1-" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله " روي "أن خولة بنت ثعلبة ظاهر عنها زوجها أوس بن الصامت ، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه . فقالت : ما طلقني فقال : حرمت عليه ، فاغتمت لصغر أولادها وشكت إلى الله تعالى فنزلت هذه الآيات الأربع" ،وقد شعر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أو المجادلة يتوقع أن الله يسمع مجادلتها وشكواها ويفرج عنها كربها ، وأدغم حمزة و الكسائي و أبو عمرو و هشام عن ابن عامر دالها في السين . " و الله يسمع تحاوركما " تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب . " إن الله سميع بصير " للأقوال والأحوال .
2-" الذين يظاهرون منكم من نسائهم " الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي مشتق من الظهر ، وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم ، وفي " منكم " تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية ، وأصل " يظاهرون " يتظاهرون وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي يظاهرون من أظاهر و عاصم " يظاهرون " من ظاهر . " ما هن أمهاتهم " أي على الحقيقة . " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها بهن كالمرضعات وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن عاصم امهاتهم بالرفع على لغة بني تميم ،وقرئ بـ أمهاتهم وهو أيضاً على لغة من ينصب . " وإنهم ليقولون منكراً من القول " إذ الشرع أنكره . " وزوراً " منحرفاً عن الحق فإن الزوجة لاتشبه الأم . " وإن الله لعفو غفور " لما سلف منه مطلقاً ، أو إذا تيب عنه .
3-" والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " أي إلى قولهم بالتدارك ومنه المثل : عاد الغيث على ما أفسد ، وهو بنقض ما يقتضيه وذلك عند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زماناً يمكنه مفارقتها فيه ، إذ التشبيه يتناول حرمته لصحة استثنائها عنه وهو أقل ما ينقض به . وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة . وعند مالك بالعزم على الجماع ، وعند الحسن بالجماع . أو بالظهار في الإسلام على أن قوله " يظاهرون " بمعنى يعتادون الظهار إذ كانوا يظاهرون في الجاهلية ، وهو قول الثوري أو بتكراره لفظاً وهو قول الظاهرية ، أو معنى بأن يحلف على ما قال وهو قول أبي مسلم أو إلى المقول فيها بإمساكها ، أو استباحة استمتاعها أو وطئها . " فتحرير رقبة " أي فعليهم أو فالواجب اعتقاق رقبة والفاء للسببية ، ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار ، والرقبة مقيدة بالإيمان عندنا قياساً على كفارة القتل . " من قبل أن يتماسا" أن يستمتع كل من المظاهر عنها بالآخر لعموم اللفظ ومقتضى التشبيه ، أو أن يجامعها وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير . " ذلكم " أي ذلكم الحكم بالكفارة . " توعظون به " لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة ويردع منه . " والله بما تعملون خبير " لا تخفى عليه خافية .
4-" فمن لم يجد " اي الرقبة والذي غاب ماله واجد . " فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا " فإن أفطر بغير عذر لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر ففيه خلاف ، وإن جامع المظاهر عنها ليلاً لم ينقطع التتابع عندنا خلافاً لأبي حنيفة و مالك رضي الله تعالى عنهما . " فمن لم يستطع " أي الصوم لهرم أو مرض مزمن أو شبق مفرط فإنه صلى الله عليه وسلم وخص للأعرابي المفطر أن يعدل لأجله . " فإطعام ستين مسكيناً " ستين مداً بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث لأنه أقل ما قيل في الكفارات وجنسه المخرج في الفطرة ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره ، وإنما لم يذكر التماس مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين ، أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه . " ذلك " أي البيان أو التعليم للأحكام ومحله النصب بفعل معلل بقوله : " لتؤمنوا بالله ورسوله " ، أي فرض ذلك لتصدقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم " وتلك حدود الله " لا يجوز تعديها . " وللكافرين " أي الذين لا يقبلونها . "عذاب أليم " هو نظير قوله تعالى :" ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " .
5-" إن الذين يحادون الله ورسوله " يعادونهما فإن كلاً من المتعادين في حد غير حد الآخر ، أو يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما . " كبتوا " أخزوا و أهلكوا وأصل الكبت الكب . " كما كبت الذين من قبلهم " يعني كفار الأمم الماضية . " وقد أنزلنا آيات بينات " تدل على صدق الرسول وما جاء به ." وللكافرين عذاب مهين " يذهب عزهم وتكبرهم .
