{حم}.
{تنزيل من الرحمن الرحيم} ابتداء وخبره قوله:
{كتاب فصلت آياته} بينت. {لقوم يعلمون} لمن يعلم ذلك ممن يعلم العربية.
{بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}.
{وقالوا قلوبنا في أكنة} أغطية. {وفي آذاننا وقر} صمم، أي: نحن في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفقه ولا يسمع. {ومن بيننا وبينك حجاب} خلاف في الدين فلا نجتمع معك ولا وافقك {فاعمل} على دينك فـ {إننا عاملون} على ديننا. وقوله:
{فاستقيموا إليه} وجهوا إليه وجوهكم بالطاعة. {وويل للمشركين}.
{الذين لا يؤتون الزكاة} لا يؤمنون بوجوبها فلا يؤدونها.
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}.
{ قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } الأحد والإثنين.
{وبارك فيها} بما خلق فيها من المنافع {وقدر فيها أقواتها} أرزاق أهلها وما يصلح لمعاشهم في البحار والأنهار، والأشجار والدواب {في أربعة أيام} في تتمة أربعة أيام وهو يوم الثلاثاء والأربعاء، فصارت الجملة أربعة أيام خلق الله الأرض وما فيها من سبب الأقوات والمنافع والتجارات، فتم أمرها في أربعة أيام {سواء} أي: استوت استواء، وسواءً {للسائلين} عن ذلك، أي: لمن سأل في كم خلقت السماوات والأرض؟ فيقال: في أربعة أيام.
{ثم استوى} قصد وعمد {إلى} خلق {السماء وهي دخان} بخار مرتفع عن الماء {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} بما خلقت فيكما من المنافع، وأخرجاها لمنافع خلقي. قال للسماوات: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: أخرجي ماءك وثمارك طائعةً أو كارهةً، ففعلتا ما أمرهما طوعاً، وهو قوله: {قالتا أتينا طائعين}.
{فقضاهن} صنعهن وأحكمهن {سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها} أوحى في أهل كل سماء بما أراد من الأمر والنهي. وقوله: {وحفظا} أي: حفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظاً.
{فإن أعرضوا} عن الإيمان بعد هذا البيان {فقل أنذرتكم} خوفتكم {صاعقة} مهلكةً تنزل بكم كما نزلت بمن قبلكم {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم} أتت الرسل إياهم ومن كان قبلهم {ومن خلفهم} ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم جاءتهم الرسل أنفسهم. وقوله:
{ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون }.
{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون}.
{ريحا صرصرا} أي: لها صوت شديد {في أيام نحسات} مشؤومات عليهم وقوله:
{وأما ثمود فهديناهم} دعوناهم ودللناهم {فاستحبوا العمى على الهدى} فاختاروا الكفر على الإيمان {فأخذتهم صاعقة} مهلكة {العذاب} ذي {الهون} وهو الهوان، أي: العذاب الذي يهينهم. وقوله:
{ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}.
{ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون}.
{حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون}.
{وهو خلقكم أول مرة} ابتداء إخبار عن الله تعالى، وليس من كلام الجلود.
{وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} أي من أن يشهد عليكم سمعكم أي: لم تكونوا تخافون أن يشهد عليكم جوارحكم، فتستتروا منها {ولكن ظننتم أن الله} أي: ظننتم أن ما تخفون {لا يعلم} الله ذلك ولا يطلع عليه، وذلك الظن منكم بربكم.
{أرداكم} أهلككم.
{فإن يصبروا} في جهنم {فالنار مثوى لهم} أي: مقامهم لا يخرجون منها {وإن يستعتبوا} يطلبوا الصلح { فما هم من المعتبين} أي: ممن يصالح ويرضى.
{وقيضنا لهم } أي: سببنا لهم {قرناء} من الشياطين {فزينوا لهم ما بين أيديهم} من أمر الدنيا حتى آثروه {وما خلفهم} من أمر الآخرة، فدعوهم إلى التكذيب به، وأن لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب. {وحق عليهم القول في أمم} مع أمم بالخسران والهلاك. وقوله:
{والغوا فيه} أي: عارضوه بكلام لا يفهم من المكاء، والصفير، وباطل الكلام {لعلكم تغلبون} ـه على قراءته فيترك القراءة. وقوله:
{فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون}.
{ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون}.
{ ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس } يعنون: إبليس وقابيل، لأنهما أول من سن الضلالة {نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا} في الدرك الأسفل من النار.
{إن الذين قالوا ربنا الله} أي: وحدوه {ثم استقاموا} على التوحيد، فلم يشركوا به شيئاً {تتنزل عليهم الملائكة} عند الموت { أن لا تخافوا } ذنوبكم {ولا تحزنوا} عليها، فإن الله يغفرها لكم.
{نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أي: أنصاركم وأحباؤكم، وهم قرناؤهم الذين كانوا معهم في الدنيا من الحفظة، يقولون لهم: لن نفارقكم في القيامة حتى ندخلكم الجنة. {ولكم فيها ما تدعون} تمنون وتسألون.
{نزلا} أي: جعل الله ذلك رزقاً لهم مهيئاً.
{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} الآية. قيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه دعا إلى توحيد الله. وقيل: إنها نزلت في المؤذنين.
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} لا زائدة {ادفع} السيئة {بالتي هي أحسن} كالغضب يدفع بالصبر، والجهل والحلم، والإساءة بالعفو {فإذا الذي بينك وبينه عداوة} يصير لك كأنه صديق قريب إذا فعلت ذلك.
{وما يلقاها} أي: ما يلقى هذه الخصلة {إلا الذين صبروا} بكظم الغيظ واحتمال الأذى {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} وهو الجنة.
{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} أي: إن صرفك عن الاحتمال نزغ الشيطان {فاستعذ بالله} من شره وامض على حلمك.
{ومن آياته} علاماته التي تدل على أنه واحد {الليل والنهار والشمس والقمر}. الآية.
{فإن استكبروا} أي: الكفار. يقول: إن استكبروا عن السجود لله {فالذين عند ربك} وهم الملائكة {يسبحون له} يصلون له {بالليل والنهار وهم لا يسأمون} لا يملون.
{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة } مغبرةً لا نبات فيها {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} تحركت بالنبات {وربت} انتفخت وعلت، ثم تصدعت عن النبات.
{إن الذين يلحدون في آياتنا} يجعلون الكلام فيها على غير جهته، بأن ينسبوها إلى الكذب والسحر {لا يخفون علينا } بل نعلمهم ونجازيهم بذلك.
{إن الذين كفروا بالذكر} أي: بالقرآن {لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز} منيع من الشيطان والباطل.
{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} أي: الكتب التي تقدمت لا تبطله، ولا يأتي كتاب بعده يبطله. وقيل: إنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلقه.
{ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} أي: إن كذبك قومك فقد كذب الذين من قبلك.
{ولو جعلناه قرآنا أعجميا } لا بلسان العرب {لقالوا لولا فصلت} بينت {آياته} بلغتنا حتى نعرفها {أأعجمي وعربي} أي: القرآن أعجمي، ونبي عربي {قل هو} أي: القرآن {للذين آمنوا هدى } من الضلالة {وشفاء} من الجهل {والذين لا يؤمنون} في ترك قبوله بمنزلة من {في آذانهم وقر وهو} أي: القرآن {عليهم} ذو {عمى} لأنهم لا يفقهونه {أولئك ينادون من مكان بعيد} أي: كأنهم لقلة استماعهم وانتفاعهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعونه لبعد المسافة.
{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } بالتكذيب والتصديق، والإيمان به والكفر كما فعل قومك {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير العذاب عن قومك {لقضي بينهم} لفرغ من هلاكهم {وإنهم لفي شك منه} من القرآن {مريب}.
{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد}.
{إليه يرد علم الساعة} لأنه لا يعلمه غيره {وما تخرج من ثمرات من أكمامها} أوعيتها {ويوم يناديهم أين شركائي} الذين كنتم تزعمون {قالوا آذناك } أعلمناك {ما منا من شهيد} شاهد أن لك شريكاً، لما عاينوا القيامة تبرؤوا من معبوديهم.
{وضل عنهم} زال وبطل {ما كانوا يدعون من قبل} يثقون به ويعبدون قبل يوم القيامة {وظنوا} علموا {ما لهم من محيص} من مهرب.
{لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} لا يمل الكافر من الدعاء بالصحة والمال {وإن مسه الشر} الفقر والضر { فيؤوس } من روح الله {قنوط} من رحمته. وقوله:
{ليقولن هذا لي} أي: هذا واجب لي بعملي استحققه {وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} أي: لست أوقن بالبعث وقيام الساعة، فإن كان الأمر على ذلك إن لي عنده لثواباً.
{وإذا أنعمنا على الإنسان} الآية. يقول: إذا كان الكافر في نعمة تباعد عن ذكر الله، وإذا مسته الحاجة أكثر الدعاء.
{قل أرأيتم إن كان} القرآن {من عند الله ثم كفرتم به من أضل} منكم، لأنهم في {شقاق بعيد} أي: في خلاف بعيد عن الحق بكفرهم بالقرآن.
{سنريهم آياتنا في الآفاق} ما يفتح على محمد صلى الله عليه وسلم من القرى {وفي أنفسهم} فتح مكة {حتى يتبين لهم} أن القرآن حق وصدق منزل من عند الله تعالى. {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} وهو يشهد لمحمد عليه السلام ولكتابه بالصدق.
{ألا إنهم في مرية} شك {من لقاء ربهم} من البعث والمصير إليه {ألا إنه بكل شيء محيط} عالم.