{ الر } أنا الله الرحمن { كتاب } هذا كتاب { أحكمت آياته } بعجيب النظم ، وبديع المعاني ورصين اللفظ { ثم فصلت } بينت بالأحكام من الحلال والحرام ، وجميع ما يحتاج إليه من { لدن حكيم } في خلقه { خبير } بمن يصدق نبيه وبمن يكذبه .
{ أن لا تعبدوا } أي : بأن ، والتقدير : هذا كتاب بأن لا تعبدوا { إلا الله } .
{ و } بـ { أن استغفروا ربكم } أي : من ذنوبكم السالفة { ثم توبوا إليه } من المستأنفة متى وقعت { يمتعكم متاعا حسنا } يتفضل عليكم بالرزق والسعة { إلى أجل مسمى } أجل الموت { ويؤت كل ذي فضل فضله } يؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته فضله ، يعني : الجنة ، وهي فضل الله سبحانه { وإن تولوا } تتولوا عن الإيمان { فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير } وهو يوم القيامة .
{إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير}.
{ ألا إنهم يثنون صدورهم } نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وطوينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم كيف يعلم ربنا ؟ فأنزل الله تعالى {ألا إنهم يثنون صدورهم} أي : يعطفونها ويطوونها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم { ليستخفوا منه } ليتواروا عنه ويكتموا عداوته { ألا حين يستغشون ثيابهم } يتدثرون بها { يعلم ما يسرون وما يعلنون } أعلم الله سبحانه أن سرائرهم يعلمها كما يعلم مظهرهم { إنه عليم بذات الصدور } بما في النفوس من الخير والشر .
{ وما من دابة } حيوان يدب { في الأرض إلا على الله رزقها } فضلا لا وجوبا { ويعلم مستقرها } حيث تأوي إليه { ومستودعها } حيث تموت { كل في كتاب مبين } يريد : اللوح المحفوظ ، والمعنى : أن ذلك ثابت في علم الله .
{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } ذكرنا تفسيره في سورة الأعراف { وكان عرشه على الماء } يعني : قبل خلق السماوات والأرض { ليبلوكم } أي : خلقها لكم لكي يختبركم بالمصنوعات فيها من آياته ، ليعلم إحسان المحسن وإساءة المسيء ، وهو قوله تعالى { أيكم أحسن عملا }أي أعمل بطاعة الله تعالى . { ولئن قلت } للكفار بعد خلق الله السماوات والأرض وبيان قدرته { إنكم مبعوثون من بعد الموت } كذبوا بذلك وقالوا : { إن هذا إلا سحر مبين } أي : باطل وخداع .
{ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } إلى أجل وحين معلوم { ليقولن ما يحبسه } ما يحبس العذاب عنا ؟ تكذيبا واستهزاء ، فقال الله تعالى : { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } إذا أخذتهم سيوف المسلمين لم تغمد عنهم حتى يباد الكفر ، وتعلو كلمة الإخلاص { وحاق } نزل وأحاط { بهم } جزاء { ما كانوا به يستهزئون } وهو العذاب والقتل .
{ ولئن أذقنا الإنسان } يعني : الوليد بن مغيرة { منا رحمة } رزقا { ثم نزعناها منه إنه ليؤوس } مؤيس قانط { كفور } كافر بالنعمة . يريد : إنه لجهله بسعة رحمة الله يستشعر القنوط واليأس عند نزول الشدة .
{ ولئن أذقناه نعماء } الآية . معناه : إنه يبطر فينسى حال الشدة ، ويترك حمد الله ما صرف عنه ، وهو قوله : { ليقولن ذهب السيئات عني } فارقني الضر والفقر { إنه لفرح فخور } يفاخر المؤمنين بما وسع الله عليه ، ثم ذكر المؤمنين فقال :
{ إلا الذين صبروا } والمعنى : لكن الذبن صبروا على الشدة والمكاره { وعملوا الصالحات } في السراء والضراء .
{ فلعلك تارك } الآية . قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتنا بكتاب ليس فيه سب آلهتنا حتى نتبعك ، وقال بعضهم : هلا أنزل عليك ملك يشهد لك بالنبوة والصدق ، أو تعطي كنزا تستغني به أنت وأتباعك ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع سب آلهتهم ، فأنزل الله تعالى : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } أي : لعظيم ما يرد على قابك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك { وضائق به صدرك أن يقولوا } أي : ضائق صدرك بأن يقولوا { لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير } عليك أن تنذرهم ، وليس أن تأتيهم بما يقترحون { والله على كل شيء وكيل } حافظ لكل شيء .
