{هل أتى على الإنسان} قد أتى على آدم {حين من الدهر} أربعون سنةً {لم يكن شيئا مذكورا} لأنه كان جسداً مصوراً من طين، لا يذكر ولا يعرف، ويجوز أن يريد جميع الناس، لأن كل أحد يكون عدماً إلى أن يصير شيئاً مذكوراً.
{إنا خلقنا الإنسان} يعني: ابن آدم {من نطفة أمشاج} أخلاط، يعني: ماء الرجل وماء المرأة واختلاف ألوانهما {نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} أي: خلقناه كلذلك لنختبره بالتكليف والأمر والنهي.
{إنا هديناه السبيل} بينا له الطريق {إما شاكرا وإما كفورا} إن شكر أو كفر، يعني: أعذرنا إليه في بيان الطريق يبعث الرسول آمن أو كفر.
{إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا}.
{إن الأبرار} المطيعين لربهم {يشربون من كأس} إناء فيه شراب {كان مزاجها كافورا} يمزج لهم بالكافور.
{عينا} من عين {يشرب بها} بتلك العين {عباد الله يفجرونها تفجيرا} يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم.
{يوفون بالنذر} إذا نذروا في طاعة الله وفوا به {ويخافون يوما كان شره مستطيرا} منتشراً فاشياً.
{ويطعمون الطعام على حبه} على قلته وحبهم إياه {مسكينا} فقيراً { ويتيما} لا أب له {وأسيرا} أي: المملوك والمحبوس في حق من المسلمين، ويقولون لهم:
{إنما نطعمكم لوجه الله} لطلب ثواب الله {لا نريد منكم} بما نطعمكم {جزاء} مكافأةً منكم {ولا شكورا} شكراً.
{إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا} كريه المنظر لشدته {قمطريرا} صعباً شديداً طويل الشر.
{فوقاهم الله شر ذلك اليوم} الذي يخافون {ولقاهم نضرة} ضياء في وجوههم {وسرورا} في قلوبهم.
{وجزاهم بما صبروا} على طاعة الله وعن معصيته {جنة وحريرا}.
{متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} حراً ولا برداً، صيفاً ولا شتاءً.
{ودانية عليهم ظلالها} أي: قريبة منهم ضلال أشجارها {وذللت قطوفها تذليلا} أدنيت منهم ثمارها، فهم ينالونها قعوداً كانوا أو قياماً.
{ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا} أي: لها بياض الفضة وصفاء القوارير وهو قوله:
{قوارير من فضة قدروها تقديرا} أي: جعلت الأكواب على قدر ريهم، وهو ألد الشراب.
{ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} والزنجبيل: شيء تستلذه العرب، فوعدهم الله ذلك في الجنة.
{عينا} من عين {فيها} في الجنة {تسمى} تلك العين {سلسبيلا}.
{ويطوف عليهم ولدان} أي: غلمان {مخلدون} لا يشيبون {إذا رأيتهم حسبتهم} في بياضهم وصفاء ألوانهم {لؤلؤا منثورا}.
{وإذا رأيت ثم} إذا رميت ببصرك في الجنة {رأيت نعيما وملكا كبيرا} وهو أن أدناهم منزلاً ينظر في ملكه في مسيرة ألف عام.
{عاليهم} فوقهم {ثياب سندس} أي: الحرير. وقوله: {شرابا طهورا} طاهراً من الأقذاء والأقذار، وليس بنجس كخمر الدنيا. وقوله:
{إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا}.
{إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا }.
{ولا تطع منهم آثما} يعني: عتبة بن ربيعة {أو كفورا} يعني: الوليد بن المغيرة، وذلك أنهما ضمنا للنبي صلى الله عليه وسلم المال والتزويج إن ترك دعوتهم إلى الإسلام.
{واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا}.
{ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا}.
{إن هؤلاء يحبون العاجلة} يعني: الدنيا {ويذرون وراءهم يوما ثقيلا} ويتركون العمل ليوم شديد أمامهم، وهو يوم القيامة.
{نحن خلقناهم وشددنا أسرهم} خلقهم وخلق مفاصلهم.
{إن هذه} السورة {تذكرة} تذكير للخلق {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} وسيلةً بالطاعة.
{وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} أي: لستم تشاؤون شيئاً إلا بمشيئة الله تعالى، لأن الأمر إليه.
{يدخل من يشاء في رحمته} جنته، وهم المؤمنون {والظالمين} الكافرين الذين عبدوا غيره {أعد لهم عذابا أليما}.