{حم} ح: حكم الله، م: مجده.
{عسق} ع: علمه، س: سناؤه، ق: قدرته. أقسم الله تعالى بها.
{كذلك يوحي إليك} ما من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحى الله إليه: حم عسق، فهو معنى قوله: {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك}.
{له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم}.
{تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } تكاد كل واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين: اتخذ الله ولداً. {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} ينزهون الله تعالى عن السوء {ويستغفرون} الله {لمن في الأرض} من المؤمنين.
{والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي: آلهةً. {الله حفيظ عليهم} يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها {وما أنت عليهم بوكيل} لم توكل عليهم، وما عليك إلا البلاغ.
{وكذلك} وهكذا {أوحينا إليك قرآنا عربيا } بلفظ العرب {لتنذر أم القرى} أهل مكة {ومن حولها} سائر الناس {وتنذر يوم الجمع} تخوفهم بيوم القيامة الذي يجمع فيه الخلق {لا ريب فيه} كما يرتاب الكافرون. {فريق في الجنة وفريق في السعير} إخبار عن اختلاف حال الناس في ذلك اليوم.
{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة} لجعل الفريقين فريقاً واحداً {ولكن يدخل من يشاء في رحمته} بين أنه إنما يدخل الجنة من يشاء، فهو فضل منه {والظالمون} والكافرون {ما لهم من ولي ولا نصير} ناصر يمنعهم من العذاب.
{أم اتخذوا} بل اتخذوا {من دونه أولياء فالله هو الولي} لا ما اتخذوه من دونه.
{وما اختلفتم فيه من شيء} من أمر الدين {فحكمه إلى الله} لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وقوله:
{جعل لكم من أنفسكم أزواجا} حلائل {ومن الأنعام أزواجا} أي: خلق الذكر والأنثى {يذرؤكم فيه} أي: يكثركم بجعله لم حلائل، لأنهن سبب النسل، وفيه بمعنى: به {ليس كمثله شيء} الكاف زائدة، أي: ليس مثله شيء
{له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم}.
{شرع لكم} بين وأظهر لكم {من الدين ما وصى به} أمر {زوجا} ثم بين ذلك فقال: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} والله يبعث الأنبياء كلهم بإقامة الدين وترك الفرقة. {كبر} عظم وشق {على المشركين ما تدعوهم إليه} من التوحيد وترك الأوثان. {الله يجتبي إليه من يشاء} يصطفى من يشاء لدينه، فيهديه إليه.
{وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} ما تفرق أهل الكتاب إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي {ولولا كلمة سبقت من ربك} في تأخيرهم إلى الساعة {لقضي بينهم} لجوزوا بأعمالهم {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم} يعني: هذه الأمة، أعطوا الكتاب من بعد اليهود والنصارى {لفي شك منه مريب} يعني: كفار هذه الأمة ومشركيها.
{فلذلك فادع} أي: إلى ذلك. يعني: إلى إقامة الدين فادع الناس {واستقم كما أمرت} اثبت على الدين الذي أمرت به {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب } أي: بجميع كتب الله المنزلة {وأمرت لأعدل بينكم} لأسوي بينكم في الإيمان بكتبكم. وقيل: لأعدل بينكم في القضية. وقوله: {لا حجة} أي: لا خصومة {بيننا وبينكم} وهذا منسوخ بآية القتال.
{والذين يحاجون في الله} يخاصمون في دين الله نبيه عليه السلام {من بعد ما استجيب له} أجيب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدين، فأسلموا ودخلوا في دينه {حجتهم داحضة عند ربهم} أي: باطلة زائلة، لأنهم يخاصمون صادقاً في خبره قد ظهرت معجزته.
{الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} أي: العدل، والمعنى: إن الله تعالى أمر أن يقتدي بكتابه في أوامره ونواهيه، وأن يعامل بالنصفة والسوية، وآلة ذلك الميزان، ثم قال: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي: فاعمل بالعدل والكتاب، فلعل الساعة قد قربت منك وأنت لا تدري.
{يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} ظناً منهم أنها غير كائنة، {والذين آمنوا مشفقون} خائفون منها، لأنهم يعلمون أنهم مبعوثون ومحاسبون. {ألا إن الذين يمارون} تدخلهم المرية والشك {في الساعة لفي ضلال بعيد} لأنهم لو فكروا لعلموا أن الذي أنشأهم أولا قادر على إعادتهم.
{الله لطيف بعباده} حفي بار بهم، برهم وفاجرهم حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم.
{من كان يريد حرث الآخرة} من أراد بعمله الآخرة {نزد له في حرثه} أي: كسبه بالتضعيف بالواحدة عشراً. { ومن كان يريد حرث الدنيا } بعمله الدنيا {نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} أي: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الاخرة.
{أم لهم} بل آلهم {شركاء} آلهة {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل} أي: القدر السابق بأن القضاء والجزاء يوم القيامة {لقضي بينهم} في الدنيا.
{ترى الظالمين} المشركين يوم القيامة {مشفقين} خائفين {مما كسبوا} أي: من جزائه {وهو واقع بهم} لا محالة. وقوله:
{قل لا أسألكم عليه أجرا} أي: على تبليغ الرسالة {أجرا إلا المودة في القربى} أي: إلا أن تحفظوا قرابتي وتودوني، وتصلوا رحمي، وذلك أنه لم يكن حي من قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فكأنه يقول: إذا لم تؤمنوا بي فاحفظوا قرابتي ولا تؤذوني. وقيل: معناه: إلا أن تتوددوا إلى الله عز وجل بما يقربكم منه، وقوله: {إلا المودة} استثناء ليس من الأول. {ومن يقترف} يعمل { حسنة نزد له فيها حسنا} نضاعفها له.
{أم يقولون} بل أيقولون، يعني: أهل مكة {افترى على الله كذبا} تقول القرآن من قبل نفسه {فإن يشإ الله يختم على قلبك } يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، ثم ابتدأ فقال {ويمح الله الباطل} أي: الشرك {ويحق الحق بكلماته} بما أنزله الله من كتابه على لسان نبيه عليه السلام وهو القرآن.
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} إذا رجع العبد عن معصية الله تعالى إلى طاعته قبل ذلك الرجوع، وعفا عنه ما سلف، وهو قوله: {ويعفو عن السيئات}.
{ويستجيب الذين آمنوا } أي: يجيبهم إلى ما يسألون.
{ولو بسط الله الرزق لعباده } أي: وسع عليهم الرزق {لبغوا في الأرض} لطغوا وعصوا {ولكن ينزل بقدر ما يشاء} فيجعل واحداً فقيراً، وآخر غنياً {إنه بعباده خبير بصير}.
{وهو الذي ينزل الغيث} المطر {من بعد ما قنطوا} من بعد يأس العباد من نزوله {وينشر رحمته} ويبسط مطره.
{ومن آياته } دلائل قدرته {خلق السماوات والأرض وما بث} فرق ونشر {فيهما من دابة وهو على جمعهم} للحشر {إذا يشاء قدير}.
{وما أصابكم من مصيبة} بلية وشدة { فبما كسبت أيديكم } فهي جزاء ما اكتسبتم من الإجرام {ويعفو عن كثير} فلا يجازي عليه.
{وما أنتم بمعجزين في الأرض} هرباً، أي: إن هربتم لم تعجزوا الله في أخذكم.
{ومن آياته الجوار } السفن التي تجري {في البحر كالأعلام} كالجبال في العظم.
{إن يشأ يسكن الريح فيظللن} فيصرن {رواكد} ثوابت على ظهر البحر لا تجري {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} لكل مؤمن.
{أو يوبقهن} يهلكهن، يعني: أهلها {بما كسبوا} من الذنوب {ويعف عن كثير} فلا يعاقب عليها.
{ويعلم الذين يجادلون في آياتنا } أي: في دفعها وإبطالها {ما لهم من محيص} مهرب من عذاب الله.
{فما أوتيتم من شيء} من أثاث الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} يتمتع به في هذه الدار {وما عند الله} من الثواب {خير وأبقى للذين آمنوا} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أنفق جميع ماله وتصدق به، فلامه الناس.
{والذين يجتنبون} عطف على قوله: { للذين آمنوا }. {كبائر الإثم والفواحش} الشرك وموجبات الحدود {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} يتجاوزون ويحملون.
{والذين استجابوا لربهم} أجابوه بالإيمان والطاعة. {وأمرهم شورى بينهم} لا ينفردون برأيهم بل يتشاورون.
{والذين إذا أصابهم البغي} الظلم {هم ينتصرون} ينتقمون ممن ظلمهم، ثم بين حد الانتصار فقال:
{وجزاء سيئة سيئة مثلها} أي: إنما يجازي السوء بمثله، فيقتص من الجاني بمقدار جنايته {فمن عفا} ترك الانتقام {وأصلح} بينه وبين الظالم عليه بالعفو {فأجره على الله} أي: إن الله يأجره على ذلك {إنه لا يحب الظالمين} الذين يبدؤون بالظلم.
{ولمن انتصر بعد ظلمه} أي: بعد أن ظلم {فأولئك ما عليهم من سبيل} باللوم ولا القصاص، لأنه أخذ حقه.
{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم}.
{ولمن صبر} على الأذى {وغفر} ولم يكافئ {إن ذلك} أي: الصبر والغفران {لمن عزم الأمور} لأنه يوجب الثواب، فهو أتم عزم. وقوله:
{ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل}.
{وتراهم يعرضون عليها } على النار {خاشعين من الذل} متواضعين ساكنين. {ينظرون} إلى النار {من طرف خفي} مسارقةً.
{وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل}.
{استجيبوا لربكم} بالإيمان والطاعة {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي: إن الله تعالى إذا أتى به لم يرده {ما لكم من ملجأ يومئذ} مهرب من العذاب {وما لكم من نكير} إنكار على ما ينزل بكم من العذاب، لا تقدرون أن تنكروه فتغيروه. وقوله:
{فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور}.
{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور}.
{أو يزوجهم ذكرانا وإناثا} أي: يجعل ما يهب من الولد بعضه ذكوراً، وبعضه إناثاً {ويجعل من يشاء عقيما} لا يولد له.
{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} بأن يوحي إليه في منامه {أو من وراء حجاب} كما كلم موسى عليه السلام {أو يرسل رسولا} ملكاً {فيوحي بإذنه ما يشاء} فيكلمه عنه بما يشاء.
{وكذلك} وكما أوحينا إلى سائر الرسل {أوحينا إليك روحا} ما يحيا به الخلق، أي: يهتدون به، وهو القرآن {من أمرنا}: أي: فعلنا في الوحي إليك. {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} قبل الوحي. ويعني بالإيمان شرائعه ومعالمه {ولكن جعلناه } جعلنا الكتاب {نورا}. وقوله: {وإنك لتهدي} بوحينا إليك {إلى صراط مستقيم}. يعني الإسلام.
{صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}.