islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
12361

7-الأعراف

المص

{ المص } أنا الله أعلم وأفضل .

كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

{ كتاب } أي : هذا كتاب { أنزل إليك } من ربك { فلا يكن في صدرك حرج منه } فلا يضيقن صدرك بإبلاغ ما أرسلت به { لتنذر به } أي : أنزل لتنذر به الناس { وذكرى للمؤمنين } مواعظ للمصدقين .

اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ

{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } يعني : القرآن { ولا تتبعوا من دونه أولياء } لا تتخذوا غير الله أولياء { قليلا ما تذكرون } قليلا يا معشر المشركين اتعاظكم .

وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ

{ وكم من قرية أهلكناها } يعني : أهلها { فجاءها بأسنا } عذابنا { بياتا } ليلا { أو هم قائلون } نائمون نهارا . بعنب : جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له .

فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ

{ فما كان دعواهم } دعاؤهم وتضرعهم { إذ جاءهم بأسنا إلا أن } أقروا على أنفسهم بالشرك و { قالوا إنا كنا ظالمين } .

فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ

{ فلنسألن الذين أرسل إليهم } نسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل ، ونسأل الرسل هل بلغوا ما أرسلوا به .

فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ

{ فلنقصن عليهم بعلم } لنخبرنهم بما عملوا بعلم منا { وما كنا غائبين } عن الرسل والأمم ما بلغت وما رد عليهم قومهم .

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

{ والوزن يومئذ } يعني : وزن الأعمال يوم السؤال الذي ذكر في قوله : { فلنسألن } { الحق } العدل ، وذلك أن أعمال المؤمنين تتصور في صورة حسنة ، وأعمال الكافرين في صورة قبيحة ، فتوزن تلك الصورة ، فذلك قوله : { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } الناجون الفائزون ، وهم المؤمنون .

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ

{ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم } صاروا إلى العذاب { بما كانوا بآياتنا يظلمون } يجحدون بما جاء به محمد عليه السلام .

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ

{ ولقد مكناكم في الأرض } ملكناكم فيما بين مكة إلى اليمن ، وإلى الشام . يعني : مشركي مكة { وجعلنا لكم فيها معايش } ما تعيشون به من الرزق والمال والتجارة { قليلا ما تشكرون } أي : إنكم غير شاكرين لما أنعمت عليكم .

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

{ ولقد خلقناكم } يعني : آدم { ثم صورناكم } في ظهره .

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ

{ قال ما منعك أن لا تسجد } لا زائدة . معناها : ما منعك أن تسجد ؟ وهو سؤال التوبيخ والتعنيف { قال أنا خير منه } معناه : منعني من السجود له أني خير منه إذ كنت ناريا ، وكان طينيا ، فترك الأمر وقاس ، فعصى .

قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ

{ قال فاهبط منها } فانزل من الجنة . وقيل : من السماء { فما يكون لك أن تتكبر فيها } عن أمري وتعصيني { فاخرج إنك من الصاغرين } الأذلاء بترك الطاعة .

قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

{ قال أنظرني } أمهلني { إلى يوم يبعثون } يريد : النفخة الثانية .

قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ

{ قال إنك من المنظرين } .

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ

{ قال : فبما أغويتني } يريد : فبما أضللتني ، أي : بإغوائك إياي { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } على الطريق المستقيم الذي يسلكونه إلى الجنة ، بأن أزين لهم الباطل .

ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ

{ ثم لآتينهم من بين أيديهم } يعني : آخرتهم التي يردون عليها ، فأشككهم فيها { ومن خلفهم } دنياهم التي يخلفونها ، فأرغبهم فيها { وعن أيمانهم } أشبه عليهم أمر دينهم { وعن شمائلهم } أشهي لهم المعاصي .

قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ

{ قال اخرج منها } من الجنة { مذؤوما } مذموما بأبلغ الذم { مدحورا } مطرودا ملعونا { لمن تبعك منهم } من أولاد آدم { لأملأن جهنم منكم } يعني : من الكافرين وقرنائهم من الشياطين .

وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ

{ ويا آدم اسكن } سبق تفسيره في سورة البقرة .

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

{ فوسوس لهما الشيطان } أي : حدث لهما في أنفسهما { ليبدي لهما } هذه اللام لام العاقبة ، وذلك أن عاقبة تلك الوسوسة أدت إلى أن بدت لهما سوآتهما ، يعني : فروجهما بتهافت اللباس عنهما ، وهو قوله { ما وري } أي : ستر { عنهما من سوآتهما } { وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } أي : عن أكلها { إلا أن تكونا } لا هاهنا مضمرة ، أي : إلا أن لا تكونا { ملكين } يبقيان ولا يموتان ، كما لا تموت الملائكة . يدل على هذا المعنى قوله : { أو تكونا من الخالدين } .

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ

{ وقاسمهما } حلف لهما { إني لكما لمن الناصحين } .

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَ

{ فدلاهما بغرور } غرهما باليمين ، ومعنى دلاهما : جرأهما على أكل الشجرة بما غرهما به من يمينه { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما } تهافت لباسهما عنهما ، فأبصر كل واحد منهما عورة صاحبه ، فاستحييا { وطفقا يخصفان } أقبلا وجعلا يرقعان الورق كهيئة الثواب ليستترا به { وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } .

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

{ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } .

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ

{ قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر } موضع قرار ، ثم فسر ذلك بقوله :

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ

{ فيها تحيون } ولما ذكر عري آدم وحواء من علينا بما خلق لنا من اللباس فقال :

يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ

{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم } أي : خلقنا لكم { لباسا يواري سوآتكم } يستر عوراتكم { وريشا } أي : مالا ، وما تتجملون به من الثياب الحسنة { ولباس التقوى } أي : ستر العورة لمن يتقي الله فيواري عورته { ذلك خير } لصاحبه إ ذا أخذ به ، أو خير من التعري ، وذلك أن جماعة من المشركين كانوا يتعبدون بالتعري وخلع الثياب في الطواف بالبيت . { ذلك من آيات الله } أي : من فرائضه التي أوجبها بآياته . يعني : ستر العورة { لعلهم يذكرون } لكي يتعظوا .

يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِ

{ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } لا يخدعنكم ولا يضلنكم { كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما } أضاف النزع إليه وإن لم يتول ذلك ، لأنه كان بسبب منه { إنه يراكم هو وقبيله } يعني : ومن كان من نسله { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } سلطناهم عليهم ليزيدوا في غيهم ، كما قال : { أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين } .

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

{ وإذا فعلوا فاحشة } يعني : طوافهم بالبيت عارين .

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ

{ قل أمر ربي بالقسط } رد لقولهم : (والله أمرنا به ) والقسط : العدل { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة { وادعوه مخلصين له الدين } وحدوه ولا تشركوا به شيئا . { كما بدأكم } في الخلق شقيا وسعيدا ، فكذلك { تعودون } سعداء وأشقياء . يدل على صحة هذا المعنى قوله :

فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

{ فريقا هدى } أرشد إلى دينه ، وهم أولياؤه { وفريقا حق عليهم الضلالة } أضلهم ، وهم أولياء الشيطان { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } ثم أمرهم أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا ، فقال :

يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

{ يا بني آدم خذوا زينتكم } يعني : ما وارى العورة { عند كل مسجد } لصلاة أو طواف { وكلوا واشربوا } كان أهل الجاهلية لا يأكلون أيام حجهم إلا قوتا ، ولا يأكلون دسما . يعظمون بذلك حجهم ، فقال المسلمون : نحن أحق أن نفعل ، فأنزل الله تعالى : { وكلوا } يعني : اللحم والدسم { واشربوا } اللبن والماء وما أحل لكم { ولا تسرفوا } بحظركم على أنفسكم ما قد أحللته لكم من اللحم والدسم { إنه لا يحب } من فعل ذلك ، أي : لايثيبه ولا يدخله الجنة .

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

{ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } من حرم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم { والطيبات من الرزق } يعني : ما حرموه على أنفسهم أيام حجهم { قل هي } أي : الطيبات من الرزق { للذين آمنوا في الحياة الدنيا } مباحة لهم مع اشتراك الكافرين معهم فيها في الدنيا ، ثم هي تخلص للمؤمنين يوم القيامة ، وليس للكافرين فيها شيء ، وهو معنى قوله : { خالصة يوم القيامة } { كذلك نفصل الآيات } نفسر ما أحللت وما حرمت { لقوم يعلمون } أني أنا الله لا شريك لي .

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

{ قل إنما حرم ربي الفواحش } الكبائر والقبائح { ما ظهر منها وما بطن } سرها وعلانيتها { والإثم } يعني : المعصية التي توجب الإثم { والبغي } ظلم الناس ، وهو أن يطلب ما ليس له { وأن تشركوا بالله } تعدلوا به في العبادة { ما لم ينزل به سلطانا } لم ينزل كتابا فيه حجة { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من أنه حرم الحرث والأنعام ، وأن الملائكة بنات الله .

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

{ ولكل أمة أجل } وقت مضروب لعذابهم وهلاكهم { فإذا جاء أجلهم } بالعذاب { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } لا يتأخرون ولا يتقدمون حتى يعذبوا .

يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

{ يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي } فرائضي وأحكامي { فمن اتقى } اتقاني وخافني { وأصلح } ما بيني وبينه { فلا خوف عليهم } إذا خاف الخلق في القيامة { ولا هم يحزنون } إذا حزنوا .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

{والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا

{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } فجعل له ولدا أو شريكا { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } ما كتب لهم من العذاب ، وهو سواد الوجه ، وزرقة العيون { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم } يريد : الملائكة يقبضون أرواحهم { قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله } ؟ سؤال توبيخ وتبكيت وتقريع { قالوا ضلوا عنا } بطلوا وذهبوا { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } اعترفوا عند معاينة الموت ، وأقروا على أنفسهم بالكفر .

قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ

{ قال ادخلوا } أي : قال الله تعالى لهم : ادخلوا النار { في أمم } أي : مع { أمم قد خلت من قبلكم } . { كلما دخلت أمة } النار { لعنت أختها } يعني : الأمم التي سبقتها إلى النار ، لأنهم ضلوا باتباعهم { حتى إذا اداركوا فيها } أي : تداركوا ، وتلاحقوا جميعا في النار { قالت أخراهم } أي : أخراهم دخولا إلى النار { لأولاهم } دخولا . يعني : قالت الأتباع للقادة : { ربنا هؤلاء أضلونا } لأنهم شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها { فآتهم عذابا ضعفا } أضعف عليهم العذاب بأشد مما تعذبنا به { قال } الله تعالى : { لكل ضعف } للتابع والمتبوع عذاب مضاعف { ولكن لا تعلمون } يا أهل الكتاب في الدنيا مقدار ذلك ، وقوله :

وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ

{ فما كان لكم علينا من فضل } لأنكم كفرتم كما كفرنا ، فنحن وأنتم في الكفر سواء .

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

{ إن الذين كذبوا بآياتنا } بحججنا التي تدل على توحيد الله ، ونبوة الأنبياء { واستكبروا عنها } ترفعوا عن الإيمان بها والانقياد لأحكامها { لا تفتح لهم أبواب السماء } لا تصعد أرواحهم ، ولا أعمالهم ، ولا شيء مما يريدون الله به إلى السماء { ولا يدخلون الجنة حتى يلج } يدخل { الجمل في سم الخياط } ثقب الإبرة .يعني : أبدا { وكذلك } وكما وصفنا { نجزي المجرمين } أي : المكذبين بآيات الله ، ثم أخبر عن إحاطة النار بهم من كل جانب ، فقال :

لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

{ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } يعني : لهم منها غطاء ، ووطاء ، وفراش ولحاف { وكذلك نجزي الظالمين } يعني : الذين أشركوا بالله .

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها } أي : إلا ما تطيقه ولا تعجز عنه ، والمعنى : لا نكلف نفسا منهم إلا وسعها ، ثم أخبر بباقي الآية عن مآلهم .

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ

{ ونزعنا ما في صدورهم من غل } أذهبنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا { تجري من تحتهم الأنهار } من تحت منازلهم وقصورهم ، فإذا استقروا في منازلهم { قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } أي : هدانا لما صيرنا إلى هذا الثواب من العمل الذي أدى إليه ، وأقروا أن المهتدي من هدى الله بقوله : { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } فحين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا قالوا : { لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة } قيل لهم : هذه تلكم الجنة التي وعدتم { أورثتموها } أورثتم منازل أهل النار فيها لو عملوا بطاعة الله { بما كنتم تعملون } توحدون الله وتطيعونه .

وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

{ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا } في الدنيا من الثواب { حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم } من العذاب { حقا } وهذا سؤال تعيير وتقرير ، فأجاب أهل النار و { قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم } نادى مناد وسطهم نداء يسمع الفريقين ، وهو صاحب الصور { أن لعنة الله على الظالمين } .

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ

{ الذين يصدون } يمنعون { عن سبيل الله } دين الله وطاعته { ويبغونها عوجا } ويطلبونها بالصلاة لغير الله ، وتعظيم ما لم يعظمه الله .

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ

{ وبينهما } بين أهل الجنة وبين أهل النار { حجاب } حاجز ، وهو سور الأعراف { وعلى الأعراف } يريد : سور الجنة { رجال } وهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم { يعرفون كلا بسيماهم } يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ، وأهل النار بسوادها ، وذلك لأن موضعهم عال مرتفع ، فهم يرون الفريقين { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم } إذا نظروا إلى الجنة سلموا على أهلها { لم يدخلوها } يعني : أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة { وهم يطمعون } في دخولها .

وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

{ وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } أي : جهة لقائهم .

وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ

{ ونادى أصحاب الأعراف رجالا } من أهل النار { يعرفونهم بسيماهم } من رؤساء المشركين فيقولون لهم : { ما أغنى عنكم جمعكم } المال واستكثارهم منه { وما كنتم تستكبرون } عن عبادة الله ، ثم يقسم أصحاب النار أن أصحاب الأعراف داخلون معهم النار ، فتقول الملائكة الذين حبسوا أصحاب الأعراف :

أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ

{ أهؤلاء الذين أقسمتم } يا أصحاب النار { لا ينالهم الله برحمة } يقولون لأصحاب الأعراف : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } .

وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ

{ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } يعني : الطعام ، وهذا يدل على جوعهم وعطشهم { قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } تحريم منع لا تحريم تعبد .

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ

{ الذين اتخذوا دينهم } الذي شرع لهم { لهوا ولعبا } يعني : المستهزئين المقتسمين { فاليوم ننساهم } نتركهم في جهنم { كما نسوا لقاء يومهم هذا } كما تركوا العمل لهذا اليوم {وما كانوا بآياتنا يجحدون } أي : وكما جحدوا بآياتنا ولم يصدقوها .

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

{ ولقد جئناهم } يعني : المشركين { بكتاب } هو القرآن { فصلناه } بيناه { على علم } فيه . يعني : ما أودع من العلوم وبيان الأحكام { هدى } هاديا { ورحمة } وذا رحمة { لقوم يؤمنون } لقوم أريد به هدايتهم وإيمانهم .

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُو

{ هل ينظرون } ينتظرون ، أي : كأنهم ينتظرون ذلك ، لأنه يأتيهم لا محالة { إلا تأويله } عاقبة ما وعد الله في الكتاب من البعث والنشور { يوم يأتي تأويله } وهو يوم القيامة { يقول الذين نسوه من قبل } تركوا الإيمان به والعمل له من قبل إتيانه : { قد جاءت رسل ربنا بالحق } بالصدق والبيان { فهل لنا من شفعاء } هل يشفع لنا شافع ؟ { أو } هل { نرد } إلى الدنيا { فنعمل غير الذي كنا نعمل } نوحد الله ونترك الشرك ، يقول الله : { قد خسروا أنفسهم } حين صاروا إلى الهلاك { وضل عنهم ما كانوا يفترون } سقط عنهم ما كانوا يقولونه من أن مع الله إلها آخر .

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَ

{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } أي : في مقدار ستة أيام ، من الأحد إلى السبت ، واجتمع الخلق في الجمعة { ثم استوى على العرش } أقبل على خلقه ، وقصد إلى ذلك بعد خلق السماوات والأرض { يغشي الليل النهار } يلبسه ويدخله عليه { يطلبه حثيثا } يطلب الليل دائبا لا غفلة له { والشمس } وخلق الشمس { والقمر والنجوم مسخرات } مذللات لما يراد منها من طلوع وأفول ، وسير ورجوع { بأمره } بإذنه { ألا له الخلق } يعني : إن جميع ما في العالم مخلوق له { و } له { الأمر } فيهم ، يأمر بما أراد { تبارك الله } تمجد وارتفع وتعالى .

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

{ ادعوا ربكم تضرعا } أي : تملقا { وخفية } سرا { إنه لا يحب المعتدين } المجاوزين ما أمروا به .

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

{ ولا تفسدوا في الأرض } بالشرك والمعاصي وسفك الدماء { بعد } إصلاح الله إياها ببعث الرسول { وادعوه خوفا } من عقابه { وطمعا } في ثوابه { إن رحمة الله } ثواب الله { قريب من المحسنين } وهم الذين يطيعون الله فيما أمر .

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّ

{ وهو الذي يرسل الرياح بشرا } طيبة لينة ، من النشر وهو الرائحة الطيبة .وقيل : متفرقة في كل جانب ، بمعنى المنتشرة { بين يدي رحمته } قدام مطره { حتى إذا أقلت } أي : حملت هذه الرياح { سحابا ثقالا } بما فيها من الماء سقنا السحاب { لبلد ميت } إلى مكان ليس فيه نبات { فأنزلنا به } بذلك البلد { الماء فأخرجنا } بذلك الماء { من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى } أي : نحيي الموتى مثل ذلك الإحياء الذي وصفناه في البلد الميت { لعلكم تذكرون } لعلكم بما بينا تتعظون ، فتستدلون على توحيد الله وقدرته على البعث ، ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر فقال :

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ

{ والبلد الطيب } يعني : العذب التراب { يخرج نباته بإذن ربه } وهذا مثل المؤمن يسمع القرآن فينتفع به ، ويحسن أثره غليه { والذي خبث } ترابه وأصله { لا يخرج } نباته { إلا نكدا } عسرا مبطئا ، وهو مثل الكافر يسمع القرآن ، ولا يؤثر فيه أثرا محمودا ، كالبلد الخبيث لا يؤثر فيه المطر { كذلك نصرف الآيات } نبينها { لقوم يشكرون } نعم الله ويطيعونه .

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } ظاهر إلى قوله :

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

{قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين}.

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

{قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين}.

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

{ وأنصح لكم } أي : أدعوكم إلى ما دعاني الله إليه { وأعلم من الله ما لا تعلمون } من أنه غفور لمن رجع عن معاصيه ، وأن عذابه أليم لمن أصر عليها .

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

{ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم } موعظة من الله { على رجل } على لسان رجل { منكم } تعرفون نسبه . وقوله :

فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ

{ إنهم كانوا قوما عمين } عميت قلوبهم عن معرفة الله تعالى وقدرته .

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ

{ وإلى عاد أخاهم } وأرسلنا إلى عاد أخاهم ابن أبيهم { هودا قال يا قوم اعبدوا الله } وحدوا الله { ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } أفلا تخافون نقمته .

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

{ قال الملأ } الرؤساء والجماعة { الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة } حمق وجهل { وإنا لنظنك من الكاذبين } فيما جئت به من ادعاء النبوة . وقوله :

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

{قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين}.

أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ

{ ناصح أمين } أي : على الرسالة لا أكذب فيها .

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

{ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } أي : استخلفكم في الأرض بعد هلاكهم { وزادكم في الخلق بسطة } فضيلة في الطول { فاذكروا آلاء الله } نعم الله عليكم { لعلكم تفلحون } كي تسعدوا وتبقوا في الجنة ، وقوله :

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

{ فأتنا بما تعدنا } أي : من العذاب { إن كنت من الصادقين } أن العذاب نازل بنا .

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

{ قال : قد وقع } وجب { عليكم من ربكم رجس وغضب } عذاب وسخط { أتجادلونني في أسماء سميتموها } كانت لهم أصنام سموها أسماء مختلفة ، فلما دعاهم الرسول إلى التوحيد استنكروا عبادة الله وحده . { ما نزل الله بها من سلطان } من حجة وبرهان لكم في عبادتها { فانتظروا } العذاب { إني معكم من المنتظرين } ذلك في تكذيبهم إياي ، وقوله :

فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ

{فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين}.

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذ

{ فذروها تأكل في أرض الله } أي : سهل الله عليكم أمرها ، فليس عليكم رزقها ولا مؤونتها ، وقوله :

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

{ وبوأكم في الأرض } أي : أسكنكم وجعل لكم فيها مساكن { تتخذون من سهولها قصورا } تبنون القصور بكل موضع { وتنحتون الجبال بيوتا } يريد : بيوتا في الجبال تشققونها ، وكانوا يسكنونها شتاء ، ويسكنون القصور بالصيف .

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ

{ قال الملأ } وهم الأشراف { الذين استكبروا من قومه } عن عبادة الله { للذين استضعفوا } يريد المساكين { لمن آمن منهم } بدل من قوله : { للذين استضعفوا } لأنهم المؤمنون .

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ

{قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون}.

فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

{ فعقروا الناقة } نحروها { وعتوا عن أمر ربهم } عصوا الله وتركوا أمره في الناقة { وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا } من العذاب .

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ

{ فأخذتهم الرجفة } وهي الزلزلة الشديدة { فأصبحوا في دارهم } بلدهم { جاثمين } خامدين ميتين .

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ

{ فتولى عنهم } أعرض عنهم صالح بعد نزول العذاب بهم { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم } خوفتكم عقاب الله ، وهذا كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى بدر .

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ

{ ولوطا } وأرسلنا لوطا ، أي : واذكر لوطا { إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة } يعني : إتيان الذكور { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } قالوا : ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط .

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ

{ إنكم لتأتون الرجال } الآية .

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ

{ وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم } يعني : لوطا وأتباعه { إنهم أناس يتطهرون } عن إتيان الرجال في أدبارهم .

فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ

{ فأنجيناه وأهله } ابنتيه { إلا امرأته كانت من الغابرين } الباقين في عذاب الله .

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ

{ وأمطرنا عليهم مطرا } يعني : حجارة .

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَع

{ وإلى مدين } وهم قبيلة من ولد إبراهيم عليه السلام { قد جاءتكم بينة من ربكم } موعظة { فأوفوا الكيل والميزان } أتموهما ، وكانوا أهل كفر وبخس للمكيال والميزان { ولا تفسدوا في الأرض } لا تعملوا فيها بالمعاصي بعد أن أصلحها الله ببعثة شعيب والأمر بالعدل .

وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } لا تقعدوا على طريق الناس ، فتخوفون أهل الإيمان بشعيب بالقتل ونحو ذلك وتأخذون ثياب من مر بكم من الغرباء { وتصدون عن سبيل الله من آمن به } وتصرفون عن الإسلام من آمن بشعيب { وتبغونها عوجا } تلتمسون لها الزيغ { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } بعد القلة ، وأعزكم بعد الذلة ، وذلك أنه كان مدين بن إبراهيم ، وزوجه ريثا بنت لوط ، فولدت حتى كثر عدد أولادها .

وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ

{وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}.

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ

{ قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا } معناه أنهم قالوا لشعيب وأصحابه : ليكونن أحد الأمرين ، إما الإخراج من القرية ، أو عودكم في ملتنا ، ولا نفارقكم على مخالفتنا ،فقال شعيب : { أو لو كنا كارهين } أي : تجبروننا على العود في ملتكم ، وإن كرهنا ذلك ؟ وقوله :

قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَ

{ وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا } أي : إلا أن يكون قد سبق في علم الله وفي مشيئته أن نعود فيها { وسع ربنا كل شيء علما } علم ما يكون قبل أن يكون { ربنا افتح } احكم واقض { بيننا وبين قومنا بالحق } وقوله :

وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ

{وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون}.

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ

{فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ

{ كأن لم يغنوا فيها } أي : لم يقيموا فيها ، ولم ينزلوا ، وقوله :

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ

{ فكيف آسى على قوم كافرين} أي : كيف يشتد حزني عليهم ، ومعناه : الإنكار . أي : لا آسى .

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ

{ وما أرسلنا في قرية } في مدينة { من نبي } فكذبه أهلها { إلا أخذنا } هم { بالبأساء والضراء } بالفقر والجوع { لعلهم يضرعون } كي يستكينوا ويرجعوا .

ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

{ ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } بدل البؤس والمرض الغنى والصحة { حتى عفوا } كثروا وسمنوا ، وسمنت أموالهم { وقالوا } من غرتهم وجهلهم : { قد مس آباءنا الضراء والسراء } قد أصاب آباءنا في الدهر مثل ما أصابنا ، وتلك عادة الدهر ، ولم يكن ما مسنا عقوبة من الله ، فكونوا على ما أنتم عليه ، فلما فسدوا على الأمرين جميعا أخذهم الله بغتة { وهم لا يشعرون } بنزول العذاب ، وهذا تخويف لمشركي قريش .

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

{ ولو أن أهل القرى آمنوا } وحدوا الله { واتقوا } الشرك { لفتحنا عليهم بركات من السماء } بالمطر { و } من {الأرض } بالنبات والثمار { ولكن كذبوا } الرسل { فأخذناهم } بالجدوبة والقحط { بما كانوا يكسبون } من الكفر والمعصية .

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ

{ أفأمن أهل القرى } يعني : أهل مكة وما حولها ، ومعنى هذه الآية وما بعدها : أنه لا يجوز لهم أن يأمنوا ليلا ولا نهارا بعد تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله :

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ

{ وهم يلعبون } أي : وهم في غير ما يجدي عليهم .

أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ

{ أفأمنوا مكر الله } عذاب الله أن يأتيهم بغتة .

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ

{ أولم يهد } يتبين { للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } كفار مكة ومن حولهم { أن لو نشاء أصبناهم } عذبناهم { بذنوبهم } ثم { ونطبع على قلوبهم } حتى يموتوا على الكفر ، فيدخلوا النار ، والمعنى : ألم يعلموا أنا لو نشاء فعلنا ذلك .

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ

{ تلك القرى } التي أهلكت أهلها { نقص عليك من أنبائها } نتلو عليك من أخبارها ، كيف أهلكت { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } يعني : الذين أرسلوا إليهم { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عندإرسال الرسل بما كذبوا يوم أخذ ميثاقهم ، فأقروا بلسانهم وأضمروا التكذيب { كذلك } أي : مثل ذلك الذي طبع الله على قلوب كفار الأمم { يطبع الله على قلوب الكافرين } الذين كتب عليهم ألا يؤمنوا أبدا .

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ

{ وما وجدنا لأكثرهم من عهد } يعني : الوفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق .

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

{ ثم بعثنا من بعدهم } الأنبياء الذين جرى ذكرهم { موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها } فجحدوا بها وكذبوا { فانظر } بعين قلبك { كيف كان } عاقبتهم ، وكيف فعلنا بهم ، وقوله :

وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

{وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين}.

حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ

{ حقيق على أن لا أقول } أي : أنا حقيق بأن لا أقول { على الله إلا } ما هو { الحق } وهو أنه واحد لا شريك له { قد جئتكم ببينة من ربكم } أي : بأمر من ربكم وهو العصا { فأرسل معي بني إسرائيل } أ ي: أطلق عليهم ، وخلهم ، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة ، وقوله :

قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

{قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين}.

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

{ فإذا هي } أي : العصا { ثعبان } وهو أعظم ما يكون من الحيات { مبين } بين أنه حية لا لبس فيه .

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ

{ ونزع يده } أخرجها من جيبه .

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ

{قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم}.

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

{ يريد أن يخرجكم من أرضكم } هذا قول الأشراف من قوم فرعون ، قالوا : يريد موسى أن يخرجكم معشر القبط من أرضكم ، ويزيل ملككم بتقوية عدوكم بني إسرائيل ، فقال فرعون لهم : { فماذا تأمرون } أيش تشيرون به علي ؟

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ

{ قالوا أرجه وأخاه } أخر أمره وأمر أخيه ولا تعجل { وأرسل في المدائن } في مدائن صعيد مصر { حاشرين } رجالا يحشرون إليك من في الصعيد من السحرة ، فأرسل { وجاء السحرة فرعون } وطالبوه بالمال والجوائز إن غلبوه ، فأجابهم فرعون إلى ذلك ، وهو قوله :

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ

{يأتوك بكل ساحر عليم}.

وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ

{وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}.

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

{ قال نعم وإنكم لمن المقربين } أي : ولكم من الأجر المنزلة الرفيعة عندي .

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ

{ قالوا يا موسى إما أن تلقي } عصاك { وإما أن نكون نحن الملقين } ما معنا من الحبال والعصي .

قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ

{ قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم } قلبوها عن صحة إدراكها حيث رأوها حيات { وجاؤوا بسحر عظيم } وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا فإذا هي حيات قد ملأت الوادي .

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

{ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف } تبتلع { ما يأفكون } يكذبون فيه ، وذلك أنهم زعموا أن عصيهم وحبالهم حيات ، وكذبوا في ذلك .

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{ فوقع الحق } ظهر وغلب .

فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ

{ فغلبوا هنالك وانقلبوا } وانصرفوا { صاغرين } ذليلين .

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

{ وألقي السحرة ساجدين } خروا لله عابدين سامعين مطيعين .

قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

{قالوا آمنا برب العالمين}.

رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

{رب موسى وهارون}.

قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } أصدقتم موسى من قبل أمري إياكم ؟! { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة } لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع { لتخرجوا منها أهلها } لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها ، وتتغلبوا عليها بسحركم { فسوف تعلمون } ما يظهر لكم .

لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

{ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } على مخالفة ، وهو أن يقطع من كل شق طرف .

قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ

{ قالوا إنا إلى ربنا منقلبون } راجعون بالتوحيد والإخلاص .

وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ

{ وما تنقم منا } وما تطعن علينا ولا تكره منا { إلا أن آمنا بآيات ربنا } ما أتى به موسى من العصا واليد { ربنا أفرغ علينا صبرا } اصبب علينا الصبر عند الصلب والقطع حتى لا نرجع كفارا { وتوفنا مسلمين } على دين موسى ، ثم أغرى الملأ من قوم فرعون بموسى فقالوا :

وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ

{ أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } ليدعوا الناس إلى مخالفتك وعبادة غيرك { ويذرك وآلهتك } وذلك أن فرعون كان قد صنع لقومه أصناما صغارا ، وأمرهم بعبادتها وقال : أنا ربكم ورب هذه الأصنام ، فلذلك قوله : { أنا ربكم الأعلى } ، فقال فرعون : { سنقتل أبناءهم } وكان قد ترك قتل أبناء بني إسرائيل ، فلما كان من أمر موسى ما كان أعاد عليهم القتل ، فذلك قوله : { سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم } للمهنة والخدمة { وإنا فوقهم قاهرون } وإنا على ذلك قادرون ، فشكا بنو إسرائيل إلى موسى إعادة القتل على إبنائهم ، فقال لهم موسى :

قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

{ استعينوا بالله واصبروا } على ما يفعل بكم { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } أطمعهم موسى أن يعطيهم الله ملكهم ومالهم { والعاقبة للمتقين } أي : الجنة لمن اتقى . وقيل النصر والظفر .

قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ

{ قالوا أوذينا } بالقتل الأول { من قبل أن تأتينا } بالرسالة { ومن بعد ما جئتنا } بإعادة القتل علينا ، والإتعاب في العمل { قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم } فرعون وقومه { ويستخلفكم في الأرض } يملككم ما كان يملك فرعون { فينظر كيف تعملون } فيرى ذلك لوقوع ذلك منكم .

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ

{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } بالجدوب لأهل البوادي { ونقص من الثمرات } لأهل القرى ، وصرفنا الآيات : بيناها لهم من كل نوع { لعلهم يذكرون } كي يتعظوا .

فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

{ فإذا جاءتهم الحسنة } الخصب وسعة الرزق { قالوا لنا هذه } أي : إنا مستحقوه على العادة التي جرت لنا من النعمة ، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروا عليه { وإن تصبهم سيئة } قحط وجدب { يطيروا } يتشاءموا { بموسى } وقومه ، وقالوا : إنما أصابنا هذا الشر بشؤمهم { ألا إنما طائرهم عند الله } شؤمهم جاءهم بكفرهم بالله { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن الذي أصابهم من الله .

وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ

{ وقالوا } بموسى : { مهما تأتنا به } أي : متى ما تأتنا به { من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين } فدعا عليهم موسى ، فأرسل الله عليهم السماء بالماء حتى امتلأت بيوت القبط ماء ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة ، فذلك قوله :

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ

{ فأرسلنا عليهم الطوفان } ودام ذلك سبعة أيام ، فقالوا : { يا موسى ادع لنا ربك } يكشف عنا فنؤمن لك ، فدعا ربه فكشف ، فلم يؤمنوا فبعث الله عليهم الجراد ، فأكلت عامة زروعهم وثمارهم ، فوعدوه أن يؤمنوا إن كشف عنهم ، فكشف فلم يؤمنوا ، فبعث الله عليهم القمل ، وهو الدباء الصغار البق التي لا أجنحة لها ، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ، فصرخوا فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، فعادوا بكفرهم ، فأرسل الله عليهم الضفادع تدخل في طعامهم وشرابهم ، فعاهدوا موسى أن يؤمنوا ، فكشف عنهم فعادوا لكفرهم ، فأرسل الله عليهم الدم ، فسال النيل عليهم دما ، وصارت مياههم كلها دما ، فذلك قوله : { آيات مفصلات } مبينات { فاستكبروا } عن عبادة الله .

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ

{ ولما وقع عليهم الرجز } أي : العذاب ، وهو ما كانوا فيه من الجراد وما ذكر بعده { قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } بما أوصاك به وتقدم إليك أن تدعوه به { لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل } وقوله :

فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ

{ إلى أجل هم بالغوه } يعني : إلى الأجل الذي غرقهم فيه { إذا هم ينكثون } ينقضون العهد ولا يوفون .

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ

{ فانتقمنا منهم } سلبنا نعمتهم بالعذاب { فأغرقناهم في اليم } في البحر { بأنهم كذبوا بآياتنا } جزاء تكذيبهم { وكانوا عنها غافلين } غير معتبرين بها .

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَ

{ وأورثنا القوم } ملكناهم { الذين كانوا يستضعفون } بقتل أبنائهم واستخدام نسائهم { مشارق الأرض ومغاربها } جهات شرق أرض الشام ، وجهات غربها ، { التي باركنا فيها } بإخراج الزروع والثمار ، والأنهار والعيون { وتمت كلمة ربك الحسنى } مواعيده التي لا خلف فيها بما كانوا يحبون ، وذلك جزاء صبرهم على صنيع فرعون { ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه } أهلكنا ما عمل فرعون وقومه في أرض مصر { وما كانوا يعرشون } وما بنوا المنازل والبيوت .

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ

{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } عبرنا بهم البحر { فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم } يعبدونها مقيمين عليها { قالوا يا موسى اجعل لنا إلها } من دون الله { كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون } نعمة الله عليكم وما صنع بكم ، حيث توهمتم أنه يجوز عبادة غيره .

إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{ إن هؤلاء } يعني : الذين عكفوا على أصنامهم { متبر ما هم فيه } مهلك ومدمر { وباطل ما كانوا يعملون } يعني : إن عملهم للشيطان ، ليس لله فيه نصيب .

قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ

{ قال أغير الله أبغيكم } أطلب لكم { إلها } معبودا { وهو فضلكم على العالمين } على عالمي زمانكم بما أعطاكم من الكرامات .

وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ

{وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ

{ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } يترقب انقضاءها للمناجاة ، وهي ذو القعدة . أمره الله تعالى أن يصوم فيها ، فلما انسلخ الشهر استاك لمناجاة ربه يريد إزالة الخلوف ، فأمر بصيام عشرة من ذي الحجة ، ليكلمه بخلوف فيه ، فذلك قوله : { وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه } أي : الوقت الذي قدره الله لصوم موسى { أربعين ليلة } فلما أراد الانطلاق إلى الجبل استخلف أخاه هارون على قومه ، وهو معنى قوله : { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح } أي : وارفق بهم { ولا تتبع سبيل المفسدين } لا تطع من عصى الله ، ولا توافقه على أمره .

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ م

{ ولما جاء موسى لميقاتنا } أي : في الوقت الذي وقتنا له { وكلمه ربه } فلما سمع كلام الله { قال رب أرني } نفسك { أنظر إليك } والمعنى : إني قد سمعت كلامك فأنا أحب أن أراك { قال لن تراني } في الدنيا { ولكن } أجعل بيني وبينك ما هو أقوى منك ، وهو الجبل { فإن استقر مكانه } أي : سكن وثبت { فسوف تراني } وإن لم يستقر مكانه فإنك لا تطيق رؤيتي ، كما أن الجبل لا يطيق رؤيتي { فلما تجلى ربه } أي : ظهر وبان { جعله دكا } أي : مدقوقا مع الأرض كسرا ترابا { وخر } وسقط { موسى صعقا } مغشيا عليه { فلما أفاق قال سبحانك } تنزيها لك من السوء { تبت إليك } من مسألتي الرؤية في الدنيا { وأنا أول المؤمنين } أول قومي إيمانا .

قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ

{ قال يا موسى إني اصطفيتك } اتخذتك صفوة { على الناس برسالاتي } أي : بوحيي إليك { وبكلامي } كلمتك من غير واسطة { فخذ ما آتيتك } من الشرف والفضيلة { وكن من الشاكرين } لأنعمي في الدنيا والآخرة .

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ

{ وكتبنا له في الألواح } يعني : ألواح التوراة { من كل شيء } يحتاج إليه في أمر دينه { موعظة } نهيا عن الجهل { وتفصيلا لكل شيء } من الحلال والحرام { فخذها } أي : وقلنا له : فخذها {بقوة } بجد وصحة وعزيمة { وأمر قومك } أن { يأخذوا بأحسنها } أي : بحسنها ، وكلها حسن { سأريكم دار الفاسقين } يعني : جهنم ، أي : ولتكن على ذكر منكم لتحذروا أن تكونوا منهم .

سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأ

{ سأصرف عن آياتي } يعني : السماوات والأرض . أصرفهم عن الاعتبار بما فيها { الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } يعني : المشركين . يقول : أعاقبهم بحرمان الهداية { وإن يروا سبيل الرشد } الهدى والبيان الذي حاء من الله { لا يتخذوه سبيلا } دينا { وإن يروا سبيل الغي } طاعة الشيطان { يتخذوه سبيلا } دينا { ذلك } فعل الله بهم { بأنهم كذبوا بآياتنا } جحدوا الإيمان بها { وكانوا عنها غافلين } غير ناظرين فيها ، ولا معتبرين بها .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{ والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } يريد : الثواب والعقاب { حبطت أعمالهم } ضل سعيهم { هل يجزون إلا ما } أي : جزاء ما { كانوا يعملون } .

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ

{ واتخذ قوم موسى من بعده } أي : من بعد انطلاقه إلى الجبل { من حليهم } التي بقيت في أيديهم مما استعاروه من القبط { عجلا جسدا } لحما ودما { له خوار } صوت { ألم يروا } يعني : قوم موسى { أنه } أن العجل { لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا } لا يرشدهم إلى دين . { اتخذوه } أي : إلها ومعبودا { وكانوا ظالمين } مشركين .

وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

{ ولما سقط في أيديهم } أي : ندموا على عبادتهم العجل { ورأوا أنهم قد ضلوا } قد ابتلوا بمعصية الله ، وهذا كان بعد رجوع موسى إليهم .

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُ

{ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان } عليهم { أسفا } حزينا ، لأن الله تعالى فتنهم { قال بئسما خلفتموني من بعدي } بئسما عملتم من بعدي حين اتخذتم العجل إلها ، وكفرتم بالله { أعجلتم أمر ربكم } أسبقتم باتخاذ العجل ميعاد ربكم ؟ يعني : الأربعين ليلة ، وذلك أنه كان قد وعدهم أن يأتيهم بعد ثلاثين ليلة ، فلما لم يأتيهم على رأس الثلاثين قالوا : إنه قد مات { وألقى الألواح } التي فيها التوراة { وأخذ برأس أخيه } بذؤابته وشعره { يجره إليه } إنكارا عليه إذ لم يلحقه فيعرفه ما فعل بنو إسرائيل ، كما قال في سورة طه : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن } الآية . فأعلمه هارون أنه إنما أقام بين أظهرهم خوفا على نفسه من القتل ، وهو قوله : { قال ابن أم } وكان أخاه لأبيه وأمه ، ولكنه قال : يا ابن أم ليرققه عليه { إن القوم استضعفوني } استذلوني وقهروني { وكادوا } وهموا أن { يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء } يعني : أصحاب العجل بضربي وإهانتي { ولا تجعلني } في موجدتك وعقوبتك لي { مع القوم الظالمين } الذين عبدوا العجل ، فلما عرف براءة هارون مما يوجب العتب عليه ، إذ بلغ من إنكاره على عبدة العجل ما خاف على نفسه القتل .

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

{ قال رب اغفر لي } ما صنعت إلى أخي { ولأخي } إن قصر في الإنكار { وأدخلنا في رحمتك } جنتك .

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ

{ إن الذين اتخذوا العجل } يعني : اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أبناء الذين اتخذوا العجل إلها ، فأضيف إليهم تعييرا لهم بفعل آبائهم { سينالهم غضب من ربهم } عذاب في الآخرة { وذلة في الحياة الدنيا } وهي الجزية { وكذلك نجزي المفترين } كذلك أعاقب من اتخذ إلها دوني .

وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

{ والذين عملوا السيئات } الشرك { ثم تابوا } رجعوا عنها { وآمنوا } صدقوا أنه لا إله غيري { إن ربك من بعدها } من بعد التوبة { لغفور رحيم } .

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ

{ ولما سكت } سكن { عن موسى الغضب أخذ الألواح } التي كان ألقاها { وفي نسختها } وفيما كتب فيها : { هدى } من الضلالة { ورحمة } من العذاب { للذين هم لربهم يرهبون } للخائفين من ربهم .

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاء

{ واختار موسى قومه } من قومه { سبعين رجلا لميقاتنا } أمره الله تعالى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعده لذلك موعدا ، فاختار موسى سبعين رجلا ليعتذروا ، فلما سمعوا كلام الله قالوا لموسى : أرنا الله جهرة فأخذتهم { الرجفة } وهي الحركة الشديدة ، فماتوا جميعا ، فقال موسى : { رب لو شئت أهلكتهم } وإياي قبل خروجنا للميقات ، وكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني ، وظن أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل ، فقال : { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } وإنما أهلكوا لمسألتهم الرؤية { إن هي إلا فتنتك } أي : تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لو تكن إلا فتنتك ، أي : اختبارك وابتلاؤك أضللت بها قوما فافتتنوا ، وعصمت آخرين وهذا معنى قوله : { تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء } .

وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا

{ واكتب لنا } أوجب لنا { في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } أي : اقبل وفادتنا ، وردنا بالمغفرة والرحمة { إنا هدنا إليك } تبنا ورجعنا إليك بالتوبة { قال عذابي أصيب به من أشاء } يعني : إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر ، وهي في الآخرة للمؤمنين خاصة ، وهذا معنى قوله : { فسأكتبها } فسأوجبها في الآخرة { للذين يتقون } يريد : أمة محمد صلى الله عليه وسلم { ويؤتون الزكاة } صدقات الأموال عند محلها { والذين هم بآياتنا يؤمنون } يصدقون بما أنزل على محمد والنبيين .

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث

{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ ، وكانت هذه الخلة مؤكدة لمعجزته في القرآن { الذي يجدونه } بنعته وصفته { مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف } بالتوحيد وشرائع الإسلام { وينهاهم عن المنكر } عبادة الأوثان وما لا يعرف في شريعة { ويحل لهم الطيبات } يعني : ما حرم عليهم في التوراة من لحوم الإبل ، وشحوم الضأن { ويحرم عليهم الخبائث } الميتة والدم ، وما ذكر في سورة المائدة . { ويضع عنهم إصرهم } ويسقط عنهم ثقل العهد الذي أخذ عليهم { والأغلال التي كانت عليهم } الشدائد التي كانت عليهم ، كقطع أثر البول ، وقتل النفس في التوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة { فالذين آمنوا به } من اليهود { وعزروه } ووقروه { ونصروه } على عدوه { واتبعوا النور الذي أنزل معه } يعني : القرآن . الآيتين .

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ و

{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}.

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق } يدعون إلى الحق { وبه يعدلون } وبالحق يحكمون ، وهم قوم وراء الصين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يصل إلينا منهم أحد ، ولا منا إليهم . وقوله :

وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْ

{ فانبجست } أي : انفجرت ، وهذه الآية مفسرة في سورة اليقرة إلى قوله :

وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

{وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين}.

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ

{فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون}.

وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ

{ واسألهم } يعني : سؤال توبيخ وتقرير { عن القرية } وهي أيلة { التي كانت حاضرة البحر } مجاورته { إذ يعدون في السبت } يظلمون فيه بصيد السمك { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا } ظاهرة على الماء { ويوم لا يسبتون } لا يفعلون ما يفعل في السبت . يعني : سائر الأيام { لا تأتيهم } الحيتان { كذلك } مثل هذا الاختبار الشديد { نبلوهم } نختبرهم { بما كانوا يفسقون } بعصيانهم الله ، أي : شددت عليهم المحنة لفسقهم ، ولما فعلوا ذلك صار أهل القرية ثلاث فلاق : فرقة صادت وأكلت ، وفرقة نهت وزجرت ، وفرقة أمسكت عن الصيد ، وهم الذين قال الله تعالى :

وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

{ وإذ قالت أمة منهم } قالوا للفرقة الناهية : { لم تعظون قوما الله مهلكهم } لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين ، فقالت الفرقة الناهية للذين لاموهم : { معذرة إلى ربكم } أي : الأمر بالمعروف واجب علينا ، فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله { ولعلهم يتقون } فيتركون الصيد في السبت .

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ

{ فلما نسوا ما ذكروا به } تركوا ما وعظوا به { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا } اعتدوا في السبت { بعذاب بئيس } شديد ، وهو المسخ جزاء لفسقهم وخروجهم عن أمر الله .

فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ

{ فلما عتوا } أي : طغوا واستكبروا { عن ما نهوا عنه } أي : عن ترك ما نهوا عنه من صيد الحيتان يوم السبت { قلنا لهم } الآية مفسرة في سورة البقرة .

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

{ وإذ تأذن ربك } قال وأعلم ربك { ليبعثن } ليرسلن { عليهم } على اليهود { من يسومهم } أي : يذيقهم { سوء العذاب } إلى يوم القيامة . يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته يقاتلونهم أو يعطون الجزية { إن ربك لسريع العقاب } لمن استحق تعجيله .

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

{ وقطعناهم في الأرض أمما } فرقناهم في البلاد ، فلم يجتمع لهم كلمة { منهم الصالحون } وهم الذين آمنوا { ومنهم دون ذلك } الذين كفروا { وبلوناهم } عاملناهم معاملة المختبر { بالحسنات } بالخصب والعافية { والسيئات } الجدب والشدائد { لعلهم يرجعون } كي يتوبوا .

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْح

{ فخلف من بعدهم خلف } من بعد هؤلاء الذين قطعناهم خلف من اليهود . يعني : أولادهم { ورثوا الكتاب } أخذوه عن آبائهم { يأخذون عرض هذا الأدنى } يأخذون ما أشرف لهم من الدنيا حلالا أو حراما { ويقولون سيغفر لنا } ويتمنون على الله المغفرة { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } وإن أصابوا عرضا ، أي : متاعا من الدنيا مثل رشوتهم تلك التي أصابوا بالأمس قبلوه . وهذا إخبار عن حرصهم على الدنيا { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } وأكد الله عليهم في التوراة ألا يقولوا على الله إلا الحق فقالوا الباطل ، وهو قولهم : { سيغفر لنا } وليس في التوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار { ودرسوا ما فيه } أي : فهم ذاكرون لما أخذ عليهم من الميثاق ، لأنهم قد قرؤوه .

وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ

{ والذين يمسكون بالكتاب } يؤمنون به ويحكمون بما فيه . يعني : مؤمني أهل الكتاب { وأقاموا الصلاة } التي شرعها محمد صلى الله عليه وسلم { إنا لا نضيع أجر المصلحين } منهم .

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم } رفعناه باقتلاع له من أصله . يعني : ما ذكرنا عند قوله : { ورفعنا فوقكم الطور } الآية . { وظنوا } وأيقنوا { أنه واقع بهم } إن خالفوا ، وباقي الآية فيما سبق .

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ

{ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } أخرج الله تعالى ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء ، وجميع ذلك أخرجه من صلب آدم مثل الذر ، وأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم ، وأنهم مصنوعون ، فاعترفوا بذلك وقبلوا ذلك بعد أن ركب فيهم عقولا ، وذلك قوله : { وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم } أي : قال : ألست بربكم { قالوا بلى } فأقروا له بالربوبية ، فقالت الملائكة عند ذلك { شهدنا } أي : على إقراركم { أن } لا { تقولوا } لئلا تقولوا ، أي : لئلا يقول الكفار { يوم القيامة إنا كنا عن هذا } الميثاق { غافلين } لم نحفظه ولم نذكره ، ويذكرون الميثاق ذلك اليوم فلا يمكنهم الإنكار مع شهادة الملائكة ، وهذه الآية تذكير لجميع المكلفين ذلك الميثاق ، لأنها وردت على لسان صاحب المعجزة ، فقامت في النفوس مقام ما هو على ذكر منها .

أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

{ أو تقولوا } أيها الذرية محتجين يوم القيامة : { إنما أشرك آباؤنا من قبل } أي : قبلنا ، ونقضوا العهد { وكنا ذرية من بعدهم } صغارا فاقتدينا بهم { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } أفتعذبنا بما فعل المشركون المكذبون بالتوحيد ، وإنما اقتدينا بهم ، وكنا في غفلة عن الميثاق ، وهذه الآية قطع لمعذرتهم ، فلا يمكنهم الاحتجاج بكون الآباء على الشرك بعد تذكير الله بأخذ الميثاق بالتوحيد على كل واحد من الذرية .

وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

{ وكذلك } وكما بينا في أمر الميثاق { نفصل الآيات } نبينها ليتدبها العباد { ولعلهم يرجعون } ولكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر .

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ

{ واتل عليهم } واقرأ واقصص يا محمد على قومك { نبأ } حبر { الذي آتيناه آياتنا } علمناه حجج التوحيد { فانسلخ } خرج { منها فأتبعه الشيطان } أدركه { فكان من الغاوين } الضالين . يعني : بلعم بن باعوراء . أعان أعداء الله على أوليائه بدعائه ، فنزع عنه الإيمان .

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ

{ ولو شئنا لرفعناه بها } بالعمل بها . يعني : وفقناه للعمل بالآيات ، وكنا نرفع بذلك منزلته { ولكنه أخلد إلى الأرض } مال إلى الدنيا وسكن إليها ، وذلك أن قومه أهدوا له رشوة ليدعو على قوم موسى ، فأخذها { واتبع هواه } انقاد لما دعاه إليه الهوى { فمثله كمثل الكلب } أراد أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، فالحالتان عنده سواء ، كحالتي الكلب اللاهث ، فإنه إن حمل عليه بالطرد كان لاهثا ، وإن ترك وربض كان أيضا لاهثا كهذا الكافر في الحالتين ضال ، وذلك أنه زجر في المنام عن الدعاء على موسى فلم ينزجر ، وترك عن الزجر فلم يهتد ، فضرب الله له أخس شيء في أخس أحواله ، وهو حال اللهث مثلا ، وهو إدلاع اللسان من الإعياء والعطش ، والطلب يفعل ذلك في حال الكلال وحال الراحة ، ثم عم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله فقال : { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } يعني : أهل مكة . كانوا يتمنون هاديا يهديهم ، فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه كذبوه ، فلم يهتدوا لما تركوا ، ولم يهتدوا أيضا لما دعوا بالرسول ، فكانوا ضالين عن الرشد في الحالتين { فاقصص القصص } يعني : قصص الذين كذبوا بآياتنا { لعلهم يتفكرون } فيتعظون ، ثم ذم مثلهم ، فقال :

سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ

{ ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا } أ ي : بئس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا { وأنفسهم كانوا يظلمون } بذلك التكذيب . يعني : إنما يخسرون حظهم .

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

{من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون}.

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

{ ولقد ذرأنا } خلقنا { لجهنم كثيرا من الجن والإنس } وهم الذين حقت عليهم الشقاوة { لهم قلوب لا يفقهون بها } لا يعقلون بها الحير والهدى { ولهم أعين لا يبصرون بها } سبل الهدى { ولهم آذان لا يسمعون بها } مواعظ القرآن { أولئك كالأنعام } يأكلون ويشربون ولا يلتفتون إلى الآخرة { بل هم أضل } لأن الأنعام مطيعة لله ، والكافر غير مطيع { أولئك هم الغافلون } عما في الآخرة من العذاب .

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

{ ولله الأسماء الحسنى } يعني : التسعة والتسعين { فادعوه بها } كقولك : يا الله ، يا قدير ، يا عليم ، { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } يميلون عن القصد ، وهم المشركون عدلوا بأسماء الله عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، وزادوا فيها ونفصوا ، واشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان { سيجزون ما كانوا يعملون } جزاء ما كانوا يعملون في الآخرة .

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

{ وممن خلقنا أمة } الآية . يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال في قوم موسى عليه السلام : { ومن قوم موسى أمة } الآية .

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ

{ والذين كذبوا بآياتنا } محمد والقرآن . يعني : أهل مكة { سنستدرجهم } سنمكر بهم { من حيث لا يعلمون } كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة .

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ

{ وأملي لهم } أطيل لهم مدة عمرهم ليتمادوا في المعاصي { إن كيدي متين } مكري شديد . نزلت في المستهزئين من قريش ، قتلهم الله في ليلة واحدة بعد أن أمهلهم طويلا .

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ

{ أولم يتفكروا } فيعلموا { ما بصاحبهم } محمد { من جنة } من جنون .

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ

{ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } ليستدلوا بها على توحيد الله ، وفسرنا ملكوت السماوات والأرض في سورة الأنعام { وما خلق الله من شيء } وفيما خلق الله من الأشياء كلها { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } وفي أن لعل آجالهم قريبة ، فيهلكوا على الكفر ، ويصيروا إلى النار { فبأي حديث بعده يؤمنون } فبأي قرآن غير ما جاء به محمد يصدقون ؟ يعني : إنه خاتم الرسل ، ولا وحي بعده ، ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان ، فقال :

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

{ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون } .

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِ

{ يسألونك عن الساعة } أي : الساعة التي يموت فيها الخلق . يعني : القيامة . نزلت في قريش قالت لمحمد صلى الله عليه وسلم : أسر إلينا متى الساعة { أيان مرساها } متى وقوعها وثبوتها ؟ { قل إنما علمها } العلم بوقتها ووقوعها { عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } لا يظهرها في وقتها إلا هو { ثقلت في السماوات والأرض } ثقل وقوعها وكبر على أهل السماوات والأرض لما فيها من الأهوال { لا تأتيكم إلا بغتة } فجأة { يسألونك كأنك حفي عنها } عالم بها مسؤول عنها { قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن علمها عند الله حين سألوا محمدا عن ذلك .

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

{ قل لا أملك لنفسي } الآية . إن أهل مكة قالوا : يا محمد ، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص ، قبل أن يغلو ، فنستري من الرخيص لنربح عليه ؟ وبالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل عنها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ومعنى قوله : { لا أملك لنفسي نفعا } أي : اجتلاب نفع بأن أربح ، { ولا ضرا } دفع ضر بأن أرتحل من الأرض التي تريد أن تجدب { إلا ما شاء الله } أن أملكه بتمليكه { ولو كنت أعلم الغيب } ما يكون قبل أن يكون { لاستكثرت من الخير } لادخرت في زمان الخصب لزمن الجدب { وما مسني السوء } وما أصابني الضر والفقر { إن أنا إلا نذير } لمن يصدق ما جئت به { وبشير } لمن اتبعني وآمن بي .

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّا

{ هو الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني : آدم { وجعل منها زوجها } حواء . خلقها من ضلعه { ليسكن إليها } ليأنس بها ، فيأوي إليها { فلما تغشاها } جامعها { حملت حملا خفيفا } يعني : النطفة والمني { فمرت به } استمرت بذلك الحمل الخفيف ، وقامت وقعدت ، ولم يثقلها { فلما أثقلت } صار إلى حال الثقل ودنت ولادتها { دعوا الله ربهما } آدم وحواء { لئن آتيتنا صالحا } بشرا سويا مثلنا { لنكونن من الشاكرين } وذلك أن إبليس أتاها في غير صورته التي عرفته ، وقال لها : ما الذي في بطنك ؟ قالت : ما أدري . قال : إني أخاف أن يكون بهيمة ، أو كلبا ، أو خنزيرا ، وذكرت ذلك لآدم ، فلم يزالا في هم من ذلك ، ثم أتاها وقال : إن سألت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك أتسمينه عبد الحارث ؟ وكان إبليس في الملائكة الحارث ، ولم يزل بها حتى غرها ، فلما ولدت ولدا سوي الخلق سمته عبد الحارث ، فرضي آدم ، فذلك قوله :

فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

{ فلما آتاهما صالحا } ولدا سويا { جعلا له } لله { شركاء } يعني : إبليس ، فأوقع الواحد موقع الجميع . { فيما آتاهما } من الولد إذ سمياه عبد الحارث ، ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله ، ولم تعرف حواء أنه إبليس ، ولم يكن هذا شركا بالله ، لأنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما ، لكنهما قصدا إلى أنه كان سبب نجاته ، وتم الكلام عند قوله : فيما { آتاهما }، ثم ذكر كفار مكة ، فقال : { فتعالى الله عما يشركون } .

أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ

{ أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } يريد : أيعبدون ما لا يقدر أن يخلق شيئا وهم مخلوقون ! على الأصنام .

وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ

{ ولا يستطيعون لهم نصرا } لا تنصر من أطاعها { ولا أنفسهم ينصرون } ولا يدفعون عن أنفسهم مكروه من أرادهم بكسر أو نحوه ، ثم خاطب المؤمنين فقال :

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ

{ وإن تدعوهم } يعني : المشركين { إلى الهدى لا يتبعوكم } الآية .

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ إن الذين تدعون من دون الله } يعني : الأصنام { عباد } مملوكون مخلوقون { أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم } فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم !؟ { إن كنتم صادقين } أن لكم عند الأصنام منفعة ، أو ثوابا ، أو شفاعة ، ثم بين فضل الآدمي عليهم فقال :

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ

{ ألهم أرجل يمشون بها } مشي بني آدم { أم لهم أيد يبطشون بها } يتناولون بها مثل بطش بني آدم { أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم } الذين تعبدون من دون الله { ثم كيدون } أنتم وشركاؤكم { فلا تنظرون } لا تمهلون واعجلوا في كيدي .

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ

{ إن وليي الله } الذي يتولى حفظي ونصري { الذي نزل الكتاب } القرآن { وهو يتولى الصالحين } الذين لا يعدلون بالله شيئا . وقوله :

وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ

{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}.

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ

{ وتراهم ينظرون إليك } تحسبهم يرونك { وهم لا يبصرون } وذلك لأن لها أعينا مصنوعة مركبة بالجواهر ، حتى يحسب الإنسان أنها تنظر إليه .

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

{ خذ العفو } اقبل الميسور من أخلاق الناس ، ولا تستقص عليهم . وقيل : هو أن يعفو عمن ظلمه ، ويصل من قطعه { وأمر بالعرف } المعروف الذي يعرف حسنة كل أحد . { وأعرض عن الجاهلين } لا تقابل السفيه بسفهه ، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يا رب والغضب ؟ فنزل :

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } يعرض لك من الشيطان عارض ، ونالك منه أدنى وسوسة { فاستعذ بالله } اطلب النجاة من تلك البلية بالله { إنه سميع } لدعائك { عليم } عالم بما عرض لك .

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

{ إن الذين اتقوا } يعني : المؤمنين { إذا مسهم } أصابهم { طائف من الشيطان } عارض من وسوسته { تذكروا } استعاذوا بالله { فإذا هم مبصرون } مواقع خطئهم ، فينزعون من مخالفة الله .

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ

{ وإخوانهم } يعني : الكفار ، وهم إخوان الشياطين { يمدونهم } أي : الشياطين يطولون لهم الإغواء والضلالة { ثم لا يقصرون } عن الضلالة ولا يبصرونها ، كما أقصر المتقي عنها حين أبصرها .

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

{ وإذا لم تأتهم } يعني : أهل مكة { بآية } سألوكها { قالوا لولا اجتبيتها } اختلقتها وأنشأتها من قبل نفسك { قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي } أي : لست آتي بالآيات من قبل نفسي . { هذا } أي : هذا القرآن الذي أتيت به { بصائر من ربكم } حجج ودلائل تعود إلى الحق .

وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

{ وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } الآية نزلت في تحريم الكلام في الصلاة ، وكانوا يتكلمون في الصلاة في بدء الأمر . وقيل : نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام . وقيل : نزلت في السكوت للخطبة ، وقوله : { وأنصتوا } أي : عما يحرم من الكلام في الصلاة ، أو عن رفع الصوت خلف الإمام ، أو اسكتوا لاستماع الخطبة .

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ

{ واذكر ربك في نفسك } يعني : القراءة في الصلاة { تضرعا وخيفة } استكانة لي وخوفا من عذابي { ودون الجهر } دون الرفع { من القول بالغدو والآصال } بالبكر والعشيات . أمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإسرار ، ودون الجهر فيما يرفع به الصوت { ولا تكن من الغافلين } الذين لا يقرؤون في صلاتهم .

إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ

{ إن الذين عند ربك } يعني : الملائكة ، وهم بالقرب من رحمة الله { لا يستكبرون عن عبادته } أي : هم مع منزلتهم ودرجتهم يعبدون الله . كأنه قيل : من هو أكبر منك أيها الإنسان لا يستكبر عن عبادة الله { ويسبحونه } ينزهونه عن السوء { وله يسجدون } .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس