{حم}.
{تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}.
{ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} أي: للحق، ولإقامة الحق { وأجل مسمى} تفنى عند انقضاء ذلك الأجل {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} أعرضوا بعدما قامت عليهم الحجة بخلق الله السماوات والأرض، ثم طالبهم بالدليل على عبادة الأوثان، فقال:
{قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات } أي: مشاركة مع الله في خلقهما لذلك أشركتموهم في عبادته {ائتوني بكتاب من قبل هذا} أي: من قبل القرآن فهي بيان ما تقولون {أو أثارة من علم} رواية عن الأنبياء أنهم أمروا بعبادة غير الله، فلما قامت عليهم الحجة جعلهم أضل الخلق، فقال:
{ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} أي: أبداً. الآية.
{وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} عادوا معبوديهم، لأنهم بسبهم وقعوا في الهلكة، وجحد المعبودون عبادتهم، وهو قوله: {وكانوا بعبادتهم كافرين} كقوله: {تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون}. وقوله:
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين}.
{قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا} أي: إن عذبني على افترائي لم تملكوا دفعه، وإذا كنتم كذلك لم أفتر على الله من أجلكم {هو أعلم بما تفيضون فيه} تخوضون فيه من الإفك. {وهو الغفور} لمن تاب {الرحيم} به.
{قل ما كنت بدعا} بديعاً {من الرسل} أي: لست بأول مرسل فتنكروا نبوتي، {وما أدري ما يفعل بي} إلى إيش يصير أمري معكم، اتقتلونني أم تخرجونني {ولا بكم} أتعذبون بالخسف أم الحجارة، والمعنى: ما أدري إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا.
{قل أرأيتم إن كان} القرآن {من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل} يعني: عبد الله بن سلام {على مثله} على مثل ما شهد عليه القرآن من تصديق محمد عليه السلام {فامن}ذلك الرجل {واستكبرتم} عن الإيمان.
{وقال الذين كفروا} من اليهود: {لو كان} دين محمد {خيرا ما سبقونا إليه} يعنون: عبد الله بن سلام وأصحابه {وإذ لم يهتدوا به} بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان {فسيقولون هذا إفك قديم} كما قالوا: أساطير الأولين.
{ومن قبله} ومن قبل القرآن {كتاب موسى} التوراة {إماما ورحمة وهذا كتاب} أي: القرآن {مصدق} أي: مصدق لما بين يديه لما تقدم من الكتب {لسانا عربيا} نصب على الحال. وقوله:
{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
{أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}.
{حملته أمه كرها} على مشقة {ووضعته كرها} أي: على مشقة {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} أقل الحمل ستة أشهر، والفصال: الفطام، ويكون ذلك بعد حولين {حتى إذا بلغ أشده} غاية شبابه، وهي ثلاث وثلاثون سنةً {وبلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني} الآية. نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وذلك أنه لما بلغ أربعين سنةً آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وآمن أبوه، فذلك قوله: {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} أي: بالإيمان {وأصلح لي في ذريتي} بأن تجعلهم مؤمنين، فاستجاب الله له في أولاده فأسلموا، ولم يكن أحد من الصحابة أسلم هو وأبوه وبنوه وبناته إلا أبو بكر رضي الله عنه.
{أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}.
{والذي قال لوالديه} نزلت في كافر عاق قال لوالديه: {أتعدانني أن أخرج} من قبري حياً {وقد خلت القرون من قبلي} فلم يبعث منهم أحد {وهما يستغيثان الله} يعني: والديه يستغيثان بالله على إيمان ولدهما، ويقولان له: {ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا} الذي تتدعونني إليه {إلا أساطير الأولين}.
{أولئك الذين} أي: من كان بهذه الصفة فهم الذين {حق عليهم القول} وجب عليهم العذاب {في أمم} كافرة. {من الجن والإنس}.
{ولكل} من المؤمنين والكافرين {درجات} منازل ومراتب من الثواب والعقاب {مما عملوا}.
{ويوم يعرض الذين كفروا على النار} فيقال لهم: { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} وذلك انهم يفعلون ما يشتهون، لا يتوفون حراماً، ولا يجتنبون مأئماً {فاليوم تجزون عذاب الهون}. الآية.
{واذكر أخا عاد } يعني: هوداً {إذ أنذر قومه بالأحقاف} أي: منازلهم {وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه} أي: قد أنذروا بالعذاب أن عبدوا غير الله قبل إنذار هو وبعده.
{قالوا أجئتنا لتأفكنا} لتصرفنا { عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا } من العذاب، {إن كنت من الصادقين}.
{قال: إنما العلم عند الله} هو يعلم متى يأتيكم العذاب، {و} إنما أنا مبلغ {أبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون} مراشدكم حين أدلكم على الرشاد وأنتم تعرضون.
{فلما رأوه} أي: السحاب {عارضا} قد عرض في السماء {مستقبل أوديتهم} يأتي من قبلها. {قالوا هذا عارض ممطرنا} سحاب يمطر علينا. قال الله تعالى: {بل هو ما استعجلتم به} من العذاب.
{تدمر} تهلك {كل شيء} مرت به من الرجال والدواب. {فأصبحوا لا يرى} أشخاصهم {إلا مساكنهم} لأن الريح أهلكتهم وفرقتهم، وبقيت مساكنهم خاليةً.
{ولقد مكناهم} من القوة والعمر والمال {فيما إن مكناكم فيه} في الذي ما مكناكم فيه.
{ولقد أهلكنا ما حولكم} يا أهل مكة {من القرى} كحجر ثمود وقرى قوم لوط {وصرفنا الآيات} بينا الدلالات {لعلهم يرجعون} عن كفرهم. يعني: الأمم المهلكة.
{فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة} يعني: أوثانهم الذين اتخذوها آلهةً يتقربون بها إلى الله. {بل ضلوا عنهم} بطلوا عند نزول العذاب {وذلك إفكهم} أي: كذبهم وكفرهم. يعني: قولهم: إنها تقربنا إلى الله.
{وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} كانوا تسعة نفر من الجن من نينوى من أرض الموصل، وذلك أنه عليه السلام أمر أن ينذر الجن، فصرف إليه نفر منهم ليتسمعوا ويبلغوا قومهم. {فلما حضروه} قال بعضهم لبعض: {أنصتوا} أي: اسكتوا {فلما قضي} أي: فرغ من تلاوة القرآن رجعوا {إلى قومهم منذرين} وقالوا لهم ما قص الله في كتابه. وقوله:
{قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم}.
{يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم}.
{ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين}.
{ولم يعي بخلقهن} أي: لمن يضعف عن إبداعهن.
{ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}.
{فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} أي: ذوو الرأي والجد، وكلهم أولو العزم إلا يونس. وقيل: هم أصحاب الشرائع نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد منهم صلى الله عليه وسلم أجمعين. {ولا تستعجل لهم} العذاب {كأنهم يوم يرون ما يوعدون} من العذاب في الآخرة {لم يلبثوا} في الدنيا {إلا ساعة من نهار} لهول ما عاينوا، ونسوا قدره مكثهم في الدنيا. {بلاغ} أي: هذا القرآن بلاغ، أي: تبليغ من الله تعالى إليكم على لسان محمد عليه السلام {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} أي: لا يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا الكافرون.