{ أم يقولون } بل أيقولون { افتراه } افترى القرآن وأتى به من قبل نفسه { قل فاتوا بعشر سور مثله } مثل القرآن في البلاغة { مفتريات } بزعمكم { وادعوا من استطعتم من دون الله } إلى المعاونة على المعارضة { إن كنتم صادقين } أنه افتراء .
{ فإلم يستجيبوا لكم } فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة ، ولم يتهيأ لكم المعارضة فقد قامت عليكم الحجة { فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } أي : أنزل والله عالم بإنزاله ، وعالم أنه من عنده { فهل أنتم مسلمون } استفهام معناه الأمر ، كقوله : { فهل أنتم منتهون } .
{ من كان يريد الحياة الدنيا } أي : من كان يريدها من الكفار ، ولا يؤمن بالبعث ولا بالثواب والعقاب { نوف إليهم أعمالهم } جزاء أعمالهم في الدنيا . يعني : إن من أتى من الكافرين فعلا حسنا من إطعام جائع ، وكسوة عار ، ونصرة مظلوم من المسلمين عجل له ثواب ذلك في دنياه بالزيادة في ماله { وهم فيها } في الدنيا { لا يبخسون } لا ينقصون ثواب ما يستحقون ، فإذا وردوا الآخرة وردوا على عاجل الحسرة ، إذ لا حسنة لهم هناك ، وهو قوله تعالى :
{ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } الآية .
{ أفمن كان } يعني : النبي صلى الله عليه وسلم { على بينة من ربه } بيان من ربه ، وهو القرآن { ويتلوه شاهد } وهو جبريل عليه السلام { منه } من الله عز وجل . يريد أنه يتبعه ويؤيده ويشهده { ومن قبله } ومن قبل القرآن { كتاب موسى } التوراة . يتلوه أيضا في التصديق ، لأن موسى عليه السلام بشر في التوراة ، فالتوراة تتلو النبي صلى الله عليه وسلم في التصديق ، وقوله : { إماما ورحمة } يعني أن كتاب موسى كان إماما لقومه ورحمة ، وتقدير الآية : أفمن كان بهذه الصفة كمن ليس يشهد بهذه الصفة ؟ فترك ذكر المضاد له . { أولئك يؤمنون به } يعني : من آمن به من أهل الكتاب { ومن يكفر به من الأحزاب } أصناف الكفار { فالنار موعده فلا تك في مرية منه } من هذا الوعد { إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } يعني : أهل مكة .
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } فزعم أن له ولدا وشريكا { أولئك يعرضون على ربهم } يوم القيامة { ويقول الأشهاد } وهم الأنبياء والملائكة والمؤمنون { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله } إبعاده من رحمته { على الظالمين } المشركين .
{ الذين يصدون عن سبيل الله } تقدم تفسير هذه الآية .
{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } أي : سابقين فائتين ، لم يعجزونا أن نعذبهم في الدنيا ، ولكن أخرنا عقوبتهم { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يمنعونهم من عذاب الله { يضاعف لهم العذاب } لإضلالهم الأتباع { ما كانوا يستطيعون السمع } لأني حلت بينهم وبين الإيمان ، فكانوا صما عن الحق فلا يسمعونه ، وعميا عنه فلا يبصرونه ولا يهتدون .
{ أولئك الذين خسروا أنفسهم } بأن صاروا إلى النار { وضل عنهم ما كانوا يفترون } بطل افتراؤهم في الدنيا ، فلم يبفعهم شيئا .
{ لا جرم } حقا { أنهم في الآخرة هم الأخسرون } .
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم } اطمأنوا وسكنوا . وقيل : تابوا .
{ مثل الفريقين } فريق الكافرين وفريق المسلمين { كالأعمى والأصم } وهو الكافر { والبصير والسميع } وهو المؤمن { هل يستويان مثلا } أي : في المثل . أي : هل يتشابهان ؟ { أفلا تذكرون } أفلا تتعظون يا أهل مكة .
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } فقال لهم : يا قومي { إني لكم نذير مبين } .
{ أن لا تعبدوا إلا الله } أي : أنذركم لتوحدوا الله وتتركوا عبادة غيره { إني أخاف عليكم } بكفركم { عذاب يوم أليم } مؤلم .
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } وهم الأشراف والرؤساء : { ما نراك إلا بشرا مثلنا } إنسانا مثلنا لا فضل لك علينا { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أخساؤنا . يعنون : من لا شرف لهم ولا مال { بادي الرأي } اتبعوك في ظاهر الرأي ، وباطنهم على خلاف ذلك { وما نرى لكم } يعنون لنوح وقومه { علينا من فضل } وهذا تكذيب منهم ، لأن الفضل كله في النبوة { بل نظنكم كاذبين } ليس ما أتيتنا به من الله .
{ قال يا قوم أرأيتم } أي : أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } يقين وبرهان { وآتاني رحمة من عنده } نبوة { فعميت عليكم } فخفيت عليكم ، لأن الله تعالى سلبكم علمها ، ومنعكم معرفتها لعنادكم الحق { أنلزمكموها } أنلزمكم قبولها ونضطركم إلى معرفتها إذا كرهتم ؟
{ ويا قوم لا أسألكم عليه } على تبليغ الرسالة { مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } سألوه طرد المؤمنين عنه ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على سواء ، فقال : لا يجوز لي طردهم إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم ، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغر شؤونهم ، وهو قوله : { إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون } أن هؤلاء خير منكم ، لإيمانهم وكفركم .
{ ويا قوم من ينصرني من الله } من يمنعني من عذاب الله { إن طردتهم } ؟
{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } يعني : مفاتيح الغيب ، وهذا جواب لقولهم : اتبعوك في ظاهر ما نرى منهم ، وهم في الباطن على خلافك ، فقال مجيبا لهم : { ولا أقول لكم عندي خزائن الله } غيوب الله { ولا أعلم الغيب } ما يغيب عني مما يسترونه في نفوسهم ، فسبيلي قبول ما ظهر منهم { ولا أقول إني ملك } جواب لقولهم : { ما نراك إلا بشرا مثلنا } . { ولا أقول للذين تزدري } تستصغر وتستحقر { أعينكم } يعني : المؤمنين : { لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم } أي : بضمائرهم ، وليس علي أن أطلع على ما في نفوسهم { إني إذا لمن الظالمين } إن طردتهم تكذيبا لهم بعد ما ظهر لي منهم الإيمان ، وقوله :
{قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}.
{قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين}.
{ إن كان الله يريد أن يغويكم } أي : يضلكم ويوقع الغي في قلوبكم لما سبق لكم من الشقاء { هو ربكم } خالقكم وسيدكم ، وله أن يتصرف فيكم كما يشاء .
{ أم يقولون } بل يقولون { افتراه } اختلف ما أتى به من الوحي { قل إن افتريته فعلي إجرامي } عقوبة جرمي { وأنا بريء مما تجرمون } من الكفر والتكذيب ، وقوله :
{ فلا تبتئس } أي : لا تحزن ولا تغتم .
{ واصنع الفلك بأعيننا } بمرأى منا ، وتأويله : بحفظنا إياك حفظ من يراك ، ويملك دفع السوء عنك { ووحينا } وذلك أنه لم يعلم صنعة الفلك حتى أوحى الله إليه كيف يصنعها .{ ولا تخاطبني } لا تراجعني ولا تحاورني { في الذين ظلموا } في إمهالهم وتأخير العذاب عنهم ، وقوله :
{ إن تسخروا منا } أي : لما يرون من صنعه الفلك { فإنا نسخر منكم } ونعجب من غفلتكم عما قد أظلكم من العذاب .
{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } أي : فسوف تعلمون من أخسر عاقبة .
{ حتى إذا جاء أمرنا } بعذابهم وهلاكهم { وفار التنور } بالماء ، يعني : تنور الخابز ، وكان ذلك علامة لنوح عليه السلام ، فركب السفينة { قلنا احمل فيها } في الفلك { من كل زوجين } من كل شيء له زوج { اثنين } ذكرا وأنثى { وأهلك } واحمل أهلك يعني : ولده وعياله { إلا من سبق عليه القول } يعني : من كان في علم الله أنه يغرق بكفره ، وهو امرأته واغلة ، وابنه كنعان ، { ومن آمن } واحمل من صدقك { وما آمن معه إلا قليل } ثمانون إنسانا .
{ وقال } نوح لقومه الذين أمر بحملهم : { اركبوا } يعني : الماء { فيها } في الفلك { بسم الله مجريها ومرساها } يريد : تجري باسم الله ، وترسي باسم الله ، فكان إذا أراد أن تجري السفينة قال : بسم الله ، فجرت ، وإذا أراد أن ترسى قال : بسم الله ، فرست ، أي : ثبتت { إن ربي لغفور } لأصحاب السفينة { رحيم } بهم .
{ وهي تجري بهم في موج } جمع موجة ، وهي ما يرتفع من الماء { كالجبال } في العظم { ونادى نوح ابنه } كنعان ، وكان كافرا { وكان في معزل } من السفينة ، أي : في ناحية بعيدة عنها .
{ قال سآوي إلى جبل } أنضم إلى جبل { يعصمني } يمنعني { من الماء } فلا أغرق ، { قال } نوح : { لا عاصم اليوم من أمر الله } لا مانع اليوم من عذاب الله { إلا من رحم } لكن من رحم الله فإنه معصوم { وحال بينهما } بين ابن نوح وبين الجبل { الموج } ما ارتفع من الماء .
{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك } اشربي ماءك { ويا سماء أقلعي } أمسكي عن إنزال الماء { وغيض الماء } نقص { وقضي الأمر } أهلك قوم نوح ، وفرغ من ذلك { واستوت } السفينة { على الجودي } وهو جبل بالجزيرة { وقيل بعدا } من رحمة الله { للقوم الظالمين } المتخذين من دون الله إلها .
{ ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني } كنعان { من أهلي وإن وعدك الحق } وعدتني أن تنجيني وأهلي ، أي : فأنجه من الغرق { وأنت أحكم الحاكمين } أعدل العادلين .
{ قال يا نوح إنه ليس من أهلك } الذين وعدتك أن أنجيهم { إنه عمل غير صالح } أي : سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير صالح ، وقيل : معناه : إن ابنك ذو عمل غير صالح { فلا تسألن ما ليس لك به علم } وذلك أن نوحا لم يعلم أن سؤاله ربه نجاة ولده محظور عليه مع إصراره على الكفر ، حتى أعلمه الله سبحانه ذلك ، والمعنى : فلا تسألني ما ليس لك به علم بجواز مسألته . { إني أعظك } أنهاك { أن تكون من الجاهلين } من الآثمين ، فاعتذر نوح عليه السلام لما أعلمه الله سبحانه أنه لا يجوز له أن يسأل ذلك وقال :
{ رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي } جهلي { وترحمني أكن من الخاسرين } .
{ قيل يا نوح اهبط } من السفينة إلى الأرض { بسلام } بسلامة . وقيل : بتحية { منا وبركات عليك } وذلك أنه صار أبا البشر ، لأن جميع من بقي كانوا من نسله { وعلى أمم ممن معك } أي : من أولادهم وذرايتهم ، وهم المؤمنون وأهل السعادة إلى يوم القيامة { وأمم سنمتعهم } في الدنيا . يعني : الأمم الكافرة من ذريته إلى يوم القيامة .
{ تلك } القصة التي أخبرتك بها { من أنباء الغيب } أخبار ما غاب عنك وعن قومك { فاصبر } كما صبر نوح على أذى قومه { إن العاقبة للمتقين } آخر الأمر بالظفر لك ولقومك ، كما كان لمؤمني قوم نوح ، وقوله :
{ إن أنتم إلا مفترون } ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم الأوثان ، وقوله :
{يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون}.
{ يرسل السماء عليكم مدرارا } كثير الدر . يعني : المطر { ويزدكم قوة إلى قوتكم } يعني : المال والولد ، وكان الله سبحانه قد حبس عنهم المطر ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فقال لهم هود : إن آمنتم أحيا الله سبحانه بلادكم ، ورزقكم المال والولد .
{ قالوا } منكرين لنبوته : { يا هود ما جئتنا ببينة } بحجة واضحة ، وقوله :
{ اعتراك } أصابك ومسك { بعض آلهتنا بسوء } بجنون فأفسد عقلك ، فالذي يظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير { قال } نبي الله عليه السلام عند ذلك : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون } أي : إن كانت عندكم الأصنام أنها عاقبتني لطعني عليها ، فإني أزيد الآن في الطعن عليها ، وقوله :
{ فكيدوني جميعا } احتالوا أنتم وأوثانكم في عداوتي { ثم لا تنظرون } لا تؤجلون ، وقوله :
{ ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } أي : هي في قبضته ، وتنالها بما شاء قدرته { إن ربي على صراط مستقيم } أي : إن الذي بعثني الله به دين مستقيم .
{ فإن تولوا } تتولوا ، بمعنى : تعرضوا عما دعوتكم إليه من الإيمان { فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم } فقد ثبتت الحجة عليكم بإبلاغي { ويستخلف ربي قوما غيركم } أي : ويخلف بعدكم من هو أطوع له منكم { ولا تضرونه } بإعراضكم { شيئا } إنما تضرون أنفسكم { إن ربي على كل شيء } من أعمال العباد { حفيظ } حتى يجازيهم عليها .
{ ولما جاء أمرنا } بهلاك عاد { نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا } حيث هديناهم إلى الإيمان ، وعصمناهم من الكفر { ونجيناهم من عذاب غليظ } يعني : ما عذب به الذين كفروا .
