islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
12398

42-الشورى

حم

{حم} ح: حكم الله، م: مجده.

عسق

{عسق} ع: علمه، س: سناؤه، ق: قدرته. أقسم الله تعالى بها.

كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

{كذلك يوحي إليك} ما من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحى الله إليه: حم عسق، فهو معنى قوله: {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك}.

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

{له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم}.

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

{تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } تكاد كل واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين: اتخذ الله ولداً. {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} ينزهون الله تعالى عن السوء {ويستغفرون} الله {لمن في الأرض} من المؤمنين.

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ

{والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي: آلهةً. {الله حفيظ عليهم} يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها {وما أنت عليهم بوكيل} لم توكل عليهم، وما عليك إلا البلاغ.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

{وكذلك} وهكذا {أوحينا إليك قرآنا عربيا } بلفظ العرب {لتنذر أم القرى} أهل مكة {ومن حولها} سائر الناس {وتنذر يوم الجمع} تخوفهم بيوم القيامة الذي يجمع فيه الخلق {لا ريب فيه} كما يرتاب الكافرون. {فريق في الجنة وفريق في السعير} إخبار عن اختلاف حال الناس في ذلك اليوم.

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة} لجعل الفريقين فريقاً واحداً {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} بين أنه إنما يدخل الجنة من يشاء، فهو فضل منه {والظالمون} والكافرون {ما لهم من ولي ولا نصير} ناصر يمنعهم من العذاب.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

{أم اتخذوا} بل اتخذوا {من دونه أولياء فالله هو الولي} لا ما اتخذوه من دونه.

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ

{وما اختلفتم فيه من شيء} من أمر الدين {فحكمه إلى الله} لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وقوله:

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

{جعل لكم من أنفسكم أزواجا} حلائل {ومن الأنعام أزواجا} أي: خلق الذكر والأنثى {يذرؤكم فيه} أي: يكثركم بجعله لم حلائل، لأنهن سبب النسل، وفيه بمعنى: به {ليس كمثله شيء} الكاف زائدة، أي: ليس مثله شيء

لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

{له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم}.

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي

{شرع لكم} بين وأظهر لكم {من الدين ما وصى به} أمر {زوجا} ثم بين ذلك فقال: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} والله يبعث الأنبياء كلهم بإقامة الدين وترك الفرقة. {كبر} عظم وشق {على المشركين ما تدعوهم إليه} من التوحيد وترك الأوثان. {الله يجتبي إليه من يشاء} يصطفى من يشاء لدينه، فيهديه إليه.

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ

{وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} ما تفرق أهل الكتاب إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي {ولولا كلمة سبقت من ربك} في تأخيرهم إلى الساعة {لقضي بينهم} لجوزوا بأعمالهم {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم} يعني: هذه الأمة، أعطوا الكتاب من بعد اليهود والنصارى {لفي شك منه مريب} يعني: كفار هذه الأمة ومشركيها.

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا و

{فلذلك فادع} أي: إلى ذلك. يعني: إلى إقامة الدين فادع الناس {واستقم كما أمرت} اثبت على الدين الذي أمرت به {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب } أي: بجميع كتب الله المنزلة {وأمرت لأعدل بينكم} لأسوي بينكم في الإيمان بكتبكم. وقيل: لأعدل بينكم في القضية. وقوله: {لا حجة} أي: لا خصومة {بيننا وبينكم} وهذا منسوخ بآية القتال.

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

{والذين يحاجون في الله} يخاصمون في دين الله نبيه عليه السلام {من بعد ما استجيب له} أجيب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدين، فأسلموا ودخلوا في دينه {حجتهم داحضة عند ربهم} أي: باطلة زائلة، لأنهم يخاصمون صادقاً في خبره قد ظهرت معجزته.

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ

{الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} أي: العدل، والمعنى: إن الله تعالى أمر أن يقتدي بكتابه في أوامره ونواهيه، وأن يعامل بالنصفة والسوية، وآلة ذلك الميزان، ثم قال: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي: فاعمل بالعدل والكتاب، فلعل الساعة قد قربت منك وأنت لا تدري.

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

{يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} ظناً منهم أنها غير كائنة، {والذين آمنوا مشفقون} خائفون منها، لأنهم يعلمون أنهم مبعوثون ومحاسبون. {ألا إن الذين يمارون} تدخلهم المرية والشك {في الساعة لفي ضلال بعيد} لأنهم لو فكروا لعلموا أن الذي أنشأهم أولا قادر على إعادتهم.

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

{الله لطيف بعباده} حفي بار بهم، برهم وفاجرهم حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم.

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ

{من كان يريد حرث الآخرة} من أراد بعمله الآخرة {نزد له في حرثه} أي: كسبه بالتضعيف بالواحدة عشراً. { ومن كان يريد حرث الدنيا } بعمله الدنيا {نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} أي: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الاخرة.

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

{أم لهم} بل آلهم {شركاء} آلهة {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل} أي: القدر السابق بأن القضاء والجزاء يوم القيامة {لقضي بينهم} في الدنيا.

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

{ترى الظالمين} المشركين يوم القيامة {مشفقين} خائفين {مما كسبوا} أي: من جزائه {وهو واقع بهم} لا محالة. وقوله:

ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ

{قل لا أسألكم عليه أجرا} أي: على تبليغ الرسالة {أجرا إلا المودة في القربى} أي: إلا أن تحفظوا قرابتي وتودوني، وتصلوا رحمي، وذلك أنه لم يكن حي من قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فكأنه يقول: إذا لم تؤمنوا بي فاحفظوا قرابتي ولا تؤذوني. وقيل: معناه: إلا أن تتوددوا إلى الله عز وجل بما يقربكم منه، وقوله: {إلا المودة} استثناء ليس من الأول. {ومن يقترف} يعمل { حسنة نزد له فيها حسنا} نضاعفها له.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

{أم يقولون} بل أيقولون، يعني: أهل مكة {افترى على الله كذبا} تقول القرآن من قبل نفسه {فإن يشإ الله يختم على قلبك } يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، ثم ابتدأ فقال {ويمح الله الباطل} أي: الشرك {ويحق الحق بكلماته} بما أنزله الله من كتابه على لسان نبيه عليه السلام وهو القرآن.

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ

{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} إذا رجع العبد عن معصية الله تعالى إلى طاعته قبل ذلك الرجوع، وعفا عنه ما سلف، وهو قوله: {ويعفو عن السيئات}.

وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

{ويستجيب الذين آمنوا } أي: يجيبهم إلى ما يسألون.

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

{ولو بسط الله الرزق لعباده } أي: وسع عليهم الرزق {لبغوا في الأرض} لطغوا وعصوا {ولكن ينزل بقدر ما يشاء} فيجعل واحداً فقيراً، وآخر غنياً {إنه بعباده خبير بصير}.

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ

{وهو الذي ينزل الغيث} المطر {من بعد ما قنطوا} من بعد يأس العباد من نزوله {وينشر رحمته} ويبسط مطره.

وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ

{ومن آياته } دلائل قدرته {خلق السماوات والأرض وما بث} فرق ونشر {فيهما من دابة وهو على جمعهم} للحشر {إذا يشاء قدير}.

وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ

{وما أصابكم من مصيبة} بلية وشدة { فبما كسبت أيديكم } فهي جزاء ما اكتسبتم من الإجرام {ويعفو عن كثير} فلا يجازي عليه.

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

{وما أنتم بمعجزين في الأرض} هرباً، أي: إن هربتم لم تعجزوا الله في أخذكم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ

{ومن آياته الجوار } السفن التي تجري {في البحر كالأعلام} كالجبال في العظم.

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

{إن يشأ يسكن الريح فيظللن} فيصرن {رواكد} ثوابت على ظهر البحر لا تجري {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} لكل مؤمن.

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ

{أو يوبقهن} يهلكهن، يعني: أهلها {بما كسبوا} من الذنوب {ويعف عن كثير} فلا يعاقب عليها.

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ

{ويعلم الذين يجادلون في آياتنا } أي: في دفعها وإبطالها {ما لهم من محيص} مهرب من عذاب الله.

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

{فما أوتيتم من شيء} من أثاث الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} يتمتع به في هذه الدار {وما عند الله} من الثواب {خير وأبقى للذين آمنوا} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أنفق جميع ماله وتصدق به، فلامه الناس.

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ

{والذين يجتنبون} عطف على قوله: { للذين آمنوا }. {كبائر الإثم والفواحش} الشرك وموجبات الحدود {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} يتجاوزون ويحملون.

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

{والذين استجابوا لربهم} أجابوه بالإيمان والطاعة. {وأمرهم شورى بينهم} لا ينفردون برأيهم بل يتشاورون.

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ

{والذين إذا أصابهم البغي} الظلم {هم ينتصرون} ينتقمون ممن ظلمهم، ثم بين حد الانتصار فقال:

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

{وجزاء سيئة سيئة مثلها} أي: إنما يجازي السوء بمثله، فيقتص من الجاني بمقدار جنايته {فمن عفا} ترك الانتقام {وأصلح} بينه وبين الظالم عليه بالعفو {فأجره على الله} أي: إن الله يأجره على ذلك {إنه لا يحب الظالمين} الذين يبدؤون بالظلم.

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ

{ولمن انتصر بعد ظلمه} أي: بعد أن ظلم {فأولئك ما عليهم من سبيل} باللوم ولا القصاص، لأنه أخذ حقه.

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم}.

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

{ولمن صبر} على الأذى {وغفر} ولم يكافئ {إن ذلك} أي: الصبر والغفران {لمن عزم الأمور} لأنه يوجب الثواب، فهو أتم عزم. وقوله:

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ

{ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل}.

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ

{وتراهم يعرضون عليها } على النار {خاشعين من الذل} متواضعين ساكنين. {ينظرون} إلى النار {من طرف خفي} مسارقةً.

وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ

{وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل}.

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ

{استجيبوا لربكم} بالإيمان والطاعة {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي: إن الله تعالى إذا أتى به لم يرده {ما لكم من ملجأ يومئذ} مهرب من العذاب {وما لكم من نكير} إنكار على ما ينزل بكم من العذاب، لا تقدرون أن تنكروه فتغيروه. وقوله:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ

{فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور}.

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ

{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور}.

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ

{أو يزوجهم ذكرانا وإناثا} أي: يجعل ما يهب من الولد بعضه ذكوراً، وبعضه إناثاً {ويجعل من يشاء عقيما} لا يولد له.

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ

{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} بأن يوحي إليه في منامه {أو من وراء حجاب} كما كلم موسى عليه السلام {أو يرسل رسولا} ملكاً {فيوحي بإذنه ما يشاء} فيكلمه عنه بما يشاء.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

{وكذلك} وكما أوحينا إلى سائر الرسل {أوحينا إليك روحا} ما يحيا به الخلق، أي: يهتدون به، وهو القرآن {من أمرنا}: أي: فعلنا في الوحي إليك. {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} قبل الوحي. ويعني بالإيمان شرائعه ومعالمه {ولكن جعلناه } جعلنا الكتاب {نورا}. وقوله: {وإنك لتهدي} بوحينا إليك {إلى صراط مستقيم}. يعني الإسلام.

صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ

{صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس