{ الر } أنا الله أرى . { تلك آيات } هذه آيات { الكتاب } الذي هو قرآن مبين للأحكام .
{ ربما يود } الآية . نزلت في تمني الكفار الإسلام عند خرةج من يخرج من النار .
{ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } يقول : دع الكفار يأخذوا حظوظهم من دنياهم { ويلههم الأمل } يشغلهم عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة { فسوف يعلمون } إذا وردوا القيامة وبال ما صنعوا .
{ وما أهلكنا من قرية } يعني : أهلها { إلا ولها كتاب معلوم } أجل ينتهون إليه . يعني : إن لأهل كل قرية أجلا مؤقتا لا يهلكهم حتى يبلغوه .
{ ما تسبق من أمة أجلها } أي : ما تتقدم الوقت الذي وقت لها { وما يستأخرون } لا يتأخرون عنه .
{ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر } أي : القرآن . قالوا هذا استهزاء .
{ لو ما } هلا { تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } أنك نبي ، فقال الله عز وجل :
{ ما ننزل الملائكة إلا بالحق } أي : بالعذاب { وما كانوا إذا منظرين } أي : لو نزلت الملائكة لم ينظروا ولم يمهلوا .
{ إنا نحن نزلنا الذكر } القرآن { وإنا له لحافظون } من أن يزاد فيه أو ينقص .
{ ولقد أرسلنا من قبلك } أي : رسلا { في شيع الأولين } أي : فرقهم .
{ وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون } تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم .
{ كذلك } أي : كما فعلوا { نسلكه } ندخل الاستهزاء والشرك والضلال { في قلوب المجرمين } ثم بين أي شيء الذي أدخل في قلوبهم ، فقال :
{ لا يؤمنون به } أي : بالرسول { وقد خلت } مضت { سنة الأولين } بتكذيب الرسل ، فهؤلاء المشركون يقتفون آثارهم في الكفر .
{ ولو فتحنا عليهم } على هؤلاء المشركين { بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون } فطفقوا فيه يصعدون لجحدوا ذلك وقالوا :
{ إنما سكرت أبصارنا } أي : سدت بالسحر ، فتتخايل لأبصارنا غير ما نرى { بل نحن قوم مسحورون } سحرنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ فلا نبصر .
{ ولقد جعلنا في السماء بروجا } يعني : منازل الشمس والقمر { وزيناها } بالنجوم للمعتبرين والمستدلين على توحيد صانعها .
{ وحفظناها من كل شيطان رجيم } مرمي بالنجوم .
{ إلا من استرق السمع } يعني : الخطفة اليسيرة { فأتبعه } لحقه { شهاب } نار { مبين } ظاهر لأهل الأرض .
{ والأرض مددناها } بسطناها على وجه الماء { وألقينا فيها رواسي } جبالا ثوابت لئلا تتحرك بأهلها { وأنبتنا فيها } في الجبال { من كل شيء موزون } كالذهب والفضة والجواهر .
{ وجعلنا لكم فيها معايش } من الثمار والحبوب { ومن لستم له برازقين } العبيد والدواب والأنعام ، تقديره : وجعلنا لكم فيها معايش وعبيدا وإماء ودواب نرزقهم ولا ترزقوهم .
{ وإن من شيء } يعني : من المطر { إلا عندنا خزائنه } أي : في حكمنا وأمرنا { وما ننزله إلا بقدر معلوم } لا ننقصه ولا نزيده ، غير أنه يصرفه إلى من يشاء ، حيث شاء ، كما شاء .
{ وأرسلنا الرياح لواقح } السحاب تمج الماء فيه ، فهي لواقح ، بمعنى : ملقحات . وقيل : لواقح : حوامل ، لأنها تحمل الماء والتراب والسحاب { فأسقيناكموه } جعلناه سقيا لكم { وما أنتم له } لذلك الماء المنزل من السماء { بخازنين } بحافظين ، أي : ليست خزائنه بأيديكم .
{ وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون } إذا مات جميع الخلائق .
{ ولقد علمنا المستقدمين } الآية . خص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة ، فازدحم الناس عليه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية . يقول : قد علمنا جميعهم ، وإنما نجزيهم على نياتهم .
{وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم}.
{ ولقد خلقنا الإنسان } آدم { من صلصال } طين منتن { من حمإ } طين أسود { مسنون } متغير الرائحة .
{ والجان } أبا الجن { خلقناه من قبل } خلق آدم { من نار السموم } وهي نار لا دخان لها .
{وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون}.
{ فإذا سويته } عدلت صورته { ونفخت فيه } وأجريت فيه { من روحي } المخلوقة لي { فقعوا } فخروا { له ساجدين } سجود تحية . وقوله :
{فسجد الملائكة كلهم أجمعون}.
{إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين}.
{ قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين }.
{قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون}.
{قال فاخرج منها فإنك رجيم}.
{ وإن عليك اللعنة } الآية . يقول : يلعنك أهل السماء وأهل الأرض إلى يوم الجزاء ، فتحصل حينئذ من عذاب النار . وقوله :
{قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}.
{قال فإنك من المنظرين}.
{ إلى يوم الوقت المعلوم } يعني : النفخة الأولى حين يموت الخلائق .
{ قال رب بما أغويتني } أي : بسبب إغوائك إياي { لأزينن لهم } لأولاد آدم الباطل حتى يقعوا فيه .
{ إلا عبادك منهم المخلصين } أي : الموحدين المؤمنين الذي أخلصوا دينهم عن الشرك .
{ قال هذا صراط علي } هذا طريق علي { مستقيم } مرجعه إلي ، فأجازي كلا بأعمالهم . يعني : طريق العبودية .
{ إن عبادي } يعني : الذين هداهم واجتباهم { ليس لك عليهم سلطان } قوة وحجة في إغوائهم ، ودعائهم إلى الشرك والضلال .
{ وإن جهنم لموعدهم أجمعين } يريد : إبليس ومن تبعه من الغاوين .
{ لها } لجهنم { سبعة أبواب } سبعة أطباق ، طبق فوق طبق { لكل باب منهم } من أتباع إبليس { جزء مقسوم } .
{ إن المتقين } للفواحش والكبائر { في جنات وعيون } يعني : عيون الماء والخمر . يقال لهم :
{ ادخلوها بسلام } بسلامة { آمنين } من سخط الله سبحانه وعذابه .
{ ونزعنا ما في صدورهم من غل } ذكرناه في سورة الأعراف . { إخوانا } متآخين { على سرر } جمع سرير { متقابلين } لا يرى بعضهم قفا بعض .
{ لا يمسهم } لا يصيبهم { فيها نصب } إعياء .
{ نبئ عبادي } أخبر أوليائي { أني أنا الغفور } لأوليائي { الرحيم } بهم .
{ وأن عذابي هو العذاب الأليم } لأعدائي .
{ ونبئهم عن ضيف إبراهيم } يعني : الملائكة الذين أتوه في صورة الأضياف .
{ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما } سلموا سلاما فـ { قال } إبراهيم : { إنا منكم وجلون } فزعون .
{ قالوا لا توجل } : لاتفزع . وقوله :
{ على أن مسني الكبر } أي : على حالة الكبر { فبم تبشرون } استفهام تعجب كأنه عجب من الولد على كبره .
{ قالوا بشرناك بالحق } بما قضاه الله أن يكون { فلا تكن من القانطين } الآيسين .
{ قال ومن يقنط } ييئس { من رحمة ربه إلا الضالون } المكذبون .
{ قال فما خطبكم } ما شأنكم وما الذي جئتم له ؟
{ قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } يعني : قوم لوط .
{ إلا آل لوط } أتباعه الذين كانوا على دينه . وقوله :
{ قدرنا } قضينا ودبرنا أنها تتخلف وتبقى مع من بقي حتى تهلك . وقوله :
{فلما جاء آل لوط المرسلون}.
{ منكرون } أي : غير معروفين .
{ قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون } بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله .
{ وأتيناك بالحق } بالأمر الثابت الذي لا شك فيه من عذاب قومك .
{ فأسر بأهلك } مفسر في سورة هود . { واتبع أدبارهم } امش على آثارهم ببناتك وأهلك لئلا يتخلف منهم أحد { ولا يلتفت منكم أحد } لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من العذاب { وامضوا حيث تؤمرون } حيث يقول لكم جبريل عليه السلام .
{ وقضينا إليه } أوحينا إليه وأخبرناه { ذلك الأمر } الذي أخبرته الملائكة إبراهيم من عذاب قومه وهو { أن دابر هؤلاء } أي : أواخر من تبقى منهم { مقطوع } مهلك { مصبحين } داخلين في وقت الصبح . يريد : إنهم مهلكون هلاك الاستئصال في ذلك الوقت .
{ وجاء أهل المدينة } مدينة قوم لوط ، وهي سذوم { يستبشرون } يفرحون طمعا منهم في ركوب المعاصي والفاحشة حيث أخبروا أن في بيت لوط مردا حسانا ، فقال لهم لوط :
{ إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون } عندهم بقصدكم إياهم ، فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدر .
{ واتقوا الله ولا تخزون } مذكور في سورة هود .
{ قالوا أولم ننهك عن العالمين } عن ضيافتهم ، لأنا نريد منهم الفاحشة ، وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء .
{ قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين } هذا الشأن . يعني : اللذة وقضاء الوطر . يقول : عليكم بتزويجهن ، أراد أن يقي أضيافه ببناته .
{ لعمرك } بحياتك يا محمد { إنهم } إن قومك { لفي سكرتهم يعمهون } في ضلالتهم يتمادون . وقيل : يعني : قوم لوط .
{ فأخذتهم الصيحة } صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة أهلكتهم { مشرقين } داخلين في وقت شروق الشمس ، وذلك أن تمام الهلاك كان مع الإشراق . وقوله :
{فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل}.
{ للمتوسمين } أي : المتفرسين المتثبتين في النظر حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء .
{ وإنها } يعني : مدينة قوم لوط { لبسبيل مقيم } على طريق قومك إلى الشام ، وهو طريق لا يندرس ولا يخفى .
{ إن في ذلك لآية للمؤمنين } لعبرة للمصدقين . يعني : إن المؤمنين اعتبروا بها .
{ وإن كان أصحاب الأيكة } قوم شعيب ، وكانوا أصحاب غياض وأشجار .
{ فانتقمنا منهم } بالعذاب . أخذهم الحر أياما ، ثم اضطرم عليهم المكان نارا فهلكوا . { وإنهما } يعني : الأيكة ومدينة قوم لوط { لبإمام مبين } لبطريق واضح .
{ ولقد كذب أصحاب الحجر } يعني : قوم ثمود ، والحجر اسم واديهم { المرسلين } يعني : صالحا ، وذلك أن من كذب نبيا فقد كذب جميع الرسل .
{ وآتيناهم آياتنا } يعني : ما أظهر لهم من الآيات في الناقة .
{ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا } لطول عمرهم كان لا يبقى معهم السقوف ، فاتخذوا كهوفا من الجبال بيوتا { آمنين } من أن يقع عليهم .
{ فأخذتهم الصيحة } صيحة العذاب { مصبحين } حين دخلوا في وقت الصبح .
{ فما أغنى عنهم } ما دفع العذاب { ما كانوا يكسبون } من الأموال والأنعام .
{ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي : للثواب والعقاب . أثيب من آمن بي وصدق رسلي ، وأعاقب من كفر بي ، والموعد لذلك الساعة ، وهو قوله تعالى : { وإن الساعة لآتية } أي : إن القيامة تأتي ، فيجازى المشركون بقبيح أعمالهم { فاصفح } عنهم { الصفح الجميل } أي : أعرض إعراضا بغير فحش ولا جزع .
{ إن ربك هو الخلاق العليم } بما خلق .
{ ولقد آتيناك سبعا من المثاني } يعني : الفاتحة ، وهي سبع آيات ، وتثنى في كل صلاة . امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه السورة ، كما امتن عليه بجميع القرآن حين قال : { والقرآن العظيم } أي : العظيم القدر .
{ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به } نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة في الدنيا ، فخظر عليه أن يمد عينيه إليها رغبة فيها . وقوله : { أزواجا منهم } أي : أصنافا من الكفار ، كالمشركين ، واليهود ، وغيرهم . يقول : لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا { ولا تحزن عليهم } إن لم يؤمنوا { واخفض جناحك للمؤمنين } لين جانبك وارفق بهم .
{ وقل إني أنا النذير المبين } أنذركم عذاب الله سبحانه ، وأبين لكم ما يقربكم إليه .
{ كما أنزلنا } أي : عذابنا { على المقتسمين } وهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى بهم خزيا ، فماتوا شر ميتة .
{ الذين جعلوا القرآن عضين } جزؤوه أجزاء ، فقالوا : سحر ، وقالوا : أساطير الأولين ، وقالوا : مفترى .
{ فوربك لنسألنهم أجمعين } .
{ عما كانوا يعملون } أي : يفترون من القول في القرآن . يريد : لنسألنهم سؤال توبيخ وتقريع .
{ فاصدع بما تؤمر } يقول : أظهر ما تؤمر ، واجهر بأمرك ، { وأعرض عن المشركين } لا تبال بهم ، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية .
{ إنا كفيناك المستهزئين } وكانوا خمسة نفر : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، سلط الله سبحانه عليهم جبريل عليه السلام حتى قتل كل واحد منهم بآفة ، وكفى نبيه عليه السلام شرهم .
{الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون}.
{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}.
{ فسبح بحمد ربك } قل : سبحان الله وبحمده { وكن من الساجدين } المصلين .
{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } أي : الموت .