{ وتلك عاد } يعني : القبيلة { جحدوا بآيات ربهم } كذبوها فلم يقروا بها { وعصوا رسله } يعني : هودا عليه السلام ، لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل . { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } واتبع السفلة الرؤساء . والعنيد : المعارض لك بالخلاف .
{ وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } أردفوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم { ويوم القيامة } أي : وفي يوم القيامة ، كما قال : { لعنوا في الدنيا والآخرة } { ألا إن عادا كفروا ربهم } قيل : بربهم . وقيل : كفروا نعمة ربهم { ألا بعدا لعاد } يريد : بعدوا من رحمة الله تعالى ، وقوله :
{ هو أنشأكم } أي : خلقكم { من الأرض } من آدم ، وآدم خلق من تراب الأرض { واستعمركم فيها } جعلكم عمارا لها .
{ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } وذلك أن صالحا عليه السلام كان يعدل عن دينه ، ويشنأ أصنامهم ، وكانوا يرجون رجوعه إلى دين غشيرته ، فلما أظهر دعاءهم إلى الله تعالى زعموا أن رجاءهم انقطع منه ، وقوله { مريب } موقع في الريبة .
{ قال يا قوم أرأيتم } الآية ، يقول : أعلمتم من ينصرني من الله ، أي : من يمنعني من عذاب الله إن عصيته بعد بينة من ربي ونعمة { فما تزيدونني غير تخسير } أي : ما تزيدونني باحتجاجكم بعبادة آبائكم الأصنام ، وقلكم : { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } إلا بنسبتي إياكم إلى الخسارة ، أي : كلما اعتذرتم بشيء زادكم تخسيرا . وقيل معنى الآية : ما تزيدونني غير تخسير لي إن كنتم أنصاري ، وعنى التخسير : التضليل والإبعاد من الخير ، وقوله :
{ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}.
{ تمتعوا في داركم } أي : عيشوا في بلادكم { ثلاثة أيام ذلك وعد } للعذاب { غير مكذوب } غير كذب ، وقوله :
{ ومن خزي يومئذ } أي : نجيناهم من العذاب الذي أهلك قومه ، ومن الخزي الذي لزمهم ، وبقي العار فيهم مأثورا عنهم ، فالواو في { ومن } نسق على محذوف ، وهو العذاب .
{ وأخذ الذين ظلموا الصيحة } لما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم .
{كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}.
{ ولقد جاءت رسلنا } يعني : الملائكة الذين أتوا { إبراهيم } عليه السلام على صورة من الأضياف {بالبشرى } بالبشارة بالولد { قالوا سلاما } أي : سلموا سلاما { قال سلام } أي : عليكم السلام { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } مشوي .
{ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه } إلى العجل { نكرهم } أنكرهم{ وأوجس منهم خيفة} أضمر منهم خوفا ، ولم يأمن أن يكونوا جاؤوا لبلاء لما لم يتحرموا بطعامه ، فلما رأوا علامة الخوف في وجهه { قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط } بالعذاب .
{ وامرأته} سارة { قائمة } وراء الستر تتسمع إلى الرسل { فضحكت } سرورا بالأمن قالوا :{ إنا أرسلنا إلى قوم لوط } ، وذلك أنها خافت كما خاف إبراهيم عليه السلام ، فقيل لها : يا أيتها الضاحكة ستلدين غلاما ، فذلك قوله : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق} أي : بعده { يعقوب } عليهما السلام . وذلك أنهم بشروها بأنها تعيش إلى أن ترى ولد ولدها .
{ قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز } وكانت بنت تسع وتسعين سنة { وهذا بعلي شيخا } وكان ابن مائة سنة واثنتي عشرة سنة { إن هذا } الذي تذكرون من ولادتي على كبر سني وسن بعلي { لشيء عجيب } معجب .
{ قالوا أتعجبين من أمر الله } قضاء الله وقدره { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} يعني : بيت إبراهيم عليه السلام ، فكان من تلك البركات أن الأسباط ، وجميع الأنبياء كانوا من إبراهيم وسارة ، وكان هذا دعاء من الملائكة لهم ، وقوله : { إنه حميد } أي : محمود { مجيد } كريم .
{ فلما ذهب عن إبراهيم الروع } الفزع { وجاءته البشرى } بالولد { يجادلنا } أي : أقبل وأخذ يجادل رسلنا { في قوم لوط } وذلك أنهم لما قالوا لإبراهيم عليه السلام : { إنا مهلكوا أهل هذه القرية } قال لهم : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا ، فما زال ينقص حتى قال : فواحد ؟ قالوا : لا ، فاحتج عليهم بلوط ، و { قال : إن فيها لوطا قالوا : نحن أعلم } الآية . فهذا معنى جداله ، وعند ذلك قالت الملائكة :
{إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.
{ يا إبراهيم أعرض عن هذا } الجدال ، وخرجوا من عنده فأتوا قرية قوم لوط ، وذلك قوله :
{ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم } حزن بمجيئهم ، لأنه رآهم في أحسن صورة ، فخاف عليهم قومه ، وعلم أنه يحتاج إلى المدافعة عنهم ، وكانوا قد أتوه في صورة الأضياف { وضاق بهم ذرعا } أي : صدرا { وقال هذا يوم عصيب } شديد . ولما علم قومه بمجيء قوم حسان الوجوه أضيافا للوط قصدوا داره ، وذلك ، قوله :
{ وجاءه قومه يهرعون إليه } أي : يسرعون إليه { ومن قبل } أي : ومن قبل مجيئهم إلى لوط { كانوا يعملون السيئات } يعني : فعلهم المنكر { قال يا قوم هؤلاء بناتي } أزوجكموهن فـ { هن أطهر لكم } من نكاح الرجال . أراد أن يقي أضيافه ببناته { فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } لا تفضحوني فيهم ، لأنهم إذا هجموا إلى أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة { أليس منكم رجل رشيد } يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
{ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق } لسن لنا بأزواج فنستحقهن { وإنك لتعلم ما نريد } أي : إنا نريد الرجال لا النساء .
{ قال لو أن لي بكم قوة } لو أن معي جماعة أقوى بها عليكم { أو آوي } أنضم { إلى ركن شديد } عشيرة تمنعني وتنصرني لحلت بينكم وبين المعصية ، فلما رأت الملائكة ذلك ،
{ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } بسوء فإنا نحول بينهم وبين ذلك { فأسر بأهلك بقطع من الليل} في ظلمة الليل { ولا يلتفت منكم أحد } لا ينظر أحد إلى ورائه إذا خرج من قريته {إلا امرأتك } فلا تسر بها ، وخلفها مع قومها ، فإن هواها إليهم و { إنه مصيبها ما أصابهم } من العذاب { إن موعدهم الصبح } للعذاب ، فقال لوط : أريد أعجل من ذلك ، بل الساعة يا جبريل ، فقالوا له : أليس الصبح بقريب .
{ فلما جاء أمرنا} عذابنا { جعلنا عاليها سافلها } وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحتها حتى قلعها ، وصعد بها إلى السماء ، ثم قلبها إلى الأرض { وأمطرنا عليها حجارة } قبل قلبهاإلى الأرض { من سجيل } من طين مطبوخ ،طبخ حتى صار كالآجر ، فهو سنك كل بالفارسية ، فعرب ، { منضود } يتلو بعضه بعضا .
{ مسومة} معلمة بعلامة بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا { عند ربك } في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإرادته { وما هي من الظالمين ببعيد } يعني : كفار قريش ، يرهبهم بها .
{ وإلى مدين} ذكرنا تفسير هذه الآية في سورة الأعراف ، وقوله : { إني أراكم بخير } يعني : النعمة والخصب ، يقول : أي حاجة بكم إلى التطفيف مع ما أنعم الله سبحانه به عليكم من المال ورخص السعر { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } يوعدهم بعذاب يحيط بهم فلا يفلت منهم أحد . ،
{ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط} أتموهما بالعدل .
{ بقية الله} أي : ما أبقى الله لكم بعد إيفاء الكيل والوزن { خير لكم } من البخس ، يعني : من تعجيل النفع به { إن كنتم مؤمنين } مصدقين في نعمه . شرط الإيمان لأنهم إنما يعرفون صحة ما يقول إذا كانوا مؤمنين { وما أنا عليكم بحفيظ } أي : لم أؤمر بقتالكم وإكراهكم على الإيمان .
{ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} يريدون : دينك يأمرك ، أي : أفي دينك الأمر بذا ؟ { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } من البخس والظلم ، ونقص المكيال والميزان { إنك لأنت الحليم الرشيد } أي : السفيه الجاهل ، وقالوا : الحليم الرشيد على طريق الاستهزاء .
{ قال يا قوم أرأيتم } أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } بيان وحجة من ربي { ورزقني منه رزقا حسنا} حلالا ، وذلك أنه كان كثير المال ، وجواب إن محذوف على معنى : إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال ،أتبع الضلال فأبخس وأطفف ؟ يريد : أن الله تعالى قد أغناه بالمال الحلال { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } أي : لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه ، وإنما أختار لكم ما أختار لنفسي { إن أريد } ما أريد { إلا الإصلاح } فيما بيني وبينكم بأن تعبدوا الله وحده ، وأن تفعلوا ما يفعل من يخاف الله { ما استطعت } أي : بقدر طاقتي ، وطاقة الإبلاغ والإنذار ، ثم أخبر أنه لا يقدر هو ولا غيره على الطاعة إلا بتوفيق الله سبحانه ، فقال :{ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } أرجع في الميعاد .
{ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي} لا يكسبنكم خلافي وعداوتي { أن يصيبكم} عذاب العاجلة { مثل ما أصاب قوم نوح } من الغرق { أو قوم هود } من الريح العقيم { أو قوم صالح } من الرجفة والصيحة { وما قوم لوط منكم ببعيد } في الزمان الذي بينكم وبينهم وكان إهلاكهم أقرب الإهلاكات التي عرفوها .
{ واستغفروا ربكم } اطلبوا منه المغفرة { ثم توبوا إليه } توصلوا إليه بالتوبة { إن ربي رحيم } بأوليائه { ودود } محب لهم .
{ قالوا يا شعيب ما نفقه } ما نفهم{ كثيرا مما تقول} أي : صحته . يعنون : ما يذكر من التوحيد والبعث والنشور { وإنا لنراك فينا ضعيفا } لأنه كان أعمى { ولولا رهطك } عشيرتك { لرجمناك} قتلناك { وما أنت علينا بعزيز} بمنيع .
{ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله } يريد : أمنع عليكم من الله ، كأنه يقول : حفظكم إياي في الله أولى منه في رهطي { واتخذتموه وراءكم ظهريا} ألقيتموه خلف ظهوركم ، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي ، والله أعز وأكبر من جميع خلقه { إن ربي بما تعملون محيط} خبير بأعمال العباد حتى يجازيهم بها ، ثم هددهم فقال :
{ ويا قوم اعملوا} الآية . يقول : اعملوا على ما أنتم عليه { إني عامل } على ما أنا عليه من طاعة الله ، وسترون منزلتكم من منزلتي ، وهو قوله :{ سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} يفضحه ويذله { ومن هو كاذب} منا { وارتقبوا إني معكم رقيب } ارتقبوا العذاب من الله سبحانه ، إني مرتقب من الله سبحانه الرحمة ، وقوله :
{ أخذت الذين ظلموا الصيحة} صاح بهم جبريل صيحة فماتوا في أمكنتهم .
{ ألا بعدا لمدين} أي : قد بعدوا من رحمة الله سبحانه .
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } يريد : التوراة وما أنزل الله فيها من الأحكام { وسلطان مبين } وحجة بينة ، وهي العصا .
{ وما أمر فرعون برشيد } بمرشد إلى خير .
{ يقدم قومه} يتقدمهم إلى النار ، وهو قوله : { فأوردهم النار } أدخلهم النار { وبئس الورد المورود } المدخل المدخول .
{ وأتبعوا في هذه } الدنيا { لعنة } يعني : الغرق { ويوم القيامة } يعني : ولعنة يوم القيامة ، وهو عذاب جهنم { بئس الرفد المرفود } يعني : اللعنة بعد اللعنة ، وقوله :
{ منها قائم وحصيد } أي : من القرى التي أهلكت قائم بقيت حيطانه ، وحصيد مخسوف به قد محي أثره .
{ وما ظلمناهم } بالعذاب والإهلاك { ولكن ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعصية { فما أغنت عنهم } ما نفعتهم وما دفعت عنهم { آلهتهم التي يدعون } يعبدون { من دون الله } سوى الله { وما زادوهم } وما زادتهم عبادتها { غير تتبيب } بلاء وهلاك وخسارة .
{ وكذلك } وكما ذكرنا من إهلاك الأمم { أخذ ربك } بالعقوبة { إذا أخذ القرى وهي ظالمة } يعني : أهلها .
{ إن في ذلك } يعني : ما ذكر من عذاب الأمم الخالية { لآية } لعبرة { لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس } لأن الخلق كلهم يحشرون ويجمعون لذلك اليوم { وذلك يوم مشهود } يشهد البر والفاجر .
{ وما نؤخره } وما نؤخر ذلك اليوم فلا نقيمه عليكم { إلا لأجل معدود } لوقت معلوم ، ولا يعلمه أحد غير الله سبحانه .
{ يوم يأت } ذلك اليوم { لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد } فمن الأنفس في ذلك اليوم شقي وسعيد .
{ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق } وهما من أصوات المكروبين والمحزونين ، والزفير مثل أول نهيق الحمار ، والشهيق آخره إذا ردده في الجوف .
{ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } أبدا ، وهذا من ألفاظ التأبيد { إلا ما شاء ربك } أن يحرجهم ، ولكنه لا يشاء ذلك ، والمعنى : لو شاء أن لا يخلدهم لقدر . وقيل : إلا ما شاء ربك . يعني : إلا مقدار مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ، ثم يصيرون إلى النار أبدا ، وقوله :
{ عطاء غير مجذوذ } أي : مقطوع .
{ فلا تك } يا محمد { في مرية } شك { مما يعبد هؤلاء } أي : من حال ما يعبدون في أنها لا تضر ولا تنفع . { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } أي : كعبادة آبائهم ، يريد : إنهم على طريق التقليد يعبدون الأوثان كعبادة آبائهم { وإنا لموفوهم نصيبهم } من العذاب { غير منقوص } .
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } هذه الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتسلية له باختلاف قوم موسى في كتابه { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير العذاب عن قومك { لقضي بينهم } لعجل عقابهم ، وفرغ من ذلك { وإنهم لفي شك منه } من القرآن { مريب } موقع للريبة .
{ وإن كلا } من البر والفاجر ، والمؤمن والكافر { لما } يعني : لمن، في قول الفراء ، وفي قول البصريين ما زائدة ، والمعنى : وإن كلا { ليوفينهم ربك أعمالهم } أي : ليتمن لهم جزاء أعمالهم .
{ فاستقم } على العمل بأمر ربك والدعاء إليه { كما أمرت } في القرآن { ومن تاب معك } يعني : أصحابه ، أي : وليستقيموا هم أيضا على ما أمروا به { ولا تطغوا } تواضعوا لله ولا تتجبروا على أحد { إنه بما تعملون بصير } لا تخفى عليه أعمال بني آدم .
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } لا تداهنوهم ولا ترضوا بأعمالهم ، يعني : الكفار { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { وما لكم من دون الله من أولياء } من مانع يمنعكم من عذاب الله { ثم لا تنصرون } استئناف .
{ وأقم الصلاة طرفي النهار } بالصبح والمغرب { وزلفا من الليل } صلاة العشاء قرب أول الليل ، والزلف : أول ساعات الليل . وقيل : صلاة طرفي النهار : الفجر والظهر والعصر ، وأما المغرب والعشاء فإنهما من صلاة زلف الليل . { إن الحسنات يذهبن السيئات } إن الصلوات الخمس تكفر ما بينهما من الذنوب إذا اجتنبت الكبائر { ذلك ذكرى } أي : هذه موعظة { للذاكرين }
{ واصبر } على الصلاة { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } يعني : المصلين .
{ فلولا كان من القرون من قبلكم } أي : ما كان منهم { أولو بقية } دين وتميز وفضل { ينهون عن الفساد في الأرض } عن الشرك والاعتداء في حقوق الله والمعصية { إلا قليلا } لكن قليلا { ممن أنجينا منهم } وهم أتباع الأنبياء وأهل الحق ، نهوا عن الفساد { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه } آثروا اللذات على أمر الآخرة ، وركنوا إلى الدنيا والأموال وما أعطوا من نعيمها .
{ وما كان ربك ليهلك القرى } أي : أهلها { بظلم } بشرك { وأهلها مصلحون } فيما بينهم ، أي : ليس من سبيل الكفار إذا قصدوا الحق في المعاملة أن ينزل الله بهم عذاب الاستئصال ، كقوم لوط عذبوا باللواط ، وقوم شعيب عذبوا ببخس المكيال .
{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } مسلمين كلهم { ولا يزالون مختلفين } في الأديان .
{إلا من رحم ربك } يعني : أهل الحق { ولذلك خلقهم } أي : خلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وأهل الرحمة للرحمة .
{ وكلا نقص عليك } أي : كل الذي تحتاج إليه { من أنباء الرسل } نقص عليك { ما نثبت به فؤادك } ليزيدك يقينا { وجاءك في هذه } أي : في هذه السورة { الحق } يعني : ما ذكر من أقاصيص الأنبياء ومواعظهم ، وذكر السعادة والشقاوة ، وهذا تشريف لهذه السورة ، لأن غيرها من السور قد جاء فيها الحق { وموعظة وذكرى للمؤمنين } يتعظون إذا سمعوا هذه السورة ، وما نزل بالأمم لما كذبوا أنبياءهم .
{ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم } أمر تهديد ، أي : اعملوا ما أنتم عاملون .
{ وانتظروا } ما يعدكم الشيطان { إنا منتظرون } ما يعدنا ربنا من النصر .
{ ولله غيب السماوات والأرض } أي : علم ما غاب عن العباد فيهما { وإليه يرجع الأمر كله } في المعاد حتى لا يكون لأحد سواه أمر { وما ربك بغافل عما تعملون } أي : إنه يجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .