{يس} يا إنسان.
{والقرآن الحكيم} أقسم الله تعالى بالقرآن المحكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وهو قوله:
{إنك لمن المرسلين}.
{على صراط مستقيم} على طريق الأنبياء الذين تقدموك.
{تنزيل} أي: القرآن تنزيل {العزيز الرحيم}.
{لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} في الفترة {فهم غافلون} عن الإيمان والرشد.
{لقد حق القول} وجبت عليهم كلمة العذاب {فهم لا يؤمنون} ثم بين سبب تركهم الإيمان فقال:
{إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا} أراد: في أعناقهم وأيديهم، لأن الغل لا يكون في العنق دون اليد {فهي إلى الأذقان} أي: فأيديهم مجموعة إلى أذقانهم، لأن الغل يجعل في اليد مما يلي الذقن {فهم مقمحون} رافعوا رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق، لأن من علت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه، وهذا مثل. معناه: أمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل الله بموانع كالأغلال.
{وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا} هذا وصف إضلال الله تعالى إياهم، فهم بمنزلة من سد طريقه من بين يديه ومن خلقه. يريد: إنهم لا يستطيعون أن يخرجوا من ضلالهم {فأغشيناهم} فأعميناهم عن الهدى {فهم لا يبصرون} ـه ثم ذكر أن هؤلاء لا ينفعهم الإنذار، فقال:
{وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}.
{إنما تنذر من اتبع الذكر } إنما إنذارك من ابتع القرآن فعمل به {وخشي الرحمن بالغيب} خاف اله تعالى ولم يره.
{إنا نحن نحيي الموتى } عند البعث {ونكتب ما قدموا} من الأعمال {وآثارهم} ما استن به بعدهم. وقيل: خطاهم إلى المساجد. {وكل شيء أحصيناه} عددناه وبيناه {في إمام مبين} وهو اللوح المحفوظ.
{واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} وهي أنطاكية {إذ جاءها المرسلون} رسل عيس عليه السلام.
{إذ أرسلنا إليهم اثنين} من الحواريين {فكذبوهما فعززنا بثالث} قوينا الرسالة برسول ثالث. وقوله:
{قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون} .
{قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون}.
{وما علينا إلا البلاغ المبين}.
{إنا تطيرنا بكم} أي: تشاءمنا، وذلك أنهم حبس عنهم المطر، فقالوا: هذا بشؤمكم. {لئن لم تنتهوا لنرجمنكم} لنقتلنكم رجماً بالحجارة.
{قالوا طائركم معكم} شؤمكم معكم بكفركم {أإن ذكرتم} وعظتم وخوفتم تطيرتم {بل أنتم قوم مسرفون} مجاوزون الحد بشرككم.
{وجاء من أقصى المدينة رجل} وهو حبيب النجار، كان قد آمن بالرسل، وكان منزله في أقصى البلد، فلما سمع أن القوم كذبوهم وهموا بقتلهم أتاهم يأمرهم بالإيمان، فقال: {يا قوم اتبعوا المرسلين}.
{اتبعوا من لا يسألكم أجرا} على أداء النصح وتبليغ الرسالة {وهم مهتدون} يعني: الرسل، فقيل له: أنت على دين هؤلاء؟ فقال:
{وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون}.
{أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون}.
{إني إذا لفي ضلال مبين}.
{إني آمنت بربكم فاسمعون} فلما قال ذلك وثبوا إليه فقتلوه، فأدخله الله تعالى الجنة، فذلك قوله تعالى:
{قيل ادخل الجنة} فلما شاهدها قال: {يا ليت قومي يعلمون}.
{بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} أي: بمغفرة ربي.
الجزء الثالث والعشرون:{ما أنزلنا على قومه} يعني: على قوم حبيب {من جند من السماء} لنصرة الرسل الذين كذبوهم. يريد: لم نحتج في إهلاكهم إلى إرسال جند.
{إن كانت} ما كانت عقوبتهم {إلا صيحة واحدة} صاح بهم جبريل عليه السلام، فماتوا عن آخرهم، وهو قوله: {فإذا هم خامدون} ساكنون قد ماتوا.
{يا حسرة على العباد} يعني: هؤلاء حين استهزؤوا بالرسل، فتحسروا عند العقوبة.
{ألم يروا} يعني: أهل مكة {كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} يعني: ألم يروا أن الذين أهلكناهم قبلهم لا يرجعون إليهم.
{وإن كل} وما كل من خلق من الخلق إلا {جميع لدينا محضرون} عند البعث يوم القيامة يحضرهم ليقفوا على ما عملوا.
{وآية لهم } على البعث {الأرض الميتة أحييناها}. وقوله:
{وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون}.
{وما عملته أيديهم} أي: لم تعمله ولا صنع لهم في ذلك.
{سبحان الذي خلق الأزواج كلها} أي: الأجناس من النبات والحيوان {ومما لا يعلمون} مما خلق الله سبحانه من جميع الأنواع والأشباه.
{وآية لهم } ودلالة لهم على توحيد الله سبحانه وقدرته {الليل نسلخ} نخرج {منه النهار} إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النهار، والمعنى: ننزع النهار فنذهب به، ونأتي بالليل { فإذا هم مظلمون} داخلون في الظلام.
{والشمس} أي: وآية لهم الشمس {تجري لمستقر لها} عند انقضاء الدنيا.
{والقمر قدرناه منازل} ذا منازل {حتى عاد} في آخر منزله {كالعرجون القديم} وهو عود الشمراخ إذا يبس اعوج.
{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} فيجتمعا معاً {ولا الليل سابق النهار} يسبقه فيأتي قبل انقضاء النهار {وكل} من الشمس والقمر والنجوم {في فلك يسبحون}. يسيرون.
{وآية لهم أنا حملنا ذريتهم } أباهم {في الفلك المشحون} يعني: سفينة نوح عليه السلام.
{وخلقنا لهم من مثله} من مثل جنس سفينة نوح {ما يركبون} في البحر.
{وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم} فلا مغيث لهم {ولا هم ينقذون} ينجون.
{رحمة منا ومتاعا إلى حين} أي: إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى انقضاء آجالهم.
{وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم} العذاب الذي عذب به الأمم قبلكم {وما خلفكم} يعني: عذاب الآخرة {لعلكم ترحمون} لكي تكونوا على رجاء الرحمة، وجواب {إذا} محذوف تقديره: وإذا قيل لهم هذا أعرضوا، ودل على هذا قوله تعالى:
{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين}.
{وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ال} كان فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون للمشركين: أعطونا من أموالكم ما زعمتم أنها لله تعالى، فكانوا يقولون استهزاءً: {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} فقال الله تعالى: {إن أنتم إلا في ضلال مبين}.
{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أنا نبعث.
{ما ينظرون} ما ينتظرون {إلا صيحة واحدة} وهي نفخة إسرافيل {تأخذهم وهم يخصمون} يختصمون، يخاصم بعضهم بعضاً. يعني: يوم تقوم الساعة وهم في غفلة عنها.
{فلا يستطيعون} بعد ذلك أن يوصوا في أمورهم بشيء {ولا إلى أهلهم يرجعون} لا ينقلبون إلى أهليهم من الأسواق، ويموتون في مكانهم.
{ونفخ في الصور} يعني: نفخة البعث {فإذا هم من الأجداث} القبور {إلى ربهم ينسلون} يخرجون بسرعة.
{قالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} أي: منامنا، وذلك أنهم كانوا قد رفع عنه العذاب فيا بين النفختين، فيرقدون ثم يقولون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} أقروا حين لم ينفعهم.
{إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} يريد: إن بعثهم وإحياءهم كان بصيحة تصاح بهم، وهو قول إسرافيل عليه السلام: أيتها العظام البالية.
{فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون}.
{إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} بافتضاض الأبكار { فاكهون} ناعمون فرحون معجبون.
{هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون}.
{ولهم ما يدعون} يتمنون.
{سلام} أي: لهم سلام {قولا} يقوله الله عز وجل قولاً.
{وامتازوا اليوم أيها المجرمون} أي: انفردوا عن المؤمنين.
{ألم أعهد إليكم} ألم آمركم {يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
{وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}.
{ولقد أضل منكم جبلا} خلقاً {كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} عدوانه وإضلاله.
{هذه جهنم التي كنتم توعدون}.
{اصلوها اليوم} ادخلوها وقاسوا حرها {بما كنتم تكفرون} بكفركم.
{اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}.
{ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم {فاستبقوا الصراط} فتبادروا إلى الطريق {فأنى} يبصرون حينئذ وقد طمسنا أعنيهم؟
{ولو نشاء لمسخناهم} حجارةً وقردةً وخنازير {على مكانتهم} في منازلهم {فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} أي: لم يقدروا على ذهاب ولا مجيء.
{ومن نعمره ننكسه في الخلق} من أطلنا عمره نكسنا خلقه، فصار بدل القوة ضعفاً، وبدل الشباب هرماً {أفلا يعقلون} أنا نفعل ذلك.
{وما علمناه الشعر} لم نعلم محمداً صلى الله عليه وسلم قول الشعر {وما ينبغي له} وما يتسهل له ذلك {إن هو} أي: ليس الذي أتى به {إلا ذكر وقرآن مبين}.
{لينذر من كان حيا} عاقلاً، فلا يغفل ما يخاطب به، لأن الكافر كالميت {ويحق القول على الكافرين} تجب الحجة عليهم.
{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما} أي: عملناه من غير واسطة ولا توكيل، ولا شريك أعاننا {أنعاما فهم لها مالكون} ضابطون.
{وذللناها} سخرناها {لهم فمنها ركوبهم} ما يركبون.
{ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون}.
{واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون} يمنعون من عذاب الله تعالى.
{لا يستطيعون نصرهم} لا تنصرهم آلهتهم {وهم لهم جند محضرون}. في النار، لأن أوثانهم معهم فيها.
{فلا يحزنك قولهم} فيك بالسوء والقبيح. {إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} فنجازيهم بذلك.
{أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة} يعني: العاص بن وائل. وقيل: أبي بن خلف {فإذا هو خصيم مبين} جدل بالباطل، خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث، وهو قوله:
{وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} وهو أنه قال: متى يحيي الله العظم البالي المتفتت؟ ونسي ابتداء خلقه، لأنه لو علم ذلك ما أنكر الإعادة، وهذا معنى قوله: {قال من يحيي العظام وهي رميم} أي: بالية.
{قل يحييها الذي أنشأها} خلقها {أول مرة وهو بكل خلق} من الابتداء والإعادة {عليم}.
{الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا} يعني: المرخ والعفار، ومنهما زنود الأعراب {فإذا أنتم منه توقدون} تورون النار، ثم احتج عليهم بخلق السماوات والأرض، فقال:
{وليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم} ثم ذكر كمال قدرته فقال:
{إنما أمره إذا أراد شيئا} أي: خلق شيء {أن يقول له كن فيكون} ذلك الشيء.
{فسبحان} تنزيهاً لله سبحانه من أن يوصف بغير القدرة على الإعادة {الذي بيده ملكوت كل شيء} أي: القدرة على كل شيء {وإليه ترجعون} تردون في الآخرة.