6-" يوم يبعثهم الله " منصوب بـ" مهين " أو بإضمار اذكر . " جميعاً " كلهم لا يدع أحداً غير مبعوث أو مجتمعين . " فينبئهم بما عملوا " أي على رؤوس الأشهاد تشهيراً لحالهم وتقريراً لعذابهم . " أحصاه الله " أحاط به عدداً لم يغب منه شيء . " ونسوه " لكثرته أو تعاونهم به . " والله على كل شيء شهيد " لا يغيب عنه شيء .
7-" ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض " كلياً و جزئياً . " ما يكون من نجوى ثلاثة " أي ما يقع من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يقدر مضاف أو يؤول " نجوى " بمتناجين ويجعل " ثلاثة " صفة لها ، واشتقاقها من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض فإن السر أمر مرفوع إلى الذهن لا يتيسر لكل أحد أن يطلع عليه . " إلا هو رابعهم " إلا الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها ، والاستثناء من أعم الأحوال . " ولا خمسة " ولا نجوى خمسة . " إلا هو سادسهم " وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لأن الله تعالى وتر يحب الوتر ،الثلاثة أول الأوتار أو لأن التشاور لا بد له من اثنين يكونان كالمتنازعين وثالث يتوسط بينهما ، وقرئ " ثلاثة " و " خمسة " بالنصب على الحال بإضمار " يتناجون " أو تأويل " نجوى " بمتناجين . " ولا أدنى من ذلك " ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين ." ولا أكثر " كالستة وما فوقها . " إلا هو معهم " يعلم ما يجري بينهم .وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع عطفاً على محل من " نجوى " أو محل لا أدنى بأن جعلت لا لنفي الجنس . " أين ما كانوا " فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة . " ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة " تفضيحاً لهم وتقريراً لما يستحقونه من الجزاء ." إن الله بكل شيء عليم " لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل على السواء .
8-" ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " ، نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون باعينهم إذا رأوا المؤمنين فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عادوا لمثل فعلهم . " ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول " أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ، وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى وروي عن يعقوب مثله . " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " فيقولون السام عليك ، أو أنعم صباحاً والله تعالى يقول : " وسلام على عباده الذين اصطفى " . " ويقولون في أنفسهم " فيما بينهم ." لولا يعذبنا الله بما نقول " هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبياً . " حسبهم جهنم " عذاباً . " يصلونها . " يدخلونها . " فبئس المصير " جهنم .
9-" يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول " كما يفعله المنافقون وعن يعقوب فلا تنتجوا . " وتناجوا بالبر والتقوى " بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول . " واتقوا الله الذي إليه تحشرون " فيما تأتون وتذرون فإنه مجازيكم عليه .
10-" إنما النجوى " أي النجوى بالإثم والعدوان . " من الشيطان " فإنه المزين لها والحامل عليها . " ليحزن الذين آمنوا " بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم . " وليس " أي الشيطان أو التناجي . " بضارهم " بضار المؤمنين . " شيئاً إلا بإذن الله " إلا بمشيئته . " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ولا يبالوا بنجواهم .
11-" يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم : افسح عني أي تنح ، وقرئ تفاسحوا والمراد بالمجلس الجنس ويدل عليه قراءة عاصم بالجمع ،أو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتضامون به تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه . " فافسحوا يفسح الله لكم " فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر وغيرها . " وإذا قيل انشزوا " انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد ، أو ارتفعوا عن المجلس . " فانشزوا " وقرأ نافع و ابن عامر و عاصم بضم الشين فيهما . " يرفع الله الذين آمنوا منكم " بالنصر وحسن الذكر في الدنيا ، وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة . " و الذين أوتوا العلم درجات " ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل ، فإن العلم مع علو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة ، ولذلك يقتدي بالعالم في أفعاله ولا يقتدي بغيره . وفي الحديث " فضل العالم على العابدكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب " . " والله بما تعملون خبير " تهديد لمن لم يتمثل الأمر أو استكرهه .
12-" يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً " فتصدقوا قدامها مستعار ممن له يدان ، وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وإنفاع الفقراء والنهي عن الإفراط في السؤال ،الميزبين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا ، واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه منسوخ بقوله : " أأشفقتم " وهو إن اتصل به تلاوة لم يتصل به نزولاً . وعن علي كرم الله وجهه أن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري ، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم . وهو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره فلعله لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقائه ، إذ روي أنه لم يبق إلا عشراً وقيل إلا ساعة . " ذلك " أي ذلك التصدق . " خير لكم وأطهر " أي لأنفسكم من الريبة وحسب المال وهو يشعر بالندبية لكن قوله : " فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم " أي لمن لم يجده حيث رخص له في المناجاة بلا تصدق أدل على الوجوب .
13-" أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات " أخفتم الفقر من تقديم الصدقة أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر وجمع " صدقات " لجمع المخاطبين ، أو لكثرة التناجي . " فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم " بأن رخص لكم أن لا تفعلوه ، وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم وإذ على بابها وقيل بمعنى إذا أو إن " فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلا تفرطوا في أدائهما . " وأطيعوا الله ورسوله " في سائر الأوامر ، فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك ." والله خبير بما تعملون " ظاهراً وباطناً .
14-" ألم تر إلى الذين تولوا " والوا ." قوماً غضب الله عليهم " يعني اليهود . " ما هم منكم ولا منهم " لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك . " ويحلفون على الكذب " وهو ادعاء الإسلام . " وهم يعلمون " أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس ، وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم . وروي "أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان ، فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال عليه الصلاة والسلام له : علام تشمتني أنت وأصحابك ،فحلف بالله ما فعل ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت " .
15-" أعد الله لهم عذاباً شديداً " نوعاً من العذاب متفاقماً . " إنهم ساء ما كانوا يعملون " فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه .
16-" اتخذوا أيمانهم " أي التي حلفوا بها ،وقرئ بالكسر أي إيمانهم الذي أظهروه . " جنةً " وقاية دون دمائهم وأموالهم . " فصدوا عن سبيل الله " فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط " فلهم عذاب مهين " وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم .وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة .
17-" لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " قد سبق مثله .
18-" يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له " أي الله تعالى على أنهم مسلمون . " كما يحلفون لكم " في الدنيا ويقولون إنهم لمنكم . " ويحسبون أنهم على شيء " في حلفهم الكاذب لأن تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في الآخرة أن الإيمان الكاذبة تروج الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا . " ألا إنهم هم الكاذبون " البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ويحلفون عليه .
19-" استحوذ عليهم الشيطان " استولى عليهم من حذت الإبل وأحذتها إذا استوليت عليها ، وهو مما جاء على الأصل . " فأنساهم ذكر الله " لا يذكرونه بقلوبهم و لا بألسنتهم . " أولئك حزب الشيطان " جنوده وأتباعه ." ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد وعرضوها للعذاب المخلد .
20-" إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين " في جملة من هو أذل خلق الله .
21"كتب الله " في اللوح . " لأغلبن أنا ورسلي " أي بالحجة وقرأ نافع و ابن عامر رسلي بفتح الياء . " إن الله قوي " على نصر أنبيائه . " عزيز " لا يغلب عليه شيء في مراده .
22-" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " أي لا ينبغي أن تجدهم وادين أعداء الله ، والمراد أنه لا ينبغي أن يوادوهم . " ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " ولو كان المحادون أقرب الناس إليهم . " أولئك " أي الذين لم يوادوهم . " كتب في قلوبهم الإيمان " أثبته فيها ، وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان ، فإن جزء الثابت في القلبت يكون ثابتاً فيه ، وأعمال الجوارح لا تثبت فيه . " وأيدهم بروح منه " أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن ، أو بالنصر على العدو . قيل الضمير لـ" الإيمان " فإنه سبب لحياة القلب . " ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم " بطاعتهم . " ورضوا عنه " بقضائه أو بما وعدهم من الثواب . " أولئك حزب الله " جنده وأنصار دينه . " ألا إن حزب الله هم المفلحون " الفائزون بخير الدارين . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة " .