثيرا { ولا يستطيعون } لا يقدرون على شيء .
{ فلا تضربوا لله الأمثال } لا تشبهوه بخلقه ، وذلك أن ضرب المثل إنما هو تشبيه ذات بذات ، أو وصف بوصف ، والله تعالى منزه عن ذلك { إن الله يعلم } ما يكون قبل أن يكون { وأنتم لا تعلمون } قدر عظمته حيث أشركتم به .
{ ضرب الله مثلا } بين شبها فيه بيان للمقصود ، ثم ذكر ذلك فقال : { عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } لأنه عاجز مملوك لا يملك شيئا ، وهذا مثل ضربه الله لنفسه ولمن عبد دونه . يقول : العاجز الذي لا يقدر أن ينفق ، والمالك المقتدر على الإنفاق لا يستويان ، فكيف يسوى بين الحجارة التي لا تتحرك ، وبين الله الذي هو على كل شيء قدير ، وهو رازق جميع خلقه ، ثم بين أنه المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه فقال : { الحمد لله } لأنه المنعم { بل أكثرهم لا يعلمون } يقول : هؤلاء المشركون لا يعلمون أن الحمد لي ، لأن جميع النعم مني ، والمراد بالأكثر ها هنا الجميع ، ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر فقال :
{ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء } من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه { وهو كل } ثقل ووبال { على مولاه } صاحبه وقريبه { أينما يوجهه } يرسله { لا يأت بخير } لأنه عاجز لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه { هل يستوي هو } أي : هذا الأبكم { ومن يأمر بالعدل } وهو المؤمن يأمر بتوجيد الله سبحانه { وهو على صراط مستقيم } دين مستقيم ، يعني : بالأبكم أبي بن خلف ، وكان كلا على قومه ، لأنه كان يؤذيهم ، ومن يأمر بالعدل حمزة بن عبد المطلب .
{ ولله غيب السماوات } أي : علم ما غاب فيهما عن العباد { وما أمر الساعة } يعني : القيامة { إلا كلمح البصر } كالنظر بسرعة { أو هو أقرب } من ذلك إذا أردناه ، يريد : إنه يأتي بها في أسرع من لمح البصر إذا أراده .
{ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } أي : غير عالمين { وجعل لكم السمع والأبصار } أي : خلق لكم الحواس التي بها يعلمون ، ويقفون على ما يجهلون .
{ ألم يروا إلى الطير مسخرات } مذللات { في جو السماء } يعني : الهواء ، وذلك يدل على مسخر سخرها ، ومدبر مكنها من التصرف { ما يمسكهن إلا الله } في حال القبض والبسط والاصطفاف .
{ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا } موضعا تسكنون فيه ، ويستر عوراتكم وحرمكم ، وذلك أنه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت { وجعل لكم من جلود الأنعام } يعني : الأنطاع والأدم { بيوتا } وهي القباب والخيام { تستخفونها يوم ظعنكم } يخف عليكم حملها في أسفاركم { ويوم إقامتكم } لا يثقل عليكم في الحالتي { ومن أصوافها } يعني : الضأن { وأوبارها } يعني : الإبل { وأشعارها } ، وهي المعز { أثاثا } طنافس وأكسية وبسطا { ومتاعا } تتمتعون به { إلى حين } البلى .
{ والله جعل لكم مما خلق } من البيوت والشجر والغمام { ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا } يعني : الغيران والأسراب { وجعل لكم سرابيل } قمصا { تقيكم الحر } تمنعكم الحر والبرد ، فترك ذكر البرد ، لأن ما وقى الحر وقى البرد ، فهو معلوم { وسرابيل } يعني : دروع الحديد { تقيكم } تمنعكم { بأسكم } شدة الطعن والضرب والرمي { كذلك } مثل ما خلق هذه الأشياء لكم { يتم نعمته عليكم } يريد : نعمة الدنيا ، والخطاب لأهل مكة { لعلكم تسلمون } تنقادون لربوبيته فتوحدونه .
{ فإن تولوا } أعرضوا عن الإيمان بعد البيان { فإنما عليك البلاغ المبين } وليس عليك من كفرهم وجحودهم شيء .
{ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } يعني : الكفار ، يقرون بأنها كلها من الله تعالى ثم يقولون بشفاعة آلهتنا ، فذلك إنكارهم { وأكثرهم } جميعهم { الكافرون } .
{ ويوم } أي : وأنذرهم يوم { نبعث } وهو يوم القيامة { من كل أمة شهيدا } يعني : الأنبياء عليهم السلام يشهدون على الأمم بما فعلوا ، { ثم لا يؤذن للذين كفروا } في الكلام والاعتذار { ولا هم يستعتبون } ولا يطلب منهم أن يرجعوا إلى ما يرضي الله تعالى .
{ وإذا رأى الذين ظلموا } أشركوا { العذاب } النار { فلا يخفف عنهم } العذاب { ولا هم ينظرون } يمهلون .
{ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } أوثانهم التي عبدوها من دون الله { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا } وذلك أن الله يبعثها حتى توردهم النار ، فإذا رأوها عرفوها ، فقالوا : { ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول } أي : أجابوهم فقالوا لهم : { إنكم لكاذبون } وذلك أنها كانت جمادا ما تعرف عبادة عابديها ، فيظهر عند ذلك فضيحتهم حيث عبدوا من لم يشعر بالعبادة ، وهذا كقوله تعالى : { سيكفرون بعبادتهم } .
{ وألقوا إلى الله يومئذ السلم } استسلموا لحكم الله تعالى { وضل عنهم ما كانوا يفترون } بطل ما كانوا يأملون من أن آلهتهم تشفع لهم .
{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون}.
{ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا } وهو يوم القيامة ، يبعث الله في كل أمة شهيدا { عليهم من أنفسهم } وهو نبيهم ، لأن كل نبي بعث من قومه ، { وجئنا بك شهيدا على هؤلاء } على قومك ، وتم الكلام ها هنا ، ثم قال : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا } بيانا { لكل شيء } مما أمر به ونهي عنه .
{ إن الله يأمر بالعدل } شهادة أن لا إله إلا الله { والإحسان } وأداء الفرائض ، وقيل : بالعدل في الأفعال ، والإحسان في الأقوال { وإيتاء ذي القربى } صلة الرحم ، فتؤتى ذا قرابتك من فضل ما رزقك الله . { وينهى عن الفحشاء } الزنا { والمنكر } الشرك { والبغي } الاستطالة على الناس بالظلم { يعظكم } ينهاكم عن هذا كله ، ويأمركم بما أمركم به في هذه الآية { لعلكم تذكرون } لكي تتعظوا .
{ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } يعني : كل عهد يحسن في الشريعة الوفاء به { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } لا تحنثوا فيها بعد ما وكدتموه بالعزم { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } بالوفاء حيث حلفتم ، والواو للحال .
{ ولا تكونوا كالتي نقضت } أفسدت { غزلها } وهي أمرأة حمقاء كانت تغزل طول يومها ، ثم تنقضه وتفسده { من بعد قوة } الغزل بإمراره وفتله { أنكاثا } قطعا ، وتم الكلام هاهنا ، ثم قال : { تتخذون أيمانكم دخلا بينكم } أي : غشا وخديعة { أن تكون } بأن تكون أو لأن تكون { أمة هي أربى من أمة } أي : قوم أغنى وأعلى من قوم ، وذلك أنهم كانوا يحالفون قوما فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف أولئك ، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز ، فنهوا عن ذلك . { إنما يبلوكم الله به } أي : بما أمر ونهى { وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون } في الدنيا عن أيمان الخديعة ، فقال :
{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون}.
{ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها } تزل عن الإيمان بعد المعرفة بالله تعالى ، وهذا إنما يستحق في نقض معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرة الدين { وتذوقوا السوء } العذاب { بما صددتم عن سبيل الله } وذلك أنهم إذا نقضوا العهد لم يدخل غيرهم في الإسلام ، فيصير كأنهم صدوا عن سبيل الله وعن دين الله .
{ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا } لا تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عرضا من الدنيا { إنما عند الله } أي : ما عند الله من الثواب على الوفاء { هو خير لكم إن كنتم تعلمون } ذلك .
{ ما عندكم ينفد } يفنى وينقطع ، يعني : في الدنيا { وما عند الله } من الثواب والكرامة { باق } دائم لا ينقطع { ولنجزين الذين صبروا } على دينهم وعما نهاهم الله تعالى { أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } يعني : الطاعات ، وقوله :
{ فلنحيينه حياة طيبة } قيل هي القناعة ، وقيل : هي حياة الجنة .
{ فإذا قرأت القرآن } أي : إذا أردت أن تقرأ القرآن { فاستعذ بالله } فاسأل الله أن يعيذك ويمنعك { من الشيطان الرجيم } .
{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا } أي : حجة في إغوائهم ودعائهم إلى الضلالة ، والمعنى : ليس له عليهم سلطان الإغواء .
{ إنما سلطانه على الذين يتولونه } يطيعونه { والذين هم به } بسببه وطاعته فيما يدعوهم إليه { مشركون } بالله .
{ وإذا بدلنا آية } أي : رفعناها وأنزلنا غيرها لنوع من المصلحة { والله أعلم } بمصالح العباد في { بما ينزل } من الناسخ والمنسوخ { قالوا } يعني : الكفار { إنما أنت مفتر } كذاب تقوله من عندك { بل أكثرهم لا يعلمون } حقيقة القرآن وفائدة النسخ والتبديل .
{ قل نزله روح القدس } جبريل عليه السلام { من ربك } من كلام ربك { بالحق } بالأمر الحق { ليثبت الذين آمنوا } بما فيه من الحجج والآيات { وهدى } وهو هدىً .
{ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه } القرآن { بشر } يعنون عبدا لبني الحضرمي كان يقرأ الكتب { لسان الذي يلحدون إليه } لغة الذي يميلون القول إليه ويزعمون أنه يعلمك { أعجمي } لا يفصح ولا يتكلم بالعربية { وهذا } يعني القرآن { لسان } لغى { عربي مبين } أفصح ما يكون من العربية وأبينه ، ثم أخير أن الكاذبين هم ، فقال :
{إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم}.
{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } لأنهم يقولون لما لا يقدر عليه إلا الله هذا من قول البشر ، ثم سماهم كاذبين بقوله : { وأولئك هم الكاذبون } .
{ من كفر بالله من بعد إيمانه } هذا ابتداء كلام ، وخبره في قوله : { فعليهم غضب من الله } ثم استثنى المكره على الكفر ، فقال : { إلا من أكره } أي : على التلفظ بكلمة الكفر { وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا } أي : فتحه ووسعه لقبوله .
{ ذلك } الكفر { بأنهم استحبوا الحياة الدنيا } اختاروها { على الآخرة وأن الله } لا يهديهم ولا يريد هدايتهم ، ثم وصفهم بأنهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأنهم غافلون عما يراد بهم ، ثم حكم عليهم بالخسار ، وأكد ذلك بقوله :
{أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون}.
{ لا جرم } أي : حقا { أنهم في الآخرة هم الخاسرون } المغبونون .
{ ثم إن ربك للذين هاجروا } يعني : المستضعفين الذين كانوا بمكة { من بعد ما فتنوا } أي : عذبوا وأوذوا حتى يلفظوا بما يرضيهم { ثم جاهدوا } مع النبي صلى الله عليه وسلم { وصبروا } على الدين والجهاد { إن ربك من بعدها } أي : من بعد تلك الفتنة التي أصابتهم { لغفور رحيم } يغفر لهم ما تلفظوا به من الكفر تقية .
{ يوم تأتي } أي : اذكر لهم ذلك اليوم وذكرهم ، وهو يوم القيامة { كل نفس } كل أحد لا تهمه إلا نفسه ، فهو مخاصم ومحتج عن نفسه ، حتى إن إبراهيم عليه السلام ليدلي بالخلة { وتوفى كل نفس ما عملت } أي : جزاء ما عملت { وهم لا يظلمون } لا ينقصون ، ثم أنزل الله تعالى في أهل مكة وما امتحنوا به من القحط والجوع قوله تعالى :
{ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة } ذات أمن لا يغار على أهلها { مطمئنة } قارة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق { يأتيها رزقها رغدا من كل مكان } يجلب إليها من كل بلد ، كما قال : { يجبى إليه ثمرات كل شيء } . { فكفرت بأنعم الله } حين كذبوا رسوله { فأذاقها الله لباس الجوع } عذبهم الله بالجوع سبع سنين { والخوف } من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يبعثهم إليهم فيطوفون بهم { بما كانوا يصنعون } من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وإخراجه من مكة .
{ ولقد جاءهم } يعني : أهل مكة { رسول منهم } من نسبهم ، يعرفونه بأصله ونسبه { فكذبوه فأخذهم العذاب } يعني : الجوع .
{ فكلوا } يا معشر المؤمنين { مما رزقكم الله } من الغنائم ، وهذه الآية والتي بعدها سبق تفسيرهما في سورة البقرة .
{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم}.
{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } أي : لوصف ألسنتكم الكذب ، والمعنى : لا تقولوا لأجل الكذب وسببه لا لغيره : { هذا حلال وهذا حرام } يعني : ما كانوا يحلونه ويحرمونه إليه ، ثم أوعد المفترين فقال : { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } .
{ متاع قليل } أي : لهم في الدنيا متاع قليل ، ثم يردون إلى عذاب أليم .
{ وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } يعني : في سورة الأنعام : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } الآية . { وما ظلمناهم } بتحريم ما حرمنا عليهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بأنواع المعاصي .
{ ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة } أي : الشرك { ثم تابوا من بعد ذلك } آمنوا وصدقوا { وأصلحوا } قاموا بفرائض الله وانتهوا عن معاصيه { إن ربك من بعدها } من بعد تلك الجهالة { لغفور رحيم } .
{ إن إبراهيم كان أمة } مؤمنا وحده ، والناس كلهم كفار { قانتا } مطيعا { لله حنيفا } لأنه اختتن وقام بمناسك الحج ، وقوله :
{شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم}.
{ وآتيناه في الدنيا حسنة } يعني : الذكر والثناء الحسن في الناس كلهم { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } هذا ترغيب في الصلاح ، ليصير صاحبه من جملة من منهم إبراهيم عليه السلام مع شرفه .
{ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } أمر باتباعه في مناسك الحج ، كما علم جبريل عليه السلام إبراهيم عليه السلام .
{ إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } وهم اليهود ، أمروا أن يتفرغوا للعبادة في يوم الجمعة ، فقالوا لا نريده ، ونريد اليوم الذي فرغ الله سبحانه فيه من الخلق ، واختاروا السبت ، ومعنى اختلفوا فيه ، أي : على نبيهم حيث لم يطيعوه في أخذ الجمعة ، فجعل السبت عليهم ، أي : غلظ وضيق الأمر فيه عليهم .
{ ادع إلى سبيل ربك } دين ربك { بالحكمة } بالنبوة { والموعظة الحسنة } يعني : مواعظ القرآن { وجادلهم } افتلهم عما هم عليه { بالتي هي أحسن } بالكلمة اللينة ، وكان هذا قبل الأمر بالقتال . { إن ربك هو أعلم } الآية . يقول : هو أعلم بالفريقين ، فهو يأمرك فيهما بما هو الصلاح .
{ وإن عاقبتم } الآية . نزلت حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمزة وقد مثل به ، فقال : والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات ، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وكفر عن يمينه ، وأمسك عما أراد . وقوله سبحانه : { ولئن صبرتم } أي : عن المجازاة بالمثلة { لهو } أي : الصبر { خير للصابرين } ثم أمره بالصبر عزما ، فقال :
{ واصبر وما صبرك إلا بالله } أي : بتوفيقه ومعونته { ولا تحزن عليهم } على المشركين بإعراضهم عنك { ولا تك في ضيق مما يمكرون } لا يضيق صدرك من مكرهم .
{ إن الله مع الذين اتقوا } الفواحش والكبائر { والذين هم محسنون } في العمل بالنصرة والمعونة .