{سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} ذكر تفسيرها في قوله: {إن من شيء إلا يسبح بحمده}.
{له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير}.
{هو الأول} قبل كل شيء، فكل شيء دونه {والباطن} العالم بكل شيء.
{يعلم ما يلج في الأرض} ما يدخل فيها من مطر وغيره {وما يخرج منها} من نبات وشجر {وما ينزل من السماء} من رزق ومطر، وملك وأمر {وما يعرج فيها} يصعد إليها من عمل {وهو معكم} بالعلم والقدرة {أين ما كنتم}.
{له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور}.
{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور}.
{آمنوا بالله ورسوله} صدقوا بأن الله تعالى واحد، وأن محمداً رسول الله {وأنفقوا} من المال الذي {جعلكم مستخلفين فيه} أي: كان لغيركم فملكتموه. وقوله:
{وقد أخذ ميثاقكم} أي: حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام بأن الله ربكم لا إله لكم سواه {إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم على أن تؤمنوا يوماً من الأيام.
{هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم}.
{ وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض } أي: أي شيء لكم في ترك الإنفاق في طاعة الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم، ثم بين فضل السابقين في الإنفاق والجهاد، فقال {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} يعني: فتح مكة {وقاتل} جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداء الله. {أولئك أعظم درجة} يعني: عند الله {من الذين أنفقوا من بعد} الفتح {وقاتلوا وكلا} من الفريقين {وعد الله الحسنى} الجنة.
{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} ذكر تفسيره في سورة البقرة.
{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} وهو يوم القيامة {يسعى نورهم} على الصراط {بين أيديهم وبأيمانهم} وتقول لهم الملائكة: {بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم}.
{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} انتظرونا وقفوا لنا تستضيء بنوركم {قيل} لهم {ارجعوا وراءكم} من حيث جئتم {فالتمسوا نورا} فلا نور لكم عندنا {فضرب بينهم} بين المؤمنين والمنافقين {بسور} وهو حاجز بين الجنة والنار. وقيل: هو سور الأعراف {له باب} في ذلك السور باب {باطنه فيه الرحمة} لأن ذلك الباب يفضي إلى الجنة {وظاهره من قبله} أي: من قبل ذلك الظاهر {العذاب} وهو النار.
{ينادونهم} ينادي المنافقون المؤمنين: {ألم نكن معكم} في الدنيا نناكحكم ونوارثكم {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} آثمتموها بالنفاق {وتربصتم} بمحمد عليه السلام الموت {وارتبتم} شككتم في الإيمان {وغرتكم الأماني} ما كنتم تمنون من نزول الدوابر بالمؤمنين {حتى جاء أمر الله} الموت {وغركم بالله} أي: بحلمه وإمهاله {الغرور} الشيطان.
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} بدل {ولا من الذين كفروا} وهم المشركون {مأواكم النار} منزلكم النار {هي مولاكم} أولى بكم {وبئس المصير} هي.
{ألم يأن للذين آمنوا} ألم يحن {أن تخشع قلوبهم} ترق وتلين {لذكر الله وما نزل من الحق} وهو القرآن، وهذا حث من الله تعالى لقوم من المؤمنين على الرقة والخشوع {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} أي: اليهود والنصارى {فطال عليهم الأمد} الزمان بينهم وبين أنبيائهم {فقست قلوبهم} لم تلن لذكر الله، ونسوا ما عهد الله سبحانه إليهم في كتابهم {وكثير منهم فاسقون} وهم الذين تركوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات} أي: إن إحياء الأرض بعد موتها دليل على توحيد الله تعالى وقدرته.
{إن المصدقين والمصدقات} الذي يتصدقون وينفقون في سبيل الله {وأقرضوا الله قرضا حسنا} بالنفقة في سبيله {يضاعف لهم} ما عملوا {ولهم أجر كريم} وهو الجنة.
{والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} المبالغون في الصدق {والشهداء عند ربهم} أي: الأنبياء عليهم السلام {لهم أجرهم ونورهم} في ظلمة القبر. وقيل: هم جميع المؤمنين.
{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو} في انقضائها وقلة حاصلها {وزينة} يتزينون بها {وتفاخر بينكم} يفخر بها بعضكم على بعض {وتكاثر في الأموال والأولاد} مباهاة بكثرتها، ثم ضرب لها مثلاً فقال: {كمثل غيث} مطر {أعجب الكفار} أي: الزراع {نباته} ما أنبته ذلك الغيث، {ثم يهيج} ييبس {فتراه مصفرا} بعد يبسه {ثم يكون حطاما} هشيماً متفتتاً، كذلك الإنسان يهرم ثم يموت ويبلى. {وفي الآخرة عذاب شديد} للكفار {ومغفرة من الله ورضوان} لأوليائه.
{سابقوا إلى مغفرة من ربكم} ذكر في سورة آل عمران عند قوله: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} الآية.
{ما أصاب من مصيبة في الأرض} بالجدب {ولا في أنفسكم} بالمرض والموت والخسران {إلا في كتاب} أي: اللوح المحفوظ {من قبل أن نبرأها} نخلق تلك المصيبة {إن ذلك على الله يسير} أي: خلقها في وقتها بعد أن كتبها في اللوح المحفوظ.
{لكي لا تأسوا على ما فاتكم} من الدنيا {ولا تفرحوا بما آتاكم} أعطاكم منها، أي: لكيلا تحزنوا حزناً يطغيكم، ولا تبطروا بالفرح بعد أن علمتم أن ما يصيبكم من خير وشر فمكتوب لا يخطئكم. {والله لا يحب كل مختال} متكبر بما أوتي من الدنيا {فخور} به على الناس.
{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} ذكر في سورة النساء.
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} بالدلالات الواضحات {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} العدل {ليقوم الناس بالقسط} ليتعامل الناس بينهم بالعدل {وأنزلنا الحديد} وذلك أن آدم عليه السلام نزل إلى الأرض بالعلاة والمطرقة وآلة الحدادين {فيه بأس شديد} قوة وشدة يمتنع بها ويحارب {ومنافع للناس} يستعملونه في أدواتهم {وليعلم الله} أي: أرسلنا الرسل ومعهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق، وليرى الله من ينصر دينه {ورسله بالغيب} في الدنيا. وقوله:
{ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون}.
{ورهبانية ابتدعوها} أي: ابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانيةً، أي: الترهب في الصوامع {ما كتبناها عليهم} ما أمرناهم بها {إلا ابتغاء رضوان الله} لكنهم ابتغوا بتلك الرهبانية رضوان الله {فما رعوها حق رعايتها} أي: قصوراً في تلك الرهبانية حين لم يؤمنوا بمحمد عليه السلام، {فآتينا الذين آمنوا منهم} بمحمد عليه السلام {أجرهم وكثير منهم فاسقون} وهم الذين لم يؤمنوا به.
{يا أيها الذين آمنوا} بالتوراة والإنجيل {اتقوا الله وآمنوا برسوله} محمد عليه السلام {يؤتكم كفلين} نصيبين {من رحمته} نصيباً بإيمانكم الأول، ونصيباً بإيمانكم بمحمد عليه السلام وكتابه {ويجعل لكم نورا تمشون به} في الآخرة على الصراط {ويغفر لكم} وعدهم الله هذه الأشياء كلها على الإيمان بمحمد عليه السلام، ثم قال:
{لئلا يعلم} أي: ليعلم، ولا زائدة {أهل الكتاب} اليهود والنصارى {ألا يقدرون على شيء} أنهم لا يقدرون على شيء {من فضل الله} يعني: إن لم يؤمنوا لم يؤتهم الله شيئاً مما ذكر {وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.