islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
13937

11-هود

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

{ الر } أنا الله الرحمن { كتاب } هذا كتاب { أحكمت آياته } بعجيب النظم ، وبديع المعاني ورصين اللفظ { ثم فصلت } بينت بالأحكام من الحلال والحرام ، وجميع ما يحتاج إليه من { لدن حكيم } في خلقه { خبير } بمن يصدق نبيه وبمن يكذبه .

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ

{ أن لا تعبدوا } أي : بأن ، والتقدير : هذا كتاب بأن لا تعبدوا { إلا الله } .

وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ

{ و } بـ { أن استغفروا ربكم } أي : من ذنوبكم السالفة { ثم توبوا إليه } من المستأنفة متى وقعت { يمتعكم متاعا حسنا } يتفضل عليكم بالرزق والسعة { إلى أجل مسمى } أجل الموت { ويؤت كل ذي فضل فضله } يؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته فضله ، يعني : الجنة ، وهي فضل الله سبحانه { وإن تولوا } تتولوا عن الإيمان { فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير } وهو يوم القيامة .

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير}.

أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

{ ألا إنهم يثنون صدورهم } نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وطوينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم كيف يعلم ربنا ؟ فأنزل الله تعالى {ألا إنهم يثنون صدورهم} أي : يعطفونها ويطوونها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم { ليستخفوا منه } ليتواروا عنه ويكتموا عداوته { ألا حين يستغشون ثيابهم } يتدثرون بها { يعلم ما يسرون وما يعلنون } أعلم الله سبحانه أن سرائرهم يعلمها كما يعلم مظهرهم { إنه عليم بذات الصدور } بما في النفوس من الخير والشر .

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

{ وما من دابة } حيوان يدب { في الأرض إلا على الله رزقها } فضلا لا وجوبا { ويعلم مستقرها } حيث تأوي إليه { ومستودعها } حيث تموت { كل في كتاب مبين } يريد : اللوح المحفوظ ، والمعنى : أن ذلك ثابت في علم الله .

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا س

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } ذكرنا تفسيره في سورة الأعراف { وكان عرشه على الماء } يعني : قبل خلق السماوات والأرض { ليبلوكم } أي : خلقها لكم لكي يختبركم بالمصنوعات فيها من آياته ، ليعلم إحسان المحسن وإساءة المسيء ، وهو قوله تعالى { أيكم أحسن عملا }أي أعمل بطاعة الله تعالى . { ولئن قلت } للكفار بعد خلق الله السماوات والأرض وبيان قدرته { إنكم مبعوثون من بعد الموت } كذبوا بذلك وقالوا : { إن هذا إلا سحر مبين } أي : باطل وخداع .

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

{ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } إلى أجل وحين معلوم { ليقولن ما يحبسه } ما يحبس العذاب عنا ؟ تكذيبا واستهزاء ، فقال الله تعالى : { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } إذا أخذتهم سيوف المسلمين لم تغمد عنهم حتى يباد الكفر ، وتعلو كلمة الإخلاص { وحاق } نزل وأحاط { بهم } جزاء { ما كانوا به يستهزئون } وهو العذاب والقتل .

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ

{ ولئن أذقنا الإنسان } يعني : الوليد بن مغيرة { منا رحمة } رزقا { ثم نزعناها منه إنه ليؤوس } مؤيس قانط { كفور } كافر بالنعمة . يريد : إنه لجهله بسعة رحمة الله يستشعر القنوط واليأس عند نزول الشدة .

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ

{ ولئن أذقناه نعماء } الآية . معناه : إنه يبطر فينسى حال الشدة ، ويترك حمد الله ما صرف عنه ، وهو قوله : { ليقولن ذهب السيئات عني } فارقني الضر والفقر { إنه لفرح فخور } يفاخر المؤمنين بما وسع الله عليه ، ثم ذكر المؤمنين فقال :

إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

{ إلا الذين صبروا } والمعنى : لكن الذبن صبروا على الشدة والمكاره { وعملوا الصالحات } في السراء والضراء .

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

{ فلعلك تارك } الآية . قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتنا بكتاب ليس فيه سب آلهتنا حتى نتبعك ، وقال بعضهم : هلا أنزل عليك ملك يشهد لك بالنبوة والصدق ، أو تعطي كنزا تستغني به أنت وأتباعك ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع سب آلهتهم ، فأنزل الله تعالى : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } أي : لعظيم ما يرد على قابك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك { وضائق به صدرك أن يقولوا } أي : ضائق صدرك بأن يقولوا { لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير } عليك أن تنذرهم ، وليس أن تأتيهم بما يقترحون { والله على كل شيء وكيل } حافظ لكل شيء .

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ أم يقولون } بل أيقولون { افتراه } افترى القرآن وأتى به من قبل نفسه { قل فاتوا بعشر سور مثله } مثل القرآن في البلاغة { مفتريات } بزعمكم { وادعوا من استطعتم من دون الله } إلى المعاونة على المعارضة { إن كنتم صادقين } أنه افتراء .

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

{ فإلم يستجيبوا لكم } فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة ، ولم يتهيأ لكم المعارضة فقد قامت عليكم الحجة { فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } أي : أنزل والله عالم بإنزاله ، وعالم أنه من عنده { فهل أنتم مسلمون } استفهام معناه الأمر ، كقوله : { فهل أنتم منتهون } .

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ

{ من كان يريد الحياة الدنيا } أي : من كان يريدها من الكفار ، ولا يؤمن بالبعث ولا بالثواب والعقاب { نوف إليهم أعمالهم } جزاء أعمالهم في الدنيا . يعني : إن من أتى من الكافرين فعلا حسنا من إطعام جائع ، وكسوة عار ، ونصرة مظلوم من المسلمين عجل له ثواب ذلك في دنياه بالزيادة في ماله { وهم فيها } في الدنيا { لا يبخسون } لا ينقصون ثواب ما يستحقون ، فإذا وردوا الآخرة وردوا على عاجل الحسرة ، إذ لا حسنة لهم هناك ، وهو قوله تعالى :

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } الآية .

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَق

{ أفمن كان } يعني : النبي صلى الله عليه وسلم { على بينة من ربه } بيان من ربه ، وهو القرآن { ويتلوه شاهد } وهو جبريل عليه السلام { منه } من الله عز وجل . يريد أنه يتبعه ويؤيده ويشهده { ومن قبله } ومن قبل القرآن { كتاب موسى } التوراة . يتلوه أيضا في التصديق ، لأن موسى عليه السلام بشر في التوراة ، فالتوراة تتلو النبي صلى الله عليه وسلم في التصديق ، وقوله : { إماما ورحمة } يعني أن كتاب موسى كان إماما لقومه ورحمة ، وتقدير الآية : أفمن كان بهذه الصفة كمن ليس يشهد بهذه الصفة ؟ فترك ذكر المضاد له . { أولئك يؤمنون به } يعني : من آمن به من أهل الكتاب { ومن يكفر به من الأحزاب } أصناف الكفار { فالنار موعده فلا تك في مرية منه } من هذا الوعد { إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } يعني : أهل مكة .

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } فزعم أن له ولدا وشريكا { أولئك يعرضون على ربهم } يوم القيامة { ويقول الأشهاد } وهم الأنبياء والملائكة والمؤمنون { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله } إبعاده من رحمته { على الظالمين } المشركين .

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

{ الذين يصدون عن سبيل الله } تقدم تفسير هذه الآية .

أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ

{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } أي : سابقين فائتين ، لم يعجزونا أن نعذبهم في الدنيا ، ولكن أخرنا عقوبتهم { وما كان لهم من دون الله من أولياء } يمنعونهم من عذاب الله { يضاعف لهم العذاب } لإضلالهم الأتباع { ما كانوا يستطيعون السمع } لأني حلت بينهم وبين الإيمان ، فكانوا صما عن الحق فلا يسمعونه ، وعميا عنه فلا يبصرونه ولا يهتدون .

أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

{ أولئك الذين خسروا أنفسهم } بأن صاروا إلى النار { وضل عنهم ما كانوا يفترون } بطل افتراؤهم في الدنيا ، فلم يبفعهم شيئا .

لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

{ لا جرم } حقا { أنهم في الآخرة هم الأخسرون } .

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم } اطمأنوا وسكنوا . وقيل : تابوا .

مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

{ مثل الفريقين } فريق الكافرين وفريق المسلمين { كالأعمى والأصم } وهو الكافر { والبصير والسميع } وهو المؤمن { هل يستويان مثلا } أي : في المثل . أي : هل يتشابهان ؟ { أفلا تذكرون } أفلا تتعظون يا أهل مكة .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } فقال لهم : يا قومي { إني لكم نذير مبين } .

أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ

{ أن لا تعبدوا إلا الله } أي : أنذركم لتوحدوا الله وتتركوا عبادة غيره { إني أخاف عليكم } بكفركم { عذاب يوم أليم } مؤلم .

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ

{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } وهم الأشراف والرؤساء : { ما نراك إلا بشرا مثلنا } إنسانا مثلنا لا فضل لك علينا { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أخساؤنا . يعنون : من لا شرف لهم ولا مال { بادي الرأي } اتبعوك في ظاهر الرأي ، وباطنهم على خلاف ذلك { وما نرى لكم } يعنون لنوح وقومه { علينا من فضل } وهذا تكذيب منهم ، لأن الفضل كله في النبوة { بل نظنكم كاذبين } ليس ما أتيتنا به من الله .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ

{ قال يا قوم أرأيتم } أي : أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } يقين وبرهان { وآتاني رحمة من عنده } نبوة { فعميت عليكم } فخفيت عليكم ، لأن الله تعالى سلبكم علمها ، ومنعكم معرفتها لعنادكم الحق { أنلزمكموها } أنلزمكم قبولها ونضطركم إلى معرفتها إذا كرهتم ؟

وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ

{ ويا قوم لا أسألكم عليه } على تبليغ الرسالة { مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } سألوه طرد المؤمنين عنه ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على سواء ، فقال : لا يجوز لي طردهم إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم ، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغر شؤونهم ، وهو قوله : { إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون } أن هؤلاء خير منكم ، لإيمانهم وكفركم .

وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

{ ويا قوم من ينصرني من الله } من يمنعني من عذاب الله { إن طردتهم } ؟

وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ

{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } يعني : مفاتيح الغيب ، وهذا جواب لقولهم : اتبعوك في ظاهر ما نرى منهم ، وهم في الباطن على خلافك ، فقال مجيبا لهم : { ولا أقول لكم عندي خزائن الله } غيوب الله { ولا أعلم الغيب } ما يغيب عني مما يسترونه في نفوسهم ، فسبيلي قبول ما ظهر منهم { ولا أقول إني ملك } جواب لقولهم : { ما نراك إلا بشرا مثلنا } . { ولا أقول للذين تزدري } تستصغر وتستحقر { أعينكم } يعني : المؤمنين : { لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم } أي : بضمائرهم ، وليس علي أن أطلع على ما في نفوسهم { إني إذا لمن الظالمين } إن طردتهم تكذيبا لهم بعد ما ظهر لي منهم الإيمان ، وقوله :

قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

{قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}.

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

{قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين}.

وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

{ إن كان الله يريد أن يغويكم } أي : يضلكم ويوقع الغي في قلوبكم لما سبق لكم من الشقاء { هو ربكم } خالقكم وسيدكم ، وله أن يتصرف فيكم كما يشاء .

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ

{ أم يقولون } بل يقولون { افتراه } اختلف ما أتى به من الوحي { قل إن افتريته فعلي إجرامي } عقوبة جرمي { وأنا بريء مما تجرمون } من الكفر والتكذيب ، وقوله :

وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

{ فلا تبتئس } أي : لا تحزن ولا تغتم .

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ

{ واصنع الفلك بأعيننا } بمرأى منا ، وتأويله : بحفظنا إياك حفظ من يراك ، ويملك دفع السوء عنك { ووحينا } وذلك أنه لم يعلم صنعة الفلك حتى أوحى الله إليه كيف يصنعها .{ ولا تخاطبني } لا تراجعني ولا تحاورني { في الذين ظلموا } في إمهالهم وتأخير العذاب عنهم ، وقوله :

وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ

{ إن تسخروا منا } أي : لما يرون من صنعه الفلك { فإنا نسخر منكم } ونعجب من غفلتكم عما قد أظلكم من العذاب .

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ

{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } أي : فسوف تعلمون من أخسر عاقبة .

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ

{ حتى إذا جاء أمرنا } بعذابهم وهلاكهم { وفار التنور } بالماء ، يعني : تنور الخابز ، وكان ذلك علامة لنوح عليه السلام ، فركب السفينة { قلنا احمل فيها } في الفلك { من كل زوجين } من كل شيء له زوج { اثنين } ذكرا وأنثى { وأهلك } واحمل أهلك يعني : ولده وعياله { إلا من سبق عليه القول } يعني : من كان في علم الله أنه يغرق بكفره ، وهو امرأته واغلة ، وابنه كنعان ، { ومن آمن } واحمل من صدقك { وما آمن معه إلا قليل } ثمانون إنسانا .

وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

{ وقال } نوح لقومه الذين أمر بحملهم : { اركبوا } يعني : الماء { فيها } في الفلك { بسم الله مجريها ومرساها } يريد : تجري باسم الله ، وترسي باسم الله ، فكان إذا أراد أن تجري السفينة قال : بسم الله ، فجرت ، وإذا أراد أن ترسى قال : بسم الله ، فرست ، أي : ثبتت { إن ربي لغفور } لأصحاب السفينة { رحيم } بهم .

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ

{ وهي تجري بهم في موج } جمع موجة ، وهي ما يرتفع من الماء { كالجبال } في العظم { ونادى نوح ابنه } كنعان ، وكان كافرا { وكان في معزل } من السفينة ، أي : في ناحية بعيدة عنها .

قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ

{ قال سآوي إلى جبل } أنضم إلى جبل { يعصمني } يمنعني { من الماء } فلا أغرق ، { قال } نوح : { لا عاصم اليوم من أمر الله } لا مانع اليوم من عذاب الله { إلا من رحم } لكن من رحم الله فإنه معصوم { وحال بينهما } بين ابن نوح وبين الجبل { الموج } ما ارتفع من الماء .

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك } اشربي ماءك { ويا سماء أقلعي } أمسكي عن إنزال الماء { وغيض الماء } نقص { وقضي الأمر } أهلك قوم نوح ، وفرغ من ذلك { واستوت } السفينة { على الجودي } وهو جبل بالجزيرة { وقيل بعدا } من رحمة الله { للقوم الظالمين } المتخذين من دون الله إلها .

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ

{ ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني } كنعان { من أهلي وإن وعدك الحق } وعدتني أن تنجيني وأهلي ، أي : فأنجه من الغرق { وأنت أحكم الحاكمين } أعدل العادلين .

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ

{ قال يا نوح إنه ليس من أهلك } الذين وعدتك أن أنجيهم { إنه عمل غير صالح } أي : سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير صالح ، وقيل : معناه : إن ابنك ذو عمل غير صالح { فلا تسألن ما ليس لك به علم } وذلك أن نوحا لم يعلم أن سؤاله ربه نجاة ولده محظور عليه مع إصراره على الكفر ، حتى أعلمه الله سبحانه ذلك ، والمعنى : فلا تسألني ما ليس لك به علم بجواز مسألته . { إني أعظك } أنهاك { أن تكون من الجاهلين } من الآثمين ، فاعتذر نوح عليه السلام لما أعلمه الله سبحانه أنه لا يجوز له أن يسأل ذلك وقال :

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ

{ رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي } جهلي { وترحمني أكن من الخاسرين } .

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ

{ قيل يا نوح اهبط } من السفينة إلى الأرض { بسلام } بسلامة . وقيل : بتحية { منا وبركات عليك } وذلك أنه صار أبا البشر ، لأن جميع من بقي كانوا من نسله { وعلى أمم ممن معك } أي : من أولادهم وذرايتهم ، وهم المؤمنون وأهل السعادة إلى يوم القيامة { وأمم سنمتعهم } في الدنيا . يعني : الأمم الكافرة من ذريته إلى يوم القيامة .

تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ

{ تلك } القصة التي أخبرتك بها { من أنباء الغيب } أخبار ما غاب عنك وعن قومك { فاصبر } كما صبر نوح على أذى قومه { إن العاقبة للمتقين } آخر الأمر بالظفر لك ولقومك ، كما كان لمؤمني قوم نوح ، وقوله :

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ

{ إن أنتم إلا مفترون } ما أنتم إلا كاذبون في إشراككم الأوثان ، وقوله :

يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ

{يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون}.

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ

{ يرسل السماء عليكم مدرارا } كثير الدر . يعني : المطر { ويزدكم قوة إلى قوتكم } يعني : المال والولد ، وكان الله سبحانه قد حبس عنهم المطر ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فقال لهم هود : إن آمنتم أحيا الله سبحانه بلادكم ، ورزقكم المال والولد .

قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ

{ قالوا } منكرين لنبوته : { يا هود ما جئتنا ببينة } بحجة واضحة ، وقوله :

إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ

{ اعتراك } أصابك ومسك { بعض آلهتنا بسوء } بجنون فأفسد عقلك ، فالذي يظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير { قال } نبي الله عليه السلام عند ذلك : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون } أي : إن كانت عندكم الأصنام أنها عاقبتني لطعني عليها ، فإني أزيد الآن في الطعن عليها ، وقوله :

مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ

{ فكيدوني جميعا } احتالوا أنتم وأوثانكم في عداوتي { ثم لا تنظرون } لا تؤجلون ، وقوله :

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

{ ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } أي : هي في قبضته ، وتنالها بما شاء قدرته { إن ربي على صراط مستقيم } أي : إن الذي بعثني الله به دين مستقيم .

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ

{ فإن تولوا } تتولوا ، بمعنى : تعرضوا عما دعوتكم إليه من الإيمان { فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم } فقد ثبتت الحجة عليكم بإبلاغي { ويستخلف ربي قوما غيركم } أي : ويخلف بعدكم من هو أطوع له منكم { ولا تضرونه } بإعراضكم { شيئا } إنما تضرون أنفسكم { إن ربي على كل شيء } من أعمال العباد { حفيظ } حتى يجازيهم عليها .

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ

{ ولما جاء أمرنا } بهلاك عاد { نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا } حيث هديناهم إلى الإيمان ، وعصمناهم من الكفر { ونجيناهم من عذاب غليظ } يعني : ما عذب به الذين كفروا .

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

{ وتلك عاد } يعني : القبيلة { جحدوا بآيات ربهم } كذبوها فلم يقروا بها { وعصوا رسله } يعني : هودا عليه السلام ، لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل . { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } واتبع السفلة الرؤساء . والعنيد : المعارض لك بالخلاف .

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ

{ وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } أردفوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم { ويوم القيامة } أي : وفي يوم القيامة ، كما قال : { لعنوا في الدنيا والآخرة } { ألا إن عادا كفروا ربهم } قيل : بربهم . وقيل : كفروا نعمة ربهم { ألا بعدا لعاد } يريد : بعدوا من رحمة الله تعالى ، وقوله :

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ

{ هو أنشأكم } أي : خلقكم { من الأرض } من آدم ، وآدم خلق من تراب الأرض { واستعمركم فيها } جعلكم عمارا لها .

قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ

{ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } وذلك أن صالحا عليه السلام كان يعدل عن دينه ، ويشنأ أصنامهم ، وكانوا يرجون رجوعه إلى دين غشيرته ، فلما أظهر دعاءهم إلى الله تعالى زعموا أن رجاءهم انقطع منه ، وقوله { مريب } موقع في الريبة .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ

{ قال يا قوم أرأيتم } الآية ، يقول : أعلمتم من ينصرني من الله ، أي : من يمنعني من عذاب الله إن عصيته بعد بينة من ربي ونعمة { فما تزيدونني غير تخسير } أي : ما تزيدونني باحتجاجكم بعبادة آبائكم الأصنام ، وقلكم : { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } إلا بنسبتي إياكم إلى الخسارة ، أي : كلما اعتذرتم بشيء زادكم تخسيرا . وقيل معنى الآية : ما تزيدونني غير تخسير لي إن كنتم أنصاري ، وعنى التخسير : التضليل والإبعاد من الخير ، وقوله :

وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ

{ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}.

فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ

{ تمتعوا في داركم } أي : عيشوا في بلادكم { ثلاثة أيام ذلك وعد } للعذاب { غير مكذوب } غير كذب ، وقوله :

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

{ ومن خزي يومئذ } أي : نجيناهم من العذاب الذي أهلك قومه ، ومن الخزي الذي لزمهم ، وبقي العار فيهم مأثورا عنهم ، فالواو في { ومن } نسق على محذوف ، وهو العذاب .

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ

{ وأخذ الذين ظلموا الصيحة } لما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم .

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ

{كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}.

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ

{ ولقد جاءت رسلنا } يعني : الملائكة الذين أتوا { إبراهيم } عليه السلام على صورة من الأضياف {بالبشرى } بالبشارة بالولد { قالوا سلاما } أي : سلموا سلاما { قال سلام } أي : عليكم السلام { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } مشوي .

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ

{ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه } إلى العجل { نكرهم } أنكرهم{ وأوجس منهم خيفة} أضمر منهم خوفا ، ولم يأمن أن يكونوا جاؤوا لبلاء لما لم يتحرموا بطعامه ، فلما رأوا علامة الخوف في وجهه { قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط } بالعذاب .

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ

{ وامرأته} سارة { قائمة } وراء الستر تتسمع إلى الرسل { فضحكت } سرورا بالأمن قالوا :{ إنا أرسلنا إلى قوم لوط } ، وذلك أنها خافت كما خاف إبراهيم عليه السلام ، فقيل لها : يا أيتها الضاحكة ستلدين غلاما ، فذلك قوله : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق} أي : بعده { يعقوب } عليهما السلام . وذلك أنهم بشروها بأنها تعيش إلى أن ترى ولد ولدها .

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ

{ قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز } وكانت بنت تسع وتسعين سنة { وهذا بعلي شيخا } وكان ابن مائة سنة واثنتي عشرة سنة { إن هذا } الذي تذكرون من ولادتي على كبر سني وسن بعلي { لشيء عجيب } معجب .

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

{ قالوا أتعجبين من أمر الله } قضاء الله وقدره { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} يعني : بيت إبراهيم عليه السلام ، فكان من تلك البركات أن الأسباط ، وجميع الأنبياء كانوا من إبراهيم وسارة ، وكان هذا دعاء من الملائكة لهم ، وقوله : { إنه حميد } أي : محمود { مجيد } كريم .

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ

{ فلما ذهب عن إبراهيم الروع } الفزع { وجاءته البشرى } بالولد { يجادلنا } أي : أقبل وأخذ يجادل رسلنا { في قوم لوط } وذلك أنهم لما قالوا لإبراهيم عليه السلام : { إنا مهلكوا أهل هذه القرية } قال لهم : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا ، فما زال ينقص حتى قال : فواحد ؟ قالوا : لا ، فاحتج عليهم بلوط ، و { قال : إن فيها لوطا قالوا : نحن أعلم } الآية . فهذا معنى جداله ، وعند ذلك قالت الملائكة :

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ

{إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ

{ يا إبراهيم أعرض عن هذا } الجدال ، وخرجوا من عنده فأتوا قرية قوم لوط ، وذلك قوله :

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ

{ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم } حزن بمجيئهم ، لأنه رآهم في أحسن صورة ، فخاف عليهم قومه ، وعلم أنه يحتاج إلى المدافعة عنهم ، وكانوا قد أتوه في صورة الأضياف { وضاق بهم ذرعا } أي : صدرا { وقال هذا يوم عصيب } شديد . ولما علم قومه بمجيء قوم حسان الوجوه أضيافا للوط قصدوا داره ، وذلك ، قوله :

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ

{ وجاءه قومه يهرعون إليه } أي : يسرعون إليه { ومن قبل } أي : ومن قبل مجيئهم إلى لوط { كانوا يعملون السيئات } يعني : فعلهم المنكر { قال يا قوم هؤلاء بناتي } أزوجكموهن فـ { هن أطهر لكم } من نكاح الرجال . أراد أن يقي أضيافه ببناته { فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } لا تفضحوني فيهم ، لأنهم إذا هجموا إلى أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة { أليس منكم رجل رشيد } يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ

{ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق } لسن لنا بأزواج فنستحقهن { وإنك لتعلم ما نريد } أي : إنا نريد الرجال لا النساء .

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ

{ قال لو أن لي بكم قوة } لو أن معي جماعة أقوى بها عليكم { أو آوي } أنضم { إلى ركن شديد } عشيرة تمنعني وتنصرني لحلت بينكم وبين المعصية ، فلما رأت الملائكة ذلك ،

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

{ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } بسوء فإنا نحول بينهم وبين ذلك { فأسر بأهلك بقطع من الليل} في ظلمة الليل { ولا يلتفت منكم أحد } لا ينظر أحد إلى ورائه إذا خرج من قريته {إلا امرأتك } فلا تسر بها ، وخلفها مع قومها ، فإن هواها إليهم و { إنه مصيبها ما أصابهم } من العذاب { إن موعدهم الصبح } للعذاب ، فقال لوط : أريد أعجل من ذلك ، بل الساعة يا جبريل ، فقالوا له : أليس الصبح بقريب .

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ

{ فلما جاء أمرنا} عذابنا { جعلنا عاليها سافلها } وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحتها حتى قلعها ، وصعد بها إلى السماء ، ثم قلبها إلى الأرض { وأمطرنا عليها حجارة } قبل قلبهاإلى الأرض { من سجيل } من طين مطبوخ ،طبخ حتى صار كالآجر ، فهو سنك كل بالفارسية ، فعرب ، { منضود } يتلو بعضه بعضا .

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

{ مسومة} معلمة بعلامة بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا { عند ربك } في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإرادته { وما هي من الظالمين ببعيد } يعني : كفار قريش ، يرهبهم بها .

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ

{ وإلى مدين} ذكرنا تفسير هذه الآية في سورة الأعراف ، وقوله : { إني أراكم بخير } يعني : النعمة والخصب ، يقول : أي حاجة بكم إلى التطفيف مع ما أنعم الله سبحانه به عليكم من المال ورخص السعر { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } يوعدهم بعذاب يحيط بهم فلا يفلت منهم أحد . ،

وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

{ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط} أتموهما بالعدل .

بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ

{ بقية الله} أي : ما أبقى الله لكم بعد إيفاء الكيل والوزن { خير لكم } من البخس ، يعني : من تعجيل النفع به { إن كنتم مؤمنين } مصدقين في نعمه . شرط الإيمان لأنهم إنما يعرفون صحة ما يقول إذا كانوا مؤمنين { وما أنا عليكم بحفيظ } أي : لم أؤمر بقتالكم وإكراهكم على الإيمان .

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ

{ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} يريدون : دينك يأمرك ، أي : أفي دينك الأمر بذا ؟ { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } من البخس والظلم ، ونقص المكيال والميزان { إنك لأنت الحليم الرشيد } أي : السفيه الجاهل ، وقالوا : الحليم الرشيد على طريق الاستهزاء .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَي

{ قال يا قوم أرأيتم } أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } بيان وحجة من ربي { ورزقني منه رزقا حسنا} حلالا ، وذلك أنه كان كثير المال ، وجواب إن محذوف على معنى : إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال ،أتبع الضلال فأبخس وأطفف ؟ يريد : أن الله تعالى قد أغناه بالمال الحلال { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } أي : لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه ، وإنما أختار لكم ما أختار لنفسي { إن أريد } ما أريد { إلا الإصلاح } فيما بيني وبينكم بأن تعبدوا الله وحده ، وأن تفعلوا ما يفعل من يخاف الله { ما استطعت } أي : بقدر طاقتي ، وطاقة الإبلاغ والإنذار ، ثم أخبر أنه لا يقدر هو ولا غيره على الطاعة إلا بتوفيق الله سبحانه ، فقال :{ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب } أرجع في الميعاد .

وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ

{ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي} لا يكسبنكم خلافي وعداوتي { أن يصيبكم} عذاب العاجلة { مثل ما أصاب قوم نوح } من الغرق { أو قوم هود } من الريح العقيم { أو قوم صالح } من الرجفة والصيحة { وما قوم لوط منكم ببعيد } في الزمان الذي بينكم وبينهم وكان إهلاكهم أقرب الإهلاكات التي عرفوها .

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ

{ واستغفروا ربكم } اطلبوا منه المغفرة { ثم توبوا إليه } توصلوا إليه بالتوبة { إن ربي رحيم } بأوليائه { ودود } محب لهم .

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ

{ قالوا يا شعيب ما نفقه } ما نفهم{ كثيرا مما تقول} أي : صحته . يعنون : ما يذكر من التوحيد والبعث والنشور { وإنا لنراك فينا ضعيفا } لأنه كان أعمى { ولولا رهطك } عشيرتك { لرجمناك} قتلناك { وما أنت علينا بعزيز} بمنيع .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

{ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله } يريد : أمنع عليكم من الله ، كأنه يقول : حفظكم إياي في الله أولى منه في رهطي { واتخذتموه وراءكم ظهريا} ألقيتموه خلف ظهوركم ، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي ، والله أعز وأكبر من جميع خلقه { إن ربي بما تعملون محيط} خبير بأعمال العباد حتى يجازيهم بها ، ثم هددهم فقال :

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ

{ ويا قوم اعملوا} الآية . يقول : اعملوا على ما أنتم عليه { إني عامل } على ما أنا عليه من طاعة الله ، وسترون منزلتكم من منزلتي ، وهو قوله :{ سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} يفضحه ويذله { ومن هو كاذب} منا { وارتقبوا إني معكم رقيب } ارتقبوا العذاب من الله سبحانه ، إني مرتقب من الله سبحانه الرحمة ، وقوله :

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ

{ أخذت الذين ظلموا الصيحة} صاح بهم جبريل صيحة فماتوا في أمكنتهم .

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ

{ ألا بعدا لمدين} أي : قد بعدوا من رحمة الله سبحانه .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ

{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } يريد : التوراة وما أنزل الله فيها من الأحكام { وسلطان مبين } وحجة بينة ، وهي العصا .

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ

{ وما أمر فرعون برشيد } بمرشد إلى خير .

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ

{ يقدم قومه} يتقدمهم إلى النار ، وهو قوله : { فأوردهم النار } أدخلهم النار { وبئس الورد المورود } المدخل المدخول .

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ

{ وأتبعوا في هذه } الدنيا { لعنة } يعني : الغرق { ويوم القيامة } يعني : ولعنة يوم القيامة ، وهو عذاب جهنم { بئس الرفد المرفود } يعني : اللعنة بعد اللعنة ، وقوله :

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ

{ منها قائم وحصيد } أي : من القرى التي أهلكت قائم بقيت حيطانه ، وحصيد مخسوف به قد محي أثره .

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ

{ وما ظلمناهم } بالعذاب والإهلاك { ولكن ظلموا أنفسهم } بالكفر والمعصية { فما أغنت عنهم } ما نفعتهم وما دفعت عنهم { آلهتهم التي يدعون } يعبدون { من دون الله } سوى الله { وما زادوهم } وما زادتهم عبادتها { غير تتبيب } بلاء وهلاك وخسارة .

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

{ وكذلك } وكما ذكرنا من إهلاك الأمم { أخذ ربك } بالعقوبة { إذا أخذ القرى وهي ظالمة } يعني : أهلها .

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ

{ إن في ذلك } يعني : ما ذكر من عذاب الأمم الخالية { لآية } لعبرة { لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس } لأن الخلق كلهم يحشرون ويجمعون لذلك اليوم { وذلك يوم مشهود } يشهد البر والفاجر .

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ

{ وما نؤخره } وما نؤخر ذلك اليوم فلا نقيمه عليكم { إلا لأجل معدود } لوقت معلوم ، ولا يعلمه أحد غير الله سبحانه .

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ

{ يوم يأت } ذلك اليوم { لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد } فمن الأنفس في ذلك اليوم شقي وسعيد .

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ

{ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق } وهما من أصوات المكروبين والمحزونين ، والزفير مثل أول نهيق الحمار ، والشهيق آخره إذا ردده في الجوف .

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

{ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } أبدا ، وهذا من ألفاظ التأبيد { إلا ما شاء ربك } أن يحرجهم ، ولكنه لا يشاء ذلك ، والمعنى : لو شاء أن لا يخلدهم لقدر . وقيل : إلا ما شاء ربك . يعني : إلا مقدار مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ، ثم يصيرون إلى النار أبدا ، وقوله :

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

{ عطاء غير مجذوذ } أي : مقطوع .

فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ

{ فلا تك } يا محمد { في مرية } شك { مما يعبد هؤلاء } أي : من حال ما يعبدون في أنها لا تضر ولا تنفع . { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } أي : كعبادة آبائهم ، يريد : إنهم على طريق التقليد يعبدون الأوثان كعبادة آبائهم { وإنا لموفوهم نصيبهم } من العذاب { غير منقوص } .

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ

{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } هذه الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتسلية له باختلاف قوم موسى في كتابه { ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير العذاب عن قومك { لقضي بينهم } لعجل عقابهم ، وفرغ من ذلك { وإنهم لفي شك منه } من القرآن { مريب } موقع للريبة .

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

{ وإن كلا } من البر والفاجر ، والمؤمن والكافر { لما } يعني : لمن، في قول الفراء ، وفي قول البصريين ما زائدة ، والمعنى : وإن كلا { ليوفينهم ربك أعمالهم } أي : ليتمن لهم جزاء أعمالهم .

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

{ فاستقم } على العمل بأمر ربك والدعاء إليه { كما أمرت } في القرآن { ومن تاب معك } يعني : أصحابه ، أي : وليستقيموا هم أيضا على ما أمروا به { ولا تطغوا } تواضعوا لله ولا تتجبروا على أحد { إنه بما تعملون بصير } لا تخفى عليه أعمال بني آدم .

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ

{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } لا تداهنوهم ولا ترضوا بأعمالهم ، يعني : الكفار { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { وما لكم من دون الله من أولياء } من مانع يمنعكم من عذاب الله { ثم لا تنصرون } استئناف .

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

{ وأقم الصلاة طرفي النهار } بالصبح والمغرب { وزلفا من الليل } صلاة العشاء قرب أول الليل ، والزلف : أول ساعات الليل . وقيل : صلاة طرفي النهار : الفجر والظهر والعصر ، وأما المغرب والعشاء فإنهما من صلاة زلف الليل . { إن الحسنات يذهبن السيئات } إن الصلوات الخمس تكفر ما بينهما من الذنوب إذا اجتنبت الكبائر { ذلك ذكرى } أي : هذه موعظة { للذاكرين }

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

{ واصبر } على الصلاة { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } يعني : المصلين .

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ

{ فلولا كان من القرون من قبلكم } أي : ما كان منهم { أولو بقية } دين وتميز وفضل { ينهون عن الفساد في الأرض } عن الشرك والاعتداء في حقوق الله والمعصية { إلا قليلا } لكن قليلا { ممن أنجينا منهم } وهم أتباع الأنبياء وأهل الحق ، نهوا عن الفساد { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه } آثروا اللذات على أمر الآخرة ، وركنوا إلى الدنيا والأموال وما أعطوا من نعيمها .

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ

{ وما كان ربك ليهلك القرى } أي : أهلها { بظلم } بشرك { وأهلها مصلحون } فيما بينهم ، أي : ليس من سبيل الكفار إذا قصدوا الحق في المعاملة أن ينزل الله بهم عذاب الاستئصال ، كقوم لوط عذبوا باللواط ، وقوم شعيب عذبوا ببخس المكيال .

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ

{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } مسلمين كلهم { ولا يزالون مختلفين } في الأديان .

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

{إلا من رحم ربك } يعني : أهل الحق { ولذلك خلقهم } أي : خلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وأهل الرحمة للرحمة .

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

{ وكلا نقص عليك } أي : كل الذي تحتاج إليه { من أنباء الرسل } نقص عليك { ما نثبت به فؤادك } ليزيدك يقينا { وجاءك في هذه } أي : في هذه السورة { الحق } يعني : ما ذكر من أقاصيص الأنبياء ومواعظهم ، وذكر السعادة والشقاوة ، وهذا تشريف لهذه السورة ، لأن غيرها من السور قد جاء فيها الحق { وموعظة وذكرى للمؤمنين } يتعظون إذا سمعوا هذه السورة ، وما نزل بالأمم لما كذبوا أنبياءهم .

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ

{ وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم } أمر تهديد ، أي : اعملوا ما أنتم عاملون .

وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ

{ وانتظروا } ما يعدكم الشيطان { إنا منتظرون } ما يعدنا ربنا من النصر .

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

{ ولله غيب السماوات والأرض } أي : علم ما غاب عن العباد فيهما { وإليه يرجع الأمر كله } في المعاد حتى لا يكون لأحد سواه أمر { وما ربك بغافل عما تعملون } أي : إنه يجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس