{ن} أقسم الله بالحوت الذي على ظهره الأرض. {والقلم} يعني: القلم الذي خلقه الله تعالى، فجرى بالكائنات إلى يوم القيامة {وما يسطرون} أي: وما تكتب الملائكة.
{ما أنت بنعمة ربك} بإنعامه عليك بالنبوة {بمجنون} أي: إنك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله عليك بالنبوة، وهذا جواب لقولهم: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}.
{وإن لك لأجرا غير ممنون} غير مقطوع ولا منقوص.
{وإنك لعلى خلق عظيم} أي: أنت على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن.
{فستبصر} يا محمد {ويبصرون} أي: المشركون الذين رموه بالجنون.
{بأيكم المفتون} الفتنة، أبك أم بهم.
{هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}.
{فلا تطع المكذبين} فيما دعوك إليه من دينهم.
{ودوا لو تدهن فيدهنون} تلين فلينون لك.
{ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل، أي: الوليد بن المغيرة {مهين} حقير.
{هماز} عياب {مشاء بنميم} ساع بين الناس بالنميمة.
{مناع للخير} بخيل بالمال عن الحقوق {معتد} مجاوز في الظلم {أثيم} آثم.
{عتل} جاف غليظ {بعد ذلك} مع ذكرنا من أوصافه {زنيم} ملحق بقومه وليس منهم.
{أن كان} لأن كان {ذا مال وبنين} يكذب بالقرآن. وهو قوله:
{إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} والمعنى: أيجعل مجازاة نعمة الله عليه بالمال والبنين الكفر باياتنا؟
{سنسمه على الخرطوم} سنجعل على أنفه علامةً باقيةً ما عاش، نخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
{إنا بلوناهم} امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع {كما بلونا أصحاب الجنة} كما امتحنا أصحاب البستان بإحراقها وذهاب قوتهم منها، وكانوا قوماً بناحية اليمن، وكان لهم أب وله جنة كان يتصدق فيها على المساكين، فلما مات قال بنوه: نحن جماعة، وإن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر، فخلقوا ليقطعن ثمرها بسدفة من الليل كيلا يشعر المساكين فيأتوهم، وهو قوله: {إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين}.
{ولا يستثنون} ولا يقولون إن شاء الله.
{فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} أي: أنزل الله عليها ناراً أحرقتها.
{فأصبحت كالصريم} كالليل المظلم سوداء.
{فتنادوا مصبحين} نادى بعضهم بعضاً لما أصبحوا ليخرجوا إلى الصرام، وهو قوله:
{أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} قاطعين الثمر.
{فانطلقوا} ذهبوا إليها {وهم يتخافتون} يسارون الكلام بينهم.
بـ {أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}.
{وغدوا على حرد} قصد وجد {قادرين} عند أنفسهم على ثمر الجنة.
{فلما رأوها} سواد محترقةً {قالوا إنا لضالون} مخطئون طريقنا، وليست هذه جنتنا، ثم عملوا أنها عقوبة من الله تعالى فقالوا:
{بل نحن محرومون} حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المساكين.
{قال أوسطهم} أعدلهم وأفضلهم: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} هلا تستثنون، ومعنى التسبيح ها هنا الاستثناء بإن الله، لأنه تعظيم لله، وكل تعظيم لله فهو تسبيح له.
{قالوا سبحان ربنا} نزهوه عن أن يكون ظالماً، وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا: {إنا كنا ظالمين}.
{فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم.
{قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء.
{عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} من هذه الجنة {إنا إلى ربنا راغبون}.
{كذلك العذاب} كما فعلنا بهم نفعل بمن خالف أمرنا، ثم بين ما عند الله للمؤمنين، فقال تعالى:
{إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} فلما نزلت قال بعض قريش: إن كان ما تذكرون حقاً فإن لنا في الآخرة أكثر مما لكم، فنزل:
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين}. {ما لكم كيف تحكمون}.
{ما لكم كيف تحكمون}.
{أم لكم كتاب} نزل من عند الله {فيه} ما تقولون {تدرسون} تقرون ما فيه.
{إن لكم فيه} في ذلك الكتاب {لما تخيرون} تختارون.
{أم لكم أيمان} عهود ومواثيق {علينا بالغة} محكمة لا ينقطع عهدها {إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} تقضون. وكسرت إن في الآيتين لمكان اللازم في جوابها، وحقها الفتح لو لم تكن اللام.
فـ {سلهم} يا محمد {أيهم بذلك} الذين يقولون من أن لهم في الآخرة حظاً {زعيم} كفيل لهم.
{أم لهم شركاء} آلهة تكفل لهم بما يقولون {فليأتوا بشركائهم} لتكفل لهم {إن كانوا صادقين} فيما يقولون.
{يوم يكشف عن ساق} عن شدة من الأمر، وهو يوم القيامة. قال ابن عباس رضي الله عنه: أشد ساعة في القيامة، فصار كشف الساق عبارة عن شدة الأمر {ويدعون إلى السجود} أي: الكافرون والمنافقون {فلا يستطيعون} يصير ظهرهم طبقاً واحداً كلما أراد أن يسجد واحد منهم خر على قفاه.
{خاشعة أبصارهم} ذليلةً لا يرفعونها {ترهقهم} تغشاهم {ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود} في الدنيا {وهم سالمون} فيأبون ولا يسجدون لله.
{فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} دعني والمكذبين بهذا القرآن، أي: كلهم إلي ولا تشغل قلبك بهم، فإني أكفيك أمرهم. {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أي: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.
{وأملي لهم} أمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشرك {إن كيدي متين} شديد لا يطاق.
{أم تسألهم} بل أتسألهم على ما آتيتهم به من الرسالة {أجرا فهم من مغرم} مما يعطونك {مثقلون}.
{أم عندهم الغيب} علم ما في غد {فهم يكتبون} يحكمون. وقوله:
{ولا تكن كصاحب الحوت} كيونس في الضجر والعجلة {إذ نادى} دعا ربه {وهو مكظوم} مملوء غماً.
{لولا أن تداركه} أدركه {نعمة} رحمة {من ربه لنبذ} لطرح حين ألقاه الحوت {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة، لأنها خالية من البناء والإنسان والأشجار {وهو مذموم} مجرم.
{فاجتباه ربه} فاختاره {فجعله من الصالحين} بأن رحمه وتاب عليه.
{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أي: إنهم لشدة إبغاضهم وعداوتهم لك إذا قرأت القرآن ينظرون إليك نظراً شديداً يكاد يصرعك ويسقطك عن مكانك {ويقولون إنه لمجنون}.
{وما هو} أي: القرآن {إلا ذكر} عظمة {للعالمين}.