{كهيعص} معناه: الله كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فوق أيديهم، عالم ببريته، صادق في وعده.
{ذكر} هذا ذكر {رحمة ربك عبده زكريا} أي: هذا القول الذي أنزلت عليك ذكر رحمة الله سبحانه عبده بإجابة دعائه لما دعاه، وهو قوله:
{إذ نادى ربه} دعا ربه { نداء خفيا} سراً لم يطلع عليه غير الله.
{قال رب إني وهن} ضعف {العظم مني} أي: عظمي {واشتعل الرأس شيبا} وكثر شيب رأسي جداً {ولم أكن بدعائك} بدعائي إياك {ربي شقيا} أي: كنت مستجاب الدعوة قد عودتني الإجابة.
{وإني خفت الموالي} الأقارب وبني العم والعصبة {من ورائي} من بعدي ألا يحسنوا الخلافة لي في دينك {وكانت امرأتي} فيما مضى من الزمان {عاقرا} لم تلد {فهب لي من لدنك وليا} ابناً صالحاً.
{يرثني ويرث من آل يعقوب} العلم والنبوة {واجعله رب رضيا} مرضياً، فاستجاب الله تعالى دعاءه، وقال:
{يا زكريا إنا نبشرك بغلام} ولد ذكر {اسمه يحيى} لأنه يحيا بالعلم والطاعة {لم نجعل له من قبل سميا} لم يسم أحد قبله بهذا الإسم، فأحب زكريا أن يعلم من أي جهة يكون له الولد، ومثل امرأته لا تلد، ومثله لا يولد له فقال: {رب أنى يكون لي غلام} ولد.
{وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا} أي: يبوساً وانتهاءً في السن.
{قال} جبريل عليه السلام: {كذلك} أي: الأمر كما قيل لك. {قال ربك هو علي هين} أرد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع، وأفتق رحم امرأتك بالولد {وقد خلقتك من قبل} يعني: من قبل يحيى {ولم تك شيئا}.
{قال رب اجعل لي آية} على حمل امرأتي { قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } أي: تمنع الكلام وأنت سوي صحيح سليم، فتعلم بذلك أن الله قد وهب لك الولد.
{فخرج على قومه} وذلك أنهم كانوا ينتظرونه، فخرج عليهم ولم يقدر أن يتكلم {فأوحى إليهم} أشار إليهم {أن سبحوا} صلوا لله تعالى {بكرة وعشيا} فوهبنا له يحيى، وقلنا:
{يا يحيى خذ الكتاب} التوارة {بقوة} أعطيتكها وقويتك على حفظها والعمل بما فيها {وآتيناه الحكم صبيا} النبوة في صباه.
{وحنانا} وآتيناه حنانا: رحمة {من لدنا وزكاة} تطهيرا. وقوله:
{جبارا} أي قتالا متكبرا {عصيا} عاصيا لربه.
{وسلام عليه} سلامة له منا في الأحوال التي ذكرها، يريد أن الله سبحانه سلمه في هذه الأحوال.
{واذكر} يا محمد {في الكتاب مريم إذ انتبذت} تنحت من أهلها {مكانا شرقيا} من جانب الشرق، وذلك أنها أرادت الغسل من الحيض فاعتزلت في ناحية شرقية من الدار.
{فاتخذت من دونهم حجابا} تتستر به عنهم {فأرسلنا إليها روحنا} جبريل عليه السلام {فتمثل} فتصور {لها بشرا} آدمياً {سويا} تام الخلق.
{قالت إني أعوذ بالرحمن منك} أيها البشر {إن كنت تقيا} مؤمناً مطيعاً فستنتهي عني بتعوذي بالله سبحانه منك.
{قال} جبريل عليه السلام: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} ولداً صالحاً نبياً.
{قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} ليس لي زوج {ولم أك بغيا} وليس بزانية.
{قال كذلك} أي: الأمر كما وصفت لك. {قال ربك هو علي هين} أن أهب لك غلاماً من غير أب {ولنجعله آية} علامةً للناس على قدرة الله تعالى {ورحمة منا} لمن تبعه على دينه {وكان} ذلك {أمرا مقضيا} قضيت به في سابق علمي، فرفع جبريل عليه السلام جانب درعها، فنفخ في جيبها، فحملت بعيسى عليه السلام، وذلك قوله سبحانه:
{فحملته فانتبذت به} تباعدت بالحمل {مكانا قصيا} بعيداً من أهلها في أقصى وادي بيت لحم، وذلك أنها لما أحست بالحمل، هربت من قومها مخالفة اللائمة.
{فأجاءها المخاض} وجع الولادة {إلى جذع النخلة} وذلك أنها حين أخذها الطلق صعدت أكمة، فإذا عليها جذع نخلة، وهو ساقها ولم يكن لها سعف، فسارت إليها وقالت جزعاً مما أصابها: {يا ليتني مت قبل هذا} اليوم وهذا الأمر {وكنت نسيا منسيا} شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر، فلما رأى جبريل عليه السلام وسمع جزعها وناداها من تحت الأكمة، وهو قوله:
{ فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا } نهر ماء جار، وكان تحت الأكمة نهر قد انقطع الماء منه، فأرسل الله سبحانه الماء فيه لمريم.
{وهزي} وحركي {إليك} إلى نفسك {بجذع النخلة تساقط} النخلة {عليك رطبا جنيا} غضاً ساعة جني، وذلك أن الله تعالى أحيا لها تلك النخلة بعد يبسها، فأورقت وأثمرت وأرطبت.
{فكلي} من الرطب {واشربي} من الماء السري {وقري عينا} بولدك {فإما ترين من البشر أحدا} فسألك عن ولدك، ولامك عليه {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} صمتاً، أي: قولي له: إني أوجبت على نفسي لله سبحانه أن لا أتكلم، وذلك أن الله تعالى أراد أن يظهر براءتها من جهة عيسى عليه السلام يتكلم ببراءة أمه وهو في المهد، فذلك قوله: {فلن أكلم اليوم إنسيا}.
{فأتت به} بعيسى بعد ما طهرت من نفاسها {قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} عظيماً منكراً، ولداً من غير أب !
{يا أخت هارون} كان لها أخ صالح من جهة أبيها يسمى هارون. وقيل: هارون رجل صالح كان من أمثل بني إسرائيل، فقيل لمريم: يا شبيهته في العفاف {ما كان أبوك} عمران {امرأ سوء} زان {وما كانت أمك} حنة {بغيا} زانية، فمن أين لك هذا الولد من غير زوج ؟
{فأشارت} إلى عيس بأن يجعلوا الكلام معه، فتعجبوا من ذلك وقالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني: رضيعا في الحجر.
{قال} عيسى عند ذلك: {إني عبد الله} أقر عل نفسه بالعبودية لله سبحانه وتعالى {آتاني الكتاب} علمني التوراة. وقيل: الخط.
{وجعلني نبيا * وجعلني مباركا} معلماً للخير أدعو إلى الله تعالى {أين ما كنت وأوصاني بالصلاة} أمرني بالصلاة {والزكاة} الطهارة {ما دمت حيا}.
{وبرا} لطيفاً {بوالدتي} .
{والسلام علي يوم ولدت} الآية. أي: السلامة على من الله تعالى في هذه الأحوال.
{ذلك عيسى ابن مريم} أي: الذي قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآية، هو عيسى ابن مريم لا ما يقول النصارى من أنه إله، وأنه ابن الله. {قول الحق}أي : هذا الكلام قول الحق، والحق :هو الله سبحانه . وقيل : معنى قوله الحق :أنه كلمة الله {الذي فيه يمترون} يشكون. يعني: اليهود، يقولون: إنه لزنية، وإنه كذاب ساحر، ويقول النصارى: إنه ابن الله.
{وما كان لله} ما ينبغي له سبحانه {أن يتخذ من ولد} أي: ولداً {سبحانه} تنزيهاً له عن ذلك {فإذا قضى أمرا} أراد كونه {فإنما يقول له كن فيكون} كما قال لعيسى: كن فكان من غير أب.
{وإن الله ربي وربكم} هذا راجع إلى قوله تعالى: {وأوصاني بالصلاة} وأوصاني بأن الله ربي وربكم {فاعبدوه} {هذا} الذي ذكرت {صراط مستقيم}.
{فاختلف الأحزاب} يعني: فرق النصارى {من بينهم} فيما بينهم، وهم النسطورية واليعقوبية والملكانية {فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} يريد: مشهدهم يوم القيامة.
{أسمع بهم وأبصر} ما أبصرهم بالهدى يوم القيامة وأطوعهم أن عيسى ليس الله، ولا ابن الله، سبحانه، ولا ثالث ثلاثة، ولكن لا ينفعهم ذلك مع ضلالتهم في الدنيا، وهو قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} من أمر عيسى والقول فيه.
{وأنذرهم} خوفهم يا محمد {يوم الحسرة} يوم القيامة حين يذبح الموت بين الفريقين {إذ قضي الأمر} أحكم وفرغ منه {وهم في غفلة} في الدنيا من ذلك اليوم {وهم لا يؤمنون} لا يصدقون به .
{إنا نحن نرث الأرض} لأنا نميت سكانها، {و} نرث {من عليها} لأنا نميتهم {وإلينا يرجعون} للثواب والعقاب.
{واذكر} لقومك {في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا} مؤمنا مؤقنا {نبيا} رسولا رفيعا.
{إذ قال لأبيه: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع} الدعاء {ولا يبصر} العبادة {ولا يغني} ولا يدفع {عنك} من عذاب الله {شيئا}.
{يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا} .
{يا أبت لا تعبد الشيطان} لا تعطه {إن الشيطان كان للرحمن عصيا} عاصيا .
{يا أبت إني أخاف} إن مت على ما أنت عليه أن يصيبك {عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا} قرينا في النار.
{قال} أبوه محبباً له: {أراغب أنت عن آلهتي} أزاهد فيها وتارك لعبادتها؟! { لئن لم تنته } لئن لم يرجع عن مقالتك في عيبها { لأرجمنك } لأشتمنك { واهجرني مليا } زمانا طويلا من الدهر.
{قال} إبراهيم: {سلام عليك} أي: سلمت مني لا أصيبك بمكروه، وهذا جواب الجاهل، كقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}. {سأستغفر لك ربي} كان هذا قبل أن نهي عن استغفاره، وعده ذلك رجاء أن يجاب فيه {إنه كان بي حفيا} بارا لطيفا.
{وأعتزلكم وما تدعون} أفارقكم وأفارق ما تعبدون من أصنامكم {وأدعو ربي} أعبده { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } بعبادته {شقيا} كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام. يريد: إنه يتقبل عبادتي ويثيبني عليها.
{فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله} وذهب مهاجراً إلى الشام {وهبنا له} بعد الهجرة {إسحاق ويعقوب وكلا} منهما {جعلنا}ه {نبيا} .
{ووهبنا لهم من رحمتنا} يعني: النبوة والكتاب {وجعلنا لهم لسان صدق عليا} ثناء حسنا رفيعا في كل أهل الأديان.
{واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا} موحداً قد أخلص دينه لله.
{وناديناه من جانب الطور الأيمن} حيث أقبل من مدين يريد مصر، فنودي من الشجرة، وكانت في جانب الجبل على يمين موسى {وقربناه نجيا} قربه الله تعالى من السماوات للمناجاة، حتى سمع صرير القلم يكتب له في الألواح.
{ووهبنا له من رحمتنا} من نعمتنا عليه {أخاه هارون نبيا} حين سأل ربه فقال: {واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي}
{واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} إذا وعد وفى، وانتظر إنساناً في مكان وعده عنده حتى حال الحول عليه. {وكان رسولا نبيا} قد بعث إلى جرحهم.
{وكان يأمر أهله} يعني: قومه {بالصلاة والزكاة} المفروضة عليهم {وكان عند ربه مرضيا} لأنه قام بطاعته.
{واذكر في الكتاب} القرآن {إدريس} وقصته {إنه كان صديقا نبيا}.
{ورفعناه مكانا عليا} رفع إلى السماء الرابعة. وقيل: إلى الجنة.
{أولئك الذين} يعني: الذين ذكرهم من الأنبياء كانوا {من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح} ومن ذرية من حملنا مع نوح في سفينته {ومن ذرية إبراهيم} يعني: إسحاق وإسماعيل ويعقوب {وإسرائيل} يعني: موسى وهارون {وممن هدينا} أرشدنا {واجتبينا } اصطفينا {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} جمع باكيا أخبر الله سبحانه أن هؤلاء الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات الله سبحانه ويكوا من خشية الله تعالى.
{فخلف من بعدهم} قفا بعد هؤلاء {خلف} قوم سوء، يعني: اليهود والنصارى والمجوس {أضاعوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة {واتبعوا الشهوات} اللذات من شرب الخمر والزنا {فسوف يلقون غيا} وهو واد في جهنم.
{إلا من تاب} من الشرك {وآمن} وصدق النبيين {وعمل صالحا} أدى الفرائض {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا.
{جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب} بالمغيب عنهم ولم يروها {إنه كان وعده مأتيا} يؤتي ما وعده لا محالة، تأتيه أنت كما يأتيك هو.
{لا يسمعون فيها لغوا} قبيحاً من القول {إلا} لكن {سلاما} قولا حسنا يسلمون منه، والسلام: اسم جامع للخير {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} على قدر ما يعرفون في الدنيا من الغداء والعشاء.
{تلك الجنة التي نورث} نعطي وننزل {من عبادنا من كان تقيا} يتقي الله بطاعته واجتناب معاصيه.
{وما نتنزل} كان جبريل عليه السلام قد احتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم أياماً، فلما نزل قال له: ألا زرتنا، فأنزل الله سبحانه: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا} من أمر الآخرة {وما خلقنا} ما مضى من أمر الدنيا {وما بين ذلك} ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة. وقيل: {له ما بين أيدينا}: يعني: الدنيا، {وما خلفنا} يعني: السماوات، {وما بين ذلك}: الهواء. {وما كان ربك نسيا} تاركاً لك منذ أبطأ عنك الوحي. وقوله:
{هل تعلم له سميا}ت هل تعلم أحداً يسمى الله غيره؟
{ويقول الإنسان} يعني: أبي بن خلف { أإذا ما مت لسوف أخرج حيا } يقول: هذا استهزاء وتكذيبا بالبعث، يقول: لسوف أخرج حيا من قبري بعد ما مت!؟
{أو لا يذكر} يتذكر ويتفكر هذا {الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} فيعلم أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة، ثم أقسم بنفسه انه يبعثهم فقال:
{فوربك لنحشرنهم} يعني: منكري البعث {والشياطين} قرناءهم الذين أضلوا {ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} جماعات، جمع: جثوة.
{ثم لننزعن} لنخرجن {من كل شيعة} أمة وفرقة {أيهم أشد على الرحمن عتيا} الأعتى فالأعتى منهم، وذلك أنه يبدأ في التعذيب بأشدهم عتيا، ثم الذي يليه.
{ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا} أحق بدخول النار.
{وإن منكم} وما منكم من أحد {إلا واردها} إلا وهو يرد النار {كان على ربك} كان الورود على ربك {حتما مقضيا} حتم بذلك وقضى.
{ثم ننجي} من النار {الذين اتقوا} الشرك {ونذر الظالمين} المشركين {فيها جثيا} أي: جميعا.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعني: القرآن وما بين الله فيه {قال الذين كفروا} يعني: مشركي قريش {للذين آمنوا أي الفريقين} منا ومنكم {خير مقاما} منزلا ومسكنا {وأحسن نديا} مجلسا، وذلك أنهم كانوا أصحاب مال وزينة من الدنيا، وكان المؤمنون أصحاب فقر ورثاثة، فقال لهم: نحن أعظم شأنا، وأعز مجلسا، وأكرم منزلا أم أنتم؟ فقال الله تعالى:
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا} متاعاً {ورئيا} منظرا من هؤلاء الكفار، فلم يغن ذلك عنهم شيئا.
{قل من كان في الضلالة} الشرك والجهالة {فليمدد له الرحمن مدا} فإن الله تعالى يمد له فيها ويمهله في كفره، وهذا لفظ أمر معناه الخبر {حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب} في الدنيا {وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا} أهم أم المؤمنون؟ وذلك أنهم إن قتلوا ونصر المؤمنون عليهم علموا أنهم اضعف جندا، وإن ماتوا فدخلوا النار علموا أنهم شر مكانا.
{ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} يزيدهم في يقينهم ورشدهم {والباقيات الصالحات} الأعمال الصالحة {خير عند ربك ثوابا} مما يملك الكفار من المال {وخير مردا} أي: في المرد، وهو الآخرة.
{أفرأيت الذي كفر بآياتنا} يعني: العاص بن وائل {وقال لأوتين مالا وولدا} وذلك أن خباياً اقتضى ديناً له عليه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة؟ ولئن كان ما تقولون حقاً فإني لأفضل نصيباً منك، فأخرني حتى أقضيك في الجنة، استهزاء، فذلك قوله: {لأوتين مالا وولدا} يعني: في الجنة، فقال الله تعالى:
{أطلع الغيب} أعلم علم الغيب حتى عرف أنه في الجنة {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} أم قال: لا إله إلا الله حتى يستحق دخول الجنة؟
{كلا} ليس الأمر كما يقول: {سنكتب ما يقول} سيحفظ عليه ما يقول من الكفر والاستهزاء لنجاريه به {ونمد له من العذاب مدا} نزيده عذاباً فوق العذاب.
{ونرثه ما يقول} من أن في الجنة ذهبا وفضة، فنجعله لغيره من المسلمين {ويأتينا فردا} خاليا من ماله وولده وخدمه.
{واتخذوا من دون الله} يعني: أهل مكة {آلهة} وهي الأصنام {ليكونوا لهم عزا} أعوانا يمنعونهم مني.
{كلا} ليس الأمر على ما ظنوا {سيكفرون بعبادتهم} لأنهم كانوا جمادا لم يعرفوا أنهم يعبدون {ويكونون عليهم ضدا} أعواناً، وذلك أن الله تعالى يحشر آلهتهم فينطقهم، ويركب فيهم العقول فتقول: يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك.
{ألم تر} يا محمد {أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} سلطناهم عليهم بالإغواء {تؤزهم أزا} تزعجهم من الطاعة إلى المعصية.
{فلا تعجل عليهم} بالعذاب {إنما نعد لهم} الأيام والليالي والأنفاس {عدا} إلى انتهاء أجل العذاب.
{يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} ركبانا مكرمين.
{ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا} عطاشا .
{لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ} لكم {عند الرحمن عهدا} اعتقد التوحيد وقال: لا إله إلا الله، فإنه يملك الشفاعة، والمعنى: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله.
{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} يعني: اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله.
{لقد جئتم شيئا إدا} عظيما فظيعا.
{تكاد السماوات} تقرب من أن {يتفطرن} يتشققن {منه} من هذا القول {وتخر} وتسقط {الجبال هدا} سقوطا.
{أن دعوا} لأن دعوا {للرحمن ولدا}.
{وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} لأنه لا يليق به الولد، ولا مجانسة بينه وبين أحد.
{إن كل} ما كل {من في السماوات والأرض إلا} وهو يأتي الله سبحانه يوم القيامة مقراً له بالعبودية.
{لقد أحصاهم وعدهم عدا} أي: علمهم كلهم، فلا يخفي عليه أحد ولا يفوته.
{وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} من ماله وولده وليس معه أحد.
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} محبةً في قلوب المؤمنين، قيل: نزلت في علي بن أبي طالب. وقيل: في عبد الرحمن بن عوف.
{فإنما يسرناه} سهلنا القرآن {بلسانك} بلغتك {لتبشر به المتقين} الذين صدقوا وتركوا الشرك {وتنذر به قوما لدا} شداد الخصومة.
{وكم أهلكنا قبلهم} قبل قومك {من قرن} جماعة {هل تحس} تجد {منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} صوتا.