29-العنكبوت
الم
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
{أحسب الناس أن يتركوا} الآية. نزلت في الذين جزعوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين. معناه احسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما يبين حقيقة إيمانهم.
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
{ولقد فتنا الذين من قبلهم}اختبرنا وابتلينا {فليعلمن الله} صدق {الذين صدقوا} في قولهم: آمنا، بوقوعه منهم، وهو الصبر على البلاء {وليعلمن} كذب {الكاذبين} في قولهم: آمنا، بارتدادهم إلى الكفر عن الدين عند البلاء، ومعنى العلم ها هنا العلم به موجوداً كائناً.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
{أم حسب الذين يعملون السيئات} الشرك {أن يسبقونا} يفوتونا {ساء ما يحكمون} بئس حكماً يحكمون لأنفسهم بهذا الظن.
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
{من كان يرجو لقاء الله} يخشى البعث {فإن أجل الله} وعده بالثواب والعقاب {لات} لكائن. وقوله:
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين}.
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
{ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} أي: بأحسن أعمالهم، وهو الطاعة.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} أمرناه أن يحسن إليهما {وإن جاهداك} اجتهدا عليك {لتشرك بي ما ليس لك به علم} أنه لي شريك {فلا تطعهما} أنزلت في سعد بن أبي وقاص لما أسلم، حلفت أمه أن لا تأكل ولا تشرب، ولا يظلها سقف بيت حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويرجع إلى ما كان عليه، فأمر أن يترضاها ويحسن إليها، ولا يطيعها في الشرك. وقوله:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
{لندخلنهم في الصالحين} أي: في زمرتهم وجملتهم، ومعناه: لنحشرنهم معهم. وقوله:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ
{جعل فتنة الناس} أي:أذاهم وعذابهم {كعذاب الله} جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله، ولا يصبر على الأذية في الله. {ولئن جاء} المؤمنين {نصر من ربك ليقولن} هؤلاء الذين ارتدوا حين أوذوا: {إنا كنا معكم} وهم كاذبون، فقال الله تعالى:{أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} يعني: إنه عالم بإيمان المؤمن وكفر الكافر.
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ
{وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} هذا إخبار عن الله تعالى أنه يعلم إيمان المؤمن وكفر المنافق.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
{وقال الذين كفروا} من أهل مكة {للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا} الطريق الذي نسلكه ي ديننا {ولنحمل خطاياكم} أي: إن كان فيه إثم فنحن نحمله، قال الله تعالى: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء} يخفف عنهم العذاب {إنهم لكاذبون} في قولهم، لأنهم في القيامة لا يحملون عنهم خطاياهم، ثم أعلم الله عز وجل أنهم يحملون أوزار أنفسهم، وأثقالاً أخرى بسبب إضلالهم مع أثقال أنفسهم لأن من دعا إلى ضلالة فاتبع فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه، ثم ذكر أنه يوبخهم على ما قالوا فقال: {وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} أي: سؤال توبيخ. وقوله:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ
{وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون}.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}.
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ
{فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}.
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
{وتخلقون إفكا} أي: تقولون كذباً: إن الأوثان شركاه الله. وقوله:
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
{وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
{أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده} كما بدأ، وليس المعنى: على أو لم يروا كيف يعيده، لأنهم لم يروا الإعادة.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} يعني: الأمم الماضية، كيف قدر الله سبحانه على خلقهم ابتداءً { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } أي: يبعثهم ثانية بإنشائه إيلهم.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
{يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون}.
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
{وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} لو كنتم فيها، ثم عاد الكلام إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
{والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم}.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
{فما كان جواب قومه} حين دعاهم إلى الله سبحانه {إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه} الآية.
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
{وقال} لهم إبراهيم: {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم} أي: ليتوادوا بها، فهي مودة بينكم ما دمتم في هذه الدنيا، تنقطع ولا تنفع في الآخرة، وهو قوله تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض} تتبرأ الأوثان من عابديها. وقوله تعالى:
فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
{فآمن له لوط} هو أول من آمن بإبراهيم عليه السلام {وقال إني مهاجر إلى ربي} هاجر من سواد الكوفة إلى الشام.
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
{ وآتيناه أجره في الدنيا} قيل: هو الذكر الحسن. وقيل: هو الوالد الصالح.
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
{ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}.
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
{وتقطعون السبيل} أي: سبيل الولد. وقيل: يأخذون الناس من الطرق لطلب الفاحشة {وتأتون في ناديكم} مجلسكم {المنكر} كان بعضهم يجامع بعضاً في مجالسهم {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} أنه نازل بنا، وقوله:
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ
{قال رب انصرني على القوم المفسدين}.
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ
{ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين }.
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
{قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين}.
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
{ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين}.
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
{إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
{ولقد تركنا منها} من قرية قوم لوط {آية بينة } عبرةً ظاهرةً، وهي خرابها وآثارها. وقوله:
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
{وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
{فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ
{وكانوا مستبصرين} أي: في ضلالتهم معجبين بها. وقيل: حسبوا أنهم على الهدى وهم على الباطل. وقيل: أتوا ما أتوه وقد بين لهم أن عاقبته العذاب.
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ
{وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين}.
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِ
{فكلا} من الكفار {أخذنا} عاقبنا { بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا} وهم قوم لوط {ومنهم من أخذته الصيحة} قوم ثمود {ومنهم من خسفنا به الأرض} قارون وقومه {ومنهم من أغرقنا} قوم نوح وفرعون {وما كان الله ليظلمهم} لأنه قد بين لهم بإرسال الرسول {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بكفرهم.
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} يعني: الأصنام في قلة غنائها عنهم {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} لا يدفع عنها حراً ولا برداً {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} وذلك أنه لا بيت أضعف منه فيما يتخذه الهوام. {لو كانوا يعلمون} موضعه عند قوله: مثل الذين اتخذوا من دونه أولياء لو كانوا يعملون كمثل العنكبوت، فهو مؤخر معناه التقديم. وقوله:
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
{إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم}.
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
{وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
{خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين}.
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} يعني: إن في الصلاة منهاةً ومزدجراً عن معاصي الله تعالى، فمن لم تنهه صلاته عن المنكر فليست صلاته بصلاة {ولذكر الله أكبر} من كل شيء في الدنيا وأفضل.
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وهو الجميل من القول بالدعاء إلى الله عز وجل، والتنبيه على الحجج {إلا الذين ظلموا منهم} أي: إلا الذين ظلموكم بالقتال ومنع الجزية.
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
{وكذلك} أي: وكما آتيناهم الكتاب {أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به} بمحمد صلى الله عليه وسلم. يعني: من كانوا قبل عصره كانوا يؤمنون به لما يجدونه من نعته في كتابهم {ومن هؤلاء} الذين هو بين ظهرانيهم {من يؤمن به}.
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ
{وما كنت تتلو من قبله} من قبل الكتاب الذي أنزلناه إليك {من كتاب ولا تخطه} ولا تكتبه {بيمينك إذا لارتاب المبطلون} لشكوا فيك واتهموك لو كنت تكتب. وأراد بالمبطلين كفار قريش، يعني: لقالوا: إنه كتبه وتعلمه من كتاب.
بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ
{بل هو} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم والعلم بأنه أمي {آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} من أهل الكتاب، قرؤوها من التوراة وحفظوها.
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
{وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} كما أنزل على من قبله من الأنبياء {قل إنما الآيات عند الله } إذا شاء أرسلها، وليست بيدي.
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
{قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا} يشهد على صدقي وعلى تكذيبكم. وقوله:
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
{قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}.
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
{ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون}.
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
{يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}.
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
{ويقول: ذوقوا ما كنتم تعملون} أي: جزاءه من العذاب.
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
{يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } نزلت في حث من كانوا بمكة لا يقدرون على إظهار دينهم على الهجرة.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
{كل نفس ذائقة الموت} أينما كانت، فلا تقيموا بدار الشرك. وقوله:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
{لنبوئنهم من الجنة غرفا} أي: ولننزلنهم منها قصوراً.
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
{الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}.
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
{وكأين} وكم {من دابة لا تحمل رزقها} فتخبئه لغد { الله يرزقها} يوماً بيوم {وإياكم} وذلك أن الذين كانوا بمكة من المؤمنين إذا قيل لهم اخرجوا إلى المدينة قالوا : فمن يطعمنا بها ، ولا مال لنا هناك فأنزل الله تعالى : {الله يرزقها وإياكم} .
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون}.
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
{الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم}.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
{ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله } على إنزاله الماء لإحياء الأرض {بل أكثرهم لا يعقلون} العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل.
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
{وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب} لنفادها عن قريب {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} الحياة الدائمة {لو كانوا يعلمون} أنها كذلك، ولكنهم لا يعلمون.
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
{فإذا ركبوا في الفلك} وخافوا الغرق {دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
{ليكفروا بما آتيناهم} أي: ليجحدوا بما أنعمنا عليهم من إنجائهم، والظاهر أن هذا لام الأمر، أمر التهديد، ويدل عليه قوله تعالى: {وليتمتعوا فسوف يعلمون}.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ
{أولم يروا} يعني: أهل مكة {أنا جعلنا حرما آمنا} ذا أمن لا يغار على أهله {ويتخطف الناس من حولهم} بالقتل والنهب والسبي {أفبالباطل يؤمنون} يعني: الأصنام {وبنعمة الله} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن {يكفرون}.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ
{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين}.
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
{والذين جاهدوا فينا} أعداء الدين والكفار {لنهدينهم سبلنا} سبل الشهادة والمغفرة: وقيل: من اجتهد في عمل لله زاده الله تعالى هدىً على هدايته {وإن الله لمع المحسنين} بنصره إياهم.