1ـ " ألم " إن جعل اسماً للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره :
2- " تنزيل الكتاب " على أن التنزيل بمعنى المنزل ، وإن جعل تعديداً للحروف كان " تنزيل " خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره : " لا ريب فيه " فيكون . " من رب العالمين " حالاً من الضمير في الضمير في " فيه " لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ولا " ريب فيه " حال من " الكتاب " ، أو اعتراض والضمير فيه لمضمون الجملة ويؤيده قوله : .
3ـ " أم يقولون افتراه " فإنه إنكار لكونه من رب العالمين وقوله : " بل هو الحق من ربك " فإنه تقرير له ، ونظم الكلام على هذا أنه أشار أولاً إلى إعجازه ، ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين ، وقرر ذلك بنفي الريب عنه ، ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكاراً له وتعجيباً منه ، فإن " أم " منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله وبين المقصود من تنزيله فقال : " لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك " إذا كانوا أهل الفترة . " لعلهم يهتدون " بإنذارك إياهم .
4ـ " الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش " مر بيانه في (( الأعراف )) . " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " " ما لكم " إذا جاوزتم رضا الله أحد ينصركم ويشفع لكم ، أو " ما لكم " سواه ولي ولا شفيع بل هو الذي يتولى مصالحكم وينصركم في مواطن نصركم على أن الشفيع متجوز به للناصر ، فإذا خذلكم لي يبق لكم ولي ولا ناصر . " أفلا تتذكرون " بمواعظ الله تعالى .
5ـ " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض . " ثم يعرج إليه " ثم يصعد إليه ويثبت في علمه موجوداً . " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بن التدبير والوقوع . وقيل يدبر الأمر بإظهار في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هم كألف سنة ، لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء ولأرض مسيرة خمسمائة سنة . وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر . وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة . وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلاً من السماء إلى الأرض بالوحي ، ثم لا يعرج إليه خالصاً كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص ، وقرئ (( يعرج )) و (( يعدون )) .
6ـ " ذلك عالم الغيب والشهادة " فيدبر أمرها على وفق الحكمة . " العزيز " الغالب على أمره . " الرحيم " على العبادة في تدبيره ، وفيه إيماء بأنه سبحانه يراعي المصالح تفضلاً وإحساناً .
7ـ " الذي أحسن كل شيء خلقه " خلقة موفراً عليه ما يستعد له ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة ، وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته ، و " خلقه " مفعول ثان . وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل . " وبدأ خلق الإنسان " يعني آدم . " من طين " .
8ـ " ثم جعل نسله " ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل . " من سلالة من ماء مهين " ممتهن .
9ـ " ثم سواه " قومه بتصوير أعضائه على ما ينبغي . " ونفخ فيه من روحه " إضافة إلى نفسه تشريفاً له وإشعاراً بأنه خلق عجيب ، وأن له شأناً له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله قيل من عرف نفيه فقد عرف ربه . " وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة " خصوصاً لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا . " قليلاً ما تشكرون " تشكرون شكراً قليلاً .
10ـ " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " أي صرنا تراباً مخلوط بتراب الأرض لا نتميز منه ، أو غبنا فيها . وقرأ (( ضللنا )) بالكسر من ضل يضل (( وضللنا )) من صل اللحم إذا أنتن ، وقرأ ابن عامر (( إذا )) على الخبر والعامل فيه دل عليه . " أإنا لفي خلق جديد " وهو : نبعث أو يجدد خلقنا وقرأ نافع و الكسائي و يعقوب (( أنا )) على الخبر ، والقائل أبي بن خلف وإسناده إلى جميعهم لرضاهم به . " بل هم بلقاء ربهم " بالبعث أو بتلقي ملك الموت وما بعده . " كافرون " جاحدون .
11ـ " قل يتوفاكم " يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئاً ولا يبقى منكم أحداً ، والتفعل والاستفعال يلتقيان كثيراً كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته . " ملك الموت الذي وكل بكم " بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم . " ثم إلى ربكم ترجعون " للحساب والجزاء .
12ـ " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم " من الحياء والخزي . " ربنا " قائلين ربنا . " أبصرنا " ما وعدتنا . " وسمعنا " منك تصديق رسلك . " فارجعنا " إلى الدنيا . " نعمل صالحاً إنا موقنون " إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا ، وجواب " لو " محذوف تقديره لرأيت أمراً فظيعاً ، ويجوز أن تكون للتمني والمضي فيها وفي " إذ " لأن الثابت في علم الله منزلة الواقع ، ولا يقدر لـ " ترى " مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت ، أو يقدر ما دل عليه صلة إذا والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد .
13ـ " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له. " ولكن حق القول مني " ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار ، ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسبباً عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله :
14ـ " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له . " إنا نسيناكم " تركناكم من الرحمة ، أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء افعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم . " وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم وتدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلاً منهما يقتضي ذلك .
15ـ " إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها " وعظوا بها . " خروا سجداً " خوفاً من الله . " وسبحوا " نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث . " بحمد ربهم " حامدين له شكراً على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى . " وهم لا يستكبرون " عن الإيمان والطاعة كم يفعل من يصر مستكبراً .
16ـ " تتجافى جنوبهم " ترتفع وتتنحى . " عن المضاجع " الفرش ومواضع النوم . " يدعون ربهم " داعين إياه . " خوفاً " من سخطه . " وطمعاً " في رحمته . " وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها قيام العبد من الليل " . " وعنه عليه الصلاة والسلام إذا جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل ، فيسرحون جميعاً إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس " وقيل كان أناس من الصحابة يصلون المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم . " ومما رزقناهم ينفقون " في وجوه الخير .
17ـ " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " لا ملك مقرب ولا نبي مرسل . " من قرة أعين " مما تقر به عيونهم . " وعنه عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتهم عليه ، اقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " . وقرأ حمزة و يعقوب " أخفي لهم " على أنه مضارع أخفيت ، وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله ، وقرأت " أعين " لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و " ما " موصوله أو استفهامية معلق عنها الفعل . " جزاءً بما كانوا يعملون " أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه . وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
18ـ " أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً " خارجاً عن الإيمان " لا يستوون " في الشرف والمثوبة تأكيد وتصريح والجمع للحمل على المعنى .
19ـ " أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى " فإنها المأوى الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة . وقيل المأوى جنة من الجنان . " نزلاً " سبق تفسيره في سورة (( آل عمران )) . " بما كانوا يعملون " بسبب أعمالهم أو على أعمالهم .
20ـ " وأما الذين فسقوا فمأواهم النار " مكان جنة المأوى للمؤمنين . " كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها " عبارة عن خلودهم فيها . " وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون " إهانة لهم وزيادة في غيظهم .
21ـ " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى " عذاب الدنيا يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والأسر . " دون العذاب الأكبر " عذاب الآخرة . " لعلهم " لعل من بقي منهم . " يرجعون " يتوبون عن الكفر . روي أن الوليد بن عقبة فاخر علياً رضي الله عنه يوم بدر فنزلت هذه الآيات .
22ـ " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها " فلم يتفكر فيها ، و " ثم " لاستبعاد الإعراض عنها مع فرض وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلاً كما في بيت الحماسة . ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها " إنا من المجرمين منتقمون " فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم .
23ـ " ولقد آتينا موسى الكتاب " كما آتيناك . " فلا تكن في مرية " في شك . " من لقائه " من لقائك الكتاب كقوله : " إنك لتلقى القرآن " فإنا آتيناك من الكتاب مثل ما آتيناه منه فليس ذلك ببدع لم يكن قط حتى ترتاب فيه ، أو من لقاء موسى للكتاب أو من لقائك موسى . " وعنه عليه الصلاة والسلام رأيت ليلة أسري بي موسى صلى الله عليه وسلم رجلاً آدم طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة " . " وجعلناه " أي المنزل على موسى . " هدًى لبني إسرائيل " .
24ـ " وجعلنا منهم أئمةً يهدون " الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام . " بأمرنا " إياهم به أو بتوفيقنا له . " لما صبروا " وقرأ حمزة و الكسائي و رويس (( لما صبروا )) أي لصبرهم على الطاعة أو عن الدنيا . " وكانوا بآياتنا يوقنون " لإمعانهم فيها النظر .
25ـ " إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة " يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل . " فيما كانوا فيه يختلفون " من أمر الدين .
26ـ " أولم يهد لهم " الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف والفاعل ضمير ما دل عليه . " كم أهلكنا من قبلهم من القرون " أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية ، أو ضمير الله بدليل القراءة بالنون . " يمشون في مساكنهم " يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم ، وقرئ (( يمشون )) بالتشديد . " إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون " سماع تدبر واتعاظ .
27ـ " أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز " التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله : " فنخرج به زرعاً " وقيل اسم موضع باليمن . " تأكل منه " من الزرع . " أنعامهم " كالتين والورق . " وأنفسهم " كالحب والثمر . " أفلا يبصرون " فيستدلون به على كمال قدرته وفضله .
28ـ " ويقولون متى هذا الفتح " النصر أو الفصل بالحكومة من قوله " ربنا افتح بيننا " " إن كنتم صادقين " في الوعد به .
29ـ " قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون " وهو يوم القيامة فإنه يوم نصر المؤمنين على الكفرة والفصل بينهم . وقيل يوم بدر أو يوم فتح مكة ، والمراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنهم لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ولا يمهلون وانطباقه جواباً على سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم ، فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيباً واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال .
30ـ " فأعرض عنهم " ولا تبال بتكذيبهم ، وقيل هو منسوخ بأية السيف . " وانتظر " النصرة عليهم . " إنهم منتظرون " الغلبة عليك ، وقرئ بالفتح على معنى أنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة ينتظرونه . " عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ ألم تنزيل ، تبارك الذي بيده الملك أعطي من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر " . " وعنه من قرأ ألم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام " .