{قل أوحي إلي} أي: أخبرت بالوحي من الله إلي {أنه استمع نفر من الجن} وذلك أن الله تعالى بعث نفراً من الجن ليستمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الصبح ببطن نخلة، وهؤلاء الذين ذكرهم الله في سورة الأحقاف في قوله: {وإذ صرفنا إليك} الآية. فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا} في فصاحته وبيانه وصدق إخباره.
{يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}.
{وأنه تعالى جد ربنا} أي: جلاله وعظمته عن أن يتخذ ولداً أوصاحبة.
{وأنه كان يقول سفيهنا} جاهلنا {على الله شططا} غلواً في الكذب حتى يصفه بالوالد والصاحبة.
{وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} أي: كنا نظنهم صادقين في أن لله صاحبةً وولداً حتى سمعنا القرآن، وكنا نظن أن أحداً لا يكذب على الله. انقطع ها هنا قول الجن. قال الله تعالى:
{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في الأرض الفقر قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، أي: الجن. يقول الله: {فزادوهم رهقا} أي: فزادهم بهذا التعوذ طغياناً، وذلك أنهم قالوا: سدنا الجن والإنس.
{وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا} يقول: ظن الجن كما ظننتم أيها الإنس أن لا بعث يوم القيامة، وقالت الجن:
{وأنا لمسنا السماء} أي: رمنا استراق السمع فيها {فوجدناها ملئت حرسا شديدا} من الملائكة {وشهبا} من النجوم. يريدون: حرست بالنجوم من استماعنا.
{وأنا كنا} قبل ذلك {نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} أي: كواكب حفظةً تمنع من الاستماع.
{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض} بحدوث رجم الكواكب {أم أراد بهم ربهم رشدا} أي: خيراً.
{وأنا منا الصالحون} بعد استماع القرآن، أي: بررة أتقياء {ومنا دون ذلك} دون البررة {كنا طرائق قددا} أي: أصنافاً مختلفين.
{وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} علمنا أن لا نفوته إن أراد بنا أمراً {ولن نعجزه هربا} إن طلبنا. وقوله:
{فلا يخاف بخسا} أي: نقصاً {ولا رهقا} أي: ظلماً، والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يزاد في سيئاته.
{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} الجائرون عن الحق {فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا} قصدوا طريق الحق. قال الله تعالى:
{وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
{وألو استقاموا على الطريقة} لو آمنوا جميعاً، أي: الخلق كلهم أجمعون الجن والإنس {لأسقيناهم ماء غدقا} لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب المثل بالماء لأن الخير كله والرزق بالمطر، وهذا كقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا} الآية.
{لنفتنهم فيه} لنختبرهم فنرى كيف شكرهم {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه} يدخله {عذابا صعدا} شاقاً.
{وأن المساجد لله} يعني: المواضع التي يصلي فيها. وقيل: الأعضاء التي يسجد عليها. وقيل: يعني: إن السجدات لله، جمع مسجد بمعنى السجود { فلا تدعوا مع الله أحدا } أمر بالتوحيد لله تعالى في الصلاة.
{وأنه لما قام عبد الله يدعوه} أي: النبي صلى الله عليه وسلم لما قام ببطن نخلة يدعوا الله {كادوا يكونون عليه} كاد الجن يتراكبون ويزدحمون حرصاً على ما يسمعون، ورغبةً فيه وقوله:
{قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا}.
{قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا}.
{ولن أجد من دونه ملتحدا} أي: ملجأ.
{إلا بلاغا من الله ورسالاته} لكن أبلغ عن الله ما أرسلت به، ولا أملك الكفر والإيمان، وهو قوله: {لا أملك لكم ضرا ولا رشدا}. وقوله:
{حتى إذا رأوا} أي: الكفار {ما يوعدون} من العذاب والنار {فسيعلمون} حينئذ {من أضعف ناصرا} أنا أو هم {وأقل عددا}
{قل إن أدري} ما أدري {أقريب ما توعدون} من العذاب {أم يجعل له ربي أمدا} أجلاً وغايةً.
{عالم الغيب} أي: هو عالم الغيب {فلا يظهر} فلا يطع على ما غيبه من العباد {أحدا}.
{إلا من ارتضى} اصطفى {من رسول} فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب معجزةً له {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} أي: يجعل من جميع جوانبه رصداً من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكهنة، فيساوون الأنبياء.
{ليعلم} الله {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} أي: ليبلغوا رسالات ربهم، فإذا بلغوا علم الله ذلك، فصار كقوله: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} أي: ولما يجاهدوا. {وأحاط بما لديهم} علم الله ما عندهم {وأحصى كل شيء عددا} أي: علم عدد كل شيء فلم يخف عليه شيء.